بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
رسالة في آداب الأكل
وَإِن كَرِهتَ طَعاماً لا تَعِبهُ وَدَع . كَلا أتى وَاضِحاً عَن سَيدِ الرُسُلِ
إذا أوتيت بطعام تكرهه فلا تعبه وأتركه واعتذر عن أكله (فما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، بل إن أعجبه أكله وإلا تركه) أخرجاه في الصحيحين.
وَإن شَبِعتَ فَلا تَبغي المَزيدَ فَقَد . أَفتى بِتَحريمِهِ بادي السنا عَلى
أعني القَراقي فَخُذ ما قالَ مُعتَمِلاً . وَكُن عَلى ثِقَةٍ مِن نَقلٍ مُحتَفِلِ
قال القراقي في (شرح التنقيح) أنه يحرم على الآكل على سماط الغير أن يزيد في الشبع بخلاف الآكل نفسه إلا أن يعلم رضا الداعي بأكل المدعو فله أن يأكل ما شاء والشبع الشرعي أن يأكل ما يقيم صلبه للكسب والعمل والشبع المعتاد أن يملأ ثلث بطنه وهو ستة أشبار كما سيأتي.
مِصرانَةَ المَرءِ قَد قاسوا وَقَد بَلغَت . عِشرينَ شِبراً سِوى شِبرين فاحتَفِل
فَثُلُثُها سِتَةٍ بِالشِبرِ فاعنِ بِهِ . وَخَل ثُلثا وَثُلثا قَط لا تَحِلُ
وَنَقَلَ طَرطوشِهِم هَذا القِياس فَخُذ . إِن الَّذي قالَهُ خالٍ مِن العِلَلِ
ذكر الطرطوش في (شرح الرسالة) أن مصرانة الآدمي ثمانية عشر شبرا قال وينبغي ألا يزيد الأكل عن ثلثها وهو ستة أشبار.
وَالأَكلُ أَنواعُهُ في سَبعَةٍ حُصِرَت . في مَدخَلٍ عَدَها خُذها بِلا مَلَلِ
فأولُ واجِبٍ حِفظُ الحَياةِ فَقَط . وَثانِها قُم بِهِ لِلفَرضِ وَاشتَغِل
وَثالِثُ سُنَةٍ أدى نوافِلُهُ . حالَ القِيامِ فَقُم لِلفَرضِ وَالنَفلِ
وَرابِعُ شَبَعٍ في الشَرعِ قوتَهُ . يُقيمُ صُلبَ الفَتى لِلكَسبِ وَالعَمل
وَخامِسُ شِبَعٍ يُخشى بِهِ تَلَفُ . جاءَت اِباحَتُهُ عَن سَيدِ الرُسُل
وَسادِسُ جائِزٍ جاءَت كَراهَتُهُ . وَفِعلُهُ جالِبٌ لِلنَومِ وَالثِقَلِ
وَسابِعٌ بَطنُهُ تَفضي إلى مَرضٍ . فَالنَقلُ تَحريمُها فاحذَر مِنَ الدُغَلِ
هذه الانواع ذكر معظمها في المدخل الأول أن يأكل ما تحصل به الحياة فقط.
الثاني: أن يزيد على ذلك مقدارا تحصل له به قوة على أداء الصلوات الخمس من قيام دون النوافل وهذان واجبان مثلهما الأكل في رمضان وغيره من الصوم فيجب أن يأكل ما يقويه على الصوم.
الثالث: أن يأكل ما تحصل له به قوة على قيام النفل وعلى صلاة النفل من قيام وهذا مستحب.
الرابع: أن يأكل ما يقيم صلبه للكسب والعمل وهذا هو الشبع الشرعي قال صلى الله عليه وسلم: (بحسب اِبنِ آدم لقيمات يقمن صلبه للكسب فإن كان لا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).
الخامس: أن يأكل إلى ثلث بطنه وقد سبق أنه ستة أشبار وهذا لا كراهة فيه.
السادس: أن يزيد على ذلك وهو مكروه وبه يحصل للانسان الثقل والنوم.
قال لقمان لابنه (يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الاعضاء عن العبادة) وقال بعض الحكماء: من كثر أكله كثر شربه ومن كثر شربه كثر نومه ومن كثر نومه كثر لحمه ومن كثر لحمه قسا قلبه ومن قسا قلبه غرق في الآثام وهذه القسم غلبت عليه عادة الناس.
السابع: أن يأكل زيادة على ذلك إلى أن يتضرر وهي البطنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصل كل داء البردة) سميت بردة لأنها تبرد المعدة عن هضم الطعام فيتولد من ذلك أمراض قال ابن الحاج: وهذا القسم حرام ومن العلماء من فسر البردة بادخال الطعام على الطعام الأول قبل هضمه وسيأتي أن ذلك إنما يضر بعد الشرب أما قبل الشرب فله أن يدخل ما شاء على ما شاء.
في حَد جوعِ الفَتى قولان قيلَ بأَنّ . يَشهَى لَهُ الأَكلُ مُختَلِطُ لَدى الأَكلِ
وَقيلَ إِن وَقَعت في الأَرضِ رِيقَتُهُ . شَمَّ الذُبابُ وَشَدَّ السَيرُ في عَجَل
حد الشبع قد تقدم وأما الجوع فحكى الغزالي فيه قولان في الإحياء أحدهما أن يشتهي الخبز وحده فإن أتى بالخبز وطلب معه الأدم فغير جوعان.
الثاني أن ينتهي به الجوع إلى حد لو وقعت ريقته على الأرض لم يقع الذباب عليها لخلوها من آثار دسومات الطعام وقوله يشهي هو بغير تاء ويشتهي لغتان قال الشاعر:
أكَلَت الذُبابُ فَما عِفَتُها . وَلأَني لاشَهى قَديدَ الغَنَمِ
وَلَحمُ الخَروفِ نَضيجاً وَقَد . أوتَيتَ بِهِ فاتِراً في الشَبَمِ
فأَما البَهيضُ وَحنيانَكُم . فَأَصبحَت مِنها كَثيرَ السَقَمِ
والشبم البارد والبهيض بالباء والضاد المعجمة الارز باللبن انشد هذه الأبيات مع أبيات بعدها الحافظ والله سبحانه وتعالى أعلم.
وَإن طَعِمَت فَأسير مِن طَعامِهِم . وَمِن شَرابِكَ لَيسَ الَعلُ كالنَهلِ
يَنبَغي لِلآكلِ عِندَ غَيرِهِ أَن يَتركَ من الطعام بقية وكذا من الشراب لئلا تخجل أصحاب الطعام ولأن أكل جميع الطعام وشرب جميع الماء من اللوم.
وَلا تَكُن نَهِماً في الأَكلِ وَاقتَصَد.وَانفي عَنِ العَرضِ وَصف الجوعِ وَالبُخلِ
إِن الرَغيبَ مَشؤمٌ في الأَنامِ فَكُن . زَهيدَ أكلٍ تَرى في الناسِ ذا نِحَلِ
التوسط في كل شيء حسن وقد قال الله تعالى: (وَالَّذينَ إِذا أنفَقوا لَم يُسرفوا وَلَم يَقتُروا وَكان بَينَ ذلك قَواما) الآية: 67 - الفرقان،
وقال تعالى: (وَلا تَمشي في الأَرضِ مَرحا)أي مفتخرا ثم قال الله تعالى: (وَاقصِد في مَشيكِ) الآية 18 - 19 - لقمان، أي لا تثب وثوب الشطار ولا تحسن مشية المتبخترين فينبغي للآكل أن يتوسط في أكله فلا يقصر فيه حتى ينسب إلى التحشم ولا يبالغ فيه حتى ينسب إلى الشره والجوع والبخل.
والرغيب هو الكسير الرغبة في الرغبة في الاكل والزهيد عكسه وفي الحديث أوتي النبي صلى الله عليه وسلم بعبد يشتريه فوضعوا له طعاما فأكل الجميع فقال صلى الله عليه وسلم: (الرغبة من الشؤم ولم يشتره).
وَإِن خَصَصتَ بِشىءٍ لا تَعُم بِهِ . إِن العُمومَ لِمَن راعاكَ بِالنَحلِ
إذا خص المالك بعض الضيفان بنوع من الاطعمة أو بطعام أشرف من طعام من هو دونه فليس له أن يطعم منه غيره لأن القرينة قاضية بالتخصيص فلا يجوز التعميم إلا لصاحب المنزل.
وَلا تَكُن ضَيغَناً خَلفَ الضيوفِ وَدَع . شَراهَة النّفسِ في الإِبكارِ وَالطِفلِ
الضيغن الرجل الذي لا يعزم عليه ولكن إذا رأى الضيوف تبعهم واستحى منه صاحب المنزل أن يمنعه من الدخول معهم وجميع ما يأكله الضيغن حرام والضيغن هو الطفيلي والطفل اواخر النهار والشراهة شلة الشهوة إلى الطعام.
وَلا تُكُن في غُضونِ الأَكلِ ذا نَظَرِ . إِلى جَليسِكَ يَغدو مِنكَ في خَجلِ
وَلا تُهَندِس بِفَيكَ الخُبز إِنّ بِهِ . مِنَ البُصاقِ لما يَفضي إلى الجِفلِ
ينبغي للآكل حال أكله ألا يديم النظر إلى جليسه لأن ذلك يخجله فيترك الطعام قبل أن يشبع وينبغي ألا يقضم الخبز بفمه ثم يضعه في الطعام فإنه يورث قيام الجليس ويعاف الاكل من حيث أنه قد يكون فمه أبخر لأن البُصاق منفصل عن اللقمة من الفم إلى الطعام وقد سمي في كتاب عجايب الأكل هذا النوع بالمهندس من حيث أنه يصلح اللقمة ويهندسها ثم يضعها في الطعام وهو مذموم.
وَاضُمُم شِفاهَكَ عِندَ المُضغِ نَحوِ حَلا . وَلا تَفرِقِع تَكُن كالأسود الجَعلِ
وَلا تُطَرطِش لا أكلَ الطَعامِ تَرى . عِندَ الأَنامِ حِمارَ المَجلِسِ الحَفلِ
ينبغي للآكل أن يضم شفتيه عند الاكل لمعنيين: الأول أنه يأمن مما يتطاير من البصاق في حال المضغ وقد يقع ذلك في الطعام فيورث قنافة الثاني أنه إذا ضم شفتيه لم يبق لفمه فرقعة والأسود الجعلى بضم الجيم والعين دويبه مثل الخنفساء أكبر منها قليلا وهي خسيسة تقتا الروث وشأنها جمعه وادخاره والعرب تشبه بها من ذموا بالخساسة وقال الشاعر: اشدد يديك بزيد أن ظفرت به.
الخَرَدَبان يَجُرُ الخُبزَ يَأخُذهُ . يَدٌ شِمالٌ وَمِن يُمناهُ مِن عَجلِ
قَد عَلِقتَ لُقمَةً وَالشَدقُ يَمضَغُ ما . قَد حَوى قَبلَها مِن نُهمَةِ الأَكلِ
وَعَينُه حُدِقَت خُبزاً عَلى طَبَقِِ . بُعدا لَهُ مِن أُكولِ ساءَ في المَثلِ
الخردبان هو الذي يجر الخبز خوفا أن يسبقه إليه غيره فيجعله في شماله ويأكل بيمينه قال الشاعر:
إِذا ما كُنتَ في قَومٍ شهاداً . فَلا تَجعَل شِمالَكَ خَردَباناً
والمعلق والمحدق والمشدق أوصاف ذميمة فالمعلق هو الذي يكون اللقمة في يده قبل أن يبتلع التي في شدقه ومع ذلك عينه إلى أخرى يأخذها.
وَإِن سَعَلتَ تَحولُ عَن وُجوهِمي . نَحو القَفا وَعَلى ذي الحَولِ فَاتكِلِ
وَلا تَنحُم وَلا تُبصِق بِحَضرَتِهِم . وَلا بِمُستَقذرِ تَنطِقُ لِذي أكلِ
وَلا تُبادِر إِلى قَطعِ اللُحومِ وَلا . إلى التَناوُلِ أيضاً قَط مِن عَجلِ
تَركُ الفُضولِ لِمَن حَلاهُ نافِلَةً . فَدَع وَفُضولُكَ والِهٍ عَنها وَامتَثِلِ
وَلا تُطاطي عَلى رأسِ الإناءِ وَلا . تَنفُض بِذَلِكَ فَكَم في النَقصِ مِن خَلَلِ
وَإِن عَلى طَبقٍ بَطيخُهُم وَضَعوا . فَدَع قُشورَكَ وَقتَ الأكلِ في سَفَلِ
في خَلطِ القِشرِ تَعزيزٌ وَرميُكَ . في جَمعِهِ كُلفَةً للِرمي بفي الزَبلِ
وَرُبَما صَدَمَت رَأسُ الجَليسِ إِذا . تَرمي بِها نَحوهُ فَأَقصِد إِلى عَدلِ
وَضِع نَوى التَمرِ وَالبَرقوقِ في جِهَةٍ . بِدونِ خَلطٍ تَكُن في الناسِ ذا فَضلِ
هذه آداب تتأكد في حق الآكل ويحترز أشياء تطرأ عليه حال الأكل كالسعال ونحوه فينبغي له عند السعال أن يحول وجهه عن الطعام أو يبعده عنه أو يجعل شيئا على فيه لئلا يخرج منه بصاق فيقع في الطعام.
ومنها ينبغي للآكل أو للحاضر ألا يتنحم بحضرة الآكلين ولا يبصق ولا يتمخط ولا يذكر كل ما فيه ذكر شيء مستقذر.
ومنها ينبغي ألا يبادر إلى قطع ما يقدم للضيفان من اللحم إذا أوتي به صحيحا كالخروف ونحوه إلا إذا أذنوا له في ذلك.
ومنها ألا يأكل قبل القوم فإن فاعل ذلك ينسب إلى فرط الجوع والشره قال طرفه:
وَإِن مُدت الأَيدي إلى الزادِ لَم أَكن . بِأعجَلِهِم إِذا جَشِعَ القَومُ اعجَلُ
ومنها ألا يطاطأ رأسه على الإناء حالة الأكل.
ومنها ألا ينفض يديه من الطعام مخافة أن يقع منها شيء على ثوب الجليس أو في الطعام فيورث قنافة وتقذرا عن أكل الباقيز ومنها إذا كان المأكول بطيخا وضع على طبق أو غيره فينبغي له ألا يخلط ما أكله من القشر بما لم يؤكل فإنه يورث قنافة وألا يرمي بالقشر لأن في رميه كلفة في جمعه ليطرح في المزبلة وربما نالت القشور رأس الجالسين فصدمته أو تقاطر منها شيء وفي وجهه حالة الرمي.
ومنها إذا أكل تمرا أو برقوقا ينبغي بألا يخلط نوى ما أكل بما لم يؤكل وفي معناه السرمان وساير ماله قشر كالقصب ونحوه.
وَإِن أتَتكَ سَنانيرُ يَصِحنَ فَلا . تَرمِ لَها لُقمَةً تَسلَمِ مِنَ الثِقَلِ
ليس للآكل أن يتصرف في الطعام بغير الاكل فيحرم عليه إطعام الهرة والسنور والقط وجمعه سنانير وله أسماء سنور وقط وهر وضبون وحنظل ولا يجوز لمن حضر الطعام أن يطعم من دونه فإن استووا في الطعام جاز أن يلقم الاضياف بعضهم بعضا.
وَإِن أَتوكَ بِأنواعِ الطَعامِ فَمُل . إِلى إِختيارِكَ بِالمَجعُولِ بِالعَسلِ
فَسُنَةُ المُصطفَى حُبُ الحَلاوَة لا . تَبغِ العُدولَ لأِكل الثَومِ وَالبَصلِ
وَوَافَقَ القَومُ حَتّى يَكتَفوا شَبَعاً . وَلا تَقُم قَبلَهُم يَفضي إِلى خَجلِ
وَكُن لَهُم أَبداً نِعمَ الجَليسِ وَكُن . بِئسَ الرَفيقِ رَفيقاً غَن مِن دُغلِ
وَآنَسَ القَومُ بِالتَحديثِ في أُكُلٍ . وَلا تَكُن ساكِتاً كَالبَهمِ وَالهُمَلِ
وَلا تَكُن قائِماً عَن قَصعَةٍ أَبداً . قَبلَ الفَراغِ وَكُن عَن ذاكَ في شُغُلٍ
فَفي القِيامِ لَهُ قِطَعٌ لِلذَتِهِ . فَلا تَكُن قاطِعاً نَدعوكَ بِالجَعلِ
وَالعَق يَديكَ وَلا تَمسَح بِخُبزِهِم . وَلا السَماطَ وَكُن عَن ذاكَ في شُغُلِ
قالوا وَما صَحَ في طَحنِ الطَعام وَلا . تَصغيرَ لُقمَتِهِ شيءٌ لَدَى الأَكلِ
يستحب للأكل أن يختار لنفسه من الطعام الحلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل وينبغي للآكل إذا شبع ألا يرفع يده قبل القوم الذين لم يكتفوا منه لأن في ذلك تخجيل لهم وينبغي له أن يلين جانبه لهم ويخفض جناحه لهم ولا يؤثر نفسه عليهم بشىء فيغشهم وينبغي ذكر الحكايات على الاكل لأن في سماعها استمرار للآكلين على الأكل وإطالة الجلوس عليه.
والبهم ضم الباء جمع بهمة وهي الصغيرة من الغنم والهمل الدواب وإذا فرغ من الأكل استحب له أن يلعق يديه أو يلعقها غيره الحديث الوارد في ذلك ولا يمسح يديه بالخبز لقوله صلى الله عليه وسلم: (أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء).
وفي المسح امتهان له وكذا ينبغي له ألا يمسح بالسماط فيلوثه على أصحابه قال النووي رحمه الله في (فتاويه) لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بتصغير اللقمة ولا بتدقيق المضغ قبل البلع ولكن نقل العبادي في (الطبقات) عن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال في الأكل أربعة أشياء فرض واربعة سنة وأربعة أدب أما الفرض فغسل اليد والقصعة والسكين والمغرفة والسنة الجلوس على اليسار وتصغير اللقمة والمضغ الشديد ولعق الاصابع والادب ألا تمد يدكن حتى يمد من هو أكبر منك والأكل مما يليك وقلة الكلام الطرائفي هذه عبارته وهو مخالف لما ذكر النووي وينبغي للآكل ألا يقيم غيره عن الاكل قبل فراغه منه لأن الآكلين أن انتظروه شق عليهم الانتظار وإن أكلوا دونه كان فيه تمييزا عليه.
والجعل دويبه سوداء إذا ذمت العرب شخصا شبهته بها وقد تقدم.
وَالأَكلُ هَل تَملِكُ الضيفانَ قُلتُ نَعَم . فَبِازَدراد أمِ التَقديم لِلآكلِ
أُم بِالتَناوُلِ أم بِالوَضعِ في فَمَهِم . صَحِح أَخيراً عَنِ الشَرحِ الصَغيرِ قُل
وَقيلَ ما مَلَكوا بِل شِبهَ ما أَكلوا . كَشَبهِ عارِيَةٍ فَاحفَظ عَلى مَهلِ
اختلفوا في أن الضيف هل يملك الطعام الموضوع للأكل أم لا يملك على وجهين أحدهما هو امتاع كالعارية والأصح أنه يملك وعلى هذا فقيل بالوضع بين يديه وقيل بتناوله بيديه وقيل بابتلاعه وقيل بوضعه في فمه ونقل ترجيحه عن الشرح الصغير وقيل بالازدراد.
والثاني أنه لا يملك الطعام بل شبه الذي يأكله كشبه العارية ولهذا لا يجوز اطعام الهرة ولا أن ينقله إلى غيره وتظهر فائدة الخلاف فيما لو أكل الضيف فيما لو أكل الضيف تمرا وطرح نواه فنبت فلم يكن شجرة وفيما لو رجع صاحب الطعام قبل أن يبتلعه.
بَعدَ الكِفايَةِ قُل لِلهِ خالِقُنا . حَمداً وَشُكراً وَسَلهُ الفَضلَ وَابتَهِل
يستحب للآكل أن يحمد الله تعالى ويسأله المزيد من فضله ويستحب أن يقول: (الحمدلله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفى ولا مكفور ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا) أخرجه البخاري.
وَبعدَ أَكلٍ فَبارِك بِالدُعاءِ وَقُم . إِن انتِشارَكَ قَصدُ راجِحِ العَملِ
يستحب للآكل إذا فرغ من الأكل ألا يطيل الجلوس من غير حاجة بل يستأذن رب المنزل وينصرف لقوله تعالى: (فَإِذا اطعمتم فانتشروا) الآية: 53 - الاحزاب، إنما يستحب إستئذان رب المنزل لاحتمال أن يكون عنده شيء آخر يقدمه اليهم، قال وينبغي لرب المنزل أن يشيع الضيف إلى خارج الدار ولا يحل للضيف أن يكلف المضيف ولا أن يقعد عنده أكثر من ثلاثة أيام لقوله صلى الله عليه وسلم: (حق الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة ولا يحل للرجل أن يقيم عند أحد حتى يؤثمه قالوا يارسول الله كيف يؤثمه قال يقيم عنده وليس عنده شيء يقريه).
وَبَعدَ أكلٍ فَلا تَحمِل طَعامَهُم . فَزَلَةُ الحَملِ عَدوها مِنَ الزُلَلِ
يحرم على الآكل بعد الاكل أن يحمل معه خبزا أو طعاما أو لحما وهذه سماها الغزالي بذلة الصوفي فقال: "وذلة الصوفي حرام " فإن علم الرضا فسيأتي.
وَاعزِم عَلى ضَيغنٍ خَلفَ الضيُوفِ أَتى . وَابعَث طَعاماً لِمَن تَبغيهِ بِالبُجلِ
وَكُل عَلى شَبَعٍ وَاحمِل إِلى حَرَمٍ . إذا عَلِمتَ رِضا مِن صاحِبِ النُزُلِ
إذا علم رضا صاحب الطعام جاز للضيف أن يعزم على غيره ليأكل معه ويبعث بالطعام إلى من يشاء ويأكل على الشبع ويحمل إلى أهله فإن شك في رضاه حرم عليه جميع ذلك والضيغن الذي يتبع الضيف من غير عزومة وهو بنون في آخره وهو الطفيليى كما سبق.
وَإِن دَخلتَ إِلى بَيتِ الصَديقِ فَكُل . عِندَ اليَقينِ وَعِندَ الشَكِ لا تَنَل
أَخَذَ الدَراهِمَ بِالإِجماعِ قَد مُنِعوا . عَكسَ الطَعامِ فَدَع مِن قاسَ بِالعُطلِ
قالَ النَواوي كَم في المَنعِ مِن عِلَلٍ . أَخَذَ الدَراهِمَ كالمَطعومِ فانتَحِل
يجوز الأكل من بيت الصديق في حال غيبته قال تعالى: (أو صديقكم) الآية: 61 - النور وجواز الاكل مخصوص بحالة العلم بالرضى وعند الشك في الرضى يحرم وكذا الحكم في غير الصديق ونقل النووي في شرح مسلم الاجماع على امتناع أخذ الدراهم عند العلم بالرضا ثم قال وفيه نظر وينبغي جواز الاخذ عند العلم كما يجوز الأكل.
ولا شك أن اباحة مال الغير على خلاف الأصل والآية إنما وردت في الاكل رخصة فلا قياس عليه غيره لأن شرط القياس ألا يكون المقيس عليه شاذا عن الأصول وينبغي التنبوء ها هنا لأمر وهو أن أخذ الدراهم له صورتان، الصورة الاولى أن لا يرضى صاحبها بأخذها مجانا ويرضى بأن يأخذها ويردها أو يرد بدلها على نية القرض وهذا ينبغي أن يكون هو المراد بالاجماع عليه لأن أخذها على نية القرض معاوضة وشرطها أن تكون بعقد والعقد لا يكون من شخص واحد والمعاوضة الفاسدة يكون على المأخوذ بها حرام فتحريم الأخذ لفساد المعاوضة لا لعدم الرضى كما نقول في البيع الفاسد يحرم التصرف في المأخوذ به وإن كان الرضى موجود الثانية أن يقوم عنده دليل على جواز رضى الأخذ من غير بدل فهذا نظر فقد يقال يجوز كالطعام وقد يقال بامتناعه لأن الغالب عدم الرضى بأخذ الأموال ولهذا تصان ويختم عليها بخلاف الطعام ولا نظر إلى شذوذ بعض الاحوال لأن أحكام الشرع إنما تبنى على الغالب فظهر أن القياس الذي قاله النووي قياس خفي لا يصح الإلحاق فيه لقيام الفارق الجلي.
وَأن مَلَكتَ طَعامَ الفَضلِ فادعُ لَهُ . جَمعاً مِنَ القَومِ لا تَمنعهُ مِن بُخلٍ
لا تَقبِضِ اليَدَ عَن مَعروفٍ ما وَجدَتَ . وَعودُ البَسطِ ما عَوَدتَ مِن شَلَلِ
إِنَّ البَخيلَ لِيةٌ وَفي السَماءِ فَكُن . عَن وَضعِهِ نائِياً تَرقى إِلى نُزلِ
طعام الفضل هو الفاضل عن كفايته وكفاية عياله وقوله وعود البسط ما عودت من شلل يعني عود يدك البسط في المعروف ولا تجعلها مغلولة كاليد الشلل التي لا يعطى بها شيء لتعطيل منفعتها فهي شلا عن فعل الخير كما أن اليد الشلا مغلولة عن التصرف حسا فعودها البسط في المعروف كما عودتها القبض لأن اليد كلما قبضت كانت شلا عن فعل الخير كما أن اليد الشلا مغلولة عن التصرف حسا فعودها البسط في المعروف كما عودتها القبض لأن اليد كلما قبضت كانت شلا عن فعل الخير والبخيل هو الذي يمنع الزكاة ولا يقري الضيف ويسمى في السماء يتيما وبخيلا أيضا.
قوله فكن عن وضعه نائيا أي بعديا والناي البعيد والنزل مرة يستعلم في الطعام المعد للضيف ومرة في ازادة المنزلة ومن قوله تعالى: (إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصالِحاتِ كانَت لَهُم جَناتُ الفِردَوسِ نُزلاً) 107 - الكهف.
وَإِن دَعوتَ ضيوفاً فاتَخِذ لَهُموا . قَدرَ الكِفايَةِ أو فاترُكهُ وَأنسلِ
إذا كان الطعام قليلا والضيوف كثيرة قال الغزالي الأولى ترك الدعوة لأنه ربما توقعهم في الخوض فيه وهذا لعلة محمولة على من كان واجدا للزيادة فتركها بخلا أما الذي لا يج إلا ما قدمه فلا ينبغي الترك وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: (من استقل حرم) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن جارة لجارتها).
وَأن طَبَختَ فاكثِر مِن مَريقَتِها . وَأَعطِف عَلى الجارِ أو فادعوهُ لِلأكلِ
فَفي الصَحيحِ طَعامُ اِثنَينِ أربَعةٍ . يِكفي وفي واحِدٍ يَكفيهِ مَعَ رَجلٍ
وَأربَع لِثمانٍ أَن يَضَع أَكلاً . لا تَغلِق البابَ وَادعو دَعوَةَ الجُعلا
ينبغي للآكل إذا وضع طعاما فيه فضل أن يدعو الناس للأكل فلعله يصادف صالحا يأكل من طعامه فيغفر له بسببه ويقال دعوة الجعلا إذا كانت الدعوة عامة ودعوة النقرى إذا كانت الدعوة خاصة قال طرفة:
وَنَحنُ في الشِتاءِ نَدعو الجُعلا . لا تًرى الأَدبَ فينا يَنتَقِرِ
وصف قبيلته بغاية الكرم لأن زمن الشتاء وقت ضيق ومع ذلك يدعون الناس دعوة الجعلا.
فَقُدرَةُ اللَهِ خَلقُ الرَي مَعَ شَبَعٍ . لا بِالطَعامِ وَشُربِ العَل وَالنَهلِ
مذهب أهل السنة أن الشبع هو الذي لا يحصل بنفس الأكل والري بل يخلق الله الشبع عند الاكل ولهذا تجد من الناس من يأكل ولا يشبع والشرب الأول يسمى نهلا بفتح النون والهاء والشرب الثاني يسمى عللا.
.
كانَ الخَليلُ أبونا عِندَ خَلقِهِ . يَمشي إِلى المَيلِ يَدعو الضَيفَ للِلأكلِ
مِن صِدقِ نِيَتِهِ دامَت ضيافَتُهُ . إِلى القِيامِ فاتَبِع شِرعَةَ الرُسُلِ
كان أبونا إبراهيم صلى الله عليه على نبينا وعليه وسلم إذا أراد الأكل يمشي الميل والميلين يلتمس من يتغدى معه وكان يكنى (أبا الضيفان) ولصدق نيته دامت ضيافته في مشهده إلى يومنا هذا فلا تنقضي ليلة إلا ويأكل عنده جماعة ما بين ثلاثة إلى عشرة إلى مائة إلى ما لا يعلمه إلى الله تعالى، قال الغزالي رحمه الله وقال قوام الموضع أنه إلى الآن لم تخل ليلة من الضيوف متجددين أبدا.
رسالة في آداب الأكل
المؤلف : الأقفهسي
مجلة نافذة ثقافية الإلكترونية ـ البوابة