من طرف حكماء الأحد 15 أبريل 2018 - 12:39
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ احداث شهر ربيع الثاني سنة 1220 }
شهر ربيع الثاني استهل بيوم الجمعة فيه وردت اخبار من ثغر سكندرية بورود قابجي وهو صالح أغا الذي كان سابقا بمصر ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك وعلى يده جوابات بالراحة فحصلت ضجة في الناس وفرحوا ورمحوا بطول ذلك اليوم وعملوا شنكا تلك اليلة التي هي ليلة السبت ورموا سواريخ في سائر النواحي وضربوا بنادق وقرابين بالازبكية وخارج باب الفتوح وباب النصر والمدافع التي على ابراج الابواب ولما سمع من بالقلعة ومن بمصر القديمة ظنوا أن العساكر الذين في قلوبهم مرض تحاربوا مع اهل البلد فرموا من القلعة بالمدافع والنيب ! وحضر علي باشا ومن معه من جهة مصر القديمة ونزل من القلعة طائفة من العسكر جهة عرب اليسار وتترسوا هناك فاجتمع عليهم حجاج واهل الرميلة ومن معهم من عسكر محمد علي وتحاربوا مع المتترسين والواصلين وضربوا من القلعة على محاربيهم وعلى اهل البلد وكذلك من بالجبل ومن بالذنجزية يضربون على القلعة المدافع والسواريخ ونزل أيضا طائفة وهجموا على الذنجزية وارادوا سد فلوة المدع الكبير فضربوا عليهم وقتل كبيرهم ومعه اخر واخذوا سلاحهما ورؤسهما واحضروهما الى السيد عمر وحصل بالبلدة تلك الليلة من ضرب النار من كل ناحية ماهو عجيب من المستغربات واختلط الشنك بالحرب وصار الضرب من الجبل على القلعة بالبنب والمدافع والسواريخ وكذلك من القلعة على البلدة وعلى الذنجرية ومنها على القلعة والمحاربين مع بعضهم البعض والشنك من كل جهة واجتماع الناس والعامة بالاخطاط والنواحي وضربوا طبولا ومزامير ونقرزانات وكانت ليلة من الغرائب واصبحوا على الحال الذي هم عليه من الرمي وبالمدافع والبنب
وفي يوم الاحد سافرت انفار من الوجاقلية وغيرهم لملاقاة صالح أغا وصحبتهم طائفة من العسكر ارسلها محمد علي باشا في مركب لخفارته وقد كانوا اتفقوا على سفر بعض المتعممين ثم بطل ذلك وارسل السيد عمر افندي باشجاويش والسيد عثمان البكري وسلحدار محمد علي والخواجه عمر المطيلي وبكتاش واحمد اوده باشا
وفي ليلة الثلاثاء اشيع وصول القابجي الى بولاق ليلا فخرج كثير من العامة لملاقاته افواجا واصطفوا في الاسواق للفرجة عليه واستمروا على ذلك الرج بطول النهار ولم يصل احد ثم تبين عدم وصوله وانه وصل الى ثغر رشيد وفي ذلك اليوم وقت الشروق حصلت زلزلة عظيمة ورتجت الارض نحو اربع درجات
وفي يوم الاربعاء سافر جماعة من المتعممين وهم السيد محمد الدواخلي وابن الشيخ الامير والشيخ بدوي الهيثمي وابن الشيخ العروسي واستمر الحال على ذلك اليوم ويو الخميس والجمعة ولم يبطل رمي المدافع والبنب ليلا ونهارا في غالب الاوقات ماعدا ليلة الجمعة ويومها الى العصر
وفي ليلة الاثنين وصل الخبر بوصول القابجي الى قليوب وانه طلع الى بر فوة وسار من هناك وحضر في ذلك اليوم المشايخ الذين كانوا ذهبوا لملاقاته فلما اشيع ذلك اجتمع الناس وطوائف العامة وخرجوا من اخر الليل وهم بالاسلحة والعدد والطبول الى خارج باب النصر ووقفوا بالشوارع والسقائف للفرجة وكذلك النساء والصبيان وازدحموا ازدحاما زائدا ووصل الاغا المذكور وصحبته سلحدار الوزير الى زاوية دمرداش ونزلا هناك وعمل لهما اسمعيل الطبجي الفطور فاكلاه وشربا القهوة وركبا وانجرت الطوائف والغوغاء من العامة وهم يضربون بالبنادق والقرابين والمدافع من اعلى سور باب النصر والفتوح واستمر مرورهم نحو ثلاث ساعات وخرج كتخدا محمد علي واكابر الارنؤد وطائفة من العسكر كبيرة والوجاقلية وكثير من الفقهاء العاملين رؤس العصب واهالي بولاق ومصر القديمة والنواحي والجهات مثل اهل باب الشعرية والحسينية والعطوف وخط الخليفة والقرافتين والرميلة والحطابة والحبالة وكبيرهم حجاج الخضري وبيده سيف مسلول وكذلك ابن شمعة شيخ الجزارين وخلافه ومعهم طبول وزمور والمدافع والقنابر والبنبات نازلة من القلعة فلم يزالوا سائرين الى أن وصلوا الى الازبكية فنزلوا بيت محمد علي باشا وحضر المشايخ والاعيان وقرؤا المرسوم الذي معه ومضمونه الخطاب لمحمد علي باشا والي جدة سابقا ووالي مصر حالا من ابتداء عشرين ربيع اول حيث رضي بذلك العلماء والرعية وان احمد باشا معزول عن مصر وان يتوجه الى سكندرية بالاعزاز والاكرام حتى يأتيه الامر بالتوجه الى بعض الولايات وسكن صالح أغا القابجي المذكور ببيت الخواجا محمود حسن بالازبكية وسكن السلحدار عند السيد محمد بن المحروقي
وفي يوم الثلاثاء ركب السيد عمر في حمع كثير من العسكر من اولاد البلد والمغاربة والصعائدة والاتراك والكل بالاسلحة وذهب الى عند علي باشا وجلس عنده حصة وذهب الى القابجي وسلم عليه وذهب الى السلحدار أيضا وسلم عليه ورجع
وفيه بطل الرمي من القلعة وكذلك ابطلوا الرمي عليها من الجبل والذنجزية مع بقاء المحاصرة والمتاريس حول القلعة من الجهات ومنع الواصل اليهم واستمرار من بالجبل ويطلع اليهم في كل يوم الجمال الحاملة للخبز وقرب الماء واللوازم واما الدلاة فاستقروا بمحلة أبي علي وطلبوا الفرد والكلف من البلاد ووصل محمد بك الألفي الى دمنهور البحيرة فتمنعوا عليه فحاصر البلد وضرب عليها وضربوا عليه اياما كثيرة
وفيه وقع بباب الشعرية مناوشة بين العسكر واولاد البلد بسبب سكن البيوت كذلك جهة باب اللوق وبولاق ومصر القديمة وقتل بينهم انفار وقتل ايضا المتكلم بمصر القديمة وحصلت زعجات في الناس
وفي يوم الاربعاء مر بعض اولاد البلد بجهة الخرنفش فضربه بعض عسكر حجو الساكن ببيت شاهين كاشف فقتله فثارات اهل الناحية وتضاربوا بالرصاص واجتمع العسكر بتلك الناحية ودخلوا من حارة النصارى النافذه من بين السورين وصعدوا الى البيوت ونقبوا نقوبا وصاروا يضربون على الناس من الطيقان واحتمع الناس وانزعجوا وبنوا متاريس عند رأس الخرنفش ومرجوش وناحية الباسطية براس الدرب وتحاربوا وقتل بينهم أشخاص من الفريقين ونهب العسكر وعدة دور وتسلقوا على بيت حسن بك مملوك عثمان الحمامي الحكيم وذبحوه ونهبوا بيته الذي برأس الخرنفش وكذلك رجل زيات وعبد صالح أغا الجلفي وحسن ابن كاتب الخردة وكانت واقعة شنيعة استمرت الى العصر وحضر الاغا وكتخدا محمد علي فلم تسكن الفتنة وحضر أيضا اسمعيل الطبجي ثم سكن الحال بعد اضطراب شديد وبات الناس على ذلك وسبب هذه الحادثة أن لرجلا عسكريا اشترى من رجل خدرجي ملاعق ثم ردها من الغد فلم يرض وتسابا فضربه العسكري فصاح الخدرجي وقال ما يحل من الله يضرب النصراني الشريف فاجتمع عليه الناس وقبضوا عليه وسحبوه الى بيت النقيب فلما قربوا من البيت ضربوه وقتلوه واخرجوه الى تل البرقية ورموه هناك فحصل بسب ذلك ما ذكر
وفيه ارسلوا صورة المكاتبة الواردة مع صالح أغا الى الباشا فلم يمتثل وامتنع من النزول وقال انا متول بخطوط شريفة واوامر منيفة ولا انعزل بورقة مثل هذه وطلب الاجتماع بصالح أغا السلحدار يخاطبهم مشافهة وينظر في كلامهم وكيفية مجيئهم فلم يرضوا بطلوع المذكورين اليه
وفي يوم الخميس وقع بين حجاج الخضري والعسكر مقاتلة جهة طيلون وقتل بينهم اشخاص
وفيه تواترت الاخبار بقدوم الامراء المصريين القبليين الى جهة مصر
وفيه اجتمع الشيخ الشرقاوي والشيخ الامير وغالب المتعممين وقالوا ايش هذا الحال وما تداخلنا في هذا الامر والفتن واتفقوا أنهم يتباعدون عن الفتنة وينادون بالامان وان الناس يفتحون حوانيتهم ويجلسون بها وكذلك يفتحون ابواب الجامع الازهر ويتقيدون بقراءة الدروس وحضور الطلبة وركبوا الى محمد علي وقالوا له انت صرت حاكم البلدة والرعية ليس لهم مقارشة في عزل الباشا ونزوله من القلعة وقد اتاك الامر فنفذه كيف شئت واخبروه برأيهم فأجابهم الى ذلك وركب الاغا وصحبته بعض المتعممين ونادوا في المدينة بالامن والامان والبيع والشراء وان الناس يتركون حمل الاسلحة بالنهار واذا وقع من بعض العسكر قباحة رفعوا امره الى محمد علي وان كان من الرعية رفعوه الى بيت السيد عمر النقيب واذا دخل الليل حملوا الاسلحة وسهروا في اخطاطهم على العادة وتحفظوا على اماكنهم فلما سمع الناس ذلك انكروه وقالوا ايش هذا الكلام حينئذ نصير طعمة للعسكر بالنهار وخفراء بالليل والله لانترك حمل اسلحتنا ولا نمتثل لهذا الكلام ولا هذه المناداة ومر الاغا ببعض العامة المتسلحين فقبض عليهم واخذ سلاحهم فازدادوا قهرا وباتوا على ذلك واجتمعوا عند السيد عمر النقيب وراجعوه في ذلك فاعتذر واخبر بان هذا الامر على خلاف مراده
وفي ليلة الجمعة المذكور حصل خسوف قمر كلي وكان ابتداؤه من بعد العشاء الاخيرة بنصف ساعة وانجلى في سابع ساعة واصبح يوم الجمعة فحضر عند السيد عمر كتخدا بك وعابدي بك في جمع من العسكر وجلسوا عنده ساعة وذكروا له أن في عصرها يرسلون الى الباشا الكائن بالقلعة ويجتمعون عليه بالنزول فان ابى حدوا في قتاله ومحاربته وذكروا انه مماليئ الامراء القبالي وهو الذي ارسل بحضورهم ومطمعهم في المملكة فلزم الاجتهاد في انزاله من القلعة ثم يتفرغون لمحاربة القادمين ويخرجون اليهم بالعساكر ثم قاموا من عنده وذهبوا الى بيت القاضي وحضر حجو أغا الذي كان يحارب بالخرنفش فرجع صحبته كتخذا بك عند السيد عمر ليأخذ بخاطره وصحبته طائفة من العسكر فوقفوا متفرقين ودخل منهم طائفة الى بيت الشيخ الشرقاوي وباقيهم بالشارع وتجمع حولهم اهالي البلد بالاسلحة فاتفق بينهم انطلاق بندقية اما خطأ او قصدا فهاجت الناس وماجت واجتمعوا من كل ناحية وخرج جاويشية النقابة الى نواحي الدائرة ينادون في الناس ويقولون عليكم ببيت السيد عمر النقيب يا مسلمين انجدوا اخوانكم وحصلت من تلك البندقية التي انطلقت فزعة عظيمة وصاح السيد عمر على الناس من الشباك يامرهم بالسكون والهجوع فلم يسمعوا له ونزل الى اسفل ووقف بباب داره يصيح بالناس فلا يزدادون الا خباطا واقبلوا طوائف من كل جهة فصار يأمرهم بالمرور والخروج إلى جهة باب البرقية ولم يزالوا على ذلك الى بعد صلاة الجمعة حتى سكن الحال واقام جحو والكتخدا حتى تغديا مع السيد عمر وركبا وذهبا ونودي في عصر ذلك اليوم بالامان وفتح الحوانيت والبيع والشراء ولا يرفعون معهم السلاح بل يحملونه معهم في حوانيتهم تحذرا من غدر العسكر وفتحوا ابواب الازهر
وفي يوم السبت فتح الناس بعض الحوانيت ونزل المشايخ الى الجامع الازهر وقراوا بعض الدروس ففترت همم الناس ورموا الاسلحة واخذوا يسبون المشايخ ويشتمونهم لتخذيلهم اياهم وشمخ عليهم العسكر وشرعوا في اذيتهم وتعرضوا لقتلهم وضاراره
وفي يوم الاحد قتلوا اشخاصا في جهات متفرقة وضج الناس واغلقوا الدكاكين وكثرت شكاويهم واقلقوا السيد عمر النقيب وهو يعتذر اليهم ويقول لهم اذهبوا الى الشيخ الشرقاوي والشيخ الامير فهما اللذان امرا الناس برمي السلاح فلما زادت الشكوى نادوا في الناس بالعود الى حمل السلاح والتحذر
وفيه وصل الامراء القبليون الى قرب الجيزة وعدى منهم طائفة الى البر الشرقي جهة دير الطين والبساتين وهم عباس بك ومحمد بك المنفوخ ورشوان كاشف وهدموا قلاع طرا وساووها بالارض
وفي يوم الاثنين ركب محمد علي وخرج الى جهة مصر القديمة وصحبته حسن باشا واخوه عابدي بك فنزل بقصر بليفه واقاموا الى العصر وخرج كثير من العسكر الى ناحية مصر القديمة ثم ركب محمد علي وحسن باشا واخوه في اخر النهار وساقوا الى جهة البساتين ومعهم العساكر افواجا فلما قربوا من الامراء المصريين تقهقروا الى خلف ورجعوا الى جهة قبلي وقيل عدوا إلي بر الجيزة وانضم اليهم علي باشا الذي بالجيزة واستمر محمد علي ومن معه بمصر القديمة وتراموا بالمدافع
وفي يوم الثلاثاء حضر أيضا جماعة من القبليين الى الجيزة وتراموا بالمدافع والبنب من البرين ذلك اليوم وليلة الاربعاء
وفيه عدى طائفة الدلاة الكائنين بالبر الغربي وانضم اليهم المقيمون بجزيرة بدران وحضروا الى بولاق وهجموا وهجموا على البيوت واخرجوا سكانها قهرا عنهم وازعجوهم من اوطانهم وسكنوها وربطوا خيولهم بخانات التجارة ووكالة الزيت فحضر الكثير من اهالي بولاق الى بيت السيد عمر وتظلموا وتشكوا فارسل الى كتخدا بك يمنعهم من ذلك فلم يمتنعوا واستمروا على فعلهم وقبائحهم
وفيه طلب محمد علي باشا دراهم سلفة من النصارى والتجار وقرروا فردة على البلاد والبنادر وهي اول طلبة طلبها بعد راسته
وفيه ارسلوا بنائين وخمسمائة فاعل لبناء ما تهدم من حصون طرا
وفي يوم الخميس حادي عشرينه وردت اخبار بوصول قبطان باشا الى ثغر سكندرية وابى قير وصحبته مراكب كثيرة لايعلم المرسون اخبار من بها فاجتمع المشايخ واتفقوا على كتابة عرضحال يرسلونه اليه مع بعض المتعممين ثم اختلف ! اراؤهم في ذلك فلما كان يوم الاثنين ورد الخبر بورود سلحدار قبطان المذكور الى شلقان فاعرضوا عن ذلك
وفيه وقع بين طائفة من العسكر الكائنين ببولاق واهل البلد مناوشة بسبب نقب البيوت وقتل بينهم انفار واستظهر عليهم اهل بولاق
وفي يوم الثلاثاء وصل السلحدار الى بولاق وركب من هناك الى المكان الذي اعد له وصحبته مكاتبة الى احمد باشا المخلوع ومضمونها الامر بالنزول من القلعة ساعة وصل الجواب اليه من غير تأخير وحضوره الى الاسكندرية وجواب اخر الى محمد علي بابقائه في القائمقامية حيث ارتضاه الكافة والعلماء والوصية بالسلوك والرفق بالرعية والكلام المحفوظ المعتاد الذي لا اصل له وان يقلد من قبله باشا على عسكر يعين ارساله الى البلاد الحجازية ويسهل له جميع احتياجاته من الجبخانة وسائر الاحتياجات واللوازم فأرسلوا الى احمد باشا المخلوع بجوابه فقال حتى يطلع الى السلحدار الواصل ويخاطبني مشافهة
وفي صبح يوم الاربعاء قبض المحافظون على خيال مقبل من جهة مصر القديمة يريد الطلوع الى القلعة من اخر النهار وجدوا معه اوراقا فاخذوه الى محمد علي باشا فوجدوا في ضمنها خطابا الى الباشا المخلوع من علي باشا وياسين بك الكائنين بالجيزة مضمونها انه في صبح يوم الجمعة نطلق من الجيزة سبعة سواريخ تكون اشارة بيننا وبينكم فعندما ترونها تضربون بالمدافع والبنب على بيت محمد علي ونحن نعدي الى مصر القديمة ويصل البرديسي من خلف الجبل الى جهة العادلية وياتي باقي المصريين من ناحية طرا ويقوم من بالبلدة على من فيها فشيغلون الجهات ويتم المرام بذلك فلما اطلع محمد علي على ذلك وكان القاضي حاضرا عنده اشتد غيظه على ذلك الرجل ووجده من الاكراد فاستجار بالقاضي فلم يجره وامر به فاخذوه وقتلوه ورموه ببركة الازبكية
وفي يوم الخميس احضروا سبعة رؤوس وعلقوها على السبيل المواجه لباب زويلة ذكروا انها من ناحية دمنهور وعلى احدها ورقة مكتوبة انها راس شاهين بك الألفي واخرى سلحداره وهي متغيرة جدا ومحشوة تبنا ولا يظهر لها خلق ولم يكن لذلك صحة
وفيه اخبر الاخباريون بأن الألفي ارتحل من دمنهور ولم ينل منها غرضه وانه كبس على سليمان كاشف البواب ونهب ما معه وقيل انه قتل
وفي رواية وقع الى البحر وهرب باقي اتباعه الى جهة المنوات في اسوأ حال واخذ منه شيئا كثيرا وهو ما جمعه في هذه السرحة وذلك خلاف ما جمعه في العام الماضي عندما كان كاشفا بمنوف ومن ذلك انه لما قتل موسى خالدا اخذ منه مالا كثيرا وذلك خلاف ما دل عليه من خباياه
وفي تلك لليلة طلع السلحدار المذكور وصحبته صالح أغا القابجي الذي وصل قبله الى القلعة واجتمع بأحمد باشا المخلوع وتكلما معه فقال انا لست بعاص ولا مخالف للأوامر وانما لصالح أغا وعمر أغا علائف نحو خمسمائة كيس باقية ولم يبق عندي شئ سوى ما على جسدي من الثياب وقد اخذ العسكر المحاربون موجوداتي جميعا فاذا طيبتم خواطرهما نزلت في الحال فنزلا بذلك الجواب ثم ترددوا في الكلام والعقدو الابرام ولم يحسن السكوت على شئ
وفيه وصل الامراء القبالي الى حلوان وعلي بك ايوب دخل الى الجيزة صحبة من بها وسليمان بك خارجها
وفي يوم الجمعة عدى ياسين بك من الجيزة الى متاريس الروضة ولم يكن بها سوى الطبجية فطلعوا اليهم وقبضوا على بعضهم واخذوا منهم ثلاثة مدافع وسددوا فالية المدفع الكبير وآخر رموه الى البحر فثارت رجة بمصر القديمة والروضة وضربوا بالمدافع والرصاص ورجع الواصلون من الجيزة الى اماكنهم وحضر الألفي الى جهة الطرانة
وفيه حضر صالح أغا القابجي الى السيد عمر النقيب واخبره انهم تواعدوا مع احمد باشا في عصر غد من يوم السبت اما أن ينزل او يستمر على عصيانه فلما كان يوم السبت في الميعاد افرجوا عن ضعفاء الرعية الكائنين بالقلعة وكذلك النساء بعدما اخذوا ما معهم من الامتعة والثياب وابقوا عندهم الشبان والاقوياء للمعاونة في الاشغال واظهروا المخالفة وامتنعوا من النزول وباتوا على ذلك وكثر اللغط في الناس وانقضى شهر ربيع الثاني على ذلك
{ أحداث شهر جمادي الاول سنة 1220 }
شهر جمادي الاول استهل بيوم الاحد فيه ضربوا ثلاثة مدافع من القلعة وقت الشروق وكانها اشارة وعلامة لاصحابهم
وفي يوم الاثنين سبح جماعة من الجيزة الى جهة انبابة وكان ببولاق طائفة من العسكر يترامحون بجهة ديوان العشور فضربوا عليهم مدافع فحصل ببولاق ضجة وركب محمد علي باشا اواخر النهار وذهب الى بولاق ونزل ببيت عمر بك الارنؤدي ووضب جملة من العسكر وعدوا ليلا وطلعوا ناحية بشتيل وحضروا الى جهة انبابة يوم الثلاثاء وتحاربوا مع من بها حتى اجلوهم عنها وعملوا هناك متاريس في مقابلتهم واستمروا على ذلك يتضاربون بالمدافع
وفي يوم السبت سابعه طلع بشير أغا القابجي وصالح أغا السلحدار الى القلعة وتكلموا مع احمد باشا ومن معه وقد كانت وردت مكاتبات من قبطان باشا في امر احمد باشا ثم نزلوا وصحبتهم كتخدا احمد باشا الى بيت سعيد أغا الوكيل وركبوا معه الى بيت محمد علي باشا واختلوا مع بعضهم ثم طلع صالح أغا واربعة من عظمائهم ثم نزلوا ثم طلعوا وترددوا في الذهاب والاياب ومراددة الخطاب وبات الكتخدا اسفل وطلب القلعاويون شروطا وعلائفهم الماضية وغير ذلك وانتهى الكلام بينهم على نزول احمد باشا المخلوع في يوم الاثنين وتسليم القلعة و الجبخانة
واصبح يوم الاثنين فطلبوا جمالا لحمل اثقالهم فارسلوا الى السيد عمر فجمع لهم من جمال الشواغرية مائتي جمل فنقلوا عليها متاعهم وفرشهم وانزل الباشا حريمه الى بيت مصطفى أغا الوكيل ونزل كثير من عساكرهم وخدمهم وهم متغيروا الصور وذهب اكثرهم بعزالهم الى بولاق ونهبوا بيوت الرعايا التي بالقلعة واخذوا ما وجدوه فيها من المتاع وطلع حسن أغا سر ششمة بجملة من العسكر الى القلعة انقضى ذلك اليوم ولم ينقض نزولهم وحضر الوالي أيضا وقت العشاء الى بيت السيد عمر وطلب خمسين جملا فلم يتيسر الا بعضها
واصبح يوم الثلاثاء فأنزلوا باقي متاعهم ونزل الباشا المخلوع من باب الجبل في رابع ساعة من النهار على جهة باب النصر ومر من خارجه الى جهة الخروبي وذهب الى بولاق وصحبته كتخدا محمد علي باشا وعمر بك وصالح أغا قوش وانزل صحبته مدافع تعوق بعضها عند الذنجرية لضعف الاكاديش وسكن بيت السيد عمر النقيب وسكن صالح أغا ببيت شيخ السادات وذلك عاشر جمادي الاولى واطمأن الناس بعض الاطمئنان مع بقاء التحرز وارسل السيد عمر فنادي تلك الليلة باستمرار الناس على التحرز والسهر وضبط الجهات فان القوم لا امان لهم وانحشروا في داخل المدينة والوكائل والبيوت ولا يتركون قبائحهم واما الامراء المصرلية فانهم وصلوا الى البين واجتمعوا هناك ما عدا علي بك ايوب وسليمان بك وعباس بك فانهم بالجيزة مع علي باشا وياسين بك واما الدالاتية الانجاس فانهم مستمرون على النهب البلاد وسلب الاموال واذية العباد ونهبوا كاشف الغربية وهجموا على سمنود وهي مدينة عظيمة فنهبوا بيوتها واسواقها واخذوا مافيها من الودائع والاموال وسبوا النساء وفعلوا فعالا شنيعة تقشعر منها الابدان ثم انتقلوا الى المحلة الكبرى وهم الان بها واما محمد بك الألفي فانه حاصر دمنهور مدة مديدة فلم يتمكن منها ثم ارتحل عنها ورجع مقبلا ووصل الى ناحية الطرانة واما قبطان باشا فانه لم يزل مقيما على ساحل أبي قير
وفي يوم الخميس وصلت الاخبار بذهاب قبطان باشا الى الاسكندرية وفي يوم الاحد خامس عشره نزل احمد باشا المخلوع الى المراكب من بولاق وسافر الى جهة بحري بعياله واتباعه المختصين به وتخلف عنه كتخداه وعمر بك وصالح قوش والدفتر دار وكثير من اتباعه ولم يسهل بهم مفارقة ارض مصر وغنائمها مع انهم مجتهدون في خرابها
وفيه وصل الألفي الكبير والصغير الى بر الجيزة
وفي يوم الاثنين اتفق جماعة من الارنؤد وقصدوا الذهاب الى بر الجيزة فوصل خبرهم الى محمد علي باشا فارسل اليهم عسكرا ومعهم حجوا فلحقهم عند المعادي بحرى بولاق فقتلوا منهم نحو عشرين وهرب باقيهم وتفرقوا
وفيه بنى حجاج الخضري حائطا وبوابة على الرميلة عند عرصات الغلة
وفي يوم الاربعاء سابع عشره قبض محمد علي باشا على جرجس الجوهري ومعه جماعة من الاقباط فحبسهم ببيت كتخداه وطلب حسابه من ابتداء سنة خمس عشرة واحضر المعلم غالي الذي كان كاتب الألفي بالصعيد والبسه منصبه في رآسه الاقباط وكذلك خلع علي السيد محمد ابن المحروقي خلع الاستمرار على ماكان عليه ابوه من امانة الضربخانة وغيرها
وفي تلك الليلة قتل شخص كبير بيكبابشي تحت بيت الباشا بالازبكية ضربوا لموته مدفعا وذلك لامر نقموه عليه
وفيه سافر كتخدا بك الى جهة المنوفية وقبض على كاشفها واخذ ما معه من الاموال التي جمعها من منهوبات البلاد ودل على ودائعه واخذها أيضا ووجد له غلالا كثيرة ومواشي وغير ذلك
وفي يوم الجمعة عشرينه الموافق لحادي عشر مسرى اوفي النيل المبارك اذرعه ونودى بذلك واشيع في ذلك اليوم وصول فرقة من الامراء المصريين من خلف الجبل وبات الناس مستعدين للفرجة على موسم الخليج على العادة فأمر الباشا باخراج الخيام والنظام الى ناحية الجسر وعمل الحراقة ثم امر بكسر السد ليلا فما طلع النهار الا والماء يجري في الخليج ولم يذهب الباشا ولا القاضي ولا احد من الناس ولم يشعروا بذلك وكان قد بلغه ورود الامراء فتأخر عن الخروج وهم ظنوا خروجه مع العسكر الى خارج المدينة وفي وقت الشروق من ذلك اليوم وصل طائفة من الامراء الى ناحية المذبح وكسروا بوابة الحسينية ودخلوا من باب الفتوح في كبكبة عظيمة وخلفهم نقاقير كثيرة وجمال واحمال فشقوا من بين القصرين حتى وصلوا الى الاشرفية وشخص لهم الناس وضجوا بالسلام عليهم وبقولهم نهار مبارك وسعيد والحمد لله على السلامة وشخص الناس وبهتوا وخمنوا التخامين فلما وصلوا عطفة الخراطين افترقوا فرقتين فدخل عثمان بك وحسن وشاهين بك المرادي واحمد كاشف سليم وعباس بك وغيرهم كشاف واجناد ومماليك وعبيد كثيرة نحو الالف وخلف كل طائفة نقاقير وهجن وبايديهم البنادق والسيوف والاسلحة ومروا بالجامع الازهر وذهبوا الى بيت السيد عمر والشيخ الشرقاوي وفامتنع السيد عمر من مقابلتهم فدخلوا الى بيت الشيخ الشرقاوي وحضر عندهم السيد عمر فطلبوا منهم النجدة وقيام الرعية فقالو لهم هذا لايصح ولم يكن بيننا وبينكم موعد ولا استعداد والاولى ذهابكم والا احاطت بنا وبكم العساكر وقتلونا معكم فعند ذلك ركبوا وخرجوا من باب البرقية وبعد خروجهم حضر في اثرهم حسن بك الارنؤدي في عدة وافرة من العسكر وهم مشاة وخرج خلفهم فوجدهم خرجوا الى الخلاء فرجع على اثره واما الفرقة الاخرى فانهم وصلوا الى باب زويلة وتقدموا قليلا الى جهة الدرب الاحمر فضرب عليهم العسكر الساكنون هناك بالرصاص فرجعوا القهقري الى داخل باب زويلة وارادوا الدخول الى جامع المؤيد والكرنكة بتلك الناحية فضرب عليهم المغاربة والمرابطون هناك فاصيب منهم اشخاص وقوى جأش العسكر الذين جهة الدرب الاحمر لما سمعوا ضرب الرصاص وتنبه غيرهم أيضا واجتمعوا لمعاونتهم وانصرع منهم ثلاثة اشخاص وقعوا الى الارض فلما عاينوا ذلك ولوا الادبار وتبعهم العسكر يضربون في اقفيتهم فلم يزالوا في سيرهم الى النحاسين وقد اغلق الناس بوابة الكعكبين وكذلك بوابة الخراطين وبوابة البندقانيين وكان حجو الساكن بالخرنفش عند ما سمع بدخولهم لحقه الفزع والخوف فخرج من بيته بعسكره يريد الفرار وخرج من عطفة الخرنفش وذهب الى جهة باب لظنه انه لايمكنه الخروج من باب الفتوح الذي دخلوا منه فلما وصل الى باب النصر وجده مغلقا وامتنع المرابطون عليه من فتحه فعاد على اثره وذهب الى باب الفتوح فلم يجد به احدا فطمأن حينئذ وعلم سوء رأيهم فاغلقه واجلس عنده جماعة من اتباعه ورجع على اثره الى جهة بين القصرين فصادف اديار الجماعة والعسكر في اقفيتهم بالرصاص فعند ذلك قوي جأشه وضرب في وجههم هو ومن معه من العسكر فاختبل القوم وسقط في ايديهم وعلموا انه قد احيط بهم فنزلوا عن خيولهم ودخل منهم جماعة كثيرة جامع البرقوقية وذهب منهم طائفة كبيرة بخيولهم نحو المائة الى جهة باب النصر فوجدوه مغلقا فنزلوا أيضا عن خيولهم ودخلوا العطوف ونطوا من السور الى الخلاء وتفرق منهم جماعة اختفوا في الجهات وبعض الوكائل والبيوت ولما انحصر الذين دخلوا جامع البرقوقية واغلقوا على انفسهم الباب احتطت بهم العسكر واحرقوا الباب وتسور أيضا عليهم جماعة من العطفة التي بظاهر البرقوقية وقبضوا عليهم وعروهم ثيابهم واخذوا ما معهم من الذهب والنقود والاسلحة المثمنة وذبحوا منهم نحو الخمسين مثل الاغنام وسحبوا نحو ذلك العدد بالحياة وهم عرايا مكشوفوا الرؤوس حفاة الاقدام موثوقوا الايدي يضربونهم ويصفعونهم على اقفيتهم ووجوههم ويسبونهم ويشتمونهم ويسحبونهم على وجوههم حتى ذهبوا بهم وبرؤوس القتلى الى بيت الباشا بالازبكية وكان قد استعد للفرار وتحير في امره ونزل الى اسفل يريد الركوب واذا بالعسكر داخلون عليه ومعهم الرؤوس والاسرى في ايديهم فعند ذلك سكن جاشه وامتلا فرحا ولما مثل بين يديه احمد بك تابع البرديسي الذي كان اميرا بدمياط وحسن شبكة ومن معهما قال لاحمد بك يا احمد بك وقعت في الشرك فطلب ماء فحلوا كتافه واتوه بماء يشرب فنظر لمن حوله وخطف يقطانا من وسط بعض الواقفين وهاج فيهم واراد قتل محمد علي باشا وقتل انفارا فقام الباشا وهرب الى فوق وتكاثروا عليه وقتلوه ووضعوا باقي الجماعة في جنازير وفي ارجلهم القيود وربطوهم بالحوش وهم على الحالة التي حضروا فيها من العرى والحقارة والذلة
وفي ثاني يوم احضروا الجزارين وامروهم بسلخ الرؤوس بين يدي المعتقلين وهم ينظرون الى ذلك واحضروا جماعة من الاسكافية فحشوها تبنا وخيطوها
وفي ليلة الاثنين خرج عابدي بك بعساكر الارنؤد برا وبحرا الى جهة طرا فالتقى مع من بها من المصريين وكان بها ابراهيم بك والكبير وابنه مرزوق بك وامراؤهم فقتل من عسكر الارنؤد عدة كبيرة وولوا منهزمين وحضروا الى مصر وغرق من مراكبهم مركبان في ليلة الثلاثاء
وفي تلك الليلة قتلوا المعتقلين ما عدا حسن شبكة ومعه اثنان قيل انهم عملوا على انفسهم ثلثمائة كيس فابقوهم وقتلوا الباقي قتلا شنيعا وعذبوهم في القتل من اول الليل الى اخره ثم قطعوا رؤوسهم وحشوها تبنا ووسقوها في مركب وارسولها الى سكندرية وعدتهم ثلاثة وثمانون راسا وفيهم من غير جنسهم واناس جربجية ملتزمون واختيارية التجواوا اليهم وراففوهم في الحضور وبعثوا من يوصلهم الى اسلامبول وكتبوا في المراسلة انهم حاربوهم وقاتلوهم وحاصروهم حتى افنوهم واستأصلوهم ولم يبقوا منهم باقية وهذه الرؤوس رؤوس اعيانهم واكابرهم فكان عدة من قتل في هذه الحادثة من المعروفين المنصبين مراد بك تابع عثمان بك حسن وقبطان بك تابع البرديسي وسليم بك الغربية واحمد بك الدمياطي وعلي بك تابع خليل بك ونحو الخمسة والعشرين من مماليكهم واتباعهم ونجا حسن بك شبكة واثنان معه دون اتباعة وباقيهم اشخاص مجهولة فيهم فرنساوية وارنؤدية ولم يتفق للامراء المصرية اقبح ولا اشنع من هذه الحادثة وربط الله على قلوبهم واعمى ابصارهم وغل ايديهم
وفي يوم الاربعاء حضر طائفة الدلاة الى ناحية الخانكة بعدما طافوا اقليم الغربية والمنوفية والشرقية والدقهلية وفعلوا افعالا شنيعة من النهب والسلب والقتل والاسر والفسق وما لايسطر ولايذكر ولا يمكن الاحاطة ببعضه
وفيه افرجوا عن جرجس الجوهري ومن معه على اربعة ألاف وثمانمائة كيس وان يبقى على حاله فشرع في توزيعها على باقي الاقباط وعلى نفسه وعلى كبرائهم وصيارفهم ماعدا فلتيوس وغالي وحولت عليه التحاويل وحصل لهم كرب شديد وضج فقراؤهم واستغاثوا
وفي يوم الجمعة خرج عدة كبيرة من العسكر الى ناحية الشرق لمحاربة الدلاة واميرهم عمر بك تابع عثمان بك الاشقر ومحمد بك البدول وكثير من الاجناد المصرية وحسن باشا الارنؤدي
وفي يوم السبت رجع القرابة المشاة وذهب الخيالة خلفهم متباعدين عنهم بمرحلة فكان شأنهم أن الدلاة المذكورين اذا وردوا القرية نهبوها واخذوا ما وجدوه فيها واخذوا الاولاد والبنات وارتحلوا فياتي خلفهم العرب التابعون خلفهم فيطلبون الكلف والعليق وينهبون أيضا ما امكنهم ثم يرتحلون أيضا خلفهم فتنزل بعدهم التجريدة فيفعلون اقبح من الفريقين من النهب والسلب حتى ثياب النساء واخذ الدلاة من عرب العائد خمسائة جمل وذهبوا على طريق رأس الوادي وفيه ورد الخبر بوصول كتخدا بك الى منوف وقبض على كاشفها واخذ منه ماجمعه ثم انه فرد على البلاد التي وحد بها بعض العمار اموالا من ألف ريال فأزيد وحصر ذلك في قائمة وهي نحو الستين بلدا وارسل يستأذن في ذلك ويطلب عدم الرفع عن شئ منها ليحصل قدرا يستعان على علائف العسكر وجماكيهم وليكمل خراب الاقليم وانقضى شهر جماي الاولى
{ أحداث شهر جمادي الثانية سنة 1220 }
شهر جمادي الثانية استهل بيوم الاثنين في ثانية وصل ولدا محمد علي باشا الى ساحل بولاق فركب اغوات الباشا واستقبلوهما واحضروهما الى الازبكية وعملوا لهما شنكا تلك الليلة
وفي ثالثة طلع محمد عليباشا الى القلعة واجلس ابنه الكبير بها وضربوا له في ذلك الوقت مدافع
وفي رابعة رجع عابدي بك ومن بصحبته من المصرلية من جهة الشرق وقد وصلوا خلف الدلاة الى حد العائد ثم رجعوا وذهب الدلاة الى جهة الشام بما معهم من المال والغنائم والجمال والاحمال وعدتها اكثر من الاربعة ألاف جمل وما نهبوه من البلاد واسروه من النساء والصبيان وغير ذلك وكانوا من نقمة الله على خلقه ولم يحصل من مجيئهم وذهابهم الا زيادة الضرر ولم يحصل للباشا المخلوع الذي استدعاهم لنصرته الا الخذلان وكان في عزمه وظنه انهم يصيرون اعوانه وانصاره ويستعين بهم وبطائفة الينكجرية على ازالة الطائفة الاخرى فانتحس بقدومهم واورثه الله ذلهم وتخلوا عنه وخذلوه وضاع عليه ما صرفه عليهم في استدعائهم وملاقاتهم وخلعهم وتقدماتهم ومصارفهم وعلائفهم وخرجهم ولم ينفعوه بنافعة بل كانوا من الضرر الصرف عليه وعلى الاقليم وكان كلما خوطب وعوقب في امر او فعل يقول اصبروا حتى تأتي الدلاتية ويحصل بعد ذلك النظام فلم يحصل بوصولهم الا الفساد وانتقضت دولتة وانعست قضيته
وفيه شرعوا في عمل دفتر فردة على البلاد التي بقي فيها بعض الرمق
وفي خامسة حضر كتخدابك ليلا واشار بابطال ذلك الدفتر لما فيه من الاشاعة والشناعة واتفق مع الباشا والمتكلمين انه يفعل ذلك باجتهادة ورايه ورجع في تلك الليلة وشرع في التحصيل مع الجور والعسف الزائد كما هو شأنهم
وفيه سافر أيضا جانم افندي الدفتر دار وسافر صحبته قابجي باشا الاسود المسمى بشير أغا
وفيه سافر بعض كبرائهم الى جهة السويس ليأتي بالمحمل
وفي يوم الجمعة ورد احمد افندي من سكندرية وهو الذي كان اتى بالدفتردارية في العام السابق ومنعه احمد باشا خورشيد من الورود وكتبوا في شانه عرضحال من الشايخ والوجاقلية بمنعه وابقاء جانم افندي واستمر بالاسكندرية الى هذا الوقت وحضر الان بمراسلة من قبطان باشا واحضر صحبته تقرير السعيد أغا على الوكالة وابقائه على ما هو عليه ونظر الخاصكية لسليمان أغا حافظ
وفي يوم الاحد رابع عشره تغيب جرجس الجوهري فيقال انه هرب ولم يظهر خبره وطلب محمد علي فلتيوس وغالي وجرجس الطويل
لطويل وفي يوم الاثنين حضر محمد كتخدا الألفي بجواب من مخدومه وقابل محمد علي باشا وذهب الى بيته لقضاء اشغاله
وفيه وصلت القافلة والمحمل واراد الباشا نهب قافلة التجار فصالحوا على احمالهم بالف كيس ودخل المحمل في ذلك اليوم صحبة المسفر
وفيه طلب الباشا حسن أغا نجاتي المحتسب والامير ابراهيم الرزاز وطلب أن يقلد حسن أغا كتخدا الحج والامير ابراهيم ديودار بشرط أن يكلفا انفسهما من مالهما فاعتذرا بعدم قدرتهم على ذلك فحبسهما وطلب من كل واحد منهما خمسمائة كيس وعزل حسن أغا وقلد عوضه اخر يسمى قاضي اوغلي على الحسبة
وفي يوم الثلاثاء ظهر الخبر عن جرجس الجوهري بانه ركب من دير مصر العتيقة وذهب الى الامراء المصرين بناحية التين
وفي يوم الاربعاء سابع عشرة توفي الشيخ محمد الحريري مفتي الحنفية
وفي يوم الجمعة تاسع عشرة توفي حسن افندي ابن عثمان الاماحي الخطاط
وفيه قلدوا علي جلبي بن احمد كتخدا على كشوفية القليوبية ولبس القفطان وركب بالملازمين
وفيه سافر محمد كتخدا الألفي عائدا الى مخدومه وذهب صحبته السلحدار وموسى البارودي
وفي عشرينه تقلد الحسبة شخص يقال له عبدالله قاضي اوغلي وكذلك تقلد قبله بايام ابراهيم الحسيني الزعامة وهو حليق اللحية وتقلد محمد من مماليك اسمعيل بك ويعرف بالالفي وهو زوج هانم ابنة بنت اسمعيل بك أغاوية مستحفظان
وفيه افرجوا عن حسن أغا المحتسب وابراهيم الرزاز وقرروا على الاول خمسة وستين كيسا وعلى الثاني خمسة عشر كيسا يقومان بدفعها
وفيه انزلوا قوائم على البلاد والحصص التي كانت تحت التزام جرجس الجوهري الى المزاد فاشتراها القادرون والراغبون
وفي حادي عشرينه قلدوا ياسين بك كشوفية بنى سويف والفيوم وكذلك لبسوا كاشفا على منفلوط وغيرها
وفي اواخره حضر محمد كتخدا الألفي والسلحدار وذكرا مطلوبات الألفي وهو انه يطلب كشوفية الفيوم وبني سويف والجيزة والبحيرة وماءتي بلد التزام وانه يأتي الجيزة ويقيم بها ويكون تحت طاعة محمد علي باشا وتشاوروا في ذلك اياما واما باقي الامراء المصرليين فانهم انتقلوا من مكانهم وترفعوا الى جهة قبلي بناحية بياضة ثم اتفق الرأي على أن يعطوهم من فوق جرجا وينزل بها الحاكم المولى عليها من العثمانية وان المصرين القبالي اقتسموا بينهم البلاد ويقومون بدفع المال والغلال الميرية وكل ذلك لا اصل له ولا حقيقة من الطرفين وكتبوا للالفي مكاتبات بذلك وان يكون في ضمنهم
وفي اواخره أيضا احتاج محمد علي باشا الى باقي علوفة العسكر فتكلم مع المشايخ في ذلك واخبرهم بان العسكر باق لهم ثلاثة ألاف كيس لا نعرف لتحصيلها طريقة فانظروا رأيكم في ذلك وكيف يكون العمل ولم يبق الا هذه النوبة ومن هذا الوقت اذا قبض العسكر باقي علائفهم سافروا الى بلادهم ولم يبق منهم الا المحتاج اليهم وارباب المناصب ولا ياخذون بعد ذلك علائف فكثر التروي في ذلك ولغط الناس بالفردة وتقرير اموال على اهل البلد وانحط الامر بعد ذلك على قبض ثلث الفائظ من الحصص والالتزام فضج الناس وقالوا هذه تصير عادة ولم يبق للناس معايش فقال نكتب فرمانا ونلتزم بعدم عود ذلك ثانيا ونرقم فيه لعن الله من يفعلها مرة اخرى ونحو ذلك من التمويهات الكاذبة الى أن رضى الناس واستقر امرها وشرعوا في تحريرها وطلبها
{ أحداث شهر رجب سنة 1220 }
شهر رجب الفرد استهل بيوم الاربعاء وفي حادي عشره سافر محمد كتخدا الألفي بالجواب المتقدم الى مخدومه بعد أن قضى اشغاله واحتياجاته من امتعة وخيام وسروج وغير ذلك وخرج ياسين بك وباقي الكشاف المسافرون الى الجيزة وطلبوا المراكب حتى عز وجودها وامتنع ورودها من الجهة البحرية
وفي ثالث عشره سافر المذكورون بعساكرهم وسافر أيضا علي باشا سلحدار احمد باشا خورشيد المنفصل الى الاسكندرية واما قبطان باشا فإنه لم يزل بثغر سكندرية
وفي منتصفه برز طاهر باشا الذاهب الى البلاد الحجازية بعساكره الى خارج باب النصر
وفيه وردت الاخبار بان الوهابيين استولوا على المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة واتم التسليم بعد حصارها نحو سنة ونصف من غير حرب بل تحلقوا حولها وقطعوا عنها الوارد وبلغ الاردب الحنطة بها مائة ريال فرانسة فلما اشتد بهم الضيق سلموها ودخلها الواهبييون ولم يحدثوا بها حدثا غير منع المنكرات وشرب التنباك في الاسواق وهدم القباب ما عدا قبة الرسول صى الله عليه وسلم
وفي تاسع عشره وقع بالازبكية معركة بين العسكر قتل بها واحد من اعيانها واثنان آخران ورجل سائس وبغل وفرس وحمار
وفي خامس عشرينه ورد الخبر بسفر القبطان واحمد باشا خورشيد من ثغر سكندرية
وفيه حضر اهل رشيد يشتكون الى السيد عمر النقيب والمشايخ ويذكرون أن محمد على باشا ارسل يطلب منهم اربعين ألف ريال فرانسة على ثلاثة عشر نفرا من التجار بقائمة
وفيه حضر محمود بك الذي كان بالمنية وتواترت الاخبار بوصول الغز المصريين الى اسيوط وملكوها واما الألفي فانه جهة الفيوم ووقع بينه وبين جماعة ياسين بك محاربة وظهر عليهم وارسل ياسين بك يطلب عسكرا وذخيرة
وفي خامس عشرينه ركب المشايخ والسيد عمر النقيب الى محمد علي وترجوا عنده في اهل رشيد فاستقرت غرامتهم على عشرين ألف فرانسة وسافروا على ذلك واخذوا في تحصيلها
وفيه طلب بترك الدير واحتجوا عليه بهروب جرجس الجوهري وانحط الامر على المصالحة بمائة واربعين كيسا وزعها النصارى على بعضهم ودفعوها
{ أحداث شهر شعبان سنة 1220 }
شهر شعبان استهل بيوم الجمعة فيه امر محمد علي باشا برفع حصص الالتزام التي على النساء وكتبوا قوائم مزادها وانحط الامر على المصالحات بقدر حالهن وغير ذلك امور كثيرة وجزئيات وتحيلات على استنضاح الاموال لا يمكن ضبطها
وفي اواخره زوج محمد علي حسن الشماشرجي تابعه ببنت سليم كاشف الاسيوطي وهي بنت عبدالرحمن بك تابع عثمان بك الجرجاوي وهي ربيبة احمد كاشف تابع سليم كاشف المذكور فعقدوا عقدهم وعلموا لها مهما ببيت امها هانم بحارة عابدين واحتفل بذلك محمد علي وامر بان يعمل لها زفة مثل زفف الامراء المتقدمين ونبهوا على ارباب الحرف فعملوا لهم عربات وملاعيب وسخريات قاموا بكلفها من مالهم الموزع على افرادهم وداروا بأزفة يوم الخميس غاية شعبان وحضر محمد علي الى مدرسة العورية مع اولاده ليرى ذلك وعمل له السيد محمد المحروقي ضيافة في ذلك اليوم واحضر اليه الغداء بالمدرسة ولما انقضى امر الزفة شرعوا في عمل موكب المحتسب ومشايخ الحرف لرؤية رمضان وحضروا الى بيت القاضي ولم يثبت الهلال تلك الليلة وانقضى شهر شعبان
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة