من طرف حكماء الثلاثاء 8 يناير 2019 - 7:52
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الحديث الشريف
جامع العلوم والحكم
● [ الحديث الثامن ] ●
عَنِ ابن عُمَرَ - رضيَ الله تعالَى عَنْهُما - : أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلاَّ الله، وأَنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللهِ، ويُقيموا الصَّلاةَ ، ويُؤْتُوا الزَّكاةَ ، فإذا فَعَلوا ذلكَ ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُم وأَموالَهُم، إلاَّ بِحَقِّ الإسلامِ ، وحِسَابُهُم على اللهِ تَعالَى ).
رَوَاهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ .
الشرح
هذا الحديث خرّجاه في " الصحيحين " (1) من رواية واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمر .
وقوله : ( إلا بحقِّ الإسلام ) هذه اللفظة تفرَّد بها البخاري(2) دون مسلم .
وقد روي معنى هذا الحديث عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وجوهٍ متعددةٍ ففي " صحيح البخاري " (3)
__________
(1) صحيح البخاري 1/12 ( 25 ) ، وصحيح مسلم 1/39 ( 22 ) ( 36 ) .
وأخرجه : ابن حبان ( 175 ) و( 219 ) ، والدارقطني 1/232 ، والمروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 4 ) ، وابن منده في " الإيمان " ( 25 ) ، والبيهقي 3/92 و367 و8/177 ، والبغوي في " شرح السنة " ( 33 ) من حديث عبد الله بن عمر ، به .
(2) في " صحيحه " 1/12 ( 25 ) .
(3) صحيح البخاري 1/108 ( 392 ) .
وأخرجه : أحمد 3/199 و224 و225 ، وأبو داود ( 2641 ) و( 2642 ) ، والترمذي ( 2608 ) ، والنسائي 7/75 و76 و8/109 وفي " الكبرى " ، له ( 3414 ) و( 3415 ) ، وابن حبان ( 5895 ) من حديث أنس بن مالك ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
عن أنسٍ ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أُمِرتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتّى يَشهَدُوا أنْ لا إله إلاَّ الله ، وأنَّ مُحمَّداً عبدُه ورسولُهُ ، فإذا شَهِدُوا أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسولُ الله ، وصَلَّوا صَلاتَنا ، واستَقْبَلُوا قِبلَتَنا ، وأكلُوا ذَبِيحَتنا ، فقَدْ حَرُمَتْ علينا دِماؤُهم وأموالُهم إلاَّ بحقِّها ) .
وخرَّجَ الإمامُ أحمد(1) من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال: ( إنَّما أُمِرْتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتى يُقيموا الصلاة ، ويُؤْتُوا الزكاة ، ويَشهَدوا أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريكَ(2) له ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، فإذا فَعَلوا ذلك ، فقد اعتصَمُوا(3) وعَصَمُوا دماءهم وأموالهم إلاَّ بحقِّها ، وحِسابُهُم على اللهِ - عز وجل - ) .
وخرَّجه ابن ماجه مختصراً(4) .
وخرَّج نحوه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضاً(5) ، ولكن المشهور من رواية أبي هريرة ليس فيه ذكرُ : إقام الصلاة ولا إيتاء الزكاة ، ففي " الصحيحين " (6)
__________
(1) في " مسنده " 5/246 .
وأخرجه : عبد بن حميد ( 113 ) ، وابن ماجه ( 72 ) ، والبزار ( 2669 )
و( 2670 ) ، والمروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 7 ) ، وإسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب .
(2) عبارة : ( وحده لا شريك له ) لم ترد في ( ص ) .
(3) فقد اعتصموا ) لم ترد في ( ص ) .
(4) في " سننه " ( 72 ) .
(5) في " سننه " ( 71 ) ، وسنده منقطع .
(6) صحيح البخاري 2/131 ( 1399 ) و4/58 ( 2946 ) و9/19 ( 6924 ) و9/115 ( 7284 ) و( 7285 ) ، وصحيح مسلم 1/38 ( 20 ) ( 32 ) و1/38-39 ( 21 ) ( 33 ) و( 34 ) و( 35 ) .
وأخرجه : الطيالسي ( 2441 ) ، وأحمد 1/11 و2/314 و345 و377 و423 و439 و475 و482 و502 و528 ، وأبو داود ( 2640 )، وابن ماجه ( 3927 )، والترمذي ( 2606 ) ، والنسائي 5/14 و6/4 و6 و7 و7/77 و78 و79 وفي "الكبرى" ، له ( 3418 ) و( 3419 ) و( 3420 ) و( 3421 ) و( 3422 ) و( 3423 ) و( 3424 ) و( 3425 ) و( 3426 ) ، وابن الجارود ( 1032 ) ، وابن خزيمة ( 2248 )، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/115 ، وابن حبان ( 174 ) و( 216 ) و( 217 ) و( 218 ) و( 220 ) من حديث أبي هريرة ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
عن أبي هُريرة : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أُمِرتُ أنْ أقاتِلَ الناس حتَّى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله عَصَمَ منِّي مالَه ونَفسَهُ إلا بحقِّه ، وحِسَابُه على الله - عز وجل - ) وفي رواية لمسلم (1): ( حتّى يَشهَدوا أنْ لا إله إلا الله ، ويُؤمِنوا بي وبما جئتُ به ) .
وخرَّجه مسلم(2) أيضاً من حديث جابر - رضي الله عنه - ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بلفظ حديث أبي هريرة الأوَّل وزاد في آخره : ثم قرأ : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ } (3) .
وخرّج أيضاً (4) من حديث أبي مالك الأشجعي ، عن أبيه قال : سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ : ( مَنْ قالَ : لا إله إلاَّ الله وكَفَرَ بما يُعْبَدُ مِنْ دُوْنِ اللهِ حُرِّمَ مالُه ودَمُه وحسابه على الله - عز وجل - ) .
وقد رُوي عن سفيان بن عُيينة أنَّه قال : كان هذا في أوَّل(5) الإسلام قَبْلَ فرض الصلاة والصيام والزكاة والهجرة ، وهذا ضعيف جداً ، وفي صحته عن سفيان نَظَر ، فإنَّ رواة هذه الأحاديث إنما صحبوا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، وبعضُهُم تأخَّر إسلامُه .
__________
(1) في " صحيحه " 1/39 ( 21 ) ( 34 ) من حديث أبي هريرة ، به .
(2) في " صحيحه " 1/39 ( 21 ) ( 35 ) .
وأخرجه : عبد الرزاق ( 10021 ) و( 19251 ) ، وأحمد 3/300 ، وابن ماجه ( 3928 ) ، والترمذي ( 3341 ) ، والنسائي 7/79 وفي " الكبرى " ، له ( 3425 ) و( 11606 ) ، وأبو يعلى ( 2282 ) من حديث جابر بن عبد الله ، به .
(3) الغاشية : 21-22 .
(4) صحيح مسلم 1/39 ( 23 ) ( 37 ) و1/40 ( 23 ) ( 38 ) .
(5) في ( ص ) : ( بدو ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
ثم قوله : ( عَصَمُوا منِّي دماءهُم وأموالَهُم ) يدلُّ على أنَّه كان عند هذا القول مأموراً بالقتال ، وبقتل من أبى الإسلام ، وهذا كُلُّه بعد هجرته إلى المدينة ، ومن المعلوم بالضرورة أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل مِنْ كل منْ جاءه يريدُ الدخولَ في الإسلامِ الشهادتين فقط ، ويَعْصِمُ دَمَه بذلك ، ويجعله مسلماً ، فقد أنكر على أسامة بن زيد قتلَه لمن قال : لا إله إلا الله ، لما رفع عليه السيفَ ، واشتدَّ نكيرُه عليه(1) .
ولم يكن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يشترطُ على مَنْ جاءه يريدُ الإسلامَ أنَّ يلتزمَ الصلاة والزكاة ، بل قد روي أنَّه قبل من قومٍ الإسلام ، واشترطوا أنْ لا يزكوا ، ففي " مسند الإمام أحمد "(2) عن جابر قال : اشترطت ثقيفٌ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ لا صدقةَ عليها ولا جهادَ ، وأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( سَيَصَّدَّقُون ويُجاهدون ) .
وفيه أيضاً عن نصر بن عاصم الليثي ، عن رجل منهم : أنَّه أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فأسلم على أنْ لا يُصلي إلا صلاتين ، فقبل منه(3) .
__________
(1) أخرجه : أحمد 5/200 و207 ، والبخاري 5/183 ( 4269 ) ، 9/4 ( 6872 ) ، ومسلم 1/67 ( 96) ( 158 ) و1/68 ( 96 ) ( 159 ) ، وأبو داود ( 2643 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 8540 ) و( 8541 ) من حديث أسامة بن زيد ، به .
(2) المسند 3/341 .
وأخرجه : أبو داود ( 3025 ) ، والبيهقي في " دلائل النبوة " 5/306 ، وهو حديث صحيح .
(3) أخرجه : أحمد 5/25 ، وإسناده كلهم ثقات غير هذا المبهم الذي حدّث نصر بن عاصم . وانظر : المغني 10/625 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وأخذ الإمام أحمد بهذه الأحاديث ، وقال : يصحُّ الإسلامُ على الشرط الفاسد ، ثم يُلزم بشرائع الإسلام كُلها ، واستدلَّ أيضاً بأنَّ حكيم بنَ حِزام قال : بايعتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على أن لا أَخِرَّ إلاّ قائماً(1) . قال أحمد : معناه أنْ يسجد من غير ركوع(2) .
__________
(1) أخرجه : أحمد 3/402 ، والنسائي 2/205 وفي " الكبرى " ، له ( 675 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 3106 ) ، وإسناده ضعيف لإنقطاعه .
قوله : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا أخر إلا قائماً :من الخرور : وهو السقوط ، يقال : خَرَّ يَخِرُّ بالكسر ، وَخَرَّ يخُر بالضم : إذا سقط من عُلو .
انظر : النهاية في غريب الحديث 1/370 .
(2) انظر : المغنى 10/625 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج محمد بنُ نصر المروزيُّ(1) بإسنادٍ ضعيف جداً عن أنس قال : لم يكن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقبل مَنْ أجابه إلى الإسلام إلاّ بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وكانتا فريضتين على مَنْ أقرَّ بمحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وبالإسلام ، وذلك قولُ الله - عز وجل - : { فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } (2) وهذا لا يثبت ، وعلى تقدير ثبوته ، فالمرادُ منه أنَّه لم يكن يُقِرُّ أحداً دخل في الإسلام على ترك الصَّلاةِ والزكاة وهذا حقٌّ ، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر معاذاً لما بعثه إلى اليمن أنْ يدعُوَهُم أوَّلاً إلى الشهادتين ، وقال : ( إنْ هُم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم بالصلاة ، ثم بالزكاة )(3) ومرادُه أنَّ من صار مسلماً بدخوله في الإسلام أمر(4) بعد ذلك بإقام الصلاة ، ثم بإيتاء الزكاة ، وكان من سأله عن الإسلام يذكر له مع الشهادتين بقية أركان(5) الإسلام ، كما قال لجبريل - عليه السلام - لما سأله عن الإسلام(6) ، وكما قال للأعرابيِّ الذي جاءه ثائر الرأس يسأل عن الإسلام(7) .
__________
(1) في " تعظيم قدر الصلاة " ( 12 ) .
(2) المجادلة : 13 .
(3) أخرجه : الشافعي في " مسنده " ( 673 ) بتحقيقي ، والدارمي ( 1614 ) و( 1622 ) و( 1631 ) ، والبخاري 2/130 ( 1395 ) و2/147 ( 1458 ) و2/158 ( 1496 ) و5/205 ( 4347 ) و9/140 ( 7371 ) ( 7372 ) ، ومسلم 1/38 ( 19 ) ( 30 ) من حديث ابن عباس ، به .
(4) سقطت من ( ص ) .
(5) سقطت من ( ص ) .
(6) تقدم تخريجه .
(7) أخرجه: البخاري 1/18 ( 46 ) و3/30 ( 1891 ) و3/235 ( 2678 ) و9/29 ( 6956 )، ومسلم 1/31 ( 11 ) ( 8 ) و1/32 ( 11 ) ( 9 ) من حديث طلحة بن عبيد الله .
● [ الصفحة التالية ] ●
وبهذا الذي قرَّرناه يظهر الجمع بين ألفاظ(1) أحاديث هذا الباب ، ويتبين أنَّ كُلَّها
حقٌّ ، فإنَّ كلمتي الشهادتين بمجردهما تَعْصِمُ من أتى بهما ، ويصير بذلك مسلماً ، فإذا دخل في الإسلام ، فإنْ أقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وقام بشرائع الإسلام ، فله ما
للمسلمين ، وعليه ما عليهم ، وإنْ أخلَّ بشيء من هذه الأركان ، فإنْ كانوا جماعةً لهم مَنَعَةٌ قُوتِلوا .
وقد ظنَّ بعضُهم أنَّ معنى الحديثِ : أنَّ الكافرَ يُقاتل حتى يأتي بالشهادتين ، ويقيمَ
الصلاة ، ويؤتيَ الزكاة ، وجعلوا ذلك حجةً على خطاب الكفار بالفروع ، وفي هذا
نظر ، وسيرة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في قتال الكفار تَدُلُّ على خلاف هذا ، وفي " صحيح مسلم " (2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دعا علياً يومَ خيبر ، فأعطاه الراية وقال : ( امشِ ولا تَلتَفِتْ حتّى يفتَحَ الله عليكَ ) فسار عليٌّ شيئاً ، ثم وقف ، فصرخ : يا رسولَ الله على ماذا أُقاتِلُ الناس ؟ فقال : ( قاتلهم على أنْ يشهدوا أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسول اللهِ ، فإذا فَعلُوا ذلك ، فقدْ عَصَموا منكَ دِماءهُم وأموالَهم إلاّ بحقِّها ، وحِسابُهُم على الله - عز وجل - ) فجعل مجرَّد الإجابة إلى الشهادتين عاصمة للنفوس والأموال إلا بحقها ، ومِنْ حقها الامتناعُ من الصلاة والزكاة بعدَ الدخول في الإسلام كما فهمه الصحابة - رضي الله عنهم -(3) .
__________
(1) سقطت من ( ص ) .
(2) الصحيح 7/121 ( 2405 ) ( 33 ) و( 2406 ) ( 34 ) .
وأخرجه : الطيالسي ( 2441 ) ، وأحمد 2/384 ، والنسائي في " الكبرى " ( 8546 ) و( 8547 ) و( 8549 ) .
(3) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 2/59 ، وفتح الباري 1/104 .
● [ الصفحة التالية ] ●
ومما يدلُّ على قتال الجماعة الممتنعين من إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة من القرآن قولُه تعالى : { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } (1) وقولُه تعالى : { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } (2) وقولُه تعالى :{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ } (3) مع قوله تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (4) .
وثبت أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غزا قوماً لم يُغِرْ عليهم حتى(5) يُصبحَ فإنْ سمع أذاناً وإلا أغارَ عليهم ، مع احتمال أنْ يكونوا قد دخلُوا في الإسلام(6) . وكان يُوصي سراياه : ( إنْ سمعتُم مؤذناً أو رأيتم مسجداً ، فلا تقتلوا أحداً )(7) .
__________
(1) التوبة : 5 .
(2) التوبة : 11 .
(3) البقرة : 193 .
(4) البينة : 5 .
(5) في ( ص ) : ( إذا غزا لم يغر حتى ) .
(6) أخرجه : مالك في " الموطأ " ( 1345 ) برواية يحيى الليثي ، والطيالسي ( 2127 ) ، وأحمد 3/159 و206 و236 و237 و263 ، والبخاري 1/158 ( 610 ) و4/58 ( 2943 ) و( 2944 ) و( 2945 ) ، وأبو داود ( 2596 ) و( 2638 ) ، والترمذي ( 1550 ) ، والنسائي في "الكبرى" ( 8544 ) ، وأبو يعلى ( 2908 ) و( 3804 ) ، وابن حبان ( 4745 ) و( 4746 ) ، والبيهقي 9/79 و80 و108 ، والبغوي ( 2702 ) من حديث أنس بن مالك ، به .
(7) أخرجه : الحميدي ( 820 ) ، وسعيد بن منصور ( 2385 ) ، وأحمد 3/448 ، وأبو داود ( 2635 ) ، والترمذي ( 1549 ) ، والبزار ( 1731 ) ، والطبراني في "الكبير" 17/( 467 ) ، والبيهقي 9/108 ، والبغوي ( 2703 ) من حديث عصام المزني ، وإسناده ضعيف لجهالة ابن عصام .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقد بعث عُيينة بنَ حِصنٍ إلى قوم من بني العنبر ، فأغار عليهم ولم يسمع أذاناً ، ثم ادَّعوا أنَّهم قد أسلموا قبل ذلك .
وبعث - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل عُمان كتاباً فيه : ( مِنْ محمد النَّبيِّ إلى أهل عُمان ، سلامٌ أما بعدُ : فأقِرُّوا بشهادةِ أنْ لا إله إلا الله ، وأنِّي رسولُ الله ، وأدُّوا الزكاة ، وخُطوا المساجد ، وإلا غَزَوْتُكم ) خرَّجه البزار والطبراني وغيرهما(1) .
فهذا كله يدلُّ على أنَّه كان يعتبر حالَ الداخلين في الإسلام ، فإنْ أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة وإلا لم يمتنع عن قِتالهم ، وفي هذا وقع تناظرُ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما(2) كما في " الصحيحين "(3) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : لمَّا توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبو بكر الصديق بعده(4) ، وكَفَرَ مَنْ كَفَر مِنَ العربِ ، قال عمر لأبي بكر : كيف تُقاتلُ الناسَ وقد قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أُمِرتُ أنْ أقاتِلَ الناسَ حتّى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله ، فقد عَصَم منِّي ماله ونفسَه إلا بحقه وحسابُه على الله - عز وجل - ) فقال أبو بكر : والله لأقاتلَنَّ من فرَّق بين الصَّلاة والزكاة فإنَّ الزكاة حقُّ المال ، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتُهم على منعه ، فقال عمر : فوالله ما هو إلا أنْ رأيتُ أنَّ الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفتُ أنَّه الحق .
__________
(1) أخرجه : البزار ( 880 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 6849 ) من حديث أبي شداد ، به ، وإسناده ضعيف ، انظر : مجمع الزوائد 3/64 .
(2) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 2/53 .
(3) أخرجه : البخاري 2/131 ( 1399 ) و4/58 ( 2946 ) و9/19 ( 6924 ) و9/115 ( 7284 ) و( 7285 ) ، ومسلم 1/38 ( 20 ) ( 32 ) و1/38-39 ( 21 ) ( 33 ) و( 34 ) و( 35 ) .
(4) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
فأبو بكر - رضي الله عنه - أخذ قتالهم من قوله : ( إلا بحقه ) فدلَّ على أنَّ قتال من أتى بالشهادتين بحقه جائز ، ومن حقه أداء حقِّ المالِ الواجب ، وعمر - رضي الله عنه - ظنَّ أنَّ مجرَّد الإتيان بالشهادتين يَعصِمُ الدمَ في الدنيا تمسكاً بعموم أوَّل الحديث كما ظنَّ طائفة من الناس أنَّ من أتى بالشهادتين امتنع من دخول النار في الآخرة تمسكاً(1) بعموم ألفاظ وردت ، وليس الأمر على ذلك ، ثم إنَّ عمر رجع إلى موافقة أبي بكر - رضي الله عنه -(2) .
__________
(1) قوله : ( أول الحديث كما ظن ... ) إلى هنا لم يرد في ( ص ) .
(2) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 2/53 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقد خرَّج النسائي قصةَ تناظر أبي بكر وعمر بزيادة : وهي أنَّ أبا بكر قال لعمر : إنَّما قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أُمرت أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتّى يَشهدُوا أنْ لا إله إلا الله ، وأنِّي رسولُ الله ، ويُقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة )(1) وخرجه ابنُ خزيمة في " صحيحه " (2) ، ولكن هذه الرواية أخطأ فيها عمران القطان إسناداً ومتناً ، قاله أئمة الحفاظ ، منهم : علي بن المديني وأبو زرعة وأبو حاتم والترمذي والنسائي ، ولم يكن هذا الحديث عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ عند أبي بكر ولا عمر ، وإنَّما قال أبو بكر : والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة ، فإنَّ الزكاة حقُّ المال ، وهذا أخذه - والله أعلمُ - من قوله في الحديث(3) ( إلاّ بحقها ) . وفي رواية : ( إلاّ بحقِّ الإسلام ) فجعل من حقِّ الإسلام إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، كما أنَّ من حقه أنْ لا يرتكب الحدود ، وجعل كل ذلك مما استثنى بقوله : ( إلا بحقها )(4) .
وقوله : لأقاتلنَّ مَنْ فرّق بين الصلاة والزكاة ، فإنَّ الزكاة حقُّ المال ، يدلّ على أنَّ من ترك الصلاة ، فإنَّه يقاتل ؛ لأنَّها حقُّ البدن ، فكذلك من ترك الزكاة التي هي حقُّ المال .
وفي هذا إشارة إلى أنَّ قتال تارك الصلاة أمر مجمع عليه ؛ لأنَّه جعله أصلاً مقيساً عليه ، وليس هو مذكوراً في الحديث الذي احتج به عمر(5) وإنَّما أخذ من قوله : ( إلا بحقها ) فكذلك الزكاة ؛ لأنَّها من حقها ، وكلّ ذلك من حقوق الإسلام(6) .
__________
(1) أخرجه : النسائي في " المجتبى " 5/14-15 عن أبي هريرة ، به .
(2) مختصر المختصر ( 2247 ) من حديث أنس بن مالك ، به ، وانظر تعليقي هناك.
(3) عبارة : ( في الحديث ) لم ترد في ( ص ) .
(4) انظر : السنن للبيهقي 8/177 ، وشرح النووي لصحيح مسلم 2/53 ، وفتح الباري 1/104 .
(5) لم ترد في ( ص ) .
(6) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 2/53 .
● [ الصفحة التالية ] ●
ويُستدلُّ أيضاً على القتال على ترك الصلاة بما في " صحيح مسلم " (1) عن أمِّ سلمةَ ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يُستَعْمَل عليكُم أُمراءُ ، فتَعرِفون وتُنكِرون ، فمن أنكرَ فقد بَرِئ ، ومن كَرِهَ فقد سَلِم ، ولكن من رَضِي وتَابَع ) فقالوا : يا رسول الله ألا نُقاتِلُهم ؟ قال : ( لا ما صلَّوا ) .
وحكمُ من ترك شيئاً من(2) أركانِ الإسلام أنْ يُقاتلوا عليها كما يقاتلون على تركِ الصلاة والزكاة .
وروى ابنُ شهاب ، عن حنظلة بن علي بن الأسقع : أنَّ أبا بكر الصِّدِّيق بعث خالدَ بن الوليد ، وأمره أنْ يقاتل الناسَ على خمسٍ ، فمن ترك واحدةً من الخمس ، فقاتله عليها كما تُقاتل على الخمس : شهادةِ أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ، وإقام الصلاةِ ، وإيتاءِ الزكاةِ ، وصوم رمضان(3) .
وقال سعيد بن جبير : قال عمرُ بن الخطاب : لو أنَّ الناس تركوا الحجَّ لقاتلناهم عليه ، كما نُقاتِلُهم على الصلاة والزكاة . فهذا الكلامُ في قتال الطائفة الممتنعة عن شيء من هذه الواجبات .
__________
(1) الصحيح 6/23 ( 1854 ) ( 64 ) وعقب 6/24 ( 1858 ) ( 64 ) .
وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 37296 ) ، وأحمد 6/295 و302 و305 و321 ، وأبو داود ( 4760 ) و( 4761 ) ، والترمذي ( 2265 ) ، وأبو يعلى ( 6980 ) ، وأبو عوانة 4/471 و473 ، والطبراني في " الكبير " 23/( 760 ) و( 761 ) و( 762 ) ، والبيهقي 3/367 و8/158 ، وابن عبد البر في " التمهيد " 4/234 ، والبغوي ( 2459 ) .
(2) في ( ج ) : ( سائر ) .
(3) انظر : تعظيم قدر الصلاة ( 975 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وأما قتلُ الواحد الممتنع عنها ، فأكثرُ العلماء على أنَّه يُقتَلُ الممتنع من الصلاة ، وهو قولُ مالك والشافعي وأحمد وأبي عُبيد ، وغيرهم(1) ، ويَدلُّ على ذلك ما في " الصحيحين "(2) عن أبي سعيد الخدريّ : أنَّ خالدَ بنَ الوليد استأذن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في قتل رجل ، فقال : ( لا ، لعله أنْ يكونَ يُصلي ) ، فقال خالد : وكم مِنْ مُصَلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنِّي لم أُومَر أنْ أُنَقِّبَ عن قلوبِ الناسِ ولا أشُقَّ بُطونَهُم(3) ) .
وفي " مسند الإمام أحمد "(4)
__________
(1) قال الإمام ابن رشد القرطبي : ( وأما الواجب على من تركها عمداً وأُمر بها فأبى أنْ يصليها لا جحوداً لفرضها ، فإنَّ قوماً ما قالوا : يقتل ، وقوماً قالوا : يُعزر ويحبس ، والذين قالوا يقتل منهم من أوجب قتله كفراً ، وهو مذهب أحمد وإسحاق وابن المبارك وأبو إسحاق بن شاقلا والحسن البصري والنخعي وأيوب السختياني والشعبي والأوزاعي ومحمد بن الحسن وابن حزم وحماد بن زيد وابن حامد ، ومنهم من أوجبه حَدَّاً وهو مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه . وأهل الظاهر ممن رأى حبسه وتعزيره حتى يُصلي . والسبب في هذا الاختلاف اختلاف الآثار ) .
انظر : بداية المجتهد 1/117 ، والأم 2/563 ، والحاوي الكبير 2/525 ، والإشراف على نكت مسائل الخلاف 1/352 ، والمحلى 2/155-156 ، والانتصار في المسائل الكبار 2/603-604 ، والمغني 2/297-298 ، والذخيرة في فروع المالكية 2/305 ، والواضح في شرح مختصر الخرقي 1/447 ، ومنتهى الإرادات 1/52، ونيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب 1/111-112، والفقه الإسلامي وأدلته 1/658 ، وفقه العبادات للعلامة محمد بن صالح العثيمين : 58 و109-110
(2) أخرجه : البخاري 5/207 ( 4351 ) ، ومسلم 3/110 ( 1064 ) ( 144 ) .
(3) في ( ص ) : ( قلوبهم ) .
(4) المسند 5/432 و433 .
وأخرجه : أبو داود ( 4928 ) ، والبيهقي 3/367 و8/196 ، وابن عبد البر في " التمهيد " 10/150 و162 و163 و164 و165 و166 و167 ، وهو حديث صحيح .
● [ الصفحة التالية ] ●
عن عُبيد الله بن عدي بن الخيار : أنَّ رجلاً منَ الأنصار حدَّثه أنَّه أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في قتل رجلٍ من المنافقين ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ( أليس يَشهَدُ أنْ لا إله إلا الله ؟ ) قال : بلى ، ولا شهادة له ، قال : ( أليس
يُصلي ؟ ) قال : بلى ، ولا صلاةَ له ، قال : ( أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم ) .
وأما قتلُ الممتنع عن أداءِ الزكاة ، ففيه قولان لمن قال : يقتل الممتنع من فعل الصلاة :
أحدهما: يقتل أيضاً، وهو المشهورُ عن أحمد ، ويستدلُّ له بحديث ابن عمر هذا(1).
والثاني : لا يقتل ، وهو قولُ مالك ، والشافعي ، وأحمد في رواية(2) .
وأما الصوم فقال مالك وأحمد في رواية عنه : يُقتل بتركه(3) ، وقال الشافعي وأحمد في رواية : لا يقتلُ بذلك ، ويستدلُّ له بحديث ابن عمر وغيره مما في معناه ، فإنَّه ليس في شيء منها ذكرُ الصوم ، ولهذا قال أحمد في رواية أبي طالب : الصوم لم يجئ فيه شيء(4) .
قلتُ : قد روي عن ابن عباس مرفوعاً وموقوفاً : أنَّ من ترك الشهادتين أو الصلاة أو الصيام ، فهو كافر حلال الدم(5) بخلاف الزكاة والحجِّ(6) . وقد سبق ذكرُه في
شرح (7) حديث : ( بني الإسلام على خمس )(8) .
__________
(1) انظر : الحاوي الكبير 2/526 ، والانتصار في المسائل الكبار 2/613 ، والمغني 2/298 .
(2) انظر : الانتصار في المسائل الكبار 2/613-614 .
(3) انظر : الانتصار في المسائل الكبار 2/613 .
(4) انظر : الانتصار في المسائل الكبار 2/613 .
(5) في ( ص ) : ( المال والدم ) .
(6) أخرجه : اللالكائي في " أصول الاعتقاد " ( 1576 ) ، وأبو يعلى ( 2349 ) .
(7) سقطت من ( ص ) .
(8) انظر : الحديث الثالث .
● [ الصفحة التالية ] ●
وأما الحج ، فعن أحمد في القتل بتركه روايتان ، وحمل بعضُ أصحابنا روايةَ قتله على من أخَّره عازماً على تركه بالكلية ، أو أخَّره وغلب على ظنه الموت في عامه ، فأما إنْ أخَّره معتقداً أنَّه على التراخي كما يقولُهُ كثيرٌ من العلماء ، فلا قَتلَ بذلك(1) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إلا بحقِّها ) وفي رواية : ( إلاّ بحقِّ الإسلام ) قد سبق أنَّ أبا بكر أدخل في هذا الحقِّ فعلَ الصلاة والزكاة ، وأنَّ من العلماء من أدخل فيه فعلَ الصيامِ والحج أيضاً .
ومن حقها ارتكابُ ما يُبيح دمَ المسلم من المحرمات، وقد ورد تفسيرُ حقها بذلك، خرَّجه الطبراني وابنُ جرير الطبري من حديث أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ الناسَ حتّى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها ، عَصَمُوا منِّي دماءهُم وأموالَهم إلا بحقِّها ، وحِسَابُهم على الله - عز وجل - ) قيل : وما حَقُّها ؟ قال : ( زِنىً بعد إحصانٍ ، وكفرٌ بعد إيمانٍ ، وقتلُ نفسٍ ، فيُقتل بها(2) ) ولعلَّ آخِرَه من قولِ أنس ، وقد قيل : إنَّ الصوابَ وقفُ الحديث كله عليه .
ويشهدُ لهذا ما في " الصحيحين "(3)
__________
(1) انظر : الانتصار في المسائل الكبار 2/613-614 ، والمغني 2/298 .
(2) أخرجه : الطبراني في " الأوسط " ( 3221 ) ، وقال : ( لم يرو هذا اللفظ الذي في آخر الحديث عن حُميد إلاّ أبو خالد الأحمر ، تفرد به عمرو بن هاشم ) .
قلت : عمرو بن هاشم صدوق يخطئ كما في " التقريب " ( 5127 ) .
(3) صحيح البخاري 9/6 ( 6878 ) ، وصحيح مسلم 5/106 ( 1676 ) ( 25 ) و( 26 ) .
وأخرجه : الطيالسي (289 ) ، وعبد الرزاق ( 18704 ) ، والحميدي ( 119 ) ، وأحمد 1/382 و428 و444 و465 ، والدارمي ( 2303 ) و( 2451 ) ، وأبو داود ( 4352 ) ، وابن ماجه ( 2534 ) ، والترمذي ( 1402 ) ، والنسائي 7/90 و8/13 ، وابن الجارود ( 832 ) ، وأبو يعلى ( 5202 ) ، والطحاوي في " شرح المشكل " ( 1804 ) ، والشاشي ( 375 ) و( 376 ) و( 377 ) و( 379 ) ، وابن حبان ( 4407 ) و( 4408 ) و( 5976 ) و( 5977 ) ، والدارقطني 3/68 ( 3071 ) ( طبعة دار الكتب العلمية ) ، والبيهقي 8/19 و194 و202 و213 وفي "شعب الإيمان" ، له ( 5331 ) من حديث عبد الله بن مسعود ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
عن ابن مسعود ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يَحِلُّ دمُ امرئٍ مُسلم يَشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله ، وأني رسولُ الله إلاّ بإحدى ثلاثٍ : الثَّيِّبِ الزَّاني ، والنفسِ بالنفسِ ، والتَّاركِ لدينه المفارق للجماعة ) ، وسيأتي الكلامُ على هذا الحديث مستوفى عندَ ذكره في موضعه من هذا الكتاب إنْ شاء الله تعالى(1) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وحسابُهُم على الله - عز وجل - ) يعني : أنَّ الشهادتين مع إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة تَعصِمُ دمَ صاحبها وماله في الدنيا إلا أنْ يأتيَ ما يُبِيحُ دَمَهُ، وأما في الآخرة، فحسابُه على اللهِ - عز وجل - ، فإنْ كان صادقاً ، أدخله الله بذلك الجنة ، وإنْ كان كاذباً فإنَّه من جملة المنافقين في الدَّرْك الأسفل من النار .
وقد تقدَّم أنَّ في بعض الروايات في " صحيح مسلم " (2) ثم تلا : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } (3) والمعنى : إنَّما عليك تذكيرُهم بالله ، ودعوتهم إليه، ولستَ مسلطاً على إدخالِ الإيمانِ في قلوبهم قهراً ولا مكلفاً بذلك، ثم أخبر أنَّ مرجعَ العبادِ كلهم إليه وحسابُهم عليه(4) .
__________
(1) سيأتي عند الحديث الرابع عشر .
(2) انظر : .
(3) الغاشية : 21-26 .
(4) انظر : تفسير الطبري 15/207-208 ، وتفسير البغوي 5/246 ، والمحرر الوجيز 15/427 ، وتفسير ابن الجوزي 9/100-101 ، وتفسير القرطبي 20/37-38 ، والبحر المحيط 8/459 ، والدر المنثور 6/576 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي " مسند البزار "(1) عن عياض الأنصاري ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ لا إله إلا الله كلمةٌ على اللهِ كريمةٌ ، لها عندَ اللهِ مكانٌ ، وهي كلمةٌ من قالها صادقاً ، أدخله الله بها الجنةَ ، ومن قالها كاذباً حقنت مالَه ودمَه ، ولَقِيَ الله غداً فحاسبه(2) ) .
وقد استدلَّ بهذا من يرى قبولَ توبةِ الزنديقِ ، وهو المنافق إذا أظهر العودَ إلى الإسلام ، ولم يرَ قتله بمجرَّدِ ظهورِ نفاقه ، كما كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعامِلُ المنافقين ، ويُجريهم على أحكام المسلمين في الظاهر مع علمه بنفاق بعضهم في الباطن ، وهذا قولُ الشافعي وأحمد في رواية عنه ، وحكاه الخطابيُّ عن أكثر العلماء ، والله أعلم(3) .
__________
(1) كشف الأستار ( 4 ) .
(2) في ( ص ) : ( وفي غداً فحاسبه ) .
(3) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 2/56 .
● [ تم شرح الحديث ] ●
جامع العلوم والحكم
لإبن رجب الحنبلي
منتدى ميراث الرسول . البوابة