منتدى حكماء رحماء الطبى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    من بداية سنة سبع للهجرة إلى غزوة مؤتة

    avatar
    حكماء
    Admin


    عدد المساهمات : 2700
    تاريخ التسجيل : 30/12/2013

    من بداية سنة سبع للهجرة إلى غزوة مؤتة Empty من بداية سنة سبع للهجرة إلى غزوة مؤتة

    مُساهمة من طرف حكماء الثلاثاء 9 أبريل 2019 - 11:20

    من بداية سنة سبع للهجرة إلى غزوة مؤتة Alathe10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    أحوال البلاد وأخبار العباد
    من بداية سنة سبع للهجرة إلى غزوة مؤتة
    من بداية سنة سبع للهجرة إلى غزوة مؤتة 1410
    ● [ ودخلت سنة سبع ] ●
    ذكر غزوة خيبر

    لما عاد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الحديبية أقام بالمدينة ذا الحجة وبعض المحرم وسار إلى خيبر في ألف وأربعمائة رجل معهم مائتا فارس، وكان مسيره إلى خيبر في المحرم سنة سبع، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، فمضى حتى نزل بجيشه بالرجيع ليحول بين أهل خيبر وغطفان لأنهم كانوا مظاهرين لهم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقصدت غطفان خيبر ليظاهروا يهود عليه، ثم خافوا المسلمين أن يخلفوهم في أهليهم وأموالهم، فرجعوا ونزلوا بين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويهود، فسار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال في مسيره لعامر بن الأكوع، عم سلمة بن عمرو بن الأكوع: احد لنا، فنزل وحداهم يقول:
    والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
    فأنزلن سكينةً علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
    فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: رحمك الله ! فقال له عمر: هلا امتعتنا به يا رسول الله ! وكان إذا قالها لرجل قتل، فلما نازلوا خيبر بارز عامر فعاد عليه سيفه فجرحه جرحاً شديداً، فمات منه، فقال الناس: إنه قتل نفسه. فقال سلمة ابن أخيه للنبي، صلى الله عليه وسلم، ما قالوا فقال: كذبوا بل له أجره مرتين. فلما أشرف عليها قال لأصحابه: قفوا. ثم قال: (اللهمّ ربّ السموات وما وما أظلَلْلنَ، وربّ الأرضين وما أقلَلْلنَ، وربّ الشياطين وما أضلَلْنَ، وربّ الرياح وما أذرَيْنَ، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها وشرّ ما فيها، أقدموا بسم الله). وكان يقول ذلك لكل قرية يقدمها.
    ونزل على خيبر ليلاً ولم يعلم أهلها فخرجوا عند الصباح إلى عملهم بمساحيهم، فلما رأوا عادوا وقالوا: محمد والخميس، يعنون الجيش، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم (فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ) الصافات: 177. ثم حصرهم وضيق عليهم وبدأ بالأموال يأخذها مالاً مالاً ويفتحها حصناً حصناً، فكان أول حصن افتتحه حصن ناعم، وعنده قتل محمود بن سلمة، ألقي عليه منه رحىً فقتلته، ثم القموص حصن بني أبي الحقيق، وأصاب منهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سبايا، منهم صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فاصطفاها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لنفسه، وفشت السبايا في المسلمين وأكلوا لحوم الحمر الإنسية، فنهاهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عنها.
    وكان الزبير بن باطا القرظي قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية يوم بعاث، فأطلقه، فلما كان الآن أتاه ثابت فقال له: أتعرفني ؟ قال: وهل يجهل مثلي مثلك ! قال: أريد أن أجزيك بيدك عندي. قال: إن الكريم يجزي الكريم. فأتى ثابت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: كان للزبير عندي يد أريد أن أجزيه بها فهبه به لي. فوهبه له. فأتاه فقال له: إن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد وهب لي دمك فهو لك. قال: شيخ كبير لا أهل له ولا ولد؛ فاستوهب ثابت أهله وولده من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فوهبهم له. فقال الزبير: أهل بيت بالحجاز لا مال لهم؛ فاستوهب ثابت ماله من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فوهبه له، فمن عليه بالجميع.
    فقال الزبير: أي ثابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة صقيلة يتراءى فيها عذارى الحي كعب بن أسد ؟ قال: قتل. فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب ؟ قال: قتل. قال: فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا كررنا عزال بن سموال ؟ قال: قتل. قال: فما فعل المجلسان ؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة. قال: ذهبوا. قال: فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ما ألحقتني بهم، فوالله ما في العيش بعدهم خير فقتله.
    ثم افتتح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حصن الصعب، وهو أكثرها طعاماً وودكاً، ثم قصد حصنهم الوطيح والسلالم، وكانا آخر ما افتتحه فخرج منه مرحب اليهودي وهو يقول:
    قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطلٌ مجرّب
    أطعن أحياناً وحيناً أضرب ... إذا اللّيوث أقبلت تلهّب
    كان حمادى كالحمى لا يقرب
    وسأل المبارزة، فخرج إليه محمد بن مسلمة وقال: أنا والله الموتور الثائر، قتلوا أخي بالأمس. فأقره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمبارزته وقال: اللهم أعنه عليه، فخرج إليه فتقاتلا طويلاً، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة فضربه، فاتقاه بالدرقة، فوقع سيفه فيها، فعضت به فأمسكته، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله. ثم خرج بعده أخوه ياسر وهو يقول:
    قد علمت خيبر أنّي ياسر ... شاكي السّلاح بطلٌ مغاور
    وطلب المبارزة، فخرج إليه الزبير بن العوام، فقتله الزبير.
    وقيل: إن الذي قتل مرحباً وأخذ الحصن علي بن أبي طالب؛ وهو الأشهر والأصح.
    قال بريدة الأسلمي: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ربما أخذته الشقيقة فيلبث اليوم اليومين لا يخرج، فلما نزل خيبر أخذته فلم يخرج إلى الناس، فأخذ أبو بكر الراية من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً، ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الأول؛ ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: (أمَا والله لأعطينّها غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، يأخذها عنوةً). وليس ثم علي، كان قد تخلف بالمدينة لرمد لحقه، فلما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مقالته هذه تطاولت لها قريش، فأصبح فجاء علي على بعير له حتى أناخ قريباً من خباء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو أرمد قد عصب عينيه، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما لك ؟؟ قال: رمدت بعدك. فقال له: ادن مني. فدنا منه، فتفل في عينيه، فما شكا وجعاً حتى مضى لسبيله. ثم أعطاه الراية، فنهض بها وعليه حلة حمراء، فأتى خيبر، فأشرف عليه رجل من يهود فقال: من أنت ؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. فقال اليهودي: غلبتم يا معشر يهود. وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر يماني قد نقبه مثل البيضة على رأسه وهو يقول:
    قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطلٌ مجرّب
    فقال علي:
    أنا الذي سمّتني أمّي حيدره ... أكيلكم بالسّيف كيل السّندره
    ليثٌ بغاباتٍ شديدٌ قسورة
    فاختلفا ضربتين، فبدره علي فضربه فقد الحجفة والمغفر ورأسه حتى وقع في الأرض؛ وأخذ المدينة.
    قال أبو رافع مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، برايته إلى خيبر، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله، فقاتلهم فضربه يهودي فطرح ترسه من يده فتناول علي باباً كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده؛ فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه. وكان فتحها في صفر.
    فلما فتحت خيبر جاء بلال بصفية وأخرى معها على قتلى يهود، فلما رأتهم التي مع صفية صرخت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها، فاصطفى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صفية وأبعد الأخرى وقال: إنها شيطانة، لأجل فعلها. وقال لبلال: أنزعت منك الرحمة؟ جئت بهما على قتلاهما ! وكانت صفية قد رأت في منامها وهي عروس لكنانة بن أبي الحقيق أن قمراً وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها، فقال: ما هذا إلا أنك تتمنين محمداً. ولطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها، فأتي بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبها أثر منها، وسألها فأخبرته، ودفع كنانة ابن أبي الحقيق إلى محمد بن مسلمة فقتله بأخيه محمود.
    فلما سمع بذلك أهل فدك بعثوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يسألونه أن يسيرهم ويخلوا له الأموال. ففعل ذلك، ولما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يعاملهم في الأموال على النصف وأن يخرجهم إذا شاء، فساقاهم على الأموال على الشرط الذي طلبوا، وفعل مثل ذلك أهل فدك، وكانت خيبر فيئاً للمسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب. ولما استقر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية مسمومة فوضعتها بين يديه، فأخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور، فأكل بشر منها، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة، ثم دعا المرأة فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك ؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقتل: إن كان نبياً فسيخبر، وإن كان ملكاً استرحنا منه. فتجاوز عنها. ومات بشر من تلك الأكلة.
    وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مرضه الذي مات فيه: هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من أكلة خيبر. فكان المسلمون يرون أنه مات شهيداً مع كرامة النبوة.
    ولما فرغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من خير انصرف إلى وادي القرى فحاصر أهله ليالي فافتتحه عنوة، وفي حصارة قتل مدعم مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي، فقال المسلمون: هنيئاً له الجنة. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كلا، والذي نفس محمد بيده إن شملته الآن لتشتعل عليه ناراً، وكان غلها من فيء المسلمين يوم خيبر. فسمعه رجل فقال: يا رسول الله أصبت شراكين لنعلين لي كنت أخذتهما. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يقد لك مثلهما من النار.
    وترك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، النخل والأرض في أيدي أهل الوادي وعاملهم نحو ما عامل أهل خيبر، فبقوا كذلك إلى أن ولي عمر الخلافة فأجلاهم، وقيل: إنه يجلهم لأنها خارجة عن الحجاز.
    وفي هذه السفرة، أعني خيبر، نام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، والقصة مشهورة.
    وشهد معه نساء من نساء المسلمين فرضخ لهن من الفيء.
    وفي هذه السفرة قال الحجاج بن علاط السلمي لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: لي بمكة مالٌ عند صاحبتي أم شيبة ابنة أبي طلحة، وهي أم ابنه معرض بن الحجاج، ومال متفرق بمكة، فأذن لي يا رسول الله. فأذن له. فقال: إنه لا بد من أن أقول. قال: قل. فقدم الحجاج مكة، فسأله أهل مكة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما صنع بخيبر، ولم يكونوا علموا بإسلامه، فقال لهم: إن يهود هزمته وأصحابه وقتل أصحابه قتلاً ذريعاً وأسر محمد، وقالت يهود: لن نقتله حتى نبعث به إلى مكة فقتلوه. فصاحوا بمكة بذلك، فقال: أعينوني في جمع مالي حتى أقدم خيبر فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار. فجمعوه كله كأحث شيء. فأتاه العباس وسأله عن الخبر، فأخبره، بعد أن جمع ماله، بفتح خيبر وأن النبي، صلى الله عليه وسلم، أخذ صفية بنت حيي لنفسه، وأنه قدم لجمع ماله، وسأله أن يكتم عنه ثلاثاً خوف الطلب. فكتم العباس الخبر ثلاثاً بعد مسيره، ثم لبس حلة له وخرج فطاف بالكعبة، فلما رأته قريش قالوا: يا أبا الفضل هذا والله التجلد. قال: كلا والله ! لقد افتتح محمد خيبر وأخذ ابنة ملكهم وأموالهم. وأخبرهم بخبر الحجاج. فقالوا: لو علمنا لكان له ولنا شأن.
    وقسم من أموال خيبر الشق والنطاة بين المسلمين، وكانت الكتيبة خمس الله والرسول وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فطعم أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، وطعم رجال مشوا بين رسول الله وأهل فدك بالصلح، وقسمت خيبر على أهل الحديبية، فأعطي الفرس سهمين والرجل سهماً. وأقر النبي، صلى الله عليه وسلم، أهل خيبر بخيبر، وأبو بكر بعده، وعمر صدراً من إمارته حتى بلغه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال في مرضه الذي مات فيه: لا يجتمع بجزيرة العرب دينان، فأجلى عمر من يهود من لم يكن معه عهد من رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    سلام بن مشكم بتشديد اللام، ومشكم بكسر الميم، وسكون الشين المعجمة. والحقيق بضم الحاء المهملة، وبقافين. وأخطب بالخاء المعجمة، وآخره باء موحدة. ومعمرور بالعين المهملة، وبعده راءان مهملتان. وعلاط بكسر العين المهملة، وطاء مهملة.
    ذكر فدكلما انصرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من خيبر بعث محصة بن مسعود إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام ورئيسهم يومئذ يوشع بن نون اليهودي، فصالحوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على نصف الأرض، فقبل منهم ذلك، وكان نصف فدك خالصاً لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، يصرف ما يأتيه منها على أبناء السبيل، ولم يزل أهلها بها حتى استخلف عمر بن الخطاب، وأجلى يهود الحجاز، فبعث أبا الهيثم بن التيهان وسهل بن أبي خيثمة وزيد بن ثابت، فقوموا نصف تربتها بقيمة عدل، فدفعها إلى يهود وأجلاهم إلى الشام، ولم يزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي يصنعون صنيع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد وفاته.
    فلما ولي معاوية الخلافة أقطعها مروان بن الحكم، فوهبها مروان ابنيه عبد الملك وعبد العزيز، ثم صارت لعمر بن عبد العزيز وللوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان، فلما ولي الوليد الخلافة وهب نصيبه عمر بن عبد العزيز، ثم ولي سليمان الخلافة فوهب نصيبه منها أيضاً عمر بن عبد العزيز، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة خطب الناس وأعلمهم أمر فدك وأنه قد ردها إلى ما كانت عليه مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فوليها أولاد فاطمة بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم أخذت منهم.
    فلما كانت سنة عشر ومائتين ردها المأمون إليهم.
    محيصة بضم الميم، وفتح الحاء المهملة، وتشديد الياء المثناة من تحت وكسرها، وآخره صاد مهملة. والتيهان بفتح التاء فوقها نقطتان، وتشديد الياء تحتها نقطتان وكسرها.
    وفي هذه السنة رد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع، زوجها، في المحرم. وفيها قدم حاطب من عند المقوقس بمارية أم إبراهيم ابن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأختها شيرين، وبغلته دلدل، وحماره يعفور، وكسوة، فأسلمت مارية وأختها قدومهما على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخذ مارية لنفسه ووهب شيرين حسان بن ثابت الأنصاري، فهي أم ابنه عبد الرحمن، فهو وإبراهيمابنا خالةٍ. وفيها اتخذ منبره، وقيل: إنه عمل سنة ثمان، وهو الثبت.
    وفيها بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمر بن الخطاب في ثلاثين رجلاً إلى عجز هوازن، فهربوا منه ولم يلق كيداً.
    وفيها كانت سرية بشير بن سعد والد النعمان بن بشير الأنصاري إلى بني مرة بفدك في شعبان في ثلاثين رجلاً أصيب أصحابه وارتث في القتلى، ثم رجع إلى المدينة.
    وفيها كانت سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى أرض بني مرة، فأصاب مرداس بن نهيك حليفاً لهم من جهينة قتله أسامة بن زيد ورجل من الأنصار. قال أسامة: لما غشيناه قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما قدمنا على النبي، صلى الله عليه وسلم، أخبرناه الخبر فقال: كيف تصنع بلا إله إلا الله ! وفيها كانت سرية غالبة بن عبد الله أيضاً في مائة وثلاثين راكباً إلى بني عبد بن ثعلبة، فأغار عليهم واستاق النعم إلى المدينة. وفيها كانت سرية بشير بن سعد إلى اليمن والجناب في شوال.
    وكان سببها أن جبيل بن نويرة الأشجعي كان دليل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى خيبر، قدم على النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبره أن جمعاً من غطفان بالجناب قد أمدهم عيينة بن حصن وأمرهم بالمسير إلى المدينة، فبعث النبي، صلى الله عليه وسلم، بشيراً فأصابوا نعماً وقتلوا مولى لعيينة، ثم لقوا جمع عيينة، فهزمهم المسلمون، وانهزم عيينة، فلقيه الحارث بن عوف منهزماً، فقال له: قد آن لك أن تقصر عما مضى.
    حاطب بالحاء المهملة، وآخره باء موحدة. وبشير بفتح الباء الموحدة، وكسر الشين المعجمة، وآخره راء، والد النعمان بن بشي. وعيينة بضم العين، وفتح الياء المثناة تحتها نقطتان، وسكون الياء الثانية، وبعدها نون، تصغير عين.
    ذكر عمرة القضاءلما عاد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من خيبر أقام بالمدينة جماديين ورجب وشعبان ورمضان وشوالاً يبعث السرايا، ثم خرج في ذي الحجة معتمراً عمرة القضاء وساق معه سبعين بدنةً وخرج معه المسلمون ممن كان معه في عمرته الأولى. فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه وتحدثت قريش بينها أن النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه في عسر وجهد، فاصطفوا له عند دار الندرة، فلما دخلها اضطبع بردائه فأخرج عضده اليمنى ثم قال: (رحم الله أمرأً أراهم اليوم من نفسه قوّةً)! ثم استلم الركن وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه، وكان بين يديه لما دخل مكة عبد الله بن رواحة آخذاً بخطام ناقته وهو يقول:
    خلّوا بني الكفّار عن سبيله ... خلّوا فكلّ الخير في رسوله
    يا ربّ إنّي مؤمنٌ بقيله ... أعرف حقّ الله في قبوله
    نحن قتلناكم على تأويله ... ويذهل الخليل عن خليله
    وتزوج النبي، صلى الله عليه وسلم، في سفره هذا بميمونة بنت الحارث وأقام بمكة ثلاثاً، فأرسل المشركون إليه مع علي بن أبي طالب ليخرج عنهم. فقال: ما عليهم لو أعرست بين أظهرهم وصنعنا لهم طعاماً فحضروه معنا ؟ فقالوا: لا حاجة لنا في طعامه. فخرج عنهم وبنى بميمونة بسرف، ثم انصرف إلى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع، وبعث جيشه الذي أصيب بمؤتة، وولي تلك الحجة المشركون.
    وفيها كانت غزوة ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم في ذي القعدة، فلقوه فأصيب هو وأصحابه، وقيل: بل نجا وأصيب أصحابه.
    ● [ ودخلت سنة ثمان ] ●

    فيها توفيت زينب بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ قاله الواقدي. وفيها كانت سرية غالب بن عبد الله الليثي الكلبي، كلب الليث، إلى بن الملوح، فلقيه الحارث بن البرصاء الليثي فأخذوه أسيراً، فقال: إنما جئت لأسلم. فقال له غالب: إن كنت صادقاً فلن يضرك رباط ليلة، وإن كنت كاذباً استوثقنا منك. ووكل به بعض أصحابه وقال له: إن نازعك فخذ رأسه؛ وأمره بالمقام إلى أن يعود، ثم ساروا حتى أتوا بطن الكديد فنزلوا بعد العصر وأرسلوا جندب بن مكيث الجهني ربيئة لهم، قال: فقصدت تلاً هناك يطلعني على الحاضر فانبطحت عليه، فخرج لي منهم رجلٌ فرآني منبطحاً، فأخذ قوسه وسهمين فرماني بأحدهما، فوضعه في جنبي، قال: فنزعته ولم أتحرك، ثم رماني بالثاني فوضعه في رأس منكبي، قال: فنزعته ولم أتحرك. قال: أما والله لقد خالطه سهماي ولو كان ربيئة لتحرك. قال: فأمهلناهم حتى راحت مواشيهم واحتلبوا فشننا عليهم الغارة فقتلنا منهم واستقنا منهم النعم ورجعنا سراعاً. وأتى صريخ القوم فجاءنا ما لا قبل لنا به حتى إذا لم يكن بيننا إلا بطن الوادي من قديد بعث الله من حيث شاء سحاباً ما رأينا قبل ذلك مطراً مثله، فجاء الوادي بما لا يقدر أحد يجوزه، فلقد رأيتهم ينظرون إلينا ما يقدر أحد يتقدم، وقدمنا المدينة. وكان شعار المسلمين: أمت أمت، وكان عدتهم بضعة عشر رجلاً.
    وفيها بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، العلاء بن الحضرمي إلى البحرين وبها المنذر بن ساوى، فصالح المنذر على أن على المجوس الجزية ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم. وقيل: إن إرساله كان سنة ست من الهجرة مع الرسل الذين أرسلهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الملوك، وقد تقدم ذلك.
    وفيها كانت سرية شجاع بن وهب إلى بني عامر في ربيع الأول في أربعة عشر رجلاً، فأصابوا نعماً، فكان سهم كل رجل منهم خمسة عشر بعيراً.
    وفيها كانت سرية عمرو بن كعب الغفاري إلى ذات الأطلاح في خمسة عشر رجلاً، فوجد بها جمعاً كثيراً فدعاهم إلى الإسلام فأبوا أن يجيبوا وقتلوا أصحاب عمرو ونجا حتى قدم المدينة.
    وذات الأطلاح من ناحية الشام، وكانوا من قضاعة ورئيسهم رجل يقال له سدوس.
    ● [ ذكر إسلام خالد بن الوليد ] ●
    وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة

    في هذه السنة في صفر قدم عمرو بن العاص مسلماً على النبي، صلى الله عليه وسلم، وقدم معه خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة العبدري.
    وكان سبب إسلام عمرو أنه قال: لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق قلت لأصحابي: إني أرى أمر محمد يعلو علواً منكراً، وإني قد رأيت أن نلحق بالنجاشي، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، وإن ظهر قومنا على محمد فنحن من قد عرفوا. قالوا: إن هذا الرأي. قال: فجمعنا له أدماً كثيراً وخرجنا إلى النجاشي، فإنا لعنده إذ وصل عمرو بن أمية الضمري رسولاً من النبي، صلى الله عليه وسلم، في أمر جعفر وأصحابه. قال: فدخلت على النجاشي وطلبت منه أن يسلم إلي عمرو بن أمية الضمري لأقتله تقرباً إلى قريش بمكة. فلما سمع كلامي غضب وضرب أنفه ضربةً ظننت أنه قد كسره، يعني النجاشي، فخفته ثم قلت: والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه. قال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ؟ قال: قلت: أيها الملك أكذلك هو ؟ قال: ويحك يا عمرو أعني واتبعه فإنه والله لعلى الحق وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده. قال: فقلت: فبايعني له على الإسلام. فبسط يده فبايعته ثم خرجت إلى أصحابي وكتمتهم إسلامي وخرجت عائداً إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولقيني خالد بن الوليد، وذلك قبل الفتح، وهو مقبل من مكة، فقلت: أين يا أبا سليمان ؟ قال: والله لقد استقام المنسم، إن الرجل لنبي، أذهب والله أسلم فحتى متى ! فقلت: ما جئت إلا للإسلام، فقدمنا على النبي، صلى الله عليه وسلم، فتقدم خالد بن الوليد فأسلم، ثم دنوت فأسلمت، وتقدم عثمان بن طلحة فأسلم.
    ● [ ذكر غزوة ذات السلاسل ] ●

    وفيها أرسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمرو بن العاص إلى أرض بلي وعذرة يدعو الناس إلى الإسلام، وكانت أمه من بلي، فتألفهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذلك، فسار حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلاسل، وبه سميت تلك الغزوة ذات السلاسل، فلما كان به خاف فبعث إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، يستمده، فبعث إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين، فيهم أبو بكر وعمر، وقال لأبي عبيدة حين وجهه: لا تختلفا. فخرج أبو عبيدة، فلما قدم عليه قال عمرو: إنما جئت مدداً إلي. فقال له أبو عبيدة: يا عمرو إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: لا تختلفا، فإن عصيتني أطعتك. قال: فأنا أمير عليك. قال: فدونك. فصلى عمرو بالناس.
    وفيها أرسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمرو بن العاص إلى جيفر وعياذ ابني الجلندى بعمان، فآمنا وصدقا. وأخذ الجزية من المجوس.
    ذكر غزوة الخبط وغيرهاوفيها كانت غزوة الخبط، وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح، في ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، وكانت في رجب، وزودهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جراباً من تمر، فكان أبو عبيدة يقبض لهم قبضة ثم تمرة تمرة، فكان أحدهم يلوكها ويشرب عليها الماء، فنفد ما في الجراب، فأكلوا الخبط وجاعوا جوعاً شديداً، فنحر لهم قيس بن سعد بن عبادة تسع جزائر فأكلوها، فنهاه أبو عبيدة، فانتهى. ثم إن البحر ألقى إليهم حوتاً ميتاً فأكلوا منها حتى شبعوا، ونصب أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه، فيمر الراكب تحته. فلما قدموا المدينة ذكروا ذلك للنبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: كلوا رزقاً أخرجه الله لكم، وأكل منه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذكروا صنيع قيس بن سعد، فقال: إن الجود من شيمة أهل ذلك البيت.
    وفيها كانت سرية وجهها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في شعبان أميرها أبو قتادة ومعه عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي؛ وكان سببها أن رفاعة بن قيس، أو قيسس بن رفاعة، في بطن عظيم من جشم نزل بالغابة يجمع لحرب النبي، صلى الله عليه وسلم، فبعث النبي، صلى الله عليه وسلم، أبا قتادة ومن معه ليأتوا منه بخير، فوصلوا قريباً من الحاضر مع غروب الشمس، فكمن كل واحد منهم في ناحية، وكانوا ثلاثة، وقيل: كانوا ستة عشر رجلاً، قال عبد الله بن أبي حدرد: فكان لهم راعٍ أبطأ عليهم، فخرج رفاعة بن قيس في طلبه ومعه سلاحه، فرميته بسهم في فؤاده، فما تكلم، قال: فأخذت رأسه ثم شددت في ناحية العسكر وكبرت وكبر صاحباي، فوالله ما كان إلا النجاء، فأخذوا نساءهم وأبناءهم وما خف عليهم واستقنا الإبل الكثيرة والغنم فجئنا بها رسول الله وبرأسه معي، فأعطاني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من تلك الإبل عشر بعيراً، وكنت قد تزوجت وأخذت أهلي. وعدل البعير بعشر من الغنم.
    وفيها أغزى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا قتادة أيضاً إلى إضم ومعه محلم بن جثامة الليثي قبل الفتح، فلقيهم عامر بن الأضبط الأشجعي على بعير له ومعه متاعه، فسلم عليهم بتحية الإسلام، فأمسكوا عنه، وحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينهما فقتله وأخذ بعيره، فلما قدمنا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أخبره الخبر، فنزل: (يَا أيُّهَا الَّذيِنَ آمَنُوا إذَا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) النساء: 93؛ الآية؛ وقيل: كانت هذه السرية حين خرج إلى مكة في رمضان. وكانوا ثمانية نفر.
    ● [ ذكر غزوة مؤتة ] ●

    كان ينبغي أن نقدم هذه الغزوة على ما تقدم، وإنما أخرناها لتتصل الغزوات العظيمة فيتلوا بعضها بعضاً. وكانت في جمادى الأولى من سنة ثمان، واستعمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عليهم زيد بن حارثة، وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة. فقال جعفر: ما كنت أذهب أن تستعمل علي زيداً. فقال: امض فإنك لا تدري أي ذلك خير. فبكى الناس وقالوا: هلا متعتنا بهم يا رسول الله ؟ فأمسك، وكان إذا قال: فإن أصيب فلان فالأمير فلان، أصيب كل من ذكره.
    فتجهز الناس، وهم ثلاثة آلاف، وودعهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والناس. فلما ودع عبد الله بن رواحة بكى عبد الله، فقال له الناس: ما يبكيك ؟ فقال: ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم، ولكن سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقرأ آية، وهي: (وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُهَا كَانَ عَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً) مريم: 71؛ فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ؟ فقال المسلمون: صحبكم الله وردكم إلينا سالمين. فقال عبد الله:
    لكنّني أسأل الرّحمن مغفرةً ... وضربةً ذات فرغٍ تقذف الزّبدا
    أو طعنةً بيدي حرّان مجهزةً ... بحربةٍ تنفذ الأحشاء والكبدا
    حتى يقولوا إذا مرّوا علي جدثي ... أرشدك الله من غازٍ وقد رشدا
    فلما ودعهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعاد قال عبد الله:
    خلف السّلام على امرءٍ ودّعته ... في النّخل خير مشيّع وخليل
    ثم ساروا حتى نزلوا معان، فبلغهم أن هرقل سار إليهم في مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعربة من لخم وجذام وبلقين وبلي، عليهم رجل من بلي يقال له مالك بن رافلة، ونزلوا مآب من أرض البلقاء، فأقام المسلمون بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نخبره الخبر وننتظر أمره، فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال: يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا نقاتلهم إلا بهذا الدين، فانطلقوا فما هي إلا إحدى الحسنيين. فقال الناس: صدق والله، وساروا، وسمعه زيد بن أرقم، وكان يتيماً في حجره، وقد أردفه في مسيره ذلك على حقيبته، وهو يقول:
    إذا أدّيتني وحملت رحلي ... مسيرة أربعٍ بعد الحساء
    فشأنك فانعمي وخلاك ذمّ ... ولا أرجع إلى أهلي ورائي
    وجاء المسلمون وغادروني ... بأرض الشّام مشتهي الثّواء
    وردّك كلّ ذي نسب قريبٍ ... من الرّحمن منقطع الإخاء
    هنالك لا أبالي طلع بعلٍ ... ولا نخلٍ أسافلها رواء
    فلما سمعها زيد بكى، فخفقه بالدرة وقال: ما عليك يا لكع ! يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل ؟ ثم ساروا، فالتقتهم جموع الروم والعرب بقرية من البلقاء يقال لها مشارف، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها، وكان على ميمنة المسلمين قطبة بن قتادة العذري، وعلى ميسرتهم عباية بن مالك الأنصاري، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى شاط في رماح القوم، ثم أخذها جعفر بن أبي طالب فقاتل بها وهو يقول:
    يا حبّذا الجنّة واقترابها ... طيّبةً وبارداً شرابها
    والرّوم رومٌ قد دنا عذابها، ... عليّ، إذ لاقيتها، ضرابها
    فلما اشتد القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم حتى قتل، وكان كعفر أول من عقر فرسه في الإسلام، فوجدوا به بضعاً وثمانين بين رمية وضربة وطعنة، فلما قتل أخذ الراية عبد الله بن رواحة ثم تقدم، فتردد بعض التردد، ثم قال يخاطب نفسه:
    أقسمت يا نفس لتنزلنّه ... طائعةً أو لا لتكرهنّه
    إن أجلت النّاس وشدّوا الرّنّه ... ما لي أراك تكرهين الجنّه
    قد طال ما قد كنت مطمئنّه ... هل أنت نطفةٌ في شنّه
    وقال أيضاً:
    يا نفس إن لم تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليت
    وما تمنّيت فقد أعطيت ... إن تفعلي فعلهما هديت
    ثم نزل عن فرسه، وأتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال له: شد بهذا صلبك، فقد لقيت ما لقيت. فأخذه فانتهش منه نهشةً ثم سمع الحطمة في ناحية العسكر فقال لنفسه: وأنت في الدنيا ! ثم ألقاه وأخذ سيفه وتقدم فقاتل حتى قتل.
    واشتد الأمر على المسلمين وكلب عليهم العدو، وقد كان قطبة بن قتادة قتل قبل ذلك مالك بن رافلة قائد المستعربة. ثم إن الخبر جاء من السماء في ساعته إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فصعد المنبر وأمر فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فقال: باب خير ! ثلاثاً أخبركم عن جيشكم هذا الغازي؛ إنهم لقوا العدو فقتل زيد شهيداً، فاستغفر له، ثم أخذ اللواء جعفرٌ فشد على القوم حتى قتل شهيداً، فاستغفر له، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، وصمت حتى تغيرت وجوه الأنصار وظنوا أنه قد كان من عبد الله ما يكرهون، ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: فقاتل القوم حتى قتل شهيداً، ثم قال: لقد رفعوا إلى الجنة على سر من ذهب، فرأيت في سرير ابن رواحة ازوراراً عن سريري صاحبيه، فقلت: عم هذا ؟ فقيل: مضيا، وتردد بعض التردد ثم مضى. ولما قتل ابن رواحة أخذ الراية ثابت بن أقرم الأنصاري وقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم. فقالوا: رضينا بك. فقال: ما أنا بفاعل. فاصطلحوا على خالد بن الوليد، فأخذ الراية ودافع القوم وانحازوا عنه، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد، فعاد بالناس، فمن يومئذٍ سمي خالد سيف الله.
    وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: مر بي جعفر البارحة في نفر من الملائكة له جناحان مختضب القوادم بالدم.
    قالت أسماء: أتاني النبي، صلى الله عليه وسلم، وقد فرغت من اشتغالي وغسلت أولاد جعفر ودهنتهم فأخذهم وشمهم ودمعت عيناه، فقلت: يا رسول الله أبلغك عن جعفر شيء ؟ قال: نعم، أصيب هذا اليوم. ثم عاد إلى أهله فأمرهم أن يصنعوا لآل جعفر طعاماً، فهو أول ما عمل في دين الإسلام. قالت أسماء بنت عميس: فقمت أصنع، واجتمع إلي النساء. فلما رجع الجيش ودنا من المدينة لقيهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والمسلمون، فأخذ عبد الله بن جعفر فحمله بين يديه، فجعل الناس يحثون التراب على الجيش ويقولون: يا فرار ؟ ويقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ليسوا بالفُرّار ولكنّهم الكُرّار إن شاء الله تعالى).

    من بداية سنة سبع للهجرة إلى غزوة مؤتة Fasel10

    مختصر الكامل في التاريخ لابن الأثير
    منتدى نافذة ثقافية - البوابة
    من بداية سنة سبع للهجرة إلى غزوة مؤتة E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 2:11