حدثنا أبوداود قال: حدثنا الحافظ أبوعمرو المقري قال: حدثنا أبوالقاسم سلمة بن سعيد بن سلمة الأستجي. وحدثنا أيضاً أبوعمرو قال: حدثنا .. عبد الله .. حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري رحمه الله تعالى قال: المحمود الله تعالى في كل حال والمصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين وبالله أستعين:
● [ عرض الكتاب ] ●
اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الله عز وجل أثنى على المتهجدين في الليل فأحسن عليهم الثناء ووعدهم أحسن ما يكون من الوعد الجميل ورغب النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل وحث أمته عليه وهكذا العلماء رغبوا فيه وحثوا على قيامه ونَبُلَ عند جميع المسلمين من كان له حظ في قيام فنحن نبين لإخواننا ما فيه من الفضل العظيم والحظ الجزيل ليكون الراغب في قيام الليل على بصيرة من أمره يتاجر مولاه الكريم بعلم ويحسن الخدمة للمولى رجاء القربة منه فأما ما وصف الله عز وجل به المتقين من أخلاقهم الشريفة في الدنيا التي أعقبتهم عند الله عز وجل شرف المنازل في دار السلام فأثنى عليهم بما تفضل به عليهم ووفقهم له فله الحمد على ذلك قال الله عز وجل: ( إن المتقين في جنات وعيون * آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين * كانوا قليلا من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون ) فوصفهم جل ذكره بقلة النوم أنهم أكثر ليلهم قياما إلى السحر ثم أخذوا عند السحر في الاستغفار لما سلف منهم مما لا يرضيه وإشفاقا منهم على أعمالهم الصالحة ألا ترضيه أَفَتَرى الكريم لا يجيبهم بل يجيبهم وهو أكرم من ذلك ثم قال جل ذكره فيما وصف به عباده من الأخلاق التي شرفهم بها فقال: ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا * وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما * والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) فوصفهم جل ذكره أنهم في مبيتهم في ليلهم ليس هم كغيرهم من سائر الناس وذلك أن أكثر الخلق يتلذذون بالنوم وهؤلاء استأثروا الخدمة لمولاهم الكريم ثم وصفهم جل ذكره في موضع آخر فقال: ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ) وقال الله عز وجل: ( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب )
قال محمد بن الحسين تدبروا رحمكم الله ما تسمعون من مولاكم الكريم كيف يخبر بكثرة سجودهم وطول قيامهم وحسن خدمتهم من عظيم شأن الآخرة وشدة أهوالها وأن الغالب على قلوبهم شدة الخوف والوجل مع المسارعة فيما يرضيه وكذلك وصفهم في موضع آخر من كتابه فقال عز وجل: ( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم بآبات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ) وقال عز وجل: ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ) فأخبر عز وجل عن تلاوتهم للقرآن في الليل تارة قياما وتارة لله سجدا.
قال عبد الله بن المبارك فيما وصف به أهل التهجد في الليل فقال:
قـد حملـوا الليـــل أبــدانا مذللـة ● وأنفســــــنا لا دنيات ولا دون
وراوحــوا بين أقدام لهـم صــبر ● وأوجــه عفروا منها العرانين
يطــون في محكـم الفرقان أمنته ● وتارة ســـــــــــجدا لله يبــكون
تمري قوارع في القرآن أعينهم ● مري المرايي أكف المستدرين
وقال ابن المبارك أيضا:
إذا ما الليـل أظلـــم كابـدوه ● فيســــفر عنهم وهم ركـــوع
أطار الخوف نومهم فقاموا ● وأهل الأمن في الدنيا هجوع
(1) حدثنا بهذا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي قال سمعت محمد بن علي بن شقيق قال سمعت أبي يقول قال عبد الله بن المبارك، وذكر هذه الأبيات.
(2) حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال أخبرنا مبارك بن فضالة عن الحسن في قول الله عز وجل: ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) قال قليل من الليل ما ينامون: ( وبالأسحار هم يستغفرون ) قال مدوا الصلاة إلى الأسحار ثم أخذوا في الأسحار بالاستغفار.
قال محمد بن الحسين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على قيام الليل ورغب فيه أمته وأخبر أنه لا صلاة بعد صلاة القريضة أفضل من قيام الليل:
(3) حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحلواني وحدثنا الحماني قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصلاة بعد الصلاة المفروضة صلاة الليل.
(4) حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله عز وجل ومكفرة للسيئات ومبرأة من الإثم ومنهاة عن الإثم.
(5) وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا يزيد بن عبد الله بن رزيق قال حدثنا الوليد بن مسلم قال أخبرنا عبد الرحمن بن سليمان عن الأعمش عن أبي العلاء العنزي عن سلمان الفارسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قرب من الله عز وجل وتكفير للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطردة للداء عن الجسد.
(6) حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي قال حدثنا أيوب بن سليمان الصغدي قال حدثنا ثابت بن موسى قال حدثنا شريك بن عبد الله عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.
(7) وحدثنا أبو الفضل الشكلي أيضا قال حدثنا علي بن موفق .. ما بال أهل الليل حسان الوجوه قال لأنهم قربوا من الله عز وجل فكساهم من نوره.
(8) حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال حدثنا عبد العزيز بن عباد أخو حمدون بن عباد الفرغاني قال محمد بن عبد الحميد قال حدثنا شيخ من البصريين عن إسماعيل بن مسلم قال قيل للحسن ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها قال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره.
(9) أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة وأبي الكنود عن عبد الله بن مسعود قال يضحك الله عز وجل إلى رجلين رجل قام في جوف الليل وأهله نياما فتطهر ثم قام يصلي فيضحك الله إليه ورجل لقي العدو فانهزم أصحابه وثبت حتى رزقه الله عز وجل الشهادة.
(10) حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال حدثنا هناد بن السري قال حدثنا أبو معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة غرفا يرى بطونها من ظهورها وظهورها من بطونها قال فقام أعرابي فقال لمن هي يا رسول الله فقال هي لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام.
(11) حدثنا الفريابي قال حدثنا منجاب بن الحارث قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال قال عبد الله يعني ابن مسعود إن في التوراة مكتوبا لقد أعطى الله عز وجل الذين تتجافى جنوبهم ما لم تر عين ولا تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ما لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل قال ونحن نقرؤها : (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين).
(12) حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي قال حدثنا عمي قال حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا حسين بن علي الجعفي قال حدثنا هلال قال حدثني طلحة بن مصرف قال بلغني أن العبد إذا قام من الليل للتهجد ناداه ملك طوبى لك سلكت منهاج العابدين قبلك قال وإن ليلته تلك لتوصي به الليلة الأخرى أن أيقظيه في وقته الذي قام فيه قال ويتناثر عليه البر من أعنان السماء إلى مفرق رأسه ويناديه مناد لو يعلم المناجي من ينادي ما انفتل.
(13) حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا هارون بن معروف قال حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصامه وطال ليله فقامه.
(14) حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال حدثنا يعقوب الدورقي قال حدثنا عبد الله بن إدريس قال حدثنا حصين عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال كان إذا جاء الشتاء قال يا أهل القرآن طال الليل لصلاتكم وقصر النهار لصيامكم فاغتنموا.
(15) حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال حدثنا إبراهيم بن مُجَشِّر قال حدثنا هشيم بن بشير قال حدثنا أبو عامر قال حدثنا الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا من الليل ولو ركعتين، ما من أهل بيت تعرف لهم صلاة بالليل إلا ناداهم مناد يا أهل القرآن قوموا لصلاتكم. قال هشيم وأخبرنا غير أبي عامر أن الحسن قال في هذا الحديث فالله أعلم ما ذاك المنادي.
(16) حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال حدثنا سعدان بن نصر قال حدثنا إسحاق الأزرق عن عوف الأعرابي عن أبي مخلد عن أبي العالية قال حدثني أبو مسلم قال قلت لأبي ذر أي صلاة الليل أفضل قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نصف الليل وقليل فاعله.
قال محمد بن الحسين ينبغي لمن كان له حظ من الليل أن يدوم عليه ويراعيه قل ذلك أو كثر ويتحذر من فتور النفس فإن النفس ربما فترت واستلذت النوم في وقت القيام فزين لها الشيطان النوم لينام عن القيام حسدا منه للمؤمن فينبغي لمن أحس بذلك من نفسه أن يكثر الذكر لله عز وجل عند استيقاظه ونضح الماء عل وجهه فإنه ينطرد عنه ما أمله الشيطان من الفتور عن القيام والله أعلم.
(17) حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال حدثنا محمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام أحدكم عقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل أي ارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انجلت العقد كلها قال فيصبح طيب النفيس نشيطا وإلا أصبح خبيث النفس كسلانا.
(18) وحدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال حدثنا محمد بن الحسن بن سعيد الأصبهاني قال حدثنا بكر بن بكار قال حدثنا قرة عن عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحد ينام إلا ضرب على سماخه بجرير معقد فإن استيقظ وذكر الله حلت عقده فإن استيقظ توضأ حلت عقدة أخرى فإن قام يصلي حلت العقد كلها فإن هو لم يستيقظ ولم يتوضأ ولم يصل أصبحت العقد كلها كهيئتها وبال الشيطان في أذنه.
(19) حدثنا أبو بكر بن عبد الحميد قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان حدثني القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها من الماء ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه من الماء.
(20) وحدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن الأعمش عن علي بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.
(21) وأخبرنا حامد بن شعيب البلخي قال حدثنا أبو عمر المقري قال حدثنا سنيد بن داود عن يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أم سليمان بن داود يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل يترك الرجل فقيرا يوم القيامة.
(22) حدثنا أبو سعيد المفضل بن محمد الجندي قي المسجد الحرام قال حدثنا صامت بن معاذ قال قرأنا على أبي قرة موسى بن طارق قال ذكر رزعة بن صالح عن زياد بن سعد عن أبان ابن أبي عياش عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن العبد إذا صلى حتى يدركه النعاس وهو ساحد فإن الله عز وجل يباهي به الملائكة يقول انظروا إلى عبدي نفسه عندي وجسده في طاعتي.
قال محمد بن الحسين فيما ذكرته واختصرته بلاغ لمن منع نفسه لذة النوم فآثر القيام وراوح بين الأقدام وتنعم بتلاوة القرآن يرجو بذلك رضى الرحمن عز وجل فلو شهدته يا أخي في الليل المظلم فقلبه لما يتلو من القرآن متدبر وبأمثاله معتبر وفيما حكى متفكر وبالوعد والوعيد لنفسه مذكر فالقلب من ذكر الموت خائف مقلق ولما عمل من الحسنات مشفق فالاستغفار شعاره وهجوم الظلام سروره وحسن الظن بالله الكريم آماله والله ولي التوفيق.
قال محمد بن الحسين بلغني عن شيخ من المتعبدين أنه كان له ورد من الليل يقومه ففتر عن ورده ذات ليلة قال فإذا أنا بجارية قد وقفت على رأسي كأن وجهها قمر وبيدها رق وفيه مكتوب فقال أيها الشيخ أتقرأ قلت نعم قالت اقرأ ما في هذا فأخذته فقرأته فإذا فيه:
ألهتك لذة نومة عن خير عيش ● مع الخير في غرف الجنان
تعيش مخلدا لا موت فيه ● وتنعم في الجنان مع الحسان
تيقظ من منامك إن خيرا ● من النوم التهجد بالقرآن
قال فما ذكرتها ساعة إلا ذهب عني النوم.
باب فيمن كان له ورد من الليل يقومه
فشغله عنه مرض أو عذر ونام عنه ومن نيته القيام
فشغله عنه مرض أو عذر ونام عنه ومن نيته القيام