بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة العلوم الشرعية
تحفة المودود بأحكام المولود
الأبواب من العاشر الى الخامس عشر
● [ الباب العاشر ] ●
في ثقب أذن الصبي والبنت
أما أذن البنت فيجوز ثقبها للزينة نص عليه الإمام أحمد ونص على كراهته في حق الصبي والفرق بينهما أن الأنثى محتاجة للحلية فثقب الأذن مصلحة في حقها بخلاف الصبي وقد قال النبي لعائشة في حديث أم زرع كنت لك كأبي زرع لأم زرع مع قولها أناس من حلي أذني أي ملأها من الحلي حتى صار ينوس فيها أي يتحرك ويجول وفي الصحيحين لما حرض النبي النساء على الصدقة جعلت المرأة تلفي خرصها الحديث والخرص هو الحلقة الموضوعة في الأذن ويكفي في جوازه علم الله ورسوله بفعل الناس له وإقرارهم على ذلك فلو كان مما ينهى عنه لنهى القرآن أو السنة فإن قيل فقد أخبر الله سبحانه عن عدوه إبليس أنه قال ( ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ) النساء 119 أي يقطعونها وهذا يدل على أن قطع الأذن وشقها وثقبها من أمر الشيطان فإن البتك هو القطع وثقب الأذن قطع لها فهذا ملحق بقطع أذن الأنعام قيل هذا من أفسد القياس فإن الذي أمرهم به الشيطان أنهم كانوا إذا ولدت لهم الناقة خمسة أبطن فكان البطن السادس ذكرا شقوا أذن الناقة وحرموا ركوبها والانتفاع بها ولم تطرد عن ماء ولا عن مرعى وقالوا هذه بحيرة فشرع لهم الشيطان في ذلك شريعة من عنده فأين هذا من نخس أذن الصبية ليوضع فيها الحلية التي أباح الله لها أن تتحلى بها وأما ثقب الصبي فلا مصلحة له فيه وهو قطع عضو من أعضائه لا مصلحة دينية ولا دنيوية فلا يجوز ومن أعجب ما في هذا الباب ما قال الخطيب في تاريخه أنا الحسن بن علي الجوهري ثنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا أبو عمرو عثمان بن جعفر المعروف بابن اللبان ثنا أبو الحسن علي بن إسحاق بن راهويه قال ولد أبي من بطن أمه مثقوب الأذنين قال فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى السيناني فسأله عن ذلك وقال ولد لي ولد خرج من بطن أمه مثقوب الأذنين فقال يكون ابنك رأسا إما في الخير وإما في الشر فكأن الفضل بن موسى والله أعلم تفرس فيه أنه لما تفرد عن المولودين كلهم بهذه الخاصة أن ينفرد عنهم بالرياسة في الدين أو الدنيا وقد كان رحمه الله رأس أهل زمانه في العلم والحديث والتفسير والسنة والجلالة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكسر الجهمية وأهل البدع ببلاد خراسان وهو الذي نشر السنة في بلاد خراسان وعنه انتشرت هناك وقد كان له مقامات محمودة عند السلطان يظفره الله فيها بأعدائه ويخزيهم على يديه حتى تعجب منه السلطان والحاضرون حتى قال محمد بن أسلم الطوسي لو كان الثوري حيا لاحتاج إلى إسحاق فأخبر بذلك أحمد بن سعيد الرباطي فقال والله لو كان الثوري وابن عيينة والحمادان في الحياة لاحتاجوا إلى إسحاق فأخبر بذلك محمد بن يحيى الصفار فقال والله لو كان الحسن البصري حيا لاحتاج إلى إسحاق في أشياء كثيرة وكان الإمام أحمد يسميه أمير المؤمنين وسنذكر هذا وأمثاله في كتاب نفرده لمناقبه إن شاء الله تعالى ونذكر حكاية عجيبة يستدل بها على أنه كان رأس أهل زمانه قال الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور أخبرني أبو محمد بن زياد قال سمعت أبا العباس الأزهري قال سمعت علي بن سلمة يقول كان إسحاق عند عبد الله ابن طاهر وعنده إبراهيم بن صالح فسأل عبد الله بن طاهر إسحاق عن مسألة فقال إسحاق السنة فيها كذا وكذا وأما النعمان وأصحابه فيقولون بخلاف هذا فقال إبراهيم لم يقل النعمان بخلاف هذا فقال إسحاق حفظته من كتاب جدك وأنا وهو في كتاب واحد فقال إبراهيم للأمير أصلحك الله كذب إسحاق على جدي فقال إسحاق ليبعث الأمير إلى جزء كذا وكذا من الجامع فليحضره فأتى بالكتاب فجعل الأمير يقلب الكتاب فقال إسحاق عد من أول الكتاب إحدى وعشرين ورقة ثم عد تسعة أسطر ففعل فإذا المسألة على ما قال إسحاق فقال عبد الله بن طاهر ليس العجب من حفظك إنما العجب بمثل هذه المشاهدة فقال إسحاق ليوم مثل هذا لكي يخزي الله على يدي عدوا للسنة مثل هذا وقال له عبد الله بن طاهر قيل لي إنك تحفظ مائة ألف حديث فقال له مائة ألف لا أدري ما هو ولكني ما سمعت شيئا قط إلا حفظته ولا حفظت شيئا قط فنسيته والمقصود صحة فراسة الفضل بن موسى فيه وأنه يكون رأسا في الخير والله أعلم
● [ الباب الحادي عشر ] ●
في حكم بول الغلام والجارية قبل أن يأكلا الطعام
في حكم بول الغلام والجارية قبل أن يأكلا الطعام
ثبت في الصحيحين والسنن والمسانيد عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه عليه ولم يغسله وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي قال بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل قال قتادة هذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن وصححه الحاكم وقال هو على شرط الشيخين وعن عائشة رضي الله عنها قالت أ تي رسول الله بصبي يحنكه فبال عليه فأتبعه الماء رواه البخاري ومسلم وزاد مسلم ولم يغسله وعن أم كرز الخزاعية قالت أتي النبي بغلام فبال عليه فأمر به فنضح وأتي بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل رواه الإمام أحمد وفي سنن ابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أم كرز أن النبي قال بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل وعن أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت بال الحسين بن علي في حجر النبي فقلت يا رسول الله أعطني ثوبك والبس ثوبا غيره حتى أغسله فقال إنما ينضح من بول الذكر وبغسل من بول الأنثى رواه الإمام أحمد وأبو داود وقال الحاكم هو صحيح وفي صحيح الحاكم من حديث عبد الرحمن بن مهدي حدثنا يحيى بن الوليد حدثني محل بن خليفة حدثني أبو السمح قال كنت خادم النبي فجيء بالحسن والحسين فبالا على صدره فأرادوا أن يغسلوه فقال رشوه رشا فإنه يغسل بول الجارية ويرش بول الغلام قال الحاكم هو صحيح ورواه أهل السنن وذهب إلى القول بهذه الأحاديث جمهور أهل العلم من أهل الحديث والفقه حتى ذهب داود إلى طهارة بول الغلام قال لأن النص إنما ورد بنضحه ورشه دون غسله والنضح والرش لا يزيله وقال فقهاء العراق لا يجزئ فيه إلا الغسل فيهما جميعا هذا قول النخعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه لعموم الأحاديث الواردة بغسل البول وقياسا على سائر النجاسات وقياسا لبول الغلام على بول الجارية والسنة قد فرقت بين البولين صريحا فلا يجوز التسوية بين ما صرحت به السنة بالفرق بينهما وقالت طائفة منهم الأوزاعي ومالك في رواية الوليد بن مسلم عنه ينضح بول الغلام والجارية دفعا للمشقة لعموم الابتلاء بالتربية والحمل لهما وهذا القول يقابل من قال يغسلان والتفريق هو الصواب الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة قال أبو البركات ابن تيمية والتفريق بين البولين إجماع الصحابة رواه أبو داود عن علي بن أبي طالب ورواه سعيد بن منصور عن أم سلمة وقال إسحاق بن راهويه مضت السنة من رسول الله بأن يرش بول الصبي الذي لم يطعم الطعام ويغسل بول الجارية طعمت أو لم تطعم قال وعلى ذلك كان أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم قال ولم يسمع عن النبي ولا عمن بعده إلى زمان التابعين أن أحدا سوى الغلام والجارية انتهى كلامه والقياس في مقابلة السنة مردود وقد فرق بين الغلام والجارية في المعنى بعدة فروق أحدها أن بول الغلام يتطاير وينشر هاهنا وهاهنا فيشق غسله وبول الجارية يقع في موضع واحد فلا يشق غسله الثاني أن بول الجارية أنتن من بول الغلام لأن حرارة الذكر أقوى وهي تؤثر في إنضاج البول وتخفيف رائحته الثالث أن حمل الغلام أكثر من حمل الجارية لتعلق القلوب به كما تدل عليه المشاهدة فإن صحت هذه الفروق وإلا فالمعول على تفريق السنة قال الأصحاب وغيرهم النضح أن يغرقه بالماء وإن لم يزل عنه وليس هذا بشرط بل النضح الرش كما صرح به في اللفظ الآخر بحيث يكاثر البول بالماء ولا يبطل حكم النضح بتعليق الغسل والشراب والتحنيك ونحوه لئلا تتعطل الرخصة فإنه لا يخلو من ذلك مولود غالبا ولأن النبي كان من عادته تحنيك الأطفال بالتمر عند ولادتهم وإنما يزول حكم النضح إذا أكل الطعام وأراده واشتهاه تغذيا به والله أعلم
● [ الباب الثاني عشر ] ●
في حكم ريقه ولعابه
في حكم ريقه ولعابه
هذه المسألة مما تعم به البلوى وقد علم الشارع أن الطفل يقيء كثيرا ولا يمكن غسل فمه ولا يزال ريقه ولعابه يسيل على من يربيه ويحمله ولم يأمر الشارع بغسل الثياب من ذلك ولا منع من الصلاة فيها ولا أمر بالتحرز من ريق الطفل فقالت طائفة من الفقهاء هذا من النجاسة التي يعفى عنها للمشقة والحاجة كطين الشوارع والنجاسة بعد الاستجمار ونجاسة أسفل الخف والحذاء بعد دلكهما بالأرض وقال شيخنا وغيره من الأصحاب بل ريق الطفل يطهر فمه للحاجة كما كان ريق الهرة مطهرا لفمها وقد أخبر النبي أنها ليست بنجس مع علمه بأكلها الفأر وغيره وقد فهم من ذلك أبو قتادة طهارة فمها وريقها وكذلك أصغى لها الإناء حتى شربت وأخبرت عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يصغي إلى الهرة ماء حتى تشرب ثم يتوضأ بفضلها واحتمال ورودها على ماء كثير فوق القلتين في المدينة في غاية البعد حتى ولو كانت بين مياه كثيرة لم يكن هذا الاحتمال مزيلا لما علم من نجاسة فمها لولا تطهير الريق له فالريق مطهر فم الهرة وفم الطفل للحاجة وهو أولى بالتطهير من الحجر في محل الاستجمار ومن التراب لأسفل الخف والحذاء والرجل الحافية على أحد القولين في مذهب مالك وأحمد وأولى بالتطهير من الشمس والريح وأولى بالتطهير من الخل وغيره من المائعات عند من يقول بذلك وأولى بالتطهير من مسح السيف والمرآة والسكين ونحوها من الأجسام الصقيلة بالخرقة ونحوها كما كان الصحابة يمسحون سيوفهم ولا يغسلونها بالماء ويصلون فيها ولو غسلت السيوف لصدئت وذهب نفعها وقد نظر النبي في سيفي ابني عفراء فاستدل بالأثر الذي فيهما على اشتراكهما في قتل أبي جهل لعنه الله تعالى ولم يأمرهما بغسل سيفيهما وقد علم أنهما يصليان فيهما والله أعلم
● [ الباب الثالث عشر ] ●
في جواز حمل الأطفال في الصلاة وإن لم يعلم حال ثيابهم
في جواز حمل الأطفال في الصلاة وإن لم يعلم حال ثيابهم
ثبت في الصحيحين عن أبي قتادة أن رسول الله كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله وهي لأبي العاص بن الربيع فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها ولمسلم حملها على عنقه ولأبي داود بينما نحن ننتظر رسول الله في الظهر أو العصر وقد دعاه بلال إلى الصلاة إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت زينب على عنقه فقام رسول الله في مصلاه وقمنا خلفه وهي في مكانها الذي هي فيه فكبرنا حتى إذا أراد رسول الله أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده ثم قام أخذها فردها في مكانها فما زال رسول الله يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته وهذا صريح أنه كان في الفريضة وفيه رد على أهل الوسواس وفيه أن العمل المتفرق في الصلاة لا يبطلها إذا كان للحاجة وفيه الرحمة بالأطفال وفيه تعليم التواضع ومكارم الأخلاق وفيه أن مس الصغير لا ينقض الوضوء
● [ الباب الرابع عشر ] ●
في استحباب تقبيل الأطفال
في استحباب تقبيل الأطفال
في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قبل رسول الله الحسن ابن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم فنظر إليه رسول الله فقال من لا يرحم لا يرحم وفي الصحيحين أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب على رسول الله فقالوا تقبلون صبيانكم فقالوا نعم فقالوا والله لكنا ما نقبل فقال أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة وفي المسند من حديث أم سلمة قالت بينما رسول الله في بيتي يوما إذ قالت الخادم إن فاطمة وعليا رضي الله عنهما بالسدة قالت فقال لي قومي فتنحي عن أهل بيتي قالت فقمت فتنحيت في البيت قريبا فدخل علي وفاطمة ومعهم الحسن والحسين وهما صبيان صغيران فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى فقبل فاطمة وقبل عليا وأغدف عليهما خميصة سوداء وقال اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي قالت فقلت وأنا يا رسول الله فقال وأنت وفي طريق أخرى نحوه وقال إنك إلى حين
● [ الباب الخامس عشر ] ●
في وجوب تأديب الأولاد وتعليمهم والعدل بينهم
في وجوب تأديب الأولاد وتعليمهم والعدل بينهم