بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة علوم القرآن أخلاق أهل القرآن
●[ باب أخلاق من قرأ القرآن لا يريد به الله عز وجل ]●
قال محمد بن الحسين: فأما من قرأ القرآن للدنيا أو لابناء الدنيا فإن من أخلاقه أن يكون حافظاً لحروف القرآن مضيعاً لحدوده متعظماً في نفسه متكبراً على غيره قد اتخذ القرآن بضاعة يتأكل به الأغنياء ويستقضي به الحوائج يعظم أبناء الدنيا ويحقر الفقراء إن علم الغنى رفق به طمعاً في دنياه وإن علم الفقير زجره وعنفه لأنه لا دنيا له يطمع فيها يستخدم به الفقراء ويتيه به على الأغنياء، إن كان حسن الصوت أحب أن يقرأ للملوك ويصلي بهم طمعاً في دنياهم وإن سأله الفقراء الصلاة بهم ثقل ذلك عليه لقلة الدنيا في أيديهم إنما طلبه الدنيا حيث كانت ربض عندها يفخر على الناس بالقرآن ويحتج على من دونه في الحفظ بفضل ما معه من القرآن وزيادة المعرفة بالغرائب من القرآن التي لو عقل لعلم أنه يجب عليه أن لا يقرأ بها فتراه تائهاً متكبراً كثير الكلام بغير تمييز، يعيب كل من لم يحفظ كحفظه ومن علم أنه يحفظ كحفظه طلب عيبه، متكبراً في جلسته، متعاظماً في تعليمه لغيره ليس للخشوع في قلبه موضع. كثير الضحك والخوض فيما لا يعنيه، يشتغل عمن يأخذ عليه بحديث من جالسه هو إلى إستماع حديث جليسه أصغى منه إلى استماع من يجب عليه أن يستمع له، يروي أنه لم يستمع حافظاً، فهو إلى كلام الناس أشهى منه إلى كلام الرب عز وجل، لا يخشع عند استماع القرآن ولا يبكي ولا يحزن ولا يأخذ نفسه بالفكر فيما يتلى عليه وقد ندب إلى ذلك راغب في الدنيا وما قرب منها لها، يغضب ويرضى، إن قصى رجل في حقه قال أهل القرآن لا يقصر في حقوقهم وأهل القرآن تقضى حوائجهم، يستقضي من الناس حق نفسه، ولا يستقضي من نفسه حق الله عليها، يغضب على غيره زعم لله، ولا يغضب على نفسه لله، لا يبالي من أين اكتسب من حرام أو من حلال قد عظمت الدنيا في قلبه إن فاته شيء لا يحل له أخذه حزن على فوته، لا يتأدب بأدب القرآن ولا يزجر نفسه عند الوعد والوعيد لاهٍ غافل عما يتلو أو يتلى عليه، همته حفظ الحروف، إن أخطأ في حرف ساءه ذلك لئلا ينقص جاهه عند المخلوقين فتنقض رتبته عندهم فتراه محزوناً مهموماً بذلك، وما قد ضيعه فيما بينه وبين الله مما أمر به في القرآن أو نهي عنه، غير مكترث به أخلاقه في كثير من أموره أخلاق الجهال الذين لا يعلمون، لا يأخذ نفسه بالعمل بما أوجب عليه القرآن إذا سمع الله عز وجل قال: (وَما آتاكُم الرسول فَخُذوهُ وَما نَهاكُم عَنهُ فَاِنتَهوا) فكان الواجب عليه أن يلزم نفسه طلب العلم لمعرفة ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فينتهي عنه، قليل النظر في العلم الذي هو واجب عليه فيما بينه وبين الله عز وجل، كثير النظر في العلم الذي يتزين به عند أهل الدنيا ليكرموه بذلك، قليل المعرفة بالحلال والحرام الذي ندب الله إليه ثم رسوله ليأخذ الحلال بعلم ويترك الحرام بعلم، لا يرغب في معرفة علم النعم ولا في علم شكر المنعم، تلاوته للقرآن تدل على كره في نفسه وتزين عند السامعين منه، ليس له خشوع فيظهر على جوارحه، إذا درس القرآن أو درسه عليه غيره همته متى يقطع ليس همته متى يفهم، لا يتفكر عند التلاوة بضروب أمثال القرآن، ولا يقف عند الوعد والوعيد، يأخذ نفسه برضى المخلوقين ولا يبالي بسخط رب العالمين، يحب أن يعرف بكثرة الدرس ويظهر ختمه للقرآن ليحظى عندهم، قد فتنه حسن ثناء الجهلة من جهله يفرح بمدح الباطل وأعماله أعمال أهل الجهل، يتبع هواه فيما تحب نفسه غير متصفح لما زجره القرآن عنه، إن كان مما يقرئ غضب على من قرأ على غيره، إن ذكر عنده رجل من أهل القرآن بالصلاح كره ذلك، وإن ذكر عنده بمكروه سره ذلك، يسخر بمن دونه يهمز بمن فوقه، يتتبع عيوب أهل القرآن ليضع منهم ويرفع من نفسه، يتمنى أن يخطئ غيره، ويكون هو المصيب. ومن كانت هذه صفته فقد تعرض لسخط مولاه الكريم، وأعظم من ذلك أن أظهر على نفسه شعار الصالحين بتلاوة القرآن وقد ضيع في الباطن ما يجب لله وركب ما نهاه عنه مولاه، كل ذلك بحب الرياسة والميل إلى الدنيا قد فتنه العجب بحفظ القرآن والإشارة إليه بالأصابع، إن مرض أحد من أهل الدنيا أو ملوكها فسأله أن يختم عليه سارع إليه وسر بذلك وإن مرض الفقير المستوى فسأله أن يختم عليه ثقل ذلك عليه يحفظ القرآن ويتلوه بلسانه وقد ضيع الكثير من أحكامه. أخلاقه أخلاق الجهال إن أكل فبغير علم وإن شرب فبغير علم وإن لبس فبغير علم وإن جامع أهله فبغير علم وإن نام فبغير علم وإن صحب أقواماً أو زارهم أو سلم عليهم، واستأذن عليهم فجميع ذلك يجري بغير علم من الكتاب أو سنة. وغيره ممن يحفظ جزء من القرآن مطالب لنفسه بما أوجب الله عليه من علم أداء فرائضه واجتناب محارمه وإن كان لا يؤبه له ولا يشار إليه بالأصابع. قال محمد بن الحسين: فمن كانت هذه أخلاقه صار فتنة لكل مفتون لأنه إذا عمل بالأخلاق التي لا تحسن لمثله اقتدى به الجهال فإذا عيب على الجاهل قال فلان الحامل لكتاب الله فعل هذا فنحن أولى نفعله ومن كانت هذه حاله فقد تعرض لعظيم وثبتت عليه الحجة ولا عذر له إلا أن يتوب وإنما حداني على ما بينت من قبيح هذه الأخلاق نصيحة مني لأهل القرآن ليتخلقوا بالأخلاق الشريفة ويتخلفوا عن الأخلاق الدنية والله يوفقنا وإياهم للرشاد. واعلموا رحمكم الله أني قد رويت فيما ذكرت أخباراً تدل على ما كرهته لأهل القرآن فأنا أذكر منها ما حضرني ليكون الناظر من كتابنا ينصح نفسه عند تلاوته للقرآن ويلزم نفسه الواجب والله الموفق. حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال أنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي قال أنا بقية بن الوليد عن شعبة عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي فراس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لقد أتى علينا حين وما نرى أن أحداً يتعلم القرآن يريد به إلا الله فلما كان ههنا بآخرة خشيت أن رجالاً يتعلمونه يريدون به الناس وما عندهم، فأريدوا بقراءتكم وأعمالكم وإنا كنا نعرفكم إذ فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا ينزل الوحي وإذ ينبئنا الله من أخباركم، فأما اليوم فقد مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي وإنما أعرفكم بما أقول من أعلن خيراً أحببناه عليه وظننا به خيراً، ومن أظهر شراً بغضناه عليه وظننا به شراً، سرائركم فيما بينكم وبين الله عز وجل. حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي قال نا حماد بن سلمة قال أنا الجريري عن أبي نضرة أن عمر بن الخطاب قال: يا أيها الناس. وذكر نحواً من حديث الفريابي. قال محمد بن الحسين: فإذا كان عمر بن الخطاب قد خاف على قوم قرأوا القرآن في ذلك الوقت ميلهم إلى الدنيا فما ظنك بهم اليوم. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكون أقوام يقرأون القرآن يقيمونه كما تقيمون القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه يطلبون به عاجلة الدنيا ولا يطلبون به الآخرة. حدثنا أبو محمد الحسن بن علوية القطان قال أنا خلف بن هشام البزار قال أنا خالد بن عبد الله الواسطي عن حميد الأعرج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعجمي والأعرابي قال فاستمع فقال: اقرءوا فكل حسن. سيأتي قوم يقيمونه كما يقيمون القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه. حدثنا ابو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال نا الحسين بن الحسن المروزي قال نا ابن المبارك قال أنا موسى بن عبيدة الربذي عن عبد الله بن عبيدة وهو أخوه عن سهل بن سعد الساعدي قال: بينا نحن نقترئ إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله، كتاب الله واحد وفيكم الأخيار وفيكم الأحمر والأسود، اقرأوا القرآن، أقرأوا قبل أن يأتي أقوام يقرأونه يقيمون حروفه كما يقام السهم لا يجاوز تراقيه، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه. وحدثنا أبو محمد أيضاً قال أنا الحسين بن الحسن قال أنا ابن المبارك قال نا موسى بن عبيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن ابن الهاد عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يظهر هذا الدين حتى يجاوز البحار وحتى يخاض بالخيل في سبيل الله ثم يأتي قوم يقرأون القرآن فإذا قرأوه قالوا قد قرأنا القرآن فمن أقرأ منا فمن أعلم منا. ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل ترون في أولئك من خير؟ قالوا: لا. قال: فأولئك منكم، وأولئك من هذه الأمة، وأولئك هم وقود النار. وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال نا زهير بن محمد قال أنا ابن نمير عن موسى بن عبيدة عن محمد بن إبراهيم عن ابن الهاد عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث مثله. وحدثنا ابن عبد الحميد أيضاً قال أنا زهير بن محمد قال أنا أبو نعيم قال أنا إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر قال سمعت أبي يذكر عن مجاهد عن ابن عمر قال: كنا صدر هذه الأمة وكان الرجل من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معه إلا السورة من القرآن أو شبه ذلك وكان القرآن ثقيلاً عليهم ورزقوا العمل به، وإن آخر هذه الأمة يخفف عليهم القرآن حتى يقرآه الصبي والأعجمي فلا يعملون به. وحدثنا ابن عبد الحميد قال أنا زهير بن محمد قال أنا سعيد بن سليمان قال أنا خلف يعني الواسطي عن عطاء بن السائب قال: كان أبو عبد الرحمن يقرئنا فقال يوماً: قال عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليقرأن هذا القرآن قوم يشربونه كما يشرب الماء يقرأونه فلا يجاوز تراقيهم. حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال أنا ابن المبارك قال أن معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن قال إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله ولم يتأولوا الأمر مزاولة. قال الله عز وجل (كِتابٌ أَنزَلناهُ إِلَيكَ مُباركٌ ليدبروا آياتِهِ) وما تدبر آياته اتباعه والله يعلم، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى ان أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله فما سقطت منه حرفاً وقد والله أسقطه كله، ما ترى الله القراء في خلق ولا عمل حتى ان أحدهم ليقول إني لأقرأ السورة في نفس واحد والله ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة متى كانت القراء تقول مثل هذا؟ لا أكثر الله في الناس مثل هؤلاء. حدثنا أبو محمد أيضاً قال أنا الحسين قال أنا عبد الله بن المبارك قال أنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء وقيس بن سعد عن مجاهد في قول الله عز وجل: (يَتلونَهُ حَقَ تِلاوَتِهِ) قال: يعملون به حق عمله. حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي قال أنا العلاء بن سالم قال أنا شعيب بن حرب قال نا مالك بن مغول عن الحسيب بن رافع قال: عبد الله بن مسعود: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون وبنهاره إذ الناس مفطرون وبورعه إذ الناس يخلطون وبتواضعه إذ الناس يختالون وبحزنه إذ الناس يفرحون وببكائه إذ الناس يضحكون وبصمته إذ الناس يخوضون. حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال أنا الفضل بن زياد قال أنا عبد الصمد بن يزيد قال سمعت الفضيل بن عياض يقول: ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له حاجة إلى أحد من الخلق، إلى الخليفة فمن دونه، وينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه قال: سمعت الفضيل يقول: حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي له أن يلغو مع من يلغو ولا يسهو مع يسهو ولا يلهو من يلهو وسمعت الفضيل يقول: إنما نزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس قراءته عملاً أي ليحلوا حلاله ويحرموا حرامه، ويقفوا عند متشابهه. وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال سمعت أبا الحسن محمد بن محمد بن أبي الورد يقول كتب حذيفة المرعشي إلى يوسف بن أسباط. بلغني أنك بعت دينك بحبتين وقفت على صاحب لبن فقلت بكم هذا؟ فقال لك: بسدس. فقلت: لا بثمن. فقال: هو لك، وكان يعرفك، اكشف عن رأسك قناع الغافلين وانتبه من رقدة الموتى واعلم أنه من قرأ القرآن ثم آثر الدنيا لم آمن أن يكون بآيات الله من المستهزئين. أخبرنا ابو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال نا مخلد بن الحسن ابن أبي زميل قال أنا أبو المليح قال كان ميمون بن مهران يقول: لو صلح أهل القرآن صلح الناس. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال نا عبد بن عبد الرحيم المروزي قال أنا عبد الله بن يزيد المقرئ قال أنا حيوة يعني ابن شريح قال حدثني بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: يكون خلف بعد سنين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً ثم يكون خلف يقرأون لا يعدو تراقيهم ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر، فقال بشير: فقلت للوليد ما هؤلاء الثلاثة فقال: المنافق كافر به والفاجر يتأكل به والمؤمن يعمل به. حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال أنا إسحق بن إبراهيم بن زيد قال نا سعد بن الصلت قال نا الأعمش عن خثيمة عن الحسن قال: مررت أنا وعمران بن حصين على رجل يقرأ سورة يوسف فقام عمران يستمع لقراءته فلما فرغ سأل، فاسترجع وقال: انطلق فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيأتي قوم يقرأون القرآن يسألون به الناس. وحدثنا أبو بكر بن عبد الحميد الواسطي قال نا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال يزيد بن هرون قال نا شريك بن عبد الله عن منصور عن خيثمة عن الحسن قال: كنت أمشي مع عمران بن حصين أحدنا آخذ بيد صاحبه فمررنا بسائل يقرأن القرآن فاحتبس عمران يستمع القرآن فلما فرغ سأل فقال عمران: انطلق بنا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأوا القرآن واسألوا الله به، فإن بعدكم قوماً يقرأون القرآن يسألون الناس به. حدثنا أبو عبد الله بن أحمد السوانيطي قال نا مقدام بن داود المصري قال نا أسد بن موسى قال نا عبد الله بن وهب عن الماضي بن محمد عن أبان عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتي بحملة القرآن يوم القيامة فيقول الله عز وجل: أنتم دعاة كلامي آخذكم بما آخذ به الأنبياء إلا الوحي.
كتاب : أخلاق أهل القرآن لأبي بكر محمد بن الحسين الآجُرِّيُّ منتديات الرسالة الخاتمة ـ البوابة