من طرف حكماء الخميس 3 سبتمبر 2015 - 13:47
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
من فتاوى دار الإفتاء لمدة مائة عام
الباب: من أحكام الوصية.
رقم الفتوى: ( 1020 )
الموضوع:
الوقف المعلق على الموت وصية.
المفتى:
فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف. 26 ربيع الأول 1372 هجرية
المبادئ :
1- المنصوص عليه أن الوقف لا يجوز تعليقه بالموت، وإنما يكون وصية بعد موته، وتصح فيما تصح فيه الوصايا. وتبطل فيما تبطل فيه.
2- تصح الوصية من الثلث، ولا تصح شرعا لوارث إلا بإجازة باقى الورثة عند جمهور الأئمة.
3- متى أوصى بالغلة فلا يجوز التصرف فى العين ببيع ولا هبة ولا غيرهما، ويلزم البدء من غلاتها بما فيه البقاء لعينها والدوام لمنفعتها.
4- إذا لم يخصص جهة الصرف وعمم عمل بما يفيد هذا العموم.
5- جرى قضاء مصر وإفتاؤها بعد صدور قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 على نفاذ الوصية للوارث بالثلث بدون إجازة بقية الورثة.
سُئل :
اطلعنا على السؤال المقدم من حضرة السيد ع ع الخليفة ناظر دائرة الأوقاف السنية بالبحرين، والمطلوب به معرفة الحكم الشرعى فيما جاء بالوصية الصادرة من السيد هـ. ف المحررة صورتها فى يوم الأربعاء السابع عشر من شهر شوال سنة 1355 هجرية ، مما هو مخصص ريعه لوجوه الخير المختلفة المذكورة بتلك الوصية ، وفى كيفية توزيع وصرف ريع هذه الأعيان على الخيرات المشار إليها - كما اطلعنا على صورة غير رسمية من الوصية المذكورة، المرافقة للسؤال التى نص فيها الموصى على أنه (أوصى وعهد عهدا شرعيا، أنه متى نزل به الموت الذى لابد منه ولا محيص عنه لكل مخلوق حى، أن يكون البيت الكبير الكائن فى بومباى المسمى مزكام والبيت الكائن بالبحرين المشترى من يوسف يكونان وقفا بعد موته تصرف غلات هذين البيتين المذكورين فى وجوه الخيرات والمبرات مما يعود نفعه على الواقف دنيا وأخرى، من إطعام جائع وكسوة عار إلخ. وأمر أن يقدم بالصدقة عليه من واردات هذا الوقف أقاربه وأرحامه المحتاجون. ومتى لا سمح الله افتقر أحد من ذريته فهو الأحق بالإنفاق عليه منها كفايته سنة فسنة إلخ).
أجاب :
إن هذا ليس بوقف، وإنما هو وصية، لأنه علق الوقف فى الإنشاء بموته، والوقف لا يصح تعليقه بالموت، ففى رد المختار على الدر المختار ما نصه (إن المعلق بالموت لا يكون وقفا فى الصحيح، فلا يزول به الملك قبل الموت ولا بعده، بل يكون وصية لازمة بعده لا قبله، حتى جاز له الرجوع عنه) قال فى فتح القدير (وإنما كان هو الصحيح لما يلزم على مقابله من جواز تعليق الوقف، والوقف لا يقبل التعليق بالشرط واعترضه الحموى بأنه تعليق بكائن، وهو كالمنجز. قلت قدمنا أن المراد بالكائن المحقق وجوده للحال). - ملخصا - وجاء فى أحكام الأوقاف للخصاف (قلت فما تقول إن لم يوقف هذه الأرض فى مرضه ولكنه أوصى أن تكون وقفا بعد وفاته على ولد زيد وولد ولده ونسله وعقبه ومن بعدهم على المساكين، هل له الرجوع فى هذه الوصية. قال نعم وليس هذا بمنزلة ما أنفذه فى مرضه وأبته - ألا ترى أنه لو برئ من مرضه وصح كانت هذه الأرض وقفا فى الصحة، وأن الذى أوصى أن تكون أرضه وقفا بعد وفاته إنما هى وصية بعد موته له الرجوع فيها وإبطالها) ثم قال (قلت فما تقول إن أوصى أن تكون أرضه صدقة موقوفة بعد وفاته على ولده وولد ولده وأولاد أولادهم ونسلهم أبدا ما تناسلوا، ومن بعدهم على المساكين ،قال هذا بمنزلة ما وقفه عليهم فى مرضه، وهذه وصية لوارث (وهم أولاده) وغير وارث وهم (أولاد أولاده إلخ) فما كان منها لوارث إن كانت تخرج من ثلثه قسمناها بين جميع ورثته، وما كان منها لغير وارث فهو جائز إلخ) فهذه النصوص صريحة فى أن الوقف لا يجوز تعليقه بالموت، فلا يصح وقفا وإنما يكون وصية، لأنه بعد الموت وتصح فيما تصح فيه الوصايا - وتبطل فيما تبطل فيه - فتصح من الثلث ولا تصح شرعا لوارث، إلا بإجازة باقى الورثة عند جمهور الأئمة، وعلى هذا تلزم وصية هذا الموصى من الثلث بعد وفاته، ولا يصح التصرف فى أعيانها ببيع ولا هبة ولا غيرهما، ويلزم البدء من غلاتها بما فيه البقاء لعينها والدوام لمنفعتها، ويدفع ما عليها من الأموال الأميرية، وما بقى يبدأ منه بالإنفاق على المحتاجين من الذرية على الوجه الوارد بالوصية، ماعدا أولاده لصلبه ومن كان وارثا وقت موته، فلا يعطون منها شيئا، لأن الوصية لا تجوز لوارث إلا بالإجازة - ثم يتصدق على المحتاجين من أقاربه وأرحامه، ثم يوزع باقى الغلة فى أبواب الخيرات والمبرات التى ذكرها من غير تخصيص بفقير بلد معين ولا عار ولا جائع ولا مسجد فى بلد معين بل للناظر أن يطعم الجائع ويكسو العارى، ويعمر بيوت الله تعالى إلخ. ما جاء بالوصية من أى جهة كان، وفى أى بلد كان عملا بالعموم الوارد فى لفظ الموصى، إذ ليس فى كلامه تخصيص بمسجد بلد ولا فقير بلد ولا جائع بلد معين، فيعمل بما يفيده هذا العموم مما ذكرنا - ويؤيد ما قلناه
- من أن أولاده لصلبه ومن يرثون وقت موته لا يستحقون نفقة فى هذا الوقف
- ما جاء فى أحكام الأوقاف للخصاف (لو أوصى بثلث ماله أن يفرق منه فى الفقراء وكان ولده محتاجين لم أعطهم من الثلث شيئا، ولكنى أعطى ولد ولده، وقد قال بعض فقهاء أهل البصرة إنى لا أعطى أحدا ممن يرث الواقف من غلة هذه الصدقة شيئا، لأنها وصية والوصية لا تجوز لوارث) انتهى.
وقد جرى القضاء والإفتاء فى مصر بعد صدور قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 المعمول به من أول أغسطس سنة 1946 فى الحوادث الواقعة بعد العمل به على نفاذ الوصية للوارث بالثلث بدون إجازة بقية الورثة، فيجوز طبقا لذلك أن يصرف من الثلث للمحتاجين من ولده لصلبه وإن كانوا وارثين، وكذا لكل من يرثه وقت موته من غيرهم. وهذا حيث كان الحال كما ذكر. والله تعالى أعلم.