من طرف حكماء الأربعاء 18 أبريل 2018 - 9:30
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ أحداث شهر المحرم سنة 1221 }
سنة احدى وعشرين ومائتين والف استهل شهر المحرم بيوم الخميس حسابا ويوم السبت هلال ووافق ذلك انتقال الشمس لبرج الحمل فاتحدت السنة القمرية والشمسية وهو يوم النوروز السلطاني واول سنة الفرس وهو التاريخ الجلالي اليزدجردي وتاريخهم في هذه السنة ألف ومائة وستة وسبعون وكان طالع التحويل الواقع في يوم الجمعة في خامس ساعة ونصف من النهار سبع درجات ونصفا من برج السرطان وصاحبه في حين العاشر منصرف عن تربيع المشتري ومقارنة عطارد والمشتري في السابع والمريخ مع الزهرة في العاشر وهي رجعة كيوان في الرابع وهو دليل على ثبات دولة القائم وتعب الرعية والحكم لله العلي الكبير
وفي ثالثه في ليلة الثلاثاء وصل الى بولاق قابجي وعلى يده تقرير لمحمد علي باشا بولايته بمصر وصحبة التقرير خلعة وهي فروة سمور فلما اصبح النهار عمل محمد علي باشا ديوانا بمنزله بالازبكية وحضر السيد عمر النقيب والمشايخ والاعيان وحضر ذلك الاغا من بولاق في موكب ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وامامه الاغا والوالي والمحتسب والاغوات والجاويشية وخلفه النوبة التركية فلما وصلوا الى بات الخرق عطفوا على جهة الازبكية فلما قرىء التقليد ضربوا مدافع كثيرة من الازبكية والقلعة وعملوا تلك الليلة شنكا وحراقات ونفوطا وسواريخ كثيرة وطبولا وزمورا بالازبكية
وفي سابعه وصلت الاخبار بوقوع حروب بين العساكر والعربان والامراء المصرية بناحية جزيرة الهواء وقتل شخص من كبار العسكر يسمى كور يوسف وغيره ووصل الى مصر عدة جرحى وهرب من العسكر طائفة وانضموا الى الامراء المصريين وارسل حسن باشا يستنجد الباشا بارسال عساكر اليه وفي ذلك اليوم نادوا في الاسواق بعدم المشي في الاسواق من اذان العشاء وخرج كتخدا بك الى بولاق في آخر النهار ونصب وطاقه ببرانبابة وخرج سليمان أغا بجملة من العسكر وذهب الى ناحية طرا
وفي ثامنه عدى كتخدا بك الى البر الغربي وانتقل طاهر باشا الى الجيزة واقام بها محافظا
وفيه امر الباشا بجمع الاجناد المصرية والجاقلية وامرهم بالتعدية الى البر الغربي وكان تخوف من اقامتهم بالمدينة وقال لهم من اراد منكم الذهاب الى الاخصام فليذهب والا يستمر معنا
وفي هذه الايام كان مولد سيدي احمد البدوي والجمع بطندتا المعروف بمولد الشرنبابابة وهرع غالب اهل البلد بالذهاب اليه واكثروا الجمال والحمير بأغلى الأجرة لان ذلك صار عند اهل الاقليم موسما وعيدا لا يتخلفون عنه اما للزيارة او للتجارة او للنزاهة او للفسوق ويجتمع به العالم الاكبر واهالي الاقليم البحري والقبلي وخرج اكثر اهالي البلد بحمولهم فكان الواقفون على الابواب يفتشون الاحمال فوجدوا مع بعضهم اشياء من اسباب الاجناد المصرية وملابسهم ونحو ذلك فوقع بسبب ذلك ايذاء لمن وجدوا معه شيئا من ذلك لباقي الناس ضرر بنبش متاعهم فكان من الناس من ياخذ معه اشخاصا من العسكر من طرف الاغا يسلكونهم للخروج من غير تفتيش ويمنعون المتقيدين بالابواب عن التعرض لهم ونبش متاعهم واحمالهم
وفي تاسعه وصل الخبر بان عابدين بك لما بلغه خروج الألفي من الفيوم ذهب اليها صحبة الدلاة فلم يجد بها احدا فدخلها وارسل المبشرين الى مصر بإنه ملك الفيوم فضربوا مدافع لذلك وانبث المبشرون يطوفون على بيوت الاعيان يبشرونهم بذلك ويأخذون على ذلك الدراهم والبقاشيش ثم لما بلغ عابدين بك ما حصل لاخيه حسن باشا من الهزيمة رجع اليه واقام معه ناحية الرقق
وفي عاشره وصل الألفي الى ناحية كرداسة وانتشرت عساكره وعربانه باقليم الجيزة فلم يخرج لهم احد من الجيزة مع كونهم بمراى منهم ويسمعون نقاقيرهم وطبولهم ووطء حوافر خيولهم
وفيه ارسل الألفي مكتوبا خطابا الى السيد عمر افندي مكرم النقيب والمشايخ مضمونة نخبركم أن سبب حضورنا الى هذه الجهة انما هو لطلب القوت والمعاش فان الجهة التى كنا بها لم يبق فيها شىء يكفينا ويكفي من معنا من الجيش والاجناد ونرجو من مراحم افندينا بشفاعتكم أن ينعم علينا بما نتعيش به كما رجونا منه في السابق فلما كان في صبحها يوم الاثنين حادي عشرة ركب السيد عمر الى الباشا واخبره بذلك واطلعه على المراسلة فقال ومن اتى به قال له تابع مصطفى كاشف المورلي وقد ترك متبوعه بالبر الآخر فقال له اكتب له بالحضور حتى نتروى معه مشافهة وفي ذلك الوقت حضر الى الباشا من اخبره بان طائفة من المصريين وجيوشهم وصلوا الى برانبابة فخرج اليهم طائفة من العسكر الرابطين هناك وتحاربوا معهم بسوق الغنم ووقع بينهم بعض قتلى وجرحى فركب من فوره وذهب الى بولاق فنزل بالساحل وجلس هناك ساعة ثم ركب عائدا الى داره بعد أن منع من تعدية المراكب الى برانبابة ثم امرهم بالتعدية لربما احتاجوها وكان كذلك فإنهم رجعوا مهزومين فلو لم يجدوا المعادي لحصل لهم هول كبير
وفي يوم الثلاثاء حضر مصطفى كاشف المورلي المرسل من طرف الألفي وصحبته علي جربجي بن موسى الجيزاوي الى بيت السيد عمر فركب صحبته الى الباشا وكتبوا له جوابا ورجع من ليلته ثم حضر في يوم الخميس رابع عشره بجواب آخر ومضمونه اننا ارسلنا لكم نرجو منكم أن تسعوا بيننا بما فيه الراحة لنا ولكم وللفقراء والمساكين واهالي القرى فاجبتمونا بأننا نتعدى على القرى ونطلب منهم المغارم ونرعى زرعهم وننهب مواشيهم والحال انه والله العظيم ونبيه الكريم ان هذا الامر لم يكن على قصدنا ومرادنا مطلقا وانما الموجب لحضورنا الى هذا الطرف ضيق الحال والمقتضى للجمعية التى نصحبها من العربان وغيرهم ارسال التجاريد والعساكر علينا فلازم لنا أن نجمع الينا من يساعدنا في المدافعة عن انفسنا فهم يجمعون اصناف العساكر من الاقطار الرومية والمصرية لمحاربتنا وقتالنا وهم كذلك ينهبون البلاد والعباد للانفاق عليهم ونحن كذلك نجمع الينا من يساعدنا في المنع ونفعل كفعلهم لننفق على من حولنا من المساعدين لنا وكل ذلك يؤدى الى الخراب والدمار وظلم الفقراء والقصد منكم بل الواجب عليكم السعي في راحة الفريقين وهو أن يكفوا الحرب ويفرزوا لنا جهة نرتاح فيها فان ارض الله واسعة تسعنا وتسعهم ويعطونا عهدا بكفالة بعض من نعتمد عليه من عندنا وعندهم ويكتب بذلك محضر لصاحب الدولة وننتظر رجوع الجواب وعند وصوله يكون العمل بمقتضاه فعند ذلك اقتضى الرأي أن يقطعوه اقليم الجيزة وكتبوا له جوابا بذلك من غير عقد ولا عهد ولا كفالة كما اشار وسلموا الجواب لمصطفى كاشف ورجع به وفي اثناء ذلك طلب اجناد الألفي كلفا من بلد برطيس وام دينار ومنية عقبة فامتنعوا عليهم فضربوهم وحاربوهم ونهبوهم وسبب ذلك أن العساكر الاتراك اغروهم وارسلوا يقولون لهم اذا طلبوا منكم كلفة او دراهم لا تدفعوا لهم واطردوهم وحاربوهم ونهبوهم واذا سمعنا حربكم معهم اتيناكم وساعدناكم فاغتروا بذلك وصدقوهم فلما حصل لهم ما حصل لم يسعفوهم ولم يخرجوا من اوكارهم حتى جرى عليهم المقدور
وفي يوم السبت ثالث عشرينة كتب الباشا مراسيم وارسلها الى كشاف الاقاليم والكائنين بالبلاد من الاجناد المصرية بان يجتمعوا باسرهم ويذهبوا الى ساحل السبكية للمحافظة عليها من وصول الأخصام اليها ولمنعهم من تعدية البحر اليها لانهم اذا حصلوا بها تعدى شرهم الى بلاد المنوفية بأسرها واشيع عزم الباشا على الركوب بنفسه وذهابه الى تلك الجهة ويكون سيره على طريق القليوبية ويلحق بهم وكتخدا بك وطاهر باشا يسيران على الساحل الغربي تجاههم ثم بطل ذلك وارسل الى حسن باشا سرششمة بان يحضر بمن معه من العسكر من عند حسن باشا طاهر من ناحية بني سويف وكذلك عساكر كور يوسف الذي قتل في المعركة كما ذكر
وفي ذلك اليوم وصل رسول أيضا من عند الالفي بكاتبات واجتمع بالسيد عمر النقيب والمكاتبات خطاب له ولبقية المشايخ وللباشا ولسعيد أغا دار السعادة وصالح بك القابجي بمعنى ما تقدم صحبة احمد أبي ذهب العطار فكتبوا له جوابا بالمعنى الاول واعادوا الرسول واصحبوه ببعض المتعممين وهو السيد احمد الشتيوي ناظر جامع الباسطية وكل ذلك امور صورية وملاعبات من الطرفين لاحقيقة لها
وفي يوم الثلاثاء وصل الجماعة المذكورون الذين استدعاهم الباشا بعساكرهم وخلع الباشا على احد كبارهم عوضا عن كور يوسف المقتول
وفيه وصل الخبر بان طائفة من الاجناد المصرية ومن يصحبهم من العربان عدوا الى بر السبكية ولم يمنعهم المحافظون بل هربوا من وجوههم فامر الباشا بسفر العساكر وطلب دراهم سلفة من الاعيان لاجل نفقة العساكر وفرضوا على البلاد ثلاث ألاف كيس ويكون على العال منها مائة ألف فضة وفيها الاوسط والدون
وفي يوم الخميس نودي في الاسواق بخروج العساكر
وفي يوم السبت سافر طاهر باشا الى منوف على جرائد الخيل وسافر بعده كتخدا بالحملة واحتاجوا الى جمال فاخذوا جمال السقائين والشواغرية
وفيه حضر عمر بك الارنؤدي من ناحية بني سويف واخبر الواردون من الناحية أن رجب أغا وطائفة من العسكر خامروا عليه وانضموا الى الامراء القبليين وهم نحو الستمائة فعند ذلك حضر عمر بك المذكور في تطريده ليبرئ نفسه من ذلك وحضر أيضا محو كبير العسكر المحاصرين بالمنية يطلب علوفة للعسكر
وفيه اراد كتخدا بك وهو المعروف بدبوس اوغلي أن يركب من انبابة وحمل احماله ليسير الى جهة بحرى فثارت عليه العسكر وطالبوه بعلائفهم وسفهوا عليه ومنعوه من الركوب فأراد التعدية الى بر بولاق فمنعوه أيضا وجذبوا لحيته فأقام يومه وليلته ثم قال لهم وما الفائدة في مكثي معكم دعوني اذهب الى الباشا واسعى في مطلوبكم ولم يزل حتى تخلص منهم وعدى الى مصر ولم يرجع اليهم
وفي يوم السبت الذي هو غايته وصلت عساكر الدلاة الذين كانوا بناحية بني سويف والفيوم الى برانبابة وضربوا لهم مدافع لوصولهم
وفيه ارسل كبار العسكر الذين بناحية منوف مكاتبة الى الباشا يذكرون أن العساكر يطلبون مرتبات وارز وسمن فانهم لا يحاربون ولا يقاتلون بالجوع
وفي هذه الايام وصل الكثير من العساكر القبلية ودخلوا البلد وكثروا بها
وفي هذا الايام أيضا وصلت الاخبار من الديار الحجازية بمسالمة الشريف غالب للوهابيين وذلك لشدة ما حصل لهم من المضايقة الشديدة وقطع الجالب عنهم من كل ناحية حتى وصل ثمن الاردب المصري من الارز خمسمائة ريال والاردب البر ثلثمائة وعشرة وقس على ذلك السمن والعسل وغير ذلك فلم يسع الشريف الا مسالمتهم والدخول في طاعتهم وسلوك طريقتهم واخذا العهد على دعاتهم وكبيرهم بداخل الكعبة وامر بمنع المنكرات والتجاهر بها وشرب الاراجيل بالتنباك في المسعى وبين الصفا والمروة بالملازمة على الصلوات في الجماعة ودفع الزكاة وترك لبس الحرير والمقصبات وابطال المكوس والمظالم وكانوا خرجوا عن الحدود في ذلك حتى أن الميت يأخذون عليه خمسة فرانسة وعشرة بحسب حالة وان لم يدفع اهله القدر الذي يتقرر عليه فلا يقدرون على رفعه ودفنه ولايتقرب اليه الغاسل ليغسله حتى يأتيه الاذن وغير ذلك من البدع والمكوس والمظالم التي احدثوها على المبيعات والمشتروات على البائع والمشتري ومصادرات الناس في اموالهم ودورهم فيكون الشخص من سائر الناس جالسا بداره فما يشعر على حين غفلة منه الا ولاعوان يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها ويقولون أن سيد الجميع محتاج اليها فاما أن يخرج منها جملة وتصير من املاك الشريف واما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها او اقل او اكثر فعاهده على ترك ذلك كله واتباع ما امر الله تعالى به في كتابه العزيز من اخلاص التوحيد لله واتباع سنة الرسول عليه الصلاة و السلام وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون والائمة المجتهدون الى اخر القرن الثالث وترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الاحياء والاموات في الشدائد والمهمات وما احدثوه من بناء القباب على القبور والتصاوير والزخارف وتقبيل الاعتاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبح والقربان عمل الاعياد والمواسم لها واجتماع اصناف الخلائق واختلاط النساء بالرجال وباقي الاشياء التي فيا شركة المخلوقين مع الخالق في توحيد الالوهية التي بعثت الرسل الى مقاتلة من خالفها ليكون الدين كله لله فعاهده على منع ذلك كله وعلى هدم القباب المبنية على القبور والاضرحة لانها من الامور المحدثة التي لم تكن في عهده بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية واقامة الحجة عليهم بالادلة القطعية التي لا تقبل التأويل من الكتب والسنة واذعانهم لذلك فعند ذلك امنت السبل وسلكت الطرق بين مكة والمدينة وبين مكة وجدة والطائف وانحلت الاسعار وكثر وجود المطعومات وما يجلبه عربان الشرق الى الحرمين من الغلال والاغنام والاسمان والاعسال حتى بيع الاردب من الحنطة بأربع ريالات واستمر الشريف غالب يأخذ العشور من التجار واذا نوقش في ذلك يقول هؤلاء مشركون وانا اخذ من المشركين لا من الموحدين
{ أحداث شهر صفر سنة 1221 }
شهر صفر الخير استهل بيوم الاحد فيه سافر محو بك الى جهة المنية وفيه ورد من اسلامبول شخص قابجي وعلى يديه مرسومات بالجمارك وغيرها ومنها ضبط ترك الموتى المقتولين والمقبورين وكذلك تركه السيد احمد المحروقي واخر يسمى الشريف محمد البرلي والقصد تحصيل الدراهم باي حجة كانت ووصل أيضا اخر متعين لجمرك الاسكندرية وآخر لدمياط ولرشيد أيضا
وفيه عزم الباشا على السفر لمحاربة الألفي واشيع عنه ذلك وانزلوا مدافع من القلعة وجبخانة وآلات حربية
وفي رابعه قوى عزمه على ذلك واشيع انه مسافر يوم السبت واشار على السيد عمر افندي النقيب بان ينوب عنه ويكون قائما مقامه في الاحكام مدة غيابه فلم يقبل السيد عمر ذلك وامتنع ثم فترت همته عن ذلك وتبين انها ايهامات لا اصل لها
وفي يوم الخميس ارسل الباشا الى الخانات والوكائل اعوانا فختموا على حواصل التجار بما في داخلها من البن والبهار وذلك بعد أن امنهم وقبض منهم عشورها ومكوسها بالسويس فلما وصلت القافلة واستقرت البضائع بالحواصل فعل بهم ذلك ثم صالحوا وافرج عنهم
وفيه ورد الخبر بأن الألفي ارتحل من ناحية الجسر الاسود والطرانة وقصد جهة البحيرة
في يوم السبت ركب صالح أغا قابجي باشا ونزل الى بولاق ليسافر الى الديار الرومية فركب لوداعه الباشا وسعيد أغا والسيد عمر النقيب فيشيعوه الى بولاق حتى نزل الى المراكب وخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة بعد أن وفاه خدمته وهاداه بهدايا واصحب معه هدايا للدولة واربابها وعرفه بقضايا واغراض يتممها له هناك وودعوه ورجعوا الى بيوتهم بعد الغروب
وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر صالح أغا السلحدار الى جهة بحري على طريق المنوفية وصحبته عساكر وقرروا له مقادير من الاكياس على كل بلد من البلاد الرائجة عشرون كيسا فما فوقها وما دونها ومن كل صنف مقادير أيضا
وفيه فرضوا أيضا على البلاد غلال قمح وفول وشعير كل بلد عشرون اردبا فما فوقها وما دونها وهذه ثالث فرضة ابتدعت من الغلال على البلاد في هذه الدولة
وفيه ورد الخبر بإن الألفي توجه الى ناحية دمنهور البحيرة يوم الاربعاء رابعه وانهم امتنعوا عليه فحاصرهم لانهم استعدوا لذلك والبلد منضافة الى السيد عمر النقيب فكان يرسل اليهم ويحذرهم منه ويرسل اليهم ويمدهم بآلات الحرب والبارود ويحرضهم على الاستعداد للحرب فحصنوا البلدة وبنوا سورها وجعلوا فيها ابراجا وبدنات وركبوا عليها المدافع الكثيرة واحضروا لهم ما يحتاجون اليه من الذخيرة والجبخانة وما يكفيهم سنة وحفروا حولها خنادق وهي في موقعها مرتفعة
وفيه عزل الباشا محمد أغا كتخدا بك من كتخدائية بسبب امور نقمها عليه وحبسه وطلب منه ألف كيس وقلد في الكتخدائية خازنداره وهو المعروف بدبوس اوغلي
وفي ليلة الاحد ثامنه عدى ساري عسكر الى بر انبابه بوطاقه وهو دبوس اوغلي الكتخدا المذكور وذلك في اواخر النهار وضربوا مدافع كثيرة لتعديته واخذ العسكر في تشهيل امورهم ولوازمهم وانفق عليهم الباشا نفقة هذا والطلب والتوزيع بالاكياس مستمر لا ينقطع عن اعيان الناس والتجار والافندية الكتبة وجماعة الضربخانة والملتزمين بالجمارك وكل من كان له ادنى علاقة او خدمة او تجارة او صنعة ظاهرة او فائظ او له شهرة قديمة او من مساتير الناس وغالب الاحيان المحصل لذلك والقاضي فيه السيد عمر افندي النقيب وقد حكمت عليه الصورة التى ظهر فيها وانعكس الحال والوضع وساءت الظنون والأمر لله وحده
وفي يوم الخميس تاسع عشره ارتحل عرضى التجريدة من انبابه وذهبوا الى جهة الوراريق
وفي هذه الايام كان بين مشايخ العلم منافسات ومنافرات ومحاسدات وذلك من اوائل شهر رمضان وتعصبات بسبب مشيخة الجامع ونظر اوقافه واوقاف عبدالرحمن كتخدا فاتفق أن الشيخ عبدالرحمن السجيني ابن الشيخ عبدالرؤوف عمل وليمة ودعاهم اليها فاجتمعوا في ذلك اليوم وتصالحوا في الظاهر
وفي يوم الاثنين هبت رياح جنوبية حارة واثارت غبارا وزوابع ولواقح ثم غيمت السماء غيما متقطعا وارعدت وامطرت فكان الغبار والزوابع والشمس طالعة والمطر نزل وذلك بعد العصر وحصل مثل ذلك أيضا في يوم الثلاثاء ولكن بعد الظهر
وفي تلك الليلة بعد الغروب خرج الباشا محمد افندي المنفصل عن الكتخدائية منفيا الى جهة دمياط واصحب معه عدة من العسكر ذهبوا به من طريق البر
وفي اواخره رجعت عساكر من الارنؤد وكانوا كثيرين ونزلوا ببولاق ومصر القديمة وغالبهم الذين كانوا بصحبته حسن باشا طاهر واخيه عابدين بك وسبب رجوعهم انهم طلبوا علائفهم من حسن باشا وكان قد ظهر له فيهم المخامرة عليه وميلهم الى الاخصام فامتنع من دفع علائفهم وقال لهم اذهبوا الى مصر واطلبوا علائفكم من الباشا وارسل اليه يعرفه بحالهم ونفاقهم فلما تراسلوا في الحضور منعهم الباشا من الدخول الى البلد ووعدهم بايصال علائفهم اليهم وهم خارج المدينة وبعد أن يقبضوا مالهم يعودون الى مرابطهم كما كانوا فأقاموا بناحية بولاق وارسل الباشا فجمع عربان الحويطات والعائد وغيرهم فاقاموا بناحية شبرا ومنية السيرج وهم جملة كبيرة استمروا في تجمعهم اربعة ايام وارسل الى الاجناد والجربجية وامثالهم المقيمين بمصر وامر بان يتهيئوا ويقضوا اشغالهم ويخرجوا صحبة حسن أغا الشماشيرجي فمن كان منهم ذا مقدرة وعنده حصان يركبه او جمل يحمل عليه متاعه خرج بنفسه والا اخرج بدلا عنه واعطاه مصروفه واحتياجاته ولوازمه وبرزوا الى خارج ثم ارسل الى العساكر المذكورين يأمر كبارهم بالسفر الى بلادهم فامتنعوا وقالوا لا نسافر حتى نقبض المنكسر لنا من علائفنا فعند ذلك دس الى اصاغرهم من خدعهم واستمالهم حتى تفرقوا في خدمة المستوطنين ولم يبق مع كبارهم المعاندين الا القليل فلم يسعهم بعد ذلك الا الامتثال وارتحلوا في غايته من بولاق وسافر معهم الشماشيرجي المذكور ومن بصحبته من المصريين وحولهم العربان وساروا على طريق دمياط وهو اثنان وخمسون شخصا من كبار طائفة الارنؤود وحصل العرب في مدة تجمعهم مالاخير فيه وكذلك في مدة اقامتهم من الخطف والتعرية وقطع الطريق على المسافرين
{ أحداث شهر ربيع الاول سنة 1221 }
شهر ربيع الاول استهل بيوم الثلاثاء وفي ليلة الاحد سادسه حصل رعد كثير وبرق بين المغرب والعشاء بدون مطر والغيم قليل متقطع وذلك سابع عشر بشنس وثاني عشر ايار والشمس في ثالث درجة من برج الجوزاء وذلك من النوادر في مثل هذا الوقت
وفي يوم الاحد المذكور ضربوا مدافع من القلعة لبشارة وردت من الجهة القبلية وذلك أن رجب أغا وياسين بك اللذين انضما الى الامراء المصرية القبليين عملا متاريس بحرى المنية ليمنعا من يصل اليها من مراكب الذخيرة فلما سافر محبوك بمراكب الذخيرة ووصل الى حسن باشا طاهر ببنى سويف اصحب معه عابدين بك وعدة من العسكر في عدة مراكب فلما وصلوا الى محل المتاريس تراموا بالمدافع والرصاص واقتحموا المرور وساعدهم الريح فخلصوا الى المنية وطلعوا اليها ودخلها عابدين بك وقتل فيما بينهم اشخاص وارسلوا بذلك المبشرين فاخبروا بذلك وبالغوا في الاخبار وان ياسين بك قتل هو وخلافة ورأسه واصله مع رؤوس كثيرة فعلموا لذلك شنكا وضربت مدافع كثيرة ولم يكن لقتل ياسين بك صحة ثم وصل محو بك وابن وافي وقد نزلا في شكترية لها عدة مقاديف ودفعوا في قوة التيار حتى وصلوا الى مصر ولم يصل معهم رؤس كما اخبر المبشرون
وفيه قرر فرضة على البلاد وهي دارهم وغلال وعينوا لذلك كاشفا فسافروا معه عدة من العسكر وصحبتهم نقاقير وسافر أيضا خازندار الباشا بلبيس وأخذ صحبته اكثر رفقائه واصحابه من اولاد البلد فسافروا على حين غفلة الى ناحية الدقهلية
وفي عاشره وصلت الاخبار بان الألفي ارتحل من البحيرة ورجع الى ناحية وردان وعدي الى جزيرة السبكية وهرب من كان مرابطا من الاجناد المصرية وغيرهم وطلبوا من اهالي السبكية دراهم وغلالا وفر غالب اهلها منها وجلوا عنها وتفرقوا في بلاد المنوفية
وفي ثاني عشره يوم الجمعة عمل المولد النبوي ونصبوا بالازبكية صواري تجاه بيت الباشا والشيخ محمد سعيد البكري وقد سكن بدار مطلة على البركة داخل درب عبدالحق واقام هناك ليالي المولد اظهارا لبعض الرسوم
وفيه علقوا تسعة رؤوس على السبيل المواجه لباب زويلة ذكروا انها من قتلى دمنهور وهي رؤوس مجهولة ووضعوا بجانبهم بيرقين ملطخين بالدماء
وفيه طلب الباشا دراهم سلفة من الملتزمين والتجار وغيرهم بموجب دفتر احمد باشا خورشيد الذي كان قبضها في عام اول قبل القومة والخرابة فعينوا مقاديرها وعينوا بطلها المعينين بالطلب الحثيث من غير مهلة ومن لم يجدوه بأن كان غائبا او متغيبا دخلوا داره وطلبوا اهله او جاره او شريكه فضاق ذرع الناس وذهبوا افواجا الى السيد عمر افندي النقيب فيتضجر ويتأسف ويتلقن ! ويهون عليهم الامر وربما سعى في التخفيف عن البعض بقدر الامكان وقد تورط في الدعوة
وفيه سافر السيد محمد المحروقي الى سد ترعة الفرعونية وذلك أن الترعة المذكورة لما اجتهد في سدها المصريون في سنة اثنتي عشرة ومائتين والف كما تقدم فانفتحت من محل آخر ينفذ الى ناحية الترعة المسماة بالفيض وكان ذلك بإشارة ايوب بك الصغير لعدم انقطاع الماء عن ري بلاده فتهورت أيضا هذه الناحية واتسعت وقوى اندفاع الماء اليها في مدة هذه السنين حتى جف البحر الغربى والشرقي وتغير ماء النيل في الناحية الشرقية وظهرت فيه الملوحة من حدود المنصورة وتعطلت مزارع الارز وشرقت بلاد البحر الشرقي وشربوا الاجاج ومياه الآبار والسواقي وكثر تشكي اهالي البلاد فحصل العزم على سدها في هذا العام وتقيد بذلك السيد محمد المحروقي وذو الفقار كتخدا وطلبوا المراكب لنقل الاحجار من الجبل وذهب ذو الفقار الى جهة السد وجمع العمال والفلاحين وسيقت اليه المراكب المملوءة بالاحجار من اول شهر صفر الى وقت تاريخه وجبوا الاموال من البلاد لاجل النفقة على ذلك ثم سافر السيد المحروقي أيضا وبذل جهده ورموا بها من الاحجار ما يضيق به الفضاء من الكثرة وتعطل بسبب ذلك المسافرون لقلة المراكب وجفاف البحر الغربي والخوف من السلوك فيه من قطاع الطريق والعربان فكانت المراكب المعاشات التى تأتي بالسفار وبضائع التجار يأتون بشحناتهم الى حد السد ومحل العمل والشغل فيرسون هناك ثم ينقلون ما بها من الشحنة والبضائع الى البر وينقلونها الى السفن والقوارب التى تنقل الاحجار ويأتون بها الى ساحل بولاق فيخرجون ما فيها الى البر وتذهب تلك السفن والقوارب الى اشغالها في نقل الحجر ولا يخفى ما يحصل في البضائع من الاتلاف والضياع والسرقة وزيادة الكلف والاجر وغير ذلك وطال امد هذا الامر
وفي اواخره نزل الباشا للكشف على الترعة فغاب يومين وليلتين ثم عاد الى مصر
{ أحداث شهر ربيع الثاني سنة 1221 }
شهر ربيع الثاني فيه وردت سعادة من الاسكندرية واخبروا بورود اربع مراكب وفيها عساكر من النظام الجديد وصحبتهم ططريات وبعض اشخاص من الانكليز ومعهم مكاتبة خطابا الى الألفي وبشارة بالرضا والعفو للامراء المصرية من الدولة بشفاعة الانكليز فلما وصلوا اليه بناحية حوش ابن عيسى بالبحيرة سر بقدومهم وعمل لهم شنكا وضرب لهم مدافع كثيرة ثم شهلهم وارسلهم الى الامراء القبليين وصحبتهم احد صناجقة وهو امين بك ومحمد كاشف تابع ابراهيم بك الكبير ثم إنه ارسل عدة مكاتبات بذلك الخبر الى المشايخ وغيرهم بمصر وكذلك الى مشايخ العربان مثل الحويطات والعائد وشيخ الجزيرة وباقي المشاهير فأحضر ابن شديد وابن شعير الاوراق التى اتتهم من الالفي الى الباشا وفيها نعلمكم أن محمد علي باشا ربما ارتحل الى ناحية السويس فلا تحملوا اثقاله وان فعلتم ذلك فلا نقبل لكم عذرا ولما سمع الباشا ذلك قال انه مجنون وكذاب
وفيه فتح الباشا الطلب بفائظ البلاد والحصص من الملتزمين والفلاحين وامر الروزنامجي وطائفته بتحرير ذلك عن السنة القابلة فضج الملتزمون وترددوا الى السيد عمر النقيب والمشايخ فخاطبوا الباشا فاعتذر اليهم باحتياج الحال والمصاريف ثم استقر الحال على قبض ثلاثة ارباع النصف على الملتزمين والربع على الفلاحين وان يحسب الريال في القبض منهم بثلاثة وثمانين نصفا ويقبضه باثنين وتسعين وعلى كل مائة ريال خمسة انصاف حق طريق سواء كان القبض من الملتزم عن حصته في المصر او بيد المعينين من طرف الكاشف في الناحية واذا كان التوجيه بالطلب من كاشف الناحية كانت اشنع في التغريم والكلف لترادف الارسال وتكرار حق الطريق
وفي سادسه حضر احمد كاشف سليم من الجهة القبلية وسبب حضوره أن الباشا لما بلغته هذه الاخبار ارسل الامراء القبليين يستدعي منهم بعض عقلائهم مثل احمد أغا شويكار وسليم أغا مستحفظان ليتشاور معهم في الامر فلم يجب واحد منهم الى الحضور ثم اتفقوا على ارسال احمد كاشف لكونه ليس معدودا من افرادهم وبينه وبين الباشا نسب لان ربيبته تحت حسن الشماشيرجي فحضر واختلى به الباشا مرارا ثم امره بالعود فسافر في يوم الثلاثاء رابع عشره واصحب معه هدية الى ابراهيم بك والبرديسي وعثمان بك حسن وغيرهم من الامراء وهي عدد خيول وقلاعيات وثياب وامتعة وغير ذلك
وفي سادسه أيضا قبض الباشا على ابراهيم أغا الوالي وحبسه مع ارباب الجرائم وسبب ذلك أن البصاصين شاهدوا حمولا فيها ثياب من ملابس الاجناد اعدها بعض تجار النصارى ليرسلها الى جهة قبلي لتباع على اجناد الامراء المصريين ومماليكهم ويربح فيها وسئل الحاملون لها فأخبروا أن اربابها فعلوا ذلك باطلاع الوالي المذكور على مصلحة اخذها منهم ووصل خبر ذلك الى الباشا فاحضره وقبض عليه وحبسه ثم اطلقه بعد ايام على مصلحة تقررت عليه بشفاعة امراة من القهارمة المتقربين وعاد الى منصبه واخذت البضاعة وضاعت على اصحابها وغرموهم زيادة على ذلك غرامة وكذلك تهم الذي حجزها بانه اختلس منها اشياء وحبس واخذت منه مصلحة فتحصل من هذه القضية جملة من المال مع انها في خلال المراسلة والمهاداة ونودى بعد ذلك بان من اراد أن يرسل شيئا او متجرا ولو الى السويس فليستأذن على ذلك ويأخذ به ورقة من باب الباشا فان لم يفعل وضاع عليه فالوم عليه
وفي يوم الثلاثاء رابع عشره ورد ساعي وصحبته مكتوب من حاكم الاسكندرية خطابا الى الدفتردار يخبره بوصول قبطان باشا الى الثغر وفي اثره واصل باشا متولى على مصر واسمه موسى باشا وصحبتهم مراكب بها عساكر من الصنف الذي يسمى النظام الجديد وكان ورود القبطان الى الثغر ليلة الجمعة عاشره وطلعوا الى البر بالاسكندرية يوم السبت حادى عشره فلما قرأ الدفتردار الورقة ارسل الى السيد عمر النقيب فحضر اليه وركب صحبته للباشا واختليا معه ساعة ثم فارقاه ولما بلغ الألفي ورود هذه الدونانمة وحضرت اليه المبشرون وهو بالبحيرة امتلأ فرحا وارسل عدة مكاتبات الى مصر صحبة السعادة فقبضوا على السعاة وحضروا بهم الى الباشا فأخفاها ووصل غيرها الى اربابها على غير يد السعاة وصورتها الاخبار بحضور الدونائمة صحبة قبطان باشا والنظام الجديد وولاية موسى باشا على مصر وانفصال محمد علي باشا عن الولاية وان مولانا السلطان عفى عن الامراء المصريين وان يكونوا كعادتهم في امارة مصر واحكامها والباشا المتولى ببستقر بالقلعة كعادته وان محمد علي باشا يخرج من مصر ويتوجه الى ولايته التى تقلدها وهي ولاية سلانيك وان حضرة قبطان باشا ارسل يستدعي اخواننا الامراء من ناحية قبلي فالله يسهل بحضورهم فتكونون مطمئنين الخاطر واعلموا اخوانكم من الاولداشات والرعية بان يضبطوا انفسهم ويكونوا مع العلماء في الطاعة وما بعد ذلك الا الراحة والخير والسلام
وفي يوم الجمعة سابع عشره ورد قاصد من طرف قبودان باشا الى بولاق فأرسل اليه الباشا من قابله واركبه وحضر به الى بيت الباشا واراد أن ينزله بمنزل الدفتردار فاستعفى الدفتردار من نزوله عنده فأنزلوه ببيت الروزنامجي واقام يوم السبت والاحد ولم يظهر ما دار بينهما ثم سافر في يوم الاثنين وذهب صحبته سليم المعروف بقبي لركخسي وشرع الباشا في عمل آلات حرب وجلل ومدافع وجمعوا الحدادين بالقلعة واصعدوا بنبات كثيرة واحتياجات ومهمات الى القلعة وظهر منه علامات العصيان وعدم الامتثال وجمع اليه كبار العسكر وشاورهم وتناجى معهم فوافقوه على ذلك لان مامن احد منهم الا وصار له عدة بيوت وزوجات والتزام بلاد وسيادة لم يتخيلها ولم تخطر بذهنه ولا بفكره ولا يسهل به الانسلاخ عنها والخروج منها ولو خرجت روحه واخبر المخبر أن الألفي ارسل هدية الى قبودان باشا وفيها ثلاثون حصانا منها عشرة برخوتها ومن الغنم اربعة آلاف راس وجملة ابقار وجواميس ومائة جمل محملة بالذخيرة وغير ذلك من النقود والثياب والاقمشة برسمه ورسم كبار اتباعه ثم أن الباشا احضر السيد عمر والخاصة وعرفهم بصورة الامر الوارد بعزله وولاية موسى باشا وان الامراء المصريين عرضوا للسلطنة في طلب العفو وعودهم الى امرياتهم وخروج العساكر التى افسدت الاقليم عن ارض مصر وشرطوا على انفسهم القيام بخدمة الدولة والحرمين الشريفين وارسال غلالها ودفع الخزينة وتأمين البلاد فحصل عنهم الرضا واجيبوا الى سؤالهم على هذه الشروط وان المشايخ والعلماء يتكفلون بهم ويضمنون عهدهم بذلك فاعملوا فكركم ورأيكم في ذلك ثم انفصلوا من مجلسه
وفيه ارسل الباشا فجمع الاخشاب التى وجدها ببولاق في الشوادر والحواصل والوكائل وطلعوا جميع ذلك الى القلعة لعمل العربات والعجل برسم المدافع والقنابر
وفي يوم الثلاثاء حادى وعشرينه كان مولد المشهد الحسيني المعتاد وحضر الباشا لزيارة المشهد ودعاه شيخ السادات وهو الناظر على المشهد والمتقيد لعمل ذلك فدخل اليه وتغدى عنده ثم ركب وعاد الى داره واكثر من الركوب والطواف بشوارع المدينة والطلوع الى القلعة والنزول منها والذهاب الى بولاق وهو لابس برنسا
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه حضر ديوان افندي وعبدالله أغا بكتاش الترجمان عند السيد عمر ومعهما صورة عرض يكتب عن لسان المشايخ الى الدولة في شأن هذه الحادثة فتناجوا مع بعضهم حصة من النهار ثم ركبا وحضرا في ثاني يوم عند الشيخ عبدالله الشرقاوي وامروا المشايخ بتنظيم العرضحال وترصيعه ووضع اسمائهم وختومهم عليه ليرسله الباشا الى الدولة فلم تسعهم المخالفة ونظموا صورته ثم بيضوه في كاغد كبير
وفي ليلة الاثنين ثالث عشرينه وصل شاكر أغا السلحدار الوزير الى بولاق فتلقوه واركبوه الى بيت الباشا فلما اصبح النهار ارسلوا ارواقا وصلت صحبة السلحدار المذكور احداها خطابا للمشايخ واخرى الى شيخ السادات وثالثة الى السيد عمر النقيب وكلها على نسق واحد وهي من قبدون باشا وعليها الختم الكبير وهي بالعربي وفرمان رابع باللغة التركية خطابا للجميع ومضمون الكل الاخبار بعزل محمد علي باشا عن ولاية مصر وولايته سلانيك وولاية السيد موسى باشا المنفصل عنها مصر وان يكون الجميع تحت الطاعة والامتثال للأوامر والاجتهاد في المعاونة وتشهيل محمد علي باشا فيما يحتاج اليه من السفن ولوازم السفر ليتوجه هو وحسن باشا والي جرجا من طريق دمياط بالاعزاز والاكرام وصحبتهما جميع العساكر من غير تأخير حسب الاوامر السلطانية ثم انهم اجتمعوا في عصر ذلك اليوم بمنزل السيد عمر وركبوا الى الباشا فلما استقروا بالمجلس قال لهم وصلت اليكم المراسلات الواردة صحبة السلحدار قالوا نعم قال ما رأيكم في ذلك قال الشيخ البرقاوي ليس رأى والرأي ما تراه ونحن الجميع على رأيك فقال لهم في غد ابعث اليكم صورة تكتبونها في رد الجواب وارسل اليهم من الغد صورة مضمونها أن الاوامر الشريفة وصلت الينا وتلقيناها بالطاعة والامتثال الا أن اهل مصر ورعيتها قوم ضعاف وربما عصت العساكر عن الخروج فيحصل لاهل البلدة الضرر وخراب الدور وهتك الحرمات وانتم اهل للشفقة والرحمة والتلطف ونحو ذلك من التزويقات والتمويهات واصدروها اليه في اثناء ذلك محمد علي باشا آخذ في الاهتمام والتشهيل واظهار الحركة والخروج لمحاربة الألفي وبرزت العساكر الى ناحية بولاق وخارج البلدة وعدوا بالخيام الى البر الغربي وتقدم الى مشايخ الحارات بالتعريف على كل من كان متصفا بالجندية ويكتبوا اسماءهم ومحل سكنهم ففعلوا ذلك ثم كتب لهم أوراق بالامر بالخروج وعليها ختم الباشا ومسطور في ورقة الامر بأن المأمور يصحب معه شخصين او ثلاثة على أن اكثرهم لا يملك حمارا يركبه ولا ما يحمل عليه متاعه ولا ما يصرفه على نفسه فضلا عن غيره وكذلك امر الوجاقلية جليلهم وحقيرهم بالخروج للمحاربة
وفيه شرع الباشا في تقرير فرضة على البلاد البحرية وهي القليوبية والمنوفية والغربية والدقهلية والمزاحمتين الى آخر مجرى النيل ورتبوها اعلى وادنى واوسط وهي غلال الاعلى ثلاثون اردبا وثلاثون رأسا من الغنم واردب ارز وثلاثون رطلا من الجبن ومن السمن كذلك وغير هذه الاصناف كالتبن والجلة وغير ذلك والاوسط عشرون اردبا وما يتبعها مما ذكر والادنى اثنا عشر ومع ذلك القبض والطلب مستمر في فائظ الملتزمين بعضه من ذواتهم وبعضه من فلاحيهم مع ما يتبع ذلك من حق الطرق والخدم وتوالي الاستعجالات
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه سافر شاكر أغا السلحدار بالأجوبة
{ أحداث شهر جمادى الاولى سنة 1221 }
شهر جمادى الاولى استهل بيوم الخميس في ثانيه احترق معمل البارود بناحية المدابغ فحصل منه رجة عظيمة وصوت هائل مثل المدفع العظيم سمعه القريب والبعيد ومات به اشخاص ويقال انهم رموا بنبة من القلعة بقصد التجربة على جهة بولاق فسقطت في المعمل المذكور وحصل ما ذكر
وفي ثالثه يوم السبت وقت الزوال ركب الباشا من داره يريد السفر لمحاربة الألفي ونزل الى بولاق وعدى الى بر انبابة لتجهيز العرضى وارسل اوراقا لتجمع العربان وعين لذلك حسن أغا محرم وعلي كاشف الشرقية
وفي ليلة الاثنين خامسه حضر سليم أغا قابجي كتخدا الذي تقدم سفره صحبة سعيد أغا كتخدا البوابين مرسلا الى قبودان باشا من طرف محمد علي باشا فرجع بجواب الرسالة ومحصلها أن القبودان لم يقبل هذه الاعذار ولا ما نمقوه من التمويهات التي لا اصل لها ولا بد من تنفيذ الاوامر وسفر الباشا ونزوله هو وحسن باشا وعساكرهما وخروجهم من مصر وذهابهم الى ناحية دمياط وسفرهم الى الجهة المأمورين بالذهاب اليها ولا شىء غير ذلك ابدا
وفي ليلة الخميس ثامنه حضر علي كاشف الشرقية وذلك انه تقنطر من فوق جواده وكسرت رجله واحضره محمولا
وفي يوم الخميس المذكور وصل الكثير من طوائف عرب الحويطات ونصف حرام من ناحية شبرا الى بولاق وضربوا لحضورهم مدافع
وفيه ركب طوائف الدلاتية وتقدموا الى جهة بحري واشيع ركوب محمد علي باشا وذلك اليوم فلم يركب
وفي ثاثي عشره ورد خبر بوصول موسى باشا الى ثغر سكندرية يوم الاحد حادي عشرة والمذكور ارسل من طرفه قاصدا وعلى يده مرسوم خطابا لاحمد افندي الدفتردار بان يكون قائما مقامه ويأمره بضبط الايراد والمصرف فلم يقبل الدفتردار ذلك وقال لم يكن بيدي قبض ولا صرف ولا علاقة لي بذلك
وفي يوم الاحد طاقت ! جماعة قواسة على بيوت الاعيان يبشرونهم بأن العساكر الكائنين بناحية الرحمانية ركبوا على عرضى الألفي ووقعت بينهم مقتلة كبيرة وقتلوا منه جملة فيهم اربع صناجق ونهبوا منه زيادة عن ثمانمائة جمل بأحمالها وعدة هجن محملة بالاموال ورجعت العساكر ومعهم نحو الثمانين رأسا ومائة اسير وغير ذلك وان الألفي هرب بمفرده الى ناحية الجبل وقيل الى الاسكندرية فكانوا يطوفون على الاعيان بهذا الكلام ويأخذون منهم البقاشيش ثم ظهر أن هذا الكلام لا اصل له وتبين أن طائفة من العرب يقال لهم الجوابيض وهم طائفة مرابطون ليس يقع منهم اذية ولا ضرر لاحد مطلقا نزلوا بالجبل بتلك الناحية فدهمهم العسكر وخطفوا منهم ابلا واغناما وقتل فيما بينهم انفار من الفريقين لمدافعتهم عن انفسهم
وفي ذلك اليوم أيضا ركب حسن أغا الشماشيرجي الى المنصورية قرية بالجيزة ومعه طائفة من العسكر وهي بالقرب من الاهرام فضربوا القرية ونهبوا منها اغناما ومواشي واحضروها الى العرضي بإنبابة وحضر خلفهم اصحاب الاغنام وفيهم نساء يصرخن ويصحن وصادف ذلك أن السيد عمر النقيب عدى الى العرضى فشاهدهم على هذه الحالة فكلم الباشا في شأنهم فأمر بأن برد الاغنام التي للنساء والفقراء الصارخين وذهبوا بالباقي للمطابخ
وفي ثاني عشره وردت الاخبار بأن العساكر الكائنين بالرحمانية ومرقص رجعوا الى النجيلة ونصبوا عرضيهم هناك وحضر الألفي تجاههم فركبوا لمحاربته وكانوا جمعا عظيما فركب الألفي بجيوشه وحاربهم ووقع بينه وبينهم وقعة عظيمة انجلت عن نصرته عليهم وانهزام العسكر وقتل من الدلاة وغيرهم مقتلة عظيمة ولم يزالوا في هزيمتهم الى البحر والقوا بأنفسهم فيه وامتلأ البحر من طراطير الدلاتية وهرب كتخدا بك وطاهر باشا الى بر المنوفية وعدوا في المراكب واستولى الألفي وجيوشه على خيولهم وخيامهم وحملاتهم وجبخانتهم وارسل برؤوس القتلى والاسرى الى القبودان واشيع خبر هذه الواقعة في الناس وتحدثوا بها وانزعج الباشا والعسكر انزعاجا عظيما وعدى الى بر بولاق وطاف الوالي واصحاب الدرك ينادون على العساكر بالخروج الى العرضى ويكتبون اسماءهم وحضر الباشا الى داره واكثر من الركوب والذهاب والمجىء والطواف حول المدينة والشوارع ويذهب الى بولاق ومصر القديمة ويرجع ليلا ونهارا وهو راكب رهوانا تارة او فرسا او بغلة ومرتد ببرنس ابيض مثل المغاربة والعسكر امامه وخلفه ووصل مجاريح كثيرة واخبروا بالواقعة المذكورة ومات من جماعة الألفي احمد بك الهنداوي فقط وانجرح امين بك وغيره جرح سلامة
وفي يوم الاربعاء حادي عشرينه وصلت العساكر المهزومة وكبراؤهم الى بولاق وفيهم مجاريح كثيرة وهم في اسوأ حال فمنعهم الباشا من طلوع البر وردهم بمراكبهم الى بر انبابة واستمروا هناك الى اخر النهار وهم عدد كثير وقد انضاف اليهم من كان ببر المنوفيه ولم يحضر المعركة لما داخلهم من الخوف ثم انهم طلعوا الى بولاق وانتشروا في النواحي وذهب منهم الكثير الى مصر القديمة وحضر كثير منهم ودخلوا المدينة ودخلوا البيوت وازعجوا كثيرا من الناس والساكنين بناحية قناطر السباع وسويقة واللالا والناصرية وغير ذلك من النواحي واخرجوهم من دورهم وقد كانت الناس استراحت منهم مدة غيابهم
وفي يوم الاربعاء ثامن عشرينه الموافق لثامن مسرى القبطي اوفي النيل اذرعه وركب الباشا في صبيحة يوم الخميس الى قنطرة السد وحضر القاضي والسيد عمر النقيب وكسر الجسر بحضرتهم وجرى الماء في الخليج جريانا ضعيفا بسبب علو ارضه وعدم تنظيفه من الاتربة المتراكمة فيه ويقال انهم فتحوه قبل الوفاء لاشتغال بال الباشا وتطيره وخوفه من حادثة تحدث في مثل يوم هذا الجمع وخصوصا وقد وصل الى بر الجيزة الكثير من اجناد الألفي
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة