منتدى حكماء رحماء الطبى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ختام الفصل الثالث من الباب الثاني

    avatar
    حكماء
    Admin


    عدد المساهمات : 2700
    تاريخ التسجيل : 30/12/2013

    ختام الفصل الثالث من الباب الثاني Empty ختام الفصل الثالث من الباب الثاني

    مُساهمة من طرف حكماء الجمعة 30 أبريل 2021 - 6:39

    ختام الفصل الثالث من الباب الثاني Akeda_10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة العقيدة
    أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
    ختام الفصل الثالث من الباب الثاني
    ختام الفصل الثالث من الباب الثاني 1410
    ● [ المبحث السابع ] ●
    ختم الرسالة وبيان أنه لا نبي بعده

    تقدم الحديث عن هذه المسألة مع ذكر الأدلة عليها عند الحديث عن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم النبيين والحديث عن ختم الرسالة هنا هو من جانب آخر وهو أثر هذه العقيدة على دين المسلمين وثمرة تقريرها عليهم . فمن ثمار هذه العقيدة :
    1 - استقرار التشريع وكمال الدين لدى الأمة وأثر ذلك الكبير في حياة الأمة ولذا امتن الله على هذه الأمة بذلك في قوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } (المائدة : 3).
    وقد كان نزول هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قبل وفاته بأشهر بعد أن أكمل الله له التشريع . ولذا كان اليهود يغبطون المسلمين على هذه الآية على ما أخرج الشيخان أن رجلا من اليهود جاء إلى عمر رضي الله عنه فقال : (آية في كتابكم تقرؤوها لو نزلت علينا معشر يهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا) . قال وأي آية ؟ قال : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } (1) . وقد أبرز النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقة في صورة محسوسة وذلك بتشبيهه الرسالات قبله بقصر أكمل وأحسن بناؤه إلا موضع لبنة ، فكانت بعثته موضع تلك اللبنة ختم بها البناء ، وفي هذا تقرير ظاهر إلى أنه لم يبق مجال للزيادة في هذا الدين خاصة ولا الرسالات عامة كما أنه لا يمكن الزيادة في ذلك القصر بعد أن اكتمل بناؤه . وقد تقدم الحديث بنصه في المبحث السابق ضمن الحديث عن خصائص النبي صلى الله علي وسلم فليراجع في موضعه . (2).
    2 - ثقة الأمة بعدم نسخ هذا الدين وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ببعثه نبيا آخر " ومعنى ختم النبوة بنبوته عليه الصلاة والسلام أنه لا تبتدأ نبوة ولا تشرع شريعة بعد نبوته وشرعته ، وأما نزول عيسى عليه السلام وكونه متصفا بنبوته السابقة فلا ينافي ذلك ، على أن عيسى عليه السلام إذا نزل إنما يتعبد بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم دون شريعته المتقدمة لأنها منسوخة فلا يتعبد إلا بهذه الشريعة أصولا وفروعا ".
    3 - القطع بتكذيب كل مدع للنبوة بعده عليه الصلاة والسلام دون نظر أو تأمل ، وهذا من أبرز ثمرات الإيمان بعقيدة ختم النبوة التي تحصل بها العصمة للأمة من اتباع من ادعى النبوة من الدجالين الكذابين ، ولهذا كان التنبيه على هذا الأمر العظيم هو من أعظم مقاصد النبي صلى الله عليه وسلم في تقريره اعتقاد ختم النبوة به وذلك بإخباره عن خروج كذابين ثلاثين في هذه الأمة كلهم يدعي النبوة ثم تقريره أنه لا نبي بعده تحذيرا للأمة من تصديقهم واتباعهم . كما جاء هذا في حديث ثوبان صلى الله عليه وسلم في الفتن مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه : ( . . . « وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي » (3).
    4 - ظهور فضل الأمراء والعلماء من هذه الأمة حيث جعل سياسة الأمة في الدين والدنيا لهم بخلاف بني إسرائيل فإنهم كانت تسوسهم الأنبياء . فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وستكون خلفاء تكثر ) . قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : ( فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ) » (4) . فكان مقام الخلفاء في الأمة مقام الأنبياء في بني إسرائيل في سياسة الناس وقيادتهم . وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها » (5) . وواقع الأمة يشهد بهذا فلا يزال أمر الدين والدنيا محفوظا بالخلفاء والأمراء والعلماء الذين يسوسون الناس بالشرع ، ولا يزال الله تعالى يجدد لهذه الأمة ما اندرس من معالم دينها على مر العصور والدهور بالأئمة المجددين الذين ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، فدين الله بهم قائم غضا طريا على تطاول عهد البعثة وتقادم زمن الرسالة . وذلك فضل الله على هذه الأمة عامة ومن شرفه بهذا المقام خاصة.
    وعلى كل حال فعقيدة ختم النبوة وآثارها في الدين من أبرز خصائُص هذه الأمة التي أكسبتها قوة الإيمان بدينها وصدق اليقين به ورسوخ القدم في الثبات عليه ، إلى أن يأتي أمر الله.
    _________
    (1) صحيح البخاري برقم (45) ، ومسلم برقم (3017) .
    (2) انظر ص170 .
    (3) سنن الترمذي 4 / 499 وقال حديث حسن صحيح ، وبنحوه أبو داود عن أبي هريرة سنن أبي داود 4 / 329 برقم (4333- 4334).
    (4) صحيح البخاري برقم (3455) ، وصحيح مسلم برقم (1842) ، واللفظ له .
    (5) رواه أبو داود 4 / 313 برقم (4291) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، المستدرك 4 / 522.
    [ المبحث الثامن ]
    الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم حقيقته وأدلته

    ● تعريف الإسراء لغة وشرعا :
    الإسراء في اللغة : من السرى وهو : سير الليل أو عامته . وقيل : سير الليل كله .
    ويقال : سريت ، وأسريت . ومنه قول حسان :
    أسرت إليك ولم تكن تسري ...
    والإسراء إذا أطلق في الشرع يراد به : الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى بيت المقدس بإيليا ورجوعه من ليلته.
    حقيقة الإسراء وأدلته

    والإسراء آية عظيمة أيد الله بها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة حيث أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكبا على البراق بصحبة جبريل عليه السلام حتى وصل بيت المقدس ، فربط البراق بحلقة باب المسجد ، ثم دخل المسجد وصلى فيه بالأنبياء إماما ، ثم جاءه جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاختار اللبن على الخمر فقال له جبريل : هديت للفطرة . وقد دل على الإسراء الكتاب والسنة .
    قال تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (الإسراء : 1).
    ومن السنة حديث أنس بن مالك الذي أخرجه مسلم في صحيحه من طريق ثابت البناني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أتيت بالبراق " وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه " قال : فركبته حتى أتيت بيت المقدس . قال : فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء ، قال : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن . فقال جبريل صلى الله عليه وسلم : اخترت الفطرة » (1) . ثم ذكر بقية الحديث وعروجه إلى السماء . وقد دل على الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث منها ما جاء في الصحيحين ومنها ما جاء في السنن وغيرها وقد رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جمع من الصحابة نحو الثلاثين رجلا ثم تناقلها عنهم مالا يحصي عدهم إلا الله من رواة السنة وأئمة الدين.
    وقد اتفقت كلمة علماء المسلمين سلفا وخلفا وانعقد إجماعهم على صحة الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه حق . نقل الإجماع على ذلك القاضي عياض في (الشفاء) والسفاريني في (لوامع الأنوار) . والإسراء كان بروح النبي صلى الله عليه وسلم وجسده ، يقظة لا مناما . فهذا هو الذي دلت عليه النصوص الصحيحة وعليه عامة الصحابة وأئمة أهل السنة والمحققين من أهل العلم.
    قال ابن أبي العز الحنفي : (وكان من حديث الإسراء : أنه أسري بجسده في اليقظة على الصحيح من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى . . ) . وقال القاضي عياض مقررا أن هذا هو الذي عليه عامة أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم : (وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه إسراء بالجسد وفي اليقظة ، وهذا هو الحق ، وهو قول ابن عباس وجابر ، وأنس ، وحذيفة ، وعمر ، وأبي هريرة ، ومالك بن صعصعة ، وأبي حبة البدري ، وابن مسعود ، والضحاك ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن المسيب ، وابن شهاب ، وابن زيد ، والحسن ، وإبراهيم ، ومسروق ، ومجاهد ، وعكرمة ، وابن جريج ، وهو دليل قول عائشة ، وهو قول الطبري وابن حنبل وجماعة عظيمة من المسلمين ، وقول أكثر المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والمفسرين).
    وقال أحد المحققين الأفذاذ في نقده لقول من زعم أن الإسراء مرتان : (والصواب الذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة . ويا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه مرارا كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في كل مرة تفرض عليه الصلاة خمسين ثم يتردد بين ربه وبين موسى حتى تصير خمسا ثم يقول : (أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) ثم يعيدها في المرة الثانية إلى خمسين ، ثم يحطها عشرا عشرا).
    _________
    (1) صحيح مسلم برقم (162) .
    المعراج وحقيقته

    الحديث عن المعراج هو قرين الحديث عن الإسراء في النصوص وكلام أهل العلم ولذا كان من المناسب التعريف به تتميما للفائدة.
    والمعراج : مفعال من العروج . أي الآلة التي يعرج فيها ، أي يصعد . وهو منزلة السلم لكن لا نعلم كيفيته . والمقصود بالمعراج عند الإطلاق في الشرع : هو صعود النبي صلى الله عليه وسلم بصحبة جبريل عليه السلام من بيت المقدس إلى السماء الدنيا ثم باقي السماوات إلى السماء السابعة ورؤية الأنبياء في السماوات على منازلهم وتسليمه عليهم وترحيبهم به ، ثم صعوده إلى سدرة المنتهى ، ورؤيته جبريل عندها على الصورة التي خلقه الله عليها ، ثم فرض الله عليه الصلوات الخمس تلك الليلة وتكليم الله له بذلك ثم نزوله إلى الأرض . وكان المعراج ليلة الإسراء على الصحيح.
    وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على المعراج . أما الكتاب فقد جاء فيه ذكر بعض الآيات العظيمة التي حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج كقوله تعالى : { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى }{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى }{ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى }{ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى }{ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى }{ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى }{ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } (النجم : 12-18) . فذكر الله تعالى في هذا السياق الآيات العظيمة التي أكرم بها رسوله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج كرؤيته جبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى ، ورؤيته سدرة المنتهى وقد غشاها ما غشاها من أمر الله . قال ابن عباس ومسروق " غشيها فراش من ذهب ".
    وقد جاء في السنة خبر المعراج مفصلا في أكثر من حديث منها حديث أنس المتقدم في قصة الإسراء والذي سبق نقل ما يتعلق بالإسراء منه ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل . فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير » . (ثم ذكر عروجه إلى السماوات وملاقاته الأنبياء إلى أن قال) : « ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة ، إذا ثمارها كالقلال . قال : فلما غشيها من الله ما غشيها تغيرت . فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها . فأوحى الله إلي ما أوحى . ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم . فقال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم . قال : فرجعت إلى ربي . فقلت : يا رب خفف على أمتي . فحط عني خمسا . فرجعت إلى موسى . فقلت : حط عني خمسا . قال : إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . قال : فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال : يا محمد . إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة » . . ) (1) الحديث . أخرجه مسلم وقد جاء خبر المعراج بألفاظ متقاربة من حديث مالك بن صعصعة وأبي ذر وابن عباس في الصحيحين وغيرهما.
    تنبيه

    الإسراء والمعراج من الآيات العظيمة التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم والواجب على المسلم اعتقاد صحتهما وأنهما منقبتان عظيمتان اختص الله بهما نبينا صلى الله عليه وسلم من بين الرسل ولا يشرع للمسلم الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج كما لا تشرع لهما صلاة خاصة كما يفعله بعض عوام المسلمين ، بل كل ذلك بدع منكرة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها أحد من السلف ولم يقل بها أحد ممن يقتدي به في العلم .
    وقد بين العلماء من أهل السنة أن صلاة ليلة سبع وعشرين من شهر رجب وأمثالها : (من البدع التي أحدثت في دين الله ، وأنه عمل غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع) . وقد قال صلى الله عليه وسلم : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (2) أي مردود عليه.
    _________
    (1) صحيح مسلم برقم (162) .
    (2) صحيح مسلم برقم (2697) .
    [ المبحث التاسع ]
    القول في حياة الأنبياء عليهم السلام

    دلت الأدلة على موت الأنبياء إلا ما وردت النصوص باستثنائه كعيسى عليه السلام فإنه لم يمت بعد وإنما رفع إلى الله تعالى حيا على ما سيأتي بيانه .
    فمن الأدلة على موت الأنبياء قوله تعالى : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ } (البقرة : 133) . وقال تعالى : { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا } (غافر : 34) . وقال تعالى عن سليمان عليه السلام : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ } (سبأ : 14) . وقال تعالى مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } (الزمر : 30) . قال بعض المفسرين نعيت للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه ونعيت إليهم أنفسهم ففي الآية الإعلام للصحابة بأنه يموت . وقال تعالى مخبرا عن موت كل نفس مخلوقة : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } (آل عمران : 185).
    فدلت هذه الآيات على موت الأنبياء وأنهم يموتون كما يموت بقية البشر إلا ما أخبر به الله عز وجل عن عيسى عليه السلام من رفعه إليه كما قال تعالى : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } (آل عمران : 55) . فدلت الآية على رفع الله تعالى لعيسى بجسده وروحه إلى السماء وأنه لم يمت ، وأما الوفاة المذكورة في الآية في قوله تعالى { مُتَوَفِّيكَ } فقد جاء في تفسير الآية أن : " توفيه هو رفعه إليه " ، وإلى ذلك ذهب ابن جرير الطبري . وأكثر المفسرين على أن الوفاة المذكورة هي النوم ، كما قال تعالى : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } (الزمر : 42).
    فتقرر بهذا أن عيسى حي الآن في السماء لم يمت ، وقد أخبر الله عن موته قبل قيام الساعة . قال تعالى : { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } (النساء : 159) . والموت المذكور هنا هو موت عيسى عليه السلام في آخر الزمان بعد أن ينزل من السماء فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة في نزول عيسى في آخر الزمان وقد جاءت تلك الأحاديث في الصحيحين وغيرهما.
    وممن قيل إنه لم يمت من الأنبياء إدريس عليه السلام ، فقد ذكر بعض أهل العلم أنه لم يمت وإنما رفعه الله كما رفع عيسى عليه السلام واستدلوا لذلك بقوله تعالى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا }{ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } (مريم : 56 ، 57) . فعن مجاهد قال : إدريس رفع فلم يمت كما رفع عيسى . وعن ابن عباس قال : رفع إلى السماء فمات بها . وقال آخرون : رفع إلى السماء الرابعة والعلم في ذلك عند الله تعالى . وإنما القصد حصول الخلاف بين أهل العلم في موت إدريس من عدمه ، هذا مع القطع بأنه إن لم يمت فلا بد أن يموت لعموم قوله تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }.
    وأما ما عدا عيسى وإدريس عليهما السلام من الرسل فلم يقل أحد من أهل العلم المعتد بقولهم في الأمة بحياة أحد منهم لما تقدم من النصوص وللواقع المشاهد من موتهم . لكن جاء في بعض النصوص ما أشكَل فهمه على البعض في هذا الباب مثل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث المعراج من رؤيته لبعض الرسل في السماء وتكليمه لهم على ما جاء في حديث أنس الذي أخرجه الشيخان وفيه : « ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه . . قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا . فإذا أنا بآدم ، فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل : من أنت ؟ قال جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه . قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا . فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما . فرحبا بي ودعوا لي بخير » (1) إلى آخر الحديث وقد ذكر فيه رؤيا يوسف في السماء الثالثة وإذا هو أعطي شطر الحسن ورؤياه إدريس في السماء الرابعة وهارون في السماء الخامسة وموسى في السماء السادسة ورؤيته إبراهيم في السماء السابعة مسندا ظهره إلى البيت المعمور وأنهم كلهم رحبوا به ودعوا له بخير .
    ومثل ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى رجلا مربوعا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس » . . . ) (2) الحديث.
    ففهم بعض الناس من هذه النصوص ومن غيرها مما يماثلها عدم موت الأنبياء فاستدلوا بها على ما اعتقدوه من حياة الأنبياء . والحق أن الأنبياء ماتوا إلا ما وردت به النصوص في حق عيسى عليه السلام وما اختلف فيه من أمر إدريس عليه السلام . وأما من عداهما فقد دلت النصوص على موتهم قطعا ولا شك في ذلك . وقد سبق نقل الأدلة عليه . وأما ما جاء في الأحاديث من إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن رؤية الرسل ليلة المعراج وما جاء في معناه من النصوص الأخرى فحق ولا تعارض بين النصوص في ذلك . وذلك أن الذي رآه الرسول صلى الله عليه وسلم هي أرواح الرسل مصورة في صور أبدانهم ، وأما أجسادهم فهي في الأرض إلا من جاءت النصوص برفعهم ، وهذا هو الذي عليه الأئمة المحققون من أهل السنة.
    قال أحد الأئمة الراسخين في تحقيق هذه المسألة : (وأما رؤيته غيره من الأنبياء ليلة المعراج في السماء لما رأى آدم في السماء الدنيا ، ورأى يحيى وعيسى في السماء الثانية ، ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة ، وهارون في الخامسة ، وموسى في السادسة ، وإبراهيم في السابعة ، أو بالعكس ، فهذا رأي أرواحهم مصورة في صور أبدانهم . قد قال بعض الناس : لعله رأى نفس الأجساد المدفونة في القبور ، وهذا ليس بشيء . لكن عيسى صعد إلى السماء بروحه وجسده ، وكذلك قيل في إدريس . وأما إبراهيم وموسى ، وغيرهما فهم مدفونون في الأرض) .
    وعلى أنه ينبغي أن يقرر هنا أن الله تعالى كما أكرم رسله برفع أرواحهم إلى السماء فهي تنعم على ما شاء الله فإنه حفظ أجسادهم في الأرض ، وحرم على الأرض أن تأكل أجسادهم على ما ثبت ذلك من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي » . فقالوا : يا رسول الله . وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ قال : يقول : بليت . قال : « إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء » (3).
    وبهذا يتبين الحق في هذه المسألة المهمة وما يجب على المسلم اعتقاده فيها والله تعالى أعلم.
    _________
    (1) صحيح البخاري برقم (3570) ، ومسلم برقم (162) .
    (2) صحيح البخاري برقم (3239) ، ومسلم برقم (165) .
    (3) رواه أحمد في المسند : 4 / 8 وأبو داود في السنن 1 / 443 برقم (1047) والدارمي في السنن 1 / 307 برقم (1580) ، وقال الإمام النووي إسناده صحيح.
    [ المبحث العاشر ]
    معجزات الأنبياء والفرق بينها وبين كرامات الأولياء
    أولآ : التعريف بالمعجزة

    المعجزة : مأخوذة من العجز . وهو عدم القدرة .
    جاء في القاموس : ومعجزة النبي صلى الله عليه وسلم ما أعجز به الخصم عند التحدي والهاء للمبالغة .
    والمعجزة في الاصطلاح : أمر خارق للعادة يجري على أيديَ الأنبياء للدلالة على صدقهم مع سلامة المعارضة .
    فقولنا : خارق للعادة : أخرج ما ليس بخارق للعادة مثل ما يصدر من الأنبياء من الأفعال والأحوال الطبيعية فهي ليست بمعجزات . وقولنا : يجري على أيدي الأنبياء : أخرج الأمور الخارقة التي تجري على أيدي الأولياء فهي ليست بمعجزات وإنما هي كرامات ، لمتابعتهم للأنبياء ويخرج من باب أولى ما يأتي به السحرة والكهان من الشعبذة فهذه لا تصدر إلا من شرار الخلق . وقولنا للدلالة على صدقهم مع سلامة المعارضة : أخرج ما يدعيه المتنبئون الكذابون من الأمور الخارقة وكذلك السحرة فإنها لا تسلم من المعارضة بل يعارضها أمثالهم من السحرة لأنها من قبيل السحر والشعبذة.
    ثانيآ : أمثلة لبعض معجزات الأنبياء

    ومعجزات الأنبياء كثيرة :
    فمن معجزات صالح عليه السلام أن قومه طلبوا منه أن يخرج لهم من صخرة عينوها له ناقة ثم حددوا صفات الناقة فدعا ربه بذلك فأمر الله تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة على الوجه الذي طلبوا (1) . يقول الله تعالى في ذلك : { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (الأعراف : 73).
    ومن معجزات إبراهيم عليه السلام جعل الله النار التي أشعلها قومه لتعذيبه وإهلاكه ثم ألقوه فيها بردا وسلاما عليه . قال تعالى : { قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ }{ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ }{ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ } (الأنبياء : 68- 70).
    ومن معجزات موسى عليه السلام العصا التي كانت تتحول إلى حية عظيمة إذا ألقاها إلى الأرض . قال تعالى : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى }{ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى }{ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى }{ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى }{ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى } (طه : 17- 21) . ومن معجزات موسى أيضا أنه كان يدخل يده في درع قميصه ثم يخرجها فإذا هي بيضاء تتلألأ كالقمر من غير سوء . قال تعالى : { وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى } (طه : 22) .
    ومن معجزات عيسى عليه السلام أنه يصنع من الطين ما يشبه الطيور ثم ينفخ فيها فتكون طيورا بإذن الله ، ويمسح الأكمه -وهو الأعمى- والأبرص فيبرآن بإذن الله ، وينادي الموتى في قبورهم فيجيبون بإذن الله . قال تعالى : { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي } (المائدة : 110).
    ومن معجزات نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم القرآن العظيم وهو أعظم معجزات الرسل على الإطلاق . قال تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (البقرة : 23) . وقال تعالى : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } (الإسراء : 88) . ومن معجزاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم انشقاق القمر عندما سأل أهل مكة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم آية فانشق القمر شقين فرآه أهل مكة ورآه غيرهم . قال تعالى : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ }{ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } ( القمر : 1 ، 2) . ومن معجزاته عليه الصلاة والسلام الإسراء والمعراج . قال تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } (الإسراء : 1).
    ومعجزات الرسل كثيرة خصوصا معجزات نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم فإن الله أيده بكثير من الآيات والبراهين التي لم تجتمع لنبي قبله وما سقته هنا إنما هو للتمثيل فقط .
    _________
    (1) تفسير ابن كثير (3 / 436) .
    ثالثآ : التعريف بالكرامة

    الكرامة : أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا هو مقدمة لها تظهر على يد عبد ظاهر الصلاح مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح .
    فقولنا : أمر خارق للعادة : أخرج ما كان على وفق العادة من أعمال .
    وغير مقرون بدعوى النبوة : أخرج معجزات الأنبياء .
    ولا هو مقدمة لها : أخرج الإرهاص وهو كل خارق تقَدم النبوة .
    ويظهر على يد عبد ظاهر الصلاح . . : أخرج ما يجري على أيدي السحرة والكهان فهو سحر وشعبذة.
    وكرامات الأولياء كثيرة منها ما ثبت في حق بعض الصالحين من الأمم الماضية . ومن ذلك ما أخبر الله به عن مريم عليها السلام . قال تعالى : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } (آل عمران : 37).
    ومنها : ما أخبر الله به عن أهل الكهف على ما قص الله ذلك في كتابه.

    ختام الفصل الثالث من الباب الثاني Fasel10

    كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
    المؤلف : نخبة من العلماء
    منتدى توتة و حدوتة ـ البوابة
    ختام الفصل الثالث من الباب الثاني E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 - 8:36