من طرف حكماء الخميس 3 سبتمبر 2015 - 11:49
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
من فتاوى دار الإفتاء لمدة مائة عام
الباب: احكام فى مسائل متفرقة
رقم الفتوى: ( 732 )
الموضوع:
عورة المرأة وما يراه الخاطب من مخطوبته.
المفتى:
فضيلة الشيخ حسن مأمون. 7شعبان 1376 هجرية.
المبادئ :
1 - رأس المرأة وذراعاها وساقاها من العورة التى يجب سترها فى الصلاة عند الأئمة الثلاثة أبى حنيفة والشافعى وأحمد. وتبطل الصلاة بكشف أحدها.
2 - عند المالكية أحد هذه الأعضاء من العورة المخففة التى تصح الصلاة مع كشفه مع الكراهة، واستحباب إعادة الصلاة فى الوقت مستورة.
3 - ستر العورة على الخلاف السابق أمر مشروط لصحة الصلاة نفسها - أما النظر إلى العورة المخففة عند المالكية فهو حرام بإجماع آراء الفقهاء.
4 - أباح الفقهاء للخاطب أن يرى مخطوبته وأن تراه هى بحضور أحد محارمها وأن يكرر هذه الرؤية إذا لم تكف المرة الواحدة بالشرط المذكور.
5 - النظر المباح إلى الوجه والكفين عند الأئمة الثلاثة. وعند الإمام أحمد لا يباح النظر إلا إلى ما يظهر غالبا كوجه ورقبة ويد وقدم.
6 - يرى ابن حزم أن للخاطب أن ينظر من مخطوبته الحرة متغفلا لها وغير متغفل إلى ما بطن منها وما ظهر. وقد خطأه فى ذلك الإمام النووى وقال إنه منابذ لأصول السنة والإجماع.
7 - اختلاط الخاطب بمخطوبته وخروجه معها منفردين بحجة التعرف غير مباح.
سُئل :
من الدكتور / س م م إنه يريد بيان الحكم الشرعى بيانا واضحا فيما يأتى
أولا : هل يجوز للمرأة المسلمة أن تؤدى الصلاة وهى حاسرة رأسها أو عارية ذراعيها أو بنصف كم أى وهى على حالتها التى ترتاد بها المجتمعات فى هذه الأيام أو لا.
ثانيا : هل يجوز للعريس أن يختلط بعروسه ويتمتع بها ويقبلها ويعانقها قبل عقد الزواج ليتأكد من صلاحيتها له وليأمن العيوب الخفية أو لا وما هو رأى ابن حزم من ذلك.
أجاب :
عن السؤال الأول إن من شروط الصلاة ستر العورة، فلا تصح الصلاة مع كشف العورة التى أمر الشارع بسترها فى الصلاة. وحد عورة المرأة الحرة هو جميع بدنها حتى شعرها النازل على أذنيها، واستثنى من ذلك الحنفية الوجه والكفين والقدمين - كما استثنى من ذلك الشافعية الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما. واستثنى الحنابلة من البدن الوجه فقط وقالوا إن ما عداه عورة - وقال المالكية إن العورة بالنسبة للمرأة فى الصلاة تنقسم إلى قسمين : مغلظة ومخففة فالمغلظة للحرة جميع بدنها ما عدا الأطراف والصدر وما حاذاه من الظهر. والمخففة لها هى الصدر وما حاذاه من الظهر والذراعان والعنق والرأس ومن الركبة إلى آخر القدم - أما الوجه والكفان ظهرا وبطنا فهما ليستا من العورة مطلقا ، فمن صلت مكشوفة العورة المغلظة كلها أو بعضها ولو قليلا مع القدرة على الستر بطلت صلاتها إن كانت قادرة ذاكرة وأعادتها وجوبا أبدا فى الوقت وبعده - أما إذا صلت مكشوفة العورة المخففة فإن صلاتها لا تبطل وإن كان كشفها مكروها فى الصلاة ويحرم النظر إليها، ولكن يستحب لمن صلت مكشوفة العورة المخففة أن تعيد الصلاة فى الوقت مستورة. ومن هذا يتضح أن رأس المرأة وذراعيها وساقيها من العورة التى يجب سترها فى الصلاة عند الأئمة الثلاثة أبى حنيفة والشافعى وأحمد وتبطل الصلاة بكشف أحدها لفقد شرط من شروط الصلاة - أما عند المالكية فإن أحد هذه الأعضاء من العورة المخففة التى تصح الصلاة مع كشفه مع الكراهة واستحباب إعادة الصلاة فى الوقت مستورة، وحينئذ يجب أن يكون مفهوما أن ستر العورة على هذا الاختلاف المذكور أمر مشروط لصحة الصلاة نفسها، أما النظر إلى العورة المخففة عند المالكية فهو حرام باجماع آراء الفقهاء كما هو ظاهر.
عن السؤال الثانى : إن الفقهاء أباحوا للخاطب أن يرى مخطوبته وأن تراه مخطوبته بحضور أحد محارمها كأبيها أو أخيها أو عمها أو خالها وأن يكرر هذه الرؤية إذا لم تكف المرة الواحدة بالشرط المذكور. والأصل فى ذلك هو ما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبى صلى الله عليه وسلم ( انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) رواه الخمسة إلا أبا داود وعن أبى هريرة قال خطب رجل امرأة فقال النبى صلى الله عليه وسلم ( انظر إليها فإن فى أعين الأنصار شيئا ) رواه أحمد والنسائى وعن جابر قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) رواه أحمد وأبو داود - وعن موسى بن عبد الله عن أبى حميد أو حميدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم ) رواه أحمد وعن محمد بن سلمة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا ألقى الله عز وجل فى قلب امرىء
خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها ) رواه أحمد وابن ماجه. وهذه الأحاديث كلها رواها الإمام الشوكانى وقد قال بعد ما بين صحة سندها وذكر أحاديث أخرى فى هذا الباب وأحاديث الباب فيها دليل على أنه لا بأس بنظر الرجل إلى المرأة التى يريد أن يتزوج بها، والأمر المذكور فى حديث أبى هريرة وحديث المغيرة وحديث جابر للإباحة بقرينة قوله فى حديث أبى حميد ( فلا جناح عليه ) وفى حديث محمد بن سلمة ( فلا بأس ) وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء، وحكى القاضى عياض كراهته وهو خطأ مخالف للأدلة المذكورة ولأقوال أهل العلم ثم قال وقد وقع فى الموضع الذى يجوز النظر إليه من المخطوبة خلاف فذهب الأكثر إلى أنه يجوز إلى الوجه والكفين فقط ، وقال داود يجوز النظر إلى جميع البدن، وقال الأوزاعى ينظر إلى مواضع اللحم وظاهر الأحاديث أنه يجوز النظر إليها سواء أكان ذلك بإذنها أم لا. وروى عن مالك اعتبار الإذن - انتهى -. وقال الإمام النووى الشافعى المذهب فى شرحه لصحيح مسلم فى هذا الباب عند شرحه لحديث أبى هريرة ولفظه قال كنت عند النبى صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظرت إليها قال لا. قال فاذهب فانظر إليها فإن فى أعين الأنصار شيئا وفيه استحباب النظر إلى وجه من يريد تزوجها وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبى حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وجماهير العلماء وحكى القاضى عياض كراهته عن قوم وهذا خطأ مخالف لصريح هذا الحديث ومخالف لإجماع الأمة على جواز النظر للحاجة عند البيع والشراء والشهادة ونحوها، ثم إنه يباح النظر إلى وجهها وكفيها فقط لأنهما ليسا بعورة، ولأنه يستدل بالوجه على الجمال أو ضده وبالكفين على خصوبة البدن أو عدمها هذا مذهبنا ومذهب الأكثرين وقال الأوزاعى ينظر إلى مواضع اللحم، وقال داود ينظر إلى جميع بدنها. وهذا خطأ ظاهر منابذ لأصول السنة والإجماع، ثم مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور أنه لا يشترط فى جواز هذا النظر رضاها بل له ذلك فى غفلتها ومن غير تقدم إعلام لكن قال مالك أكره نظره فى غفلتها مخافة وقوع نظره على عورة وعن مالك رواية ضعيفة أنه لا ينظر إليها إلا باذنها وهذا ضعيف لأن النبى صلى الله عليه وسلم قد أذن فى ذلك مطلقا إلى أن قال ولهذا قال أصحابنا يستحب أن ينظر إليها قبل الخطبة حتى إن كرهها تركها من غير إيذاء بخلاف ما إذا تركها بعد الخطبة. والله أعلم. قال أصحابنا وإذا لم يمكن النظر استحب له أن يبعث امرأة يثق بها تنظر إليها وتخبره ويكون ذلك قبل الخطبة لما ذكرنا هذه هى آراء الفقهاء فى هذا الباب ولم أر فيما قرأته من كتب الفقه فى المذاهب المختلفة ولا فى كتب السنة من أباح اختلاط الخاطب بمخطوبته وخروجه معها منفردين كما يفعل بعض الشبان الآن بحجة أنهم يريدون التعرف إلى من يخطبونها
من الفتيات. أما ابن حزم فقد اطلعت فى كتابه المحلى بالصحيفة 30، 31 من الجزء العاشر فوجدت فيه الآتى ( ومن أراد أن يتزوج امرأة حرة أو أمة فله أن ينظر منها متغفلا لها وغير متغفل إلى ما بطن منها وظهر. ولا يجوز ذلك فى أمة يريد شراءها ولا يجوز أن ينظر منها إلا إلى الوجه والكفين فقط لكن يأمر امرأة تنظر إلى جميع جسمها وتخبره وبرهان ذلك قول الله عز وجل { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } النور 30 ، فافترض الله عز وجل غض البصر جملة كما افترض حفظ الفرج فهو عموم لا يجوز أن يخص منه إلا ما خصه نص صريح وقد خص النص نظر من أراد الزواج فقط. فعن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا خطب أحدكم فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) قال جابر فخطبت امرأة من بنى سلمة فكنت أختبىء تحت الكرب حتى رأيت منها بعض ما دعانى إليها. ثم قال وقد رويناه أيضا من طرق صحاح من طريق أبى هريرة والمغيرة بن شعبة فكان هذا عموما مخرجا لهذه الحال من جملة ما حرم من غض البصر.
ثم تكلم ابن حزم بعد هذا عما يباح النظر إليه بالنسبة للجارية عند ابتياعها ولا شأن لنا بهذا الموضوع، ويظهر من هذا أن ابن حزم أباح نظر الرجل إلى من يريد خطبتها، واعتبر الأحاديث الواردة فى هذا الصدد مخصصة للعموم الوارد فى الآية وهو الأمر بغض البصر ، أما النظر إلى المخطوبة فلم يتعرض له بأكثر من قوله إن له أن ينظر منها متغفلا لها وغير متغفل إلى ما بطن منها وظهر، ولعله تابع فى ذلك ما نقله الإمامان النووى والشوكانى منسوبا إلى داود من أنه يجوز عنده النظر إلى جميع البدن وقد خطأه فى هذا الرأى الإمام النووى وهو حجة حيث قال إنه خطأ ظاهر منابذ لأصول السنة والإجماع. ولا يباح النظر إلا إلى الوجه والكفين عند الأئمة الثلاثة، وعند الإمام. أحمد لا يباح النظر إلا إلى ما يظهر غالبا كوجه ورقبة ويد وقدم ، والإمام مالك الذى أجاز الصلاة مع الكراهة إذا لم تستر العورة الخفيفة لم يبح للخاطب النظر إلى ما عدا الوجه والكفين، ولم يرد عن ابن حزم فيما يتصل بهذا الموضوع اتصالا وثيقا سوى ما قررناه أما حديث جابر الذى رواه ابن حزم فيجب حمله على ما يوافق باقى الأحاديث الصحيحة التى ذكرناها المروية عن أبى هريرة والمغيرة بن شعبة وموسى بن عبد الله. ومن هذا يتبين بوضوح أن إباحة معانقة المخطوبة وتقبيلها قبل العقد لم يتعرض له ابن حزم وهو مخالف لما أجمع عليه المسلمون من تحريمه، ولم يقل به أحد من فقهاء المذاهب المعتبرة ولا من رجال الحديث. ومنه يعلم الجواب عن السؤال بشقيه. والله أعلم.