منتدى حكماء رحماء الطبى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الحديث السادس

    avatar
    حكماء
    Admin


    عدد المساهمات : 2700
    تاريخ التسجيل : 30/12/2013

    الحديث السادس Empty الحديث السادس

    مُساهمة من طرف حكماء الخميس 6 ديسمبر 2018 - 9:34

    الحديث السادس Game10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الحديث الشريف
    جامع العلوم والحكم
    الحديث السادس 1410
    ● [ الحديث السادس ] ●

    عَنِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ - رَضي الله عنهُما - قال : سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ : ( إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ ، وبَينَهُما أُمُورٌ مُشتَبهاتٌ ، لا يَعْلَمُهنّ كثيرٌ مِن النَّاسِ ، فَمَن اتَّقى الشُّبهاتِ استبرأ لِدينِهِ وعِرضِه ، ومَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ ، كالرَّاعي يَرعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرتَعَ فيهِ ، ألا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ محارِمُهُ ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إذا صلَحَتْ صلَحَ الجَسَدُ كلُّه ، وإذَا فَسَدَت فسَدَ الجَسَدُ كلُّه ، ألا وهِيَ القَلبُ ).
    رواهُ البُخاريُّ ومُسلمٌ(1).

    الشرح
    هذا الحديث صحيح(2) متفق على صحته من رواية الشعبي ، عن النعمان بن بشير ، وفي ألفاظه بعضُ الزيادة والنقص ، والمعنى واحد أو متقارب .
    -------------------------
    (1) أخرجه : البخاري 1/20 ( 52 ) و3/69 ( 2051 ) ، ومسلم 5/50 ( 1599 ) ( 107 ) و5/51 ( 1599 ) ( 107 ) و( 108 ) .
    وأخرجه : الحميدي ( 918 ) ، وأحمد 4/269 و270 و271 ، والدارمي ( 2534 ) ، وأبو داود ( 3329 ) و(3330 )، وابن ماجه ( 3984 ) ، والترمذي ( 1205 ) ، والنسائي 7/241 و8/327 وفي " الكبرى " ، له ( 5219 ) و( 6040 ) ، وابن الجارود ( 555 ) والطحاوي في " شرح المشكل " ( 749 ) و( 750 ) و( 751 ) ، وابن حبان ( 751 ) ، والبيهقي 5/264 و334 وفي " شعب الإيمان " ، له ( 5740 ) و( 5741 ) و( 5742 ) ، والبغوي ( 2031 ) من طريق الشعبي ، عن النعمان بن بشير ، به .
    (2) عبارة : ( هذا الحديث صحيح ) لم ترد في ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقد روي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمر(1) ، وعمار بن ياسر(2)، وجابر(3)، وابن مسعود ، وابن عباس(4) ، وحديث النعمان أصح أحاديث الباب .
    فقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس ) معناه : أنَّ الحلال المحض بَيِّنٌ لا اشتباه فيه ، وكذلك الحرامُ المحضُ ، ولكن بين الأمرين أمورٌ تشتبه على كثيرٍ من الناس ، هل هي من الحلال أم من الحرام ؟ وأما الرَّاسخون في العلم ، فلا يشتبه عليهم ذلك ، ويعلمون من أيِّ القسمين هي .
    فأما الحلالُ المحضُ : فمثل أكلِ الطيبات من الزروع ، والثمار ، وبهيمة الأنعام ، وشرب الأشربة الطيبة ، ولباسِ ما يحتاج إليه من القطن والكتَّان ، أو الصوف أو الشعر ، وكالنكاح ، والتسرِّي وغير ذلك إذا كان اكتسابُه بعقدٍ صحيح كالبيع ، أو بميراث ، أو هبة ، أو غنيمة .
    والحرام المحض : مثلُ أكل الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وشرب الخمر ، ونكاح المحارم ، ولباس الحرير للرجال ، ومثل الأكساب المحرَّمة كالرِّبا ، والميسر ، وثمن مالا يحل بيعه ، وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو غصب أو تدليس(5) أو نحو ذلك.
    -------------------------
    (1) أخرجه : الطبراني في " الأوسط " ( 2889 ) .
    (2) أخرجه: إسحاق بن راهويه كما في " المطالب العالية " ( 1522 ) ، وأبو يعلى ( 1653 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 1756 ) .
    (3) أخرجه : الخطيب في " تاريخه " 9/70 ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " 15/114 .
    (4) اخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 10824 ) .
    (5) سقطت من ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وأما المشتبه : فمثلُ أكل بعضِ ما اختلفَ في حلِّه أو تحريمهِ ، إمَّا(1) من الأعيان كالخيلِ والبغالِ والحميرِ ، والضبِّ ، وشربِ(2) ما اختلف من الأنبذة التي يُسكِرُ كثيرُها ، ولبسِ ما اختلف في إباحة لبسه من جلود السباع ونحوها ، وإما من المكاسب المختلف فيها كمسائل العِينة(3) والتورّق(4) ونحو ذلك ، وبنحو هذا المعنى فسَّرَ المشتبهات أحمدُ وإسحاق وغيرهما من الأئمة(5) .
    -------------------------
    (1) سقطت من ( ص ) .
    (2) سقطت من ( ص ) .
    (3) في ( ص ) : ( كالعينة ) .
    (4) العينة تقع من رجل مضطر إلى نقد ؛ لأن الموسر يضن عليه بالقرض فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة ثم يبيعها ؛ فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة ، وإنْ باعها من غيره فهي التورق . انظر : حاشية ابن القيم 9/250 .
    (5) انظر : المغني لابن قدامة 4/334-335 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وحاصلُ الأمر أنَّ الله تعالى أنزل على نبيه(1) الكتاب ، وبين فيه للأمة ما يحتاجُ إليه من حلال وحرام ، كما قال تعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } (2) قال مجاهد وغيرُه : لكلِّ شيءٍ أُمِرُوا به أو نُهوا عنه(3) ، وقال تعالى في آخر سورة النساء التي بَيَّنَ الله فيها كثيراً من أحكام الأموال(4) والأبضاع : { يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (5) وقال تعالى : { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه } (6) ، وقال تعالى : { وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُون } (7) ووكل بيان ما أشكل من التنْزيل إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } (8) وما قُبض - صلى الله عليه وسلم - حتّى أكمل له ولأُمته الدينَ ، ولهذا أنزل عليه بعرفة قَبْلَ موته بمدة يسيرة : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً } (9) .
    -------------------------
    (1) في ( ص ) : ( عبده ) .
    (2) النحل : 89 .
    (3) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 16495 ) .
    (4) في ( ص ) : ( بين فيها أحكام الأموال ) .
    (5) النساء : 176 .
    (6) الأنعام : 119 .
    (7) التوبة : 115 .
    (8) النحل : 44 .
    (9) المائدة : 3 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( تَركتُكُم على بَيضاءَ نقية لَيلُها كنهارِها لا يَزِيغُ عنها إلاَّ هالِكٌ )(1) .
    وقال أبو ذرٍّ : توفي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائِرٌ يُحرِّكُ جناحَيهِ في السَّماءِ إلاَّ وقد ذَكَرَ لنا منه عِلماً(2) .
    ولمَّا شكَّ النَّاسُ في موته - صلى الله عليه وسلم - ، قال عمُّه العباس - رضي الله عنه - : والله ما ماتَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتّى تركَ السبيلَ(3) نهجاً واضحاً ، وأحلَّ الحلالَ وحرَّم الحرامَ ، ونكَحَ وطلَّق ، وحارب وسالم ، وما كان راعي غنم يتبع بها رؤوس الجبال يَخْبِطُ عليها العِضاةَ بمِخْبَطهِ ، ويَمْدُرُ حوضَها بيده بأنصَب ولا أدأب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ فيكُم(4) .
    -------------------------
    (1) أخرجه : أحمد 4/126 ، وابن ماجه ( 43 ) ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 48 ) و( 49 ) ، والطبراني في" الكبير " 18/( 619 ) وفي " مسند الشاميين " ، له ( 2017 ) ، والحاكم 1/96 من حديث العرباض بن سارية ، وهو حديث قويٌّ .
    (2) أخرجه : وكيع في " الزهد " ( 522 ) ، والطيالسي ( 479 ) ، وأحمد 5/153 و162 ، والبزار في " مسنده " ( 3897 ) ، والطبري في " تفسيره " ( 10299 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 1647 ) ، والصيداوي في " معجمه " : 142 ، والأثر قويٌّ بطرقه .
    (3) في ( ص ) : ( الطريق ) .
    (4) أخرجه : ابن سعد في " طبقاته " 2/204-205 ، والدارمي ( 83 ) ، من حديث عكرمة مرسلاً .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وفي الجملة فما ترك الله ورسولُه حلالاً إلا مُبيَّناً ولا حراماً إلاَّ مبيَّناً ، لكن بعضَه كان أظهر بياناً(1) من بعض ، فما ظهر بيانُه ، واشتهرَ وعُلِمَ من الدِّين بالضَّرورة من ذلك(2) لم يبق فيه شكٌّ ، ولا يُعذر أحدٌ بجهله في بلدٍ يظهر فيه الإسلام ، وما كان بيانُه دونَ ذلك ، فمنه ما اشتهر بين حملة الشريعة خاصة ، فأجمع العلماء على حله أو حرمته ، وقد يخفى على بعض من ليس منهم ، ومنه ما لم يشتهر بين حملة الشريعة أيضاً ، فاختلفوا في تحليله وتحريمه وذلك لأسباب :
    منها : أنَّه قد يكون النصُّ عليه خفياً لم ينقله إلا قليلٌ من الناس ، فلم يبلغ جميع(3) حملة العلم .
    ومنها : أنَّه قد ينقل فيه نصان ، أحدهما بالتحليل ، والآخر بالتحريم ، فيبلغ طائفةً أحدُ النصين دون الآخرين ، فيتمسكون بما بلغهم ، أو يبلغ النصان معاً من لم يبلغه التاريخ ، فيقف لعدم معرفته بالناسخ .
    ومنها: ما ليس فيه نصٌّ صريحٌ، وإنَّما يُؤخذ من عموم أو مفهوم(4) أو قياس ، فتختلف أفهامُ العلماء في هذا كثيراً .
    ومنها : ما يكون فيه أمر ، أو نهي ، فيختلفُ العلماء في حمل الأمر على الوجوب أو الندب ، وفي حمل النهي على التحريم أو التنْزيه ، وأسبابُ الاختلاف أكثرُ مما ذكرنا .
    -------------------------
    (1) سقطت من ( ص ) .
    (2) من ذلك ) سقطت من ( ص ) .
    (3) سقطت من ( ص ) .
    (4) زاد بعدها في ( ص ) : ( أو منسوخ ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ومع هذا فلابد في الأمة من عالم(1) يُوافق قولُه الحقَّ ، فيكون هو العالِم بهذا الحكم ، وغيرُه يكون الأمر مشتبهاً عليه ولا يكون عالماً بهذا ، فإنَّ هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة ، ولا يظهرُ أهلُ باطلها على أهلِ حقِّها ، فلا يكونُ الحقُّ مهجوراً غير معمولٍ به في جميع الأمصار والأعصار ، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المشتبهات : ( لا يَعْلَمُهُنَّ كثيرٌ من النَّاس ) فدل على أنَّ من الناس من يعلمها ، وإنَّما هي مشتبهة على من لم يعلمها ، وليست مشتبهة في نفس الأمر ، فهذا هو السبب المقتضي لاشتباه بعض الأشياء على كثير من العلماء .
    وقد يقع(2) الاشتباه في الحلال والحرام بالنسبة إلى العلماء وغيرهم من وجه آخر ، وهو أنَّ مِن الأشياء ما يعلم سببُ حِلِّه وهو الملك المتيقن . ومنها ما يُعلم سببُ تحريمه وهو ثبوتُ ملك الغير عليه ، فالأوَّل لا تزولُ إباحته إلا بيقين زوال الملك عنه ، اللهمَّ إلا في الأبضاع عندَ من يُوقعُ الطلاقَ بالشك فيه كمالكٍ ، أو إذا غلب على الظن وقوعُه كإسحاق بن راهويه . والثاني : لا يزول تحريمُه إلا بيقينِ العلم بانتقال الملك فيه .
    وأمَّا ما لا يعلم له أصلُ ملكٍ كما يجده الإنسان في بيته ولا يدري : هل هو له أو لغيره فهذا مشتبه ، ولا يحرم عليه تناوُله ؛ لأنَّ الظاهر أنَّ ما في بيته ملكُه لثبوت يده عليه ، والورعُ اجتنابه ، فقد قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( إنِّي لأنقلب إلى أهلي فأجدُ التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ، ثم أخشى أنْ تكون صدقةً فألقيها ) خرَّجاه في " الصحيحين " (3)
    -------------------------
    (1) في ( ص ) : ( فلا بد من أن يكون في الأمة من عالم ) .
    (2) زاد بعدها في ( ص ) : ( كثير ) .
    (3) صحيح البخاري 3/164 ( 2432 ) ، وصحيح مسلم 3/117 ( 1070 ) ( 162 ) و( 163 ) .
    وأخرجه : عبد الرزاق ( 6944 ) ، وأحمد 2/317 ، وأبو عوانة كما في " إتحاف المهرة " 15/674 ( 20131 ) ، والطحاوي في " شرح المعاني " 2/10 ، وابن حبان ( 3292 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 8/187 ، والبيهقي 7/29-30 وفي " شعب الإيمان " ، له ( 5743 ) من حديث أبي هريرة ، به .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    فإنْ كان هناك من جنس المحظور ، وشكَّ هل هو منه أم لا ؟ قويت الشبهةُ . وفي حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أصابه أرقٌ من الليل ، فقال له بعضُ نسائه : يا رسول الله أرقت الليلة . فقال : ( إني كنتُ أصبتُ تمرةً تحت جنبي ، فأكلتُها وكان عندنا تمر من تمر الصدقة ، فخشيتُ أنْ تكون منه ) (1) .
    ومن هذا أيضاً ما أصلهُ الإباحة كطهارة الماء ، والثوب ، والأرض إذا لم يتيقن زوال أصله ، فيجوز استعمالُه ، وما أصله الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان ، فلا يحلُّ إلا بيقين حله من التذكية والعقد ، فإنْ تردَّد في شيء من ذلك لظهور سبب آخر رجع إلى الأصل فبنى عليه ، فيبني فيما أصله الحرمة على التحريم ولهذا نهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الصيدِ الذي يجدُ فيه الصائد أثر سهمٍ غير سهمه ، أو كلبٍ غير كلبهِ ، أو يجده قد وقع في ماء(2) . وعلل بأنَّه لا يُدرى : هل مات من السبب المبيح له أو من غيره ، فيرجع فيما أصله الحلُّ إلى الحِلِّ ، فلا ينجسُ الماءُ والأرض والثوبُ بمجرّد ظنِّ النجاسة ، وكذلك البدنُ إذا تحقق طهارته ، وشكَّ : هل انتقضت بالحدث عند جمهور العلماء خلافاً لمالك(3) - رحمه الله - إذا لم يكن قد دخل في الصلاة . وقد صحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( أنَّه شُكي إليه الرجلُ يخيل إليه أنَّه يجد الشيءَ في الصلاة )،
    -------------------------
    (1) أخرجه : ابن سعد في " طبقاته " 1/298 ، وأحمد 2/183 و193 .
    (2) أخرجه : البخاري 3/70 ( 2054 ) و7/110 ( 5475 ) و7/111 ( 5476 ) و( 5477 ) و7/113 ( 5483 ) و( 5484 ) و( 5486 ) و7/114 ( 5487 ) و9/146 ( 7397 )، ومسلم 6/56 ( 1929 ) ( 1 ) و( 2 ) و( 3 ) و6/57 ( 1929 ) ( 4 ) و6/58 ( 1929 ) ( 5 ) و( 6 ) و( 7 ) ، وأبو داود ( 2847 ) و( 2849 ) و( 2850 ) و( 2854 ) .
    (3) في ( ص ) : ( كمالك ) بإسقاط كلمة : ( خلافاً ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    فقال : ( لا ينصرف حتّى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً(1) ) وفي بعض الروايات : ( في المسجد ) بدل : ( الصلاة ) .
    وهذا يعمُّ حالَ الصلاةِ وغيرها ، فإنْ وُجِدَ سبب قويٌّ يغلب معه على الظنِّ نجاسة ما أصلُه الطهارة مثل أنْ يكونَ الثوبُ(2) يلبسه كافر لا يتحرَّزُ من النجاسات ، فهذا محلّ اشتباه ، فمن العلماء من رخص فيه أخذاً بالأصل ، ومنهم من كرهه تنزيهاً ، ومنهم من حرمه إذا قوي ظن النجاسة مثل أنْ يكون الكافر ممن لا تباح ذبيحتُه أو يكون ملاقياً لعورته كالسراويل والقميص ، وترجع هذه المسائل وشبهها إلى قاعدةِ تعارض الأصل والظاهر ، فإنَّ الأصل الطهارة والظاهر النجاسة . وقد تعارضت الأدلَّةُ في ذلك.
    -------------------------
    (1) أخرجه : الشافعي في " مسنده " ( 65 ) بتحقيقي ، والحميدي ( 413 ) ، وأحمد 4/39 و40 ، والبخاري 1/46 ( 137 ) و1/55 ( 177 ) و3/71 ( 2056 ) ، ومسلم 1/189 ( 361 ) ( 98 ) ، وأبو داود ( 176 ) ، وابن ماجه ( 513 ) ، والنسائي 1/98-99 وفي " الكبرى " ، له ( 152 ) ، وابن خزيمة ( 25 ) و( 1018 ) ، وأبو عوانة 1/224 ، والبيهقي 1/114 وفي " المعرفة " ، له ( 147 ) من حديث عبد الله بن زيد ، به .
    (2) سقطت من ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    فالقائلون بالطهارة يستدلون بأنَّ الله أحلَّ طعام أهل الكتاب ، وطعامهم إنَّما يصنعونه بأيديهم في أوانيهم ، وقد أجاب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دعوة يهودي(1) ، وكان هو وأصحابه يلبسون ويستعملون ما يجلب إليهم مما نَسَجَه الكفارُ بأيديهم(2) من الثياب والأواني ، وكانوا في المغازي يقتسمون ما وقع لهم من الأوعية والثياب ، ويستعملونها ، وصحَّ عنهم أنَّهم استعملوا الماء مِنْ مزادة مشركة(3) .
    والقائلون بالنجاسة يستدلون بأنَّه صحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه سئل عن آنية أهلِ الكتابِ الذين يأكلون الخنزيرَ ، ويشربون الخمر ، فقال : إن لم تجدوا غيرها ، فاغسلوها بالماء ثم كلوا فيها(4) .
    وقد فسَّر الإمام أحمد الشبهة بأنَّها منْزلةٌ بينَ الحلال والحرام(5) ، يعني : الحلالَ المحض والحرام المحض ، وقال : من اتَّقاها ، فقد استبرأ لدينه ، وفسَّرها تارةً باختلاط الحلال والحرام .
    -------------------------
    (1) أخرجه : ابن سعد في " طبقاته " 1/312 ، وأحمد 3/210 و270 ، والضياء المقدسي في " المختارة " 7/86 ( 2493 ) من حديث أنس بن مالك : أن يهودياً دعا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه ، وهو حديث صحيح .
    (2) بأيديهم ) سقطت من ( ج ) .
    (3) أخرجه : البخاري 1/93 ( 344 ) و4/232 ( 3571 ) ، ومسلم 2/140 ( 882 ) ( 312 ) و2/141 ( 682 ) ( 312 ) ، وابن خزيمة ( 113 ) و( 271 ) ، وابن حبان ( 1301 ) و( 1302 ) من حديث عمران بن حصين ، به.
    (4) أخرجه : أحمد 4/193 و195 ، والبخاري 7/111 ( 5478 ) و7/114 ( 5488 ) و7/117 ( 5496 ) ، ومسلم 6/58 ( 1930 ) ( 8 ) و6/59 ( 1930 ) ( 8 ) ، وابن ماجه ( 2831 ) و( 3207 ) ، والترمذي ( 1464 ) و( 1560 م ) و( 1797 ) ، وابن الجارود ( 916 ) ، وابن حبان ( 5879 ) من حديث أبي ثعلبة الخشني ، به .
    (5) انظر : كتاب الورع لأحمد بن حنبل : 68 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ويتفرَّعُ على هذا معاملة من في ماله حلال وحرام مختلط ، فإنْ كان أكثرُ ماله الحرامَ ، فقال أحمد : ينبغي أنْ يجتنبه إلا أنْ يكونَ شيئاً يسيراً ، أو شيئاً لا يعرف ، واختلف أصحابنا : هل هو مكروه أو محرَّم ؟ على وجهين .
    وإنْ كان أكثرُ ماله الحلال ، جازت معاملته والأكلُ من ماله . وقد روى الحارث عن عليِّ أنَّه قال في جوائز السلطان : لا بأس بها ، ما يُعطيكم من الحلال أكثر مما يُعطيكم من الحرام(1) . وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يُعاملون المشركين وأهلَ الكتاب مع علمهم بأنَّهم لا يجتنبون الحرامَ كلَّه(2).
    وإنْ اشتبه الأمر فهو شبهة ، والورع تركُه . قال سفيان : لا يعجبني ذلك ، وتركه أعجب إليَّ(3).
    وقال الزُّهريُّ ومكحول : لا بأس أنْ يؤكل منه ما لم يعرف أنَّه حرامٌ بعينه ، فإنْ لم يُعلم في ماله حرام بعينه ، ولكنه علم أنَّ فيه شبهةً ، فلا بأس بالأكل منه ، نصَّ عليه أحمد في رواية حنبل .
    وذهب إسحاق بنُ راهويه إلى ما رُوي عن ابن مسعود وسلمانَ وغيرِهما منَ الرُّخصة ، وإلى ما رُوي عَنِ الحسنِ وابنِ سيرين في إباحةِ الأخذ مما يقضي من الرِّبا والقمار ، نقله عنه ابنُ منصور .
    -------------------------
    (1) انظر : المغني 4/334 .
    (2) من ذلك ما أخرجه : البخاري 3/73 ( 2068 ) و3/80 ( 2096 ) و3/101 ( 2200 ) و3/113 ( 2251 ) و( 2252 ) و3/151 ( 2386 ) و3/186 ( 2509 ) و3/187 ( 2513 ) ، ومسلم 5/55 ( 1603 ) ( 124 ) و( 125 ) و( 126 ) من حديث عائشة - رضي الله عنها - : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعاً من حديد .
    (3) قال أحمد بن حنبل : سمعت سفيان بن عيينة يقول : لا يصيب عبد حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال وحتى يدع الإثم وما تشابه منه . الورع لأحمد بن حنبل : 71 و151 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقال الإمام أحمد في المال المشتبه حلاله بحرامه : إنْ كان المالُ كثيراً ، أخرج منه قدرَ الحرام ، وتصرَّف في الباقي ، وإنْ كان المالُ قليلاً ، اجتنبه كلَّه(1) ، وهذا لأنَّ القليل إذا تناول منه شيئاً ، فإنَّه تَبْعُدُ معه السلامةُ من الحرام بخلاف الكثير ، ومن أصحابنا مَنْ حَمَل ذلك على الورع دُون التَّحريم ، وأباح التصرُّف في القليل والكثير بعد إخراج قدر الحرام منه ، وهو قولُ الحنفيَّة وغيرهم ، وأخذ به قومٌ مِنْ أهل الورع منهم بشرٌ الحافي .
    ورخَّص قومٌ من السَّلف في الأكل ممن يعلم في ماله حرام ما لم يعلم أنّه من الحرام بعينه، كما تقدَّم عن مكحولٍ والزُّهريِّ . وروي مثلُه عن الفُضيل بن عياض .
    وروي في ذلك آثارٌ عن السَّلف ، فصحَّ عن ابن مسعود أنَّه سُئِلَ عمَّن له جارٌ يأكلُ الرِّبا علانيةً ولا يتحرَّجُ من مالٍ خبيثٍ يأخُذُه يدعوه إلى طعامه ، قال : أجيبوهُ ، فإنَّما المَهْنأُ لكم والوِزْرُ عليه(2) . وفي رواية أنَّه قال : لا أعلمُ له شيئاً إلاّ خبيثاً أو حراماً ، فقال : أجيبوه . وقد صحح الإمام أحمد هذا عن ابن مسعود ، ولكنَّه عارضه بما رُوي عنه أنَّه قال : الإثم حَوَازُّ القلوب(3) .
    -------------------------
    (1) انظر : المغني 4/334 .
    (2) أخرجه : عبد الرزاق ( 14675 ) و( 14676 ) .
    (3) قول ابن مسعود هذا ، أخرجه : هناد في " الزهد " ( 934 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 8748 ) و( 8749 ) .
    حواز القلوب : رواه شمر بتشديد الواو ، من حاز يحوز ، أي : يجمع القلوب ويغلب عليها ، والمشهور بتشديد الزاي .
    والمشهور عند المحدّثين : جمع حازة ، وهي الأمور التي تَحُزُّ في القلوب وتَحُكُّ وتؤثر . انظر : النهاية 1/459 ، تاج العروس 15/125 ( حرز ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وروي عن سلمان مثلُ قولِ ابنِ مسعود الأول(1) ، وعن سعيد بن جبير ، والحسن البصري ، ومُورِّق العِجلي ، وإبراهيم النَّخعي ، وابنِ سيرين وغيرهم ، والآثار بذلك موجودة في كتاب " الأدب " لحُمَيد بن زَنجويه ، وبعضها في كتاب " الجامع " للخلال ، وفي مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة وغيرهم(2) .
    ومتى علم أنَّ عينَ الشيء حرامٌ ، أُخِذَ بوجه محرم ، فإنَّه يحرم تناولُه ، وقد حَكى الإجماعَ على ذلك ابنُ عبد البرِّ وغيرُه ، وقد رُوي عن ابن سيرين في الرجل يُقضى من الربا ، قال : لا بأس به ، وعن الرجل يُقضى من القمار قال : لا بأس به(3) ، خرَّجه الخلال بإسناد صحيح ، ورُوي عن الحسن خلاف هذا ، وأنَّه قال : إنَّ هذه المكاسب قد فسدت ، فخذوا منها شبه المضطَر .
    وعارض المروي عن ابن مسعود وسلمان ، ما روي عن أبي بكر الصدِّيق أنَّه أكل طعاماً ثم أخبر أنَّه من حرام ، فاستقاءه(4) .
    -------------------------
    (1) أخرجه : عبد الرزاق ( 14677 ) .
    (2) انظر : مصنف عبد الرزاق الأحاديث ( 14678 )-( 14682 ) .
    (3) من قوله : ( وعن الرجل يقضي ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
    (4) أخرجه : البخاري 5/53 ( 3842 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 5770 ) من حديث عائشة - رضي الله عنها - ، قالت : كان لأبي بكر غلامٌ يخرج له الخرج ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوماً بشيءٍ فأكل منه أبو بكر ، فقال له الغلام : تدري ما هذا ؟ فقال أبو بكر : وما هو ؟ قال : كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية ، وما أحسنُ الكهانة إلا أني خدعتهُ فلقيني فأعطاني بذلك ، فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده ، فقاء كل شيء في بطنه .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقد يقع الاشتباه في الحكم ، لكون الفرع متردِّداً بين أصول تجتذبهُ ، كتحريم الرجل زوجته ، فإنَّ هذا متردِّدٌ بين تحريم الظِّهار الذي ترفعه الكفَّارةُ الكبرى ، وبين تحريم الطَّلقة الواحدة بانقضاء عدتها الذي تُباحُ معه الزوجة بعقدٍ جديدٍ ، وبين تحريم الطَّلاق الثلاث الذي لا تُباح معه الزوجةُ(1) بدون زوج وإصابة وبين تحريم الرجل عليه ما أحلَّه الله له مِنَ الطَّعام والشراب الذي لا يحرمه ، وإنَّما يُوجب الكفَّارة الصُّغرى ، أو لا يُوجب شيئاً على الاختلاف في ذلك ، فمن هاهنا كَثُرَ الاختلافُ في هذه المسألة في زمن الصحابة فمن بعدهم .
    وبكل حال فالأمور المشتبهة التي لا تتبين أنَّها حلال ولا حرام لكثير من الناس، كما أخبر به النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، قد يتبيَّنُ لبعضِ النَّاس أنَّها حلال أو حرام ، لما عِنده مِنْ ذلك من مزيدِ علمٍ(2)، وكلام النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يدلُّ على أنَّ هذه المشتبهات مِنَ النَّاسِ من يعلمُها، وكثيرٌ منهم لا يعلمها ، فدخل فيمن لا يعلمها نوعان :
    أحدهما : من يتوقَّف فيها ؛ لاشتباهها عليه .
    والثاني : من يعتقدُها على غيرِ ما هي عليه ، ودل كلامُه على أنَّ غير هؤلاء يعلمها ، ومرادُه أنَّه يعلمها على ما هي عليه في نفس الأمر من تحليل أو تحريم ، وهذا من أظهر الأدلة على أنَّ المصيبَ عند الله في مسائل الحلال والحرام المشتبهة المختلفِ (3) فيها واحدٌ عند الله - عز وجل - ، وغيره ليس بعالم بها ، بمعنى أنَّه غيرُ مصيب لحكم الله فيها في نفس الأمر ، وإنْ كان يعتقدُ فيها اعتقاداً يستندُ فيه إلى شبهة يظنُّها دليلاً ، ويكون مأجوراً على اجتهاده ، ومغفوراً له خطؤه لعدم اعتماده .
    -------------------------
    (1) من قوله : ( بعقد جديد ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
    (2) سقطت من ( ص ) .
    (3) سقطت من ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فمن اتَّقى الشُّبهاتِ ، فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ ، وقع في الحرام ) قسَّم الناس في الأمور المشتبهة إلى قسمين ، وهذا إنَّما هو بالنسبة إلى من هي مشتبهة عليه ، وهو ممن لا يعلمها ، فأمَّا مَنْ كان عالماً بها ، واتَّبع ما دلَّه علمهُ عليها ، فذلك قسمٌ ثالثٌ ، لم يذكره لظهور حكمه ، فإنَّ هذا القسم أفضلُ الأقسام الثلاثةِ ؛ لأنَّه عَلِمَ حكمَ الله في هذه الأمور المشتبهة على النَّاس(1) ، واتَّبع علمَه في ذلك . وأما من لم يعلم حكم الله فيها ، فهم قسمان : أحدهما من يتقي هذه الشبهات ؛ لاشتباهها عليه ، فهذا قد استبرأ لدينه وعرضه .
    ومعنى استبرأ : طلب البراءة لدينه وعرضه(2) مِنَ النَّقْص والشَّين ، والعرض : هو موضعُ المدح والذمِّ من الإنسان ، وما يحصل له بذكره بالجميل مدحٌ ، وبذكره بالقبيح قدحٌ، وقد يكون ذلك تارةً في نفس الإنسان ، وتارةً في سلفه ، أو في أهله ، فمن اتَّقى الأمور المشتبهة واجتنبها ، فقد حَصَّنَ عِرْضَهُ مِنَ القَدح والشَّين الداخل على من لا يجتنبها ، وفي هذا دليل على أنَّ من ارتكب الشُّبهات ، فقد عرَّض نفسه للقدح فيه والطَّعن ، كما قال بعض السَّلف : من عرَّض نفسه للتُّهم ، فلا يلومنَّ من أساء به الظنَّ(3) .
    -------------------------
    (1) عبارة : ( على الناس ) سقطت من ( ص ) .
    (2) عبارة : ( ومعنى استبرأ : طلب البراءة لدينه وعرضه ) سقطت من ( ص ) .
    (3) أخرجه : ابن عدي في " الكامل " 8/479 من طريق سعيد بن المسيب من قول عمر بن الخطاب .
    وأخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 8345 ) من طريق سعيد بن المسيب من قول بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - . بلفظ : ( من عرض نفسه للتهم فلا يلومن الا نفسه ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وفي روايةٍ للترمذي(1) في هذا الحديث : ( فمن تركها استبراءً لدينه وعرضه ، فقد سَلِمَ ) والمعنى : أنَّه يتركُها بهذا القصد - وهو براءةُ دينه وعرضه من النقص - لا لغرضٍ آخر فاسدٍ من رياءٍ ونحوه .
    وفيه دليلٌ على أنَّ طلب البراءة للعرض ممدوحٌ كطلب البراءة للدين ، ولهذا ورد : ( أنَّ ما وقى به المرءُ عِرضَه ، فهو صدقةٌ(2) ) .
    وفي رواية في " الصحيحين " (3) في هذا الحديث : ( فمن ترك ما يشتبه عليه مِنَ الإثمِ ، كان لما استبانَ أتركَ ) يعني : أنَّ من ترك الإثمَ مع اشتباهه عليه ، وعدم تحققه ، فهو أولى بتركه إذا استبان له أنَّه إثمٌ ، وهذا إذا كان تركه تحرُّزاً من الإثم ، فأمَّا من يَقصِدُ التصنعَ للناسِ ، فإنَّه لا يتركُ إلا ما يَظُنُّ أنَّه ممدوحٌ عندهم تركُهُ(4) .
    -------------------------
    (1) في " الجامع الكبير " ( 1205 ) .
    (2) أخرجه : الدارقطني 3/28 ، والحاكم 2/50 ، وهو حديث ضعيف ضعفه الذهبي في التلخيص ، وأقره ابن الملقن في " مختصر استدراك الذهبي " 1/556.
    (3) " صحيح البخاري " 3/69 ( 2051 ) ، ولم نقف عليها في " صحيح مسلم ".
    وأخرجه : الحميدي ( 918 ) ، وأبو عوانة 3/398-399 ، والبيهقي 7/264 و334 من حديث النعمان بن بشير ، بهذا اللفظ .
    (4) سقطت من ( ص ).

    avatar
    حكماء
    Admin


    عدد المساهمات : 2700
    تاريخ التسجيل : 30/12/2013

    الحديث السادس Empty تابع شرح الحديث السادس

    مُساهمة من طرف حكماء الثلاثاء 8 يناير 2019 - 4:33

    ● [ الصفحة التالية ] ●

    القسم الثاني : من يقع في الشبهات مع كونها مشتبهةً عنده ، فأمَّا مَنْ أتى شيئاً مما يظنُّه الناس شبهةً ، لعلمه بأنَّه حلال في نفس الأمر ، فلا حَرَج عليه من الله في ذلك ، لكن إذا خشيَ من طعن الناس عليه بذلك ، كان تركُها حينئذ استبراءً لعرضه ، فيكون حسناً ، وهذا كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمن رآه واقفاً مع صفية : ( إنَّها صفيَّةُ بنتُ حُيي(1) ) . وخرج أنس إلى الجمعة ، فرأى الناسَ قد صلَّوا ورجعوا ، فاستحيى ، ودخل موضعاً لا يراهُ النَّاس فيه ، وقال : ( من لا يستحيي من الناس ، لا يستحيي من الله ) . وخرّجه الطبراني مرفوعاً ، ولا يصحُّ(2) .
    وإنْ أتى ذلك لاعتقاده أنَّه حلال ، إمَّا باجتهادٍ سائغٍ ، أو تقليدٍ سائغٍ ، وكان مخطئاً في اعتقاده ، فحكمهُ حكمُ الذي قبلَه ، فإنْ كان الاجتهادُ ضعيفاً ، أو التقليدُ غيرَ سائغٍ ، وإنَّما حمل عليه مجرّد اتباع الهوى ، فحكمُهُ حكمُ من أتاه مع اشتباهه عليه ، والذي يأتي الشبهات مع اشتباهها عليه ، فقد أخبر عنه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه وقع في الحرام ، وهذا يفسر بمعنيين :
    أحدهما : أنَّه يكونُ ارتكابُهُ للشبهة مع اعتقاده أنَّها شبهة ذريعة إلى ارتكابه الحرام الذي يعتقد أنَّه حرام بالتدريج والتسامح .
    -------------------------
    (1) أخرجه : البخاري 3/64 ( 2035 ) و3/65 ( 2039 ) و4/99 ( 3101 ) و4/150 ( 3281 ) و8/60 ( 6219 )، ومسلم 7/8 ( 2175 ) ( 24 ) ، وأبو داود ( 4994 ) ، وابن ماجه ( 1779 ) ، وابن حبان ( 3671 ) .
    (2) في " الأوسط " ( 7159 ) ، وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 8/27 ، قال : ( وفيه جماعة لم أعرفهم ) . وانظر : فيض القدير 6/312 ( 9095 ).
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وفي رواية في " الصحيحين " (1) لهذا الحديث : ( ومن اجترأَ على ما يشكُّ فيه مِنَ الإثمِ ، أوْشَكَ أنْ يُواقِعَ ما استبانَ ) . وفي رواية : ( ومَنْ يُخالطِ الرِّيبةَ ، يوشِكُ أن يَجْسُرَ(2) ) ، أي : يَقرُب أنْ يقدم على الحرام المحضِ ، والجسورُ : المقدام الذي لا يهابُ شيئاً، ولا يُراقب أحداً ، ورواه بعضهم : ( يجشُر ) بالشِّين المعجمة ، أي : يرتع(3) ، والجَشْر : الرعي ، وجشرتُ الدابة : إذا رعيتها . وفي مراسيل أبي المتوكل الناجي ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( مَنْ يرعى بجنباتِ الحرامِ ، يوشكُ أنْ يخالطهُ ، ومن تهاون بالمحقِّرات ، يُوشِكُ أنْ يُخالِطَ الكبائر ) (4).
    والمعنى الثاني : أنَّ من أقدم على ما هو مشتبهٌ عنده ، لا يدري : أهو حلالٌ أو حرام ، فإنَّه لا يأمن أنْ يكون حراماً في نفس الأمر ، فيُصادِفُ الحرام وهو لا يدري أنَّه حرامٌ . وقد رُوي من حديث ابن عمر عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيِّن وبينهما(5) مُشتبهاتٌ ، فمن اتَّقاها ، كان أنزَه لدينِهِ وعِرضه ، ومن وقعَ في الشُّبهَاتِ أوشَكَ أنْ يقع في الحَرامِ ، كالمرتع حَولَ الحِمى ، يُوشِكُ أنْ يُواقعَ الحِمى وهو لا يشعر ) خرَّجه الطبراني(6) وغيره .
    -------------------------
    (1) صحيح البخاري 3/70 ( 2051 ) ، ولم أقف عليه في " صحيح مسلم " .
    (2) أخرجه : أبو داود ( 3329 ) ، والبزار ( 3268 ) ، والنسائي 8/327 ، وابن حبان ( 721 ) ، من حديث النعمان بن بشير ، به .
    (3) عبارة : ( أي : يرتع ) سقطت من ( ص ) .
    (4) وهو ضعيف لإرساله .
    (5) زاد بعدها في ( ص ) : ( أمور ) .
    (6) في " الأوسط " ( 2889 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    واختلف العلماء : هل يُطيع والديه في الدُّخول في شيءٍ من الشُّبهة أم لا يُطيعهما ؟ فرُوي عن بشر بن الحارث ، قال : لا طاعة لهما في الشُّبهةِ ، وعن محمد ابن مقاتل العبَّادانيِّ قال : يُطيعهما، وتوقف أحمد في هذه المسألة ، وقال : يُداريهما، وأبى أنْ يُجيبَ فيها .
    وقال أحمد : لا يشبعُ الرَّجل مِنَ الشُّبهة ، ولا يشتري الثوبَ للتَّجمُّل من الشُّبهة ، وتوقف في حدِّ ما يُؤكل وما يُلبس منها ، وقال في التَّمرة يلقيها الطيرُ : لا يأكلها ، ولا يأخذها ، ولا يتعرَّضُ لها .
    وقال الثوري في الرجل يجد في بيته الأفلُسَ أو الدَّراهِم : أحبُّ إليَّ أنْ يتنزَّه عنها ، يعني : إذا لم يدرِ من أين هي . وكان بعضُ السَّلف لا يأكلُ إلا شيئاً يعلمُ من أينَ هو ، ويسأل عنه حتّى يقفَ على أصله . وقد رُويَ في ذلك(1) حديثٌ مرفوعٌ ، إلا أنَّ فيه ضعفاً(2)
    -------------------------
    (1) سقطت من ( ص ) .
    (2) لعله الحديث الذي أخرجه : ابن أبي الدنيا في " الورع " ( 115 ) ، والطبراني في " الكبير " 25/( 428 ) ، والحاكم 4/125-126 ، وأبو نعيم في " الحلية " 6/105 من حديث أم عبد الله أخت شداد بن أوس ، أنَّها بعثت إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بقدح لبن عند فطره وهو صائم ، وذلك في طول النهار وشدة الحر ، فرد إليها الرَّسول : ( أنى لك هذا اللبن ؟ ) قالت : من شاةٍ لي ؛ فرد إليها رسولها : ( أنى لك هذا الشاة ؟ ) قالت : أشتريتها من مالي ؛ فشرب، فلما كان من غد ، أتت أم عبد الله النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : يا رسول الله : بعثت إليك بذلك اللبن مرثية لك من طول النهار وشدة الحرِّ، فرددت فيه إليَّ الرسول ! فقال النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( بذلك أُمِرت الرسل قبلي، أنْ لا تأكل إلاّ طيباً ، ولا تعمل إلاّ صالحاً ) بلفظ ابن أبي الدنيا .
    ذكره الهيثمي في " المجمع " 10/291 قال : ( وفيه أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف ) ، وقال الذهبي في " تلخيص المستدرك " 4/126 : ( ابن أبي مريم واهٍ ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( كالرَّاعي يرعى حولَ الحِمى يُوشِكُ أنْ يرتَعَ فيه ، ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حِمى، وإنَّ حِمى اللهِ محارمه ) : هذا مَثَلٌ ضربه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمن وقع في الشُّبهات، وأنَّه يقرُب وقوعه في الحرام المحض ، وفي بعض الروايات أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ( وسأضرب لذلك مثلاً ) ، ثم ذكر هذا الكلامَ ، فجعل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مثلَ المحرمات كالحِمى الذي تحميه الملوكُ ، ويمنعون غيرهم من قُربانه ، وقد جعل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حول مدينته(1) اثني عشر ميلاً حمى محرَّماً لا يُقطعُ شجرُه ولا يُصادُ صيدُه(2) ، وحمى عمرُ وعثمان أماكنَ ينبت فيها الكلأ لأجل إبل الصدقة(3)
    -------------------------
    (1) عبارة : ( حول مدينته ) سقطت من ( ص ) .
    (2) أخرجه : أحمد 2/279 ، ومسلم 4/116 ( 1372 ) ( 472 ) من حديث أبي هريرة .
    (3) أخرجه : البخاري 3/ 148 ( 2370 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، أنَّ الصعب ابن جثامة ، قال : إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا حمى إلا لله ورسوله ) . وقال بلغنا أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع ، وأنَّ عمر حمى السرف والربذة .
    وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 23193 ) من حديث ابن عمر: أنَّ عمر حمى الربذة لنعم الصدقة .
    وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 37690 ) ، والبيهقي 6/147 من حديث أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري ، قال: سمع عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنَّ وفد أهل مصر قد أقبلوا فاستقبلهم فلما سمعوا به أقبلوا نحوه ، قال : وكره أنْ يقدموا عليه بالمدينة فأتوه فقالوا له : ادع المصحف وافتح السابعة وكانوا يسمون سورة يونس السابعة فقرأها حتّى أتى على هذه الآية { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ } ، وقالوا له: قف . أرأيت ما حميت من الحمى، آلله أذن لك أم على الله تفترون ؟ فقال : امضه ، نزلت في كذا وكذا ، فأما الحمى ، فإنَّ عمر حمى الحمى قبلي لإبل الصدقة ، فلما وليت زادت إبل الصدقة ، فزدت في الحمى لما زاد في الصدقة . بلفظ البيهقي .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    والله - عز وجل - حمى هذه المحرَّمات ، ومنع عباده من قربانها وسمَّاها حدودَه ، فقال : { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } (1) ، وهذا فيه بيان أنَّه حدَّ لهم ما أحلَّ لهم وما حرَّم عليهم ، فلا يقربوا الحرامَ ، ولا يتعدَّوا الحلال ، ولذلك قال في آية أخرى : { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (2) ، وجعل من يرعى حول الحمى ، أو قريباً منه جديراً بأنْ يدخُلَ الحِمى ويرتع فيه ، فكذلك من تعدَّى الحلال ، ووقع في الشبهات ، فإنَّه قد قارب الحرام غايةَ المقاربة ، فما أخلقَهُ بأنْ يُخالِطَ الحرامَ المحضَ ، ويقع فيه ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّه(3) ينبغي التباعد عن المحرَّماتِ ، وأنْ يجعل الإنسان بينه وبينها حاجزاً .
    وقد خرّج الترمذي(4) وابن ماجه(5) مِنْ حديثِ عبد الله بن يزيد ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا يبلغُ العبدُ أنْ يكونَ من المتَّقين حَتّى يَدَعَ ما لا بأسَ به حذراً مما به بأسٌ (6) ) .
    -------------------------
    (1) البقرة : 187 .
    (2) البقرة : 229 .
    (3) إلى أنّه ) سقطت من ( ص ) .
    (4) في " الجامع الكبير " ( 2451 ) ، وقال : ( حسن غريب ) على أنَّ في إسناده عبد الله بن يزيد الدمشقي وهو ضعيف .
    (5) في " سننه " ( 4215 ) .
    وأخرجه : عبد بن حميد ( 484 ) ، والطبراني في " الكبير " 17/( 446 ) ، والحاكم 4/319 من حديث عطية السعدي .
    (6) عبارة : ( حذراً مما به بأس ) سقطت من ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقال أبو الدرداء : تمامُ التقوى أنْ يتقي الله العبدُ ، حتّى يتقيَه مِنْ مثقال ذرَّة ، وحتّى يتركَ بعضَ ما يرى أنَّه حلال ، خشيةَ أنْ يكون حراماً ، حجاباً بينه وبينَ الحرام(1) .
    وقال الحسنُ : مازالتِ التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام .
    وقال الثوري : إنما سُموا المتقين ؛ لأنَّهم اتَّقَوْا مالا يُتَّقى(2) . وروي عن ابن عمر قال : إنِّي لأحبُّ أنْ أدعَ بيني وبين الحرام سترةً من الحلال لا أخرقها .
    وقال ميمون بن مهران : لا يسلم للرجل الحلالُ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال(3) .
    وقال سفيان بن عيينة : لا يصيب عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبينَ الحرام حاجزاً من الحلال(4) ، وحتى يدعَ الإثم وما تشابه منه(5) .
    ويستدلُّ بهذا الحديثِ مَنْ يذهب إلى سدِّ الذرائع إلى المحرَّمات وتحريم الوسائل إليها ، ويَدُلُّ على ذلك أيضاً من قواعدِ الشَّريعة تحريمُ قليلِ ما يُسكر كثيرُه(6)
    -------------------------
    (1) أخرجه : نعيم بن حماد في " زياداته " على كتاب " الزهد " لابن المبارك ( 79 ) ، وابن أبي الدنيا في " التقوى " كما في " فتح الباري " 1/68 .
    (2) لم أقف على قول الثوري ؛ ولكن وجدته من كلام ابن عيينة . انظر: حلية الأولياء 7/284 .
    (3) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 4/84 .
    (4) من قوله : ( وقال سفيان بن عيينة ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
    (5) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 7/288 .
    (6) لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما أسكر كثيرة فقليله حرام ) .
    أخرجه : أحمد 3/343 ، واللفظ له ، وأبو داود ( 3681 ) ، وابن ماجه ( 3393 ) ، والترمذي ( 1865 ) ، والطحاوي في " شرح المعاني " 4/217 ، وابن حبان ( 5382 ) ، والبيهقي 8/296 من حديث جابر بن عبد الله ، به ، قال الترمذي : ( حسن غريب ) .
    وله شواهد عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ،عن جده عند أحمد 2/167 و171 ، وابن ماجه ( 3394 ) .
    وعن ابن عمر عند أحمد 2/91 ، وابن ماجه ( 3392 ) ، والبيهقي 8/296 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ، وتحريمُ الخلوة بالأجنبية ، وتحريمُ الصَّلاة بعد الصُّبح وبعدَ العصرِ سدَّاً لذريعة الصَّلاة عند طُلوع الشَّمس وعندَ غروبها(1) ، ومنعُ الصَّائم من المباشرة إذا كانت تحرِّكُ شهوتَه ، ومنع كثيرٍ من العلماءِ مباشرةَ الحائضِ فيما بين سرّتها ورُكبتها إلا مِنْ وراء حائلٍ ، كما كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يأمر امرأتَه إذا كانت حائضاً أنْ تَتَّزر ، فيباشِرُها مِنْ فوق الإزار(2) .
    ومن أمثلة ذلك وهو شبيه(3) بالمثل الذي ضربه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : من سيَّب دابَّته ترعى بقُرْب زرع غيرِه ، فإنَّه ضامن لما أفسدته من الزرع ، ولو كان ذلك
    نهاراً(4)
    -------------------------
    (1) ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنَّ الصلاة لا تجوز في هذه الأوقات بإطلاق لا فريضة مقضية ولا سنة ولا نافلة إلا عصر يومه ، قالوا : فإنَّه جوّز أنْ يقضيه عند غروب الشمس إذا نسيه ، انظر : بداية المجتهد 1/191 ، والمفصّل 1/338 .
    (2) عن عائشة ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر إحدانا إذا حاضت تأتزر ، ثم يباشرها .
    أخرجه : الطيالسي ( 1375 ) ، وأحمد 6/134 ، واللفظ له ، والبخاري 1/82 ( 300 ) ، ومسلم 1/166 ( 293 ) ( 1 ) ، وأبو داود ( 268 ) ، وابن ماجه ( 635 ) و( 636 ) ، وابن الجارود ( 106 ) ، وابن حبان ( 1364 ) و( 1367 ) ، والبيهقي 1/310 ، والبغوي ( 317 ) .
    (3) عبارة : ( وهو شبيه ) سقطت من ( ص ) .
    (4) عن حرام بن سعد ، قال : إنَّ ناقة البراء بن عازب دخلت حائطاً لقوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل الأموال حفظها بالنهار ، وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها .
    ... أخرجه : الشافعي في " مسنده " ( 1691 ) بتحقيقي ، واللفظ له ، وأحمد 5/435-436 ، وابن ماجه ( 2332 ) ، والبيهقي 8/341 ، والبغوي ( 2169 ) .
    جاء في كتاب ابن سحنون أنَّ الحديث إنَّما جاء في أمثال المدينة التي لها حيطان محدقة ، وأما البلاد التي هي زروع متصلة غير محظرة وبساتين كذلك فيضمن أرباب الغنم ما أفسدت من ليل أو نهار . انظر : المحرر الوجيز لابن عطية : 1289 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ، هذا هو الصحيح ؛ لأنَّه مُفَرِّطٌ بإرسالها في هذه الحال .
    وكذا الخلاف لو أرسل كلبَ الصَّيدِ قريباً من الحرم ، فدخل الحرمَ فصاد فيه ، ففي ضمانه روايتان عن أحمد(1) ، وقيل : يضمنه بكلِّ حال(2) .
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا وإنَّ في الجسد مضغةً ، إذا صَلَحَتْ ، صَلَحَ الجسدُ كلُّه ، وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه ، ألا وهي القلب ) ، فيه إشارةٌ إلى أنَّ صلاحَ حركاتِ العبدِ بجوارحه ، واجتنابه للمحرَّمات واتَّقاءه للشُّبهات بحسب صلاحِ حركةِ قلبِه .
    فإنْ كان قلبُه سليماً ، ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يُحبه الله ، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه ، صلحت حركاتُ الجوارح كلّها ، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرَّمات كلها ، وتوقي للشبهات حذراً مِنَ الوقوعِ في المحرَّمات .
    وإنْ كان القلبُ فاسداً ، قدِ استولى عليه اتِّباعُ هواه ، وطلب ما يحبُّه ، ولو كرهه الله ، فسدت حركاتُ الجوارح كلها ، وانبعثت إلى كلِّ المعاصي والمشتبهات بحسب اتِّباع هوى القلب .
    ولهذا يقال : القلبُ مَلِكُ الأعضاء ، وبقيَّةُ الأعضاءِ جنودُه ، وهم مع هذا(3) جنودٌ طائعون له، منبعثون في طاعته، وتنفيذ أوامره ، لا يخالفونه في شيءٍ من ذلك، فإنْ كان الملكُ صالحاً كانت هذه الجنود صالحةً ، وإنْ كان فاسداً كانت جنودُه بهذه المثابَةِ فاسدةً ، ولا ينفع عند الله إلاّ القلبُ السليم(4)
    -------------------------
    (1) انظر : الهداية للكلوذاني 1/229 بتحقيقي ، والمغني لابن قدامة 3/354-355.
    (2) وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي ، وانظر : المغني لابن قدامة 3/354-355 .
    (3) عبارة : ( جنوده وهم مع هذا ) سقطت من ( ص ) .
    (4) ورد في هذا حديث عن أبي هريرة موقوف .
    أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20375 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 109 ) .
    وانظر : نوادر الأصول للحكيم الترمذي 2/192-193 و3/150 ، وفيض القدير للمناوي ( 6191 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ، كما قال تعالى : { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } (1) ، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه : ( اللهم إني(2) أسألُكَ قلباً سليماً )(3) ، فالقلب السليم : هو السالم من الآفات والمكروهات كلِّها ، وهو القلبُ الذي ليس فيه سوى محبة الله وما يحبُّه الله ، وخشية الله ، وخشية ما يُباعد منه .
    وفي " مسند الإمام أحمد " (4) عن أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه ) .
    والمراد باستقامة إيمانه : استقامةُ أعمال جوارحه ، فإنَّ أعمالَ الجوارحِ لا تستقيمُ إلا باستقامة القلب ، ومعنى استقامة القلب : أنْ يكونَ ممتلئاً مِنْ محبَّةِ الله(5) ، ومحبَّة طاعته ، وكراهة معصيته .
    -------------------------
    (1) الشعراء : 88-89 .
    (2) عبارة : ( اللهم إني ) لم ترد في ( ج ) .
    (3) أخرجه : أحمد 4/123 و125 ، والترمذي ( 3407 ) ، والنسائي 3/54 وفي " الكبرى " ، له ( 10648 ) ، وابن حبان ( 1974 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 7135 ) و( 7175 ) ، والحاكم 1/508 من حديث شداد بن أوس ، به . وإسناده ضعيف .
    (4) 3/198 ، وإسناده ضعيف لضعف علي بن مسعدة .
    وأخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " ( 887 ) عن أنس . وله شاهد عن الحسن ، عن بعض أصحاب النبي عند البيهقي في " شعب الإيمان " ( 8 ) .
    (5) في ( ص ) : ( ممتلئاً من خشية الله ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقال الحسن(1) لرجل : داوِ قلبكَ؛ فإنَّ حاجة الله إلى العباد صلاحُ قلوبهم(2) ، يعني : أنَّ مراده منهم ومطلوبه صلاحُ قلوبهم ، فلا صلاحَ للقلوب حتَّى تستقرَّ فيها معرفةُ اللهِ وعظمتُه(3) ومحبَّتُه وخشيتُهُ ومهابتُه ورجاؤهُ والتوكلُ عليهِ ، وتمتلئَ مِنْ ذَلِكَ ، وهذا هوَ حقيقةُ التوحيد ، وهو معنى ( لا إله إلا الله ) ، فلا صلاحَ للقلوب حتَّى يكونَ إلهُها الذي تألَهُه وتعرفه وتحبُّه وتخشاه هوَ الله وحده لا شريكَ لهُ ، ولو كانَ في السماوات والأرض إله يُؤَلَّه سوى الله ، لفسدت بذلك(4) السماوات والأرض ، كما قالَ تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا } (5) .
    فعلم بذلك أنَّه لا صلاحَ للعالَم العلويِ والسُّفليّ(6) معاً حتى تكونَ حركاتُ أهلها كلُّها لله (7) ، وحركاتُ الجسدِ تابعةً لحركةِ القلب وإرادته ، فإنْ كانت حركتُه وإرادتُه لله وحدَه ، فقد صَلَحَ وصَلَحَتْ حركاتُ الجسدِ كلِّه(8) ، وإنْ كانت حركةُ القلب وإراداته لغيرِ الله تعالى فسدَ ، وفسدت حركاتُ الجسد بحسب فسادِ(9) حركة القلب .
    وروى الليثُ ، عن مجاهدٍ في قوله تعالى : { لا تُشْرِكوا به شيئاً } (10) قال : لا تحبُّوا غيري .
    -------------------------
    (1) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 2/154 .
    (2) في ( ص ) : ( فإن مراد الله في العباد القلوب ) .
    (3) سقطت من ( ص ) .
    (4) سقطت من ( ص ) .
    (5) الأنبياء : 22 .
    (6) في ( ص ) : ( والعالم السفلي ) .
    (7) في ( ص ) : ( لله وحده لا شريك له ) .
    (8) من قوله : ( وإن كانت حركته ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
    (9) سقطت من ( ص ) .
    (10) النساء : 36 ، والأنعام : 151 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وفي " صحيح الحاكم " عن عائشة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الشِّركُ أخفى من دبيب الذرِّ(1) على الصفا في اللَّيلة الظَّلماء ، وأدناهُ أنْ تُحِبَّ على شيءٍ من الجور ، وأنْ تُبغض على شيءٍ من العدل ، وهل الدِّينُ إلا الحبُّ والبغض ؟ قال الله - عز وجل - : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله } (2) ) (3) فهذا يدلُّ على أنَّ محبةَ ما يكرهه الله ، وبغضَ ما يُحبه متابعةٌ للهوى ، والموالاة على ذلك والمعاداة عليه من الشرك الخفيِّ ، ويدل على ذلك قوله : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله } فجعل الله علامة الصدق في محبته اتباعَ رسولِهِ ، فدلَّ على أنَّ المحبة لا تتمُّ بدون الطاعة والموافقة .
    قال الحسن : قال أصحابُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، إنّا نُحِبُّ ربنا حباً شديداً . فأحبَّ الله أنْ يجعل لحبه عَلَماً(4) ، فأنزل الله هذه الآية : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله } . ومن هنا قال الحسن : اعلم أنَّك لن تُحِبَّ الله حتى تُحِبَّ طاعته .
    -------------------------
    (1) في ( ص ) : ( النمل ) .
    (2) آل عمران : 31 .
    (3) أخرجه : الحاكم 2/291 ، وابن الجوزي في " العلل المتناهية " 2/823 ( 1378 ) وهو حديث ضعيف ضعفه الدارقطني وابن الجوزي والذهبي .
    (4) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 5385 ) ، وطبعة التركي 5/325 ، وانظر : تفسير ابن أبي حاتم ( 3402 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وسئل ذو النون : متى أُحِبُّ ربي ؟ قالَ : إذا كانَ ما يُبغضه عندك أمرَّ من الصبر(1) . وقال بشر بن السَّرِي : ليس من أعلام الحبِّ أنْ تُحبَّ ما يُبغِضُه حبِيبك(2) . وقال أبو يعقوب النهرجوري : كلُّ من ادَّعى محبة الله - عز وجل - ، ولم يُوافق الله في أمره ونهيه (3)، فدعواه باطل . وقال رُويم : المحبة الموافقة في كلِّ الأحوال ، وقال يحيى بنُ معاذ : ليس بصادقٍ من ادَّعى محبة الله ولم يحفظ حدوده ، وعن بعض السَّلف قال : قرأتُ في بعض الكتب السالفة : من أحبَّ الله لم يكن عنده شيء آثرَ من رضاه ، ومن أحبَّ الدنيا لم يكن عنده شيء آثر من هوى نفسه .
    وفي " السنن " عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ أعطى للهِ ، ومنع لله ، وأحب لله ، وأبغض لله ، فقد استكمل الإيمان ) (4) ومعنى هذا أنَّ حركات القلب والجوارح إذا كانت كلُّها لله فقد كَمُلَ إيمانُ العبد بذلك ظاهراً وباطناً ، ويلزمُ من صلاح حركات القلب صلاحُ حركات الجوارح ، فإذا كان القلب صالحاً ليس فيه إلا إرادة الله وإرادة ما يريده لم تنبعثِ الجوارحُ إلا فيما يُريده الله، فسارعت إلى ما فيه رضاه، وكَفَّتْ عما يكرهه ، وعما يخشى أنْ يكونَ مما يكرهه(5) وإنْ لم يتيقن ذلك .
    قال الحسن : ما نظرتُ ببصري ، ولا نطقتُ بلساني ، ولا بطشتُ بيدي ، ولا نهضتُ على قدمي حتّى أنظر على طاعةٍ أو على معصية ، فإنْ كانت طاعةٌ تقدمت ، وإنْ كانت معصية تأخَّرت .
    -------------------------
    (1) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 3/363 و392 .
    (2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/300 .
    (3) سقطت من ( ج ) .
    (4) تقدم تخريجه .
    (5) عبارة : ( وعما يخشى أن يكون مما يكرهه ) سقطت من ( ص ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقال محمد بن الفضل البَلخي : ما خطوتُ منذ أربعين سنة خطوةً لغير الله - عز وجل - . وقيل لداود الطائي : لو تنحيتَ من الظلِّ إلى الشمس ، فقال : هذه خُطا لا أدري كيف تكتب(1) .
    فهؤلاء القوم لما صلحت قلوبُهم ، فلم يبق فيها إرادةٌ لغير الله - عز وجل - ، صلحت جوارحُهم ، فلم تتحرّك إلا لله - عز وجل - ، وبما فيه رضاه ، والله تعالى أعلم .
    -------------------------
    (1) انظر : صفوة الصفوة لابن الجوزي 3/69 .
    ● [ تم شرح الحديث ] ●

    الحديث السادس Fasel10

    جامع العلوم والحكم
    لإبن رجب الحنبلي
    منتدى ميراث الرسول . البوابة
    الحديث السادس E110


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 23 نوفمبر 2024 - 18:12