من طرف حكماء الجمعة 1 أكتوبر 2021 - 13:50
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
جمهرة أشعار العرب
● [ المراثي ] ●
[ أبو ذؤيب الهذلي ]
الكامل
أَمِنَ المَنُونِ وَرَيبِها تَتَوَجّعُ؟ ... والدّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
قَالَتْ أُمَيْمَةُ: ما لِجِسْمِكَ شَاحِباًمُنْذُ ابْتُذِلْتُ وَمِثْلُ مَالِكَ يَنْفَعُ
أَمْ مَا لِجِسْمِكَ لاَ يُلاَئِمُ مَضْجَعاً ... إلاّ أَقَضّ عَلَيْكَ ذَاكَ المَضْجَعُ
فَأَجَبْتُها: أَمّا لِجِسْمِي إنّهُ ... أَوْدَى بَنيّ مِنَ البِلاَدِ، فَوَدّعُوا
أَوْدَى بَنيّ، فَأَعْقَبُوني حَسْرَةً، ... بَعْدَ الرُّقادِن وَعَبْرَةً مَا تُقْلِعُ
سَبَقُوا هَوَيَّ، وأَعْنَقوا لِهَوَاهُمُ ... فَتَخَرِّموا، ولكلّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بِعَيْشٍ نَاصِبٍ، ... وَإخالُ أَنّي لاَحِقٌ مُسْتَتْبِعُ
وَلَقَدْ حَرَصْتُ بِأَنْ أُدافِعَ عَنْهُمُ، ... وَإذا المَنِيّةُ أَقْبَلَتْ لاَ تُدْفَعُ
وإذا المَنِيّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَها، ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لا تَنْفَعُ
فَالعَيْنُ بَعْدَهُمُ كَأَنّ جُفُونَها ... سُمِلَتْ لِشَوكٍ فَهِيَ عُورٌ تَدْمَعُ
وَتَجَلُّدِي للشّامِتِينَ أُرِيهمُ ... أَنّي لِرَيبِ الدّهْرِ لاَ أَتَضَعْضَعُ
حتى كَأَنّي لِلْحَوادِثِ مَرْوَةٌ، ... بِصَفَا المُشَقَّرِ كُلَّ يَوْمٍ تُقْرَعُ
لاَبُدّ مِنْ تَلَفٍ مُقيمٍ، فانْتَظِرْ ... أَبِأَرْضِ قَوْمِكَ أَمْ بِأُخْرَى المَضْجَعُ
وَلَقَدْ أَرَى أنّ البُكَاءَ سَفَاهَةٌ، ... وَلَسَوْفَ يُولَعُ بِالبُكَا مَنْ يُفْجَعُ
وَليَأْتِيَنّ عَلَيْكَ يَوْمٌ مَرّةً ... يُبْكَى عَلَيْكَ مُقَنَّعاً لا تَسْمَعُ
وَالنّفْسُ رَاغِبَةٌ إذا رَغّبْتَها، ... وإذا تُرَدُّ إلى قَلِيلٍ تَقْنَعُ
كَمْ مِنْ جَمِيعي الشّمل ملتئمي الهوى ... كَانُوا بِعَيْشٍ نَاعِمٍ، فَتَصَدّعُوا
فَلَئِنْ بِهِمْ فَجَعَ الزّمَانُ وَرَيْبُهُ، ... إنّي بِأَهْلِ مَوَدّتي لَمُفَجَّعُ
وَالدّهْرُ لا يُبقي على حَدَثَانِهِ، ... جَوْنَ السَّرَاةِ له جَدَائدُ أَرْبَعُ
صَخْبُ الشّوَارِبِ، لا يَزَالُ كَأَنّهُ ... عَبْدٌ لآلِ أَبي رَبيعَةَ مُسْبَعُ
أَكَلَ الجَمِيمَ، وَطَاوَعَتْهُ سَمْحَجٌ ... مِثْلٌ القَنَاةِ، وَأَزْعَلَتْهُ الأمْرُعُ
بِقَرَارِ قِيعَانٍ سَقَاهَا صَائِفٌ، ... واهٍ، فَأَثْجَمَ بُرْهَةً لاَ يُقْلِعُ
فَمَكَثْنَ حِيناً يَعْتَلِجْنَ بِرَوْضِهِ، ... فَيَجِدُّ حِيناً في العِلاَجِ وَيَشْمَعُ
حتى إذا جَزَرَتْ مِيَاهُ رُزُونِهِ ... وَبأَيّ حَزِّ مَلاَوَةٍ يَتَقَطّعُ
ذَكَرَ الوُرُودَ بِهَا، وَسَاوَمَ أَمْرَهُ ... سَوْماً، وَأَقْبَلَ حَيْنَهُ يَتَتَبّعُ
فَاحْتَثّهُنّ مِنَ السَّوَاءِ، وَمَاؤُهُ ... بَثْرٌ، وَعَانَدَهُ طَرِيقٌ مَهْيَعُ
فَكَأَنّهُنّ رَبَابَةٌ، وَكَأنّهُ ... يَسَرٌ يُفِيضُ عَلَى القَدَاحِ وَيَصْدَعُ
وَكَأَنّها بالجِزْعِ جِزْعِ يَنَابِعٍ، ... وَأُولاتِ ذي الحَرَجَاتِ نَهبٌ مُجْمَعُ
وَكَأنّمَا هُوَ مِدْوَسٌ مُتَقَلِّبٌ ... في الكَفّ، إلاّ أَنّهُ هُوَ أَضْلَعُ
فَوَرَدْنَ والعَيُّوقُ مَجْلِسَ رَابيء الضُّ ... رَبَاءِ فَوْقَ النّجْمِ لاَ يَتَتَلّعُ
فَشَرَعْنَ في حَجَراتِ عَذْبٍ بَارِدٍ ... حَصِبِ البِطَاحِ تَسيخُ فِيهِ الأكْرُعُ
فَشَرِبْنَ ثُمّ سَمِعْنَ حِسّاً دُونَهُ ... شَرَفُ الحِجَابِ، وَرَيْبَ قَرْعٍ يُقْرَعُ
وَهَمَاهِماً مِنْ قَانِصٍ مُتَلَبِّبٍ، ... في كَفّهِ جَشءٌ أَجَشُّ وأَقْطَعُ
فَنَكَرْنَهُ فَنَفَرْنَ، وَامْتَرَسَتْ بِهِ ... عَوْجَاءُ هَادِيَةٌ وَهَادٍ جُرْشُعُ
فَرَمَى، فَأَنْفَذَ مِنْ نَحُوصٍ عَائِطٍ، ... سَهْماً، فَخَرّ وَرِيشُهُ مُتَصَمِّعُ
وَبَدَأ لَهُ أَقْرَابُ هَذَا رَائغاً ... عَجِلاً، فَعَيّثَ في الكِنانَةِ يُرْجِعُ
فَرَمَى فَأَلْحَقَ صَاعِدِيّاً مِطْحَراً ... بِالكَشْحِ، مُشْتَمِلاً عَلَيْهِ الأضْلُعُ
فَأَبَدّهُنّ حُتُوفَهُنّ، فَظالِعٌ ... بِذَمَائِهِ، أَوْ سَاقِطٌ مُتَجَعْجِعُ
يَعْثُرْنَ في عَلَقِ النَّجِيعِ كَأنّمَا ... كُسِيَتْ بُرُودَ بَني يَزِيدَ الأذْرُعُ
وَالدَّهْرُ لاَ يَبْقى عَلَى حَدَثَانِهِ ... شَبَبٌ أَفَزَّتْهُ الكِلاَبُ مُرَوَّعُ
شَعَفَ الضّرَاءُ الدّاجِنَاتُ فُؤَادَهُ، ... فَإذَا يَرَى الصّبْحَ المُصَدَّقَ يَفْزَعُ
يَرْمِي بِعَيْنَيْهِ الغُيُوبَ وَطَرْفُهُ ... مُغْضٍ، يُصَدِّقُ طَرْفُهُ مَا يَسْمَعُ
وَيَلُوذُ بِالأرْطَى، إذَا مَا شَفَّهُ ... قَطْرٌ، وَرَاحَتْهُ بَلِيلٌ زَعْزَعُ
فَغَدَا يُشَرِّقُ مَتْنَهُ، فَبَدَا لَهُ ... أُولى سَوابِقِهَا قَرِيباً تُوزَعُ
فانْصَاعَ مِنْ حَذَرٍ، فَسَدّ فُرُوجَهُ ... غُضْفٌ ضَوارٍ وَافِيَانِ وَأَجْدَعُ
فَنَحَا لَهَا بِمُذَلَّقَيْنِ، كَأنّما ... بِهمَا مِنَ النُّضْجِ المُجَزَّعِ أَيْدَعُ
يَنْهَشْنَهُ، ويَذُودُهُنّ، وَيَحْتَمي ... عَبْلُ الشَّوَى بِالطُّرَّتَينِ مُوَلَّعُ
حَتّى إذا ارْتَدّتْ وَأَقْصَدَ عُصْبَةً ... مِنْهَا، وَقَامَ سَوِيدُها يَتَصَرَّعُ
وَكَأَنّ سَفُّودَيْنِ لَمّا يُقْتِرَا ... عَجِلا له بِشِواءِ شَرْبٍ يُنْزَعُ
فَرَمَى لِيُنْقِذَ فَذَّهَا، فَأَصَابَهُ ... سَهْمٌ، فَأَنْفَذَ طُرّتَيْهِ المَنْزَعُ
فَكَبا كَمَا يَكْبُو فَنِيقٌ تَارِزٌ، ... بِالخَبْتِ، إلاّ أنّهُ هُوَ أَبْرَعُ
وَالدَّهْرُ لاَ يَبْقَى على حَدَثَانِهِ ... مُسْتَشْعِرٌ حَلَقَ الحَدِيدِ مُقَنَّعُ
حَمِيَتْ عَلَيْهِ الدِّرْعُ، حَتّى وَجْهُهُمِنْ حَرِّهَا، يَوْمَ الكَرِيهَةِ، أَسْفَعُ
تَعْدُو بِهِ خَوْصَاءُ يَقْصِمُ جَرْيُها ... حَلَقَ الرِّحالَةِ فَهِيَ رِخْوٌ تَمْزَعُ
قُصِرَ الصَّبُوحُ لَهَا فَشُرِّجَ لَحْمُهابِالنَّيِّ فَهِيَ تَثُوخُ فِيهَا الإِصْبَعُ
تَأْبَى بِدِرَّتها، إذا ما اسْتُغْضِبَتْ، ... إلاّ الحَمِيمَ، فإنّهُ يَتَبَضّعُ
مُتَفَلِّقٌ أَنْسَاؤُهَا عَنْ قَانىءٍ، ... كَالقُرْطِ صاوٍ غُبْرُهُ لاَ يُرْضَعُ
بَيْنَا تُعَانِقُهُ الكُمَاةُ، وَرَوْغُهُ ... يَوْماً، أُتِيحَ لَهُ جَريءٌ سَلْفَعُ
يَعْدوُ بِهش عَوْجُ اللَّبانِ كَأَنّهُ ... صَدَعٌ، سَلِيمٌ عَطْفُهُ، لا يَظْلَعُ
فَتَنَازَلا، وَتَواقَفَتْ خَيْلاَهُما، ... وَكِلاَهُمَا بَطَلُ اللّقاءِ، مُخَدَّعُ
يَتَحَامَيَانِ المَجْدَ، كُلٌّ وَاثِقٌ ... بِبَلاَئِهِ، فَاليَوْمُ يَوْمٌ أَشْنَعُ
فَكِلاَهُمَا مُتَوشَّحٌ ذَا رَوْنَقٍ، ... عَضْباً، إذَا مَسَّ الأيَابِسَ يَقْطَعُ
وَكِلاهُمَا في كَفّهِ يَزَنَيّةٌ ... فِيهَا سِنَانٌ كَالمَنَارَةِ أَصْلَعُ
وَعَليْهِمَا مَاذِيّتَانِ قَضَاهُمَا ... دَاوُدُ، أَوْ صَنَعُ السّوَابِغِ تُبّعُ
فَتَخَالسَا نَفْسَيْهِمَا بِنَوافِذٍ، ... كَنَوَافِذِ العُبُطّ التي لا تُرقَعُ
وَكِلاَهُما قَدْ عَاشَ عِيْشَةَ مَاجِدٍ، ... وَجَنَى العُلَى، لَوْ أنّ شَيئاً يَنْفَعُ
فَعَفَتْ ذُيُولُ الرِّيحِ بَعْدُ عَلَيْهِما، ... والدَّهْرُ يَحْصُدُ رَيْبَهُ ما يُزْرَعُ
[ محمد بن كعب الغنوي ]
الطويل
تَقُولُ ابْنَةُ العَبْسيِّ: قَدْ شِبْتَ بَعْدَنا،وَكُلُّ امرىءٍ بَعْدَ الشّبَابِ يَشِيبُ
وَمَا الشَّيْبُ إلاّ غَائِبٌ كَانَ جَائِياً، ... وَمَا القَوْلُ إلاّ مُخطىءٌ وَمُصيبُ
تَقُولُ سُلَيْمَى: مَا لِجسْمِكَ شَاحباً، ... كَأَنّكَ يَحْمِيكَ الشّرَابَ طَبِيبُ
فَقُلْتُ، وَلمَ أَعِيَ الجَوَابَ، وَلم أَبُحْ،وَلِلْدَّهْرِ في الصُّمِّ الصِّلابِ نَصِيبُ
تَتَابَعَ أَحْدَاثٌ تَخَرّمْنَ إخْوَتي، ... فَشَيّبْنَ رَأْسي، والخُطُوبُ تُشِيبُ
لَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتْ أَصَابَتْ مَنِيّةٌ ... أَخِي، وَالمَنَايَا لِلرّجَالِ شَعُوبُ
لَقَدْ كَانَ أَمّا حِلْمُهُ فَمُرَوِّحٌ ... عَلَيْهِ، وَأَمّْا جَهْلُهُ فَعَزِيبُ
أَخِي ما أَخِي لا فاحِشٌ عِنْدَ بَيْتِهِ، ... وَلاَ وَرَعٌ عِنْدَ اللِّقاءِ هَيُوْبُ
أَخي كانَ يَكْفِيني، وَكَانَ يُعِينَني ... على نَائِبَاتِ الدَّهْرِ، حِينَ تَنُوبُ
حَلِيمٌ، إذا ما سَوْرَةُ الجَهْلِ أَطْلَقَتْحُبَى الشّيْبِ، للنّفْسِ اللَّجُوجِ غَلُوبُ
هُوَ العَسَلُ الماذيّ لِيناً وَنَائِلاً، ... وَلَيْثٌ، إذا يَلْقَى العُدَاةَ، غَضُوبُ
هَوَتْ أُمُّهُ، مَاذَا تَضَمَّنَ قَبْرُهُ ... مِنَ المَجْدِ، وَالمَعْرِوفِ حِينَ يُثِيبُ
أَخُو سَنَواتٍ يَعْلَمُ الضَّيْفُ أَنَّهُ ... سَيَكْثُرُ مَا في قِدْرِهِ، وَيَطِيبُ
حَبِيبٌ إلى الزُّوَّارِ غِشْيَانُ بَيْتِهِ، ... جَميلُ المُحَيَّا، شَبَّ وَهُوَ أَدِيبُ
كَأَنّ بُيُوتَ الحَيّ، مَا لمْ يَكُنْ بِهَا، ... بَسِابِسُ قَفْرٍ، مَا بِهِنَّ عَرِيبُ
كَعَاليَةِ الرُّمْحِ الرُّدَيّنيّ لَمْ يَكُنْ،إذا ابْتَدَرَ الخَيْلَ الرّجِالُ، يَخِيبُ
إذا قَصَّرَتْ أَيْدِي الرِّجالِ عَنِ العُلَى،تَنَاوَلَ أَقْصَى المَكْرُمَاتِ، كَسُوبُ
جَمُوعُ خِلالِ الخَيْرِ مِنْ كُلّ جَانِبٍ، ... إذا حَالَ مَكْرُوهٌ بِهِنّ ذَهُوبُ
مُغِيثٌ، مُفِيدُ الفائداتِ، مُعَوَّدٌ ... لِفِعْلِ النّدَى وَالمَكرُمَاتِ، نَدُوبُ
وَدَاعٍ دَعَا يا مَنْ يُجِيبُ إلى النَّدى ... فَلَمْ يَسْتَجِبْ عِنْدَ النِّداءِ مُجِيبُ
فَقُلْتُ ادْعُ أُخْرَى وارْفَعِ الصّوْتَ ثَانياً،لَعَلّ أَبَا المِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ
يُجِبَكَ، كَمَا قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، إنَّهُ ... بِأَمْثَالِها رَحْبُ الذّرَاعِ، أَرِيبُ
أَتَاكَ سَرِيعاً واسْتَجَابَ إلى النّدَى، ... كَذَلِكَ، قَبْلَ اليَوْمِ كَانَ يُجِيبُ
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ يَدْعُو السَّوابِحَ مَرَّةًبِذي لَجَبٍ، تَحْتَ الرِّمَاحِ، مُهِيبُ
فَتىً أَرْيَحيٌّ كَانَ يَهْتَزَّ للنَّدَى، ... كَمَأ اهْتَزَّ مِنْ مَاءِ الحَدِيدِ قَضيبُ
فَتىً مَا يُبالي أَنْ يَكُونَ بِجِسْمِهِ، ... إذا نَالَ خَلاّتِ الكِرَامِ، شُحُوبُ
إذا ما تَرَاءاهُ الرِّجَالُ تَحَفَّظُوا،فَلَمْ يَنْطِقُوا العَوْرَاءَ، وَهُوَ قَرِيبُ
عَلَى خَيْرِ مَا كَانَ الرِّجَالُ خِلاَلُهُ، ... وَمَا الخَيْرُ إلاّ قِسْمَةٌ وَنَصِيبُ
حَلِيفُ النَّدَى يَدْعُو النَّدَى، فَيُجِيبُهُسَريعاً، وَيَدْعُوهُ النَّدى، فَيُجِيبُ
غَيَاثٌ لِعانٍ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعِينُهُ، ... وَمُخْتَبِطٍ يَغْشَى الدُّخَانَ غَرِيبُ
عَظِيمُ رَمَادِ النّارِ رَحْبٌ فِنَاؤُهُ، ... إلى سَنَدٍ، لَمْ تَجْتَنِحْهُ عُيُوبُ
يَبِيتُ النّدى، يَا أُمَّ عَمرٍو، ضَجيعَهُ، ... إذا لم يَكُنْ في المُنْقَيَاتِ حَلُوبُ
حَلِيمٌ، إذا ما الحِلْمُ زَيَّنَ أَهْلَهُ،مَعَ الحِلْمِ، في عَيْنِ العَدُوِّ، مَهِيبُ
مَعَنّىً، إذا عَادَى الرِّجَالَ عَدَاوَةً، ... بَعِيدٌ، إذا عَادَى الرِّجَالُ، قَرِيبُ
غَنِينَا بِخَيْرٍ حِقْبَةً ثُمّ جَلَّحَتْ ... عَلَيْنَا التي كُلَّ الأَنَامِ تُصِيبُ
فَأَبْقَتْ قَلِيلاً ذَاهِباً، وَتَجَهَّزَتْ ... لآخَرَ، وَالرّاجِي الحَيَاةَ كَذُوبُ
وَأَعْلَمُ أَنَّ الباقيَ الحَيَّ مِنْهُمُ ... إلى أَجَلٍ، أَقْصَى مَدَاهُ قَرِيبُ
لَقَدْ أَفْسَدَ المَوْتُ الحَيَاةَ، وَقَدْ أَتَى ... على يَوْمِهِ عِلْقٌ عَليَّ حَبِيبُ
فَإنْ تَكُنِ الأيَّامُ أَحْسَنَّ مَرَّةً ... إليّ، فَقَدْ عَادَتْ لَهُنّ ذُنُوبُ
جَمَعْنَ النَّوى حَتّى إذا اجْتَمَعَ الهَوَى،صَدَعْنَ العَصَا، حَتّى القَنَاةُ شَعُوبُ
أَتَى دُونَ حُلوِ العَيْشِ حَتّى أَمَرَّهُ ... نُكُوبٌ على آثارِهنّ نُكُوبُ
كَأَنّ أَبَا المِغْوَارِ لَمْ يُوفِ مَرقباً؛ ... إذا رَبَا القَوْمَ الغُزَاةَ رَقِيبُ
وَلَمْ يَدْعُ فِتْياناً كِراماً لِمَيْسِرٍ، ... إذا اشْتَدّ من ريحِ الشّتَاءِ هُبُوبُ
فَإنْ غَابَ مِنْهُمْ غَائِبٌ، أَوْ تَخَاذَلوا،كَفَى ذَاكَ مِنْهُم، والجَنَابُ خَصِيبُ
كَأَنَّ أَبَا المِغْوَارِ ذا المَجْدِ لَم تَجُبْبِهِ البِيدَ عَنْسٌ بِالفَلاَةِ، خَبُوبُ
عَلاَةٌ، تَرَى فِيهَا، إذا حُطَّ رَحْلُها، ... نُدُوباً على آثارِهِنَّ نُدُوبُ
وَإنّي لَبَاكِيهِ، وإنّي لَصَادِقٌ ... عَلَيْهِ، وَبَعْضُ القَائِلِينَ كَذُوبُ
فَتَى الحَربِ إنْ جَارَتْ تَرَاهُ سِمَامَهاوَفي السِّلْمِ مفْضَالُ اليَدَيْنِ وَهُوبُ
وَحَدَّثْتُمَاني إنَّمَا المَوْتُ في القُرَى، ... فَكَيْفَ؟ وَهذَا رَوْضَةٌ وَقَلَيْبُ
وَمَاءُ سَماءٍ، كَانَ غَيْرَ مَحَمَّةٍ ... بِدَاوِيّةٍ تَجْرِي عَلَيْهِ جَنُوبُ
وَمَنْزِلِهِ في دَارِ صِدْقٍ وَغِبْطَةٍ، ... وَمَا اقْتَالَ مِنْ حكمٍ عَلَيْهِ طَبِيبُ
فَلَوْ كَانَتِ الدّنْيا تُبَاعُ اشْتَرَيْتُهُ،بِمَا لَمْ تَكُنْ عَنْهُ النّفوسُ تَطِيبُ
بِعَيْنّي أَوْ يُمَنَى يَدَيّ، وقيلَ لي: ... هُوَ الغَانِمُ الجَذْلاَنُ يَوْمَ يَؤُوبُ
لَعَمْرُكُمَا إنَّ البَعِيدَ لَمَا مَضَى، ... وإنّ الذي يَأْتي غَداً لَقَرِيبُ
وَإنّي وَتَأْمِيلي لِقَاءَ مُؤمَّلٍ، ... وَقَدْ شَعَبَتْهُ عن لِقَايَ شَعُوبُ
كَدَاِعي هُذَيلٍ لا يَزَالُ مُكَلَّفاً، ... وَلَيْسَ لَهُ، حتى المَمَاتِ، مُجيبُ
سَقَى كلَّ ذِكرٍ جَاءَنَا مِنْ مُؤمَّلٍ، ... على النّأيِ، زَحّافُ السّحَابِ سَكُوبُ
[ أعشى باهلة ]
البسيط
يرثي بهذه القصيدة أخاً له يقال له المنتشر، قتله بنو الحرث بن كعب:
إنّي أَتَتني لِسانٌ مَا أُسَرُّ بها، ... من عُلوَ لا عَجَبق فِيهَا ولا سَخَرُ
جَاءَتْ مُرَجِّمَةً قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُها، ... لو كانَ يَنْفَعُني الإِشْفَاقُ والحَذَرُ
تَأْتِي على النّاسِ لا تُلوي على أَحَدٍ، ... حتى أَتَتْنَا، وَكَانَتْ دُونَنَا مُضَرُ
إذا يُعَادُ لها ذِكْرٌ أُكَذِّبُهُ، ... حتى أتَتْني بِهَا الأنْبَاءُ وَالخَبَرُ
فَبِتُّ مُكْتَئِباً حَيْرَانَ أَنْدُبُهُ، ... وَلَسْتُ أَدْفَعُ ما يَأْتِي بِهِ القدَرُ
فَجَاشَتِ النّفْسُ لَمّا جَاءَ جَمْعُهُمُ، ... وَرَاكبٌ جَاءَ مِنْ تَثْلِيثَ، مُعْتَمِرُ
إنَّ الذي جِئْتَ، مْنْ تَثْلِيثَ، تَنْدُبُهُمِنْهُ السّمَاحُ وَمِنْهُ الجودُ وَالغِيَرُ
تَنَعَى امرأً لاَ تَغُبَّ الحيَّ جَفْنَتُهُ، ... إذا الكَوَاكِبُ خَوّى نَوْأَها المَطَرُ
وَرَاحَتِ الشَّوْلُ مُغْبَرّاً مَنَاكِبُها،شُعْثاً تَغَيّرَ مِنْهَا النَّيُّ وَالوَبَرُ
وَأَجْحَرَ الكَلْبَ مُبْيَضُّ الصَّقِيعِ بِهِ، ... وَضَمّت الحيَّ مِنْ صُرّادِهِ الحُجَرُ
عَلَيْهِ أَوّلُ زَادِ القَوْمِ، قَدْ عَلِموا،ثُمَّ المَطيَّ، إذا ما أَرْمَلوا، جَزَرُوا
لا تَأْمَنُ البازلُ الكوماءُ ضَرْبَتَهُ ... بِالمَشْرَفيّ، إذا ما اخْرَوّطَ السّفَرُ
قَدْ تَكْظِمُ البُزْلُ مِنْهُ حِينَ يَفْجؤها ... حَتّى تَقَطَّعَ في أَعْنَاقِها الجِرَرُ
أَخُو رَغَائِبَ يُعْطِيهَا وَيَسْأَلُها،يَخْشَى الظُّلامَةَ مِنْهُ النَّوْفَلُ الزَّفَرُ
مَنْ لَيْسَ في خَيْرِهِ مَنٌّ يُكَدّرُهُ ... عَلَى الصَّدِيقِ، وَلاَ في صَفْوِهِ كَدَرُ
يَمْشي بِبَيْدَاءَ لا يَمْشي بِهَا أَحَدٌ، ... وَلاَ يُحَسُّ، خَلاَ الخافي بِهَا أَثَرُ
كَأَنّهُ، بَعْدَ صِدْقِ القَوْمِ أَنْفُسَهم،بِالبأسِ يَلْمَعُ، مِنْ أَقْدَامِهِ، الشّرَرُ
وَلَيْسَ فِيهِ إذا اسْتَنْظَرْتَهُ عَجَلٌ؛ ... وَلَيْسَ فيهِ إذا ياسَرْتَهُ عُسُرُ
إمّا يُصِبْهُ عَدوٌّ في مُنَاوَأةٍ ... يَوْماً، فَقَدْ كَانَ يَسْتَعلي، وَيَنْتَصِرُ
أَخُو حُروبٍ، وَمِكْسَابٌ، إذا عَدَمُوا، ... وفي المَخَافَةِ مِنْهُ الجِدُّ والحَذَرُ
مِردَى حُروبٍ، شِهابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ، ... كَمَا أَضَاءَ سَوَادَ الصَّخْيَةِ القَمَرُ
مُهَفْهَفٌ، أَهْضَمُ الكَشْحَينِ، مُنْخَرِقٌعَنْهُ القَمِيصُ، لِسَيْرِ اللّيْلِ مُحْتَقِرُ
ضَخْمُ الدّسِيعَةِ، متلافٌ، أَخُو ثِقةٍ، ... حَامِي الحَقِيقةِ، مِنْهُ الجُودُ والفَخَرُ
طاوي المَصِيرِ على العَزّاءِ مُنْجَرِدٌ ... بِالقَوْمِ لَيْلَةَ لا ماءٌ ولا شَجَرُ
لاَ يَتَأرّى لِمَأ في القِدْرِ يَرْقبُهُ، ... ولا يَعَضّ على شُرسُوفِهِ الصَّفَرُ
تَكْفِيهِ فِلْذَةُ لَحْمٍ إنْ أَلمّ بِهَا ... مِنَ الشِّواءِ، وَيَروي شُرْبَهُ الغَمَرُ
لاَ يَأْمَن النّاسُ مُمْسَاهُ وَمُصْبَحَهُ، ... في كلّ فَجٍ، وإنْ لَمْ يَغزُ يُنْتَظَرُ
المُعَجّلُ القَوْمِ أَنْ تَغلي مَرَاجِلُهُمْقَبْلَ الصَّبَاحِ، وَلَمّا يُمْسَحِ البَصَرُ
لاَ يَغْمِزُ السّاقَ مِنْ أَيْنٍ ولا نَصَبٍ،وَلاَ يَزَالُ أَمَامَ القَوْمِ يَغْتَفِرُ
عِشْنَا بِهِ بُرْهَةً دَهْراً، فَوَدّعَنا،كَذَلِكَ الرِّمْحُ ذُو النّصْلَيْنِ يَنْكَسِرُ
فَنِعْمَ مَا أَنْتَ عِنْدَ الخَيْرِ تَسْأَلُهُ،وَنِعْمَ مَا أَنْتَ عِنْدَ البأسِ تَحْتَضِرُ
أَصَبْتَ في حُرُمٍ مِنّا أَخَأ ثِقَةٍ،هِنْدَ بْنَ سَلْمَى، فَلاَ يَهْنَا لَكَ الظَّفَرُ
فإنْ جَزَعْنَا، فإنّ الشّرّ أَجْزَعَنَا؛ ... وَإنْ صَبَرْنَا، فَإنَّا مَعْشَرٌ صُبُرُ
لَوْ لَمْ يخُنْهُ نَفِيلٌ لاسْتَمَرّ بِهِ ... وِردٌ يُلِمَ بِهَذَا النّاسِ، أَوْ صَدَرُ
إنْ تَقْتُلُوهُ، فَقَدْ تُسْبَى نِسَاؤُكُمُوَقَدْ تَكُونُ لَهُ المُعْلاَةُ، وَالخَطَرُ
فإنْ سَلَكْتَ سَبيلاً كُنْتَ سَالِكَها،فَاذْهَبْ، فَلاَ يُبْعِدَنْكَ اللَّهُ مُنْتَشِرُ
[ علقمة ذو جدن الحميري ]
السريع
لِكُلّ جَنْبٍ، اجْتَنَى، مُضْطَجَعْ، ... وَالمَوْتُ لاَ يَنْفَعُ مِنْهُ الجَزَعْ
وَالنّفْسُ لاَ يُحْزِنْكَ إتْلاَفُها، ... لَيْسَ لَهَا مِنْ يَوْمِهَا مُرْتَجَعْ
وَالمَوتُ مَا لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ، ... إذا حَمِيمٌ عَنْ حَمِيمٍ دَفَعْ
لو كان شيءٌ مُفلِتاً حَينَهُ، ... أَفْلَتَ مِنْهُ في الجِبِالِ الصَّدَعْ
أَوْ مَالِكُ الأقْوَالِ ذُو فَائِشٍ، ... كَانَ مَهيباً جَائِزاً ما صَنَعْ
أَوْ تُبّعٌ أَسْعَدُ في مُلْكِهِ، ... لا يَتْبَعُ العالَمَ بَلْ يُتّبَعْ
وَقَبْلَهُ يَهْتَزّ ذُو مَأْوَرٍ، ... طَارَتْ بِهِ الأيّامُ حَتّى وَقَعْ
وَذُو جَليلٍ كَانَ في قَوْمِهِ ... يَبْني بناءَ الحَازِمِ المُضطَلِعْ
مَا مِثْلُهُمْ في حِمْيَرٍ لم يَكُنْ ... كَمِثْلِهِم والٍ، ولا مُتّبَعْ
فَسَلْ جَميعَ النّاسِ عَنْ حِمْيَرٍ ... مَنْ أَبْصَرَ الأقْوَالَ أَوْ مَنْ سَمَعْ
يُخْبِرْكَ ذو العِلْم بِأَنْ لَمْ يَزَلْ ... لَهُمْ مِنَ الأيّامِ يَوْمٌ شَنَعْ
لَهُمْ سَماءٌ، وَلَهُمْ أَرْضُهُ، ... مَن ذا يُعالي ذا الجَلالِ اتّضَعْ
أليِوْمَ يُجْزَونَ بِأَعْمَالِهِمْ، ... كلُّ امرىءٍ يَحْصُدُ ما قد زَرَعْ
صَارُوا إلى اللَّهِ بِأَعْمَالِهِمْ، ... يُجْزيءُ مَنْ خَانَ وَمَنِ ارْتَدَعْ
أَوْ مِثْلُ صَرواحٍ وما دونَها، ... مِمّا بَنَتْ بِلقيسُ أو ذو تَبَعْ
فَكَيْفَ لا أَبْكِيهِمُ دَائِباً، ... وَكَيْفَ لاَ يُذْهِبُ نَفْسي الهَلَعْ
مِنْ نَكْبَةٍ حَلّ بنا فَقْدُهَا، ... جَرعنا ذاتَ المَوْتِ مِنْهَا جَرَعْ
إذا ذَكَرْنَا مَنْ مَضىَ قَبْلَنَا ... من مَلِكٍ نَرْفَعُ ما قد َفَعْ
فَانْقَرَضَتْ أَملاَكُنَا كُلّهُمْ، ... وَزَايَلُوا مُلْكَهُمْ فَانْقَطَعْ
بَنَوا لِمَنْ خُلِّفَ، من بَعْدِهِمْ ... مَجْداً، لَعَمْرُ اللَّهِ، مَا يُقْتَلَعْ
إنْ خَرّقَ الدّهْرُ لَنَا جَانِباً، ... سَدّوا الذي خَرّقَهُ، أَو رَقَعْ
نَنْظُرُ آثَارَهُمْ، كُلّما ... يَنْظُرُها النّاظِرُ مِنّا خَشَعْ
يُعْرَفُ في آثَارِهِمْ أَنّهُمْ ... أَرْبَابُ مُلْكٍ لَيْسَ بِالمُبْتَدَعْ
تَشْهَدُ للماضِينَ مِنّا بما ... نَالوا مِنَ المُلْكِ وَنَقْبِ القَلَعْ
هَلْ لأُناسٍ مِثْلُ آثارِهِمْ، ... بِمِأرِبٍ ذاتِ البِناءِ اليَفَعْ
لاَ ما لِحَيٍ مِثلَهُمْ مَفْخَرٌ، ... هَيْهَاتَ فازُوا بِالعُلاَ والرِّفَعْ
[ أبو زبيد الطائي ]
الخفيف
إنّ طُولَ الحياةِ غَيْرُ سُعودِ، ... وَضَلالٌ تأميلُ طُولِ الخلودِ
عُلِّلَ المَرْءُ بِالرّجاءِ، وَيُضْحي ... غَرَضاً للمَنُونِ، نَصْبَ العُودِ
كلَّ يَوْمٍ تَرْمِيهِ مِنْهَا بِسَهْمٍ، ... فَمُصِيبٌ، أَوْ صَافَ غَيْرَ بَعِيدِ
مِنْ حَميمٍ يُنْسي الحَيَاةَ جَلِيدَ ال ... قوم، حتّى تَرَاهُ كَالمَلْبودِ
كُلَّ ميتٍ قد اغْتَفَرْتُ، فَلا أَج ... زعُ مِنْ والدٍ وَلا مَوْلودِ
غَيْرَ أَنّ الجُلاَحَ هَدّ جَنَاحي، ... يَوْمَ فَارَقْتُهُ بِأَعْلى الصّعيد
في ضَرِيحٍ عَلَيْهِ عِبْءٌ ثَقِيلٌ ... مِنْ تُرَابٍ، وَجَنْدَلٍ مَنْضُود
عَنْ يَمينِ الطّريقِ عِنْدَ صَدَى حَرّ ... ان، يدعو بالوَيل، غَيْرَ مَعُود
صَادياً يَسْتَغِيثُ، غَيْرَ مُغاثٍ، ... وَلَقَدْ كَانَ عَصْرَة المَنْجُود
رُبّ مُسْتَلْحِمٍ، عَلَيْهِ ظِلالُ ال ... موتِ، لَهْفَانَ، جَاهِدٍ، مَجْهُود
خَارِجٍ نَاجِذَاهُ قَدْ بَرَدَ المَوْ ... تُ على مُصْطَلاهُ أيَّ بُرُودِ
غَابَ عَنْهُ الأدْنَى، وقد وَرَدتْ سَمْ ... رُ العَوَالي إليه أيَّ وُرُود
فَدَعَا دَعْوَةَ المُحْنَقِ وَالتّلْبي ... بِ مِنْهُ في عَامِلٍ مَقْصُود
ثُمّ أَنْقَذْتَهُ، وَنَفّسْتَ عَنْهُ ... بِغَمُوسٍ أَوْ ضَرْبَةٍ أُخْدُود
بِحُسامٍ أَوْ رزَّةٍ مِنْ نَحِيضٍ ... ذَاتِ رَيْبٍ على الشُّجاعِ النجيد
يَشْتَكِيها بِقَدْكَ إذ بَاشَرَ المَوْ ... تَ جَدِيداً، وَالمَوْتُ شَرُّ جديد
فَلَوَتْ خَيْلُه عَلَيْهِ، وَهَابوا ... لَيْثَ غَابٍ مُقَنَّعاً في الحَدِيد
غَيْرَ ما ناكلٍ يَسِير رُوَيداً، ... سَيْرَ لا مُرْهَقٍ، وَلا مَهْدُود
سَاحِباً للْجَامِ، يُقْصِرُ مِنْهُ، ... عَرِكاً في المَضِيقِ، غَيْرَ شُرُود
مُسْتَعِدّاً لِمِثْلِها إنْ دَنَوْا مِنْهُ، ... وَفي صَدْرِ مُهْرِهِ كَالصّديد
نَظَراً للّيْثِ هَمُّه في فَرِيسٍ، ... أَقْصَدَتْهُ يدا مَجِيدٍ مُفيد
سانَدُوهُ، حتّى إذا لم يَرَوْهُ ... شَدّ أَجْلاَدَهُ عَلَى التسنيد
يَئِسوا، ثم غَادَرُوهُ لِطَيْرٍ ... عُكَّفٍ حَوْلَهُ عُكُوفَ الوُفُودِ
وَهُمْ يَنْظُرُونَ لَوْ طَلَبُوا الوِتْ ... رَ إلى واتِرٍ شَمُوْسٍ، حَقُودِ
قُحْمَةٌ، لَوْ دَنَوْا لِثأرٍ إلَيْهِم، ... حَرْشَفٌ، قَدْ ثَنَاهُمُ لِعَدِيدِ
يا ابنَ خَنْسَاء، يا شُقّيقَ نَفْسي، ... يا جُلاحٌ، خَلّيْتَني لِشَديدِ
يَبْلُغُ الجُهْدُ ذا الحَصَأةِ من القو ... م، ومن يُلفَ لاهياً، فَهُوَ مودي
كلَّ عامٍ أرمي وَيَرمْي أمامي ... بِسهامٍ من مُخطيءٍ أَوْ سَدِيدِ
ثُمَّ أَوْحَدْتَني وَأَثْلَلْتَ عَرْشي، ... عِنْدَ فِقْدَانِ سَيّدٍ وَمَسودِ
مِنْ رِجَالٍ كَانوا جَمَالاً نُجُوماً، ... فهُمُ اليَوْمَ صَحْبُ آلِ ثَمُود
خَانَ دَهْرٌ بهم، وكانوا هُمُ أَهْ ... لَ عَظيِيمِ الفِعَالِ والتّمْجِيدِ
مانحي باحةِ العِراقِ، مِنَ النّا ... سِ، بِجُردٍ تَعْدُو بِمِثْلِ الأسُودِ
كلَّ عامٍ يَلْثِمْنَ قَوْماً بِكَفِ ... الدَّهْرِ جَمْعاً، وَأَخَذِ فيءٍ مَزِيدِ
جَازِعاتٌ إلَيْهِمُ خُشَّعُ الأو ... داةِ، تُسقى، قُوتاً، ضَياحَ المَديدِ
مُسْنِفاتٌ كَأَنّهُنّ قَنَا الهِن ... دِ، وَنَسْيُ الوَجِيفِ شَغْبَ المُرُودِ
مُسْتَحيراً بِهَا الهُدَاةَ، إذا يَقْ ... طَعنَ نجداًن وَصَلْنَهُ بِنُجود
فَأَنَا اليَوْمَ قَرْنُ أَعْضَبَ منهم، ... لا أرَى غيرَ كائِدٍ وَمَكُود
غَيْرَ ما خاضِعٍ لِقَوْمٍ جَنَاحي، ... حِينَ لاحَ إلوُجُوهَ سَفْعُ الخُدُود
كَانَ عني يَرُدّ دَرْؤُكَ بعدَ ا ... للَّهِ، شَغَبَ المُسْتَصْعَبِ المِرِّيدِ
مَنْ يُرِدْني بسيءٍ كُنْتَ مِنْهُ ... كَالشَّجا بَيْنَ حَلْقِهِ وَالوريد
أُسُدٌ، غَيْرُ حَيْدَرٍ، ومُلِثٌّ ... يُطلِعُ الخَصْمَ، عُنْوَةً، في كَؤود
وَخَطِيباً، إذا تَمَغّرت الأو ... جه، يَوْماً في مَأْزِقٍ مَشْهودِ
وَمَطيرُ اليَدَيْنِ بالخَيْرِ لِلْحَمْ ... دِ، إذا ضَنّ كُلُّ جِبسٍ صَلُود
أَصْلَتِيّاً تَسْمُو العُيُونُ إليهِ، ... مُسْتَنيراً كَالبَدْرِ عَامَ العُهُود
مُعْمِلُ القِدْرِ بارزُ النّارِ للضّيْ ... فِ إذا هَمَّ بَعْضُهُمْ بِجُمُود
يَعْتَلي الدهْرَ، إذْ عَلا عاجزُ القَوْ ... م، فَصِيداً مِنْهُ، وَغَيْرَ فَصِيد
وَسَعَوْا بِالمَطِيّ والذُّبَّلِ السُّمْ ... رِ، لَعَمياءَ، في مَفَارِطَ بيد
مُسْتَحِيراً بها الرّياحُ، فلا يجْ ... ليها في الظّلامِ كلُّ هَجُود
وَتَخالُ القَرِيضَ فِيهَا غَناءً ... للنّدامَى مِنْ شَارِبٍ غِرّيد
قال: سيروا إنّ السُّرَى نُهْزةُ الأك ... ياسِ، والغزوَ لَيْسَ بالتّهْمِيدِ
وإذا ما اللَّبُونُ سافَتْ رمادَ ال ... حيِّ يوماً بالسَّمْلَقِ الأُملُودِ
بَدّلَ الغَزْوُ أَوْجُهَ القَوْمِ سُوداً، ... وَلَقَد أَبْدأُوا، وَلَيْستْ بِسُود
نَاطَ أَمْرَ الضِّعافِ، واحْتَفَلَ اللّي ... لُ كَحَبْلِ العادِيّة المَمْدُودِ
في ثِيابٍ عِمَادُهُنّ رِمَاحٌ، ... عِنْدَ جُوعٍ يَسْمو سُمُوَّ الكبود
كَالبَلايَا رُؤُوسُها في الوَلاَيَا ... مَانِحَاتِ السَّمُومِ سُفَعِ الخُدُودِ
إنْ تَفُتْني، فلَمْ أَطِبْ عَنْكَ نَفْساً، ... غير أَنِّي أُمْنَى بِدَهْرٍ كَيُود
كلُّ عَامٍ كَأَنّهُ طَالِبٌ وِتْراً ... إلَيْنَا، كَالثّائِرِ المُسْتَقِيد
[ متمم بن نويرة اليربوعي ]
الطويل
لَعَمْري، وما دهري بتأبِينِ مَالكٍ، ... وَلاَ جَزِعاً مِمّا أَصَابَ، فَأوْجَعَا
لَقَدْ غَيَّبَ المِنْهَالُ تَحْتَ رِدَائِهِ،فَتىً كَانَ مِبْطَانَ العَشِيّاتِ أَرْوَعَا
وَلاَ بَرَماً تُهْدي النّساءُ لِعِرْسِهِ، ... إذا القَشْعُ منْ رِيحِ الشتاءِ تَقَعْقَعَا
لَبِيباً أَعَانَ اللُّبَّ مِنْهُ سَمَاحَةٌ؛ ... خَصيباً، إذا ما راكَبَ الجَدْبَ أَوْضَعَا
أَغَرَّ كَنَصْلِ السّيْفِ يَهْتَزّ للنّدى،إذا لم يَجِدْ عِنْدَ امْرِىء السَّوْءِ مَطْمعا
إذا اجتزَأَ القَوْمُ القِدَاحَ، وَأُوقِدَتْ ... لَهُمْ نَارُ أَيْسَارٍ كَفَى مِنْ تَضجّعا
وَيَوْماً إذا ما كظّكَ الخَصْمُ إن يَكُنْنَصِيرَكَ مِنْهُمْ، لا تَكُنْ أَنْتَ أَضْرَعَا
بِمَثْني الأيادي ثُمّ لَمْ تُلْفِ مَالِكاًلَدَى القُرْبِ يَحْمِي لَحْمَهُ أَن يُمَزَّعَا
فَعَيَنيَ جُودِي بالدّموعِ لمالكٍ، ... إذا أَرْدَتْ الرِّيحُ الكَنِيفَ المُرَفَّعا
وللشَّربِ، فابْكي مالكاً ولبُهمةٍ، ... شديدٍ نواحيهِ على مَنْ تَشَجّعَا
وَللضّيْفِ إنْ أَزْجَى طُرُوقاً بَعِيرَهُ، ... وعانٍ ثَوَى في القِدّ حتى تَكَنّعَا
وَأَرْمَلَةٍ تُسْعى بِأَشْعَثَ مُحْثَلٍ، ... كَفَرْخ الحُبارَى رَأْسُه قد تَصَوّعا
فَتىً كَانَ مِخْذاماً إلى الرَّوعِ ركضُهُ، ... سريعاً إلى الدّاعي إذا هُوَ أَفزَعا
وَمَا كان وَقَّافاً، إذا الخَيْلُ أَحجَمَتْ، ... وَلاَ طائِشاً عِنْدَ اللّقاءِ مُرَوَّعا
وَلاَ بكَهامٍ ناكلٍ عَنْ عَدُوّه، ... إذا هُوَ لاقَى حاسراً ومُقَنَّعا
إذا ضَرّسَ الغَزْوُ الرّجالَ، وَجَدْتُهُ ... أَخا الحَرْبِ صَدْقاً في اللّقاء سَمَيْذعا
وَإنْ تَلْقَهُ في الشَّرْبِ لا تَلْقَ فاحشاً ... على الشُّرب، ذا قاذورةٍ متزبعا
أَبَى الصَّبرَ آياتٌ أَرَاها، وإنّني ... أَرى كلَّ حَبْلٍ بعدَ حَبْلِكَ أقطعا
وإني مَتَى ما أَدْعُ باسمِكَ لا تُجِبْ ... وَكُنْتَ حَرِيّاً أن تُجيبَ، وَتَسْمَعَا
أَقُولُ، وقد طارَ السنا في رَبابه، ... بِجَوْنٍ تَسُحّ الماءَ حتى تريَّعا
سَقَى اللَّهُ أرضاً حلّها قبرُ مالكٍ ... ذِهابَ الغَوادي المُدْجِناتِ فَأمْرَعا
فمُخْتَلفَ الأجْزاع من حَول شارعٍ ... فروّى جِبالَ القرْيَتينِ، فضلفعا
وآثَرَ سَيْلَ الوادِيَيْنِ بِديمةٍ، ... تُرَشِّحُ وَسْمِيّاً منَ النَبْتِ خِروَعا
تَحِيّتُهُ مِنّي، وإنْ كَانَ نَائِياً، ... وَأَمْسى تُراباً فَوْقَهُ الأرضُ بلْقَعا
فإنْ تَكُنِ الأيامُ فَرّقْنَ بَيْنَنا، ... لقدْ بانَ مَحْمُوداً أخي، يومَ وَدّعا
وعِشْنا بخيرٍ في الحياةِ، وقبلَنا ... أصَابَ المَنَايا رَهْطَ كِسْرى، وَتُبّعَا
وَكُنّا كَنَدْمَانيَ جَذِيمَةَ حِقْبَةً ... من الدّهْرِ، حتى قيلَ لن يَتَصَدّعا
فَلَمّا تَفرّقْنا كأنيّ ومالِكاً، ... لطول اجتماعٍ، لم نَبِتْ ليلةً مَعَا
فتىً كانَ أَحْيَا من فَتاةٍ حَييّةٍ ... وأشجَعَ منْ لَيْثٍ إذا ما تمنّعا
تَقُولُ ابْنَةُ العَمرِيّ: مَا لَكَ بَعْدَما ... أَرَاكَ قديماً ناعمَ الوَجْهِ أَفرعا
فقلت لها: طولُ الأسى، إذ سألتِني، ... ولوعةُ حُزْنٍ تترك الوجةَ أسفعا
وفقدُ بني أمٍّ تولَّوا، فلم أكُن ... خِلافَهُم أن أَسْتَكِيْنَ، فأخضَعا
ولكنّني أمضي على ذاكَ مُقدِماً، ... إذا بَعضُ مَن يلقى الخطوبَ تضعضعا
قَعِيدَكِ أن لا تُسمعيني مَلامَةً، ... ولا تَنكَئي قَرح الفؤادِ فييجعا
وَحَسْبُكِ أني قد جَهِدْتُ، فلم أجِد ... بكفِّيَ عنه للمَنيّةِ مدفَعا
وَمَا وَجْدُ آظْآرٍ ثلاثٍ روائمٍ ... رَأَيْنَ مَجَرّاً من حُوارٍ ومصرعا
فَذَكّرْنَ ذا البَثّ الحَزِينِ بشَجْوِه، ... إذا حنّتِ الأولى، سجَعْنَ لها مَعَا
إذا شَارِفٌ مِنْهُنّ حَنّتْ فَرَجّعَتْ ... مِنَ الليل أبكَى شجْوُها البَرْكَ أجمعَا
بِأَوْجَد مِنّي، يَوْمَ فَارَقْتُ مالِكاً، ... وَقَامَ بِهِ النّاعي الرّفيعُ، فأسْمعا
وإنّي وإنْ هَأزَلْتِني قدْ أَصَابَني ... مِنَ الرُّزْءِ ما يُبكي الحزينَ المُفجَّعا
وَلَسْتُ إذا ما الدهرُ أَحدَثَ نَكْبَةً، ... بِأَلْوَثَ زِوّارِ القرائبِ، أخضَعا
وَلاَ فَرِحاً، إن كُنْتُ يَوْماً بِغِبْطةٍ، ... ولا جَزِعاً، إن نابَ دَهرٌ، فأضْلعا
وَقَدْ غَالَني ما غَال قيْساً ومالِكاً، ... وعمراً وجَزءاً بالمشقَّرِ أجمعا
ولَوْ أَنّ ما ألقَى أصابَ مُتالعاً، ... أو الرُّكنَ مِنْ سلمى إذن لَتَضعضَعا
[ مالك بن الريب التميمي ]
الطويل
أَلاَ لَيْتَ شِعري هَلْ أبيتَنّ ليلةً ... بجَنبِ الغَضَا، أُزجي القِلاص النّواجِيا
فَلَيتَ الغَضَا لم يقطَعِ الركبُ عَرضَهُ، ... وليتَ الغَضَا مَاشىَ الركابَ لَياليِا
لقد كان في أهل الغضا، لو دنا الغضا، ... مزارٌ، ولكنّ الغضا ليْسَ دانيا
أَلمْ تَرَني بِعءتُ الضّلالةَ بالهُدى، ... وَأَصْبَحْتُ في جيشِ ابنِ عفّان غازيا
دَعاني الهَوى من أهل وُدّي وصُحبتي، ... بِذِي الطَّبَسَين، فالتفتُّ وَرَائِيا
أَجَبْتُ الهَوَى لَمّا دَعَاني بِزَفْرَةٍ، ... تَقَنّعْتُ مِنْهَا، أنّ أُلامَ، ردائيا
لَعَمْري لئن غالتْ خُراسانُ هامَتي ... لقد كُنْتُ عن بابَيْ خراسان نائيا
فللّه درّي يَوْمَ أَتْرُكُ طائعاً ... بَنيّ بأَعْلى الرّقمَتَيْنِ، وماليا
ودَرُّ الظّباءِ السّانِحاتِ عَشِيّةً، ... يُخَبّرْنَ أني هالِكٌ مِن وَرَائِيا
وَدَرُّ كَبيرَيَّ اللّذين كِلاهُمَا ... عَليّ شَفيقٌ، ناصِحٌ، قد نَهانِيا
وَدرُّ الهَوَى من حَيْثُ يدعو صِحَابَهُ، ... وَدَرُّ لَجاجاتي، ودَرُّ انتِهائيا
تَذَكّرْتُ من يَبْكي عليّ، فلمْ أَجِدْ ... سِوَى السَيْفِ والرّمحِ الرُّدَينيّ باكيا
وَأَشْقَرَ خِنْذِيذٍ يَجُرّ عِنَانَهُ ... إلى الماء، لم يتْرُكْ لَهُ الدهْرُ ساقيا
ولَكِنْ بِأَطْرَافِ السُّمَيْنَة نِسْوَةٌ، ... عَزيزٌ عَلَيْهِنّ، العشيّةَ، ما بيا
صَرِيعٌ على أيْدِي الرّجَالِ بِقَفْرَةٍ ... يُسَوَّوْنَ قَبْري، حَيْثُ حُمّ قضائيا
وَلَمّا تَرَاءَتْ عِنْدَ مَرْوٍ مَنيّتي، ... وَحَلَّ بِهَا جِسْمي، وَحَانَتْ وَفَاتِيا
أَقُولُ لأصْحابي ارْفعوني لأنّني ... يَقِرّ بِعَيْني أن سهَيلٌ بَدَا لِيا
فيا صاحبَي رحلي! دنا المَوْتُ، فَأنزلا ... بِرابِيَةٍ، إنّي مُقِيمٌ لَياليِا
أَقيما عليّ اليَوْمَ، أو بَعْضَ ليلةٍ، ... ولا تُعْجِلاني قد تبيّنَ ما بِيا
وَقوما، إذا ما استُلّ روحي، فهيّئا ... ليَ القبرَ والأكفانَ، ثُمّ ابكيا ليا
وخُطّا بأطْرَافِ الأسِنّةِ مضجعي، ... ورُدّا على عَيْنَيَّ فضلَ ردائيا
ولا تحسُداني، باركَ اللَّهُ فيكما، ... من الأرْضِ ذَاتِ العَرضِ أن توسِعاليا
خُذَاني، فجُرّاني بِبُردي إليكما، ... فقد كُنْتُ، قبل اليوم، صَعباً قياديا
فقد كنتُ عطّافاً، إذا الخيلُ أدْبَرَتْ، ... سَريعاً لدى الهَيْجا، إلى مَن دعانِيا
وقد كُنْتُ محموداً لدى الزّاد والقِرَى، ... وعنْ شَتْمِ إبنِ العَمّ وَالجارِ وانِيا
وَقد كُنْتُ صَبّاراً على القِرْن في الوَغى، ... ثَقِيلاً على الأعداء، عَضْباً لسانيا
وَطَوْراً تراني في ظِلالٍ وَمَجْمعٍ، ... وَطَوْراً تَراني، والعِتَاقُ ركابيا
وَقُوما على بِئْرِ الشُّبَيكِ، فأسمِعا ... بها الوَحْشَ والبِيضَ الحسانَ الروانيا
بِأَنّكُما خَلّفْتُمَاني بِقَفْرَةٍ، ... تُهيلُ عليّ الرّيحُ فيها السَّوافيا
ولا تَنْسَيا عَهْدي، خَليليّ، إنّني ... تَقَطَّعُ أوصالي، وَتَبْلى عِظامِيَا
فلنْ يَعْدَم الوِلْدَانُ بيتاً يَجُنُّني، ... وَلَنْ يَعْدَمَ الميراثَ منّي الموالِيا
يقولون: لا تُبْعَدْ، وهُم يدفِنونني، ... وأيْنَ مَكانُ البُعْدِ إلاّ مَكانِيا؟
غَدَاةَ غَدٍ، يا لَهْفَ نَفْسي على غدٍ، ... إذا أَدْلجوا عني، وخُلّفتُ ثاويا
وَأَصْبَحَ مالي، من طَريفٍ، وتالدٍ، ... لِغَيْري وكان المالُ بالأمسِ ماليا
فيا ليْتَ شعري، هل تغيّرَتِ الرّحى، ... رحى الحْرب، أو أضْحت بفَلج كماهيا
إذا القْومُ حلّوها جميعاً، وأَنْزَلوا ... لها بَقراً حُمَّ العيونِ، سواجِيا
وَعِينٌ وَقَدْ كان الظّلامُ يَجُنّها، ... يَسُفْنَ الخُزامي نَورَها والأقاحيا
وَهَلْ تَرَكَ العيسُ المَرَاقيلُ بالضّحى ... تَعَالِيَهَا تَعلو المُتونَ القَياقيا
إذا عَصِبَ الرُّكْبَانُ بَيْنَ عُنيزةٍ ... وبُولانَ، عاجُوا المُنْقِياتِ المَهَاريا
ويا لَيْتَ شعري هل بَكَتْ أُمُّ مالكٍ، ... كما كُنْتُ لَوْ عَالَوا نَعِيَّكَ باكيا
إذا مُتُّ فاعْتَادي القُبُورَ، وسلّمي ... على الرَّيمِ، أُسقيتِ الغَمامَ الغَواديا
تَرَيْ جَدَثاً قد جَرّتِ الرّيحُ فوقَه ... غُباراً كلونِ القسْطَلانيّ هَابِيا
رَهِينة أَحْجَارٍ وتُرْبٍ تَضَمّنَتْ ... قَرارَتُها منّي العِظَامَ البَوالِيا
فيا راكِباً إمّا عَرَضتَ فبلّغَنْ ... بني مالكٍ والرَّيْبِ أنْ لا تلاقِيا
وَبَلّغ أخي عِمران بُردي وَمِئزَري؛ ... وبلّغ عَجُوزي اليومَ أن لا تدانيا
وَسَلّمْ على شيخيّ مِنيّ كِلَيْهِما، ... وبلِّغ كَثيراً وابْنَ عمّي وخَاليا
وعطِّل قَلوصي في الرِّكاب، فإنّها ... ستُبرِدُ أكباداً وتُبكي بَواكِيا
أُقَلبُ طَرْفي فَوْقَ رَحْلي، فلا أرَى ... بِهِ من عُيُونِ المُؤْنِساتِ مراعِيا
وبالرَّملِ منّي نِسْوَةٌ لو شَهِدنَني، ... بَكَيْنَ وَفَدّيْنَ الطّبيبَ المُداويا
فمِنْهُنّ أُمّي، وابْنتاها، وخالتي، ... وباكِيَةٌ أُخرى تَهِيجُ البَواكِيا
وما كانَ عَهْدُ الرّمْل منّي وأهلِه ... ذميماً، ولا بالرّمْل ودّعْتُ قَاليا
كتاب : جمهرة أشعار العرب
المؤلف : أبو زيد القرشي
منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة