منتدى حكماء رحماء الطبى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    صفحة رقم [ 38 ] من كتاب الأصول في النحو

    avatar
    حكماء
    Admin


    عدد المساهمات : 2700
    تاريخ التسجيل : 30/12/2013

    صفحة رقم [ 38 ] من كتاب الأصول في النحو Empty صفحة رقم [ 38 ] من كتاب الأصول في النحو

    مُساهمة من طرف حكماء الأربعاء 15 سبتمبر 2021 - 4:32

    صفحة رقم [ 38 ] من كتاب الأصول في النحو Nahw10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة الأدبية
    الأصول في النحو
    صفحة رقم [ 38 ] من كتاب الأصول في النحو 1410
    ● [ بَابُ الياءِ المتحركةِ ] ●

    الياءُ المتحركةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ أَولاً أَو بعدَ حرفٍ وإذَا كانتْ أَولاً فلا بُدَّ مِنْ أَن يكونَ بعدَها حرفٌ ساكنٌ أَوْ حرفٌ متحركٌ فإنْ كانَ بعدَها حرفٌ ساكنٌ أَوْ حرفٌ متحركٌ فهيَ علَى حالِها لا تقلبُ ولا تغيرُ حركتها إلاّ في قولِ مَنْ قالُ في ( يَوجَلُ يِيجلُ ) فيكسُر الياءَ ليثبتَ قلبَ الواوِ بعدَها وإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ بعدَ حرفٍ فلا تخلو مِنْ أَن تكون طرفاً أَو غيرَ طرفٍ فإنْ كانتْ طرفاً فلا تخلو من أَنْ يكونَ قبلَها ساكنٌ أَو متحركٌ فإنْ كانَ قبلها ساكنٌ وهيَ طرفٌ فهيَ علَى حالِها إلاّ أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَها ألفاً فإنَّها تبدلُ همزةً وذلكَ نحو : قَضَاءٍ وسِقَاءٍ أَو يكونَ لاماً في ( فَعْلَى ) نحو ( تَقْوَى ) فإنْ كانَ قبلَ الياءِ المتحركةِ التي هيَ طرفٌ حرفْ متحركٌ أبدلتِ الياءُ لحركةِ ما قبلَها إنْ كانتْ في ( فِعْلٍ ) وإنْ كانَ المتحركُ قبلَها مفتوحاً أبدلتْ أَلفاً نحو : قَضَى وَرَمى وإنْ كانَ مضموماً قلبتْ واواً نحو قَضُوَ الرجلُ ورَمُوَ وإنْ كانَ قبلَها مكسورٌ بقيتْ علَى حالِها فإِنْ كانتْ بهذهِ الصفةِ في اسمٍ وكانَ قبلَها مفتوحٌ قلبتْ أَلِفَاً نحو : رَحَى الألفُ منقلبةٌ مِنْ ( ياءٍ ) يدلُّكَ علَى هذَا قولُهم : رَحَيانِ وإنْ كانَ ما قبلَها مكسوراً تُرِكَتْ على حالِها وإنْ كانَ ما قبلها مضموماً أُبدلتْ مِنَ الضمةِ كسرةً واتبعتِ الحركة ما بعدَها خلافُ ما عملتْ في الفعلِ وذلكَ نحو قولهم في جمعِ ( ظَبيٍ ) عَلَى ( أَفعُلٍ ) أَظَّبٍ كانَ الأَصلُ الضم في الباءِ فأبدلتْ منها كسرةٌ فإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ غير طرفٍ فليستْ تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بينَ ساكنينِ أَو متحركينِ أَو بينَ متحركٍ وساكنٍ فإنْ كانتْ بينَ ساكنين فهيَ على حالِها إلا في قولِ مَنْ قالَ في ( ظَبيْ ظَبَويٌّ ) وقد ذكرتهُ في النَّسَبِ وإنْ كانتِ الياءُ المتحرَكةُ بينَ متحركينِ فهيَ على حالِها إلاّ أَنْ يكونَ قبلَها حرفٌ مفتوحٌ فإنَّها تقلبُ أَلفاً نحو : باعَ ونَاب وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مضمومٌ أَو مكسورٌ وهيَ مفتوحةٌ فهيَ علَى حالِها وذلكَ نحو : عُيبةٍ وصِيَرٍ وليسَ يجوزُ أَنْ يقعَ في الكلامِ مضمومٌ بعدَ مكسورٍ في حَشوِ كلمةٍ وبنائِها ليَسَ في الكلامِ مِثلُ ( فِعُلٍ ) ولا ( فُعِلٍ ) إلاّ في الفِعْلِ فإنْ أَردتَ ( فُعِلَ ) مِنَ البيعِ قلتَ : بِيَعَ ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ ( بُوعَ ) فيبدلُ فهذَا مذكورٌ في موضعِه مبينُ وإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ بينَ متحركٍ وساكنٍ فإنْ كانَ ما قبلَها متحركاً وما بعدَها ساكناً لم يجزْ أَن تعلها لسكونِ ما بعدَها لئلا يجتمع ساكنانِ نحو ( دَيَامِيسَ ) وإنْ كانَ ما قبلَها ساكناً وما بعدَها متحركاً فهيَ على حالِها نحو : عِثْيَرٍ
    الواو :
    والواوُ لا تخلو مِنَ أَن تكونَ ساكنةً أَو متحركةً والساكنةُ لا تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ أَوْ مضمومٍ أَوْ مكسورٍ فإنْ كانتِ الواوُ الساكنةُ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ فهيَ علَى حالِها إلاّ في لغةِ مَنْ قَالَ في يَوْجَلُ : ( يَاجَلُ ) وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مضمومٌ فهيَ على حالِها إلاّ أَنْ يكونَ بعدَها واوٌ في نحو : ( صُوَّمٍ ) فإنَّ مِنهم مَنْ قالَ : ( صُيَّمٌ ) لقربها مِنَ الطرفِ شبهوها بُعتيٍ وقالوا أَيضاً : ( صِيَّمٌ ) إنَّما جَاءَ هذَا فيما قَرُبَ مِنَ الطرفِ وهو جَمعٌ فإنْ قالوا : صُوَّامٌ وزُوَّارٌ لم يقلبوا وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مكسورٌ قلبتْ ياءً نحو ( مِيزانٍ ) وأَصلُه : ( مِوزَانٌ ) لأَنَّهُ مِنَ الوزن إلا أَنْ تكونَ الواوُ علامةً لجمعٍ نحو : ( قاضونَ ويَقضُونَ فإنَّكَ تبدلُ من الكسرةِ ضمةً كي لا تزولَ العلامةُ وإنْ كانتِ الواوُ ساكنةً ولم يغيرها ما قبلَها فَلَن يغيرَها ما بعدَها إلاَ أَنْ يكونَ بعدَها ياءٌ ) فإنَّها تبدلُ ياءً وتدغمُ فيما بعدَها تقولُ في ( فَوْعَلٍ ) مِنْ ( بِعْتُ ) بَيَّعٌ فإنْ كانتِ الواوُ مدةً قبلَها ضمةٌ وهيَ منقلبةٌ مِنْ أَلفٍ زائدةٍ لم يجزْ إدغامُها نحو واوِ : ( سُوَيرٍ ) والواوُ منقلبةٌ مِنْ أَلفِ ( سَاير ) وكذلكَ ( تبُويعَ ) ومثلهُ رُويةٌ وَرُويَا وَنُويٌّ لم يقلبوا لأَنَّ الأَصلَ الهمزُ وقَالَ بعضُهم : رَيَّا وَرُيَّةٌ ولا يكونُ مثلُ هذَا في ( سُوَيرَ وتُبَويعَ ) لأَنَّ الواوَ بَدَلٌ مِنْ أَلفٍ فأَرادوا أَن يمدوا وأَنْ لا يكونَ بمنزلةِ ( فُعِّلَ ) و ( تُفُعِّلَ ) أَلا تَرَاهم قالوا : ( تُقُووِلَ ) وَقُووِلَ فهذهِ قصةُ الواوِ الساكنةِ إلاّ أَنْ يقعَ في ( يَفعَلُ ) وهَيَ في موضعِ الفاءِ بينَ ياءٍ وكسرةٍ نحو : وعَدَ يَعِدُ وكَانَ الأصل ( يَوْعِدُ ) فوقعت الواو بين ياء وكسرة فحذفت وأجريت التاء والألف والنون مجرى أُختهن الياء لئلا يختلفَ الفعلُ
    وقالَوا : عِدةٌ فأجروا المصدَر علَى الفعل في الحذفِ وإنْ كانَ بعدَ هذهِ الواوِ تَاءُ ( افْتَعلَ ) أبدلتْ تاءً نحو قولِهم : اتَّعدَ
    الواوُ المتحركةُ :
    والواوُ المتحركةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ أَولاً أَوْ بعدَ حرفٍ فإنْ كانتْ أولاً فلا تخلُو مِنْ أَن تكونَ مضمومةً أَو مكسورةً أو مفتوحةً فإنْ كانتْ مضمومةً فمِنَ العربِ مَنْ يبدلُها همزةً ومنهم مَنْ يدعُها على حالِها قالوا : في ( وجوهٍ ) أُجُوةٌ وإنْ كانتْ مكسورةً فكذلكَ إلاّ أَنَّ الهمزَ أَكثرُ ما يجيءُ في المضمومةِ وهوَ مطردٌ فيها وقالوا في ( وسادةٍ إسَادةٌ ) وفي ( وِشاحٍ أِشَاحٌ ) وهذَا أيضاً كثيرٌ فأمَّا المفتوحةُ فليسَ فيها إبدالٌ وقَد شَذَّ منهُ شَيءٌ قالوا : امرأة أَنَاةٌ وهيَ ونَاةٌ مِنَ الوَنَى وقالوا : أَحدٌ في ( وَحَدٍ ) وهَذا شَاذٌ وإنْ كانتِ الواوُ المتحركةُ أَولاً وبعدَها حرفٌ ساكنٌ أَو متحركٌ فهي عَلَى حالِها إلاّ أَنْ يكونَ بعدَها واوٌ فإنّه يلزمُها البدلُ وأَنْ تُجعلَ همزةً كقولِهم في ( فَوعل ) مِنَ الوعدِ : أَوعدَ فإنْ كانتِ الواوُ الثانيةُ مدةً كنتَ في همزةِ الأُولى بالخيارِ نحو : ( فَوعل ) مِنْ ( وعَدَ ) تقولُ : وَوعدَ ( وَوُورِيَ عنهما مِنْ سَوْآتِهمَا ) الواوُ الثانيةُ مدةٌ وليسَ الهمزُ لإجتماعِ الواوينِ ولكنْ لضمة الأُولى وإنْ كانتِ الواوُ المتحركةُ بعدَ حرفٍ فَلِنْ تخلو مِنْ أَن تكونَ طرفاً أَو غيرَ طرفٍ فإنْ كانتْ طرفاً فلا بُدَّ مِنْ أَنْ يكونَ قبلَها ساكنٌ أَوْ متحركٌ فإنْ كانَ ما قبلَها ساكناً وهيَ طرفٌ فهيَ على حالِها في الإسمِ إلاّ أَنْ يكونَ قبلَها واوُ ( فُعُولٍ ) في الجَمعِ نحو : ( عُتيٍّ ) وعُصِيٍّ كانَ الأَصلُ ( عُتُوٌّ ) وعُصُوٌّ فقلبتْ في الجمعِ وتثبتُ في الوَاحدِ أَلاَ تَرى أَنَّكَ تقولُ في المصدرِ قَدْ بلغَ عُتُوّاً
    وقَد حُكيَ عن بعضِ العَربِ : إنكم لتنظرونَ في نَحُوٍّ كثيرةٍ فصححَ الواو في الجمعِ وأَتى بهِ علَى الأَصلِ أَو يكونُ قبلَها أَلفٌ فإنَّها تقلبُ همزةً نحو : ( كِسَاءٍ ) وإنْ كانتْ قبلَها ياءٌ ساكنةٌ فَقَد قالوا : حَيْوَةٌ فكانَ حَقُّ هذَا ( حَيَّةٌ ) أَو تكون لاماً في الفعلِ نحو ( الدُّنيا ) كانَ الأصلُ ( الدُنْوَى ) أَو تكونُ مضمومةً فيجوزُ هَمزهُ نحو : أُدْؤرٍ ( وإنْ كانَ قبلَ الواوِ المتحركةِ وهيَ طَرفٌ حرفٌ متحركٌ فلا يخلو ما قبلَها أَنْ يكونَ مفتوحاً أَوْ مضموماً أَو مكسوراً فإنْ كانَ مفتوحاً قلبتْ أَلفاً نحو : غَزَا وقَضَى وإنْ كانَ مكسوراً قلبتْ ياءً نحو ( غُزِي ) وإنّ كانَ مضموماً في ( فِعْلٍ ) تُرِكَ على حالِه نحو : يَغزُو فإنْ كانَ في اسمٍ أبدلتْ ياءً وكسرَ ما قبلَها كما قالوا في جَمعِ دَلْوٍ : أَدْلٍ وكانَ الأصلُ أَدْلُواً فإنْ كانتْ بهذِه الصفةِ وبعدهَا هاءُ التأنيثِ صحتْ وذلكَ نحو : ( قَمَحدوةٍ ) فإنْ كانتَِ الواوُ غيرَ طرفٍ فَليستْ تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بينَ ساكنينِ أَو متحركينِ أَو بينَ ساكنٍ ومتحركٍ فإنْ كانتْ بينَ ساكنينِ فهيَ على حالِها إلاَ أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَها ياءً فإنَّها تقلبُ ياءً ويدغمُ فيها ما قبلَها وذلكَ نحو : ( فَيْعُولٍ ) مِنْ يَقُومُ قَيومٍ وإنْ كانتْ متحركةً بينَ متحركينِ وكانَ الذي قبلَها مفتوحاً قلبتْ ألفاً وذلكَ نحو : ( قَالَ ) وبَابٍ ودَارٍ وخَافَ ولا تُبالِ ( إلى ) أَيّ حركةٍ كانتْ مفتوحةً أَو مكسورةً أَو مضمومةً فإنَّها تقلبُ أَلفاً إلاّ مَا جَاء على ( فَعَلانٍ وفَعَلَى ) نحو ( جَوَلاَنٍ وحَيَدى ) جَعلوهُ بمنزلةِ ما لا زائدَ فيهِ فأَخرجوهُ بذلكَ مِنْ شبهِ الفِعْل فصارَ بمنزلةِ الحوِلِ والغِيَرِ الذي ليسَ على مثالِ الفِعلِ وقَد أَعلَ بعضُهم ( فَعَلاَنَ وفَعَلى ) جَعلوا الزيادةَ كالهاءِ وذلكَ قولُهم : دَارَانٌ وهَامَانٌ
    قالَ سيبويه : وهذَا ليسَ بالمطردِ وإنْ كانَ ما قبلَها مضموماً وهيَ مفتوحةٌ فهيَ علَى حالِها نحو : رَجلٍ نُوَمٍ ولا تعتلُّ هذِه لأَنَّ هذَا الوزنَ لا يكونُ فِعْلاً وإنْ كانت مكسورةً وقبلها مضمومٌ فَهذا لا يكونُ إلا في ( فُعِلَ ) مثلُ قِيلَ كانَ الأصلُ قُوِلَ وهذَا مُبينٌ في موضعهِ ومنهم مَنْ يقولُ : قُوَلَ وإنْ كانَ ما قبلَها مسكوراً وهيَ مفتوحةٌ صحتْ لأَنَّها ليستْ علَى مثالِ الفعلِ نحو : حَوِلَ إلاّ أَنْ يكونَ جمعاً لواحدٍ قَدْ قُلبَ فإنهُ لا يثبتُ في الجمعِ إذا كانَ قبلهُ كسرةٌ وذلكَ نحو : ديمةٍ ودِيَمٌ وحِيلَةٍ وحِيَلٌ وقَامَةٍ وقِيَمٌ وإنْ كانتْ مضمومةً وقبلَها مضموم فإنْ كانَ الإسم علَى ( فُعُلٍ ) أسكنوا الواوَ لإجتماعِ الضمتينِ وذلكَ قولُهم : عَوَانٌ وعُونٌ ونَوَارٌ ونُورٌ ويجوزُ تثقيلُ فَعِلَ في الشعر ولا يجوزُ أَن تقعَ مضمومةً وقبلَها كسرةٌ لأَنها ليسَ في الكلامِ مثلُ ( فُعِلٍ ) وفِعِلٌ أَيضاً لَيسَ في الكلامِ إلاّ في ( إبِلٍ و إطِلٍ ) فإنْ وقعتْ بينَ ساكنٍ ومتحركٍ فحكمُها حكمُ التي تقعُ بينَ ساكنين لأَنَّها لا يغيرُها ما بعدَها فهيَ علَى حالَها إلاّ أَنْ يكونَ الساكنُ الذيَ قبلَها ياء فإنَّها تقلبُ ياءً وتدغمُ فيها نحو : ( سَيّدٍ ومَيَّتٍ كانَ الأصلُ : سَيودٌ ومَيوِتٌ ) وإنْ وقعتْ بينَ متحركِ وسَاكنٍ فهيَ علَى حالِها إلاّ أَنْ تكونَ في مصدرٍ قَد اعتلَّ فعلُه وقبلَها كسرةٌ وبعدَها أَلفٌ نحو : قُمْتُ قِياماً وحَالتْ حِيَالاً أَو تكونُ كذلكَ في جمعٍ قد أُعلَّ واحدهُ نحو : دَارٍ ودِيَار وإذَا كانَ بعدَها الألفُ فهي أَجدرُ أَنْ تقلبَ أَو تكونَ كذلكَ أَيضاً في جمعِ الواوِ ساكنةً في واحدِه نحو : ثَوبٍ وثِيَابٍ وسَوطٍ وسِيَاطٍ لأَنَّ الكسرةَ قَدْ دخلتْ علَى ما أَصلهُ السكونُ فإنْ جئتَ بِفِعَالٍ غيرِ مُجرٍ لَهُ عَلى ( فِعْلٍ ) ولا جَمع لشيءٍ مِما ذكرَنا صححت فقلتَ : هَذا قِوامُ الأَمرِ فإنْ جاءَ الجمعُ في هذَا بغيرِ أَلفٍ نحو : عُودٍ وَعِوَدَةٍ وزَوجٍ وَزِوَجَةٍ لَم يُعَلَّ وقَد قالوا : ثَورٌ وَثِوَرَةٌ وَثِيَرَةٌ
    قالَ سيبويه : قلبوها حيثُ كانتْ بعدَ كسرة قالَ : وليسَ هُوَ بمطردٍ
    قالَ أَبو العباس : بنوهُ على ( فِعْلَةٍ ) ثُمَ حركوهُ فَصَار ثِيَرةً
    قالَ أبو بكر : والأقيس عندي في ذَا أَنْ يكونوا أَرادوا ( فِعَالة ) وقَصروا لأَنَّ ( فِعَالةً ) مِنْ أَبينةِ الجمعِ ( وَفِعَلَةً ) لَيْسَ من أَبنيةِ الجمعِ التي تكثرُ فيهِ ولا يُقاسُ عَليهِ فإنْ لم يَقَعْ في هذَا البابِ قبلَ الواوِ كسرةٌ صحتِ الواوُ أَلاَ تَراهم جَمعوا : ( قَيْلٌ ) : إقْوال وأَجرى مجرى حِيَالٍ اخترتُ اختياراً : ( تِيارٌ ) مِنْ اختيار مثلُ ( حِيَالٍ ) وانقدتُ انْقياداً ( قِيَاداً ) ( مثلُ ) حِيَالٍ فأَمَّا جِوَارٌ فصح لصحتهِ في الفعلِ وذلكَ قولُهم : جاورتُ وإنْ وقعَ بعدَ الواوِ المتحركةِ واوٌ ساكنةٌ نحو : ( فُعُولٍ ) تركتْ علَى الأَصلِ ويهمزونَ إنْ شاءوا وكذلكَ ( فَعُولٌ ) نحو : قَوُول إنْ شاَءَ على الأَصلِ وإنْ شَاءَ همزَ المضمومةَ وأَمَّا طَويلٌ وَطِوالٌ فصحتْ في الجمعِ لصحتِها في الواحدِ وقَد تقدمَ مِنْ قولِنا : إنَّ حروفَ العلةِ أَربعةٌ : الواوُ والياءُ والهمزةُ والأَلفُ وقد ذكرتُ أُصولَ الياءِ والواوِ وهُما الحرفانِ المعتلانِ كثيراً
    والهمزةُ قد مضى ذكرُها في بابِ الهمزِ والألفِ فلا تكونُ أَبداً إلا زائدةً أو منقلبةً مِنْ شيءٍ إلاّ أَنْ تبنى من صوتٍ أَو حرف معنى فِعْلٍ علَى مذهبِ الحكايةِ أو لمعنىً سِوى ذلكَ نحو : عَاعيتُ وحَاحيتُ إنَّما هُوَ صوتٌ بنيَ منهُ ( فِعْلٌ ) وكذلكَ لو اكثرتَ مِنْ قولِكَ ( لا ) لجازَ أَن تقولُ : لا ليتُ تُريدُ : قُلتُ لاَ
    ● [ ذِكرُ تكررِ هذهِ الحروفِ المعتلةِ ] ●
    واجتماعِ بعضِها معَ بعضٍ

    الياءُ مكررة : إذَا اجتمعتِ الياءانِ فلا تخلوانِ مِنْ أَن تكونا متحركتينِ أَو إحداهما متحركةٌ والأُخرى ساكنةٌ فإن كانتا متحركتينِ وهُما عينٌ ولامٌ أُعلتِ اللامُ دونَ العينِ ولَم يجزْ أَن تُعلا جميعاً وهذَا مذكورٌ في بابِ ( حَيِيْتُ ) وما أَشبههُ يَلزمُ اللام ما يلزمُ ياءَ ( رَمَيْتُ ) وخَشِيْتُ ولا يجوزُ إعلالُ العينِ وتصحيحُ اللامِ إلاّ فيما جاءَ شَاذاً مِمَا لم يُستعملْ منهُ ( فِعلٌ ) وإنْ كانتا متحركتينِ كيفَ وقعَتا فليسَ يجوزُ أَنْ تعلا جميعاً فحكمُ الواحدةِ المعتلةِ منهما حكمُ المنفردةِ فإنْ اجتمعتْ ثلاثُ ياءاتٍ في الفعلِ أُعلتْ الآخرةُ نحو : حَيَا يَحْيَى وَهْوَ مُحَييٌّ ولا تكونُ هذِه الياءاتُ الثلاثُ إلاّ في اسمٍ مبنيٍّ علَى ( فِعْلٍ ) فإنْ جَاءَ في غيرِ ذلكَ حذفتِ الآخرةُ وذلكَ قولُهم في تصغيرِ عَطَاءٍ : عَطَيٌّ وتصغير أَحْوى : أُحِييٌّ وكان الأصلُ : أَحَيْييٌ وعُطَييٌ فإنْ كانتِ المتحركةُ قبلَ الياءِ المشددةِ في مثلِ النسبِ إلى ( عَمٍّ ) قلتَ : عَمَويٌّ نقلتْهُ مِنْ ( فَعِلَ ) إلى ( فَعَلَ ) كما قلتَ في ( النَّمِرِ : نَمريٌّ ) فلما انفتحَ ما قبلَ الياءِ قلبتْ أَلفاً فلمَّا جئتَ بياءِ النَّسَبِ بعدَها صارَ حكمُها حكمُ ( رَحَى ) فقلتَ : عَمَويٌ كما قلتَ : ( رَحَويٌّ ) ولا توجدُ هذهِ الياءاتُ مجتمعةً في أُصولِ كلامِهم إلاّ في هذَا النوعِ فإنْ اجتمعتْ أَربعُ ياءاتٍ فإنّما تجدُ ذلكَ في مثلِ النَّسَبِ إلى : أُمَيَّةَ في قَولِ مَنْ قالَ : أُمَيِّيٌّ هؤلاءِ جَعلوا المشددَ كالصحيحِ لأَنَّهُ قَدْ قَوِيَ ومنهم مَنْ يقولُ : أُمَوِيٌّ وَهم الأَكثرُ والأَفصحُ فتحذفُ الياءُ الساكنةُ ويصيرُ مثلَ عَمَويٌّ
    الواوُ المكررةُ :
    فإنّ اجتمعتْ واوٌ مع واوٍ أولاً هُمِزَتْ الأولى إِلاَّ أَنْ تكونَ الثانيةُ مدةً وإن كانتا آخرَ كلمةٍ والأولى ساكنةٌ مدغمةٌ في الثانيةِ صحتا إلا ما قد استثنياهُ فِيمَا تقدمَ وإِنْ كانتا في فِعْل بنيَ على ( فَعِلٍ ) حتى تنقلبَ اللامُ الآخرةُ ياءً نحو : قَوِيتُ مِنَ القوةِ وإِنْ كانتا متحركتينِ أُعلتْ إِحداهُما الإِعلالَ الذي قَدْ تَقَدَّمَ ذكرهُ
    وسيأتي بعدُ أَيضاً ولا تجتمعُ واوانِ في إحداهما ضمةٌ
    قالَ سيبويه : تقولُ في ( فَعُلاَنٍ ) من ( قَويتُ ) : فَوَّانٌ وغَلطَ في ذلكَ : وقالوا : ينبغي لَهُ إنْ لم يُدغم أَنْ يقولَ : قَوِيَانٌ : فيدغمُ الأُولى ويقلبُ الثانيةَ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ في إِحداهما ضمةٌ والأُخرى متحركةٌ وهذاَ قولُ أَبي عُمَر
    وأَمَّا اجتماعُ ثلاثِ واواتٍ فقالوا في مِثَالِ : اغْدَوْدَنَ مِنْ قلت : إِقْوِوَّلَ تكررُ عينَ الفعلِ وبينهما واوٌ زائدةٌ فتدغم الواوَ الزائدةَ في الواوِ التي بعدَها فإِذا بنيتَهُ بناءَ ما لم يسمَّ فاعلهُ قلتَ : افْوووِلَ ولا تدغمُ لأَنَّها قد صارتْ مدةً كما تقولُ : اغدودَنَ ( فتوافقُ هذهِ الواوُ الواوَ التي تكونُ بدلاً مِنَ الألفِ في ( سُوَيرٍ ) وهذَا قولُ الخليلِ
    وكانَ أَبو الحسنِ الأَخفشِ يقولُ في ( اغْدَوْدَنَ ) مِنَ قلتُ اقْوَيَّلَ فيقلبُ الواوَ الآخرةَ ياءً ثُمَ يقلبُ التي يليها لأَنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ : أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ ولا يجوزُ أَن تجتمعَ هذهِ الواواتُ وفي إِحداها ضمةٌ لأَنَّهُ إِذا لم يكنْ في الواوينِ فهوَ مِنَ الثلاثةِ أَبعدُ
    وإِذا بنيتَ مثالَ ( فَعْلُوةٍ ) مِنْ ( غَزَوْتُ ) قلتَ : غَزْوُيَةٌ وكانَ الأصلُ : ( غَزْوُوَةً ) فأَبدلتَ الثانيةَ لأَنَّها لامٌ وهيَ أَولى بالعلةِ وإِنَّما جَاءَ : اقْوُووِلَ لأنَّ الواوَ الساكنةَ مدةٌ فهيَ نَظيرةُ الياءِ والألفِ وكان أَبو الحسن الأخفش يقولُ في ( افْعَوعَلَ ) اقْوَيَّلَ فيبدلُ الواوَ الآخرة ياءً ثم يقلبُ لَها التي تَليها لأنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ : أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ وإِذَا قالَ : ( فُعِلَ ) قالَ : اقْوُووِلَ فلا يقلبُ وصارتِ الوُسطى مدةً بمنزلةِ الأَلفِ فلا يلزمهُ تغييرٌ لذلكَ فَهذا يدلُّكَ علَى أَن ثلاثَ واواتٍ لَيْست مِنْ أُصولِ كلامِهمِ ولَو سُمِعَ منهم شيءٌ لاتبعوهُ أَو ذكروهُ
    وأَمَّا الألِفُ فلا تكونُ أَصلاً إِلاّ زائدةً أو منقلبةً في حرفٍ جَاءَ لمعنىً ليسَ باسمٍ ولاَ فعلٍ أَو صوتٍ كالحرفِ فحكم هذا مَتَى احتيجَ إِلى تكريرهِ أن تُبدلَ همزةً لتشبهَ ما انقلبَ من ياءٍ أو واوٍ وأَمَّا الهمزةُ فقدَ ذكرنا حكمها إِذَا تكررتْ في كتابِ الهَمزِ وأَنَّهما لا يجتمعانِ محققتينِ في كلمةٍ إِلا أَن يكونَا عيناً مشددةً نحو : رأسٍ فإِذا اجتمعتا متحركتينِ أَولَ كلمةٍ وكانتِ الأُولى والثانيةُ مفتوحتينِ أبدلتِ الثانيةُ أَلفاً فإن احتجتَ إِلى تحريكِ الأَلفِ والألفُ لا تحركُ أَبدلتَها واواً وذلكَ قولُكَ في آدَمَ : أَوَادِمَ وفي آخرَ : أَواخرُ وكذلكَ في التصغير تقولُ : أُويدِمٌ فأَشبهتْ أَلفَ ( فاعِلٍ ) وفَاعَلٍ لأَنها وإنْ كانتْ مبدلةً مِنْ همزةٍ فَليست بأَصلٍ في الكلمةِ كأَلفِ فَاعِلٍ ليست بأَصلٍ وإنْ كانتِ الهمزتانِ متأخرتين لامينِ قلتُ في مثلِ ( قِمْطْرٍ ) مِنْ ( قَرأتُ ) : قِرَأَيٌ ومثلُ مَعَدٍّ ( قَرَايُ ) فتغيرُ الهمزةَ
    قالَ المازني : وسألتُ الأخفش وهو الذي بدأ بهذهِ المقالةِ فقلتُ مَا بالُ الهمزةِ الأُولى إذا كانَ أصلهُ السكونُ لا تكونُ مثلَ همزةِ ( سَأْلٍ ورَأسً ) فقالَ : مِنْ قِبَلِ أَنَّ العينَ لا تجيء أبداً إلاّ وبعدَها مثلُها واللامُ قد تجيءُ بعدَها لامٌ لَيْسَتْ من لفظِها أَلا تَرى أَنَّ قِمَطراً وَهِدَمْلَةً قد جاءتِ اللامانِ مختلفتينِ
    قَالَ المازني : والقولُ عندي كَما قالَ
    قالَ : وسألته عن : هَذا أَفعلُ مِن هَذا ( مِن ) أَمَمْتُ : أَي : قصدتُ فَقالَ : أقولُ هذَا أَوَّمُ منهُ فجعلَها واواً حينَ تحركتْ بالفتحةِ كَما فعلوا ذلكَ في ( أَويدم ) فقلتُ لهُ : كيفَ تصنعُ بقولِهم : ( أَيِمَّةٌ ) ألا تَراها أَفْعَلَةً والفاءُ فيها هَمزةٌ فقال : لمّا حركوها بالكسرةِ جعلوها ياءً
    وقالَ الأخفشُ : لو بنيت مثلَ : أُبْلُمٍ مَنْ ( أَممْتُ ) لقلتَ : أُوَّمٌ أَجعلُها واواً
    قالَ المازني : فسألتنهُ : كيفَ تصغرُ ( أَيِمَّةً ) فقال : أُوَيِمّةً لأنَّها قد تحركتْ بالفتحةِ
    والمازني يرد هَذا ويقولُ : أُيَيْمَّةٌ والقياسُ عندَهُ أن يقولَ في هَذا أَفعلُ مِنْ هَذا مِنْ ( أَمَمْتُ ) وأَخواتِها هَذا أَيَمٌّ مِنْ هذَا ولا يُبدلُ الياءَ واواً لأنَّها قد ثبتت ياءً بدلاً منَ الهَمزةِ إلاّ هذهِ الهمزةَ إذا لم يلزمْها تحريكٌ فبنيتَ مثلَ ( الأُبْلُمِ ) مِنَ الأُدْمَةِ قلتَ : أُوْدُمٌ ومثلُ : إصْبَعٍ إيْدَمٌ ومثلُ ( أَفكلٍ ) أَأْدَمٌ وهذَا أصلُ تخفيفِ الهمزِ فإذَا احتجت إلى تحريكها في تكسيرٍ أو تصغيرٍ جعلتَ كُلَّ واحدةٍ منهن على لفظها الذي بنيتْ عليهِ والأَخفش يَرى أَنَّها تحركتْ بفتحةٍ أَبدلها واواً كما ذكرت لكَ . هذا آخرُ التصريفِ
    ● [ مسَائلُ التصريفِ ] ●

    هذهِ المسائلُ التي تُسألُ عنها مِنْ هذَا الحدِّ على ضَربينِ : أَحدهما : ما تكلمتْ بهِ العربُ وكانَ مشكلاً فأحوجَ إِلى أَن يبحثَ عن أُصولهِ وتَقديراتِه
    والضربُ الثاني : ما قِيسَ علَى كلامِهم
    ● [ الضرب الأول : ما تكلمتْ بهِ العربُ وكانَ مشكلاً ] ●

    ذِكرُ النوعِ الأَولِ مِنْ ذلكَ
    قالتِ العربُ : حَاحيتُ وهَاهيتُ وعَاعيتُ، وأَجمعَ أَصحابُنا علَى أَنَّ الأَلفَ بَدلٌ مِنْ ياءٍ وللسائلِ أَن يسألَ فيقول : ما الدليلُ على أَنَّها بَدلٌ مِنْ ياءٍ دونَ أَن يكونَ بدلاً مِنْ واوٍ وإِذا ثبتَ أَنَها بَدَلٌ مِنْ ياءٍ فَلهُ أنْ يسألَ فيقول : لِمَ قُلبتْ وهيَ ساكنةٌ ألفاً فالجوابُ في ذلكَ يقالُ لَهُ : وجدنَا كُلَّ ما جاءَ مِنَ الواوِ في هَذا البابِ قد ظهرتْ فيهِ الواوُ نحو : ( قوقيتُ وضوضيتُ وزَوزيتُ ) ولَمْ نَر منهُ شيئاً جَاءَ بالياءِ ظاهرةً واجتمعَ معَ هذَا أنا وجدنَا الألِفَ قد أُبدلتْ في بَعض المواضعِ مِنُ الياءِ الساكنةِ ولم نجدها مبدلةً مِنَ الواوِ الساكنةِ وذلكَ قولُهم في ( طَيىءٍ طائي وإِنَّما هُوَ : طيِّئي ) فقلبوا الياءَ ألفاً
    وقالَ الأخفش : إِنَّهم يقولونَ في ( الحِيرةِ ) حَارِي قالَ أَبو بكر : فلو قالوا : حَيْحَيتُ لاجتمعتِ الياءات ولا يكونُ ذلكَ في ذواتِ الواوِ لأَنَّهُ لا يجوزُ أَنْ تقول : ( قَوْقوتُ ) لأنَّ الواوَ إِذا صارتْ رابعةً انقلبتْ ياءً وإِذَا كانتِ الياءُ رابعةً لم تُقلبْ إِلى غيرِها في مثلِ هذا فقولُكَ : ( قَوْقَيْتُ ) لمْ يجتمعْ في الحرفِ واوانِ ولو قلتَ : حيحيت ( لاجتمعت ) ياءانِ
    قال أبو بكرُ : وكانَ القياسُ عندي أَنْ تظهرَ الياءُ ولكنَّهم تنكبوا ذلكَ استثقالاً للياءينِ أن يتكررا معَ الحاءِ في ( حَاْحَيْتُ ) والعينُ في ( عَاعَيْتُ ) وخَفَّ ذلكَ في ذواتِ الواوِ لإختلافِ اللفظِ بما أَوجبتهُ العلةُ وَمَعَ ذلكَ فإِنَّ هذَا الفعلَ بنيَ مِنْ صوتٍ الألفُ فيهِ أَصلٌ ليستْ منقلبةً مِنْ شيءٍ أَلا تَرَى أَنَّ الحروفَ والأصواتَ كلها مبنيةٌ على أَصولها ووجدناهم قد قلبوا الألفات في بعضِ الحروفِ إِلى الياءِ نحو : عَليهِ وإِليهِ فلمَّا قلبتِ الألفُ إِلى الياءِ وجبَ أَنْ تقلبَ الياءُ إِلى الألفِ والدليلُ أيضاً على أَنَّ الأَلفات في الحروفِ غيرُ منقلباتِ أنَّهُ لا تجوزُ أَمالُتها ولو كانتْ منقلبةً لوجبَ إِمالةُ ( حَتى ) لأنَّ الأَلفَ إِذَا كانتْ رابعةً في اسمٍ أَو فعلٍ فهيَ منقلبةٌ فلَيس لَكَ أَنْ تقولَ في أَلِف ( لاَ ) إِنَّها منقلبةٌ مِنْ شيءٍ ولاَ ألفِ ( ما ) ولاَ ( يا ) لأنَّ الحروفَ حكمُها حكمُ الأَصواتِ المحكيةِ ولذلكَ بُنَيْتْ
    وقالَ الأخفش : لم يجيء مِنْ هذَا البابِ مما علَمنا إِلا هذهِ الثلاثةُ يعني : حَاحيتُ وهَاهيتُ وعَاعيتُ
    وقالَ محمد بن يزيد : مِما يُسألُ عنهُ فيما جاءَ على أَصلهِ من بناتِ الواوِ التي علَى ( فَعَلَ ) نحو : الخَوَنةِ والحَوكَةِ والقَوَدِ هَلْ في الياءِ مثلُ هذا وقد استويا في : عَوِرَ وصَيِدَ البعيرُ قال : والجوابُ في ذلكَ : أَنَّ عَوِرَ وصَيِدَ فِعْلانِ جَاءا في معنى ما لا يعتل مِنَ الأفعالِ فَصحا ليدلا عليه نحو : اعْوَرَّ واصْيدَّ كما صحَّ : اجْتَوَرُوا واعتَونُوا إِذا أردتَ معنى : تَجاوروا وتُعاونوا فأمَّا : الخَوَنةُ والحَوَكَةُ ونحوهُما فإِنَّما كانَ ذلكَ في الواوِ لأنَّها تباعدتْ مِنَ الألفِ فَثبتَ كما ثَبُتَ ما رُدَّ إلى الأَصلِ ولَمْ تجيء الياءُ في : نَابٍ وغَارٍ وَبَاعَهُ ولا في شيء منه على الأَصل لشبهِ الياءِ بالألفِ لأنَّها إليها أَقربُ وبها أَحقُّ أَلا تَرى أنَّ ( بَابَ ) : قَوْقَيْتُ وَضَوْضَيْتُ يظهرُ فيهِ الواوُ لا يأتي ما كانَ من بنَاتِ الياءِ في هذَا البابِ إلاّ مقلوباً نحو : حَاحَيْتُ وَعَاْعَيْتُ وإنَّما هُوَ ( فَعْلَلْتُ )
    قالَ أَبو بكر : ولمعترضٍ أَن يعترضَ بقولِهم : غَيَبٌ وصَيَدٌ فجوابهُ أَنْ يقالَ لهُ : ( صَيَدٌ ) صَحَّ كَما صَحَّ فعلهُ وصَحَّ ( عَوَرَ ) أَيضاً مثلهُ ويجوزُ أَنْ يكونَ : ( غَيَبٌ ) شُبهَ بِصَيَدَ وإِنْ كانَ جمعُ ( غائب ) لأَنهُ يجوزُ أَنْ يكونَ ينوي بهِ المصدرَ
    قالَ : قولُ سيبويه في بَابِ : علَى وإِلى ولدى لِمَ انقلبتِ الألفُ فيهنَّ مَعَ المضمرِ في قولِكَ : عليكَ وإِليكَ ولديكَ وكذلكَ : جَاءني كلام الرجلينِ ورأيتُ كِلا الرجلينِ ومررتُ بكلام الغلامينِ فإِذَا اتصلَ بذلكَ مضمرٌ في موضع جَرِّ أَو نَصْبٍ قلبتِ الألفُ ياء فقلت : رأيتُ كليهما ومررتُ بكليهما وفي الرفعِ تبقى على حالِها فتقولُ : جاءني أخواكَ كلاهما فزعمَ سيبويه : أنَّ ذلكَ لأَنَّ ( على وإلى وَلَدى ) ظروفٌ لا يَكُنَّ إلا نَصباً أو جراً كقولِكَ : غَدَتْ مِنْ عليهِ فشبهت ( كِلا ) معَ المضمرِ بهنَّ في الموضعِ الذي يقعنَ فيه منقلباتٍ ولَمْ تكنْ مما ترتفعُ فبقيتْ ( كِلاَ ) في الرفعِ على حالِها وشبهَ ( كِلا ) بهن لأَنَّها لا تفردُ كما لا يُفْردنَ
    قالَ أَبو العباس : قِيلَ لسيبويه : أَنتَ تزعمُ أَنَّ الألفاتَ في ( على ) ونحوِها منقلباتُ مِنْ واوٍ ويستدلُ علَى ذلكَ بأنَّ الأَلفاتَ لا تكونُ فيها إمَالةٌ ولو سُميَ رجلٌ بشيءٍ منهنّ قالَ في تثنيتِه : عَلَوانِ وأَلَوانِ فَلمَ قلبتَها مع المضمرِ ياءً هلاَّ تركتَها على حالِها فقلتَ : عَلاكَ وإِلاكَ كما يقولُ بعضُ العربِ . قال : فقالَ : مِنْ قِبَلِ أَنَّ هاتينِ يعني : علَى وَلَدى اسمانِ غيرُ متمكنينِ و ( إلى ) حرفٌ جاءَ لمعنىً
    ففصلَ بينَ ذلكَ وبينَ الأَسماءِ المتمكنةِ فقيلَ لهُ : فهلاّ فصلتَ بينَها معَ الظاهرِ أيضاً فقالَ : لأَنَّ المضمرَ يتصلُ بهَا
    قِيلَ : فَبَينَ وعِنْدَ ونحو ذلكَ غيرُ متمكنةٍ فِلَم لا فصلتَ أَيضاً بينَها وبينَ المتمكنةِ قَالَ : لأَنَّ الواوَ والياءَ والألفَ مِنَ الحَظِّ في إبدالِ بعضهن مِنْ بعضٍ ما ليسَ لِسَائرِ الحروفِ قِيلَ لَهُ : فَما بالُ قولِكَ : فيكم وفينا وفيَّ بمنزلةِ : مسلميكَ ونحوها وما علمتُ بينَ هذينِ فصلاً مقنعاً قال : والقولُ عندي في هذا أَنَّ هذهِ الحروفِ لمَّا كانتْ لا تخلو مِنَ الإِضافةِ كما لا يخلو مِنَ الفاعلِ بَنَوْها علَى المُضمرِ علَى إسكانِ موضعِ اللامِ مِنْها كَما فُعِلَ ذلكَ الفِعْلُ بالفعلِ مَعَ الفاعلِ والحجةُ واحدةٌ وأَمَّا ( كِلا ) فإنَّما أُشبهتهنَّ في الجرِّ والنصبِ علَى ما قالَ سيبويه . قالَ : وهذَا القولُ مذهبُ الفراءِ وأَصحابهِ
    قالَ أبو العباس : في هذَا البابِ نظرٌ أكثرُ مِن هذَا وقَد صَدَقَ
    وقالَ : زعمَ أَصحابُ الفراءِ عنهُ أنهُ كانَ يقولُ في بناتِ الحرفين من الأَسماءِ نحو : أُختٍ وبنتٍ وقُلةٍ وثَبَةٍ وجميعُ هذَا المحذوفِ أَنَّ كُلُّ شيءٍ حذفتْ منهُ الياءُ فأولهُ مكسورٌ ليدلَّ عليها وكُلُّ ما حذفتْ منهُ الواوُ فأولهُ مضمومٌ يدلُّ عليها فأُختٌ مِنْ قولِكَ : أَخواتٌ وبنتٌ كُسِرَ أَولُها لأَنَّ المحذوفَ ( ياءٌ ) وقُلِةٌ المحذوفُ ( واو ) فيقالُ لَهُ أَمَّا ( قُلَةٌ ) فَمَا تنكرُ أن تكونَ مِنْ ( قَلَوْتُ ) إذا طَردت وقولُكَ في ( بنتٍ ) دَعوى ويُبطلُ ما تقولهُ ( عِضَة ) لأَنَّ أَولَها مكسورٌ وهيَ مِنَ الواوِ يقالُ في جمعِها ( عِضَوَاتٌ ) . قالَ الشاعرُ :
    ( هَذَا طَرِيقٌ يآزِمُ المآزِمَا ... وَعِضَوَاتٌ تَقْطَعُ اللَّهازِمَا )
    وكانَ يلزمهُ أَنْ يضمَّ أَولَ ( سَنَةٍ ) فيمَنْ قَالَ ( سَنَواتٌ ) لأَنَّها مِنَ الواوِ وكذلكَ : هَنَةٌ هَنَواتٌ ينشدون فيها :
    ( أَرَى ابنَ نِزارٍ قَدْ جَفَاني وَمَلنَّى ... عَلَى هَنَواتٍ شَأنُها مُتَتَابِعُ )
    قالَ أَبو العباس : الذاهبُ مِنْ ( ابن ) واوٌ كمَا ذهبَ مِنْ ( أَبٍ وأَخٍ )
    فإنْ قيلَ : فَما الدليلُ عليهِ وليسَ براجعٍ في تثنيةٍ ولاَ جمعٍ ما يدلُّ علَى أَحدهما دونَ الآخِر قُلنا : نَستدلُّ بالنظائرِ أَمَّا ( ابن ) فإنَّكَ تقولُ في مؤنثهِ : ( ابنةٌ ) وتقولُ : ( بنتٍ ) مِنْ حيثُ قلتَ : ( أُختٌ ) ومِنْ حيثُ قلتَ : ( هَنْتٌ ) ولمَ نَر هذهِ التاءَ تلحقُ مؤنثاً إلاّ ومذكرهُ محذوفُ الواوِ يدلك علَى ذلكَ ( أَخوانِ ) ومَنْ رَدَّ في هَنٍ قَالَ : هَنَوانِ
    قالَ : وأَمَّا ( اسمٌ ) فَقَد اختُلفَ فيهِ
    فَقال بعضُهم هَوَ ( فِعْلٌ ) وقالُ بعضُهم : ( فُعْلٌ ) وأَسماءٌ تكونُ جمعاً لهذَا الوزنِ وهذَا الوزنُ تقولُ في جِذْعٍ : أَجْذَاعٌ كمَا تقولُ في ( قُفْلٍ ) : أَقفَالٌ وهَذا لا تُدركَ صيغتُه إلا بالسمعِ وأكثرهم أنشد :
    ( في كُلِّ سُورَةٍ سُمُه ... )
    فَضمهُ وجاءَ به عَلَى ( فُعُلٍ ) وأَنشدَ بعضُهم : ( سِمُهْ ) فكسرَ السينَ وَهُو أقل وأَنشدَ أَبو زيد فذكرَ الوجهينِ :
    ( فَدَعْ عنكَ ذِكْرَ اللهوِ واعمدْ لِمدحَةٍ ... لغيرِ مَعَدٍّ كُلُّها حيثُما انتُمى )
    ( لأَعْظَمِهَا قَدْرَاً وأكرمِهَا أَباً ... وأَحْسَنِهَا وَجْهَاً وَأَعْلَنِهَا سُمَا )
    فأَمَّا ( ابنٌ ) فتقديرهُ ( فَعَلٌ ) متحركٌ وذلكَ أَنَّكَ تقولُ في جمعهِ ( أَبَناءُ ) كَمَا تقولُ : جَمَلٌ وأَجْمَالٌ وجَبَلٌ وأَجبَالٌ فإنْ قالَ قائلٌ : فلعلهُ ( فِعْلٌ ) أَو ( فُعْلٌ ) فإنَّ جمعَها علَى ( أَفَعالٍ ) قيلَ لَهُ : الدليلُ عَلى ذلكَ أَنَّكَ تقولُ : بَنُونَ في الجمعِ فتحركُ بالفتحِ فإنْ قَالَ : ما أَنكرتَ مِنْ أَنْ يكونَ علَى ( فَعْلٍ ) ساكن العين قِيلَ لأَن البابَ في جَمعِ ( فَعْلٍ ) علَى ( أَفْعُلٍ ) نحو : كَلْبٍ وأَكْلُبٍ وكَعْبٍ وأَكْعُبٍ فأَما دَمٌ فهوَ فَعْلٌ لأَنَّكَ تقولُ : دَمِيَ يَدمى فهوَ دَمٍ فَهذَا مثلُ : فَرِقَ يُفْرَقُ فَرَقاً فهو فَرِقٌ ( فَدَمٌ ) مَصدرٌ مثلُ بَطَرَ وحَذِرَ هَذا قولُ أَبي العباس
    قالَ أَبو بكر : وليسَ عندي في قولهم : دَمِيَ يَدْمَة دَماً حجةٌ لِمَنْ ادَّعى أَنَّ ( دَمَاً ) فَعَلٌ لأَنَّ قولُهم : دَميَ يَدْمى دَمَاً إنَّما هُوَ ( فِعْلٌ ) ومَصدرٌ اشتقا مِنَ الدمِ كمَا : اشتقَّ تَرِبَ مِنَ ( التُّرابِ ) وشَعرُ الجبينِ مِنَ الشَعَرِ فقولُهم ( دَمَاً ) اسمٌ للحدثِ والدمُ اسمٌ للشيءِ الذي هُوَ جسمٌ وقد بينتُ هذَا الضربَ في كتابِ الإشتقاقِ ولكنَّ قولَهم : دَميانِ دَلَّ علَى أَنَّهُ ( فَعَلٌ ) قالَ الشاعرُ لمَّا اضطر :
    ( فَلَو أَنَّا عَلى حَجَرٍ ذُبِحْنَا ... جَرَى الدَّمَيانِ بالخَبرِ اليَقِينِ )
    وأَمَّا يَدٌ فتقديرُها ( فَعلٌ ) ساكنةُ العينِ لأَنكَ تقولُ : أَيدٍ في الجَمْعِ فَهَذَا جَمْعُ ( فَعْلٍ ) ولو جَاءَ شَيءٌ لا يعلمُ ما أَصلُه مِنْ هذهِ المتقوصاتِ لكانَ الحكمُ فيهِ أنْ يكونَ فِعْلاً ساكنَ العينِ لأَنَّ الحركةَ زيادةٌ والزيادةُ لا تثبتُ إلاّ بدليلٍ وأَمَّا أستٌ ( فَفَعَلٌ ) متحركةُ العينِ يدلُّك على ذلكَ ( أَسْتَاهٌ ) فإنْ قيلَ فلعلها فَفَعَلٌ أَو فُعْلٌ فإنَّ الدليلَ على ما قُلنا قولكَ : سَهٌ فتردَّ الهاءَ التي هيَ لامٌ وتحذفُ العينَ وتفتحُ السينَ فأَمَّا حِرُ المرأةِ فتقديرهُ ( فِعْلٌ ) لقولِهم : أَفعالٌ في جمعهِ بمنزلةِ : جِذْعٍ وأَجَذاعٌ ودليلهُ بَينٌ لأَنَّ أَولَهُ مكسورٌ
    قالَ محمد بن يزيد : ما كانَ على حرفينِ ولا يُدرى ما أَصلهُ الذي حُذِفَ مِنهُ فإِنَّ حكمَهُ في التصغيرِ والجمعِ أَنْ تثبتَ فيهِ الياءُ لأَنَّ أَكثرَ ما يحذفُ مِنْ هَذا : الواوُ والياءُ فالياءُ أَغلبُ علَى الواوِ مِنْ الواوِ علَيها فإنَّما القياسُ علَى الأكثرِ فلو سَمينا رجلاً بإنْ التي للجزاءِ ثُمَ صغرنَا فقلنا . أُنَيٌّ وكذلكَ : أن التي تنصبُ الأفعالَ فإنْ سميناَ ( بِإِنْ ) الخفيفةِ مِنَ الثقيلةِ قُلنا : أُنيَنٌ
    فاعلم . لأَنا قد علَمنا أَنَّ أَصلَها ( نونٌ ) أُخرى حذفتْ منها وكذلكَ لو سميناهُ ( بِرُبَ ) الخفيفةِ ( مِنَ ) رُبَّ الثقيلةِ لقلنَا : رُبَيبٌ لأَنا قد علمنا ما حذفَ منهُ وكذلكَ ( بَخٍ ) المخففةِ تردُّ فيهما الخَاءُ المحذوفَةُ لأَنَّ الأَصلَ التثقيلُ كما قالَ :
    ( في حَسَبٍ بَخٍّ وعَزٍّ أقْعَسَا ... )
    ولو سميت رَجُلاً : ذُوَ لقَلنا : ذَوَاً قَد جاءَ لأَنَّهُ لا يكوونُ اسمٌ علَى حرفينِ أَحدهما : حرفُ لينٍ لأَنَّ التنوينَ يذهبُ بهِ فيبقى علَى حرفٍ فإِنَّما رددتُ ما ذَهَبَ وأَصلُه فَعَلٌ يدلُّكَ علَى ذلكَ : ( ذَواتا أفنانٍ ) و ( ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ )
    وإنَّما قلتَ : هذَا ذُو مالٍ فجئتَ بهِ على حرفينِ لأَنَّ الإِضافةَ لازمةٌ لَهُ ومانعةٌ مِنَ التنوينِ كمَا تقولُ : هذَا فو زيدٍ ورأيتُ فا زيدٍ فإذَا أَفردتَ قلتَ : هذا فَمٌ فاعلم لأن الإسم قد يكونُ علَى حرفين إذَا لم يكنْ أَحدُهما حرفَ لينٍ كما تقدمَ مِنْ نحو : يَدٍ ودمٍ وما أَشبههُ
    قال : فإذَا سميتَ رَجُلاً ( بُهوَ ) فإنَّ الصوابَ أن تقولَ : هذَا هُوٌّ كَما تَرَى فتثقلُ وإن سميتَهُ ( بِفي ) مِنْ قولِكَ : في الدارِ زيدٌ زدتَ علَى الياءِ ياءً فقلت : هذا فيٌّ فاعلم
    وإن سميته ( بلا ) زدتَ علَى الأَلفِ أَلفاً ثُمَ همزتَ لأَنكَ تحركُ الثانيةَ والأَلفُ إذا حُرِّكتْ كانتْ همزةً فتقول : هذا لاَءٌ فاعلم
    وإنَّما كَانَ القياسُ أَنْ تزيدَ علَى كُلِّ حرفٍ مِنْ حروفِ اللينِ ما هَوَ مثلهُ لأَنَّ هذهِ حروف لا دليلَ علَى توالِيها لأَنَّها لم تكنْ أَسماءً فيعلمُ ما سقطَ مِنْها وَهوَ وهيَ اسمانِ مضمرانِ مجراهما مجرى الحروفِ في جميعِ محالِهما وكذلكَ قالتِ العربُ : في ( لَوِّ ) حَيثُ جعلْتُه اسماً . قالَ الشاعرُ :
    ( ليتَ شِعْري وَأَينَ مِني لَيْتٌ ... إنَّ لَيتاً وإنَّ لَوَّاً عَنَاءُ )
    فزادَ علَى الواوِ واواً ليلحقَ الأسماءَ وإنْ سميتَ رجلاً ( كَيْ ) قلت : هَذا كَيٌّ فاعلَم
    وكذلكَ كُلٌّ ما كانَ علَى حرفينِ ثانيةِ ياءٌ أَوْ وَاوٌ أَو أَلفٌ
    وقالَ أَبو الحسن الأخفش : ما كانَ علَى حرفينِ فَلم تدرِ مِنَ الواوِ هَوَ أَمْ مِنَ الياءِ فالذي تحملهُ عليهِ الواو لأَنَّ الواوَ أكثرُ فيما عرفنا أَصلَهُ مِنَ الحرفينِ فيما يُعلم أَنَّهُ مِنَ الواو ( أَبٌ ) لأَنكَ تقولُ : أَبوانِ وأَخٌ لأَنَكَ تقولُ : أَخوانِ وهَنٌ لأَنكَ تقولُ : هنوانِ وَغدٌ لأَنَّهم قَد قالَوا : وغَدْوَاً بَلاقعُ
    قالَ : وأما ( ذو ) ففي القياس أن يكون الذاهب اللام وأنْ يكونَ ياءً لأَنَّ ما عينهُ واوٌ ولامُه ياءٌ أَكثرُ مما عينهُ ولامهُ واوانِ
    وأَمَّا ( دَمٌ ) فَقَد استبانَ أَنهُ مِنَ الياءِ لقولِ بعضِ العربِ إذا ثنّاهُ : دَمَيانِ وقال بعضُهم : دَموانِ فَما علمتَ أَنَهُ مِنَ الواوِ أَكثرُ لأَنَّهم قد قالوا : هَنَوانِ وأَخوانِ وأَبوانِ فقد عرفتَ أَنَّ أَصلَ دمِ : فَعَلٌ وَغَدٌ قَدْ استبانَ لكَ أَنَّهُ ( فَعْلٌ ) بقولِهم : وَغَدْوَاً بلاقع
    وإنما يحملُ البابُ علَى الأَكثرِ
    وذكَر الأخفش ( سنينَ وَمِئينَ ) فَقَالَ : فِيهَا قولين : أَختارُ أَحدَهما وهو الصحيحُ عندنا فَقالَ : وأَمَّا سنينُ وَمِئينُ في قولِ مَنْ رفعَ النونَ فهوَ فَعيلٌ ولكنْ كسرَ الفاءَ لكسرةِ ما بعدها وأَجمعوا كلُّهم على كسرِها وصارتِ النون في آخرِ ( سنين ) بدلاً مِنَ الواوِ لأَنَّ أَصلَها مِنَ الواوِ وفي ( مِئينَ ) النونُ بدلٌ مِنَ الياءِ لأَنَّ أَصلَها من الياءِ كأَنَّها كانتْ ( مئي ) مثلُ مَعي وقَدْ قالوها في بعضِ الشعرِ ساكنةً ولا أَراهم أَرادوا إلاّ التثقيلَ ثُمَّ اضطروا فخففوا لأَنَّهم لو أَرادوا غيرَ التخفيفَ لصارَ الإسمُ علَى ( فَعِلٍ ) وهذَا بِنَاءٌ قليلٌ
    قالَ الشاعرُ :
    ( حَيْدَةُ خالي ولَقيطٌ وعَلي ... وحَاتمُ الطائيُّ وَهَّابُ المِئيِ )
    مثلُ ( المِعِي ) وأَمَّا قولُهم : ثلاثُ مِئي فاعلم . فإنَهُ أَرادَ ( بِمئي ) جَماعةَ المائةِ كَتَمْرٍ وتَمْرَةٍ وتقولُ فيهِ : رأيتُ مِئياً مثلُ : مِعيَاً وقولهم : رَأيتُ مِئِاً مثلُ : مِعَىً خطأٌ لأَنَّ المِئي إنَّما جاءتْ في الشعرِ فتقولُ : ليسَ لكَ أَنْ تدعي أَنَّ هذهِ الياءَ للإِطلاقِ وأنتَ لا تجدُ ما هُوَ علَى حرفينِ يكونُ جماعةً ويكونُ واحدهُ بالهاءِ نحو : تَمْرَةٍ وتَمْرٍ
    قالَ أبو الحسن : وَهوَ مذهبُ وَهوَ قولُ يونس يعني ( الياءَ ) قاَلَ والقياسُ الجيدُ عندنا أَنْ يكونَ سنينَ فِعلينَ مثلُ غِسْلينَ محذوفةٌ ويكونُ قولُ الشاعرِ : سني والمئي مرخماً
    فإن قلتَ : فإنَّ ( فِعْلينَ ) لم يجيء في الجمعِ وقدَ جاءَ ( فَعيلٌ ) نحو : كَليبٍ وعَبيدٍ وقَدْ جَاءَ فيهِ ما لزمهُ ( فَعيلٌ ) مكسور الفَاءِ نحو : ( مِئينٍ ) فإنَّ مِنَ الجمعِ أَشياءً لم يجىءُ مثلُها إلاّ بغير اطرادٍ نحو ( سَفْرٍ ) وقد جَاءَ منهُ ما ليسَ لَهُ نظيرٌ نحو : ( عِدى ) وأَنتَ إذا جعلتَ ( سنينَ ) فَعِيلاً جَعلتَ النونَ بدلاً والبدلُ لا يقاس ولا يطردُ ومخالفةُ الجمعِ للواحدِ قد كثَر فإنْ تحملهُ علَى ما لا بدلَ فيهِ أَولى وليسَ يجوزُ أَنْ تقولَ : إِنَّ الياءَ في سنينَ : أَصليةٌ وقَد وجدتها زائدةً في هَذا البناءِ بعينهِ لمّا قلتَ : ( فِعْلينَ ) وفِعلونَ : يعني أَنكَ تقولُ : سِنينَ يَا هَذا وسنونَ وقالَ : اعلم : أَنَّ قولَ العرب : ( آوَّه ) لا يجوزُ أن تكونَ فاعلةً والدليلُ عَلَى أنَّ الهاءَ للتأنيث قولُ العرب : ( أَوتاهُ ) وإنَّما هَذا شاذٌّ لأَنَّهُ حرفٌ بنيَ هكذَا لم يسمعْ فيهِ ( فِعْلٌ ) قَط العينُ واللامُ مِنَ الواوِ فلمَّا بنوهُ كأَنَّهُ لم يكن لَهُ ( فَعْلٌ ) بنوهُ علَى الأصلِ كمَا قالوا : مِذْرَوَانِ فبنوهُ علَى الأصلِ إذ لم يكنْ لَهُ واحدٌ يقلبُ فيهِ الواوُ إلى الياءِ وكَما قالوا : ثِنايانِ فلم يهمزوا إذَا لم يكنْ لهذَا واحدٌ تكونُ الياءُ آخرَهُ قَالَ : وأما قولُ الشاعرِ :
    ( فَأَوِّ لِذكْرَاها إذَا مَا ذَكَرْتُها ... ومِنْ بُعْدِ أَرْضٍ دونَها وسَمَاءٌ )
    فإنهُ مِنْ قولِهم : أَوتاهُ ولكنْ جعلَهُ مثلَ : سَبحَ وهَلَّلَ وقولُه : أَو يريدُ : افعَلْ ورأيتُ بخط بعضِ أَصحابنا مِما قُرِيءَ علَى بعضِ مَشَايخِنا مِنْ كلامِ الأَخفش
    اعلَمْ : أَنَّ قولَ العربِ ( أَوَّه ) لا يجوزُ أَنْ يكونَ إلاّ ( فَاعلةً ) ورأَيتُ إلا ملحقةً في الكتابِ
    قالَ أبو بكر : جميعُ الأصواتِ التي تُحكى محالفةٌ للأسماءِ والأَفعالِ في تقديرِها فليسَ لَنَا أَن نقولَ في ( قَد ) أن أَصلَها ( فَعْلُ ) كما تقولُ في ( يَدٍ ) ولا ندَعي أَنهُ حذفَ مِنْ ( قَدْ ) شيءٌ كَما حذفَ في ( يَدٍ ) ولاَ لنَا أنْ نقولَ : إنَّ الأَلفَ في ( مَا ولاَ ) منقلبةٌ مِنْ شيءٍ وكذلك صَهْ ومَهْ وأَلفُ ( غَاقٍ ) لا تَقولُ : إنَّها منقلبةٌ وإنَّما تقدرُ الأسماءَ والأفعالَ بالفاءِ والعينِ واللامِ لتبينَ الزوائدُ مِنْ غيرِها والحروفُ والأصواتُ أُصولٌ لا تكادُ تجدُ فيها زَائداً ولا تحتاجُ إلى تقديرِها بالفاءِ والعينِ واللامِ لأَنَّها لا تتصرفُ تصرفَ الأَسماءِ ولا تصرفَ الأَفعالِ لأَنَّها لا تصغرُ ولا تُثَنى ولا تجمعُ ولا يُبنى منها فِعل ماضٍ ولاَ مستقبلٍ وأنَّما جعلتِ الفاءُ والعينُ واللامُ في التمثيل ليعتبرَ بهنَّ الزائدُ مِنَ الأصلِ والأَبينةُ المختلفةُ
    فَما لا تدخلهُ الزيادةُ ولا تختلفُ أَبنيتهُ فلا حاجَةَ إلى تمثيلهِ وتقديرهِ فأَمَّا قولهُم ( تَأَوّهَ ) فإنَّما هو مشتقٌّ مِنْ قولهم : آوَّهَ يرادُ بهِ أَنهُ قَالَ : أَواهُ كمَا قالوا : سَبَّح إذَا قالَ سبحانَ اللهِ وهلّلَ إذَا قَالَ : لا إلهَ إلاّ الله فهَللَ فَعَّلَ أخذتِ الهاءُ واللامُ مِنْ بعضِ الكلامِ الذي تكلم بهِ وجازَ تقديمُ الهاءِ لأَنَّهُ غيرُ مشتقٍ مِنْ مصدرٍ وإنَّما يصيرُ للكلمةِ تقديرٌ إذَا كانتْ اسماً أَو فعلاً فمَا عَدا ذلكَ فَلا تقديرَ لَهُ وقولُ الشاعِر :
    ( مِنْ أَعقابِ السُّمِي ... )
    فالسُّمِي مخففٌ مِنْ السّمِيٌّ ويدلكَ علَى ذلكَ أَنَّ ( فُعِلَ ) ليسَ مِنْ بناءِ الأسماءِ : وإنَّما أَرادَ : السُّمِيَ فخففَ وهيَ ( فُعُولٌ ) مُثل عُصِيَ فلمَّا خَفَف صارَ : سُميٌ
    قال الأخفشُ : ولو سُمَى بهِ لأنصرفَ لأَنهُ ( فُعُولٌ ) محذوسف وهوَ ينصرفُ إذا كانَ اسمَ رجلٍ أَلا تَرى أَنَّ ( عُنُوقَ جَماعةُ العَنَاقِ ) لو كانْت اسمَ رَجلٍ فرخمتهُ فيمنْ قالَ : يَاحَارِ لقلتَ : بَاعُني تحذفُ القافَ وتقلبُ الوا ظو
    قَالَ : ولَو سميتَ بهِ لصرفتَهُ لأَنَّهُ ليسَ ( بَفُعِلُ ) ونظيرُ التخفيفِ في سُمِى قولُ الشَاعرِ :
    ( حَيدةُ خَالي ولَقيطٌ وعَلي ... وحَاتمُ الطائيُّ وَهَّابُ المِئِي )
    فخففَ الياءَ مِنْ ( عَليّ ) وقالَ في بيتٍ آخرَ :
    ( يأكلُ أَزمانَ الهُزَّالِ والسِني ... )
    فهذَا إمَّا أَنْ يكونَ رخمَ ( سنينَ ) ومِئينَ وإما أن يكون بَنى : سنةً ومائةً على : سِني ومِئي وكانَ أَصلهما : سُنْوٌ ومِئْوٌ فلمَّا حذفَ النونَ ورخم بقيَ الإسمُ آخرهُ واوٌ قبلها ضمةٌ فلما أَراد أَن يجعلَهُ اسماً كالأَسماءِ التي لم يحذفْ منها شيءٌ قلبَ الواوَ ياءً وكسرَ ما قبلها لأَنَّهُ ليسَ في الأَسماءِ اسمٌ آخرهُ واوُ قبلَها ضمةٌ فمَتى وقعَ شيءٌ مِنْ هذا قلبتِ الواوُ فيهِ ياءً وقَدْ بُيّنَ هذا فيما تقدمَ
    قاَلَ أبو بكر : ويجوزُ عندي أَنْ يكونَ تقديرُ قولِ الشاعر : ( سُمِي ) أَنَّهُ ( فُعُلٌ ) قصرهُ مِنْ ( فَعُولٍ ) فلمَّا وقعتِ الواوُ بعدَ ضمةٍ وهيَ طرفٌ قَلبها يَاءً وهذا التأويلُ عِندي أَحسنُ مِنْ حذفِ اللامِ لأَنَّ حذفَ الزائدِ في الضرورةِ أَوجبُ مِنْ حَذفِ الأَصلِ وسَماءٌ مثلُ ( عَناقٍ ) في البناءِ والتأنيثِ وكذلكَ جمعهما سَواءٌ تَقُولُ ( سُمِيٌّ ) وعُنُوقٌ فَسُمِيٌّ ( فُعُولٌ ) وعُنُوقٌ ( فُعُولٌ ) وقَد حكوا : ثَلاثَ أَسميةٍ بنوها علَى ( أَفْعِلَةٍ ) وهيَ مؤنثةٌ وإنَّما هذَا البناءُ للمذكرِ وإنَّما فعلوا ذلكَ لأَنَّهُ تأنيثٌ غيرُ حقيقيٍّ وليسَ كعَناقٍ لأَنَّ ( عناقاً ) تأنيثُها حقيقيٌّ
    [ للضرب ألأول من مسَائلُ التصريفِ بقية ]

    صفحة رقم [ 38 ] من كتاب الأصول في النحو Fasel10

    كتاب : الأصول في النحو
    المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
    منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة
    صفحة رقم [ 38 ] من كتاب الأصول في النحو E110


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 23 نوفمبر 2024 - 16:15