من طرف حكماء الثلاثاء 1 مايو 2018 - 7:40
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ أحداث شهر رجب سنة 1224 }
واستهل شهر رجب بيوم الاحد
فيه اجتمع المودعون للسيد عمر ثم حضر محمد كتخدا المذكور فعند وصوله قام السيد عمر وركب في الحال وخرج صحبته وشيعه الكثير من المتعممين وغيرهم وهم يتباكون حوله حزنا على فراقه وكذلك اغتم الناس على سفره وخروجه من مصر لأنه كان ركنا وملجأ ومقصدا للناس ولتعصبه على نصرة الحق فسار الى بولاق ونزل في المركب وسافر من ليلته باتباعه وخدمه الذين يحتاج اليهم الى دمياط
وفي صبح ذلك اليوم حضر الشيخ المهدي عند الباشا وطلب وظائف السيد عمر فأنعم عليه الباشا بنظر اوقاف الامام الشافعي ونظر وقف سنان باشا ببولاق وحاسب على المنكسر له من الغلال مدة اربع سنوات فامر بدفعها له من خزينته نقدا وقدرها خمسة وعشرون كيسا وذلك في نظير اجتهاده في خيانة السيد عمر حتى اوقعوا به ما ذكر
وفيه تقيد الخواجا محمود حسن بزرجان باشا بعمارة القصر والمسجد الذي يعرف بالآثار النبوية فعمرها على وضعها القديم وقد كان آل الى الخراب
وفي يوم الثلاثاء خلع الباشا على ثلاثة من الاجناد المصرية المنسوبين لسليمان بك البواب وقلدهم صناجق وامراء الوقت وضم اليهم عساكر اتراك وارنؤد ليسافر الجميع الى الجهة القبلية بسبب عصيان الامراء المرادية وتوقفهم عن دفع المال والغلال وكذلك عين للسفر أيضا احمد أغا لاظ وصالح قوج وبونابارته وحسن باشا وعابدين بك فارتجت البلد وطلبوا المراكب فتعطل المسافرون الى الجهة القبلية والبحرية وكذلك امتنع مجيء الواصلين بالغلال والبضائع خوفا من التسخير وقد كان حصل بعض الاطمئنان وسلوك الطريق القبلية ووصول المراكب بالغلال والمجلوبات
وفي عاشره سافر احمد أغا لاظ وصالح قوج خرجوا بعساكرهم ونزلوا في المراكب وذهبوا الى قبلي
وفيه حضر محمد كتخدا الألفي من دمياط راجعا من تشييع السيد عمر ووصوله الى دمياط واستقراره بها
وفي يوم الخميس تاسع عشره سافر من كان متأخرا الى الجهة القبلية ولم يبق منهم احد
وفي ثالث عشرينه نادى منادي المعمار على ارباب الاشغال في العمائر من البنائين والحجارين والفعله بأن لايشتغلوا في عمارة احد من الناس كائنا من كان وان يجتمع الجميع في عمارة الباشا بناحية الجبل
وفي تاسع عشرينه وردت اخبار عن التجريدة ازعجت الباشا فاهتم اهتماما عظيما وقصد الذهاب بنفسه ونبه على جميع كبراء العساكر بالخروج وان لايتخلف منهم احد حتى اولاده ابراهيم بك الدفتردار وطوسون بك وانه هو المتقدم عنهم في الخروج في يوم الخميس واستعجل التشهيل والطلب وامر بتحرير دفتر فرضة ترويجة على اقليم المنوفيه والغربية والشرقية القليوبية وذكروا انها من اصل حساب الشهرية المبتدعة
وفيه تقلد حسن أغا الشماشرجي كشوفيه المنوفيه وارخى لحيته على ذلك
{ أحداث شهر شعبان سنة 1224 }
استهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء
فيه نمق مشايخ الوقت عرضحال في حق السيد عمر بأمر الباشا ليرسله صحبة السلحدار وذكروا فيه سبب عزله ونفيه عن مصر وعدوا له مثالب ومعايب وجنحا وذنوبا منها انه ادخل في دفتر الاشراف اسماء اشخاص ممن اسلم من القبط واليهو ومنها انه اخذ من الألفي في السابق مبلغا من المال ليملكه مصر في ايام فتنة احمد باشا خورشيد ومنها انه كاتب الامراء المصريين أيضا في وقت الفتنة حين كانوا بالقرب من مصر ليحضروا على حين غفلة في يوم قطع الخليج وحصل لهم ماحصل ونصر الله عليهم حضرة الباشا ومنها انه اراد ايقاع الفتن في العساكر لينقض دولة الباشا ويولي خلافه ويجمع عليه طوائف المخاربة والصعائدة واخلاط العوام وغير ذلك وذلك على حد من اعان ظالما سلط عليه وكتبوا عليه اسماء المشايخ وذهبوا به اليهم ليضعوا ختومهم عليه فامتنع البعض من ذلك وقال هذا كلام لا اصل له ووقع بينهم محاججات ولام الاعاظم الممتنعين على الامتناع وقالوا لهم انتم لستم بأروع منا واثبت لنفسه ورعا وحصل بينهم منافسات ومخالفات ومقابحات ثم غيروا صورة العرضحال بأقل من التحامل الاول وكتب عليه بعض الممتنعين وكان من الممتنعين اولا وآخرا السيد احمد الطحطاوي الحنفي فزادوا في التحامل عليه وخصوصا شيخ السادات او الشيخ الامير وخلافهما واتفق انه دعى في وليمة عند الشيخ الشنواني بحارة خوشقدم وتأخر حضوره عنهم فصادفهم حال دخوله الى المجلس وهم خارجون فسلم عليهم ولم يصافحهم لما سبق منهم في حقه من الايذاء فتطاول عليه ابن الشيخ الامير ورفع صوته بتوبيخه وشتمه لكونه لم يقبل يد والده ويقول له في جملة كلامه اليس هو الا قليل الادب والحياء ثالث طبقة للشيخ الوالد ونحو ذلك
وفي ثالثه سافر الباشا الى الجهة القبلية وتبعه العساكر
وفي منتصفه خرجت الدلاة والارنؤد وباقي الاجناد والعسكر واقام الباشا كتخدا بك قائم مقامه واقام بالقلعة
وفيه اتفق الاشياخ والمتصدرون على عزل السيد احمد الطحطاوي من افتاء الحنفية واحضروا الشيخ حسين المنصوري وركبوا صحبته وطلعوا به الى القلعة بعد أن مهدوا القضية فالبس قائمقام الشيخ حسينا فروة ثم نزلوا ثم طاف للسلام عليهم وخلعوا هم عليه أيضا خلعهم فلما بلغ الخبر السيد احمد الطحطاوي طوى الخلع التي كانوا البسوها له عند ما تقلد الافتاء بعد موت الشيخ ابراهيم الحريري في جمادي الاولى بقرب عهد وارسلها لهم وكان الشيخ السادات البسه حين ذاك فروة فلما ردها عليه احتد وغتاظ واخذ يسبه ويذكر لجلسائه جرمه ويقول انظروا الى هذا كأنه يجعلني مثل الكلب الذي يعود في قيئه ونحو ذلك
واما السيد احمد فإنه اعتكف في داره لايخرج منها الا الى الشيخونية بجواره واعتزلهم وترك الخلطة بهم وتباعد عنهم وهم يبالغون في ذمه والحط عليه لكونه لم يوافقهم في شهادة الزور والحامل لهم على ذلك كله الحظوظ النفسانية والحسد مع أن السيد عمر كان ظلا ظليلا عليهم وعلى اهل البلدة ويدافع ويرافع عنهم وعن غيرهم ولم تقم بعد خروجه من مصر راية ولم يزالوا بعده في انحطاط وانخفاض
واما السيد عمر فأن الذي وقع له بعض ما يستحقه ومن اعان ظالما سلط عليه ولايظلم ربك احدا
وفي ثالث عشره سافر حسن باشا وعساكر الارنؤد وتتابعوا في الخروج وتحدث الناس بروايات عن الباشا والامراء المصرين وصلحة معهم وان عثمان بك حسن ومحمود بك المنفوخ ومحمد بك الابراهيمي وصلوا عند الباشا وقابلوه وانه ارسل الى ابراهيم بك الكبير ولده طوسون باشا فتلقاه واكرمه وارسل هو أيضا ولده الصغير الى الباشا فأكرمه ووصل الى مصر بعض نساء حريمه وحريم الامراء
{ أحداث شهر رمضان سنة 1224 }
واستهل شهر رمضان بيوم الاربعاء
وفي اواخره وصل طائفة من الدلاتية من ناحية الشام ودخلوا الى مصر وهم في حالة رثة كما حضر غيرهم وصحبتهم من المخنثين المعروفين بالخولات الذين يتكلمون بالكلام المؤنث ومعهم دفوف وطنابير
وفي اواخره حرروا دفتر الاطيان على ضريبة واحدة عن كل فدان خسمة ريالات غير البراني والخدم ولم يحصل في ذلك مراجعة ولا كلام ولا مرافعة في شيء كما وقع في العام الماضي والذي قبله في المراجعة بحسب الري والشراقي واما في هذه السنة فليس فيها شراقي فحسابها بالمساحة الكاملة لعموم الري فإن النيل في هذه السنة زاد زيادة مفرطة وعلا على الاعالي وتلف بزيادته المفرطة الدراوي والاقصاب بقبلي وكذلك غرق مزارع الارز والسمسم والقطن وجنائن كثيرة بالبحر الشرقي بسبب انسداد ترعة الفرعونية بتلك الناحية ولما تمموا تحرير الدفاتر على النسق المطلوب والباشا بقبلي وارسل بطلبها ليطلع عليها فسافر اليه بها المعلم غالي واخذ صحبته احمد افندي اليتيم من طرف الروزنامة وعبد الله بكتاش الترجمان فذهبوا اليه باسيوط واطلعوه عليها فحتم عليها وانقضى شهر مضان
{ أحداث شهر شوال سنة 1224 }
واستهل شهر شوال بيوم الخميس
في ثالث عشرة حضر المعلم غالي واحمد افندي وبكتاش وغيرهم من غيبتهم وحضر أيضا في اثرهم المعلم جرجس الجوهري وقد تقدم انه خرج من مصر هاربا الى الجهة القبلية واختفى مدة ثم حضر بأمان الى الباشا وقابله واكرمه ولما حضر نزل في بيته الذي بحارة الونديك وفرشه له المعلم غالي وقام له بجميع لوازمه وذهب الناس مسلمهم ونصرانيهم وعالمهم وجاهلهم للسلام عليه
وفي يوم الثلاثاء عشرينه وصل الباشا على حين غفلة الى مصر في تطريدة وقد وصل من اسيوط الى ناحية مصر القديمة في ثلاثين ساعة وصحبته ابنه طوسون وبونابارته الخازندار وسليمان أغا الوكيل سابقا لاغير فركبوا حميرا متنكرين حتى وصلوا الى القلعة من ناحية الجبل وطلع من باب الجبل وعند طلوعه من السفينة امر ملاحيها أن لايذكروا لاحد وصوله حتى يسمعوا ضرب المدافع من القلعة ثم طلع الى سرايته ودخل الى الحريم فلم يشعروا به الا وهو بالحريم وعند ذلك امر بضرب المدافع واشيع حضوره فركب كتخدا بك وغيره مسرعين لملاقاته ثم بلغهم طلوعه الى القلعة فرجعوا على اثره وكان الخواجا محمود حسن البزرجان خرج لملاقاته قبل وصوله بثلاثة ايام الى ناحية الاثار واخرج معه مطابخ واغناما واستعد لقدومه استعدادا زائدا وذهب تعبه في الفارغ البطال ثم بعد وصول الباشا بثلاثة ايام وصلت طوائف العسكر وعظائمهم ومعهم المنهوبات من الغلال والاغنام والفحم والحطب والقلل وانواع التمر وغير ذلك حتى اخشاب الدور وابوابها
وفي يوم الاثنين وصل حسن باشا وطوائف الارنؤد وصالح قوج والدلاة والترك ووصل أيضا شاهين بك الألفي وصحبته محمد بك المنفوخ المرادي ومحمد بك الابراهيمي وهم الذين حضورا في هذه المرة من المخالفين وقيل أن البواقي اخذوا مهلة لبعد التحضير واما ابراهيم بك تابع الاشقر ومحمد أغا تابع مراد بك الصغير وصحبتهما عساكر فذهبا الى ناحية السويس بسبب وصول طائفة من العربات قالوا انها من التابعة للوهابيين حضروا واقاموا عند بئر الماء ومنعوا السقيا منها
{ أحداث شهر ذي القعدة سنة 1224 }
واستهل شهر ذي القعدة بيوم السبت
وفيه حضر ابراهيم بك ابن الباشا وباقي العسكر وسكنوا الدور وازعجوا الناس واخرجوهم من مساكنهم ومنازلهم ببولاق ومصر وغيرهما واتفق أن بعض ذوي المكر من العسكر عندما اراد السفر الى جهة قبلي ارسل لصاحب الدار التي هو غاصبها وساكن فيها فأحضره وسلمه المفتاح وهو يقول له تسلم يا اخي دارك واسكنها بارك الله لك فيها وسامحني وابريء ذمتي فربما اني اموت ولاارجع ولان الكثير منهم تولى المناصب والامريات بالجهة القبلية وعندما يتسلم صاحب الدار داره يفرح بخلاصها ويشرع في عمارتها واعادة ما تهدم منها فيكلف نفسه ولو بالدين ويعمرها فما هو الا أن تمم العمارة والمرمة في مدة غيبتهم فما يشعر الا وصاحبه داخل عليه بحصانه وجمله وخدمه فما يسع الشخص الا الرحلة ويتركها لغريمه وقد وقع ذلك لكثير من الناس المغفلين
وفيه وصلت اخبار بأن عمارة الفرنساوية نزلت الى البحر وعدة مراكبهم مائتان وسبعة عشر مركبا محاربين لايعلم قصدهم أي جهة من الجهات وحضر ثلاثة اشخاص من الططر المعدين لتوصيل الاخبار وبيدهم مرسوم مضمونه الامر بالتحفظ على الثغور فعند ذلك امر الباشا بالاستعداد وخروج العساكر الى الثغور
وفي يوم السبت ثامنه سافر جملة من العسكر الى ناحية بحرى فسافر كبير منهم ومعه جملة من العسكر الى سكندرية وكذلك سافر خلافه الى رشيد والى دمياط وابي قير والبرلس
وفي ليلة الاثنين ثامن عشره ركب الباشا ليلا وخرج مسافرا الى السويس ليكشف قلاع القلزم وقام له بالاحتياجات من احمال الماء والعليق والزوادة واللوازم السيد محمد المحروقي وكان خروجه ومن معه على الهجن
وفي ليلة الاحد رابع عشرينه حضر الباشا من السويس وكان وصوله ليلا وطلع الى القلعة
{ أحداث شهر ذي الحجة سنة 1224 }
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الاحد
فيه شرع الباشا في انشاء مراكب ببحر القلزم فطلب الاخشاب الصالحة لذلك وارسل المعينين لقطع اشجار التوت والنبق من القطر المصري القبلي والبحري وغيرها من الاخشاب المجلوبة من الروم وجعل بساحل بولاق ترسخانة وورشات وجمعوا الصناع والنجارين والنشارين فيهيؤنها وتحمل اخشابا على الجمال ويركبها الصناع بالسويس سفينة ثم يقلفونها ويبيضونها ويلقونها في البحر فعملوا اربع سفائن كبار احداها تسمى الابريق وخلاف ذلك ادوات لحمل السفار والبضائع
ومن الحوادث في آخره أن امرأة ذهبت الى عرصة الغلة بباب الشعرية واشترت حنطة ودفعت في ثمنها قروشا فلما ذهبت نظروها ونقدوها فاذا هي من عمل الزغلية ثم عادت بعد ايام فاشترت الغلة ودفعت الثمن قروشا أيضا فذهب البائع معها الى الصيرفي فوجدها مزغولة مثل الاولى فعلموا انها الغريمة فقال لها الصيرفي من اين لك هذا فقالت من زوجي فقبضوا عليها واتوا بها الى الاغا فسألها الآغا عن زوجها فقالت هو عطار بسوق الازهر فأخذها الآغا وحضر بها الى بيت الشيخ الشرقاوي بعد العشاء واحضروا زوجها وسألوه فقال انا اخذتها من فلان تابع الشيخ الشرقاوي فانفعل الشيخ وقال ان يكن هو ابني فأنا برئ منه وطلبوه فتغيب واختفى واخذ الآغا المرأة وزوجها وقررهما فأقر الرجل وعرف عن عدة اشخاص يفعلون ذلك وفيهم من مجاوري الازهر فلم يزل يتجسس ويتفحص ويستدل على البعض بالبعض وقبض على اشخاص ومعهم العدد والالات وحبسهم أيضا بالقلعة عند كتخدا بك وفر ناس من مجاوري الازهر من مصر لما قام بهم من الوهم وفي كل يوم يشاع بالتنكيل والتجريس للمقبوض عليهم وقتلهم ولم يزل الآغا يتجسس حتى جمعوا ست عشرة عدة وارسلوها الى بيت محمد افندي ناظر المهمات وسألوا الحدادين عمن اصطنع هذه العدد منكم فأنكروا وجحدوا وقالوا هذا من صناعة الشام ثم كسروها وابطلوها وطال امر المحبوسين والتفحص عن غيرهم فكان بعض المقبوض عليهم يعرف عن غيره او شريكه فكانت هذه الحادثة من اشنع الحوادث خصوصا بنسبتها لخطة الازهر فكان كل من اشتري شيئا ودفع الثمن للبائع قروشا ذهب بها الى الصيرفي لأن في ذاك الوقت لم يكن موجودا بايدي الناس خلافها وكانوا يقولون في ذهابهم الى الصيرفي لربما تكون ازهرية ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وانقضت السنة بحوادثها التي منها ما ذكر
ومنها احداث بدعة المكس على النشوق وذلك أن بعض المتصدرين من نصارى الاروام انهى الى كتخدا بك امر النشوق وكثرة المستعملين له والدقاقين والباعة وانه اذا جمعت دقاقوه وصناعه في مكان واحد ويجعل عليهم مقادير ويلتزم به ويضبط رجاله وجمع ماله وايصاله الى الخزينه من يكون ناظرا وقيما عليه كغيره من اقلام المكوس التي يعبرون عنها بالجمارك فانه يتحصل من ذلك مال له صورة فلما سمع كتخدا بك ذلك انهاه الى مخدومه فأمر في الحال بكتابة فرمان بذلك واختار الذي جعلوه ناظرا على ذلك خانا بخطة بين الصورين ونادوا على جميع صناع النشوق وجمعوهم بذلك الخان ومنعوهم من جلوسهم بالاسواق والخطط المتفرقة والقيم على ذلك يشتري الدخان المعد لذلك من تجاره بثمن معلوم حدده لايزيد على ذلك ولايشتريه سواه وهو يبيعه على صناع النشوق بثمن حدده ولاينقص عنه ومن وجده باع شيئا من الدخان او اشتراه او سحق نشوقا خارجا عن ذلك الخان ولو لخاصة نفسه قبضوا عليه وعاقبوه وغرموه مالا وعينوا معينين لجميع القرى والبلدان القبلية والبحرية ومعهم من ذلك الدخان فيأتون الى القرية ويطلبون مشايخها ويعطونهم قدرا موزونا ويلزمونهم بالثمن المعين بالمرسوم الذي بيدهم فيقول اهل القرية نحن لا نستعمل النشوق ولا نعرفه ولا يوجد عندنا من يصنعه وليس لنا به حاجة ولا نشتريه ولا نأخذه فيقال لهم ان لم تأخذوه فهاتوا ثمنه فإن اخذوه أو لم يأخذوه فهم ملزومون بدفع القدر المعين المرسوم ثم كراء طريق المعينين وكلفتهم وعليق دوابهم
ومنها أيضا النطرون فرقوه وفرضوه على القرى محتجين أيضا باحتياج الحياكة والقزازين اليه لغسل غزل الكتان وبياض قماشه ونحو ذلك واشنع من ذلك كله انهم ارادوا فعل مثل هذا في الشراب المسكر المعروف بالعرقي والزام اهل القرى باخذه ودفع ثمنه ان اخذوه او لم يأخذوه فقيل لهم في ذلك فقالوا ان شربه يقوى ابدانهم على اعمال الزرع والزراعة والحرث والكد في القطوة والنطالة والشادوف ثم بطل ذلك
ومنها أن الباشا شرع في عمل زلاقة تجاه باب القلعة المعروف بباب الجبل موصلة الى اعلى الجبل المقطم فجمعوا البنائين والحجارين والفعلة للعمل وحرقوا عدة قمينات للجير بجانب العمارة وطواحين للجبس ونودى بالمدينة على البنائين والفعلة بأن لا يشتغلوا في عمارة احد من الناس كائنا من كان ويجتمع الجميع في عمارة الباشا بالقلعة والجبل الى أن كمل عملها في السنة التالية طريقا واسعا منحدرا من الاعلى الى الاسفل ممتدا في المسافة سهلا في الطلوع الى الجبل او الانحدار منه بحيث يجوز عليه الماشي والراكب من غير مشقة ولا تعب كثير
{ من مات في هذه السنة ممن له ذِكر }
واما من مات في هذه السنة ممن له ذِكر
مات العلامة المفيد والتحرير الفريد النبيه الشيخ ابراهيم ابن الشيخ محمد الحريري الحنفي مفتى مذهب السادات الحنفية كوالد تفقه على والده وحضر في المعقولات على اشياخ الوقت كالبيلي والدردير والصبان وغيرهم وانجب وتمهر وصارت فيه ملكة جيدة واستحضار للفروع الفقهيه ولما مات والده في شهر رجب سنة عشرين ومائتين والف تقلد منصب والده في الافتاء وكان لها اهلا مع التحري والمراجعة في المسائل المشكلة والعفة والصيانة والديانة والتباعد عن الامور المخلة بالمروءة مواظبا لوظائفه ودروسه ملازما لداره الا ما دعته الضرورة اليه من المواساة وحضور المجالس مع ارباب المظاهر وكان مبتلى بضعف البصر وبآخرته اعتراه داء الباسور وقاسي منه شدة وانقطع بسببه عن الخروج من داره ووصف له حكيم بدمياط فسافر اليه لاجل ذلك وقصد تغيير الهواء وذلك باشارة نسيبه الشيخ المهدي وقاسى اهوالا في معالجته وقطعه بالآلة فلم ينجح ورجع الى مصر متزايد الالم ولم يزل ملازما للفراش حتى توفي الى رحمة الله سبحانه وتعالى في يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الاولى من هذه السنة وصلى عليه بالازهر ودفن بمدرسة الشعبانية بحارة الدويداري ظاهر حارة كتامة المعروفة الآن بالعينية بالقرب من الجامع الازهر وخلف ولده النجيب الاديب سيدي محمد الملقب عبدالمعطي بارك الله فيه واعانه على وقته
ومات الامام العلامة والعمدة الفهامة شيخ الاسلام والمسلمين الشيخ عبدالمنعم ابن شيخ الاسلام السيخ احمد العماوي المالكي الازهري وهو من اهل القرن الثاني عشر تفقه على الشيخ الزهار وغيره من علماء مذهبه وحضر الاشياخ المتقدمين كالدفري والحنفي والصعيدي والشيخ سالم النفراوي والشيخ الصباغ السكندري والشيخ فارس وقرأ الدرس وانتفع به الطلبة ولم يزل ملازما على القاء الدروس بالازهر على طريقة المتقدمين مع العفة والديانة والانجماع عن الناس راضيا بحاله قانعا بمعيشته ليس بيده من التعلقات الدنيوية سوى النظر على ضريح سيدي أبي السعود أبي العشائر ولم يتجرأ على الفتيا مع اهليته لذلك وزيادة ولم تطمح نفسه لزخارف الدنيا وسفاسف الامور مع التجمل في الملبس والمركب واظهار الغنى وعدم التطلع لما في ايدي الناس ويصدع بالحق في المجالس ولا يتردد الى بيوت الحكام والاكابر الا في النادر بقدر الضرورة مع الانفة والحشمة ولا يشكو ضرورة ولا حاجة ولا زمانا ولم يزل على حالته حتى مرض اياما وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذى القعدة عن اربع وثمانين سنة وخرجوا بجنازته من منزله الكائن بدرب الحلفاء بالقرب من باب البرقية فمروا بالجنازة على خطة الجمالية علي النحاسين على الاشرفية ودخلوا من جارة الخراطين الى الجامع الازهر وصلي عليه في مشهد حافل ودفن على والده بتربة المجاورين وخلف من الاولاد الذكور اربعة رجال ذوي لحى صلحاء وخطهم الشيب خلاف البنات رحمه الله وعفا عنا وعنه
ومات الفقيه النبيه الصالح الورع العالم المحقق الشيخ احمد الشهير ببرغوت المالكي ومولده بالبلدة المعروفة باليهودية بالبحيرة تفقه على اشياخ العصر ومهر في الفقه والمعقول واقرأ الدروس وانتفع به الكطلبة واشتهر ذكره بينهم وشهدوا بفضله وكان على حالة حسنة منجمعا عن الناس وراضيا بما قسمه له مولاه منكسر النفس متواضعا ولم يتزى بعمامة الفقهاء يمشي في حوائجه وتمرض بالزمانة مدة سنين يتعكز بعصاه ولم يقطع درسه ولا اماليه حتى توفي الى رحمه الله سبحانه وتعالى يوم الاربعاء خامس شهر صفر من السنة ودفن بتربة المجاورين رحمه الله
ومات العمدة النحرير والنبيل الشهير الشيخ سليمان الفيومي المالكي ولد بالفيوم وحضر الى مصر وحفظ القرآن وجاور برواق القيمة بالازهر وكان في اول عمره يمشي خلف حمار الشيخ الصعيدي وعليه دراعة صوف وشملة صفراء ثم حضر دروسه ودروس الشيخ الدردير وغيرهما واختلط مع المنشدين وكان له صوت شجي فيذهب مع المتذكرين الى بيوت الاعيان في الليالي فينشد الانشادات ويقرأ الاعشار فيعجبون به ويكرمونه زيادة على غيره واختلط ببعض الاعيان الذين يقال لهم البرقوقية من ذرية السلطان برقوق وهم نظار على اوقافه فراج امره وكثرت معارفه بالاغوات الطواشية وبهم توصل الى نساء الامراء والسعي في حوائجهن وقضاياهن وصار له قبول زائد عندهن وعند ازواجهن وتجمل بالملابس وركب البغال واحدق به المحدقون وتزوج بامرأة بناحية قنظرة الامير حسين وسكن بدارها فماتت فورثها ولما مات الشيخ محمد العقاد تعين المترجم لمشيخة رواق القيمة وبنى له محمد بك المعروف بالمبدول دارا عظيمة بحارة عابدين واشتهر ذكره وعلا شأنه وطار صيته وسافر في بعض مقتضيات الامراء الى دار السلطنة وعاد الى مصر واقبلت عليه الهدايا من الامراء والحريمات والاغوات والاقباط وغيرهم واعتنوا بشأنه وزوجته الست زليخا زوجة ابراهيم بك الكبير ببنت عبدالله الرومي وتصرف في اوقاف ابيها ومنها عزب البر تجاه رشيد وغيرها فاشتهر بالبلاد القبلية والبحرية وكان مع قلة بضاعته في العلم مشاركا بسبب التداخل في القضايا وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل مع حسن المعاشرة والبشاشة والتواضع والمواساة للكبير والصغير والجليل والحقير وطعامه مبذول للواردين ومن اتى في منزله الى حاجة او زائر لا يمكنه من الذهاب حتى يغديه او يعشيه واذا اتاه مسترقد ولم يجد معه اشياء اقترض واعطاه فوق مأموله ولا يبخل بجاهه وسعيه على احد كائنا من كان بعوض وبدونه ومما اتفق له مرارا انه يركب من الصباح في حوائج الناس فلا يعود الا بعد العشاء الاخيرة فيلاقيه آخر ذو حاجة في نصف الطريق او آخره فينهي اليه قصته اما بشفاعة عند امير او خلاص مسجون او غير ذلك فيقف له ويستمع قصته وهو راكب فيقول له في غد نذهب اليه فان الوقت صار ليلا فيقول صاحب الحاجة هو في داره في هذا الوقت فيعود من طريقه مع صاحب الحاجة الى ذلك الامير ولو بعدت داره ويقضي حاجته ويعود بعد حصة من الليل وهكذا كان شأنه ولا ينتظر ولا يؤمل جعالة ولا اجرة نظير سعيه فان اتوه بشىء اخذه او هدية قبلها قلت او كثرت وشكرهم على ذلك فمالت اليه القلوب ووفدت اليه ذوو الحاجات من كل ناحية فلا يرد احدا ويستقبلهم بالبشاشة وينزلهم في داره ويطعمهم ويكرمهم ويستمرون في ضيافته حتى يقضى حوائجهم ويزودهم ويرجعون الى اوطانهم مسرورين ومجبورين وشاكرين ثم يكافئونه بما امكنهم من المكافآت واذا وصلت اليه هدية وصادف وصولها حضوره بالمنزل فرق منها على من بمجلسه من الحاضرين فبذلك انجذبت اليه القلوب وساد على اقرانه ومعاصريه ولما حضر حسن باشا الجزايرلي الى مصر وارتحل الامراء المصريون الى الصعيد واحاط بدورهم وطلب الاموال من نسائهم وقبض على اولادهم وجواريهم وامهات اولادهم وانزلهم سوق المزاد التجأ الى المترجم الكثير من نساء الامراء الامراء الكبار فآواهن واجهد نفسه في السعي في حمايتهن والرفق بهن ومواساتهن مدة اقامة حسن باشا بمصر وبعدها في امارة اسمعيل بك فلما رجع ازواجهن بعد الطاعون الى امارتهم ازداد قدر المترجم عندهم وقبوله ومحبته ووجاهته واشتهر عندهم بعدم قبوله الرشوة ومكارم الاخلاق والديانة والتورع فكان يدخل الى بيت الامير ويعبر الى محل الحريم ويجلس معهن وينسرون بدخوله عندهن ويقولون زارنا ابونا الشيخ وشاورنا ابانا الشيخ فأشار علينا بكذا ونحو ذلك ولم يزل مع الجميع على هذه الحالة الى أن طرقت الفرنساوية البلاد المصرية واخرجوا منها الامراء وخرج النساء من بيوتهن وذهبن اليه افواجا افواجا حتى امتلأت داره وما حولها من الدور بالنساء فتصدي لهن المترجم وتداخل في الفرنساوية ودافع عنهن واقمن بداره شهورا واخذ امانا لكثير من الاجناد المصرية واحضرهم الى مصر واقاموا بداره ليلا ونهارا واحبه الفرنساوية أيضا وقبلوا شفاعاته ويحضرون الى داره ويعمل لهم الولائم وساس اموره معهم وقرروه في رؤساء الديوان الذي رتبوه لاجراء الاحكام بين المسلمين ولما نظموا امور القرى والبلدان المصرية على النسق الذي جعلوه رتبوا على مشايخ كل بلد شيخا ترجع امور البلدة ومشايخها اليه وشيخ المشايخ المترجم مضافا ذلك لمشيخة الديوان وحاكمهم الكبير فرنساوي يسمى ابريزون فازدحمت داره بمشايخ البلدان فيأتون اليه افواجا ويذهبون افواجا وله مرتب خاص خلاف مرتب الديوان واستمر معهم في وجاهته الى أن انقضت ايامهم وسافروا الى بلادهم وحضرت العثمانية والوزير والمترجم في عداد العلماء والمتصدرين وافر الحرمة شهير الذكر بعيد الصيت مرعى الجانب مقبول القول عند الاكابر والاصاغر ولما قتل خليل افندي الرجائي الدفتردار وكتخدا بك في حادثة مقتل طاهر باشا التجأ اليه اخو الدفتردار وخازنداره وغيرهما وذهبوا الى داره واقاموا عنده فحماهم وواساهم حتى سافروا الى بلادهم ولم يزل على حالته حتى نزل به خلط بارد فأبطل شقه وعقد لسانه واستمر اياما وتوفي ليلة الاحد خامس عشر ذي الحجة وخرجوا بجنازته من بيته بحارة عابدين وصلى عليه بالازهر في مشهد عظيم جدا مثل مشاهد العلماء الكبار المتقدمين وربما كان جمع النساء خلفه كجمع الرجال في الكثرة ووجدوا عليه ديونا نحو العشرة آلاف ريال سامحه اصحابها ولم يخلف من الاولاد الا ابنتين رحمه الله وسامحه وعفا عنا وعنه آمين
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة