منتدى حكماء رحماء الطبى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    متابعة الجواب عن كلمات أهل الوحدة

    avatar
    حكماء
    Admin


    عدد المساهمات : 2700
    تاريخ التسجيل : 30/12/2013

    متابعة الجواب عن كلمات أهل الوحدة Empty متابعة الجواب عن كلمات أهل الوحدة

    مُساهمة من طرف حكماء السبت 20 فبراير 2021 - 6:56

    متابعة الجواب عن كلمات أهل الوحدة Akeda_11

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة العقيدة
    جامع الرسائل فى العقيدة
    إبطال وحدة الوجود والرد على القائلين بها
    متابعة الجواب عن كلمات أهل الوحدة
    متابعة الجواب عن كلمات أهل الوحدة 1410
    ● [ القسم الثانى من المسألة ] ●

    القسم الثانى من المسألة وفيه لأوحد الدين الكرماني:
    ما غبت عن القلب ولا عن عيني ● ما بينكم وبيننا من بين
    غيره:
    لا تحسب بالصلاة والصوم تنال ● قرباً ودنواً من جمال وجلال
    فارق ظلم الطبع تكن متحداً ● بالله وإلا كل دعــواك مـــحـــال
    غيره للحلاج:
    إذا بلغ الصب الكمال من الهوى ● وغاب عن المذكور في سطوة الذكر
    يشاهد حقاً حين يشهده الهوى ● بأن صلاة العارفين من الكفـر
    للشيخ نجم الدين بن إسرئيل:
    الكون يناديك أما تسمعني ● من ألف أشتاتي ومن فرقني
    أنظر أتراني منظراً معتبراً ● ما فيّ سوى وجود من أوجدني
    وله:
    ذرات وجود هي للحق شهود ● أن ليس لموجود سوى الخلق وجود
    والكون وإن تكثرت عدته ● منه إلى علاه يبده ويعود
    وله:
    برئت إليك من قولى وفعلي ● ومن ذاتي براءة مستقيل
    وما أنا في طراز الكون شيء ● لأني مثل ظل مستحيل
    للعفيف التلمساني:
    أحن إليه وهو قلبي وهل يرى ● سواي أخو وجد يحن لقلبه
    ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري ● وما بعده إلا لإفراط قربه
    قال بعض السلف: التوحيد لا لسان له ولا لسنة كلها لسانه.
    وفيه لا يعرف التوحيد إلا الواحد، ولا تصح العبارة عن التوحيد، وذلك أنه لا يعبر عنه إلا بغير، ومن أثبت غيراً فلا توحيد له.
    وفيه: سمعت من الشيخ محمد بن بشر النواوي أنه ورد سيدنا الشيخ علي الحريري إلى جامع نوى قال الشيخ محمد: فوجئت فقبلت الأرض بين يديه وجلست فقال: يا بني وقفت مدة مع المحبة فوجدتها غير المقصود لأن المحبة لا تكون إلا من غير لغير وغير ما ثم، ثم،
    وقفت مدة مع التوحيد فوجدته كذلك لأن التوحيد لا يكون إلا من عبد لرب، لو أنصف الناس ما رأوا عبداً ولا معبوداً.
    وفيه: سمعت من الشيخ نجم الدين بن إسرائيل مما أسر إلي أنه سمع من شيخنا الشيخ علي الحريري في العام الذي توفي فيه قال: يا نجم رأيت لهاتي الفوقانية فوق السموات وحنكي تحت الأرض، ونطق لساني بلفظة لو سمعت مني ما وصل إلى الأرض من دمي قطرة، فلما كان بعد ذلك بمدة قال شخص في حضرة سيدي الشيخ حسن بن الحريري: يا سيدي حسن، ما خلق الله أقل عقلاً ممن ادعى أنه إله مثل فرعون ونمرود وأمثالهما، فقلت أنا هذه المقالة ما يقولها إلا أجهل خلق الله أو أعرف خلق الله. فقال: صدقت. وذلك أنه سمعت من جدك يقول رأيت كذا وكذا. فذكر ما روى نجم الدين عن الشيخ.
    وفيه: قال بعض السلف: من كان عين الحجاب على نفسه فلا حاجب ولا محجوب.
    الجواب عن القسم الثانى من المسألة
    O وأما قول القائل:
    ما غبت عن القلب ولا عن عيني ● ما بينكم وبيننا من بين
    فهذا القول مبني على قول هؤلاء وهو باطل متناقض فإن مقتضاه أنه يرى الله بعينه وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت " وقد اتفق أئمة المسلمين على أن أحداً من المؤمنين لا يرى الله بعينه في الدنيا ولم يتنازعوا إلا في النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مع أن جماهير الأئمة على أنه لم يره بعينه في الدنيا وعلى هذا دلت الآثار الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والصحابة وأئمة المسلمين.
    ولم يثبت عن ابن عباس ولا عن الإمام أحمد وأمثالهما أنهم قالوا: رأى ربه بعينه بل الثابت عنهم إما إطلاق الرؤية وإما تقييدها بالفؤاد وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة أنه رآه بعينه وقوله: " أتاني البارحة ربي في أحسن صورة " الحديث الذي رواه الترمذي وغيره إنما كان بالمدينة في المنام هكذا جاء مفسراً وكذلك أم الطفيل وحديث ابن عباس وغيرهما مما فيه رؤية ربه إنما كان بالمدينة كما جاء مفسراً في الأحاديث والمعراج كان بمكة كما قال: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)، وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع، وقد ثبت بنص قرآني أن موسى قيل له: (لن تراني) وأن رؤية الله أعظم من إنزال كتاب من السماء فمن قال أن أحداً من الناس يراه فقد زعم أنه أعظم من موسى بن عمران ودعواه أعظم من دعوى من ادعى أن الله أنزل عليه كتاباً من السماء.
    المسلمون في رؤية الله على ثلاثة أقوال فالصحابة والتابعون وأئمة المسلمين على أن الله يرى في الآخرة بالأبصار عياناً وأن أحداً لا يراه في الدنيا بعينه لكن يرى في المنام ويحصل للقلوب في المكاشفات والمشاهدات ما يناسب حالها، ومن الناس من تقوى مشاهدة قلبه حتى يظن أنه رأى ذلك بعينه وهو غالط، ومشاهدات القلوب تحصل بحسب إيمان العبد ومعرفته في صورة مثالية كما قد بسط في غير هذا الموضع.
    والقول الثاني: قول نفاة الجهمية أنه لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة.
    والثالث: قول من يزعم أنه يرى في الدنيا والآخرة.
    وحلولية الجهمية يجمعون بين النفي والإثبات فيقولون أنه لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة وأنه يرى في الدنيا والآخرة وهذا قول ابن عربي صاحب الفصوص وأمثاله لأن الوجود المطلق الساري في الكائنات لا يرى وهو وجود الحق عندهم.
    ثم من أثبت الذات قال: يرى متجلياً فيها ومن فرق بين المطلق والمعين قال: لا يرى إلا مقيداً بصورة وهؤلاء قولهم دائر بين أمرين: إنكار رؤية الله وإثبات المخلوقات ويجعلون المخلوق هو الخالق أو يجعلون الخالق حالاً في المخلوق وإلا فتفريقهم بين الأعيان الثابتة في الخارج وبين وجودها هو قول من يقول بأن المعدوم شيء في الخارج وهو قول باطل وقد ضموا إليه أنهم جعلوا نفس وجود المخلوق هو وجود الخالق وأما التفريق بين المطلق والمعين مع أن المطلق لا يكون هو في الخارج مطلقاً يقتضي أن يكون الرب معدوماً وهذا هو جحود الرب وتعطيله، وإن جعلوه ثابتاً في الخارج جعلوه جزءاً من الموجودات فيكون الخالق جزءاً من المخلوق أو عرضاً قائماً بالمخلوق، وكل هذا مما يعلم فساده بالضرورة، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.
    O وأما تناقضه فقوله:
    ما غبت عن القلب ولا عن عيني ● ما بينكم وبيننا من بين
    يقتضي المغايرة وأن المخاطَب غير المخاطِب وأن المخاطب له عين قلب لا يغيب عنها المخاطب بل يشهده القلب والعين والشاهد غير المشهود.
    وقوله: ما بينكم وبيننا من بين، فيه إثبات ضمير المتكلم وضمير المخاطب وهذا إثبات لاثنين، وإن قالوا مظاهر ومجالي قيل فإن كانت المظاهر والمجالي غير الظاهر المتجلي فقد ثبتت التثنية وبطل التعدد، وإن كان هو إياها فقد بطلت الوحدة فالجمع بينهما تناقض، وقول القائل:
    فارق ظلم الطبع تكن متحداً ● بالله وإلا كل دعواك محال
    إن أراد الاتحاد المطلق فالمفارق هو المفارق وهو الطبع وظلم الطبع وهو المخاطب بقوله: " وكن متحداً بالله " وهو المخاطب بقوله: " كل دعواك محال " وهو القائل هذا القول، وفي ذلك من التناقض ما لا يخفى. وإن أراد الاتحاد المقيد فهو ممتنع لأن الخالق والمخلوق إذا اتحدا فإن كانا بعد الاتحاد اثنين كما كانا قبل الاتحاد فذلك تعدد وليس باتحاد، وإن كانا استحالا إلى شيء ثالث كما يتحد الماء واللبن والنار والحديد ونحو ذلك مما يشبه النصارى بقولهم في الاتحاد لزم من ذلك أن يكون الخالق قد استحال وتبدلت حقيقته كسائر ما يتحد مع غيره فإنه لا بد أن يستحيل وهذا ممتنع على الله ينزه الله عن ذلك، لأن الاستحالة تقتضي عدم ما كان موجود أو الرب تعالى واجب الوجود بذاته وصفاته اللازمة له يمتنع العدم على شيء من ذلك، ولأن صفات الرب اللازمة له صفات كمال فعدم شيء منها نقص تعالى الله عنه، ولأن اتحاد المخلوق بالخالق يقتضي أن العبد متصف بالصفات القديمة اللازمة لذات الرب وذلك ممتنع على العبد المحدث المخلوق فإن العبد يلزمه الحدوث والافتقار والذل وصفات الرب تعالى اللازمة القدم والغنى والعزة وهو سبحانه قديم غني عزيز بنفسه يستحيل عليه نقيض ذلك فاتحاد أحدهما بالآخر يقتضي أن يكون الرب متصفاً بنقيض صفاته من الحدوث والفقر والذل، والعبد متصفاً بنقيض صفاته من القدم والغنى الذاتي والعز الذاتي وكل ذلك ممتنع وبسط هذا يطول، ولهذا سئل الجنيد عن التوحيد فقال: التوحيد إفراد الحدوث عن القدم. فبين أنه لا بد من تمييز المحدث عن القديم، ولهذا اتفق أئمة المسلمين على أن الخالق بائن عن مخلوقاته ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته بل الرب رب والعبد عبد (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً، لقد أحصاهم وعدهم عداً، وكلهم آتية يوم القيامة فرداً)، وإن كان المتكلم بهذا البيت أراد الاتحاد الوصفي وهو أن يحب العبد ما يحبه الله، ويبغض ما يبغضه الله، ويرضى بما يرضي الله، ويغضب لما يغضب الله، ويأمر بما يأمر الله، وينهى عما ينهى الله، ويوالي من يواليه الله، ويعادي من يعاديه الله، ويحب لله، ويبغض لله، ويعطي لله، ويمنع لله، بحيث يكون موافقاً لربه تعالى فهذا المعنى حق وهو حقيقة الإيمان وكماله وفي الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يقول الله تعالى من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفسي عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه ". وهذا الحديث يحتج به أهل الوحدة وهو حجة عليهم من وجوه كثيرة منها أنه قال: " من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة " فأثبت نفسه ووليه ومعادي وليه وهؤلاء ثلاثة، ثم قال: " وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب لي بالنوافل حتى أحبه " فأثبت عبداً يتقرب إليه بالفرائض ثم بالنوافل وأنه لا يزال يتقرب بالنوافل حتى يحبه فإذا أحبه كان العبد يسمع به ويبصر به ويبطش به ويمشي به، وهؤلاء هو عندهم قبل أن يتقرب بالنوافل وبعده هو عين العبد وعين غيره من المخلوقات فهو بطنه وفخذه لا يخصون ذلك بالأعضاء الأربعة المذكورة في الحديث فالحديث مخصوص بحال مقيد وهم يقولون بالإطلاق والتعميم فأين هذا من هذا، وكذلك قد يحتجون بما في الحديث الصحيح إن الله يتجلى لهم يوم القيامة ثم يأتيهم في صورة غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه ثم يأتيهم في الصورة التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا. فيجعلون هذا حجة لقولهم أنه يرى في الدنيا في كل صورة بل هو كل صورة وهذا الحديث حجة عليهم - في هذا - أيضاً فإنه لا فرق عندهم بين الدنيا والآخرة وهو عندهم في الآخرة فالمنكرون الذين قالوا نعوذ بالله منك حتى يأتينا ربنا هؤلاء الملاحدة يقولون أن العارف يعرفه في كل صورة فإن الذين أنكروه يوم القيامة في بعض الصور كان لقصور معرفتهم، وهذا جهل منهم فإن الذين أنكروه يوم القيامة ثم عرفوه لما تجلى لهم في الصورة التي رأوه فيها أول مرة هم الأنبياء والمؤمنون وكان إنكارهم مما حمدهم سبحانه وتعالى عليه فإنه امتحنهم بذلك حتى لا يتبعوا غير الرب الذي عبدوه فلهذا قال في الحديث وهو يسألهم ويثبتهم: " وقد نادى المنادي ليتبع كل قوم ما كانوا يعبدون " ثم يقال لهؤلاء الملاحدة إذا كان عندهم هو الظاهر في كل صورة فهو المنكِر وهو المنكَر كما قال بعض هؤلاء لآخر من قال لك: إن في الكون سوى الله فقد كذب، وقال له الآخر: فمن هو الذي كذب، وذكر ابن عربي أنه دخل على مريد له في الخلوة وقد جاءه الغائط فقال ما أبصر غيره أبول عليه، فقال له شيخه: فالذي يخرج من بطنك من أين هو، قال: فرجت عني.
    ومر شيخان منهم التلمساني هذا والشيرازي على كلب أجرب ميت فقال الشيرازي للتلمساني: هذا أيضاً من ذاته، فقال التلمساني: هل ثم شيء خارج عنها? وكان التلمساني قد أضل شيخاً زاهداً عابداً ببيت المقدس يقال له أبو يعقوب المغربي المبتلى حتى كان يقول: الوجود واحد، وهو الله، ولا أرى الواحد، ولا أرى الله.
    ويقول نطق الكتاب والسنة بثنوية الوجود والوجود واحد لا ثنوية فيه، ويجعل هذا الكلام له تسبيحاً يتلوه كما يتلو التسبيح.
    O وأما قول الشاعر:
    إذا بلغ الصب الكمال من الهوى ● وغاب عن المذكور في سطوة الذكر
    يشاهد حقاً حين يشهده الهوى ● بأن صلاة العارفين من الكفـر
    فهذا الكلام مع أنه كفر هو كلام جاهل لا يتصور ما يقول فإن الفناء والغيب هو أن يغيب بالمذكور عن الذكر وبالمعروف عن المعرفة وبالمعبود عن العبادة حتى يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل، وهذا مقام الفناء الذي يعرض لكثير من السالكين لعجزهم عن كمال الشهود المطابق للحقيقة، بخلاف الفناء الشرعي فمضمونه الفناء بعبادته عن عبادة ما سواه وبحبه عن حب ما سواه، وبخشيته عن خشية ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه، فإن هذا تحقيق التوحيد والإيمان.
    وأما النوع الثالث: من الفناء وهو الفناء عن وجود السوى بحيث يرى أن وجود الخالق هو وجود المخلوق - فهذا هو قول هؤلاء الملاحدة أهل الوحدة، والمقصود هنا أن قوله يغيب عن المذكور كلام جاهل قال: هذا لا يحمد أصلاً بل المحمود أن يغيب بالمذكور عن الذكر لا يغيب عن المذكور في سطوات الذكر اللهم إلا أن يريد أنه غاب عن المذكور فشهد المخلوق وشهد أنه الخالق ولم يشهد الوجود إلا واحداً ونحو ذلك من المشاهد الفاسدة فهذا شهود أهل الإلحاد لا شهود الموحدين ولعمري إن من شهد هذا الشهود الإلحادي فإنه يرى صلاة العارفين من الكفر,
    O وأما قول القائل:
    الكون يناديك أما تسمعني ● من ألف أشتاتي ومن فرقني
    أنظر أتراني منظراً معتبراً ● ما فيّ سوى وجود من أوجدني
    فهو من قول هؤلاء الملاحدة وأقوالهم كفر متناقض باطل في العقل والدين فإنه إذا لم يكن فيه إلا وجود من أوجده كان ذلك الوجود هو الكون المنادي وهو المخاطب المنادى وهو الأشتات المؤلفة المفرقة وهو المخاطب الذي قيل له: انظر، وحينئذ يكون الوجود الواجب القديم الأزلي قد أوجد نفسه وفرقها وألفها، فهذا جمع بين النقيضين فالواجب هو الذي لا تقبل ذاته العدم فممتنع أن يكون الشيء الواحد قابلاً للعدم غير قابل للعدم، والقديم هو الذي لا أول لوجوده والمحدث هو الذي له أول، فيمتنع كون الشيء الواحد قديماً محدثاً ولولا أن قد علم مرادهم بهذا القول لأمكن أن يراد بذلك: ما في سوى الوجود الذي خلقه من أوجدني، وتكون إضافة الوجود إلى الله إضافة الملك لكن قد علم أنه لم يرد هذا ولأن هذه العبارة لا تستعمل في هذا المعنى وإنما يراد بوجود الله وجود ذاته لا وجود مخلوقاته وهكذا قول القائل:
    وله ذات وجـود ال ● كون الحق شهـود
    أنه ليس لموجو ● د سوى الحق وجود
    مراده أن وجود الكون هو نفس وجود الحق وهذا هو قول أهل الوحدة وإلا فلو أراد أن وجود كل موجود من المخلوقات هو من الحق تعالى فليس لشيء موجود من نفسه وإنما وجوده من ربه والأشياء باعتبار أنفسها لا تستحق سوى العدم وإنما حصل لها الوجود من خالقها وبارئها فهي دائمة الافتقار إليه لا تستغني عنه لحظة لا في الدنيا ولا في الآخرة - لكان قد أراد معنى صحيحاً وهو الذي عليه أهل العقل والدين من الأولين والآخرين، وهؤلاء القائلون بالوحدة قولهم متناقض ولهذا يقولون الشيء ونقيضه وإلا فقوله: منه وإلى علاه يبدي ويعيد، يناقض الوحدة فمن هو البادئ والعائد منه وإليه إذا لم يكن إلا واحد، وقوله:
    وما أنا في طراز الكون شيء ● لأني مثل ظل مستحيل
    يناقض الوحدة لأن الظل مغاير لصاحب الظل فإذا شبه المخلوق بالظل لزم إثبات اثنين كما إذا شبهه بالشعاع فإن شعاع الشمس ليس هو نفسه قرص الشمس وكذلك إذا شبهه بضوء السراج وغيره والنصارى تشبه الحلول والاتحاد بهذا.
    وقلت لمن حضرني منهم بشيء من هذا: فإذا كنتم تشبهون المخلوق بالشعاع الذي للشمس والنار والخالق بالنار والشمس فلا فرق في هذا بين المسيح وغيره فإن كل ما سوى الله على هذا هو بمنزلة الشعاع والضوء فما الفرق بين المسيح وبين إبراهيم وموسى، بل ما الفرق بينه وبين سائر المخلوقات على هذا، وجعلت أردد عليه هذا الكلام، وكان في المسجد جماعة، حتى فهمه جيداً وتبين له وللحاضرين أن قولهم باطل لا حقيقة له وإن ما أثبتوه للمسيح إما ممتنع في حق كل أحد وإما مشترك بين المسيح وغيره، وعلى التقديرين فتخصيص المسيح بذلك باطل وذكرت له أنه ما من آية جاء بها المسيح إلا وقد جاء موسى بأعظم منها فإن المسيح صلى الله عليه وسلم وإن كان جاء بإحياء الموتى فالموتى الذين أحياهم الله على يد موسى أكثر كالذين قالوا: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة)، ثم أحياهم الله بعد موتهم، وقد جاء بإحياء الموتى غير واحد من الأنبياء، والنصارى يصدقون بذلك، وأما جعل العصا حية فهذا أعظم من إحياء الميت فإن الميت كانت فيه حياة فردت الحياة إلى محل كانت فيه الحياة، وأما جعل خشبة يابسة حيواناً تبتلع العصي والحبال فهذا أبلغ في القُدر وأقدر فإن الله يحيي الموتى ولا يجعل الخشب حياة.
    O وأما إنزال المائدة من السماء فقد كان ينزل على عسكر موسى كل يوم من المن والسلوى وينبع لهم من الحجر من الماء ما هو أعظم من ذلك فإن الحلو أو اللحم دائماً هو أجل في نوعه وأعظم في قدره مما كان على المائدة من الزيتون والسمك وغيرهما، وذكرت له نحواً من ذلك مما تبين أن تخصيص المسيح بالاتحاد ودعوى الإلهية ليس له وجه، وإن سائر ما يذكر فيه أما أن يكون مشتركاً بينه وبين غيره من المخلوقات وإما أن يكون مشتركاً بينه وبين غيره من الأنبياء والرسل مع أن بعض الرسل كإبراهيم وموسى قد يكون أكمل في ذلك منه، وأما خلقه من امرأة بلا رجل فخلق حواء من رجل بلا امرأة أعجب من ذلك فإنه خلق من بطن امرأة وهذا معتاد بخلاف الخلق من ضلع رجل فإن هذا ليس بمعتاد فما من أمر يذكر في المسيح صلى الله عليه وسلم إلا وقد شركه فيه أو فيما هو أعظم منه غيره من بني آدم.
    فعلم قطعاً أن تخصيص المسيح باطل وأن ما يدعى له أن كان ممكناً فلا اختصاص له به وإن كان ممتنعاً فلا وجود له فيه ولا في غيره ولهذا قال هؤلاء الاتحادية أن النصارى إنما كفروا بالتخصيص وهذا أيضاً باطل فإن الاتحاد عموم وخصوص والمقصود هنا أن تشبيه الاتحادية أحدهم بالظل المستحيل يناقض قولهم بالوحدة، وكذلك قول الآخر:
    أحن إليه وهو قلبي وهل يرى ● سواي أخو وجد يحن لقلبه
    ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري ● وما بعده إلا لإفراط قربه
    هو مع ما قصده به من الكفر والاتحاد كلام متناقض فإن حنين الشيء إلى ذاته متناقض ولهذا قال وهل يرى أخو وجد يحن لقلبه، وقوله: وما بعده إلا لإفراط قربه، متناقض فإنه لا قرب ولا بعد عند أهل الوحدة فإنها تقتضي أن يقرب أحدهما من الآخر والواحد لا يقرب من ذاته ويبعد من ذاته.
    O وأما قول القائل: التوحيد لا لسان له والألسنة كلها لسانه - فهذا أيضاً من قول أهل الوحدة وهو مع كفره قول متناقض فإنه يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن لسان الشرك لا يكون له لسان التوحيد وأن أقوال المشركين الذين قالوا: (لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً)، والذين قالوا: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)ن والذين قالوا (وما نحن بتاركي آلهتنا وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء)، والذين قالوا: (حرقوه وانصروا آلهتكم)، ونحو هؤلاء لسان هذا هو لسان التوحيد. وأما تناقض هذا القول على أصلهم فإن الوجودان كان أحداً كان إثبات التعدد تناقضاً فإذا قال القائل: الوجود واحد، وقال الآخر: ليس بواحد بل يتعدد، كان هذان قولين متناقضين فيمتنع أن يكون أحدهما هو الآخر وإذا قال الألسنة كلها لسانه فقد صرح بالتعدد في قوله: الألسنة كلها، وذلك يقتضي أن لا يكون هذا اللسان هو هذا اللسان فثبت التعدد وبطلت الوحدة، وكل كلام لهؤلاء ولغيرهم فإنه ينقض قولهم فإنهم مضطرون إلى إثبات التعدد.
    فإن قالوا: الوجود واحد بمعنى أن الموجودات اشتركت في مسمى الوجود فهذا صحيح لكن الموجودات المشتركات في مسمى الواحد لا يكون وجود هذا منها عين وجود هذا اشتراك في الاسم العام الكلي كالاشتراك في الأسماء التي يسميها النحاة اسم الجنس، ويقسمها المنطقيون إلى جنس ونوع وفصل وخاصة وعرض عام، فالاشتراك في هذه الأسماء هو مستلزم لتباين الأعيان وكون أحد المشتركين ليس هو الآخر وهذا مما به يعلم أن وجود الحق مباين للمخلوقات أعظم من مباينة هذا الموجود لهذا الموجود فإذا كان وجود الفلك مبايناً مخالفاً لوجود الذرة والبعوضة فوجود الحق تعالى أعظم مباينة لوجود كل مخلوق من مباينة وجود ذلك المخلوق لوجود مخلوق آخر.
    وهذا وغيره مما يبين بطلان قول ذلك الشيخ حيث قال لا يعرف التوحيد إلا الواحد ولا تصح العبارة عن التوحيد وذلك لا يعبر عنه إلا بغير ومن أثبت غيراً فلا توحيد له - فإن هذا الكلام مع كفره متناقض فإن قوله: لا يعرف التوحيد إلا واحد، يقتضي أن هناك واحداً يعرفه وأن غيره لا يعرفه، هذا تفريق بين من يعرفه ومن لا يعرفه، وإثبات اثنين أحدهما يعرفه والآخر لا يعرفه إثبات للمغايرة بين من يعرفه ومن لا يعرفه، فقوله بعد هذا من أثبت غيراً فلا توحيد له، يناقض هذا، وقوله: إنه لا تصح العبارة عن التوحيد، كفر بإجماع المسلمين، فإن الله قد عبر عن توحيده ورسوله عبر عن توحيده والقرآن مملوء من ذكر التوحيد بل إنما أرسل الله الرسل وأنزل الكتب بالتوحيد وقد قال تعالى: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون)، وقال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)، ولو لم يكن عنه عبارة لما نطق به أحد وأفضل ما نطق به الناطقون هو التوحيد كما قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: " أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله "، وقال: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " لكن التوحيد الذي يشير إليه هؤلاء الملاحدة وهو وحدة الوجود أمر ممتنع في نفسه لا يتصور تحققه في الخارج فإن الوحدة العينية الشخصية تمتنع في الشيئين المتعددين ولكن الوجود واحد في نوع الوجود بمعنى أن الاسم الموجود اسم عام يتناول كل أحد كما أن اسم الجسم والإنسان ونحوهما يتناول كل جسم وكل إنسان وهذا الجسم ليس هو ذاك وهذا الإنسان ليس هو ذاك وكذلك هذا الوجود ليس هو ذاك.
    O وقوله: لا يصح التعبير عنه إلا بغير يقال له - أولاً - التعبير عن التوحيد يكون بالكلام والله يعبر عن التوحيد بكلام الله فكلام الله وعلمه وقدرته وغير ذلك من صفاته لا يطلق عليه عند السلف والأئمة القول بأنه الله ولا يطلق عليه بأنه غير الله لأن لفظ الغير قد يراد به ما يباين غيره وصفة الله لا تباينه، ويراد به ما لم يكن إياه، وصفة الله ليست إياه ففي أحد الاصطلاحين يقال إنه غير وفي الاصطلاح الآخر لا يقال إنه غير فلهذا لا يطلق أحدهما إلا مقروناً ببيان المراد لئلا يقول المبتدع إذا كانت صفة الله غيره فكل ما كان غير الله فهو مخلوق فيتوسل بذلك إلى أن يجعل علم الله وقدرته وكلامه ليس هو صفة قائمة به بل مخلوقة في غيره فإن هذا فيه من تعطيل صفات الخالق وجحد كماله ما هو من أعظم الإلحاد وهو قول الجهمية الذي كفرهم السلف والأئمة تكفيراً مطلقاً، وإن كان الواحد المعين لا يكفر إلا بعد قيام الحجة التي يكفر تاركها. وأيضاً فيقال لهؤلاء الملاحدة إن لم يكن في الوجود غير بوجه من الوجوه لزم أن يكون كلام الخلق وأكلهم وشربهم ونكاحهم وزناهم وكفرهم وشركهم وكل ما يفعلونه من القبائح هو نفس وجود الله ومعلوم أن من جعل هذا صفة لله كان من أعظم الناس كفراً وضلالاً فمن قال إنه عين وجود الله كان أكفر وأضل فإن الصفات والأعراض لا تكون عين الموجود القائم بنفسه وأئمة هؤلاء الملاحدة كابن عربي يقول:
    وكل كلام في الوجود كلامه ● سواء علينا نثره ونظامه
    فيجعلون كلام المخلوقين من الكفر والكذب وغير ذلك كلاماً لله وأما هذا اللحيد فزاد على هؤلاء فجعل كلامهم وعبادتهم نفس وجوده لم يجعل ذلك كلاماً له بل يقال أن يكون هنا كلام لئلا يثبت غير آله وقد علم بالكتاب والسنة والإجماع وبالعلوم العقلية الضرورية إثبات غير الله تعالى وإن كل ما سواه من المخلوقات فإنه غير الله تعالى ليس هو الله ولا صفة من صفات الله ولهذا أنكر الله على من عبد غيره ولو لم يكن هناك غير لما صح الإنكار قال تعالى: (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) وقال تعالى: (قل أغير الله أتخذ ولياً) وقال تعالى: (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض) وقال تعالى: (أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً).
    وكذلك قول القائل: وجدت المحبة غير المقصود لأنها لا تكون إلا من غير لغير وغير ما ثم، ووجدت التوحيد غير المقصود لأن التوحيد ما يكون إلا من عبد لرب، لو أنصف الناس ما رأوا عبداً ولا معبوداً - هو كلام فيه من الكفر والإلحاد والتناقض ما لا يخفى فإن الكتاب والسنة وإجماع المسلمين أثبتت محبة الله لعباده المؤمنين ومحبتهم له كقوله تعالى: (والذين آمنوا أشد حباً لله) وقوله: (يحبهم ويحبونه) وقوله: (أحب إليكم من الله ورسوله) وقوله: (إن الله يحب المتقين)، (يحب المحسنين)، (يحب التوابين ويحب المتطهرين).
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار "، وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على إثبات محبة الله تعالى لعباده المؤمنين ومحبتهم له وهذا أصل دين الخليل إمام الحنفاء عليه السلام، وأول من أظهر ذلك في الإسلام الجعد بن درهم فضحى به خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى بواسط قال: أيها الناس ضحوا يقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم، أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً. ثم نزل فذبحه.
    O وقوله: المحبة ما تكون إلا من غير لغير، وغير ما ثم - كلام باطل من كل وجه فإن قوله: لا يكون إلا من غير ليس بصحيح فإن الإنسان يحب نفسه وليس غيراً لنفسه والله يحب نفسه، وقوله ما ثم غير - باطل فإن المخلوق غير الخالق والمؤمنون غير الله وهم يحبونه فالدعوى باطلة فكل واحدة من مقدمتي الحجة باطلة - قوله: لا تكون إلا من غير لغير، وقوله: غير ما ثم - فإن الغير موجود والمحبة تكون من المحبوب لنفسه يحب نفسه ولهذا كثير من الاتحادية يناقضه في هذا ويقول كما قال ابن الفارض.
    O وكذلك قوله: التوحيد لا يكون إلا من عبد لرب ولو أنصف الناس ما رأوا عابداً ولا معبوداً - كلا المقدمتين باطل فإن التوحيد يكون من الله لنفسه فإنه يوحد نفسه بنفسه كما قال تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو)، والقرآن مملوء من توحيد الله لنفسه فقد وحد نفسه بنفسه كقوله: (وإلهكم إله واحد) وقوله: (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد)، (فاعلم أنه لا إله إلا الله) وأمثال ذلك، وأما الثانية فقوله: إن الناس لو أنصفوا ما رأوا عابداً ولا معبوداً - مع أنه غاية في الكفر والإلحاد كلام متناقض فإنه إذا لم يكن عابد ولا معبود بل الكل واحد فمن هم الذين لا ينصفون، إن كانوا هم الله فيكون الله هو الذي لا ينصف وهو الذي يأكل ويشرب ويكفر كما يقول ذلك كثير منهم مثلما قال بعضهم لشيخه: الفقير إذا صح أكل بالله فقال له الآخر: الفقير إذا صح أكل الله، وقد صرح ابن عربي وغيره من شيوخهم لأنه هو الذي يجوع ويعطش ويمرض ويبول وينكح وينكح وأنه موصوف بكل نقص وعيب لأن ذلك هو الكمال عندهم كما قال في الفصوص: فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستقصي به جميع الأمور الوجودية النسب العدمية سواء كانت محمودة عرفاً وعقلاً وشرعاً أو مذمومة عرفاً وعقلاً وشرعاً وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة، وقال: لا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات وأخبر بذلك عن نفسه وبصفات النقص والذم، ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الخالق فهي كلها من أولها إلى آخرها صفات للعبد كما أن صفات العبد من أولها إلى صفات لله تعالى. هذا المتكلم بمثل هذا الكلام يتناقض فيه فإنه يقال له: فأنت الكامل في نفسك الذي لا ترى عابداً ولا معبوداً يعاملك بموجب مذهبك فيضرب ويوجع ويهان ويصفع ويظلم فمن فعل به ذلك واشتكى أو صاح منه وبكى وقيل له ما ثم غير ولا عابد ولا معبود فلم يفعل بك هذا غيرك بل الضارب هو المضروب والشاتم هو المشتوم والعابد هو المعبود فإن قال: تظلم من نفسه واشتكى من نفسه قيل له: فقل أيضاً عبد نفسه، فإذا أثبت ظالماً أو مظلوماً وهماً واحد فأثبت عابداً ومعبوداً وهما واحد. ثم يقال له هذا الذي يضحك ويضرب هو نفس الذي يبكي ويصيح وهذا الذي شبع وروى هو نفس هذا الذي جاع وعطش فإن اعترف بأنه غيره أثبت المغايرة وإذا أثبت المغايرة بين هذا وهذا فبين العابد والمعبود أولى وأحرى وإن قال هو هو عومل معاملة جنس السوفسطائية فإن هذا القول من أقبح السفسطة فيقال إذا كان هو هو فنحن نضربك ونقتلك والشيء قتل نفسه وأهلك نفسه، والإنسان قد يظلم نفسه بالذنوب فيقول: (ربنا ظلمنا أنفسنا) لكون نفسه أمرته بالسوء والنفس أمارة بالسوء لكن جهة أمرها ليس جهة فعلها بل لا بد من نوع تعدد إما في الذات وإما في الصفات وكل أحد يعلم بالحس والاضطرار أن هذا الرجل الذي ظلم ذاك ليس هو إياه وليس هو بمنزلة الرجل الذي ظلم نفسه، وإذا كان هذا في المخلوقين فالخالق أعظم مباينة للمخلوقين من هذا لهذا سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
    ولولا أن أصحاب هذا القول كثروا وأظهروا وانتشروا وهم عند كثير من الناس سادات الأنام، ومشايخ الإسلام، وأهل التوحيد والتحقيق، وأفضل أهل الطريق، حتى يفضلهم على الأنبياء والمرسلين، وأكابر مشايخ الدين، لم يكن بنا حاجة إلى بيان فساد هذه الأحوال، وإيضاح هذا الضلال: ولكن يعلم بذلك أن الضلال حد له، وإنه إذا كررت العقول لم يبق لضلالها حد معقول، فسبحان من فرق في نوع الإنسان فجعل منه من هو أفضل العالمين، وجعل منه من هو من شرار الشياطين، ولكن تشبيه هؤلاء بالأنبياء والأولياء، كتشبيه مسيلمة الكذاب، بسيد أولي الألباب، هو الذي يوجب جهاد الملحدين الذين يفسدون الدنيا والدين والمقصود هنا رد هذه الأقوال، وبيان الهدى من الضلال، وأما توبة من قالها وموته على الإسلام، فهذا يرجع إلى الملك العلام، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ومن الممكنات أنه قد تاب جل أصحاب هذه المقالات والله تعالى غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب، والذنب وإن عظم والكفر وإن غلظ وجسم فإن التوبة تمحو ذلك كله، والله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب بل يغفر الشرك وغيره للتائبين كما قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) وهذه الآية عامة مطلقة لأنها للتائبين وأما قوله: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، فإنها مقيدة خاصة لأنها في حق غير التائبين لا يغفر لهم الشرك وما دون الشرك معلق بمشيئة الله تعالى.
    والحكاية المذكورة عن الذي قال إنه التقم العالم كله وأراد أن يقول أنا الحق وأختها التي قيل فيها إن الإلهية لا يدعها إلا أجهل خلق الله وأعرف خلق الله - هو من هذا الباب، والفقير الذي قال ما خلق الله أقل عقلاً ممن ادعى أنه إلى مثل فرعون ونمرود وأمثالهما هو الذي نطق بالصواب، وسدد الخطاب؛ ولكن هؤلاء الملاحدة يعظمون فرعون وأمثاله ويدعون أنهم من موسى وأمثاله حتى إنه حدثني بهاء الدين عبد السيد الذي كان قاضي اليهود وأسلم وحسن إسلامه وكان قد اجتمع بالشيرازي أحد شيوخ هؤلاء ودعاه إلى هذا القول وزينه له فحدثني بذلك فبينت له ضلال هؤلاء وكفرهم وإن قولهم من جنس قول فرعون فقال لي: إنه لما دعاه حسن الشيرازي قال له: قولكم هذا يشبه قول فرعون، فقال: نعم ونحن على قول فرعون، وكان عبد السيد لم يسلم بعد، فقال: أنا لا أدع موسى وأذهب إلى فرعون، قال له: ولم، قال: لأن موسى أغرق فرعون، فانقطع فاحتج عليه بالنصر القدري الذي نصر الله موسى لا بكونه كان رسولاً صادقاً، قلت لعبد السيد: وأقر لك أنه على قول فرعون، قال: نعم، قلت: فمن سمع إقرار الخصم لا يحتاج إلى بينة أنا كنت أريد أن أبين لك أن قولهم هو قول فرعون فإذا كان قد أقر بهذا حصل المقصود.
    فهذه المقالات وأمثالها من أعظم الباطل وقد نبهنا على بعض ما به يعرف معناها وأنه باطل والواجب إنكارها فإن إنكار هذا المنكر الساري في كثير من المسلمين أولى من إنكار دين اليهود والنصارى الذي لا يضل به المسلمون لا سيما وأقوال هؤلاء شر من قول اليهود والنصارى ومن عرف معناها واعتقدها كان من المنافقين الذين أمر الله بجهادهم بقوله تعالى: (جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم) والنفاق إذا عظم كان صاحبه شراً من كفار أهل الكتاب، وكان في الدرك الأسفل من النار. وليس لهذه المقالات وجه سائغ ولو قدر أن بعضها يحتمل في اللغة معنى صحيحاً فإن ما يحمل عليها إذا لم يعرف مقصود صاحبها وهؤلاء قد عرف مقصودهم كما عرف دين اليهود والنصارى والرافضة ولهم في ذلك كتب مصنفة وأشعار مؤلفة وكلام يفسر بعضه بعضاً وقد علم مقصودهم بالضرورة، فلا ينازع في ذلك إلا جاهل لا يلتفت إليه ويجب بيان معناها وكشف مغزاها لمن أحسن الظن بها أو خيف عليه أن يحسن الظن بها وأن يضل، فإن ضرر هذه على المسلمين أعظم من ضرر السموم التي يأكلونها ولا يعرفون أنها سموم، وأعظم من ضرر السراق والخونة الذين لا يُعرفون أنهم سراق وخونة، فإن هؤلاء غاية ضررهم موت الإنسان أو ذهاب ماله وهذه مصيبة في دنياه قد تكون سبباً لرحمته في الآخرة، وأما هؤلاء فيسقون الناس شراب الكفر والإلحاد في آنية أنبياء الله وأوليائه ويلبسون ثياب المجاهدين في سبيل الله وهم في الباطن من المحاربين لله ورسوله، ويظهرون كلام الكفار والمنافقين، في قوالب ألفاظ أولياء الله المحققين، فيدخل الرجل معهم على أن يصير مؤمناً ولياً لله فيصير منافقاً عدواً لله. ولقد ضربت لهم مرة مثلاً بقوم أخذوا طائفة من الحجاج ليحجوا بهم فذهبوا بهم إلى قبرص، فقال لي بعض من كان قد انكشف له ضلالهم من أتباعهم: لو كانوا يذهبون بنا إلى قبرص لكانوا يجعلوننا نصارى وهؤلاء يجعلوننا شراً من النصارى، والأمر كما قاله هذا القائل.
    وقد رأيت وسمعت عمن ظن هؤلاء من أولياء الله وأن كلامهم كلام العارفين المحققين من هو من أهل الخير والدين ما لا أحصيهم فمنهم من دخل في اتحادهم وفهمه وصار منهم، ومنهم من كان يؤمن بما لا يعلم، ويعظم ما لا يفهم، ويصدق بالمجهولات، وهؤلاء هم أصلح الطوائف الضالين وهم بمنزلة من يعظم أعداء الله ورسوله ولا يعلم أنهم أعداء الله ورسوله، ويوالي المشركين، وأهل الكتاب، ظاناً أنهم من أهل الإيمان وأولي الألباب، وقد دخل بسبب هؤلاء الجهال المعظمين لهم من الشر على المسلمين، ما لا يحصيه إلا رب العالمين، وهذا الجواب لم يتسع لأكثر من هذا الخطاب والله أعلم.
    ● [ انتهت الرسالة ] ●

    متابعة الجواب عن كلمات أهل الوحدة Fasel10

    جامع الرسائل فى العقيدة
    تأليف : ابن تيمية
    منتدى ميراث الرسول ـ البوابة
    متابعة الجواب عن كلمات أهل الوحدة E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 31 أكتوبر 2024 - 19:36