منتدى حكماء رحماء الطبى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    تابع ذكر عجائب مصر وملوكها قبل الطوفان

    avatar
    حكماء
    Admin


    عدد المساهمات : 2700
    تاريخ التسجيل : 30/12/2013

    تابع ذكر عجائب مصر وملوكها قبل الطوفان Empty تابع ذكر عجائب مصر وملوكها قبل الطوفان

    مُساهمة من طرف حكماء الأربعاء 4 مايو 2016 - 16:20

    تابع ذكر عجائب مصر وملوكها قبل الطوفان Alzama11

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مُختصر أخبار الزمان
    تابع ذكر عجائب مصر وملوكها قبل الطوفان

    تابع ذكر عجائب مصر وملوكها قبل الطوفان 1410
    تابع ذكر ملوك مصر قبل الطوفان
    فلما مات سهلون ملك بعده ابنه سوريد بن سهلون الملك، وحزن عليه هو وأهل مملكته ورعيته، حزناً عظيماً لم يحزن على ملك قبله، وكان ملكه مائة وتسعاً وتسعين سنة.
    وأقام دولته ورعيته عند ناووسه شهراً ينوحون ويبكون، وأقاموا في ناووسه خدمة يخدمون أموره وسدنة يحفظون ما يجب حفظه منه، وجلس ابنه على سرير الملك، واقتفى سيرة أبيه في العدل والصلاح وعمارة الأرض؛ وسياسة الناس والانصاف بينهم، والأخذ لهم من نفسه وأهل بيته.
    وهو أول من جبى الخراج بمصر، وألزم أهل الصناعات على اقدارهم، وأول من أمر بالانفاق على المرضى والزمنى من خزائنه وبنى المنارات، ونصب العلام والطلسمات والهياكل ?، وحسن عمارتها على أحسن ما تقدم لسواه، فأحبه الناس وحمدوا أمره، وعمل مرآة من أخلاط كثيرة، كان ينظر اليها فيرى الاقاليم، وما أخصب منهاوما أجدب، وكلما يحدث فيها. وكانت على منارة من نحاس في وسط مدينة أمسوس.
    وتقول القبط إنه عملها لمصر خاصة، وكان يرى فيها جميع من يقصدها من كل ناحية، ويعلم بذلك جميع من يقصدها فكان يأخذ أهبته لذلك، وهو أول من عمل صحيفة في كل يوم يكتب فيهاجميع ما يكون في يومه، وما يعمل فيه ثم ترفع إليه وتودع في خزائنه يوما فيوما، فاذا مضى الشهر نقلت صحائف أيامه إلى مصحف الملك وختم بخاتمه، وخلد في خزائنه وما صلح منه أن يزبره في الحجارة زبره.
    وكذلك ما عمل من الصنائع وما أحدث منها، وكان يعطي الرغائب على الصناعات العجيبة والحكم الغريبة.
    وعمل وسط المدينة صورةامراة جالسة في حجرها صبي كأنها ترضعه، فكل امرأة أصابتها علة في جسمها مست من جسد تلك الصورة الممثلة، فيزول عنها ما تجده على ما كان.وكذلك إن قل لبنها، مسحت ثديها فكثر، وكذلك إن أحبت أن تعطف عليها زوجها مسحت وجهها بدهن طيب، وقالت لها افعلي كذا وكذا.
    وإن قلت حيضتها وفرقت منه مسحت تحت ركبها، وان اصاب ولدها شيء فعلت بالصبي كذلك فيبرأ، وإن عسرت ولادتها مسحت رأسي الصبي سهل، وكذلك البكر يسهل عليها افتضاضها، وإذا وضعت الزانية يدها عليها ارتعدت حتى تكف عن فجورها، وماكان من أعمال الليل يحدث ليلا، وما كان من النهار يحدث نهارا، وكانت تعمل اعمار كثيرة إلى أن ازالها الطوفان.
    وفي بعض كتب القبط انها وجدت بعد الطوفان، وانهم استعملوها وعبدوها، وصورتها في جميع برابي مصر مصورة برسمها ملونة، والذي دلهم عليها كانوا قرابات فيلمون الكاهن، ودلوهم على جميع اعمال مصر، وسنذكر خبرهم في هذا الكتاب ان شاء الله تعالى.
    وعمل ايضا سوريد في وقته غرائب كثيرة منها الصنم الذي يقال له بكوس المعمول من الأخلاط الكثيرة في الطب، وكان يعمل اعمالا كثيرة في دفع الأسقام والعلل عن اهلها، ويعرفون به من يبرأ منهم فيعالجونه فيعيش، و يعرفون من يموت بعلامات تظهر منه، فيقصرون عن علاجه، وكان يزيل الاوصاب بأن يغسل الموضع بأزاء أصحاب العلل منه، ويسقي ذلك الماءالذي يغسل به لصاحب الداء فيزول عنه، وكثير من هذه الأعمال.
    وهو أول من عمل الابرقات الايرونيات، وزبر عليها جميع العلوم.
    وهو الذي بنى الهرمين العظيمين المنسوبين الى شداد بن عاد، والقبط تنكر أن تكون العادية دخلت بلدهم، والعمالقة تقول سحرهم ومنعهم من ارادتهم بشرما يريدونه بهم، وبذلك يقول الحرانيون، وقد نقل ذلك أبو معشر في كتاب الألوف.
    وكان سبب بناء سوريد للهرمين انه رأى رؤيا أثبتهافي موضعها، فأحضر كهنته ومنجميه، وقص عليهم من نزول المرآة في صورة امرأة وانقلاب الأرض بأهلها، وانكساف الشمس بأسرها، وهي الرؤيا بعد، فأخبره خبر الطوفان أنه يكون على الصورة التي كان، وذلك مذكور في كتاب تاريخ يرويه المقريون عن آخرين من القبط وجد في بعض ذراريهم على صدر ميت، وذكر أنهامن ولد رجل من اهل مصر الأوائل ممن نجا من الطوفان وركب مع نوح عليه السلام في السفينة، وكان ممن آمن به وحمل ابنيه وقيل بن مصرام بن حام وكان أبدع الناس فهما في العلوم.
    وكان في الكتاب أن الملك سوريد بنى في الصعيدثلاث مدائن وعمل فيها عجائب كثيرة، وسنذكر شيئاً من أخبار هذين الأخوين أن شاء الله تعالى.
    وكان في الكتاب أن الملك سوريد بن سهلون ملك مصر لما رأى في منامه ما رأى، أخبر فليمون رأس الكهنة بمارآه من الأمور؛ أمرهم ان ينظروا فيما تدل عليه الكواكب من أحداث في العالم، فتصيب اكثره، فأقاموا لها في وقت مسألته اياهم مسألة امعنوا فيها النظر، فدلت على آية تنزل من السماء، وتخرج من الأرض فتعم اكثر الآرض، وهو طوفان عظيم لايبقى به شيء.
    قال فانظروا هل ينجز ذلك ويعود أم يبقى هو معمولا دائماً ? فنظروا فظهر أنه يعود العمران والملك، وكل شيء كما كان وعرفوه بذلك، فأمر حينئذ ببناء بربى وأعلام عظام له و لأهل بيته، تحفظ أجسادهم، وما أودعوه بها من أموالهم وزبروا فيها وفي سقوفها وفي حيطانها واسطواناتها، جميع العلوم الغامضة، التي يدعيها أهل مصر بين جميع الأمم، وصور فيها صور الكواكب العظام منها وصور الصغار منها، ورسم ذلك بعلامات تعلم بها.
    وزبر فيهاأسماء العقاقير ومنافعها، وعمل الطلسمات وأشكالها، وعلم الحساب والهندسة، وغير ذلك مما ينتفع به مزبوراً ومفسراً لمن عرف كتابهم ولغتهم.
    وقالوا إن هذه نازلة وكائنة إذا كانت تكون من جميع أقطار العالم إلا اليسير منه، وذلك كائن إذا نزل قلب الأسد بأول دقيقة من رأس السرطان وتكون الكواكب عند ذلك في هذه المواضع من الفلك يكون القمر مع الشمس في أول دقيقة من الحمل، وراوس وهو المشتري في سبع وعشرين درجة من الحوت والمريخ في ثمان وعشرين درجة وخمس دقائق من الحوت، وأفرودين وهو الزهرة في سبع وعشرين درجة وثلاث دقائق من الحوت، وهرمس وهو عطارد في ستع وعشرين دقيقة من الحوت، وزحل والجوزاء في الميزان وأوج القمر في الأسد على خمس درجات ودقائق.
    فلما عملوا ذلك وتحققوه قال انظروا أيضاً هل يكون بعد هذه الآفة آفة أخرى تنزل من السماء الى الأرض تكون ضد الأخرى التي تنزل أولا. وهي النار التي تحرق أقطار العالم، فعرفوه فقال انظروا متى يكون الكون الآخر وهو المضمر? فنظروا فوجدوا أنه يكون إذ نزل قلب الأسد في آخر دقيقة من الدرجة الخامسة عشرة من الأسد فتكون الشمس معه في دقيقة واحدة متصلة بزحل تثليث الرأس، ويكون المشتري في الأسد غير مستقيم السير، وعطارد معه في دقيقة، ويكون القمر في الدلو متصلاً بالذنب في اثني عشر جزءاً، وتكون للزهرة في بعدها الأبعد مستقيمة السير ويكون المريخ في الأ سد مستقيم السير، ويكون في ذلك الشمس تنطبق منه على الأرض انطباقاً لم يعهد مثله.
    فعرفوا الملك بما ظهر لهم من ذلك، وقالوا إن قلب الأسد إذا قطع ثلاثة أدوار لم يبق من حيوان الأرض شيء متحرك إلا تلف وهلك واذا ا ستتم أدواره تحللت أمر الفلك، فأمر الملك بقطع الاساطين العظام وبنشر البلاطات الهائلة واستخراج الرصاص من أرض المغرب، وإحدار الصخور من ناحية اسوان وكانت سوداء عظاما تساق في العجل، فجعل منها آساس الاهرام الثلاثة الشرقي والغربي والملون وجميعه من الحجر الملون الأسود والأبيض.
    وقيل كانت لهم صحائف من خواص اشياء وعليها كتابات، فاذا قطع الحجر وتم احكامه وضعوا عليه تلك الاشياء وضربوه فيغدو بتلك الضربة ما يغيب به عنهم ثم يعاودون ذلك حتى يصل.
    فوضعت آساس الاهرام بالدهشور منها الهرم الشرقي والهرم الغربي والهرم الملون.
    وكانوا يمدون البلاطة ويجعلون في وسطها قضيب حديد قائم، ثم يركبون عليها بلاطة اخرى مثقوبة الوسط، فيدخل ذلك في ذلك الثقب، ثم يذاب الرصاص ويصب حول البلاطة وفي الثقب بهندمة واتقان بعد تأليف ما فيها من النقوش والكتابة والصور، حتى بلغوهامن ذلك الى ما يحار فيه الوهم، وجعل ابوابها تحت الأرض بأربعين ذراعا في آزاج مبنية بالرصاص والحجارة، طول كل أزج منها مائة وخمسون ذراعا. فأما باب الهرم الشرقي، فإنه من الناحية الشرقية على مقدارمائة ذراع من وسط حائط الهرم. وأما باب الهرم الغربي فمن الناحية الغربية، وهو ايضا على قياس مائة ذراع من وسط الحائط، حتى تنزل الى باب الأزج المبني فتدخل منه.
    واما باب الهرم الملون بلونين من الحجارة فمن الناحية الجنوبية يقاس أيضاً من وسط الحائط الجنوبي مائة ذراع، ويحفر حتى يوصل الى باب الأزج والمبنى له، ويدخل منه إلى باب الهرم، وجعل طول كل واحد منهما في الهوى مائة ذراع بالذراع الملكي، وهو خمسمائة ذراع عندنا بذراعنا اليوم، وجعل ضلع كل واحد من جهاته مائة ذراع ورفعها في الاستواء حتى بلغ أربعين ذراعا فوق الأرض، ثم هندمها من كل جانب حتى تحددت أعاليها عند آخر طولها.
    وكان ابتداؤهم لبنائها في وقت سعد اجتمعوا عليه وتخيروه، فلمافرغ منها كساها ديباجاً ملوناً من فوقها إلى أسفلها، وعمل لها عيداً لم يبقى في المملكة أحد إلا حضره.
    ثم أمر بعمل ثلاثين مخزناً بنيت من حجارة صوان ملونة في الهرم الغربي، وملئت بآلات الزبرجد والتماثيل المعمولة ومن الجواهر الغالية، والطلسمات الغريبة، وآلات الحديد الفاخر والسلاح الذي لا يصدأ، والزجاج الذي يطوى فينطوي ولا ينكسر، وأصناف العقاقير المفردات والمؤلفات، والسموم القاتلات وغير ذلك مما يطول وصفه، ولا يدرك عده.
    ونقل إلى الهرم الآخر وهو الشرقي أصنام الكواكب والقباب الفلكية، وما عمل أجداده من التماثيل والدخن الذي يتقرب بها إليها ومصاحفها، وما عمل لها من التواريخ والحوادث التي مضت والأوقات التي تحدث منها ما ينتظر، وذكرمن يلي مصر إلى آخر الزمان، وكون أدوار الكواكب الثابتة وما يحدث في دورانها وقتاً وقتاً، وجعل فيها المطاهر التي فيها المياه المدبرات وما أشبه ذلك من هذه الأشياء.
    وجعل في الهرم أجساد الكهنة في توابيت صوان أسود، ومع كل كاهن مصحف فيه عجائب صنعته وعمله وسيرته وما عمل في وقته وكانوا على مراتب المرتبة الأولى القاطرون وهم الذين تعبدوا للكواكب السبعة لكل كوكب سبع سنين، ومعنى القاطر عندهم جامع العلم.
    والمرتبة الثانية لمن تعبد لستة وله أيضاً اسم، والمرتبة الثالثة لمن تعبد لخمسة، والمرتبة الرابعة لمن تعبد لاثنين والمرتبة السابعة لمن تعبد لواحد ولكل واحد من أصحاب المراتب السبعة اسم يعرف به.
    وجعل في جهة من الهرم مرتبة من هذه المراتب في توابيتهم، وجعل مع أجسادهم مصاحفهم كتبوها على ورق الذهب، ذكروا فيها جميع ما كان وما يكون وما قد عملوه من العجائب، وجعل في الحيطان من كل جانب كما تدور أصناماً تعمل بأيديها جميع الصناعات، على مراتبها وأفنارها وصفة كل صنعة وعلاجها، وما يصلح لها.
    وكتب مزبورا علىالصور جميع علاجات الأشياء كلها، وعلم النواميس، وعلم كل علم ثم جعل فيها أموال الكواكب التي أهديت إليها، وأموال الكهنة وقدر ذلك لا يحصى عدداً ولاوزناً.
    وجعل لكل هرم منها خازناً، فصاحب الهرم الشرقي صنم مجزع من جزع أسود وأبيض له عينان مفتوحتان براقتان، وهو جالس على كرسي، ومعه شبه الحربة إذا نظر اليه ناظر سمع من جهته صوت يكاد ينزع قلبه فيهيم على وجهه ويختلس عقله، ولا يكاد يفارقه الهم حتى يموت منه.
    وجعل خازن الهرم الغربي صنماً من حجر صوان مجزعاً واقفاً معه شبه الحربة على رأسه حية مطوقة، من قرب منه وثبت اليه من ناحية قصده، فتطوقت على عنقه فقتلته ثم عادت إلى رأس الصنم.
    وجعل خازن الهرم الملون صنماً صغيراً من حجر البهت على قاعدة منه قائماً، من نظر إليه اجتذبه الصنم حتى يلصق به، فلا يفارقه حتى يموت فلم فرغ من ذلك ضمدها بالأرواح الروحانية، وذبح لها الذبائح لتمنع من أنفسها من أراد الوصول إليها، إلا من قرب لها وعمل لها باعمال الوصول.
    وذكرت القبط أن عليها كتاباً منقوشاً تفسيره بالعربية" أنا سوريد الملك الملك، بنيت هذه الأهرام في وقت كذا من الزمان، وأتممت بنيانها في ست سنين، فمن أتى بعدي، وزعم أنه ملك مثلي فليهدمها في ستين سنة، وقد علم أن الهدم أيسر من البنيان، وإني قد كسوتها بالديباج فليكسها من أتى بعدي حصيراً!".
    فوجدوا أنه لا يقوم بهدمها شيء في الأزمان الطوال، وأن كسوتهاأيضاً بالديباح مما يشق على الملك، ويتعذر إلا بفساد عظيم، وبما لم يكن فيه صلاح.
    فمنها أن الرشيد لما دخل مصر، فرأى الاهرام أحب أن يهدم بعضها ليعلم ما فيه، فقيل له إنك لا تقدر على ذلك، فقال لا بد من فتح شيء منه ففتحت الثلمة المفتوحة بنار توقد وخل يرش ومجانيق يرمى بها وحدادين يعملون ما فسد منها وأنفق عليها مالاً عظيماً فوجدوا عرض الحائط قريبا من عشرين ذراعاً، فلم انتهوا إلى آ خر الحائط وجدوا خلف النقب مطهرة خضراء فيها ذهب مضروب وزن كل دينار أوقية من أواقينا، وكان عددها ألف دينار فعجبوا من ذلك ولم يعرفوا معناه، فأخبروا بذلك الرشيد، وأتوه بالذهب والمطهرة فجعل يعجب من ذلك الذهب، ومن جودته وحسنه وحمرته، ثم قال ارفعوا إلي حساب ما أنفقتموه على هذه الثلمة ففعل ذلك فوجدوه بأزاء ذلك الذهب الذي أصابوه لا يزيد ولا ينقص، فعجب من معرفتهم بذلك على طول المدة، وأنهم يستفتحونه من ذلك الموضع بعينه وعجب من معرفتهم بقدر ما ينفق عليه، ومن تركهم ما يوازي في الموضع، عجباً شديداً كأن لهؤلاء القوم من العلوم منزلة لا نوازيها ولا ندركهانحن ولا أمثالنا.
    وقيل ان المطهرة التي وجد فيها المال كانت من زبرجد، فأمربحملها إلى خزائنه وكانت أحد ما حمله من عجائب مصر.
    ومن عجائبها وما يستغرب منها أن الرشيد لما فتح تلك الثلمة من الهرم أقام الناس سنين يقصدونه ويدخلونه، وينزلون فيه من الزلاقة التي فيه، فمنهم من يسلم، ومنهم من يهلك، وأن جماعة من الأحداث اتفقوا وكانوا عشرين رجلاً على أن يدخلوا الهرم، ولا يبرحوا منه الىأن يصلوا إلى منتهى آخره أو يموتوا عن آخرهم فيه.
    فأخذوا معهم من الطعام والشراب ما يكفيهم لشهرين، وأخذوا الأكل والوقيدوالشمع والحبال والفؤوس، وما احتاجوه من الآلات والحديد للحفر، دخلوا الهرم ونزل أكثرهم في الزلاقة الأولى والثانية، ومضوا يمشون في أرض الهرم، فرأوا خفافيش على قدر العقبان تضرب وجوههم، وانتهوا الى ثقب تخرج منه ريح باردة ولا تفتر، فذهبوا ليدخلوه فانطفأت مسارجهم، فذهبوا ليدخلوه فاذا الثقب على قاعة كبيرة فارغة، فعلموا أن أجساد موتاهم في ذلك الموضع، وأن معها كنوزهم وأموالهم، فراموا أن ينزلوه فلم يستطيعوا على ذلك.
    فقال أحدهم: شدوني بالحبال، وانزلوني في هذا الثقب حتى أصل إلى قعر هذه القاعة، ولعلي أعلم منها بعض ماتريدون، ففعل القوم بصاحبهم ذلك، وشدوا الحبال في وسطه وتعجم الثقب فأبطأ فيه، وهم يمسكون الحبال حتى انطبق الثقب عليه، فجذبه أصحابه بجهدهم وقوتهم فلم يقدروا على نزعه وسمعوا عظامه تتكسر وسمعوا صيحة هائلة سقطوا منها على وجوههم لا يعقلون، فقاموا وطلبوا الخروج، وضاق بهم الأمر وصعدوا فسقط بعضهم من الزلاقة عند صعودهم؛ فترك وهلك.
    وخرج من بقي منهم من جميع الهرم، وجلسوا في صيحة متعجبين، فبينما هم كذلك إذ اخرجت لهم الأرض صاحبهم من بين أيديهم حياً يتكلم بكلام كاهني لم يفهموا معناه، فسره لهم بعض أصحاب الدرايات بالصعيد بأنه" هذا جزاء من طلب ما ليس له" ثم سقط ميتاً فحملوه، وفطن بهم فأخذوا وحملوا الى الوالي، فحدثوا عن أنفسهم ذلك.
    وفي حديث آخر أن قوماً دخلوا الهرم وانتهوا إلى أسفله وطافوه فعرض لهم مثل الطريق، فساروا فيه فوجدوا كالمطهرة يقطر منها ماء يسير ثم يفيض فلم يدروا ما هو، ثم وجدوا موضعاً كالمجلس المربع حيطانه من حجارة مربعة ملونة عجيبة صغار في نهاية من الحسن، فقلع أحدهم منها حجراً وجعله في فيه.
    فانسدت أذنه من الريح، ولم يزل يتصبر وهو معهم حتى دخلوا مكانا فيه كالقوارة العظيمة فيها ذهب مضروب كثير، أعمدته كلها في غاية من الاتقان زنة كل واحد منها الف دينار، فأخذوا منها واحداً، فلم يقدروا أن يتحركوا، ولاان يمشوا حتى تركوه من أيديهم، ولم يصلوا منه إلى شيء.
    ووجدوا في مكان آخر كالصفة فيها صورة شيخ من صنم أخضر، مشتمل شملة، وبين يديه تماثيل صغار في صورة الصبيان وكأنه يعلمهم، فأخذوا منها واحاً فلم يقدروا أن يتحركوا.
    وساروا أيضاً في تلك الطريق، فوجدوا بيتاً مسدوداً فيه دوي هائل وزمزمة، فلم يتعرضوا له، ومضوا فوجدوا مثل المجلس المربع فيه صورة ديك من جواهر قائم على اسطوانة خضراء، وله عينان يسرج المجلس منها، فلما دنوا منه صوّت بصوت مفزع، وخفق بجناحيه، فتركوه ومضوا حتى وصلوا إلى صنم من حجر أبيض في صورة امرأة منكسة الرأس، وعن جانبيها أسدان من حجارة كأنهما يريدان أن يلتقماها، فجعلوا يتعوذون ويقرأون إلى أن تجاوزوهما، وساروا إلى أن لاح لهم نور ساطع، فاتبعوه فإذا هم بهوة مفتوحة، فخرجوا منها، فاذا هم في الصحراء.
    وإذا على باب الهوة تمثالان من حجر أسود معهما كالمزراقين، فعجبوامن ذلك ووجدوا شبه الطريق فساروا عليه يوماً كاملاً إلى أن وصلوا إلى الأهرام من خارج.
    وكان ذلك في زمان يزيد بن عبد الله والي مصر فأخبروه بذلك فاستعد ووجه معهم من يدخل الهوة فأطافوا أياماً فلم يجدوها، وأشكل عليهم أمرها، ولم يكن لهم إليها سبيل ولا وجدوا فيها حيلة، والذي أخرج ذلك وحده جوهرة نفيسة باعها بمال خطير.
    وذكر أن قوماً في وقت أحمد بن طولون دخلوا الهرم فوجدوا في طاق من أحد بيوته أشنانة زجاج فأخذوها وخرجوا بها فافتقوا رجلاً منهم فدخلوا في طلبه إذ خرج عليهم عرياناً يضحك ويقول" لاتتعبوا في طلبي، ورجع هارباً إلى داخل الهرم، فعلمواأن الجن قد استهوته وشاع أمرهم.
    وقيل إن أحدهم سعى بهم فأخذ الاشنانة منهم، ومنع الناس من دخول الهرم، وأنهم وزنوا ذلك الأشنان فوجدوا فيه سبعة أرطال من زجاج أبيض صاف، فانتبه رجل من أهل المعرفة، وقال لم تتخذ الملوك هذه لباطل وما عملت إلا لشيء، ثم ملأ الأشنان بالماء ثم وزنه فوجده ملاءً مثل وزنه فارغاً لاينقص ولا يزيد.
    وحكي أن قوماً دخلوا الهرم ومعهم غلام يعبثون به، فخرج عليهم غلام أسود في يده عصى، فأخذ يضربهم ضرباً وجيعاً فخرجوا هاربين وتركوا طعامهم وشرابهم وبعض ثيابهم، وقد أصاب قوم في بربا اخميم مثل ذلك.
    وحكي أن رجلاً وامرأة دخلا للفجور فصرعا جميعاً فلم يزالا مصحوبين مشهورين الى أن ماتا.
    وفي بعض مصاحف القبط أن سوريد الملك لما أخبره كهنته بخبر النار المحرقة، التي تخرج من برج الأسد فتحرق العالم فعمل في الأهرام مسارب يدخل منها النيل الى مكان يعنيه ثم يفيض الى موضع من أرض العرب وأرض الصعيد، وملأ تلك عجائب وطلسمات وأصناماً تنطق.
    وحكي بعض القبط أن سوريد الملك لما أخبره منجموه بما أخبروه قال انظروا بلدنا هذا هل تلحقه آفة? فنظروا وقالوا يلحقه طوفان يأتي على أكثره، ويلحقه خراب يقيم فيه عدة سنين، ثم يغلب عليها العمران.
    قال وكيف يكون خرابها? قال يقصدها ملك يقتل أهلها ويغنم مالها، قال ثم ماذا? قالوا يكون عمارتها على يد من قتله قال ثم ماذا? قالوا يقصدها قوم مشوهون من ناحية النيل فيملكون أكثرها قال ثم ماذا? قالوا انقطع نيلها وتخلو من أهله، فأمر أن يكتب ذلك ويزبر على الاهرام والاسطوانات والحجارة العظيمة.
    وذكر رجل من أهل المغرب ممن يختلف الى الواحات، ويحمل الاسماك إلى الواحات على جمل له أنه بات قرب الهرم، فما زال يسمع الضوضاء والغطغطة فهاله ذلك، وتباعد عن الهرم بجمله ذاك، فكان يرى حول الهرم شبه النيران تتألق، فلم يزل مذعوراً إلى أن غلبته عيناه فنام، فلما أصبح في الموضع الذي فيه السمك رأى سماكاً آخر بحياله موضوعاً فعجب من ذلك وشد سمكه على جمله وكر راجعاً إلى الفسطاط، وحلف أن لايقرب من الهرم بعد ذلك.
    وأما البرابي فلها أخبار يطول ذكرها وشرحها، وتحكي القبط في أمور الروحانيين الغالبين على الاهرام والبرابي.
    فذكروا أن روحاني الهرم الجنوبي في صورة امرأة عريانة مكشوفة الفرج حسناء لها ذؤابتان فإذا أرادات أن تستهوي الانسان ضحكت في وجهه واجتلبته الى نفسها فيدنو اليها فتستهويه ويزول عقله ويهيم.
    وقد رأى جماعة هذه المرأة تدور حول الهرم وقت القائلة، وعند غروب الشمس.
    وروحاني الهرم الآخر غلام أمرد أصفر عريان له ذؤابتان، وقد رأوه أيضاً بعد المغرب مراراً يطوف حوله.
    وروحاني الهرم الملون في صورة شيخ نوتي عليه قرطلة، وفي يديه مجمر من مجامر الطاس وهو يبخره وكذلك في جميع الأبرونيات.
    وأما بربا أخميم فمعروف عند أهلها ان روحانيها غلام أسود عريان.
    وروحاني برباسميرا هو في صورة شيخ أدم طوال أشيب صغير اللحية، وأما بربا قفط فروحانيته في صورة جارية سوداء، تحمل صبياً أسود صغيراً.
    وأما بربا دنونية فروحانيته في صورة إنسان رأسه رأس أسد وله قرنان.
    وأما بربا بوصير فهو في صورة شيخ أبيض عليه زي الرهبان، ومعه مصحف يحمله.
    وأما بربا عدنا فروحانيته في صورة راع عليه كساء ومعه عصا.
    ولأهرام دهشور روحانيون يراهم من قرب منها من نوايحها، على طول الأيام، ولكلها قرابين وبخور يظهر بها كنوزها، وتؤلف بين الناس وبين الروحانيين الذين بها.
    فأقام سوريد مائة سنة وسبع سنين، وقد كان كهانه عرفوه الوقت الذي يموت فيه، فأوصى إلى ابنه هوجيف وعرفه بما احتاج إليه وأمره أن يدخل جسده الهرم ويجعله في الجرن الذي قد اعده لنفسه ويغشيه بكافور، ويحمل معه ما اعد من فاخر المتاع ومن السلاح والآلات، فامتثل هوجيت جميع ما امره به.
    وتولى أمر الملك بعده أبنه هوجيت الملك فسار سيرة أبيه في العمارة والعدل والرقة والرأفة بالناس فأحبوه. وبنى الهرم الأول من أهرام دهشور، وحمل إليه كثيراً من الأموال والجوهر، وكان غرضه جمع المال وعمل الكيمياء وإخراج المعادن ودفن كل ما تهيأ له من الكنوز في كل سنة.
    وكانت له قصة مع بعض جواريه فنفاها إلى ناحية الغرب، وأمر فبنيت لها هناك مدينة وأمر أن يقام فيها علم ويزبر عليها اسمها وقصتها وأسكن معها كل امرأة مسنة من أهل بيته.
    وشج في أيامه رجل رجلاً فامر بقطع أصابعه، وسرق سارق مالاً لرجل فملك رقه للذي سرق منه.
    وعمل منارات ومصانع وطلسمات، وملكهم تسعاً وتسعين سنة ومات.
    وملك عليهم ابنه مناوس الملك، وكان جباراً عظيماً وعذابا أليما فآذى الناس، وسفك الدماء، واغتصب النساء، واستخرج كنوز بابل، وبنى قصوراً بذهب وفضة، وفجر فيها الانهار، وجعل حباءها من صنوف الجواهر وتمخرق في الهبات على غير ما يجب، وأغفل العمارات.
    وأباح أصحابه غصب نساء العامة، وكان هو يفتض النساء قبل أزواحهن، وأطاف به أهل الشر من كل ناحية، فأبغضه الناس وكرهوا أيامه.
    وامتنع عليه قوم في شيء أمرهم به فأحرقهم بالنار، وسلط رجلاً من الجبارين يقال له قرناس من ولد إدريس بن آدم على محاربة الامم القريبة في الماء فقتل منهم عالماً كثيراً وحده.
    وكان أشجع اهل زمانه، ثم هلك فاغتم عليه الملك، وأمر أن يدفن مع الملوك في الهرم، ويقال بل عمل له وأقام عنده أعلاماً، وزبر عليه اسمه وما عمل في وقته من الحروب.
    وأقام مناوس ملكا ثلاثا وسبعين سنة، ومات وجعل في الهرم مع أجداده في حوض من صوان أبيض مصفح بالذهب والجوهر، وجعل معه كثير من ذخائره وأمواله وعجائبه.
    وملك عليهم ابنه افراوس الملك، وكان عالماً محنكاً فخالف أباه في فعله، وعدل في الناس ورد النساء اللاتي غصبهن أبوه إلى أزواجهن.
    وعمل في وقته قبة طولها خمسون ذراعاً وعرضها مائة ذراع، وركب في جوانبها أطياراً تصفر بأصناف الأصوات المطربة لا تفتر، وعمل في وسط المدينة مناراً من صفر، عليه صورة رأس إنسان من صفر كلما مضت ساعة من الليل والنهار صاح ذلك الرأس فيعلم بصياحه دخول ساعة ويعرف من كل سمعه عدة الساعات.
    وجعل مناراً آخر وجعل فيه قبة من صفر مذهب ولطخه بلطوخات، فاذا غربت الشمس اشتعلت تلك القبة نوراً فيضيء لها كثيراً من المدينة مشبهاً بالنار لا تطفيها الرياح، ولا الأمطار، فاذا كان النهار قل ضوؤها لنور الشمس.
    ويقال إنه أهدى الى الدرمشيل الملك ببابل مدهنة من زبرجد قدر خمسة أشبار، وكان استهداه ذلك ليجعلها في بيت القربان.
    ويقال انها وجدت بعد الطوفان، ويقال إنه عمل في الجبل الشرقي صنماً عظيماً قائماً على قاعدة مصبوغاً بلطوخ أصفر مموه بالذهب وجهه الى الشمس يدور معها الى أن تغرب في الغرب ثم يدور ليلاً حتى يحاذي الشمس مع الصبح.
    ويقال إن أفروسا كان يطلب الولد في وقته فنكح ثلاثمائة امرأة يبتغي أن يولد له منهن فلم يكن ذلك.
    ويقال إن في وقته عقمت أرحام النساء والبهائم، ووقع الموت لما كان الله عز وجل قدره من هلاك العالم بالطوفان.
    وقيل إن الأُسد كثرت في وقته حتى كادت ان تدخل البيوت، فاحتالوا لها بالطلسمات المانعة والحيل المضرة بها، وكانت تغيب شيئاً وتعود، فرفعوا ذلك الى الملك وقالوا هذه علامة مكروهة، فأمر أن يعمل لها أخاديد وتملأ ناراً وجلبوا اليها الأسد بالدخن التي تجذب روحانيتها اليها، وألقوها على النيران فاحترقت.
    وبنى في وقته مدائن في ناحية الغرب تلفت في الطوفان مع أكثر مدنهم، وارتفعت الأمطار عنهم، وقل الماء في النيل فأجدبوا وهلكت الزروع بالحر والريح الحارة وغير ذلك، فأضر ذلك بهم فاحتالوا لدفع النار بطلسماتهم، وكانت تذهب ثم تعود.
    وقيل ان الذي فعل ذلك بهم ساحر من سحرتهم كان مناوس قد غصب امرأته فاعمل الحيلة قليلاً قليلاً في افساد طلسماتهم، لأن لكل طلسم شيئاً يقوي روحانيته وشيئاً آخر يفسدها.
    ولهذه العلة دخل بخت نصر الفارسي مصر، وكانت ممتنعة من جميع الملوك فلما أفسد الساحر طلسماتهم سلط عليهم تلك الآفات وأفسد طلسم التماسيح فهاجت عليهم ومنعتهم الماء، وعذبتهم عذاباً كثيراً الى أن فطنوا به من قبل تلاميذه.
    وذلك أن بعض تلاميذه لامه على ما يفعل من المضرة بقومه، فانتهره ونفخ في وجهه، فأظلم عليه بصره فرفع التلميذ أمره الى وزير الملك، فعرف الوزير الملك بالأمر، فأمر الملك بادخال التلميذ اليه، فدخل وعرفه بصورة الحال، فأنفذ الملك الى الساحر جيشاً لياتوه به، فلما نظر الساحر الى القوم مقبلين اليه دخن بدخنة أغشت أبصارهم، وارتفعت منها عجاجة صارت ناراَ مضرمة حالت بينهم وبين الساحر، فهالهم أمره وخافوا على أنفسهم منه فرجعوا الى ملكهم، وعرفوه بما جرى، فأمر الملك باحضار جميع السحرة.
    وكان رسم السحرة عندهم أن يعاهدوا ملوكهم على أن يكونوا أبداً معهم ولا يخالفوهم ولا يقصدوهم بمكروه ولا يبغونهم الغوائل، فمن فعل ذلك منهم سلب منزلته وما يملكه، وكان للملك أن يسفك دمه ودم أهل بيته، وكانوا مع الملوك على هذه الحالة، وكانوا مع ذلك يوفون تعهدهم ولا ينقضون شيئاً من عهدهم.
    فلما اجتمع السحرة عند الملك أخبرهم خبر الساحر، وكان يقال له أجناس وما فعله من الفسادونقضه للعهد، وقال لهم إن لم تحضروه أهلكت جميعكم، فسألوه النظر في الأمر، فأخذ أولادهم ونساءهم رهائن بذلك وأنظرهم.
    فلما خرجوا من عنده تكلموا بينهم وقالوا إنكم تعلمون كثرة علم أجناس وشدة سحره، وانا ما لنا به طاقة، ومناوس الملك هو الذي نقض عهده، وتعدى عليه وغصبه امرأته، فينبغي لنا أن نخلص أنفسنا منه، فأجمعوا أمرهم على أن ينصرفوا إلى الملك واستأذنوه في الذهاب إليه ومداراته وتوبيخه والرفق به حتى يأتوا به الملك بأمان يأخذونه له منه، فيجدد العهد بينه وبين الملك، ففعلوا ذلك وأجابهم الملك إلى ما سألوه من ذلك، ثم مضوا إلى أجناس ولطفوا به، وقالوا له إنا ما نجهل حقك وعظم أمرك وإنا بقدرك وكثرة عملك عارفون، ولم يكن في قدر الجناية التي جنت عليك قدرما فعلته من الأضرار بأهل بلدك الذي أنت منهم، ولا في الواجب أن تهلك عالماً كثيراً من الناس لجناية جناها عليك مناوس، ولا يجب على ملكنا وملك اليوم الذي عهده لازم لنا ولك من فعل أبيه بك وبسواك عقوبة.
    ولسنا نأمن أن تسلب علمك وتصير إلى أقبح عملك، فتهلك مذموماً وتمضي غير مفقود، فلم يزالوا به حتى أجابهم إلى ما أرادوه، وكتبوا بذلك إلى الملك فكتب له أماناً وجدد له عهداً ورجع إلى ما كان من طاعة الملك وحسن رأيه فيه.
    وردت إليه امرأته فأكرمها وردها إلى قصر الملك وعرفهم أنه لا يرى في دينه أن يلامس امرأة لامسها الملك على حال من الأحوال، لما كانوا يرعون من طاعة الملوك ويعظمون من حقوقهم، فسر الناس بذلك وعجبوا من عقله وحكمه وصلح الملك والناس وعمل لهم أجناس هذا عجائب وطلسمات كثيرة.
    وملكهم افراؤس أربعاً وستين سنة، وهلك وليس له ولد ولا أخ، فدفن في الهرم وجعلت معه أمواله وذخائره وجوهره والصنائع التي عملت في وقته.
    واجتمع الناس على تمليك رجل من أهل المملكة يقال له ارمافيوس فلما ملك أمر بجمع الناس إليه، فلما اجتمعوا بين يديه قال لهم: إني أرى من حولكم من الأمم مسارعة إليكم وغالبة على عداوتكم وأنا مانع بلدكم منهم وحام دياركم ودماءكم وقد تطرفت نواحيكم ويوشك أن تسير إليكم وأنا أريد منعهم بعدوهم وأقصدهم في بلادهم وتخويلكم إياهم، فأحتاج إلى معرفة حكمائكم بالأعمال الهائلة والتماثيل العجيبة فشكروه ودعوا له بالتوفيق والسعادة الكاملة.
    وقالت الحكماء: نحن نخرج مع الملك ونبلغه محابه فيما يريده من أعدائه، ونحن نخدم الجيش مكانه، ونبذل أنفسنا دونه، فشرع في ذلك.
    وخرج في جيش عظيم، وحارب تلك ا?لأمم، فنكاهم نكاية شديدة، ورجع غانماً، وخلف في وجوهها جيشاً، فتألفت تلك الأمم على ذلك الجيش من كل جانب فهزمته، ورجع أصحابه مغلوبين فغاظه ذلك.
    وقد كان أصابته علة في سفره من تغير الأهوية وتبديل الماء، فأنفذ ابن عم له يقال له فرعان بن ميسون، وكان أحد الجبابرة الذين لا يطاقون وهو أول فرعون تسمى بهذا الاسم، وتسمى به بعده من تشبه به.
    وقال أصحاب التاريخ من أهل مصر، إن أول من تسمى بفرعون غلام الوليد بن دمع العماليقي، يقال له فرعون كان قد هرب من مولاه لما رجع من طلب النيل، وبنى المدينة التي يقال لها مدينة العقاب وتحصن بها، فقيل له فرعون وسنذكر خبره في موضعه.
    فانفذ الملك ابن عمه فرعان في جيش عظيم، فأجلى تلك الأمم ونفاها إلى أطراف البحر وكر راجعاً ومعه رءوس كثيرة وخلق كثير أسارى.
    فأمر الملك بنصب الرءوس حول المدينة، وقتل من صلح للقتل، وكان فيهم كاهن منهم فأمرأن ينشر بمنشار، وهو أول من فعل ذلك.
    وأعظم الملك ابن عمه فرعان وأكرمه وألبسه حللا منظومة بالجوهر، وأمر أن يطاف به ويذكر فضله، ثم أنزله في بعض قصوره.
    وأن امرأة من نساء الملك عزيزة عليه عشقت فرعان، فأرسلت اليه تدعوه الى نفسها فامتنع من ذلك خوفاً من الملك، ولأن التخطي كان عندهم إلى نساء الملك عظيما.
    فلما طال عليها شوقها اليه أحضرت امرأة ساحرة من نساء الكهنة ولاطفتها حتى أنست بها، فذكرت أمر فرعان وما تجده من سببه وامتناعه عليها، فضمنت لها بلوغ محبتها منه، فسحرته بدخن كان عندها عملته له حتى اهتاج اليها وقدم على ودها وسهل عليه ما صعب من أمره، ودست اليه فأجابها واجتمع بها وتمكن حب كل واحد منهما من صاحبه، ودام الأمر بينهما وتمادى الانس إلى أن ذاكرته أمر الملك وأنها لاتأمن أن يصل خبرهما به فيهلكا، وقالت له اعمل الحيلة في قتله، وأنت ابن عمه فيكون لك الملك من بعده ونأمن على أنفسنا، فلشدة حبه لها استحسن ذلك واستدعى بسم فدفعه اليها، فدسته في شراب الملك فمات لوقته، ودفن في الهرم مع الملوك.
    وجلس فرعان الملك على سرير الملك، ولبس التاج ولم ينازعه أحد، وفرح الناس بمكانه لما كان عليه من الشدة والجرأة.
    وأن فرعان علا في الأرض وتجبر، وهو الذي كان الطوفان في وقته، وغصب الناس أموالهم وعمل في طريق الظلم ما لم يعمله أحد، وأسرف في القتل وامتثل أصحابه فعله، فهابته الملوك، وأقروا له، وهو الذي كتب إلى الدرمشيل بن يمحويل ملك بابل يشير عليه بقتل نوح عليه السلام.
    وذلك أن الدرمشيل كتب الى الآفاق يستعلم أهلها هل يعرفون آلهة غير الأصنام? ويذكر قصة نوح عليه السلام، وأنه يريد تغيير ما هم عليه من عبادة الأصنام، ويزعم أن له إلهاً غيرها لا يرى فكل أنكر ذلك.
    ولما أخذ نوح عليه السلام في عمل السفينة كتب فرعان يأمره بقتل نوح وحرقها فأشار عليه بعض وزرائه أن لا يفعل وأن يدعها فان كان ما ذكره نوح حقاً ركبها الملك وأهل بيته فقبل رأيه وتركها وهم بقتل نوح فمنعه الله منه.
    وكان عند أهل مصر علم الطوفان، ولم يقدروا كثرته ولا طول مقامه على وجه الارض، فاتخذوا السراديب تحت الأرض وصفحوها بالزجاج وحبسوا الريح فيها بتد بيرهم، وأتخذ الملك فيلمون رأس الكهنة مع نفسه، عدة له ولأهل بيته.
    وقد كان فرعان أقصى الكهان وباعدهم، فرأى فيلمون الكاهن ليلة في منامه كأن مدينة أمسوس قد انقلبت بأهلها وكأن الاصنام قد انقلبت على وجوههاوكأن ناسا?ً من السماء ينزلون ومعهم مقامع يضربون بها الناس، وكأنه تعلق بأحدهم، وقال لهم: لأي شيء تفعلون بالناس ولاترحمونهم ? قال: لانهم كفروا بإلههم الذي خلقهم، قال: أما لهم خلاص? قال: نعم من أراد الخلاص فعليه بصاحب السفينة.
    فانتبه مرعوبا وقام حيرانا لايدري ما يصنع، وكان له امرأة وولدان ذكر وانثى وسبع تلاميذ فأجمع على أن يلحق بنوح عليه السلام.
    ثم نام أيضاً فرأى في نومه كأنه في روضةخضراء، وكأن فيها طيوراً بيضاء يفوح منها رياح المسك، وكأنه كان يعجب من حسنها، إذ تكلم بعض الطيور فقال سيروا بنا لعلنا ننجو مع المؤمنين فقال له ومن هم المؤمنون? قال أصحاب السفينة.
    فانتبه مرعوبا واخبر أهله وتلاميذه بذلك واستكتمهم إياه ثم نظر في تخفيف اثقاله، وفي بيع ما يجب بيعه مستتراً بذلك كله.
    فلما فرغ مما أراده دخل على الملك وقال له إن رأى الملك أن ينفذني إلى الدرمشيل لأرى هذا الرجل الذي عمل السفينة وأناظره وأجادله على ما جاء به من هذا الدين الذي يظهره، وأتبين حقيقة أمره فليفعل، فعسى أن يكون سبب هلاكه ودفعه عما يدعيه، فأعجب الملك منه وأمره بالخروج، وكتب معه إلى الدرمشيل.
    فسار فيلمون بأهله وولده ومضى معه تلاميذه حتى انتهوا الى أرض بابل فقصد نوحاً فأخبره بما قصده، وسأله أن يشرح له دينه ففعل نوح عليه السلام، فآمن به فيلمون ومن معه، ولم يقصد فيلمون إلى الدرمشيل ولم يدفع إليه كتاب فرعان ولا رآه.
    فقال نوح عليه السلام" من أراد الله به خيراً لم يصرف عنه ذلك، فلم يزل الكاهن مع نوح عليه السلام يخدمه هو وتلاميذه وولده إلى ان ركبوا السفينة.
    وأقام فرعان الملك متمكناً في ضلاله وظلمه، مدمناً على لهوه وقد استخف بالهياكل، فضاقت أرضهم بها، وكثر الظلم والهرج وفسدت الزروع واجدبت الأرض من كل ناحية، وظلم الناس بعضهم بعضاً، ولم ينكر ذلك عليهم، وسدت الهياكل والبرابي وطبقت أبوابها، فجاءهم الطوفان وأقبل عليهم المطر في اربع وعشرين من الشهر.
    وكان فرعان سكراناً فلم يقم إلا والماء قد عظم، فوثب مبادراً يريد الهرم فتخلخلت الأرض به، وسبق يريد الأبواب فخانته رجلاه وسقط على وجهه؛ وجعل يخور كما يخور الثور إلى أن أهلكه الطوفان ومن دخل منهم الأسراب مات بغمها ولحق الماء من أعلى ٍ الاهرام إلى حد التربيع، وأثره ظاهر عليه إلى الآن.
    وقد ذكر أن مواضع سلمت من الطوفان يذكر ذلك الفرس، وتزعم أنها لا تعرف الطوفان، وكذلك الهند تزعم أنها لاتعرفه وليس بين أهل التاريخ اختلاف في عموم الطوفان لجميع الأرض.

    تابع ذكر عجائب مصر وملوكها قبل الطوفان Fasel10
    مُختصر أخبار الزمان للمسعودي
    مجلة نافذة ثقافية . البوابة

    تابع ذكر عجائب مصر وملوكها قبل الطوفان Fasel10


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 18:21