منتدى حكماء رحماء الطبى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 7 ]

    avatar
    حكماء
    Admin


    عدد المساهمات : 2700
    تاريخ التسجيل : 30/12/2013

    أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 7 ] Empty أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 7 ]

    مُساهمة من طرف حكماء السبت 27 نوفمبر 2021 - 15:36

    أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 7 ] Eslam_10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة الإسلامية
    أسباب رفع العقوبة عن العبد
    أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 7 ] 1410

    ● متابعة الهامش
    مشكل الآثار للطحاوي - (ج 8 / ص 489)
    باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوابه لمن قال له بعد قوله : « من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة » : وإن زنى ، وإن سرق ؟ وبقوله له : « وإن زنى ، وإن سرق »
    3366 - حدثنا أبو أمية ، وفهد ، قالا : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : حدثنا زيد بن وهب ، قال : حدثنا والله أبو ذر بالربذة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فأخبرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله عز وجل شيئا دخل الجنة » قلت : يا رسول الله ، وإن زنى وإن سرق ؟ قال : « وإن زنى ، وإن سرق »
    3367 - وحدثنا أبو أمية ، وفهد ، قالا : حدثنا عمر بن حفص ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، قال : حدثني أبو صالح ، عن أبي الدرداء نحوه ، قال : قلت : يا رسول الله ، وإن زنى وإن سرق ؟ قال : « وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي الدرداء » وحدثنا أبو أمية وفهد ، قالا : حدثنا عمر بن حفص ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : قلت لزيد بن وهب ، يعني لما حدثه الحديث الذي ذكرناه في أول هذا الباب أنه بلغني أنه أبو الدرداء ، فقال : أشهد لحدثنيه أبو ذر بالربذة وحدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود ح وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قالا : حدثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن حماد ، عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر ، قال حماد : ما بيني وبين أبي ذر غيره ، قال : « انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو الغرقد ، وانطلقت معه ، ثم ذكر مثل الحديث الأول سواء حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، عن حاتم بن أبي صغيرة ، قال : حدثنا حبيب بن أبي ثابت ، أن أبا سليمان الجهني حدثه ، قال : حدثني أبو ذر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، وعبيد الله بن موسى العبسي ، قالا : حدثنا مهدي بن ميمون ، عن واصل الأحدب ، عن المعرور بن سويد ، عن أبي ذر ، ثم ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، غير أنه قال : » أتاني آت من ربي عز وجل « ولم يذكر جبريل صلى الله عليه وسلم
    3368 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا الحسن بن موسى الأشيب ، قال : حدثنا شيبان يعني النحوي ، عن منصور بن المعتمر ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن سلمة بن نعيم وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من لقي الله عز وجل لا يشرك به شيئا ، دخل الجنة وإن زنى وإن سرق »
    3369 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أبو عمر الحوضي ، قال : حدثنا مرجى بن رجاء ، عن محمد بن الزبير ، عن رجاء بن حيوة ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « قال جبريل عليه السلام : » من قال : لا إله إلا الله ، دخل الجنة « قال : قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : » وإن زنى وإن سرق «
    3370 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، قال : حدثنا أبو المليح ، عن يزيد بن يزيد ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : « ولمن خاف مقام ربه جنتان ( سورة : الرحمن آية رقم : 46) ، قال : يا رسول الله : وإن زنى وإن سرق ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي هريرة «
    3371 - وحدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى القطان ، قال : حدثنا نعيم بن حكيم ، قال : حدثني أبو مريم ، قال : سمعت أبا الدرداء يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « من شهد أن لا إله إلا الله ، أو مات لا يشرك بالله عز وجل شيئا ، دخل الجنة ، أو لم يدخل النار » قال : قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : « وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي الدرداء »
    3372 - حدثنا أبو أمية ، قال حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا أبو عمران ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبيه أبي موسى أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه ، فقال : « أبشروا وبشروا من وراءكم ، أنه من قال : لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة » فخرجوا يبشرون الناس ، فلقيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبشروه ، فردهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « من ردكم ؟ » فقالوا : ردنا عمر ، فقال : « لم رددتهم يا عمر ؟ » قال : إذا يتكل ( الاتكال : الاعتماد على رحمة الله والتكاسل في العمل) الناس يا رسول الله « وفيما ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الباب ما يغني عن الكلام في هذا الباب غير أنا نأتي في هذا الباب بمعنى فيه توكيد ما جئنا به في ذلك الباب إن شاء الله وهو أنه إذا كان من قال : » لا إله إلا الله « قد قالها عارفا بما يجب على أهلها ، فقد قالها وهو عارف بمقام الله عز وجل وبما يرجوه أهلها عند خوفهم خلافه والخروج عن أمره ، وفي ذلك ما يدل على أن حال الزنى وحال السرقة اللذين كانا منه قد زال عنهما إلى ضدهما على ما قد ذكرنا في ذلك الباب الأول ، ودل على ذلك أيضا ما في حديث أبي موسى الذي ذكرناه في هذا الباب أنه من قال : لا إله إلا الله صادقا بها وكان معنى قوله : » صادقا بها « والله أعلم أي : موفيا لها حقها ، وقد ذكرنا في هذا الباب أيضا حديث يزيد بن الأصم عن أبي هريرة : ولمن خاف مقام ربه جنتان (سورة : الرحمن آية رقم : 46) ، وقد كان الباب الأول أولى به ، فذهب عنا ذكره هناك ، فذكرناه هاهنا ؛ لأن البابين جميعا من جنس واحد وقد سأل سائل عن معنى قول الله : فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( سورة : الفرقان آية رقم : 70) ، ما قيل في ذلك ؟ فكان جوابنا له في ذلك والله عز وجل نسأله التوفيق أن الذي وجدناه عن المتقدمين فيه :
    3373 - ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( سورة : الفرقان آية رقم : 70) ، قال : « الإيمان مكان الكفر » والذي وجدناه مما يقوله أهل العربية فيه أن ذلك على الحذف ، وأنه بمعنى : أولئك الذين يبدل الله مكان سيئاتهم حسنات ، فحذف ، كمثل قوله عز وجل : واسأل القرية التي كنا فيها ( سورة : يوسف آية رقم : 82) ، بمعنى : واسأل أهل القرية التي كنا فيها ، فحذف ذكر أهل القرية ، وهم المرادون ، والله أعلم ، وبه التوفيق
    وفي تأويل مختلف الحديث - (ج 1 / ص 49)
    قالوا: حديثان متناقضان، قالوا: رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ثم رويتم أنه قال: من قال لا غله إلا الله فهو في الجنة وإن زنى وإن سرق. وفي هذا تناقض واختلاف.
    قال أبو محمد: ونحن نقول: إنه ليس ههنا بنعمة الله تناقض ولا اختلاف لأن الإيمان في اللغة التصديق يقول الله تعالى: " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " أي بمصدق لنا ومنه قول الناس ما أومن بشيء مما تقول أي ما أصدق به. والموصوف بالإيمان ثلاثة نفر رجل صدق بلسانه دون قلبه كالمنافقين فيقول قد آمن كما قال الله تعالى في المنافقين: " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا " وقال: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى " ثم قال: " من آمن منهم بالله واليوم الآخر " لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولو كان أراد بالذين آمنوا ههنا المسلمين لم يقل: " من آمن بالله واليوم الآخر " لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وإنما أراد المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم والذين هادوا والنصارى ولا نقول له مؤمن كما أنا لا نقول للمنافقين مؤمنون وإن قلنا قد آمنوا لأن إيمانهم لم يكن عن عقد ولا نية وكذلك نقول لعاصي الأنبياء صلى الله عليهم وسلم عصى وغوى ولا نقول عاص ولا غاو لأن ذنبه لم يكن عن إرهاص ولا عقد كذنوب أعداء الله عز وجل.
    ورجل صدق بلسانه وقلبه مع تدنس بالذنوب وتقصير في الطاعات من غير إصرار فنقول: قد آمن وهو مؤمن ما تناهى عن الكبائر فإذا لا بسها لم يكن في حال الملابسة مؤمناً يريد مستكمل الإيمان. ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن يريد في وقته ذلك لأنه قبل ذلك الوقت غير مصر فهو مؤمن وبهد ذلك الوقت غير مصر فهو مؤمن تائب ومما يزيد في وضوح هذا الحديث الآخر إذا زنى سلب الإيمان فإن تاب ألبسه.
    ورجل صدق بلسانه وقلبه وأدى الفرائض واجتنب الكبائر فذلك المؤمن حفاً المستكمل شرائط الإيمان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه يريد ليس بمستكمل الإيمان وقال: لم يؤمن من لم يأمن المسلمون من لسانه ويده أي ليس بمستكمل الإيمان وقال: لم يؤمن ن بات شبعان وبات جاره طاوياً أي لم يستكمل الإيمان. وهذا شبيه بقوله: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه يريد لا كمال وضوء ولا فضيلة وضوء. وكذلك قول عمر رضي الله عنه: لا إيمان لمن لم يحج. يريد لا كمال إيمان والناس يقولون فلان لا عقل له. يريدون ليس هو مستكمل العقل ولا دين له أي ليس بمستكمل الدين.
    وأما قوله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله فهو في الجنة وإن زنى وإن سرق فإنه لا يخلو من وجهين أحدهما أن يكون قاله على العاقبة يريد أن عاقبة أمره إلى الجنة وإن عذب بالزنا والسرقة. والآخر أن تلحقه رحمة الله تعالى وشفاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فيصير إلى الجنة بشهادة أن لا إله إلا الله. حدثني إسحق بن إبراهيم ابن حبيب بن الشهيد عن أبيه عن جده عن الحسن أنه قال: لا إله إلا الله ثمن الجنة. وحدثني محمد بن يحيى القطعي قال: أنا عمر بن علي عن موسى ابن المسيب الثقفي قال: سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث عن المعرور بن سويد عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول ربكم ابن آدم إنك إن تأتني بقراب الأرض خطيئة بعد أن لا تشرك بي شيئاً جعلت لك قرابها مغفرة ولا أبالي. وحدثني أبو مسعود الدرامي هو من ولد خراش قال: حدثني جدي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكثر لعلكم ترون أن شفاعتي للمتقين لا ولكنها للمتلطخين بالذنوب.

    O متابعة المتن
    ( الثَّالِثُ ) : أَنَّ قَوْلَهُ لِأَهْلِ بَدْرٍ وَنَحْوِهِمْ : { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ }(1)

    __________
    (1) - صحيح البخارى برقم(3007 ) وصحيح مسلم برقم( 6557)عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - يَقُولُ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ « انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ ، فَخُذُوهُ مِنْهَا » . فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِى الْكِتَابَ . فَقَالَتْ مَا مَعِى مِنْ كِتَابٍ . فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ . فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا حَاطِبُ ، مَا هَذَا » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لاَ تَعْجَلْ عَلَىَّ ، إِنِّى كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِى قُرَيْشٍ ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ ، يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِى ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِى ، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَقَدْ صَدَقَكُمْ » . قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِى أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ . قَالَ « إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ».
    العقاص : جمع عقيصة أو عقصة وهى الضفائر
    وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 492)
    قَوْله : ( اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ )كَذَا فِي مُعْظَم الطُّرُق ، وَعِنْد الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيق مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة " فَإِنِّي غَافِر لَكُمْ " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " غَفَرْت " أَيْ أَغْفِر ، عَلَى طَرِيق التَّعْبِير عَنْ الْآتِي بِالْوَاقِعِ مُبَالَغَة فِي تَحَقُّقه . وَفِي " مَغَازِي اِبْن عَائِذ " مِنْ مُرْسَل عُرْوَة " اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَسَأَغْفِرُ لَكُمْ " وَالْمُرَاد غُفْرَان ذُنُوبهمْ فِي الْآخِرَة ، وَإِلَّا فَلَوْ وَجَبَ عَلَى أَحَدهمْ حَدّ مَثَلًا لَمْ يَسْقُط فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : لَيْسَ هَذَا عَلَى الِاسْتِقْبَال ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَاضِي ، تَقْدِيره اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ أَيّ عَمَل كَانَ لَكُمْ فَقَدْ غُفِرَ ، قَالَ : لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمُسْتَقْبَلِ كَانَ جَوَابه فَسَأَغْفِرُ لَكُمْ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ إِطْلَاقًا فِي الذُّنُوب وَلَا يَصِحّ ، وَيُبْطِلهُ أَنَّ الْقَوْم خَافُوا مِنْ الْعُقُوبَة بَعْد حَتَّى كَانَ عُمَر يَقُول : يَا حُذَيْفَة ، بِاَللَّهِ هَلْ أَنَا مِنْهُمْ ؟ وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيّ بِأَنَّ " اِعْمَلُوا " صِيغَة أَمْر وَهِيَ مَوْضُوعَة لِلِاسْتِقْبَالِ ، وَلَمْ تَضَع الْعَرَب صِيغَة الْأَمْر لِلْمَاضِي لَا بِقَرِينَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا لِأَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْإِنْشَاء وَالِابْتِدَاء ، وَقَوْله " اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ " يُحْمَل عَلَى طَلَب الْفِعْل ، وَلَا يَصِحّ أَنْ يَكُون بِمَعْنَى الْمَاضِي ، وَلَا يُمْكِن أَنْ يُحْمَل عَلَى الْإِيجَاب فَتَعَيَّنَ لِلْإِبَاحَةِ . قَالَ : وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ هَذَا الْخِطَاب خِطَاب إِكْرَام وَتَشْرِيف ، تَضَمَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ حَصَلَتْ لَهُمْ حَالَة غُفِرَتْ بِهَا ذُنُوبهمْ السَّالِفَة ، وَتَأَهَّلُوا أَنْ يُغْفَر لَهُمْ مَا يُسْتَأْنَف مِنْ الذُّنُوب اللَّاحِقَة ، وَلَا يَلْزَم مِنْ وُجُود الصَّلَاحِيَّة لِلشَّيْءِ وُقُوعه . وَقَدْ أَظْهَرَ اللَّه صِدْق رَسُوله فِي كُلّ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا عَلَى أَعْمَال أَهْل الْجَنَّة إِلَى أَنْ فَارَقُوا الدُّنْيَا ، وَلَوْ قُدِّرَ صُدُور شَيْء مِنْ أَحَدهمْ لَبَادَرَ إِلَى التَّوْبَة وَلَازَمَ الطَّرِيق الْمُثْلَى . وَيَعْلَم ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالهمْ بِالْقَطْعِ مَنْ اِطَّلَعَ عَلَى سِيَرهمْ اِنْتَهَى . وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ " أَيْ ذُنُوبكُمْ تَقَع مَغْفُورَة ، لَا أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ لَا يَصْدُر مِنْهُمْ ذَنْب . وَقَدْ شَهِدَ مِسْطَح بَدْرًا وَوَقَعَ فِي حَقّ عَائِشَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير سُورَة النُّور ، فَكَأَنَّ اللَّه لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْهِ بَشَّرَهُمْ عَلَى لِسَان نَبِيّه أَنَّهُمْ مَغْفُور لَهُمْ وَلَوْ وَقَعَ مِنْهُمْ مَا وَقَعَ .

    O متابعة المتن
    إنْ حُمِلَ عَلَى الصَّغَائِرِ أَوْ عَلَى الْمَغْفِرَةِ مَعَ التَّوْبَةِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ .
    فَكَمَا لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْكُفْرِ لِمَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ لَا يُغْفَرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ(1) لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مُجَرَّدِ الصَّغَائِرِ الْمُكَفَّرَةِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ .
    ( الرَّابِعُ ) : أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ أَنَّ « أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلاَةُ فَإِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ كَامِلَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْمَلَهَا قَالَ لِلْمَلاَئِكَةِ انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِى مِنْ تَطَوُّعٍ فَأَكْمِلُوا بِهَا مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ ثُمَّ الزَّكَاةُ ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ »(2).
    وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ النَّقْصَ الْمُكَمِّلَ لَا يَكُونُ لِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ ؛ فَإِنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى جبران وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبِّ الْمَتْرُوكِ وَالْمَفْعُولِ ،فَعُلِمَ أَنَّهُ يَكْمُلُ نَقْصُ الْفَرَائِضِ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ .
    وَهَذَا لَا يُنَافِي مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ النَّافِلَةَ حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ مَعَ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُعَارِضًا لِلْأَوَّلِ لَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ وَأَشْهَرُ (3)

    __________
    (1) - وفي مسند أحمد برقم(18304)عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ لَمَّا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى قَلْبِى الإِسْلاَمَ - قَالَ - أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- لِيُبَايِعَنِى فَبَسَطَ يَدَهُ إِلَىَّ فَقُلْتُ لاَ أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى تَغْفِرَ لِى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِى. قَالَ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ » وهو حديث صحيح.
    وفي سنن ابن ماجه برقم(4391 ) عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ » وهو صحيح لغيره.
    (2) - مسند أحمد برقم(17417) وسنن الترمذى برقم(415 ) وهو صحيح
    وفي تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 451)
    " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ " بِالرَّفْعِ عَلَى نِيَابَةِ الْفَاعِلِ
    " يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ " أَيْ الْمَفْرُوضَةُ . قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : إِنَّ أَوَّلَ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ . فَحَدِيثُ الْبَابِ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَحَدِيثُ الصَّحِيحِ مَحْمُولٌ عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ . فَإِنْ قِيلَ : فَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ مُحَاسَبَةُ الْعِبَادِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ أَوْ مُحَاسَبَتُهُمْ عَلَى حُقُوقِهِمْ ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ وَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَقَعُ أَوَّلًا الْمُحَاسَبَةُ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ حُقُوقِ الْعِبَادِ اِنْتَهَى . وَقِيلَ الْأَوَّلُ مِنْ تَرْكِ الْعِبَادَاتِ وَالثَّانِي مِنْ فِعْلِ السَّيِّئَاتِ
    وفي شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 4 / ص 265)
    وهذا بالنسبة لحق الله عز وجل فإن صلحت فقد أفلح ونجح وإلا فعلى العكس خاب وخسر والعياذ بالله أما بالنسبة لحقوق الآدميين فأول ما يقضى بين الناس في الدماء لأنها أعظم الحقوق الدماء يعني القتل ثم يأتي بقية المحاسبة على ما يبقى ولكن الله عز وجل إذا حاسب العبد على الصلاة وصحت أفلح ونجح وإلا خاب وخسر ثم يحمد الله عز وجل أن ينظر في أعماله هل له نوافل فإنها تكمل بها الفرائض ولهذا كان من فضل الله ورحمته ونعمته وإحسانه أن شرع لنا النوافل خلف الصلوات وقبلها وفي كل وقت إلا الأوقات المنهي عنها وذلك لأن الإنسان لابد أن يكون في صلاته خلل فيكمل بهذه النوافل فالظهر له أربع ركعات قبلها بتسليمين وركعتان بعدها وصلاة العصر ليس لها راتبه لكن لها سنة مطلقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة صلاة المغرب لها راتبة بعدها ركعتان وسنة مطلقة قبلها صلاة العشاء بعدها ركعتان الفجر قبلها ركعتان صلاة الليل صلاة الوتر صلاة الضحى كل هذه النوافل يزداد بها أجر المصلي ويكمل بها النقص الذي حصل في الفريضة وهذه من نعمة الله عز وجل نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته
    (3) - وفي مجموع الفتاوى - (ج 2 / ص 225)
    وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ } . فالمتقربون إلَى اللَّهِ بِالْفَرَائِضِ : هُمْ الْأَبْرَارُ الْمُقْتَصِدُونَ أَصْحَابُ الْيَمِينِ والمتقربون إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ الَّتِي يُحِبُّهَا بَعْدَ الْفَرَائِضِ . هُمْ السَّابِقُونَ الْمُقَرَّبُونَ وَإِنَّمَا تَكُونُ النَّوَافِلُ بَعْدَ الْفَرَائِضِ . وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِيقُ فِي وَصِيَّتِهِ لِعُمَرِ ابْنِ الْخَطَّابِ : اعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيْك حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ وَحَقًّا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّافِلَةَ حَتَّى تُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ . والاتحادية يَزْعُمُونَ أَنَّ قُرْبَ النَّوَافِلِ : يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ عَيْنُ الْحَقِّ عَيْنَ أَعْضَائِهِ وَأَنَّ قُرْبَ الْفَرَائِضِ : يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَيْنَ وُجُودِهِ كُلِّهِ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ بَلْ كُفْرٌ صَرِيحٌ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَإِذَا كَانَ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ آخِرُ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ فِي الدُّنْيَا فَلَيْسَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَفْضَلَ الْأَوْلِيَاءِ وَلَا أَكْمَلَهُمْ بَلْ أَفْضَلُهُمْ وَأَكْمَلُهُمْ سَابِقُوهُمْ الَّذِينَ هُمْ أَخَصُّ بِأَفْضَلِ الرُّسُلِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ كُلَّمَا كَانَ الْوَلِيُّ أَعْظَمَ اخْتِصَاصًا بِالرَّسُولِ وَأَخْذًا عَنْهُ وَمُوَافَقَةً لَهُ : كَانَ أَفْضَلَ إذْ الْوَلِيُّ لَا يَكُونُ وَلِيًّا لِلَّهِ إلَّا بِمُتَابَعَةِ الرَّسُولِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ؛ فَعَلَى قَدْرِ الْمُتَابَعَةِ لِلرَّسُولِ : يَكُونُ قَدْرُ الْوِلَايَةِ لِلَّهِ .

    O متابعة المتن
    ،وَهَذَا غَرِيبٌ رَفْعُهُ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ فِي وَصِيَّةِ أَبِي بَكْر لِعُمَرِ(1)

    __________
    (1) - السُّنَّةُ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّالِ >> جَامِعُ أَمْرِ الْخِلَافَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ >> برقم(345 ) عَنْ زُبَيْدٍ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْتَخْلِفُهُ ، فَقَالَ النَّاسُ : " تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا عُمَرَ فَظًّا غَلِيظًا ، فَلَوْ قَدْ وَلِيَنَا كَانَ أَفَظَّ وَأَغْلَظَ ، فَمَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا لَقِيتَهُ ، وَقَدِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عُمَرَ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : " أَبِرَبِّي تُخَوِّفُونِي ؟ أَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ " ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ ، فَقَالَ : إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ ، إِنْ أَنْتَ حَفِظْتَهَا ، إِنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ ، وَإِنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ ، وَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ ، وَإِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا الْحَقَّ ، وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ ، وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ لَا يُوضَعُ فِيهِ إِلَّا الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا ، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا ، وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ ، وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ أَنْ لَا يُوضَعَ فِيهِ إِلَّا الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِأَصْلَحَ مَا عَمِلُوا ، وَأَنَّهُ يَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَيَقُولُ قَائِلٌ : لَا أَبْلَغُ هَؤُلَاءِ ، وَذَكَرَ أَهْلَ النَّارِ بِأَسْوَأِ الَّذِي عَمِلُوا ، وَأَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِمْ صَالِحَ مَا عَمِلُوا ، فَيَقُولُ الْقَائِلُ : أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ ، وَذَكَرَ آيَةَ الرَّحْمَةِ وَآيَةَ الْعَذَابِ ، لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُ رَاغِبًا زَاهِدًا ، وَلَا يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ غَيْرَهُ ، وَلَا يُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ ، فَإِنْ أَنْتَ حَفِظْتَ وَصِيَّتِي لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ ، وَلَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ ، وَإِنْ أَنْتَ ضَيَّعْتَ وَصِيَّتِي لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَبْغَضَ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ ، وَلَنْ تُعْجِزَهُ " * وهو صحيح غيره
    وفي مجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 38)
    وَسُئِلَ : عَنْ الْعَمَلِ الَّذِي لِلَّهِ بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ ، وَالْعَمَلِ الَّذِي بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ.
    فَأَجَابَ :
    وَأَمَّا عَمَلُ النَّهَارِ الَّذِي لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ بِاللَّيْلِ ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ الَّذِي لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ بِالنَّهَارِ : فَهُمَا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، لَا يَحِلُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُؤَخِّرَهُمَا إلَى اللَّيْلِ ؛ بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ } . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ } . فَأَمَّا مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا } . وَأَمَّا مَنْ فَوَّتَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَصِحُّ فِعْلُهَا قَضَاءً أَصْلًا ، وَمَعَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ لَا تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْوَاجِبِ ، وَلَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ مِنْهُ بِحَيْثُ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الْعِقَابُ ، وَيَسْتَوْجِبُ الثَّوَابَ ؛ بَلْ يُخَفِّفُ عَنْهُ الْعَذَابَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ الْقَضَاءِ ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ التَّفْوِيتِ ، وَهُوَ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى مُسْقِطٍ آخَرَ ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَيْهِ حَقَّانِ : فَعَلَ أَحَدَهُمَا ، وَتَرَكَ الْآخَرَ . قَالَ تَعَالَى : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ } { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } وَتَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا مِنْ السَّهْوِ عَنْهَا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَقَالَ تَعَالَى : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ إضَاعَتُهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا ، فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْوَيْلَ لِمَنْ أَضَاعَهَا وَإِنْ صَلَّاهَا ، وَمَنْ كَانَ لَهُ الْوَيْلُ لَمْ يَكُنْ قَدْ يُقْبَلُ عَمَلُهُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ذُنُوبٌ أُخَرُ . فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ فِي نَفْسِ الْعَمَلِ لَمْ يُتَقَبَّلْ ذَلِكَ الْعَمَلُ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : فِي وَصِيَّتِهِ لِعُمَرِ : وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ ، وَحَقًّا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّافِلَةَ حَتَّى تُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
    وفي فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 5794)
    أما قول الصديق رضي الله عنه: إن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدي الفريضة . فالمقصود أن الإنسان لا يثاب على النافلة حتى تؤدى الفريضة، بمعنى أنه إذا فعل النافلة مع نقص الفريضة كانت جبراً لها وإكمالا فلم يكن فيها ثواب النافلة، ويبين ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن وجدت تامة كتبت تامة، وإن كان انتقض منها شيئا قال انظروا هل تجدوا له من تطوع، فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك . رواه النسائي عن أبي هريرة وصححه الألباني . ولهذا قال بعض السلف النافلة لاتكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وغيره يحتاج للمغفرة. قال ابن تيمية: فإذا لم يكن العبد قد أدى الفرائض كما أمر لم يحصل له مقصود النوافل ولا يظلمه الله فإن الله لا يظلم مثقال ذرة بل يقيمها مقام نظيرها من الفرائض كمن عليه ديون لأناس ويريد أن يتطوع لهم بأشياء، فإن وفاهم وتطوع لهم كان عادلاً محسناً، وإن وفاهم ولم يتطوع كان عادلا، وإن أعطاهم ما يقوم مقام دينهم وجعل ذلك تطوعا كان غالطا في جعله، بل يكون من الواجب الذي يستحقونه . اهـ. ومما سبق يتبين أن المقصود من قول أبي بكر ليس ترك النوافل حتى إتمام الفرائض الفائتة، وإنما المقصود عدم تحصيل الثواب المرجو من النافلة إلا إذا أدى الفريضة كاملة كما شرعها الله وإلا جبرت النقص الواقع في الفريضة.

    O متابعة المتن
    ؛ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَحْمَد فِي " رِسَالَتِهِ فِي الصَّلَاةِ " . وَذَلِكَ لِأَنَّ قَبُولَ النَّافِلَةِ يُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ عَلَيْهَا . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى النَّافِلَةِ حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ ،فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ النَّافِلَةَ مَعَ نَقْصِ الْفَرِيضَةِ كَانَتْ جَبْرًا لَهَا وَإِكْمَالًا لَهَا . فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَوَابُ نَافِلَةٍ ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : النَّافِلَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1)، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَغَيْرُهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَغْفِرَةِ (2)

    __________
    (1) - لقوله تعالى :{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (79) سورة الإسراء
    (2) - صحيح البخارى -برقم(4837 )عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ « أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا » .
    فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 110)
    قَالَ اِبْن بَطَّال : فِي هَذَا الْحَدِيث أَخَذَ الْإِنْسَان عَلَى نَفْسه بِالشِّدَّةِ فِي الْعِبَادَة وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهِ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمه بِمَا سَبَقَ لَهُ فَكَيْف بِمَنْ لَمْ يَعْلَم بِذَلِكَ فَضْلًا عَمَّنْ لَمْ يَأْمَن أَنَّهُ اِسْتَحَقَّ النَّار . اِنْتَهَى . وَمَحَلّ ذَلِكَ مَا إِذَا لَمْ يُفْضِ إِلَى الْمَلَال ، لِأَنَّ حَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ أَكْمَلَ الْأَحْوَال ، فَكَانَ لَا يَمَلّ مِنْ عِبَادَة رَبّه وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهِ ، بَلْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَ " وَجُعِلَتْ قُرَّة عَيْنِي فِي الصَّلَاة " كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث أَنَس ، فَأَمَّا غَيْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا خَشِيَ الْمَلَل لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْرِه نَفْسه ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خُذُوا مِنْ الْأَعْمَال مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّه لَا يَمَلّ حَتَّى تَمَلُّوا " . وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة لِلشُّكْرِ ، وَفِيهِ أَنَّ الشُّكْر يَكُون بِالْعَمَلِ كَمَا يَكُون بِاللِّسَانِ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ( اِعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا ) وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : ظَنَّ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ سَبَب تَحَمُّله الْمَشَقَّة فِي الْعِبَادَة أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْبُد اللَّه خَوْفًا مِنْ الذُّنُوب وَطَلَبًا لِلْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَة فَمَنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ غُفِرَ لَهُ لَا يَحْتَاج إِلَى ذَلِكَ ، فَأَفَادَهُمْ أَنَّ هُنَاكَ طَرِيقًا آخَر لِلْعِبَادَةِ وَهُوَ الشُّكْر عَلَى الْمَغْفِرَة وَإِيصَال النِّعْمَة لِمَنْ لَا يَسْتَحِقّ عَلَيْهِ فِيهَا شَيْئًا فَيَتَعَيَّن كَثْرَة الشُّكْر عَلَى ذَلِكَ ، وَالشُّكْر الِاعْتِرَاف بِالنِّعْمَةِ وَالْقِيَام بِالْخِدْمَةِ ، فَمَنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ سُمِّيَ شَكُورًا ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ سُبْحَانه وَتَعَالَى ( وَقَلِيل مِنْ عِبَادِي الشَّكُور ) . وَفِيهِ مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ الِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة وَالْخَشْيَة مِنْ رَبّه ، قَالَ الْعُلَمَاء : إِنَّمَا أَلْزَم الْأَنْبِيَاء أَنْفُسهمْ بِشِدَّةِ الْخَوْف لِعِلْمِهِمْ بِعَظِيمِ نِعْمَة اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُ اِبْتَدَأَهُمْ بِهَا قَبْل اِسْتِحْقَاقهَا . فَبَذَلُوا مَجْهُودهمْ فِي عِبَادَته لِيُؤَدُّوا بَعْض شُكْره ، مَعَ أَنَّ حُقُوق اللَّه أَعْظَم مِنْ أَنْ يَقُوم بِهَا الْعِبَاد . وَاَللَّه أَعْلَم .
    وفي تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 450)
    قَالَ اِبْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ : أَيْ اُتْرُكْ تِلْكَ الْكُلْفَةَ نَظَرًا إِلَى الْمَغْفِرَةِ فَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ، لَا بَلْ أَلْزَمُهَا وَإِنْ غُفِرَ لِي لِأَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا . ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ : الْفَاءُ مُسَبَّبٌ عَنْ مَحْذُوفٍ أَيْ أَأَتْرُكُ قِيَامِي وَتَهَجُّدِي لِمَا غُفِرَ لِي فَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ، يَعْنِي أَنَّ غُفْرَانَ اللَّهِ إِيَّايَ سَبَبٌ لِأَنْ أَقُومَ وَأَتَهَجَّدَ شُكْرًا لَهُ فَكَيْفَ أَتْرُكُهُ .

    O متابعة المتن
    . وَتَأَوَّلَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (79) سورة الإسراء ، وَلَيْسَ إذَا فَعَلَ نَافِلَةً وَضَيَّعَ فَرِيضَةً تَقُومُ النَّافِلَةُ مَقَامَ الْفَرِيضَةِ مُطْلَقًا؛ بَلْ قَدْ تَكُونُ عُقُوبَتُهُ عَلَى تَرْكِ الْفَرِيضَةِ أَعْظَمَ مِنْ ثَوَابِ النَّافِلَةِ .
    فَإِنْ قِيلَ : الْعَبْدُ إذَا نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (1). فَلَوْ كَانَ لَهَا بَدَلٌ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ .
    قِيلَ : هَذَا خَطَأٌ .
    فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُقَالُ فِي جَمِيعِ مُسْقِطَاتِ الْعِقَابِ .
    فَيُقَالُ : إذَا كَانَ الْعَبْدُ يُمْكِنُهُ رَفْعُ الْعُقُوبَةِ بِالتَّوْبَةِ لَمْ يَنْهَ عَنْ الْفِعْلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَبْدَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ الْمَأْمُورَ وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ (2)؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ سَبَبٌ لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ وَإِنْ جَازَ مَعَ إخْلَالِهِ أَنْ يَرْتَفِعَ الْعِقَابُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَمِيَ مِنْ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَ تَنَاوُلِهِ لَهَا يُمْكِنُ رَفْعُ ضَرَرِهَا بِأَسْبَابِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ .
    وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ رَحِيمٌ - أَمَرَهُمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا يُفْسِدُهُمْ ثُمَّ إذَا وَقَعُوا فِي أَسْبَابِ الْهَلَاكِ لَمْ يؤيسهم مِنْ رَحْمَتِهِ (3)

    __________
    (1) - صحيح مسلم برقم(1601 ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلاَةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى ».
    وفي شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 487)
    فِيهِ : وُجُوب قَضَاء الْفَرِيضَة الْفَائِتَة سَوَاء تَرَكَهَا بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَنِسْيَان أَوْ بِغَيْرِ عُذْر ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ فِي الْحَدِيث بِالنِّسْيَانِ لِخُرُوجِهِ عَلَى سَبَب ، لِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْقَضَاء عَلَى الْمَعْذُور فَغَيْره أَوْلَى بِالْوُجُوبِ ، وَهُوَ مِنْ بَاب التَّنْبِيه بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى . وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) فَمَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب ؛ فَإِنَّهُ يَجُوز تَأْخِير قَضَاء الْفَائِتَة بِعُذْرٍ عَلَى الصَّحِيح ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه وَدَلِيله . وَشَذَّ بَعْض أَهْل الظَّاهِر فَقَالَ : لَا يَجِب قَضَاء الْفَائِتَة بِغَيْرِ عُذْر ، وَزَعَمَ أَنَّهَا أَعْظَم مِنْ أَنْ يَخْرُج مِنْ وَبَال مَعْصِيَتهَا بِالْقَضَاءِ ، وَهَذَا خَطَأ مِنْ قَائِله وَجَهَالَة . وَاللَّهُ أَعْلَم . وَفِيهِ دَلِيل لِقَضَاءِ السُّنَن الرَّاتِبَة إِذَا فَاتَتْ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْخِلَاف فِي ذَلِكَ .
    (2) - صحيح مسلم برقم(6259 ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قَالاَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ...».
    (3) - قال تعالى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) }[الزمر/53-55]
    وفي ظلال القرآن - (ج 6 / ص 240) وفي ظلال القرآن - (ج 1 / ص 410)
    إنها الرحمة الواسعة التي تسع كل معصية . كائنة ما كانت وإنها الدعوة للأوبة . دعوة العصاة المسرفين الشاردين المبعدين في تيه الضلال . دعوتهم إلى الأمل والرجاء والثقة بعفو الله . إن الله رحيم بعباده . وهو يعلم ضعفهم وعجزهم . ويعلم العوامل المسلطة عليهم من داخل كيانهم ومن خارجه . ويعلم أن الشيطان يقعد لهم كل مرصد . ويأخذ عليهم كل طريق . ويجلب عليهم بخيله ورجله . وأنه جاد كل الجد في عمله الخبيث ! ويعلم أن بناء هذا المخلوق الإنساني بناء واه . وأنه مسكين سرعان ما يسقط إذا أفلت من يده الحبل الذي يربطه والعروة التي تشده . وأن ما ركب في كيانه من وظائف ومن ميول ومن شهوات سرعان ما ينحرف عن التوازن فيشط به هنا أو هناك ; ويوقعه في المعصية وهو ضعيف عن الاحتفاظ بالتوازن السليم . .
    يعلم الله - سبحانه - عن هذا المخلوق كل هذا فيمد له في العون ; ويوسع له في الرحمة ; ولا يأخذه بمعصيته حتى يهيىء له جميع الوسائل ليصلح خطأه ويقيم خطاه على الصراط . وبعد أن يلج في المعصية , ويسرف في الذنب , ويحسب أنه قد طرد وانتهى أمره , ولم يعد يقبل ولا يستقبل . في هذه اللحظة لحظة اليأس والقنوط , يسمع نداء الرحمة الندي اللطيف:
    قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . إن الله يغفر الذنوب جميعاً . إنه هو الغفور الرحيم . .
    وليس بينه - وقد أسرف في المعصية , ولج في الذنب , وأبق عن الحمى , وشرد عن الطريق - ليس بينه وبين الرحمة الندية الرخية , وظلالها السمحة المحيية . ليس بينه وبين هذا كله إلا التوبة . التوبة وحدها . الأوبة إلى الباب المفتوح الذي ليس عليه بواب يمنع , والذي لا يحتاج من يلج فيه إلى استئذان:
    (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون . واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) . .
    الإنابة . والإسلام . والعودة إلى أفياء الطاعة وظلال الاستسلام . . هذا هو كل شيء . بلا طقوس ولا مراسم ولا حواجز ولا وسطاء ولا شفعاء !

    أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 7 ] Fasel10

    كتاب : أسباب رفع العقوبة عن العبد
    المؤلف : شيخ الإسلام ابن تيمية
    منتدى ميراث الرسول - البوابة
    أسباب رفع العقوبة عن العبد [ 7 ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 24 نوفمبر 2024 - 9:20