من طرف حكماء السبت 17 يونيو 2017 - 15:23
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
جمع الجواهر في الملح والنوادر
● [ ظرف أهل المدينة ] ●
وقال مالك: ما رأيت أشبه بأهل المدينة من ابن سيرين، وأهل المدينة أرق الناس أدباً، وأحلاهم طرباً، وأبرعهم شيماً، وأطبعهم كرماً، ويقال: دل حجازي، وعشق يماني. وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
إنّ قلبي بالتلّ تلّ عزازٍ ● مع ظبي من الظباء الجوازي
شادن لم ير العراق وفيه ● مع ظرف العراق دلّ الحجا
وقال أبو تمام:
من شاعرٍ وقف الكلام ببابه ● واكتنّ في كنفي ذراه المنطق
قد ثقّفت منه الشآم وسهّلت ● منه الحجاز ورقّقته المشرق
وكان عبد الملك بن الماجشون يقول: لقد كنا بالمدينة وإن الرجل يحدثني بالحديث من الفقه فيمله علي، ويذكر الخبر من الملح فأستعيده فلا يفعل. ويقول: لا أعطيك ملحي، وأهبك ظرفي وأدبي.
وقال ابن الماجشون: إني لأسمع الكلمة المليحة وما لي إلا قميص واحد فأدفعه إلى صاحبها وأستكسي الله عز وجل. وقيل لأبي السائب المخزومي: أترى أحداً لا يتمنى النسيب ؟ قال: أما من يؤمن بالله واليوم الآخر فلا.
● وكان أبو السائب كثير الطرب، غزير الأدب، وله فكاهات مذكورة، وأخبار مشهورة. وكان جده يكنى أبا السائب أيضاً، وكان خليطاً للنبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام؛ وأقبل الإسلام فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكره يقول: نعم الخليط كان أبو السائب لا يداري ولا يماري. واسم أبي السائب عبد الله، وكان أشراف المدينة يقدمونه ويعظمونه لشرف منصبه، وحلاوة طربه. قال الزبير بن بكار: كانت سليمة المشاوبية عاشقة لأفلح مولى الزهريين، فأتاها يوماً أبو السائب المخزومي فقال: حدثيني، هل أتاك من حبيبك رسول ؟ قالت: لا. قال: فهل قلت في ذلك شعراً ؟ قالت: نعم، ثم أنشدته:
ألا ليت لي نحو الحبيب مبلّغاً ● يبلّغه التسليم ثمّ يقول
سليمة نضوٌ ما ترجّى حياتها ● من الشوق والشوق الشديد قتول
تعالج أحزاناً وتبكي صبابةً .● وأنت لما تلقاه فيك جهول
فقال أبو السائب: أنا والله رسولك؛ فحفظ الشعر وتوجه نحو أفلح في يوم صائف شديد حره، فلقيه رجل من الأنصار فقال: يا أبا السائب؛ من أين أقبلت ؟ قال: من عند سليمة المشاوبية. قال: وإلى أين تريد ؟ قال: أريد أفلح مولى الزهريين أبلغه رسالتها. قال: أفي مثل هذا الوقت ؟ قال: إليك يابن أخي ؟ فإن الجنة حفت بالمكاره؛ وما عبد الله إلا بالصبر على ما ترى.
وقال الزبير: حدثني جدي قال: أتاني أبو السائب المخزومي في ليلة بعدما رقد الناس، فأشرفت عليه وقلت: هل من حاجة ؟ فقال: سهرت فذكرت أخاً لي أستمتع به فلم أجد أحداً سواك، فلو مضيت بنا إلى العقيق فتناشدنا وتحدثنا ؟ قلت: نعم ! فنزلت فما زال في حديث إلى أن أنشدته في بعض ذلك بيتي العرجي:
باتا بأنعم ليلةٍ حتى بدا ● صبحٌ تلوّح كالأغرّ الأشقر
فتلازما عند الفراق صبابةً ● أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر
فقال: أعده، فأعدته فقال: أحسنت والله ! وامرأتي طالق إن نطقت بحرف حتى أرجع إلى بيتي غيره، فمضينا فتلقانا عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب وهو منصرف من ماله يريد المدينة. فقال: كيف أنت يا أبا السائب ؟ فقال:
فتلازما عند الفراق صبابةً ● أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر
فالتفت إلي، وقال: متى أنكرت عقل صاحبك ؟ قلت: منذ الليلة، قال: لله أي كهل أصيبت به قريش. ثم مضينا فلقينا محمد بن عمران التيمي قاضي المدينة يريد مالاً له على بغلة، وكان أثقل الناس جسماً، ومعه غلام له على عنقه مخلاة فيها قيد البغلة، فسلم عليه ثم قال: كيف أنت يا أبا السائب ؟ فقال:
فتلازما عند الفراق صبابةً ● أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر
فالتفت إلي وقال: متى أنكرت عقل صابحك ؟ قلت: آنفاً؛ فتركني وانصرف، فقلت: أفتدعه هكذا؟ ما آمن أن يتهور في بعض آبار العقيق، قال: صدقت، يا غلام، هات قيد البغلة، فوضعه في رجله وهو ينشد البيت ويدافع بيده؛ فلما أطال نزل الشيخ عن البغلة وقال: يا غلام، احمله على بغلتي وألحقه بأهله؛ فلما كان بحيث علمت أنه قد فاته أخبرته الخبر فضحك. وقال: قبحك الله ماجناً فضحت شيخاً من قريش وعذبتني وأنا لا أقدر أن أتحرك.
وروى مصعب بن الزبير عن عبد الله، قال: كان عروة بن أذينة نازلاً في دارى بالعقيق فسمعته ينشد لنفسه:
إنّ التي زعمت فؤادك ملّها ● خلقت هواك كما خلقت هوىً لها
فيك الذي زعمت بها فكلاكما ● أبدى لصاحبه الصبابة كلّها
ولعمرها إن كان حبّك فوقها ● يوماً وقد ضحيت إذاً لأظلّها
فإذا وجدت لها وساوس سلوةٍ ● شفع الضمير إلى الفؤاد فسلّها
بيضاء باكرها النعيم فصاغها ● بلباقةٍ فأدقّها وأجلّها
لما عرضت مسلّماً لي حاجةً ● أخشى صعوبتها وأرجو ذلّها
منعت تحيّتها فقلت لصاحبي ● ما كان أكثرها لنا وأقلّها
فدنا وقال لعلّها معذورةٌ ● في بعض رقبتها فقلت لعلّها
فأتاني أبو السائب المخزومي فقلت له بعد الترحيب والبشر : ألك حاجة ؟ قال: نعم ! أبيات لعروة بلغني أنك سمعته ينشدها ؟ فلما بلغت إلى قوله: فدنا وقال لعلها معذورة، طرب وصاح، وقال: هذا والله الصادق العهد، الدائم الود، لا الذي يقول:
إن كان أهلك يمنعونك رغبةً ● عني فأهلي بي أضنّ وأرغب
أوليس لي قربى إذا أقصيتني ● حدبوا عليّ وعندي المستعتب
فلئن دنوت لأدنونّ بعفّةٍ ● ولئن نأيت لما ورائي أرحب
يأبى وعيشك أن أكون مقصّراً ● رأيٌ أعيش به وقلب قلّب
لقد عدا هذا الأعرابي طوره، وتجاوز قدره، وإني لأرجو أن يغفر الله لصاحب الأبيات الأولى لحسن الظن بها، وطلب العذر لها. فعرضت عليه الطعام فقال: سبحان الله ! أويحسن الظن بمثلي أن يأكل طعاماً بعد سماع هذه الأبيات ؟ والله ما كنت لأخلط بها طعاماً حتى الليل، وانصرف.
والأبيات التي أنشدها أبو السائب لبعض الهذليين هي من مليح الشعر أولها:
طرقتك زينب والركاب مناخةٌ ● بحطيم مكّة والنّدى يتصبّب
بثنيّة العلمين وهناً بعدما ● خفق السّماك وعارضته العقرب
وتحية وكرامة لخيالها ● ومع التحية والكرامة مرحب
أنى اهتديت ومن هداك ودوننا ● حمل فقّلة عاذب فالمرقب
ارتياح أهل المدينة إلى المزاح وانقطاعهم إلى السماع
ولأهل المدينة من الارتياح إلى المزاح، والانقطاع للسماع ما هو مشهور عندهم، مأثور منهم. قال عبد الله بن جعفر: أنا لي عند السماع هزة لو سئلت عندها لأعطيت، ولو قاتلت معها لأبليت.
وقال أبو العيناء: قال الأصمعي: مررت بدار الزبير بالبصرة، فإذا بشيخ من أهل المدينة من ولد الزبير يكنى أبا ريحانة جالس بالباب وعليه شملة تستره؛ فسلمت عليه وجلست إليه؛ فبينا أنا كذلك إذ طلعت علينا سوداء تحمل قربةً، فلما نظر إليها لم يتمالك أن قام إليها وقال لها: غنني صوتاً، فقالت: إن موالي أعجلوني، قال: لا بد من ذلك، قالت: أما والقربة على كتفي فلا، قال: فأنا أحملها: فأخذ القربة منها فحملها واندفعت تغني:
فؤادي أسيرٌ لا يفكّ ومهجتي ● تقضّى وأحزاني عليك تطول
ولي مقلةٌ قرحى لطول اشتياقها ● إليك وأجفاني عليك همول
فديتك، أعدائي كثيرٌ وشقّتي ● بعيد وأشياعي لديك قليل
وكنت إذا ما جئت جئت بعلّة ● فأفنيت علاّتي فكيف أقول !
فطرب وصرخ، وضرب بالقربة فشقها؛ وقامت الجارية تبكي، وقالت: ما هذا بجزائي منك، شفعتك في حاجتك، فعرضتني لما أكره من موالي ! فقال: لا تغتمي فالمصيبة علي حصلت، ونزع الشملة، ووضع يداً من قدام ويداً من خلف، وباعها وابتاع لها قربة.
وقال رجل لابن جعدبة: يا أبا الحكم؛ الرجل الذي يشدو بالأصوات ما ترى فيه ؟ قال: سبحان الله ! كنا إذا أتت على الرجل أربعون سنة لا يحسن عشرة أصوات عددناه من أهل بقيع الغرقد يعني الموتى.
ومر بالأوقص المخزومي وهو قاضي المدينة يتغنى بليل فأشرف عليه، وقال: يا هذا؛ شربت حراماً، وأيقظت نياماً، وغنيت خطأ، خذ عني وأصلح له الغناء.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: حدثت أن مدنياً كان يصلي مذ طلعت الشمس إلى أن قارب النهار أن ينتصف، ومن ورائه رجل يتغنى، وهما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا برجل من الشرط قد قبض على الرجل فقال: أترفع عقيرتك بالغناء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فأخذه؛ فانفتل المدني من صلاته، فلم يزل يطلب إليه فيه حتى استنقذه، ثم أقبل عليه فقال: أتدري لم شفعت فيك ؟ قال: لا، ولكني إخالك رحمتني، قال: إذاً فلا رحمني الله. قال: فأحسبك عرفت قرابةً بيننا. قال: إذاً قطعها الله، قال: فليد تقدمت مني إليك، قال: والله ولا عرفتك قبلها. قال: فأخبرني. قال: سمعتك تغنيت آنفاً فأقمت واوات معبد، أما والله لو أسأت التأدية لكنت أحد الأعوان عليك.
قال: والصوت الذي ينسب إلى واوات معبد شعر الأعشى الذي يعاتب فيه يزيد بن مسهر الشيباني وهو:
هريرة ودّعها وإن لام لائمٌ ● غداة غدٍ أم أنت للبين واجم
لقد كان في حولٍ ثواء ثويته ● تقضّى لباناتٌ ويسأم سائم
ويروى أن معبداً بلغه أن قتيبة بن مسلم فتح خمس مدائن؛ فقال: لقد غنيت بخمسة أصوات هن أشد من فتح المدائن التي فتحها قتيبة. والأصوات قال المبرد:
أحدها، للأعشى يعاتب يزيد بن مسهر الشيباني: هريرة ودعها وإن لام لائم. فأنشد البيتين.
والثاني: قوله يعاتبه:
ودّع هريرة إنّ الركب مرتحل ● وهل تطيق وداعاً أيها الرّجل
غيداء فرعاء مصقولٌ عوارضها ● تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
والثالث، للشماخ بن ضرار بن مرة بن غطفان يقوله لعرابة بن أوس:
رأيت عرابة الأوسي ينمى ● إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما رايةٌ رفعت لمجدٍ ● تلقّاها عرابة باليمين
إذا بلّغتني وحملت رحلي ● عرابة فاشرقي بدم الوتين
والرابع، لعمر بن أبي ربيعة:
ودّع أمامة قبل أن تترحّلا ● واسأل فإنّ قليله أن تسألا
أمكث لعمرك ساعةً فتأنّها ● فعسى الذي بخلت به أن يبذلا
لسنا نبالي حين ندرك حاجةً ● إن بات أو ظلّ المطيّ معقّلا
قال أبو العباس: والشعر الخامس لا أعرف قائله. قلت: وهو لعروة بن أذينة الليثي:
غرابٌ وظبيٌ أعصب القرن نادباً ● ببين وصردان العشيّ تصيح
لعمري لئن شطّت بعثمة دارها ● لقد كنت من خوف الفراق أليح
وكتب سليمان بن عبد الملك إلى عثمان بن حيان المرى: أحص المخنثين، فوقعت فوق الحاء نقطة فأخذهم وخصاهم وفيهم الدلال؛ فبلغ ذلك ابن أبي عتيق وقد قام إلى الصلاة فقال: أوقد خصي الدلال ؟ إنا لله ! لقد كان يحسن أن يغني:
لمن طللٌ بذات الجيـ ● ش أمسى دارساً خلقا
ثم دخل في الصلاة؛ فلما فرغ من قراءة أم الكتاب قال: السلام عليكم، وكان يحسن خفيف هذا الشعر ولا يحسن ثقيله.
● من طرف ابن أبي عتيق
ولابن أبي عتيق عجائب ظريفة، أذكر لك منها ما يصلح ويملح؛ منها أنه سمع وهو بالمدينة قول ابن أبي ربيعة:
فما نلت منها محرماً غير أنّنا ● كلانا من الثوب المطارف لابس
فقال: أبنا يلعب ابن أبي ربيعة ؟ فأي محرم بقي ؟ فركب بغلته متوجهاً إلى مكة، ودخل أنصاب الحرم، وقيل له: أحرم ! قال: إن ذا الحاجة لا يحرم. فلقي ابن أبي ربيعة؛ فقال: أما زعمت أنك لم تركب محرماً قط ؟ قال: بلى ! قال: فما قولك: كلانا من الثوب... البيت ؟ فقال له: إني أخبرك؛ خرجت بعلة المسجد، وخرجت زينب تريده، فالتقينا فاتعدنا، فصرنا إلى بعض الشعاب، فأخذتنا السماء، فأمرت بمطرفي فسترنا الغلمان لئلا يروا بها بلة فيقولوا لها: هلا استترت بسقائف المسجد ؟ فقال له ابن أبي عتيق: يا عاهر ! هذا البيت يحتاج إلى حاضنة ؟ وابن أبي عتيق الذي سمع قول ابن أبي ربيعة:
قال لي صاحبي ليعلم ما بي ● أتحبّ القتول أخت الرّباب
قلت وجدي بها كوجدك بالما ● ء إذا ما فقدت برد الشراب
أزهقت أُمّ نوفلٍ إذ دعتها ● مهجتي، ما لقاتلي من متاب
أبرزوها مثل المهاة تهادى ● بين خمسٍ كواعبٍ أتراب
وهي مكنونةٌ تحيّر ● في أديم الخدّين ماء الشباب
ثم قالوا تحبّها قلت بهراً ● عدد الرمل والحصى والتراب
من رسولي إلى الثريّا بأني ● ضقت ذرعاً بهجرها والكتاب
فلما سمع هذا البيت قال: إياي أراد وبي هتف ونوه؛ والله لا ذقت طعاماً أو أشخص إليها وأصلح بينهما.
قال مولى لبني تميم: فنهض ونهضت معه حتى خرج إلى سوق الضمرتين، فأتى قوماً من بني الديل من حنيفة يكرون النجائب، فقال: بكم تكرونني راحلتين إلى مكة ؟ قالوا: بكذا وكذا، فقلت لبعض التجار: استوضعوا شيئاً؛ فقال ابن أبي عتيق: ويحك ! إن المكاس ليس من أخلاق الناس، ثم ركب واحدة وركبت الأخرى وأجد السير، فقلت: ارفق بنفسك. فقال: ويحك: أبادر حبل الوصل أن يقتضبا وما أملح الدنيا إذا تم الوصل بين عمر والثريا. فقدمنا مكة، وأتى باب الثريا، فقالت: والله ما كنت لنا زواراً. قال: أجل ! ولكني جئت برسالة؛ يقول لك ابن عمك عمر: ضقت ذرعاً بهجرك والكتاب. فلامه عمر. فقال ابن أبي عتيق: إنما رأيتك مبادراً تلتمس رسولاً فخففت في حاجتك، فإنما كان ثوابي أن أشكر.
وسمع ابن أبي عتيق قول العرجي:
وما ليلةٌ عندي وإن قيل ليلة ● ولا ليلة الأضحى ولا ليلة الفطر
معادلة الإثنين عندي وبالحري ● يكون سواءً مثلها ليلة القدر
وما أنس م الأشياء لا أنس قولها ● لخادمها قومي سلي لي عن الوتر
فجاءت تقول الناس في تسع عشرة ● ولا تعجلي عنه فإنّك في أجر
فقال: هذه أفقه من ابن شهاب، وهي حرة لله عز وجل من مالي إن أجاز أهلها ذلك.
وقال له مروان بن الحكم يوماً: إني مشغوف ببغلة للحسن بن علي، قال له: فإن دفعتها إليك أتقضي لي ثلاثين حاجةً ؟ ومروان يومئذ أمير المدينة، قال: فإذا اجتمع الناس عندك في العشية فإني آخذ في مآثر قريش، فأمسك عن الحسن فلمني على ذلك. فلما أخذوا في مجالسهم أفاض في أولية قريش؛ فقال له مروان: أما تذكر أولية أبي محمد، وله في هذا ما ليس لأحد ؟ فقال: إنما كنا في ذكر الأشراف ولو كنا في ذكر الأنبياء لقدمنا لأبي محمد. فلما خرج الحسن ليركب البغلة تبعه ابن أبي عتيق: فقال له الحسن وتبسم: ألك حاجة ؟ قال: نعم ! ذكرت البغلة ؟ فنزل الحسن ودفعها إليه.
ومن ظريف أخباره أن عثمان بن حيان المري لما دخل المدينة والياً عليها اجتمع إليه الأشراف من قريش والأنصار. فقالوا: إنك لا تعمل عملاً أجدى ولا أولى من تحريم الغناء والرثاء. ففعل وأجلهم ثلاثاً، فقدم ابن أبي عتيق في الليلة الثالثة فحط رحله بباب سلامة الزرقاء، فقال لها: بدأت بك قبل أن أصير إلى منزلي. فقالت: أو ما تدري ما حدث ؟ وأخبرته الخبر. فقال: أقيمي إلى السحر حتى ألقاه، ولا بأس عليك. ثم مضى إلى عثمان بن حيان فاستأذن عليه، وأخبره أن أجل ما أقدمه حب التسليم عليه، وقال له: من أفضل ما عملت به تحريم الغناء والرثاء. فقال: إن أهلك أشاروا علي بذلك. قال: فإنك قد وفقت، ولكني رسول امرأة إليك تقول: كانت هذه صناعتي فبنت منها، وأنا أسألك أيها الأمير ألا تحول بيني وبين مجاورة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عثمان: إذاً أدعها لك. قال: إذاً لا تدعك الناس. ولكن تدعوها فتنظر إليها فإن كانت ممن يترك تركتها. قال: فادع بها. فأمرها ابن أبي عتيق فتقشفت وأخذت سبحة في يديها، وصارت إليه، فحدثته عن مآثر آبائه، ففكه لها. فقال ابن أبي عتيق: اقرئي للأمير، ففعلت فأعجب بذلك. فقال لها: فاحدي للأمير ففعلت، فأعجب بحدائها. ثم قال لها: غبري للأمير، فجعل يعجب بذلك، فقال له ابن أبي عتيق: فكيف لو سمعتها في صناعاتها؛ فقال: قل لها فلتقل ! فأمرها فغنت:
سددن خصاص الخيم لمّا دخلنه ● بكلّ بنانٍ واضحٍ وجبين
فنزل عثمان عن سريره حتى جلس بين يديها، ثم قال: والله ما مثلك يخرج عن المدينة. فقال له ابن أبي عتيق: يقول الناس أذن لسلامة في المقام ومنع غيرها ! فقال عثمان: قد أذنت لهم جميعاً.
وابن أبي عتيق: هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، وكان أجل أهل زمانه، وذكر أنه دخل على عائشة وهي لم بها، فقال: كيف أنت يا أماه ؟ جعلت فداك ! قالت: في الموت، قال: فلا إذاً، إنما ظننت أن في الأمر فسحةً، فضحكت وقالت: ما تدع مزحك بحال !
● وقال ابن جريج: كان عبد الله بن جعفر إذا قدم على معاوية أنزله داره وأظهر له من إكرامه وبره ما يستحقه؛ فكان ذلك يغيظ فاختة بنت قرظة بن عبد بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف زوج معاوية، فسمعت ذات ليلة عند عبد الله غناء، فجاءت إلى معاوية فقالت: هلم فاسمع ما في منزل هذا الذي جعلته بين لحمك ودمك، وأنزلته مع حرمك ! قال: فجاء معاوية سمع وانصرف، فلما كان آخر الليل سمع معاوية قراءة عبد الله، فجاء فأيقظ فاختة وقال: اسمعي مكان ما أسمعتني !! ثم إنه أرق ذات ليلة فقال لجريج خادمه: اذهب فانظر من عند عبد الله وأخبره أني في أثرك، فأتاه فأعلمه ذلك، فأقام عبد الله من عنده، ثم دخل معاوية فلم ير في المجلس أحداً، فقال لعبد الله: مجلس من هذا ؟ قال: مجلس فلان، قال: فمره أن يرجع إليه، ثم قال: مجلس من هذا ؟ قال: مجلس فلان، قال: فمره أن يرجع إليه؛ فرجعوا حتى لم يبق إلا مجلس واحد، قال: مجلس من هذا ؟ قال: مجلس واحد يداوي الآذان. قال: مره فليرجع فإن بأذني علةً، فأمر عبد الله بديحاً المليح فخرج؛ فأدناه معاوية منه وأراه أذنه. وقال: أنظر ما ترى فيها ؟ قال: هي مسدودة وتحتاج إلى فتح وتنقية، قال: شأنك أمكنتك منها، ولا تضع يدك عليها إن كنت غير حاذق بعلاجها. قال عبد الله: يا أمير المؤمنين؛ هو حاذق، ما يعالج في دارنا غيره. فقال معاوية: وشهد شاهد من أهلها، فاندفع يغني من شعر زهير بن أبي سلمى:
أمن أمّ أوفى دمنةٌ لم تكلّم ● بحومانة الدرّاج فالمتثلّم
فجعل عبد الله بن جعفر يلحظ معاوية وهو يحرك يديه ورجليه، فقال: يعيرك الجهل يا أمير المؤمنين، فقال: إن الجهل مني لعلى بعد يابن جعفر، قبح الله ضيافة يكون الضيف فيها بحيث لا يساعد المضيف على أخلاقه، ثم قال لبديح: لقد فتحت جارحة لا تألم أبداً؛ ثم نهض وخرج.
● من طرف بديح
وكان بديح أحلى الناس وأذكاهم، وهو الذي قال له الوليد بن يزيد: يا بديح؛ خذ بنا في الأماني، فإني أغلبك فيها، فقال: يا أمير المؤمنين، أنا أغلبك لأني فقير وأنت خليفة، وإنما يتمنى المرء ما عسى أن يبلغ إليه وأنت قد بلغت الآمال. قال: لا تتمنى شيئاً إلا تمنيت ما هو أكثر منه. قال: فإني أتمنى كفلين من العذاب وأن يلعنني الله لعناً وبيلاً، فقال: اعزب لعنك الله دون خلقه.
ودخل عبد الله بن جعفر على عبد الملك بن مروان وقد اشتى عرق النسا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن مولاي بديحاً أحذق الناس برقيته، قال: أتجيئني به ؟ فجاءه به فرقاً؛ فبات تلك الليلة هادئاً، فلما أصح سأله عبد الله بن جعفر عن حاله، فأخبره بما وجد من العافية؛ ثم قال لبديح: اكتب لنا هذه الرقية لتكون عندنا، قال: لا أفعل، قال: أقسمت عليك لتفعلن، قال اكتب:
ألا إنّ أيامي وأيامك التي ● مضين لنا لم أدر ما ألم الهجر
مضين وما شيء مضى لك عائدٌ ● فهل لك فيها إن تولّين من عذر
دعي ما مضى واستقبلي العيش إنني ● رأيت لذيذ العيش مستقبل العمر
فما نازع الدهر امرأً في انقلابه ● فأعتبه إلاّ بقاصمة الظّهر
فقال عبد الملك: فأي شيء هذا ؟ قال: امرأتي طالق إن كنت رقيتك إلا بهذه ! قال: ويحك ! استر علينا، قال: كيف أستر ما سارت به الركبان !
● يتغنى في مسجد الأحزاب
قال أبو مسلم الهلالي المكي: حدثني أبي عن أبيه قال: أتيت عبد العزيز بن المطلب أسأله عن بيعة الجن للنبي صلى الله عليه وسلم بمسجد الأحزاب وما كان بدؤها ؟ فوجدته مستلقياً يتغنى:
فما روضة بالحزن معشبة الثرى ● يمجّ الندى جثجاثها وعرارها
بأطيب من أردان عزّة موهناً ● إذا أوقدت بالمندل الرطب نارها
من الخفرات البيض لم تلق شقوة ● وفي الحسب المكنون صافٍ نجارها
إذا خفيت كانت لعينك قرّةً ● وإن تبد يوماً لم يعمّك عارها
فقلت له: مثلك أصلحك الله يتغنى ؟ أما والله لأحدون بها ركبان نجد، فعاود يتغنى:
فما ظبيةٌ أدماء خفّاقة الحشا ● تجوب بطفليها متون الخمائل
بأحسن منها إذ تقول تدلّلاً ● وأدمعها يجرين حشو المكاحل
تمتّع بذا اليوم القصير فإنّه ● رهينٌ بأيام الشهور الأطاول
فندمت على قولي وقلت: أتحدثني في هذا بشيء ؟ قال: نعم ! حدثني أبي أنه دخل على سالم بن عبد الله وأشعب الطماع يغنيه:
مغيريّة كالبدر سنة وجهها ● مطهرة الأثواب والدين وافر
من الخفرات البيض لم تلق ريبةً ● ولم يستزلها عن تقى اللّه شاعر
لها حسبٌ زاكٍ وعرض مهذّب ● وعن كل مكروهٍ من الأمر زاجر
فقال سالم: زدني، فغنى:
ألّمت به والليل داجٍ كأنه ● جناح غرابٍ عندما نفض القطرا
فقلت أعطّار ثوى في رحالنا ● وما حملت ليلى نشرها عطرا
فقال له سالم: أما والله لولا أن تداوله الرواة لأحسنت جائزتك؛ لأنك من هذا الأمر بمكان.
● وقال إبراهيم الحراني: حججت مع أمير المؤمنين الرشيد فدخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فبينا أنا بين القبر والمنبر إذ أنا برجل حسن الهيئة خاضب، ومعه رجل في مثل حاله؛ فحانت مني التفاتة فإذا هو يقوس حاجبه ويفتح فاه، ويلوي عنقه ويشير بعينه، فتجوزت في صلاتي ثم سلمت فقلت: أفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تتغنى ؟! فقال: قنعك الله خزية، ما أجهلك ! أما في الجنة غناء ؟ قلت: بلى لعمري فيها ما تشتهي النفس وتلذ الأعين، قال: أما نحن في روضة من رياض الجنة ؟ قلت: لا ! قال: واحرباه ! أترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ! فنحن في تلك الروضة. قلت: قبح الله شيخاً ما أسفهه ! قال: بالقبر والمنبر لما أنصت إلي ؟ فتخوفت ألا أنصت؛ فاندفع يغني بصوت يخفيه:
فليست عشيات الحمى برواجعٍ ● إليك، ولكن خلّ عينيك تدمعا
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها ● عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
الشعر للصمة بن عبد الله القشيري.
فوالله إن قمت إلى الصلاة لما دخل قلبي؛ فلما رأى ما نزل بي قال: يا بن أم، أرى نفسك قد استجابت وطابت، فهل لك في زيادة ؟ قلت: ويحك ! في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم !! قال: أنا والله أعرف بالله ورسوله منك، فدعنا من جهلك؛ ثم تغنى:
فلو كان واشٍ بالمدينة داره ● وداري بأقصى حضرموت اهتدى ليا
وماذا لهم لا أحسن اللّه حفظهم ● من الشأن في تصريم ليلى حباليا
الشعر لمجنون بني عامر الملوح.
فقال له صاحبه: يا بن أم؛ أحسنت والله، وعتق أهلك، لو كان أمير المؤمنين الرشيد في هذا الموضع لخلع عليك ثيابه طرباً. قال: فقمت وهما لا يعلمان من أنا، فدخلت على أمير المؤمنين فأعلمته الخبر؛ فقال: أدركهما لا يفوتانك.
فوجهت من جاء بهما، فلما دخلا عليه دخلا بوجوه قد ذهب ماؤها، وأنا قائم على رأسه، فقال: يا إبراهيم؛ هذان هما ؟ قلت: نعم. فنظر إلي المغني منهما وقال: سعاية في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فسري عن أمير المؤمنين بعض غضبه، وتبسم فقال: ما كنتما فيه ؟ قالا: في خير. قال: فماذا الخير ؟ فسكتا. فقال للمغني منهما: من أنت ؟ فابتدره جماعة فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذا ابن جريج فقيه مكة، فقال: فقيه مكة يتغنى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم !! قال: يا أمير المؤمنين؛ لم يكن ذلك مني بالقصد للغناء ولكني كنت أسمعت هذا المخزومي يعني صاحبه صوتين، فلم يزالا في قلبي حتى التقينا، فأحببت أن يأخذهما عني، فأخذهما، وحلف أني قد أحسنت، وأنه لو كان في الموضع أمير المؤمنين لخلع علي وسكت.
فقال الرشيد: تركت من الحديث شيئاً ؟ قال: ما تركت شيئاً يا أمير المؤمنين. قال: والله لتقولن. قال: يا أمير المؤمنين، زعم أنك لو كنت في موضعه لخلعت علي ثياباً مشقوقةً طرباً.
فتبسم وقال: أما هذا فلا، ولكن نخلعها عليك صحيحةً فهي خير لك. ثم دعا بثياب فلبسها ونبذ ثيابه، وأمر له بعشرين ألف درهم ولصاحبه بعشرة آلاف درهم. وقال: لا تعودن لهذا. فقال صاحبه: إلا أن يحج أمير المؤمنين ثانية. فضحك وقال: ألحقوه بصاحبه في الجائزة.
● [ المزاح فى سوق القسي ] ●
قال إبراهيم الحراني: ثم قدمنا مكة فإني لفي سوق القسي أساوم بقوس عربية بكنانتها، إذ بإنسان عن يميني يقول: نعم القوس في يدك. قلت: أريد أبسط منها قليلاً ؟ قال: فعندي بغيتك إئت المنزل، فصرت إليه، فأخرج إلي قوساً جيدةً لينةً حسنة الصنعة، قلت: نعم ! هذه أريد، فكم ثمنها ؟ قال: عشرة دنانير، قلت: يا هذا، أغرقت في النزع، قال: هذا سومي، فهات سومك أنت. قلت بدينارين. فأحد النظر، وقال: وآتيك؛ فالذي كان يجب للطبيعة أن تأتي به تحول فصار ضحكاً. فقلت: غضب الله عليك، تطلق لسانك في حرم الله وأمنه في أيام عظيمة؛ فأنت بمثل هذه السن تتكلم بهذا الكلام !! فقال: هو ما قلت لك، إنما هو بيع وشراء، فلا تغضب؛ فإني لم أغضب من عطيتك.
قال: ففارقته، ودخلت على أمير المؤمنين، فقلت: يا سيدي؛ ههنا خبر أعجب من خبر ابن جريج ! وحدثته الحديث، فقال: ارجع وجئني به، فوجهت غلاماً كان معي وأنا أساومه ومعه أعوان؛ فجاءوا به، فلما دخل عليه قال: هذا صاحبك يا إبراهيم ؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين ! فقال الرشيد: ماذا قلت لهذا حين ساومك بالقوس ؟ قال: قد دار بيني وبينه كلام. قال: أخبرني به. قال: لست مني على سوم فأخبرك. قال: فماذا قال لك ؟ قال: هو أعلم بما قال. فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين؛ أخرج إلي قوساً عربية بكنانتها، فقلت: بكم هذه ؟ قال: بعشرة دنانير. قلت: أسرفت فخذ مني دينارين. قال: وآتيك. قال الرشيد: كذا كان ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ إنما هذا شراء وبيع ولم يتم لي بيعها بما أعطاني، وظننت أن بضاعته قليلة فقلت: آخذ دينارين وعروضاً بالباقي.
فضحك الرشيد حتى تبسط. ثم قال: قاتلك الله ! فما أقبح مجونك ! ووصله.
قال إبراهيم: فلما انصرفنا خارجين عن مكة مررت به، فوقفت عليه وسلمت عليه. فقال: ما ترى في تيك القوس ؟ ألك فيها رأي ؟ قلت: أما على شريطتك الأولى فلا. قال: فلا بأس فخذها مني بدينارين وغن لي ثلاثة أصوات، أو خذها بخمسة وأغنيك أربعة أصوات، ثلاثة لمعبد، وواحد لابن عائشة كان يفعل فيه ما أحل الله وحرم، قلت: هذا وحده. فاندفع يغني:
وخطّا بأطراف الأسنّة مضجعي ● وردّا على عيني فضل ردائيا
الشعر لمالك بن الريب المازني فأجاده ما شاء وحسنه. فقلت: لولا أن أمير المؤمنين قد قدمت له دابته لوقفت عليك. فقال: امض عليك السلام وإن كان في القلب ما فيه؛ إذ بخلت على أخيك بضمة أو ضمتين. قلت: ما لك لعنك الله ! وفارقته، وحدثت أمير المؤمنين بما قال فقال: يا إبراهيم، تجد بالعراق طولاً وعرضاً واحداً له ما لأهل الحرمين من الذكاء والظرف ؟ قلت: لا أعرف موضعه.
● [ الأشراف تعجبهم الملح ] ●
وقال الأصمعي: أنشدت محمد بن عمران قاضي المدينة وكان أعقل من رأيته:
يأيها السائل عن منزلي ● نزلت بالخان على نفسي
يغدو عليّ الخبز من خابزٍ ● لا يقبل الرهن ولا ينسي
آكل من كيسي ومن كسوتي ● حتى لقد أوجعني ضرسي
فقال: اكتب لي الأبيات. فقلت: أصلحك الله؛ هذا لا يشبه مثلك، إنما يروي مثل هذا الأحداث، قال: اكتبها لي، فالأشراف تعجبهم الملح.
وقد قال الطائي في عمرو بن طوق التغلبي:
الجد شيمته وفيه فكاهة ● سمحٌ ولا جدٌّ لمن لم يلعب
شرسٌ ويتبع ذاك لين خليقةٍ ● لا خير في الصهباء ما لم تقطب
وقال في الحسن بن وهب:
للّه أيامٌ خطبنا لينها ● في ظله بالخندريس السلسل
بمدامةٍ نغم السماع خفيرها ● لا خير في المعلول غير معلّل
يعشو عليها وهو يجلو مقلتي ● بازٍ ويغفل وهو غير مغفل
لا طائشٌ تهفو خلائقه ولا ● خشن الوقار كأنه في محفل
فكهٌ يجمّ الجدّ أحياناً وقد ● ينضى ويهزل عيش من لم يهزل
وقال أبو الفتح علي بن محمد البستي:
أفد طبعك المكدود بالهمّ راحةً ● براحٍ وعلّله بشيء من المزح
ولكن إذا أعطيته ذاك فليكن ● بمقدار ما تعطي الطعام من الملح
جمع الجواهر في الملح والنوادر
تأليف : الحُصريِ
منتدى دنيا الكراكيب ـ البوابة