من طرف حكماء الأربعاء 23 مايو 2018 - 15:08
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
فقه العبادات
سؤال وجواب
{ مقدمة المصنف }
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُه ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيهِ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِن سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرشِداً .
وَصَلَّى الله عَلَى محمَّد وَعَلَى اله وَأَصحَابِه وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعدُ : فَهَذَا تَألِيفٌ بَدِيعُ المنْزَع ، سَهْلُ الأَلفَاظِ وَالْمَعَانِي ، حَسَنُ الترتيب ، يَحْتَوِي عَلَى مُهمَّات مَسَائِل الأَحكَام .
رتبته بصُورَةِ : السُّؤَال الْمُحَرَّر الْجَامِع ، وَالجواب المفصَّل النَّافِع .
يَحتَوِي عَلَى : أُصُولٍ ، وَضَوَابِطَ ، وَتَقسِيمَاتٍ .
تُقُرِّبَ أشتات الْمَسَائِل ، وتضم أَلنّظَائِرَ والفَوَارِقَ .
وَكَثِيرٌ مِن هَذِه الأَجوِبَةِ يتناول أَبوَابًا مِنَ الفِقهِ عَدِيدَةً ، وَأصُولاً تَنْبَني عَلَيهَا أَحكَامٌ مُفِيدَةٌ .
وَتُعرِّفُ القَارِئَ مِن أَيِّ قَاعِدَةٍ أُخِذَتْ ، وعلى أَيِّ أَساسٍ أُثْبِتَتْ .
وتُوَضِّح التَّعْلِيلات والحِكَمَ .
ولعل هذه الأُمُور أكثرُ فائدةً مِمَّا في الأَجوبةِ منَ التَّفْصِيلات الفقهية؛ لِعمُوم نَفعِهَا وحُسْنِ موقعها .
وعند ذِكْر الأحْكَام: أَذكُرُ الْمَشْهُور مِن مَذهَبِ الإِمَام أَحمَد عِند مُتَأَخرِي الأَصحَاب.
فَإِنْ كَانَ فِيه قَولٌ آخر أَصَحُّ مِنه عِندِي ذكرته وَصَحَّحْتُهُ .
وَأَشَرتُ إِشَارَة لطيفة إِلَى دَليلِ كُلّ مِنَ القولين وَمَأْخَذِهِمَا ؛ إذ المقَامُ لا يقتضي البَسْطَ .
وأَسْتَطْرِدُ في الجَوَابِ بِذِكْرِ الأَشبَاهِ وَالنظَائِرِ ؛ لِتَحْصُلَ الفَائِدَةُ الكَثِيرَةُ والأُنسُ بكثرةِ ما يدخلُ في الأَصلِ والضَّابطِ .
وأَذكر أيضا الفوارقَ بينَ المسائِلِ التي يَكْثُر اشْتباهُهَا ؛ ليَحْصُلَ التَّمييزُ بينها.
وَأَسألُ اللَّهَ تَعَالَى : أَن يَكُونَ أَلدَّاعِي لَهُ إِرَادةُ وَجْهِه وثَوَابِه ، وَقَصدِ اُلْتُفِعَ لِعِبَادِه ، وأَن يَكُونَ مُوَافِقًا لمحبته وَرِضَاه ، وأَن يُسَهِّل تَتمِيمَ مَا أَنعَمَ في ابتدائِه ، إِنه جَوَادٌ كَرِيمٌ.
{ أسئلة في الطهارة }
● السؤال الأول
ما حُكم الماء المتَغيِّر؟
● الجواب
يدخلُ تَحتَ هذَا السؤَالِ أَنوَاعٌ كَثِيرَة ، وأَفْرَادٌ متعدِّدةٌ ، لكئها تَنْضَبِطُ بأُمورٍ :
(1) أَمَّا الماءُ الَّذي تَغيَّر لونُه أَوْ طَعْمُه أَو رِيحُه بالنَّجاسَةِ :
فهو '' نَجِسٌ '' بالإِجماعِ قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيرًا .
(2) وأَمَّا الماءُ الَّذي تغيَّرَ بِمُكْثِه وَطُولِ إِقَامَته في مَقَرِّهِ ، أَو تغيَّر بِمُرورِهِ عَلَى الطَّاهِرَاتِ ، أَو بما يَشُقّ صَونُه عَنه ، وَبما هُوَ مِنَ الأَرضِ كطِيبهَا وتُرَابِهَا :
فهذا '' طَهُورٌ '' لا كَرَاهة فِيهِ ؛ قولاً واحدًا .
(3) وأَمَّا الماءُ الَّذي تغيَّر بما لا يمازجُهُ كَدُهْنٍ ونَحوِه :
فهو مَكْرُوهٌ على المذهب .
غيرُ مَكْرُوهٍ عَلَى القَولِ الصَّحيحِ .
لأَن الكراهَةَ حُكْمٌ شَرْعيٌّ يحتاجُ إِلى دليلٍ ؛ ولا دَليلَ على الكرَاهَةِ وَالأَصْلُ المياهِ الطَّهُورِيَّة ، وعدمُ المنعِ .
فمن ادعى خِلافَ الأَصلِ فَعَلَيْهِ الدليلُ .
(4) وأمَّا الماءُ المتغيرُ لَوْنُه أَو رِيحُهُ أَو طعمه بالطاهِرَاتِ كَالزعفرانِ ونحوِه :
إذَا كَانَ التغيرُ يَسِيرٌ ا : فهو طهورٌ قولاً واحدًا .
وَكَذلكَ إِن كانَ التَّغيرُ في مَحلِّ التَّطهيرِ : فهذا أَو نحوه لا بأْسَ بِه .
وإن كَانَ المتغيرُ بالطاهراتِ تغيرًا كثيرًا : فَهُو طَاهِرٌ غير مُطَهر عَلَى المشهور مِنَ الْمَذْهَب .
وعلى الفول الصَّحيحِ : هو طهورٌ :
لأَنَّه ماء ؛ فيدخلُ في قولِه تَعَالى ? فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ? [المائدة:56].
ولعدم الدَّليلِ الدَّالّ على انتِقَالِه عَنِ الطهُورِية ، فبقِيَ عَلَى الأَصلِ.
وذلك أَنَّ العُلَمَاءَ رحمَهُمُ اللَّهُ :
اتفقُوا عَلَى نوعين مِنْ أنوَاعِ الميَاهِ ، واختَلَفُوا في النوعِ الثَّالِث.
اتَّفقُوا عَلَى أنَّ : كل ماء تغيرَ بالنجاسَةِ فهو نجس.
كما اتفَقُوا عَلَى أَن : الأصْلَ في المياهِ كُلِّها النازلةِ مِنَ السِّمَاء ، والتَّابِعَةِ منَ الأَرضِ ، والجارِيَةِ والرَّاكِدَةِ ؛ أنها طاهرةٌ مطهِّرَةٌ.
واختلفوا في : بعضِ المياهِ الْمُتَغَيِّرةِ بالأَشياءِ الطاهرةِ أَو التي رُفِعَ فيها حَدثٌ ونَحوهَا هَل هِيَ باقيَةٌ على طهوريتهَا ؟
وَإِنَّنَا تَسْتَصْحِبُ فِيهَا الأَصْلَ كما هُو الصَّحِيح ؛ لأَدِلَّةٍ كَثِيرةٍ ليس هَذَا مَوضِعهَا ، أَو أَنها صَارَتْ في مَرْتَبَة مُتَوَسِّطَةٍ بين الطهُورِ وَالنَّجَس فصَارَتْ طَاهِرَةً غيرَ مُطَهِّرةٍ .
والاستدلالُ بهذَا القَولِ ضَعِيفٌ جدًّا !!
فإِن إِثبات قِسْمٍ مِنَ المياهِ ، لا طَهُورٌ وَلا نَجِسٌ ؛ مما تعمُّ به البَلْوَى وتشتَدُّ الحاجَةُ والضرُورَةُ إِلى بيانه ، فَلَو كَانَ ثابتًا ؛ لبينهُ الشارع بَيانًا صَحِيحًا ، قاطعًا للنِّزاعِ .
فَعُلِمَ أَنَّ الصَّوابَ المقطُوع به :
أَن الماءَ قِسمَانِ : طَهُورٌ ، وَنَجِسٌ.
● السؤال الثانى
مَا حُكمُ الماءِ المستَعمَلِ ؟
● الجواب
يَدخُلُ تحتَ هَذَا أَنوَاعٌ متعدِّدَةٌ :
1- مُسْتعملٌ في : إزَالةِ النَّجَاسَةِ .
2- ومُسْتعمَلٌ في : رفعِ الحدثِ .
3- ومُسْتَعملٌ في : طَهَارَةٍ مَشْروعةٍ .
4- ومُسْتَعملٌ في : نظافةٍ .
5- ومُسْتَعملٌ في : رفعِ حَدَثِ أُنْثى .
6- ومُستَعمَلٌ في : غَمْس يَدِ النَّائِم .
(1) أمَّا المستعمَلُ في إِزالةِ النَّجَاسَة :
فإِنْ كان مُتَغَيرَا : فهو نَجِسٌ .
وإِن لم يتغير وهو كثيرٌ : فهو طهورٌ قولاً واحدًا .
وإِن كان قليلاً والنجاسة لم تَزُلْ عنِ المحلِّ أو قبل السَّابِعَة : فهو نَجِسٌ على الْمَذْهَب .
وعلى الصَّحيح : طَهُورٌ لعدم تَغيرِه بالنجاسَةِ .
وإن كان آخرَ غسلةٍ زالَتْ بها النجاسَةُ : فهو طَاهِر على المذهب غَيرُ مُطَهِّرٍ .
وهو طهورٌ على القول الصَّحِيح ، مِن بَابِ أَولَى مما قَبلَهَا .
(2) وأَمَّا المستَعمَلُ في رَفع الحدَثِ :
فَإِنْ كَانَ يغترفُ خارجَ الإِناء : فالبَاقِي في الإِناءِ طَهُورٌ قليلاً كان أو كَثِيرًا ؛ قولاً واحدًا .
وأن كَانَ يستَعمِلُه وهو في موضِعِه بأن كان يغتَسِل أو يَتَوَضَّأ في نفسِ الماءِ .
فإِنْ كَانَ الماءُ كَثِيرًا : فالماءُ طهورٌ قولاً واحدًا .
وإِن كَانَ يسيرَا : صَارَ طاهرًا غير مُطَهِّر عَلَى الْمَذْهَب .
وهو طَهُور عَلَى القَولِ الصَّحِيح ؛ لعدم الدليلِ الناقِلِ لَهُ عَنْ أَصلِهِ.
(3) وَإِنْ كَانَ مُستَعْملاً في طَهَارَةٍ مَشرُوعة :
كتَجدِيدِ وُضوء ونَحوِه : فهو طهُور ، مَكْرُوه على المذهبِ .
غير مَكْرُوه ، عَلَى الْقَوْل الصَّحِيح ؛ لِعَدَمِ الذليلِ .
(4) وإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلاً في طَهَارَةٍ غَيرِ مَشْرُوعةٍ :
فهو طَهُورٌ لا كراهةَ فيه قولاً واحدًا .
(5) وإِن كان مُسْتَعْمَلا في حدثِ أُنثَى :
وهو كَثِير ؛ فهو طهورٌ لا منع فيه مطلقاً ، قولاً وَاحِدًا.
وإِن كان يَسِيرًا ولم تَخْلُ بِه : فَلا مَنعَ أَيضاً .
وإن خَلَتْ بهِ فَلا مَنْعَ في طَهَارَةِ النجَاسَةِ ، وَلا في طَهَارَةِ المرأةِ قَولاً وَاحِدًا .
وَإِنما يُمْنَعُ مِنْهُ الرَّجُلُ في طَهَارَةِ الحدَثِ عَلَى المذهَب مع بَقَائِه عَلَى طُهُورِيَّته.
وعند عدم غيره : يُجمَعُ بين استعماله والتَّيمُّمِ احتِيَاطًا .
وأما الصَّحيحُ : فلا مَنْعَ فِيهِ مُطْلقًا.
لقوله - صلى الله عليه وسلم - « إِن الْمَاء لا يَجنبُ ».
ومَا استُدِل به عَلَى المنْعِ فضعِيفٌ لا يدلُّ على المنْعِ .
(6) وأَمَّا المستَعْمَلُ في غمس يد النَّائِمِ :
فإنْ كَانَ نهارًا أَو نَومًا لا ينقُضُ الوُضُوءَ : فَلا يَضُرْ مطلقًا.
وإِن كَانَ نومًا كَثِيرًا بالليلِ وغمسها كُلَّها .
فَإِنْ كَانَ الماء كَثِيرًا لم يضر قولاً واحدًا .
وإن كان دون القلتين صَارَ طَاهِرًا غَيرَ مُطَهِّرٍ ، عَلَى الْمَذْهَب ، ولكن عِنْد الاضطرارِ إِليه يُستَعْمَلُ مَعَ التَّيممِ .
وعَلَى القَولِ الصَّحيحِ في المذهَبِ : يبقَى عَلَى طَهُوريته ، ؛ لعدم الدليلِ عَلَى زَوَالِ طهوريته.
والحديثُ إِنما يَدُل عَلَى الأَمر بِغَسلِهِمَا قَبلَ إدخَالِهِمَا الإِناءَ ؛ للعلَّةِ التي عَلَّل بها في الْحَدِيث : « … فإن أحدَكُم لا يَدْرِي أَينَ باتت يَدُهُ ».
● السؤال الثالث
إِذَا كَانَ الماءُ نَجَسَا مَتَى يَطْهُرُ؟
● الجواب
أما عَلَى القَولِ الصَّحيحِ : وَهُو رِوايَةٌ عَنْ أَحمدَ .
فمتَى زَالَ تَغَيّرُ الماءِ عَلَى أيِّ وجه كَانَ ؛ بِنَزْحٍ ، أو إضافةِ مَاءٍ إِليه ، أو بزوالِ تغيّرِه بِنَفسِه ؛ أو بمعالجتِه : طَهُرَ بِذَلِكَ .
وسواءَ كَانَ قليلاً أو كَثِيرًا ؛ لأن الحكمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِه وُجُودًا وَعَدَمًا.
وَلا عِلَّةَ للتنجِيسِ عَلَى التَّحقِيق إلا التَّغَيرُ بالنجَاسَةِ فما دَامَ التَّغَيرُ مَوْجُودًا، فَنَجَاسَتُه مَحْكُوم بِهَا ، ومَتَى زَالَ التَّغَيرُ طَهُرَ .
وأما عَلَى المذهبِ: فَلا يخلو الماءُ : إِما أن يَكُونَ أَقَلَّ من قلَّتَينِ ، أو يَكُونَ قُلَّتين فَقَط أو يَكُونَ أكثرَ منهُما .
فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ من قُلَّتينِ : لَم يَطْهُر إلا بِإِضَافَة طَهُورٍ كَثِيرٍ إِلَيهِ .
وإِنْ كَانَ قُلَّتَينِ فقط : طَهُرَ بأَحدِ أَمرين :
إِما بِإِضَافَة طَهُورٍ كثيرٍ إِليه مَعَ زَوَالِ التَّغَير .
وإِما بِزَوَالِ تَغَيرِهِ بِنَفسِهِ .
وإِن كَانَ أَكثرَ مِن قُلَّتَينِ : طَهُرَ بأَحدِ ثَلاثةِ أَشْيَاءَ :
هذينِ الأَمرينِ.
أَو بنَزحٍ يبقى بَعدَهُ كَثير غيرُ مُتَغَيِّر .
إلا إِذَا كان مُجْتَمَعًا مِن مُتَنَجّسٍ يسيرٍ : فَتَطهِيرُه بِإِضَافَة كَثِيرٍ إِلَيهِ مَعَ زَوَالِ التَّغَيرِ لابد مِنة في الأَحْوَال كُلِّهَا .
وَهَلْ يُشْتَرَطُ شيءٌ آخرُ مَعَه أم لا ؟
قَد ذكرنَا تفصِيلَهُ الجَامِعَ .
كتاب: إرشاد أولى البصائر والألباب
لنيل الفقة بأيسر الطرق والاسباب
تأليف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي
منتدى ميراث الرسول ـ البوابة