من طرف حكماء الجمعة 1 أكتوبر 2021 - 13:54
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
جمهرة أشعار العرب
● [ المشوبات ] ●
[ نابغة بني جعدة ]
الطويل
خليليّ عُوجا ساعَةً، وَتَهَجَّرا ... ولُوما على ما أَحْدثَ الدهرُ، أَوْ ذَرَا
ولا تَجْزَعا إنّ الحياةَ دَميمةٌ، ... فَخِفّا لِرَوْعاتِ الحوادثِ، أو قرا
وإنْ جاءَ أَمْرٌ لا تُطيقان دَفْعَهُ، ... فَلاَ تَجْزَعا ممّا قضىَ اللَّهُ، وَاصْبِرا
أَلمْ تَرَيا أَنّ المَلامَةَ نَفْعُها ... قَليلٌ، إذا ما الشيْءُ وَلّى وَأَدْبَرا
تَهيجُ البُكَاءَ والنّدَامَةَ ثُمّ لا ... تُغيّر شَيئاً، غَيْرَ ما كان قُدّرا
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، إذ جاءَ بِالهُدى، ... وَيَتْلو كِتاباً كالمجرّةِ نيِّرا
خَليليّ قد لاقَيْتُ ما لمْ تُلاقِيِا، ... وَسيّرتُ في الأحياءِ ما لم تُسيِّرا
تذكرْتُ، والذكرى تَهيجُ لذي الهَوَى، ... ومن حاجةِ المَحْزونِ أن يتذكّرا
نَدامايَ عِنْدَ المُنْذِرِ بْن مُحرِّقٍ، ... أرى اليَوْمَ مِنْهُم ظاهر الأرض مقفرا
كُهُولاً وشُبّاناً، كأَنّ وجوهَهُم ... دَنَانيرُ ممّا شِيفَ في أرضِ قَيْصَرَا
وما زِلْتُ أَسْعى بَيْنَ بابٍ ودارِهِ، ... بِنَجْرَانَ، حتى خِفْتُ أن أَتَنَصّرا
لدى مَلِكٍ مِنْ آل جَفْنَةَ، خَالُه ... وَجَدّاهُ منْ آل امرِيء القيسِ أزهرَا
يُدِيرُ عَلَيْنَا كأسَهُ وشِواءَهُ ... مَناصِفُهُ والحَضْرَميَّ المُحَبَّر
رحيقاً عِراقيّاً، وَرَيطاً شآمياً، ... ومُعتصَراً من مِسكِ دارِينَ أذْفَرا
وتيهٍ عَلَيْها نَسْجُ ريحٍ مَريضَةٍ ... قطعْتُ بِحَرْجوجٍ مسانَدَةِ القَرا
خَنُوفٍ مَرُوحٍ تُعجِلُ الوُرْقَ، بَعْدَما ... تُعَرِّسُ تشكُو آهَةً وَتَذَمُّرا
وتُعْبِرُ يَعْفُورَ الصّرِيمِ كِناسَه ... وتُخرِجُهُ طوراً، وإن كان مَظهَرَا
كَمُرْقِدَةٍ فَردٍ مِنَ الوحشِ حُرّةٍ ... أَنَامَتْ بِذي الذئبين بالصّيفِ جُوذُرا
فَأَمْسَى عَلَيْهِ أَطْلَسَ اللْوِنِ شَاحِياً، ... شَحيحاً تُسمّيهِ النّباطيَّ، نَهسرَا
طَويلُ القَرَا، عاري الأشاجع، مارِدٌ، ... كشَقّ العصا فُوه، إذا ما تضَوّرا
فَبَاتَ يُذكّيهِ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ، ... أَخُو قَنَصٍ يُمسي وَيُصْبِحُ مُقفِرا
فَلاقَتْ بَياناً عِندَ أَوّل مَرْبَضٍ ... إهاباً، وَمَعبوطاً من الجَوْفِ أَحْمَرَا
وَوَجْهاً كَبُرْقوعِ الفَتاة مُلمَّعاً، ... وَرَوقَين لَمّا يعدوَا أن تقمّرا
فَلَمّا سَقاها اليأَسَ وَارتَدّ همُّها ... إليها، ولمْ يترُكْ لها مُتأخِّرا
أُتيحَ لها فَرْدٌ خَلا بَيْنَ عالجٍ ... وَبَيْنَ حِبالِ الرَّمْلِ في الصَّيْفِ أَشْهُرا
كسا دَفْعُ رِجْلَيْها صَفِيحَةَ وَجْهِهِ، ... إذا انجرَدَتْ، نَبْتَ الخزامى المُنوَّرا
وَوَلَّتْ بِهِ رُوحٌ خِفافٌ، كأنّها ... خَداريفُ تُزجي ساطعَ اللّونِ أَغبرا
كأصداف هِنديَّين صُهبٍ لِحاؤها، ... يَبيعونَ في دَارِينَ مِسْكاً وعَنْبَرا
فَبَاتَتْ ثَلاثاً بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ... بَكَرّ البكور أنْ يُضاف وَيُجْبَرَا
وباتَتْ كأنْ كَشْحٌ لها طيَّ رِيطةٍ، ... إلى راجحٍ من ظاهرِ الرمل أَعْفَرا
تلألأُ كالشِّعري العَبورِ، تَوَقّدَتْ، ... وكانَ عماءً دونَها فَتَحَسّرا
وَعَاديةٍ سَوم الجرادِ شَهِدتُها ... فكفّلْتُها سِيداً أَزلَّ مُصدَّرا
شَدِيدُ قِلاتِ المَرْفِقَينِ، كَأنّما ... به نَفَسٌ، أَوْ قَدْ أَرَادَ لِيزفِرا
ويُعلي وَجيفُ الأرْبَعِ السّود لحمَهُ، ... كما بنيَ التّابُوتُ أحزَمَ مُجْفَرا
فلمّا أتى لا يُنقِصُ القَوْدُ لَحمَه ... نَقَصْتُ المَدِيدَ والشّعِيرَ لِيَضْمُرا
وكانَ أَمَامَ القَوْمِ مِنْهُمْ طَليعةٌ، ... فأربَى يَفاعاً من بعيد، فبشّرا
ونهْنَهْتُه حَتّى لَبست مَفاضَةً ... مُضاعَفةً كالنَّهي رِيحَ، وأمطرا
وَجمّعْتُ بَزّي فوْقَهُ، وَدَفَعْتُه، ... ونأنأتُ مِنْهُ خشيَةً أن يُكسَّرا
وَعَرّفْتُهُ في شِدّةِ الجَرْيِ باسمِهِ، ... وأشْلَيْتُهُ حتى أرَاخَ وَأَبْصَرَا
فَظَلّ يُجاريهم كأنّ هُوِيَّهُ ... هُوِيُّ قَطاميً مِنَ الطيرِ أَمْعَرَا
أَزُجُّ بِذَلْقِ الرّمْحِ لَحْيَيْهِ، سابقاً ... نَزَائعَ ما ضمّ الخميسُ وضَمّرا
لَهُ عُنُقٌ في كاهِلٍ غيرِ جَانِبٍ، ... ولَجّ بِلَحْيَيْهِ ونَحّى مُدْبِرا
وبَطنٌ كَظَهْرِ الترْسِ لو شُلَّ أرْبعاً ... لأصبَحَ صِفْراً بَطْنُهُ ما تَجَرْجَرا
فأُرْسِلَ في دُهمٍ كأنَّ حَنِينَها ... فَحيحُ الأفاعي أُعْجِلتْ أن تَحَجّرا
لَهَا حَجَلٌ قُرْعُ الرّؤُوسِ، تَحَلَّبَتْ ... على هَامِهِ، بالصّيْفِ، حتى تموّرا
إذا هِيَ سِيقَتْ دَافَعَتْ ثَفِناتِها ... إلى شَرَرٍ تري مِراراً مُقترا
وَتغمِسُ في الماءِ الذي باتَ آجناً، ... إذا وَرَدَ الرّاعي نَضِيحاً مُحَبَّرا
حَنَاجِرُ كَالأقْمَاعِ فَحّ حَنينُها، ... كما نَفَخَ الزَّمّارُ، في الصّبح، زَمخَرا
وَمَهْمَا يَقُلْ فِينَا العدُوّ، فإنّهُم ... يقولون مَعْرُوفاً، وآخرَ مُنكرا
فما وَجَدَتْ مِنْ فِرْقَةٍ عَرَبِيّةٍ ... كَفيلاً، دَنَا مِنّا، أعَزَّ وأَنْصَرَا
وَأَكْثَرَ مِنّا ناكِحاً لِغَريبةٍ، ... أُصِيبَتْ سِباءً، أو أرادَتْ تخَيُّرا
وَأَسْرَعَ مِنّا إن أَرَدْنَا انْصِرَافَهُ، ... وَأَكْثَرَ مِنّا دَارِعِينَ وَحُسَّرَا
وَأَجْدَرَ أَنْ لا يَتْرِكوا عَانِياً لَهُم، ... فَيَغْبُرَ حَوْلاً في الحديد مكفَّرا
وقد آنَسَتْ مِنّا قُضاعةُ كالئاً، ... فأضْحَوا بِبَصري يَعصُرونَ الصّنوْبرا
وكِندةُ كانت بالعقيقِ مُقِيمةً، ... ونَهدٌ، فكُلاً قد طَحَرناه مَطحَرا
كِنانةٌ بينَ الصّخْرِ والبَحْرُ دَارُهم، ... فأحجرَها إذ لم تجِدْ متأخَّرا
ونحنُ ضربنا بالصَّفا آل دارِمٍ، ... وحسّانَ وابْنَ الجَوْنِ ضَرْباً مُنَكَّرا
وعلقمةَ الجعفيّ أَدْرَكَ رَكْضُنَا ... بِذي النّخْل، إذ صَامَ النهارُ وَهَجّرا
ضَرَبْنا بطونَ الخَيْل حتى تَنَاوَلَتْ ... عَمِيدَي بَني شَيْبَان: عمراً ومُنْذِرا
أَرحنَا مَعَدّاً من شَرَاحيلَ، بَعْدَما ... رَوِينَ نَجيعاً من دمِ الجَوْفِ أحْمَرَا
وَمِنْ أَسَدٍ أَغْوَى كُهولاً كَثيرةً ... بنَهَي غُرَاب، يَوْم ما عُوّجَ الذَّرا
وَتُنْكِرُ يَوْمَ الرّوْعِ لَوْ أَنّ خَيْلَنا، ... مِنَ الطعنِ، حتى تَحْسِبَ الجَون أشقرا
وَنَحْنُ أُناسٌ لاَ نُعَوّدُ خَيْلَنا، ... إذا ما التقينا، أن تَحيدَ وَتَنفُرا
وما كانَ مَعْرُوفاً لَنَا أَنّ نَرُدّهَا ... صِحاحاً، ولا مُسْتَنْكَراً أن تُعقَّرا
بَلَغْنَا السّما مَجْداً وَجُوداً وَسُودَداً، ... وإنّا لَنَرْجو، فَوْقَ ذَلِكَ، مَظهرا
وكلُّ مَعَدّ قَد أَحَلّتْ سُيُوفَنَا ... جَوَانِبَ بَحْرٍ، ذي غَوَارِبَ، أَخْضَرا
لَعَمْرِي لَقَدْ أَنْذَرْتُ أَزْداً أُناتَها، ... لَتَنْظُرَ في أَحْلامها وَتُفَكِّرا
وأعرَضْتُ عَنْها حِقبةً، وَتَرَكْتُها، ... لأبْلغَ عُذْراً عِنْدَ رَبيّ، فأُعذرا
وما قُلْتُ حتّى نالَ شَتْمٌ عَشيرَتي ... نُفَيْلَ بن عَمْرو والوَحِيدَ وَجَعْفَرا
وَحَيّ أبي بَكْرٍ، وَلاَ حَيَّ مِثْلُهُم، ... إذا بَلَغَ الأمْرُ العَمَاسَ المُدَمِّرا
وَلاَ خَيْرَ في حِلْم، إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... بَوَادرُ تَحْمي صَفْوَهُ أن يُكدَّرا
وَلاَ خَيْرَ في جَهْلٍ، إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ، إذا ما أَوْرَدَ الأمْرَ أصدرا
إذا افْتَخَرَ الأزديُّ يَوْماً، فَقُلْ لَهُتَأَخّرْ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَكَ اللَّهُ مَفْخَرا
فإنْ تَرِدِ العُلْيا، فَلَسْتَ بِأَهْلِها، ... وإنْ تَبْسُط الكفّيْنِ بالمجدِ تَقْصُرا
إذا أدلجَ الأزديُّ أدلجَ سارِقاً، ... فأصْبَحَ مخطوماً بلومٍ مُعَزَّرا
[ كعب بن زهير بن أبي سلمى ]
البسيط
بَانَتْ سُعَادُ، فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبُولُ، ... مُتيَّمٌ إثرَها، لَمْ يُفْدَ، مَكْبولُ
وما سُعَادُ، غَدَاةَ البَيْنِ، إذ رَحلوا، ... إلاّ أغنُّ غضِيضُ الطَّرْفِ، مَكحول
هَيْفَاءُ مُقْبِلةٌ، عَجْزَاءُ مُدْبِرَةٌ، ... لا يشتكي قِصَرٌ مِنْهَا، ولاَ طُولُ
تجلو عوارِضَ ذي ظَلْمٍِ إذا ابتسَمَتْ ... كأنّه مُنْهَلٌ بالرّاحِ مَعْلُول
شُجّتْ بِذِي شَبَمٍ مِن مَاء مَحْنِيةٍ، ... صافٍ بِأَبْطَحَ، أضْحى، وهْوَ مشمول
تَنْفي الرّياحُ القَذَى عنه، وأفرطَه ... مِن صَوْبِ سارِيةٍ بِيضٌ يَعاليل
أكرِمْ بِهَا خُلّةً، لو أَنّها صَدَقَتْ ... مَوْعُودَها أو لو انّ النصْحَ مَقْبُول
لَكِنّها خُلّةٌ قد سِيطَ مِنْ دَمِهَا ... فَجْعٌ، وَوَلْعٌ، وإخلافٌ، وَتَبْدِيل
فَمَا تَدُوم على حَالٍ تَكُونُ بها، ... كما تَلَوّنُ في أثْوابِها الغُولُ
وَلاَ تَمَسّكُ بالعَهد الذي زَعَمَتْ، ... إلاّ كما يَمسِكُ الماءَ الغَرَابِيلُ
فَلا يغُرّنْكَ مَا مَنّتْ، وما وَعَدَتْ، ... إنّ الأمَانيَّ والأحْلامَ تَضْليلُ
كانتْ مَواعِيدُ عرقوبٍ لها مَثَلاً، ... وما مَواعِيدُها إلاّ الأباطيل
أَرْجو وآمُلُ أنْ تَدْنُو مَوَدّتُها، ... وما إخالُ لدينا منكِ تَنْوِيلُ
أَمْسَتْ سُعادُ بِأْرضٍ لا يُبَلِّغُها ... إلاّ العِتاقُ، النّجيباتُ، المراسِيلُ
وَلَنْ يُبَلّغَها إلاّ عُذافِرَةٌ، ... لها على الأينِ إرْقالٌ وتَبْغِيل
مِنْ كلّ نضَّاخَة الذفْري إذا عَرِقَتْ ... عُرْضَتُها طَامِسُ الأعْلامِ مَجْهُولُ
تَرْمِي الغُيُوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرِدٍ لَهِقٍ ... إذا تَوقّدَتِ الحُزَّانُ والمِيلُ
ضَخْمٌ مُقَلَّدُها، فعْمٌ مُقَيَّدُها، ... في خَلْقِها، عن بَناتِ الفَحْل، تفضِل
غَلباءُ، وجْناءُ، عُلكومٌ، مُذكَّرَةٌ، ... في دَفّها سَعَةٌ، قُدّامُها مِيلُ
وَجِلْدُها مِنْ أَطُومِ لا يُؤيِّسُهُ ... طِلْحٌ، بضحِيَةِ المَتْنَينِ، مَهزُول
حَرْفٌ أبوها أَخُوهَا من مُهَجَّنَةٍ، ... وَعَمُّها خَالُها، قَوداءُ، شِمليل
يمشي القُرادُ عَلَيْها، ثُمّ يُزلِقُهُ ... مِنْهَا لَبانٌ، وأَقرابٌ زَهالِيلُ
عيرانةٌ قُذِفَتْ بالنحض عن عُرُضٍ ... مِرْفَقُها عن ضُلوعِ الزَّور مَفتول
كأنّما فَاتَ عينيْها وَمَذْبَحَها، ... مِنْ خَطْمها وَمِنَ اللَّحْيَينِ بِرْطيل
تُمِرّ مِثْلَ عَسِيبِ النّخْلِ، ذا خُصَلٍ، ... في غارزٍ لَمْ تَخَوَّنْهُ الأحَالِيلُ
قَنْواءُ في حُرّتَيْها، للبَصِير بها ... عِتْقٌ مُبينٌ، وفي الخَدّين تَسْهِيلُ
تَخْدي على يَسَراتٍ، وهي لاهيةٌ، ... ذَوَابلٍ، وَقَعُهُنّ الأرضَ تَحْلِيل
سُمْرُ العَجَايَاتِ يتركنَ الحصىَ زِيَماً، ... وَلاَ يقِيها رُؤوسَ الأكم تَنْعِيل
يَوْماً تظلّ حِدابُ الأرْضِ تَرْفعُها، ... مِنَ اللّوامِعِ، تخلِيطٌ وَتزْييل
كأنّ أوبَ ذِراعَيْها، إذا عَرِقَتْ، ... وَقَدْ تَلَفّعَ بالقُورِ العَسَاقِيلُ
وقالَ للقَومِ حاديهم، وقد جَعَلَتْ ... وُرْقُ الجَنَادِبِ يركُضْنَ الحَصَى: قيلوا
شَدَّ النهارِ، ذراعا عيطَلٍ نَصَفٍ، ... قامت فجاوبَها نُكْدٌ مَثَاكِيلُ
نَوّاحةٍ، رِخْوةِ الضَّبْعينِ، ليس لَها، ... لما نَعَى بَكْرَها النّاعون، معقول
تَفري اللَّبانَ بِكَفّيها، ومِدرعُها ... مُشَقَّقٌ عن تَراقِيها، رَعابيل
يَسْعَى الوُشاةُ بِجَنْبَيْها، وَقَوْلُهُمُ: ... إنّك يا ابنَ أبي سلمى لَمَقْتُول
وقالَ كلّ خليلٍ كُنْتُ آمُله: ... لا ألهينّكَ، إنّي عنكَ مَشْغُولُ
فقلتُ: خَلّوا سَبيلي، لا أبا لَكُمُ، ... فكلّ ما قدّرَ الرّحمنُ مفعولُ
كلُّ ابنِ أُنثى، وإن طالتْ سَلامَتُه، ... يَوْماً على آلةٍ حَدْباءَ مَحمولُ
أُنْبِئْتُ أنّ رسولَ اللَّهِ أَوْعَدَني، ... والعَفْوُ عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ مأمولُ
مَهْلاً! هداك اللَّه الذي أَعْطَاكَ نافلةَ ال ... قُرْآن فيها مَوَاعِيظٌ، وَتَفْصيل
لا تأخُذَنّي بأقْوَالِ الوُشاةِ، وَلم ... أُذْنِبْ، وإن كَثُرَتْ فيّ الأقَاوِيلُ
لَقَدْ أَقُومُ مَقَاماً لَوْ يَقُومُ بِهِ، ... أَرَى وَأَسْمَعُ ما لَوْ يَسْمَعُ الفِيلُ
لَظَلّ يُرْعَدُ، إلاّ أنْ يَكُونَ لَهُ ... مِنَ النّبيّ، بإذنِ اللَّهِ، تَنْويل
حَتّى وَضَعْتُ يمين، لا أُنازِعُهُ، ... في كَفّ ذي نَقماتٍ قِيلُهُ القِيلُ
وَلَهْوَ أهيبُ عِنْدي إذ أُكلّمُه، ... وَقِيلَ: إنّك مَنْسُوبٌ وَمَسْؤول
من ضَيْغمٍ من ضِرَاءِ الأسُد مَخدَرُهُ ... ببطنِ عثَّرَ، غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ
يَغْدو، فَيَلحَمُ ضِرْغامَيْنِ، عيشهما ... لَحْمٌ مِنَ القَوْمِ مَعفور، خَرَاذيل
إذا يُساوِرُ قِرْناً لا يَحِلُّ لَهُ ... أن يتْرُكَ القِرْنَ إلاّ وَهُوَ مَفلول
مِنْهُ تَظَلّ حَميرُ الوَحشِ ضَامِزَةً، ... ولاَ تُمَشَّى بِواديهِ الأراجِيل
وَلاَ يَزَالُ بِوَادِيهِ أَخو ثِقَةٍ، ... مُطرَّحُ اللحمِ، والدِّرْسانِ، مأكول
إنّ الرّسولَ لَنُورٌ يُسْتضَاءُ بهِ، ... وَصَارِمٌ من سيوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ
في عُصْبةٍ من قَريشٍ قال قائلُهم، ... بِبَطْنِ مكّة، لما أسلموا: زُولوا
زَالوا، فما زال أنكاسٌ، ولا كُشُفٌ، ... عِنْدَ اللّقاءِ، ولا مِيلٌ مَعازيل
شُمُّ العَرانين، أبْطالٌ، لَبوسُهمُ ... من نَسْجِ داودَ، في الهَيْجا، سَرَابِيل
بِيضٌ سَوابغُ قدْ شُكّتْ لها حَلَقٌ، ... كأنّها حَلَقُ القَفعاءِ، مَجْدول
لاَ يَفْرَحُونَ، إذا نَالَتْ رِمَاحُهُمُ ... قَوْماً، وَلَيْسوا مَجَازيعاً، إذا نِيلوا
يَمْشُونَ مَشْيَ الجِمَال الزُّهر، يعصِمهم ... ضَربٌ، إذا عَردّ السُّودُ التّنابِيل
لا يَقَعُ الطّعْنُ إلاّ في نُحُورِهِمُ، ... وما لَهُمْ عنْ حِياضِ المَوْتِ تَهْلِيل
[ القطامي ]
البسيط
إنّا مُحيّوكَ، فاسلَم أَيُّها الطَّلَلُ، ... وإن بَلِيتَ، وإن طالتْ بكَ الطِّوَلُ
أنّى اهتَدَيْتَ لتسليمٍ على دِمَنٍ، ... بالغَمر، غيّرهُنّ الأعْصُرُ الأُوَلُ
صافَت، تُمَعَّجُ أَعْناقُ السيول بها، ... من باكِرٍ سَبَطٍ، أو رائحٍ يِئلُ
فَهُنّ كالحُلَلِ الموشيّ ظاهِرُها، ... أو الكتابِ الذي قَدْ مَسَهُ بَلَلُ
كانت مَنَازِلَ مِنّا قد نَحُلّ بها، ... حتى تغيّر دَهرٌ خائنٌ، خَبِلُ
لَيسَ الجديدُ به تَبقَى بَشاشَتُه، ... إلاّ قليلاً، ولا ذو خُلّةٍ يَصِلُ
والعَيشُن لا عَيشَ إلا ما تَقَرُّ بِهِ ... عينٌ، ولا حالةٌ إلاّ سَتَنْتَقِلُ
والنّاسُ، من يَلْقَ خيراً قائلونَ لَهُ ... ما يشتهي، ولأمِّ المُخطىءِ الهَبَلُ
قَدْ يُدْرِكُ المتأنّي بعضَ حاجتِهِ، ... وقد يكونُ المُسْتعجِلِ الزَّلَلُ
أضحَتْ عُليّةُ يَهْتَاجُ الفؤادُ لها، ... وللرّواسم فيما دونَها عَمَلُ
بِكُلّ مُخْتَرَقٍ يجري السّرابُ بِهِ ... يُمسي، وراكبُه من خوفِهِ وَجِلُ
يُنضي الهِجَانَ التي كانت تكون بِهِ، ... عِرْضَنَةٌ وهِبابٌ، حِينَ تَرْتَحِلُ
حَتى تَرَى الحُرّةَ الوَجْنَاءَ لاغِبةً، ... والأرحبيَّ الذي في خَطوه خَطَلُ
خُوصاً تُديرُ عُيوناً ماؤها سَرِبٌ ... على الخدود، إذا ما اغروْرَقَ المُقَل
لَواغِبَ الطَّرفِ، مَنقوباً محاجرُها، ... كَأَنّها قُلُبٌ عادِيّةٌ مُكُلُ
تَرمي الفجَاجَ بها الرُّكْبَانُ مُعترِضاً ... أعْناقَ بُزَّلِها، مُرخىً لها الجُدُلُ
يمشين رَهْواً فلا الأعْجَازُ خاذلةً ... ولا الصّدورُ على الأعجازِ تتّكِلُ
فَهُنّ معترَضاتٌ، والحصى رَمِضٌ، ... والرّيحُ ساكنةٌ، والظِّلُّ مُعْتَدِلُ
يَتبَعْنَ ساميَةَ العَيْنَينِ تَحْسَبُها ... مَجْنُونَةً، أَوْ تَرَى ما لا تَرَى الإِبل
لَما وَرَدْنَ نبيّاً، واستَتَبّ بنا ... مُسحَنفِرٌ، كخطوطِ السَّيح مُنسحِل
على مكانٍ غِشاشٍ لا يُنيخُ بِهِ ... إلاّ مُغَيِّرُنَا، وَالمُستَقِي العَجِلُ
ثمّ اسْتَمَرّ بِهَا الحادي، وَجَنّبَها ... بطنَ التي نبتُها الحَوذان والنَّفَلُ
حتى وردْنَ رَكِيّاتِ الغُوَيرِ، وَقَدْ ... كادَ المُلاءُ منَ الكتّان يشْتَعِلُ
وقد تَعَرّجْتُ، لما أرَّكَتْ أَرِكاً، ... ذَاتَ الشّمالِ وعن أيْمانِنَا الرِّجلُ
على مُنادٍ دَعانا دَعْوَةً كشَفَتْ ... عَنّا النُّعاسَ، وفي أعناقِنا مَيَلُ
سمعتُها ورِعانُ الطَّوْدِ مُعْرِضَةٌ ... مِنْ دُونَنا وكثيبُ الغَينة السَّهَلُ
فقُلتُ للركبِ، لما أنْ عَلاَ بِهِمُ ... مِنْ عنْ يمين الحُبَيّا نظرةٌ قَبَل:
ألمحَةٌ منْ سَنا بَرْقٍ رأى بصري، ... أَمْ وَجْهُ عاليَةَ اختالَتْ بِهِ الكِلَلُ
تُهْدِي لَنَا كلَّ ما كانَتْ عُلاوتُنَا ... رِيحَ الخُزامي جرى فيها النّدَى الخَضِل
وقَدْ أًبِيتُ، إذا ما شِئْتُ بَاتَ مَعي ... على الفِراشِ الضّجيعُ الأغْيدُ الرَّتِلُ
وقدْ تُباكِرني الصّهْبَاءَ تَرْفَعُهَا ... إليّ لَيِّنَةٌ أَطْرَافُها، ثَمِلُ
أَقَولُ للحَرْفِ، لما أنْ شَكَت أُصُلاً ... متَّ السِّفارِ، فأفنى نَيِهَّا الرَّحَلُ
إن ترجِعي من أبي عثمان مُنجَحَةً، ... فَقَدْ يَهُونُ على المُسْتَنْجِحِ العَمَلُ
أَهْلُ المَدِينَةِ لا يُحْزِنْكَ شَأْنُهُمُ، ... إذا تَخَطّأ عَبْدَ الوَاحِدِ الأجَلُ
أَمّا قُرْيُشٌ فَلَنْ تَلْقَاهُمُ أَبَداً، ... إلاّ وهُمْ خَيرُ مِنْ يَحْفى وينْتَعِلُ
قومٌ، همُ ثبّتُوا الإِسلامَ، وامتَنَعُوا ... قَوْمَ الرّسولِ الذي ما بَعْدَهُ رُسُلُ
مَن صالحوهُ رَاى في عَيْشِهِ سَعَةً، ... ولا يُرى مَنْ أَرادوا ضَرَّه يَئِلُ
كم نَالَني مِنْهُمُ فضلٌ على عَدَمٍ، ... إذ لا أكاد من الإِقتار أحْتَمِلُ
وكم من الدّهر ما قد ثبّتُوا قَدَمي، ... إذْ لا أَزَالُ مع الأعداءِ أنتضِلُ
فلا هُمُ صالحوا مَنْ يَبْتَغي عَنَتي، ... ولا هُمُ كدْروا الخيرَ الذي فَعَلوا
هُمُ المُلُوك، وأبناءُ الملوك لهم، ... والآخذُونَ بِهِ، والسّادَةُ الأُوَلُ
[ الحطيئة ]
المتقارب
نَأَتْك أُمَامَةُ، إلاّ سُؤالا، ... وَأَبْصَرْتَ مِنْهَا بِعَيْنٍ خَيالا
خَيَالاً يَرُوعُكَ عِنْدَ المَنَامِ، ... ويَأْبَى مَعَ الصُّبْحِ إلاّ زَوَالا
كِنَانِيّةٌ دَارُها غُرْبَةٌ، ... تُجِدّ وِصالاً، وَتُبْلي وِصالا
كَعَاطِيَةٍ مِنْ ظِبَاءِ السَلي ... لِ حُسَّانَةِ الجِيد تَرْعَى غَزَالا
تَعَاطَى العِضَهَ، إذا طَالَها، ... وَتَقْرُو مِنَ النّبْتِ أَرْطَى وَضَالا
تُصَيِّفُ ذُرْوَةَ مَكنُونَةٍ، ... وَتَبْدُو مَصِيفَ الخَرِيفِ الجِبَالا
مُجَاوِرَةً مُسْتَحِيرَ السّرا ... ةِ، أَفْرَغَتْالغُرُّ فِيهِ السِّجالا
كَأَنَّ بِحَافَاتِهِ وَالطِّرَافِ، ... رِجالاً لِحِمْيَرَ لاقَتْ رِجالا
فَهَلْ تُبْلِغَنَّكَهَا عِرْمِسٌ، ... صَمُوتُ السُّرَى، لاَ تَشْكَّى الكَلاَلاَ
مُفَرِّجَةُ الضَّبْعِ، مَوّارَةٌ، ... تَخُدّ الإِكامَ، وَتَنْفي النِّقالا
إذَا مَا النّوَاعِجُ وَاكَبْنَهَا، ... جَشَمْنَ مِنَ السّيْرِ رَبْواً عُضَالاَ
وَإنْ غَضِبَتْ خِلْتَ بِالمِشْفَرَيْنِ ... سَبَائِخَ قُطْنٍ وَبُرساً نِسالا
وَتَحْدُو يَدَيْهَا، زَحُولَ الخُطَا، ... أَمَرَّهُمَا العَصَبُ مَرّاً شِمَالا
وَتُحْصِفُ بَعْدَ اضْطرابِ النُّسوعِ ... كَمَا أَحْصَفَ العِلْجُ يَحْدُو الحِيَالاَ
تُطِيرُ الحَصَى بِعُرى المَنْسِمَين، ... إذا الحاقِفَاتُ أَلِفْنَ الظِّلالا
وَتَرْمِي الغُيُوبَ بِمَاوِيّتَي ... نِ أَحْدَثَتا بعد صَقْلٍ صِقالا
وَلَيْلٍ تَخَطّيْتُ أَهْوَالَهُ، ... إلى عُمَرٍ أَرْتَجيهِ ثِمالا
طَوَيْتُ مَهَالِكَ مَخْشِيّةً ... إليكَ، لِتُكْذِبَ عَني المَقَالا
بِمِثْلِ الحَنيّ طَوَاهَا الكَلاَلُ، ... فَيَنْضُونَ آلاً وَيَرْكَبْنَ آلا
إلى حاكمٍ عَادِلٍ حُكْمُهُ، ... فَلَمّا وَضَعْنَا لَدَيْهِ الرِّحالا
صرى قَوْلَ مَنْ كَان ذَا مِئْرَةٍ، ... وَمَنْ كَانَ يَأْمُلُ فِيَّ الضَّلالا
أَمينُ الخَلِيفَةِ، بَعْدَ الرّسُولِ، ... وَأَوْفَى قُرَيْشٍ جَمِيعاً حِبالا
وَأَطْوَلُهم في النّدى بَسْطَةً، ... وَأَفْضَلُهُمْ حِينَ عُدُّوا فَعَالا
أَتَتْنيِ لِسَانٌ، فَكَذّبْتُها، ... وَمَا كُنْتُ أَحْذَرُها أن تُقَالا
بِأَنّ الوشاةَ، بلا عِذْرَةٍ، ... أَتُوكَ فَقالوا لَدَيْكَ المِحَالا
فَجِئْتُكَ مُعْتَذِراً رَاجِياً ... لِعَفْوِكَ أَرْهَبُ مِنْكَ النَّكالا
فَلاَ تَسْمَعَنْ بِيَ قَوْلَ الوُشَاةِ، ... ولاَ تُؤكِلَنّي، هُدَيْتَ، الرّجالا
فَإنّكَ خَيْرٌ مِنَ الزِّبرِقَانِ، ... أَشَدُّ نَكالاً، وَخَيْرٌ نَوَالا
[ الشماخ بن ضرار ]
الطويل
عَفَا بَطْنُ قَوٍ مِنْ سُلَيْمى فَعَالِزُ، ... فَذَاتُ الصَّفا فالمُشْرِفَاتُ النّواشِزُ
وَمَرْقَبَةٌ لاَ يُسْتَقَالُ بِهَا الرَّدى،تَلاَفَى بِهَا حِلْمي، عن الجَهْلِ، حَاجِزُ
وَكُلُّ خَلِيلٍ، غَيْرَها، ضمّ نَفْسَهُ، ... لِوَصْلِ خَليلٍ، صَارِمٌ أَوْ مَعَارِزُ
وَعَوءجَاءَ مِجْذَامٍ، وَأَمْرِ صَرِيمةٍ، ... تَرَكْتُ بِهَا الشَّكَّ الذي هُوَ عَاجِزُ
كَأَنّ قَتُودي فَوْقَ جَأْبٍ مُطرَّدٍ؛ ... مِنَ الحَقْبِ، لاَحَتْه الجِدادُ الغَوَارِزُ
طَوَى ظَمْأَهَأ في بَيْضَةِ الصّيْفِ، بَعْدَمَاجَرَى في عَنَانِ الشِّعْرَيَينِ الأماعِزُ
وَظَلّتْ بِأَعْرَافٍ كَأَنّ عُيُونَها ... إلى الشَمْسِ، هل تدْنو رَكيَّ النّواكِز
لَهُنّ صَلِيلٌ يَنْتَظِرْنَ قَضَاءَهُ، ... بِضَاحِي عَذاةٍ أَمْرُهُ، فهو ضامِزُ
فَلَمّا رأَيْنَ الوِرْدَ مِنْه صَريمةً، ... قَصَيْنَ، وَلاَقَاهُنّ خَلٌّ مُحَاوَزُ
فَلَمّا رأَى الإِظْلامَ بَادَرَها بِهِ، ... كَمَا بَادَرَ الخَصْمُ اللَّجُوجُ المُحَافِزُ
وَيَمّمَها في بَطْنِ غَابٍ وَحَائِرٍ، ... وَمِنْ دُونِهَا مِنْ رَحْرَحَانَ المفاوزُ
عَلَيْهَا الدُّجَى المُسْتَنْشَآتُ كَأَنّها ... هَوَادِجُ مَشْدُودٌ عَلَيْهَا الجزائز
تُعَادِي إذا اسْتَذْكَى عَلَيْهَا، وَتَتَّقيكَما تَتَّقي الفَحْلَ المخاضُ الجَوَامِزُ
فَمَرَّ بِهَا فَوْقَ الجُبَيْلِ، فَجَاوَزَتْ ... عِشاءً، وَمَا كَانَتْ بِشَرْجٍ تُجَاوزُ
وَهَمّتْ بِوِرْدِ القِنَّتَيْنِ، فَصَدَّهَا ... مَضِيقُ الكُرَاعِ، وَالقِنَانُ اللّواهِزُ
وَصَدَّتْ صُدُوداً عَنْ شَرِيعةِ عَثْلَبٍ، ... وَلابْنَيْ عِياذٍ في الصّدُورِ حَزائِزُ
وَلَوْ ثَقِفَاهَا ضَرَّجَتْ بِدِمَائِها،كَمَا جُلِّلتْ، نِضْوَ القِرَامِ، الرَّجائِزُ
وَحَلأَّهَا عَن ذي الأراكَةِ عَامِرٌ،أَخُو الحُضْرِ يَرْمي حَيْثُ تُكْوَى النَّواحِزُ
مُطِلاًّ بِزُرْقٍ مَا يُدَأوَى رَمِيُّهَا،وَصَفْرَاءَ مِنْ نَبْعٍ عَلَيْهَا الجلاَئِزُ
تَخَيَّرَهَا القَوَّاسُ مِنْ فَرْعِ ضَالَةٍ، ... لَهَا شَذَبٌ مِنْ دُونِهَا، وَحَزائِزُ
نَمَتْ في مَكَأنٍ كَنَّها، فاستَوَتْ بِهِ، ... وَمَا دُونَهَا مِنْ غِيلِهَا مُتَلاَحِزُ
فَمَا زَالَ يَنْحُو كلَّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، ... وَيُنْغِلُ حَتّى نَالَها، وهو بَارِزُ
فَأَنْحى عَلَيْهَا ذَأتَ حَدٍّ غُرَابُها، ... عَدُوٌّ لأوْسَاطِ العِضاهِ مُشَارِزُ
فَلَمَّا اطْمَأَنَّتْ في يَدَيْهِ رأَى غَمىًأَحَاطَ بِهِ، وَازْوَرَّ عَمَّنْ يُحَاوِزُ
فَأَمْسَكَهَا عَامَيْنِ يَطلُب دَرْأَها، ... وَيَنْظُرُ مِنْهَا ما الّذِي هُوَ غَامِزُ
أَقَامَ الثِّقَافُ وَالطّرِيدَةُ مَتْنَهَا،كَمَأ أَخْرَجَتْ ضِغنَ الشَّمُوسِ المَهَامِزُ
فَوافَى بِهَا أَهْلَ المَوَاسِمِ، فَانْبَرَىلها بَيِّعٌ يُغلي بِهَا السَّوْمَ رَائِزُ
فَقَالَ لَهُ: هَلْ تَشْتَرِيها، فَإنَّها ... تُباعُ، إذا بِيعَ التِّلادُ الحَرائِزُ
فَقَال لَهُ: بَايِعْ أَخَاكَ، وَلا يَكُنْلَكَ اليَوْمَ، عَنْ بَيْعِ مِن الربح، لاَهِزُ
فَقَال: إزَارٌ شَرْعَبِيٌّ، وَأَرْبَعُ ... مِنَ السِّيَراءِ، أَوْ أَواقٍ نَواجِزُ
ثَمَانٍ مِنَ الكُوريّ حُمْرٌ، كَأَنَّها ... مِنَ التِّبر ما أذكى عَنِ النَّارِ خَابِزُ
وَبُرْدَانِ مِنْ خَالٍ وَتِسْعُونَ دِرْهَماً،على ذَاكَ مَقْرُوظٌ مِنَ الجِلْدِ مَاعِزُ
فَظَلّ يُنَاجي نَفْسَهُ وَأَمِيرَها، ... أَيَأْبَى الذي يُعْطَى بها، أو يُجَاوِزُ
فَلَمّا شَرَاهَا فَاضَتِ العَيْنُ عَبْرَةً،وَفي الصَّدْرِ حُزَّازٌ مِنَ الوَجْدِ حَامِزُ
فَذَاقَ، فَأَعْطَتْهُ مِنَ اللِّينِ جَانِباًكَفَى وَلَهاً أن يُغْرِقَ السَّهْمَ حَاجِزُ
إذَا أَنْبَضَ الرّامُونَ فِيهَا تَرَنَّمَتْ ... تَرَنُّمَ ثَكْلى أَوْجَعَتْها الجَنَائِزُ
هَتُوفٌ، إذا ما خَالَطَ الظبيَ سَهْمُهَا، ... وَإنْ رِيعَ مِنْهَا أَسْلَمَتْهُ النّوافِزُ
كَأَنَّ عَلَيْهَا زَعْفَراناً تُمِيرُهُ ... خَوَازِنُ عَطَّارٍ يَمَانٍ، كَوَانِزُ
إذا سَقَطَ الأنْدَاءُ صِينَتْ وَأُشْعِرَتْحَبيراً وَلَمْ تُدْرَجْ عَلَيْهَا المَعَاوِزُ
فَلَمّا رأَيْنَ الماءَ قَدْ حَالَ دُونَهُ ... ذُعافٌ على جَنْبِ الشَرِيعَةِ كَارِزُ
رَكِبْنَ الذُّنَابَى، فَاتَّبَعْنَ بِهِ الهَوَى،كَمَاتَابَعَتْ شَدَّ العِنَانِ الخَوَارِزُ
فَلَمّا دَعَاهَا مِنْ أَبَاطِحِ وَاسِطٍ ... دَوَائِرُ لم تِضْرَبْ عَلَيْهَا الجَرَامِزُ
حَذَاهَا مِنَ الصَّيْدَاءِ نَعْلاً طِرَاقُها ... حَوَامِي الكُرَاعِ المُؤَيداتُ العشاوز
تَوَجّسْنَ، واسْتيْقَنَّ أَنَّ لَيْسَ حَاضِرٌعلى الماءِ إلاَّ المُقْعَدَاتُ القَوَافِزُ
يَلِهْنَ بِمِدْرَانٍ مِنَ اللَّيْلِ مَوْهِناً، ... عَلَى عَجَلٍن ولِلْفَرِيصِ هَزَاهِزُ
وَرَوّحَهَا في المُورِ مُورِ حَمَامَةٍ، ... على كلِّ إجْرِيَّائِها، وَهُوَ آبِزُ
يُكَلِّفُهَا أَقْصَى مَدَاهُ، إذا الْتَوَىبِهَا الوِرْدُ وَاعْوَجَّتْ عليها المَفَاوِزُ
حَدَاهَا بِرَجْعٍ مِنْ نَهيقٍ، كَأَنَّهُ ... لَمَّا رَدَّ لحيَيه مِنَ الجَوْفِ رَاجِزُ
مُحَامٍ على رَوْعَاتِها، لا يَرُوعُها، ... خِمالٌ، ولا ساعي الرُّماةِ المُنَاهِز
وَقَابَلَها مِنْ بَطْنِ ذُرْةَةَ مُصْعِداً، ... على طُرُقٍ كَأنَّهُنّ نَحَائِزُ
فَأَصْبَحَ فَوْقَ الحِقْفِ حِقْفِ تُبالةٍ، ... له مَرْكَضٌ في مُسْتَوَى الأرضِ بَارِزُ
وَأَضْحَتْ تُغَالي بِالسِتَارِ، كَأَنَّها ... رِمَاحٌ نَحَاهَا وُجْهَةَ الرِّيحِ رَاكِزُ
[ عمرو بن أحمر ]
البسيط
بَانَ الشَّبَابُ وَأَفْنَى ضُعْفَهُ العُمُرُ،للَّهِ دَرُّكَ أَيَّ العَيْشِ تَنْتَظِرُ
هَلْ أَنْتَ طَالِبُ وِتْرٍ لَسْتَ مُدْرِكَهُ،أَمْ هَلْ لِقَلْبِكَ عن أُلاَّفِهِ وَطَرُ
أَمْ كُنْتَ تَعْرِفُ آياتٍ، فَقَدْ جَعَلَتْ ... آياتُ إلْفِكَ بِالوَدْكَاءِ تَدَّثِرُ
أَمْ لاَ نَزَالُ نُرَجّي عِيْشَاً أُنُفاً،لَمْ تُرْجَ قَبْلُ وَلَمْ يُكْتَبْ بِها زُبُرُ
يلحَى على ذَاكَ أَصْحَابي، فقلتُ لَهُمْ: ... ذَاكُمْ زَمَانٌ وَهَذا بَعْدَه عُصُرُ
مَنْ لِنَّوَاعِجِ تَنْزُو في أَزِمَّتِها، ... أَمْ للتَّنائي حُمُولُ الحَيِّ قَدْ بَكَروا
كَأَنَّها بِنَقَا العَزَّافِ قاربُهُ، ... لَمَّا انْطوَى نَيُّها واخْرَوَّطَ الشَّفَرُ
مَارِيَةٌ لُؤلُؤانُ اللَّونِ، أَوَّدَهَا ... طَلٌّ، وبَنَّسَ عَنْهَا فَرْقَدٌ خَصِرُ
ظَلّتْ تُمَاحِل عَنْهُ عَسْعساً لَحِماً، ... يَمشي الضَّراء، خَفِيّاً، دُونَهُ النَّظَرُ
يَرَى لَهَا وَهُوَ مَسْرُورٌ بِغَفْلَتِها،طَوْراً، وَطَوْراً تَسَنَّاهُ، فَتَعْتَكِرُ
في يَوْمِ ظِلٍّ وَأَشْبَاهٍ، وَصَافِيَةٍ ... شَهْبَا، وثَلْجٍ وَقَطْرٍ، وَقْعُه دِرَرُ
حَتّى تَنَاهَى بِهِ غَيْثٌ وَلَجّ بِهَا ... بَهْوٌ تَلاَقَتْ بِهِ الآرامُ وَالبَقَرُ
طَافَتْ، وَسَافَتْ قَلِيلاً حَوْلَ مَرْتَعِهِ،حَتَّى انْقَضَى مِنْ تَوَالي إلْفِهَا الوَطَرُ
فَلَمْ تَجِدْ في سَوَادِ اللَّيْلِ رَائِحَةً،إلاَّ سَمَاحِيقَ مِمّا أَحْرَزَ العَفَرُ
ثُمَّ ارْعَوتْ في سَوَادِ اللَّيلِ وادَّكَرَتْ ... وَقَدْ تَمزَّع صَادٍ لَحْمُهُ دَفِرُ
ثُمَّ اسْتَمَرّتْ كَبَرْقِ اللَّيْلِ، وانْحَسَرَتْعَنْها الشَّقَائِقُ من نَبْهَانَ، والظُّفُرُ
تَطَايَحَ الطَّلُّ عَنْ أَرْدَافِهَا صُعُداً،كَمَا تَطَايَحَ عَنْ مَامُوسَةَ الشَّرَرُ
كَأنّمَا تِلْكَ لَمّا أَنْ دَنَتْ أُصُلاً، مِنْ رَحْرحانٍ، وفي أعطافِها زَوَرُ
حَى إذا كَرِبَتْ، واللَّيلُ يَطْلُبُها،أَيْدِي الرَّكَايا عَن اللَّعْبَاءِ تَنْحَدِرُ
حَطَّتْ وَلَوْ عَلِمَتْ عِلْمِي لما عَزَفَتْ ... حَتَّى تَلَيَّنَ، وَاهٍ كَرُّهَا بَسَرُ
شَيْخٌ شَمُوسٌ إذا مَا عَزَّ صَاحِبُهُ، ... شَهْمٌ، وَأَسْمَرُ مَحْبُوكٌ لَهُ عُذُر
كَأنَّ وَقْعَتَهُ، لَوْ دَانَ مَرْفِقُها، ... وَقْعُ الصَّفَا بِأَديمٍ، وَقْعُهُ تَئِرُ
حَنَّتْ قَلوصي إلى بَابُوسِها جَزَعاً، ... فَما حَنِينُكَ أم ما أَنْتَ والذِّكَرُ
إخَالُها سَمِعَتْ عَزْفَاً فَتَحْسِبُهُ ... إهَابَةَ القَسْرِ لَيْلاً حِينَ يَنْتَشِرُ
خُبّي فَلَيْسَ إلى عُثْمَانَ مُرْتَجَعٌ، ... إلاّ العَداءُ، وإلاّ مُكْنَعٌ ضَرَر
وَانجي، فإني إخالُ النَّاسَ في نَكَصٍ، ... وَأَنَّ يَحْيَى غَيَاثُ النَّاسِ وَالعَصَرُ
يا يحيَ، يا ابنَ إمَأمِ النَّاس أَهْلَكَنا ... ضَرْبُ الجُلُود، وعُسرُ المالِ وَالحَسَرُ
إنْ قُمْتَ يا ابنَ أبي العاصي بِحَاجَتِنا، ... فَما لِحَاجَتِنَا وِرْدٌ ولا صَدَرُ
مَا تَرْضَ نَرْضَ وإن كَلَّفْتَنَا شَطَطاً، ... وما كَرِهْتَ فَكُرهٌ عندنا قَذَرُ
نَحْنُ الَّذينَ، إذا ما شِئْتَ أَسْمَعَنَا ... دَاعٍ، فَجِئْنَا لأيَّ الأمْرِ نَأْتَمِرُ
إنّي أعُوذُ بِمَا عَاذَ النَّبيُّ بِهِ، ... وَبِالخَلِيفَةِ أن لا تُقْبَلَ العِذَرُ
من مُترفيكم وَأَصْحَابٍ لَنَا مَعَهُمْ، ... لاَ يَعْدلُونَ، ولا نَأْبَى، فَنَنْتَصِرُ
فإنْ تُقِرّ عَلينا جَوْرَ مَظْلَمَةٍ، ... لَم تَبْنِ بيتاً على أَمثالها مُضَرُ
لا تَنْسَ يَوْمَ أبي الدَّرْدَاءِ مَشْهَدَنا، ... وَقَبْلَ ذلكَ أيّامٌ لَنَا أُخَرُ
من يُمْسِ من آلِ يحيَى يمسِ مُغْتَبِطاً ... في عِصْمَةِ الأمْرِ ما لم يَغْلِبِ القَدَرُ
وَرَّدَةٌ يَوْمَ نَعْتِ المَوْتِ رَايتُهُم ... حتَّى يَفيء إليها النَّصْرُ والظَّفَرُ
مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ هُمُ للَّهِ خَالصةٌ، ... قَدْ صَعّدوا بِزِمامِ الأمْرِ، وَانْحَدَرُوا
كَأَنَّهُ، صُبْحَ يَسري القَوْمُ لَيْلَهُمُ، ... ماضٍ من الهِنْدِوانيّاتِ مُنْسَدِرُ
يعلو مَعَدّاً، ويسْتَسْقي الغمامَ بِهِ، ... بَدْرٌ تضاءَل فيهِ الشمسُ والقمر
هل في الثماني من التّسعين مَظلمةٌ، ... وَرَبُّها لكتابِ اللَّهِ مُسْتَطِر
يكسُونَهُم أصبحيّاتٍ مُحدرَجَةً، ... إنَّ الشيوخَ إذا ما أَوجعوا ضجِرُوا
حتى يَطِيبُوا لهمْ نفساً علانيةً ... عَن القِلاصِ التي من دونِها مَكَرُوا
لَسْنا بِأَجْسَادِ عادٍ في طبائِعنا، ... لا نَأْلَمُ الشرَّ حتى يَأْلَمَ الحَجَرُ
ولا نصارَآ، عَلَيْنَا جِزْيَةٌ نُسُكٌ، ... ولا يهوداً طَغَاماً دِينُهم هَدَرُ
إنْ نَحْنُ إلاّ أُناسٌ أهلُ سائمةٍ، ... ما إن لنا دُونَها حرثٌ، ولا غُرَرُ
مَلّوا البلادَ، وَمَلّتْهم، وأَحزَقَهم ... ظُلمُ السُّعاةِ، وبادَ الماءُ والشَّجرُ
إن لا تُدارِكْهُمُ تُصْبِحْ ديارُهُمُ ... قَفراً، تصيحُ على أَرْجَائِها الحُمَرُ
أدرِكْ نساءً وشِيباًن لا قرارَ لهم ... إن لم يَكُنْ لك فيما قد لقُوا غِيَرُ
إن العِيابَ التي يُخْفونَ مُشرَجَةٌ ... فِيهَا البيانُ، ويُلوى دُونَكَ الخِبَرُ
فابْعَثْ إليهم، فحاسِبْهُم مُحاسَبَةً، ... لا تُخفَ عَيْنٌ على عَيْنٍ ولا أَثَرُ
ولا تَقُولَنّ: زهواً ما تُخبِّرُني، ... لم يَتْركِ الشَيْبُ لي زهواً ولا العَوَرُ
سائلهُمُ حَيْثُ يَبْدي اللَّهُ عَوْرَتَهُمْ: ... هلْ في قلوبهمُ من خَوْفِنا وَحَرُ؟
[ تميم بن مقبل العامري ]
البسيط
طَافَ الخَيالُ بِنَا رَكْباً يَمَانِينا، ... وَدُونَ ليلى عَوادٍ لو تُعَدّينا
مِنْهُنّ مَعْرُوفُ آياتِ الكِتَابِ، وقد ... تَعْتَادُ تَكْذِبُ ليلى ما تُمَنّينا
لمْ تَسْرِ ليلى، ولم تَطْرُقْ لِحَاجَتِها، ... مِنْ أَهْلِ رَيْمَان، إلاّ حاجةً فينا
مِنْ سَرْوِ حِمْيرَ أَبْوَالُ البِغَالِ بِهِ،أَنَّى تَسَدَّيْتُ وَهْناً ذَلِكَ البينَا
أَمْسَتْ بِأَذْرُعِ أكْبَادٍ فَحُمَّ لها ... ركبٌ بِلِينَةَ أو ركْبٌ بِسَاوِينَا
يا دَارَ ليلى خَلاءً لا أُكَلِّفُها ... إلاّ المَرَانَةَ حتى تَعْرِفَ الدِّينا
تهدي الزَّنَانِيرُ أَرْوَاحَ المَصيفِ لَنَا ... وَمِن ثَنَايا فُرُوج الكُورِ تُهْدِيْنَا
هَيْفٌ هَزُوجُ الضُّحى سَهْوٌ مَنَاكِبُها ... يَكْسُونَهَا بالعَشِيَّاتِ العَثَانِينا
عَرَّجْتُ فِيهَا أُحَيّيهَا وَأَسْأَلُها ... فَكِدْنَ يُبْكِينَني شَوْقاً وَيَبْكِينَا
فَقُلْتُ لِلْقَوْمِ: سِيرُوا لا أَبَا لَكُمُ، ... أَرَى مَنَازِلَ ليلى لا تُحَيِّينَا
وَطَاسِمٍ، دعسُ آثارِ المَطْيّ بِهِ، ... نائي المَخَارِم عِرنيناً فَعِرنينا
قَدْ غَيَّرَته رِياحٌ وَاخْتَرَقْنَ به ... مِن كلِّ مَأتىً سَبِيلُ الرِّيحِ يَأْتِينَا
يُصْبِحْنَ دَعْساً مَرَاسِيلُ المطيّ به، ... حتّى يغيّرْنَ مِنْهُ، أَوْ يُسَوّينَا
في ظَهْرِ مَرْتٍ عَسَاقِيْلُ السَّرابِ بهِ، ... كَأَنَّ وَغْرَ قَطَاهُ وَغْرُ حَادِينَا
كَأَنَّ أَصْوَاتَ أَبْكَارِ الحَمَامِ بِهِ، ... في كلِّ محنِيَةٍ مِنْهُ يُغَنِّينَا
أَصْوَاتُ نِسْوانِ أَنْباطٍ بِمَصْنَعَةٍ، ... يُجدْنَ للنَّوحِ، وَاجْتَبْنَ التّبابِينَا
مِنْ مُشْرِفٍ لِيطَ البَلاَطُ بِهِ، ... كَانَتْ لَسَاسَتِهش تُهْدِي قَرَابِينَا
صَوْتُ النواقِيسِ فِيهِ، ما يفرِّطهُ، ... أَيْدي الجُلاَذي، وجُونٌ ما يغفّينا
كَأَنَّ أَصْوَاتَها، منْ حَيْثُ تَسْمعُها، ... صَوْتُ المحابِضِ يَخْلُجْنَ المحارينا
وَاطأْتُهُ بالسُّرَى حتى ترَكْتُ بِهِ ... لَيْلَ التَّمامِ تَرَى أَسْدَافَهُ جُونَا
حتَّى اسْتَبَنْتُ الهُدى وَالبِيدُ هَاجِمَةٌ ... يَخْشَعْنَ في الآل غُلْفاً، أَوْ يصلّينا
وَاسْتَحْمَلَ الشَوْقَ مني عِرْمِسٌ سُرُحٌ ... تَخَالُ باغزَها باللَّيْلِ مجنْونا
تَرْمي الفجاجَ بِحِيدارِ الحَصَى قُمَزاً، ... في مِشيةٍ سُرُحٍ خِلْطٍ أَفانينا
تَرْمي به، وهي كَِالحَرداءِ خَائِفَةٌ، ... قَذْفَ البَ،َانِ الحصى بين المَخَاسِينَا
كَانَتْ تُدَوِّمُ إرْقالاً، فتجمعه ... إلى مَنَاكِبَ يَدْفَعْنَ المذاعينا
وَعَأتِقٍ شَوحَطٍ صُمٍّ مَقَاطِعُها، ... مَكْسُوّةٍ منْ خِيارِ الوَشي تلوينا
عَارَضْتُها بعَنودٍ غَيْرِ مُعْتَلَثٍ، ... يزينُ مِنْها مُتوناً حين يَجرينَا
حَسَرْتُ عن كفّيَ السّربالَ آخُذُهُ ... فَرداً يُجرّ على أَيْدي المُفَدِّينَا
ثُمَّ انْصَرَفْتُ به جَذْلاَنَ مُبْتَهِجاً، ... كَأَنَّهُ وَقْفُ عاجٍ باتَ مَكْنُونَا
وَمَأْتَمٍ كَالدُّمَى حُورٍ مَدَامِعُها، ... لَمْ تَيْأَسِ العَيْشَ أَبكاراً ولا عُونَا
شَمٌّ مُخَصَّرَةٌ، صينتْ منعَّمةً، ... منْ كلّ داءٍ بإذن اللَّهِ يشْفِينَا
كَأَنَّ أَعْيُنَ غزْلانٍ، إذا اكْتَحَلَتْ، ... بالإِثْمِدِ الجَوْنِ قَد قَرّضْنَهُ حِينا
كَأَنَّهُنَّ الظِّباءُ الأُدمُ أَسْكَنَها ... ضَالٌ بِغُرّةَ أَمْ ضالٌ بِدارينا
يمشينَ مِثْلَ النّقا مَالَتْ جوانِبُهُ، ... يَنْهَالُ حِيناً وَيَنْهَاهُ الثّرى حِينَا
مِنْ رَمَلِ عِرْنَانَ أَوْ مِنْ رملِ أَسْنِمة،جَعدَ الثَرَى باتَ في الأمْطَارِ مَدجونَا
أَوْ كَاهْتِزَازِ رُدَينّيٍ تَداولُهُ ... أَيْدي الرّجال، فزادوا مَسَّهُ لِينَا
نازَعْتُ أَلْبَابَها لُبّي بِمُخْتَزَنٍ ... مِنَ الأحاديثِ حتى ازْدَدنَ لي لِينَا
أَبْلِغْ خديجاً بأنّي قَدْ كرهْتُ لَهُ ... بَعْضَ المَقَالَةِ يَهْذينا، فَتَأْتِينَا
أَرَاكَ تَجْري إلَيْنَا غَيْرَ ذي رَسَنٍ، ... وَقَدْ تَكُونُ إذا نُجريكَ تُعْيِينَا
وَقَدْ بَريتُ قِدَاحاً أَنْتَ مُرْسِلُها،وَنَحْنُ رَامُوكَ، فانظُرْ كَيْفَ تَرْمِينَا
فَاقْصِدْ بِزَرْعِكَ واعْلَمْ لو تُجامِعُنَاأَنّا بَنُو الحربِ نَسْقِيها وَتَسْقِينَا
مَرَّ السّهامِ بِخُرْصانٍ مُسَوَّمَةٍ، ... وَالمشْرِفَيّةُ نُهْدِيها بِأَيْدينَا
أَيّامُنا شِيَمٌ، إنْ كُنْتَ جَاهِلَهَا، ... يَوْمَ الطِّانِ، وَتَلْقَانَا مَيَامِينَا
وَعَاقِدُ التّاجِ، أَوْ سامٍ لَهُ شَرَفٌ، ... مِنْ سُوقةِ النّاسِ، نَالَتْهُ عَوَالِينَا
فَاسْتَبهِلِ الحَرْبَ مِنْ حَرّانَ مُطَّرِدٍ ... حتَّى تَظَلّ على الكَفّينِ مَرْهُونَا
وَإنّ فينا صَبُوحاً إن أَرِبْتَ بِهِ ... جَمْعاً بهيّاً، وآلافاً ثَمَانِينَا
وَرَجْلَةً يَضْرِبُونَ البِيضَ عن عُرُضٍ ... ضرباً تَواصَآ بِهِ الأبْطَالُ سِجّينَا
وَمقرباتٍ عناجيجاً مُطهَّمةً، ... مِن آلِ أَعْوَجَ مَلْحوفاً وملْبونَا
إذا تجَاوبنَ صَعَّدنَ الصَّهيْلَ إلى ... صلبِ الشؤون ولم تصهلْ بَرَاذِينَا
فلا تكُونَّن كالنّازي بِبِطْنَتِهِ، ... بَيْنَ القَرِينَينِ حتى ظَلَّ مَقْرُونَا
كتاب : جمهرة أشعار العرب
المؤلف : أبو زيد القرشي
منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة