بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم مكتبة الفقة الإسلامي المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل المجلد الثاني ● [ كتاب الشهادات ] ●
● مدخل كتاب الشهادات تحمل الشهادة في المال وكل حق لآدمي فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين وإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه وإن كان عبدا لم يجز لسيده منعه. وأداؤها فرض عين على من يحملها متى دعى إليه وقدر عليه بلا ضرر نص عليه وقيل هو فرض كفاية أيضا. ولا يجوز أحد الجعل على تحملها ولا على أدائها وقيل يجوز إذا لم تتعين وقيل يجوز فيه بشرط الحاجة. ويجوز لمن عنده شهادة بحد الله تعالى إقامتها وتركها وللحاكم أن يعرض له بالتوقف عنها وقيل لا يجوز. __________ كرهه لم ترد شهادته ومن حرمه قال إن دوام عليه ردت شهادته كسائر الصغائر وإن لم يداوم عليه لم ترد شهادته وإن فعله من يعتقد حله فقياس المذهب أن لا ترد شهادته بما لا يشتهر به منه كسائر المختلف فيه من الفروع ومن كان يغشى بيوت الغناء أو يغشاه المغنون للسماع متظاهرا بذلك وكثر منه ردت شهادته في قولهم جميعا لأنه سفه ودناءة. قال ابن عقيل فإن قلنا إنه يحرم على الرواية الأخرى ردت شهادته ولو بدفعة واحدة. قال في المغني وإن كان مستترا به فهو كالمغني لنفسه على ما ذكر من التفصيل انتهى كلامه. فظهر أن المستتر بأحد هذه الأشياء هل ترد شهادته فيه خلاف في المذهب في المستتر بالغناء إن قلنا بتحريمه لم ترد شهادته مرة واحدة في المشهور.
O متابعة المتن ومن عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يقمها حتى يسأله وإن لم يعلمها فالأولى أن يعلمه بها ابتداء فإن أقامها قبل إعلامه جاز ولا يحل كتمانها بالكلية ويستحب الإشهاد على البيع وكل عقد سوى النكاح والرجعة ففي وجوبه فيهما خلاف سبق. ولا يجوز للشاهد أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع فالرؤية تخص الأفعال كالقتل والغصب والسرقة والرضاع والولادة ونحو ذلك. والسماع ضربان سماع من المشهود عليه كالطلاق والعتاق والإبراء والعقود وحكم الحاكم والأقارير وغيرها فيلزمه أن يشهد به على من سمعه وإن لم يشهده لاختفائه أو مع العلم به وعنه في سماع الحكم والأقارير لا يجوز حتى يشهده على نفسه وعنه يجبر في ذلك وعنه إن أقر بحق في الحال كقوله له على كذا شهد به وإن أقر بسابقه فقط كقوله أقرضني فكان له على أو كان له علي __________ وإن قلنا بعدم تحريمه فهل ترد أم لا أم إن قلنا بكراهته ردت وإن قلنا بإباحته لم ترد فيه ثلاثة أقوال والقول المفتى به1. ● فصل إذا قصد تعليم الحمام حمل الكتب مما تدعو الحاجة إليه أو استفراخها أو الأنس بأصواتها من غير أذى جاز. وقد روى عن عبادة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكى إليه الوحشة فقال:. "اتخذ زوجا من حمام" . وإن قصد المراهنة أو أخذ حمام غيره ونحوه حرم وإن كان عبثا ولعبا فهو دناءة وسفه. __________ 1 كذا في الأصل
O متابعة المتن وقضيته إذا جعلناها إقرارا ونحوه لم يشهد به حتى يشهده به وهذا أصح. وعلى الأولى إذا قال المتحاسبان لا يشهدوا علينا بما يجري بيننا لم يمنع ذلك الشهادة ولزم إقامتها وعنه يمنع وسماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا بدونها كالموت والنسب والملك المطلق والنكاح والوقف ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزل وكذلك الخلع والطلاق نص عليه. ولا يشهد بالاستفاضة إلا عن عدد يقع العلم بخبرهم في ظاهر كلام أحمد والخرقي وقال القاضي يكفي عدلان فصاعدا والأصح أنه متى وثق بمن أخبره وسكنت نفسه إليه فليشهد وإلا فلا. ومن رأى شيئا في يد إنسان مدة طويلة يتصرف فيه تصرف الملاك من نقض وبناء وإجارة وإعارة جاز أن يشهد له بالملك وقيلا لا يشهد إلا باليد والتصرف. وإذا شهدا على رجل أنه طلق من نسائه أو أعتق من إمائه أو أبطل من وصاياه واحدة بعينها وقالا أنسينا عينها لم تقبل هذه الشهادة وقيل تقبل. ومن شهد بالنكاح فلا بد من ذكر شروطه. __________ قال الإمام أحمد من لعب بالحمام الطيارة يراهن عليها أو يسرحها من المواضع لعبا وفي لفظ أو يسيرها في المزارع فلا يكون هذا عدلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسرح حماما ثم أتبعه بصره فقال "شيطان يتبع شيطانة" وهذا الحديث في السنن. فصل قد تقدم أن اللعب إذا لم يتضمن ضررا ولا شغلا عن فرض وليس فيه دناءة لا ترد به الشهادة.
O متابعة المتن ومن شهد برضاع أو سرقة أو زنا أو شرب أو قذف أو قتل فإنه يصفه ويذكر ما يعتبر للحكم ويختلف به وهل يعتبر في وصف الزنا ذكر الزمان والمكان والمزنى بها على وجهين. وإذا قال من شهد بقتل جرحه فقتله أو مات من ذلك أو لم يزل ضمنا حتى مات ونحوه صح وإن قال جرحه فمات لم يحكم به. ومن شهد لرجل أن هذا الغزل من قطنه والطير من بيضه أو الدقيق من حنطته حكم له بذلك. وإذا شهد لمن ادعي إرث ميت شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثا سواه حكم له بتركته إن كانا من أهل الخبرة الباطنة وإلا ففي الاستكشاف معها وجهان ولا يجب أخذ كفيل في ذلك بحال. وإن قالا لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد فكذلك وقيل إن كان قد سافر عنه يوقف الحاكم حتى يكشف خبره في بلاد سفره. __________ قال الشيخ تقي الدين قول النبي صلى الله عليه وسلم "كل لهو يلهو به فهو باطل إلا رمية بقوس وتأديب فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق" يدل في معني الثلاثة ما كان من جنسهن فإن ملاعبة السرية كملاعبة المرأة سواء. وأما تأديب الفرس فقريب منه تأديب البعير لأن كلاهما يشتركان في الإيجاف والسباق ولهذا أسهم للبعير في إحدى الروايتين إذا كان للقتال لا للحمولة فقط كما كانت زمن بدر. فأما تأديب الحمولة من البغال والحمير والإبل فهل لها نصيب من تأديب الموجفة في القتال؟. وكذلك رميه بقوسه في معناه عمله برمحه وسيفه فإنه صلى الله عليه وسلم
● باب شروط من تقبل شهادته وهي في ظاهر المذهب ستة العقل والحفظ والعدالة والإسلام إلا حيث نذكره والبلوغ والنطق. فلا تقبل شهادة مجنون ولا معتوه ولا مغفل ولا من يعرف بكثرة الغلط والسهو وتقبل ممن يخنق أحيانا في حال إفاقته ولا تقبل شهادة غير العدل. ويعتبر للعدالة شيئان الصلاح في الدين والمروءة فالصلاح في الدين أداء __________ "أقر الحبشة في المسجد يوم العيد على اللعب بالحراب" وقد قال الإمام أحمد في العمل بالرمح والقوس إنه أفضل من الصلاة في الثغر وأما في غير الثغر فسوى بينهما ولأنه سبحانه وتعالى قال: [60:8] {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} يتناول كلما يستطاع من القوة فيدخل فيه ما يرمى به وما يضرب به وما يطعن به سواء كان المرمى به سهما أو حربة وسواء كان السهم منفردا أو جاريا في مجري وسواء كان يؤثر باليد أو بالرجل الذي يسمى الجرخ. وكذلك المضروب به يدخل فيه ما يقتل بحده كالسيف والخنجر والسكين وما يقتل بثقله كاللت وما يقتل بهما كالدبوس فأما قوله صلى الله عليه وسلم "ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي" فقد أراد به القوة الكاملة وهذا كثيرا ما يكون لحصر الكمال لا لحصر أصل الاسم كقوله تعالى: [15:30] {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} وقوله صلى الله عليه وسلم ."ولكن المسكين الذي لا يجد غناء يغنيه" ونحو ذلك وذلك لأن الرمى يصيب العدو البعيد مع الحائل من نهر ونحوه ويدفع العدو عن الإقدام ففيه ثلاثة فوائد لا توجد في غيره من السلاح انتهى كلامه.
O متابعة المتن الفرائض وسننها الراتبة وتجنب المحارم بأن لا يأتى كبيرة ولا يدمن على صغيره وفي رد الشهادة بالكذبة الواحدة روايتان وقيل العدل من لم تظهر منه ريبة. ولا تقبل شهادة من فسقه لبدعة كمن يعتقد مذهب الرافضة أو الجهمية أو المعتزلة تقليدا ويتخرج أن تقبل إذا لم يتدين بالشهادة لموافقة على مخالفة. ولا تقبل شهادة القاذف حتى يتوب سواء حد أو لم يحد. __________ قوله: "ولا تقبل شهادة القاذف حتى يتوب سواء حد أو لم يحد". أطلق جماعة من الأصحاب أن شهادة القاذف لا تقبل منهم الشيخ في الكافي وقاسه على الزنا. وقال في المغني وعندنا تسقط شهادته بالقذف إذا لم يحققه وعند أبي حنيفة ومالك لا تسقط إلا بالجلد ثم احتج بالآية وقال رتب على رمي المحصنات ثلاثة أشياء إيجاب الجلد ورد الشهادة والفسق فيجب أن يثبت رد الشهادة بوجود الرمي الذي لا يمكنه تحقيقه بالجلد ولأن الرمي هو المعصية والذنب الذي يستحق به العقوبة وتثبت به المعصية الموجبة لرد شهادته والحد كفارة وتطهير فلا يجوز تعليق رد الشهادة به وإنما الجلد ورد الشهادة حكمان للقذف فيثبتان جميعا به وتخلف استيفاء أحدهما لا يمنع ثبوت الآخر. وقولهم إنما يتحقق بالجلد لا يصح لأن الجلد حكم القذف الذي تعذر تحقيقه فلا يستوفى قبل تحقق القذف وكيف يجوز أن يستوفى قبل تحقق القذف وكيف يجوز أن يستوفى حتى قبل تحقق سببه ويصير مستحقا بعده هذا باطل انتهى كلامه. وقالت الحنفية الزاني ونحوه يفسق بنفس الفعل الموجب للحد والقاذف لا يفسق بنفس القذف لجواز أن يكون صادقا. وقال القاضي إذا عجز عن تصديق نفسه بإقامة البينة صار فاسقا وسقطت شهادته. وقولهم يجوز أن يكون صادقا في قذفه غير صحيح لأنه إذا عجز عن إقامة البينة حكمنا بكذبه ألا ترى أنه يوجب الحد عليه ولا يجوز أن نوجب الحد عليه ولم نحكم بكذبه. قال الشيخ تقي الدين عن كلام القاضي هذا وهذا الكلام يقتضي أنه يفسق حين يجب عليه الحد وذلك يستدعي مطالبة المقذوف وقالت الحنفية الحاكم لو شاهد رجلا يزني أو يسرق يحكم بفسقه ولم يقبل شهادته ولو رآه يقذف لم يحكم بفسقه لجواز كونه صادقا قال القاضي إذا عجز عن إقامة البينة حكم بفسقه. وقال أبو الخطاب في الانتصار ولا فرق بينهما ولأنه لم يذكر شهادته بصورة الزنا والسرقة لجواز الشبهة فإن انكشف له الحال بأنه زنى بانتفاء الشبهة رد حينئذ كالقذف سواء إذا عجز عن إقامة البينة على صدقه وشهادته وحكم بفسقه وحده ولا فرق بينهما. وقال القاضي بعد ذلك لا يحكم بكذبه بنفس القذف وإنما يحكم بالقذف والعجز عن تصديقه بالبينة وذلك متأخر عن حال القذف بدليل قوله تعالى: [13:24] {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} فحكم بكذبهم بالعجز عن الإيتاء بالشهادة1. ثم قال فإن قيل فيجب أن تقبل شهادته قبل عجزه عن إقامة البينة لأنه لم يحكم بكذبه قيل إنما لم تقبل شهادته قبل ذلك لأن القذف سبب في القدح في العدالة فأكسب ذلك شبهة في قبولها كطعن الخصم في الشهود. __________ 1 بهامش الأصل: الذي في النكت عن شيخ السلامية: عن الإتيان بالشهادة قال الشيخ تقي الدين هذا يدل على أنه يتوقف عن القبول1 بعد القذف وقبل العجز ثم قال واحتج بأنه يجوز أن يأتي بالبينة قبل وقوع2 الحد عليه فلا يتبين عجزه عن إقامة البينة قبل وقوع الحد عليه فيجب أن تقبل شهادته. والجواب أن هذا التجويز لم يمنع من إقامة الحد عليه كذلك لا يمنع من رد الشهادة لأن الحد لا يجوز استيفاؤه إلا بعد ثبوت سببه كسائر الحدود فلما جاز استيفاؤه في هذا الحال وجب الحكم بفسقه ورد شهادته. قال الشيخ تقي الدين فقد تحرر أن القاذف له ثلاثة أحوال أحدها أن لا تطلب منه البينة الثاني أن تطلب منه فيعجز الثالث أن تطلب منه فيذهب ليأتي بها وهنا يتوجه أن ينظر ثلاثة أيام فمن عجز فهو فاسق ومتى ذهب ليأتي بها فهو بمنزلة المطعون فيه وإن لم يطالب بالحد ولا بالبينة فهنا على مقتضى كلام القاضي لم تزل عدالته وهو ظاهر القرآن ويحتمل كلامه الثاني أن يكون مطعونا فيه وعلى عموم كلامهم في أن القذف يوجب الفسق لا تقبل شهادته انتهى كلامه. وكلام أبي الخطاب المذكور يقتضى أن الحكم بالفسق ورد الشهادة والحد يتعلق بالعجز عن إقامة البينة وأن ما كان ثابتا من قبول الشهادة وغيره يستصحب إلى حين العجز ولم أجده ذكر في بحث المسألة ما ينافيه بخلاف القاضي فصار فيما إذا طلبت منه البينة فذهب ليأتي بها أو لم تطلب منه ثلاثة أقوال الثالث تقبل إذا لم يطالب بها وفي المسألة أيضا قول غريب. قال القاضي في العدة فأما أبو بكرة ومن جلد معه فلا يرد خبرهم لأنهم جاءوا مجيء الشهادة وليس بصريح في القذف وقد اختلفوا في وجوب الحد فيما __________ 1 بهامش الأصل: "على القبول" 2 بهامش الأصل: "إقامة الحد"
O متابعة المتن يسوغ في الاجتهاد ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد ولأن نقصان العدد من معنى وجهة غيره فلا يكون سببا في رد شهادته انتهى كلامه. ويوجه بأنه أحد نوعي القذف فاستوت فيه الشهادة والرواية في القبول كالنوع الآخر فإن القاذف في الشتم لا تقبل شهادته ولا روايته حتى يتوب وحكي هذا عن الشافعي. قال الشيخ تقي الدين عقيب كلام القاضي المذكور مضمون هذا الكلام أنه يقبل خبره وشهادته وهو خلاف المشهور والمحفوظ عن عمر في قوله لأبي بكرة "تب أقبل شهادتك" ولكن الناس قبلوا رواية أبي بكرة فيجوز أن ترد شهادته كما لو جلد ويقبل خبره كالمتأول في شرب النبيذ ونحو ذلك ولأن الخبر لا يرد بالتهمة التي ترد بها الشهادة من قرابة أو صداقة أو عداوة أو نحو ذلك أو لاشتراك المخبر والمخبر فيه بخلاف الشهادة انتهى. ● فصل وقوله: "حتى يتوب". يعني إذا تاب قبلت شهادته جلد أو لم يجلد وقال أيضا في رواية عبد الله حدثنا عبد الصمد حدثنا سليمان يعني ابن كثير حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب "أن عمر حين ضرب أبا بكرة ونافعا وشبلا1 استتابهم وقال من تاب منكم قبلت شهادته". __________ 1 نافع بن علقمة قال ابن السكن: سكن الشام، ولم يزد على ذلك. وقال ابن عبد البر: سمع النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن حديثه مرسل.اهـ. وشبل بن معبد أخو أبي بكر لأمه.روى أبو عثمان النهدي قال: "شهد أبو بكر ونافع –يعني ابن علقمة- وشبل بن معبد على المغيرة: أنهم نظروا إليه كما ينظرون المرور في المحكمة: فجاء زياد فقال عمر: جاء رجل لا يشهد إلا بحق. فقال: رأيت مجلساً قبيحاً ونهزا. فجلدهم عمر". وقال في رواية ابن منصور في المحدودين إذا تابوا جازت شهادتهم. وقال حرب قال الإمام أحمد في القاذف إذا تاب قبلت شهادته. وكذا نقل عنه جماعة منهم صالح وزاد أذهب إلى قول عمر بن الخطاب وقال له بكر بن محمد تعتمد على حديث عمر في قوله لأبي بكرة إن تبت قبلت شهادتك قال نعم وقول الله تعالى: [5:24] {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} . وقال في رواية حنبل إذا تاب ورجع جازت شهادته على فعل عمر وإلا لم تقبل كذا قال الله تعالى: [4:24] {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} ثم قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فإذا تاب قبلت شهادته. وقال في رواية حرب شهادة القاذف إذا تاب قبلت شهادته حد أو لم يحد وكذلك كل محدود تقبل شهادته إذا كان عدلا قيل للإمام أحمد جلد أو لم يجلد قال نعم فذهب إلى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا تقبل وتقبل في رؤية الهلال على ما ذكره القاضي عنه. وتقبل شهادة الذمي إذا حد بالقذف ثم أسلم واعتذر عن رؤية الهلال بأنه خبر وليس بشهادة فقال القاضي لو لم تكن شهادة لم يعتبر فيها العدد وقد قال أبو حنيفة إذا لم تكن في السماء علة اعتبر فيه عدد كثير وكذلك يعتبر فيها مجلس الحكم. قال الشيخ تقي الدين وهذا من القاضي يقتضي أن شهادة الواحد عند غير الحاكم لا تؤثر وقد ذكرت اعتبار اللفظ في موضعه انتهى كلامه. واعتذر الحنفي عن الذمي بأنه اجتلب بإسلامه عدالة لم يبطلها حد القذف بخلاف المسلم فإنه أبطل عدالته بحده في القذف فلم يستفد بتوبته عدالة لم تكن فلهذا لم تقبل شهادته فقال أبو الخطاب لا فرق بينهما فإن الذمي كان عدلا
O متابعة المتن وتوبته إكذابه نفسه. __________ في دينه لا سيما عندهم وعلى رواية لنا بأن شهادة بعضهم على بعض مقبولة وولايته على بنيه ثابتة فأبطل عدالته بالقذف والحد ثم استحدث عدالة بالإسلام ومثله المسلم أبطل عدالته ثم بالتوبة استحدث عدالة أخرى ثم تبطل في المسلم إذا زنى وسرق وشرب وحد فإنه قد أبطل عدالته وإذا تاب قبلت شهادته وإن لم تتجدد عدالة بإسلامه على زعمهم ثم يجب أن يعلل بهذا في رد شهادته في رؤية الهلال وأخبار الديانات وولايته على أولاده في أموالهم وقد قال يصح منه جميع ذلك انتهى كلامه. قوله: "وتوبته إكذابه نفسه". قال القاضي فيقول كذبت فيما قلت وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد توبة القاذف أن يكذب نفسه وإن كان صادقا ورجحه بعضهم قال الإمام أحمد في رواية المروزي وحرب وابن منصور ويعقوب وصالح توبة القاذف أن يكذب نفسه وقال في رواية الميموني توبته عندي أن ينزع عن القذف ويكذب نفسه وحديث عمر رضي الله عنه يدل على هذا وقال في رواية الحارث وقد قيل له عن القاذف ماتوبته قال يكذب نفسه يقول إني قد قذفت فلانا وإني قد تبت من قذفي إياه قلت وإن كان قد شهد وقد رآه يزني يتوب من حق قد شهد به قال ماأدري هذه توبة القاذف قال وإنما أذهب إلى حديث أبي بكرة. وقال في رواية حنبل لا تقبل شهادته حتى يقول إني تائب لأن أبا بكرة قال له عمر "إن تبت قبلت شهادتك". وقال في رواية حنبل أيضا يكذب نفسه ويرجع عن قوله ويتوب ليس بالتوبة خفاء وقال أبو طالب سمعت أحمد قال وتوبة القاذف أن يقوم فيكذب نفسه ويقول إني تائب مما قلت. وقال أيضا في رواية أبي طالب وقد سأله عن توبة القاذف قال توبته إذا رجع فقال قد رجعت وتاب وأعلن مثل قول عمر لأبي بكرة "إن تبت قبلت شهادتك". وقال مهنا قال أحمد تجوز شهادة المحدود في القذف إذا عرفت توبته يقول إني قد رجعت عما كنت قلت في فلان لا بد من هذا. وقال له مهنا في موضع آخر لا بد من أن يتكلم به قال لا بد أن يتكلم به وإلا من أين تعلم بتوبته فقد روى عن ابن المسيب عن عمر مرفوعا توبته إكذاب نفسه ولأن إكذاب نفسه يزيل تلوث عرض المقذوف الحاصل بقذفه فتكون التوبة به وبه قال مالك وهو منصوص الشافعي. وقيل إن علم صدق نفسه فتوبته أن يقول قد ندمت على ما قلت ولا أعود إلى مثله وأنا تائب إلى الله تعالى منه لأن المقصود يحصل بذلك ولأن الندم توبة وإنما اعتبر القول ليعلم تحقق الندم. وتتمة هذا القول وإن لم يعلم صدق نفسه فتوبته إكذاب نفسه سواء كان القذف بشهادة أو سب لأن قد يكون كاذبا في الشهادة صادقا في السب وهذا معنى ما اختاره في المغني وقطع به في الكافي وقيل إن كان سبا فالتوبة إكذاب نفسه وإن كان شهادة فبأن يقول القذف حرام باطل ولست أعود إلى ما قلت قال القاضي وهو المذهب لأنه قد يكون صادقا فلا يؤمر بالذنب1 وقطع به في المستوعب إلا أنه قال يقول ندمت على ما __________ 1 بهامش الأصل: الذي في نكت ابن شيخ السلامية: "فلا يؤمر بالكذب" كان مني ولا أعود إلى ما أتهم فيه ولا يقول ولا أعود إلى مثل ما كان مني لأن في ذلك أن لا يشهد. وقال الشيخ تقي الدين ويتوجه أن يحمل قوله إذا أكذب نفسه على الشهادة بالقذف كقضية أبي بكرة. ● فرع وتقبل شهادة القاذف بمجرد التوبة في ظاهر كلام الإمام أحمد وقطع به في المستوعب وغيره وقدمه في الكافي وهو المشهور وقطع به ابن هبيرة عن الإمام أحمد ويحتمل أن يعتبر مضي مدة يعلم توبته فيها. وذكر في الرعاية أنه إن كان شهادة قبل بمجرد التوبة وإن كان شتما وقذفا فيعد إصلاح العمل سنة وذكر ابن هبيرة عن مالك أنه يعتبر ظهور أفعال الخير من غير حد وعن الشافعي أنه قدره بسنة. وقال القاضي في بحث المسألة على أن في الآية ما يمنع رجوعه إلى مايليه وهو زوال تتمة الفسق من وجوه. أحدها أنه لو عاد إلى زوال تتمة الفسق لم يشترط فيه صلاح العمل ولكان يقتصر على قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} لأن الفسق يرتفع بمجرد التوبة وإنما قبول الشهادة يشترط فيه صلاح العمل فثبت أن الاستثناء عاد إليه1. واحتجوا للمسألة بما رواه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى: [5،4:24] {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "إذا قال بعد ضربه أستغفر الله وأتوب إليه من قذف المحصنات حين يفرغ من ضربه ولم يعلم منه بعد إلا خيرا قبلت شهادته". __________ 1 بهامش الأصل: "عائد إليه" ثم إن القاضي ذكر بعد ذلك المسألة بخلاف ذلك وقال إن شهادته تقبل بمجرد التوبة لأنا قد حكمنا بصحة التوبة في الباطن فلم نعتبر في قبول الشهادة إصلاح العمل كالتوبة عن الردة. وقال الشيخ تقي الدين عند قوله إن القاذف تقبل شهادته إذا تاب معناه التوبة الصحيحة التي يعلم صحتها وذلك لا يكون إلا بعد سنة وصلاح العمل المذكور في القرآن إنما هو لتصحيح التوبة وسقوط العقوبة لا يستلزم قبول الشهادة فإن العقوبة تسقط بالشهادات وبالدخول في أوائل الخير وعلى هذا فلا فرق بين التوبة من الردة وغيرها وقوله -يعني القاضي- "قد حكمت بصحة التوبة في الباطن" فيه نظر ونصوص أحمد تخالف ذلك فإنه إن أراد أنه هو الذي حكم بذلك فقد يصدق وأما نحن فلم نحكم بصحتها في الباطن. قال القاضي ولأن القذف على ضربين قذف بلفظ الشتم كقوله زنيت وأنت زان وقذف بلفظ الشهادة المردودة ثم إذا كان بلفظ الشهادة المردودة قبلت شهادته بمجرد التوبة كما دل عليه حديث عمر فكذلك إذا كان بلفظ الشتم قال ولأنه يقبل خبره بمجرد التوبة ولا يعتبر فيه صلاح العمل كذلك في باب الشهادة واستشهد بآية الفرقان والبقرة وفي كلاهما نظر قاله الشيخ تقي الدين. قال القاضي ولأن التوبة الباطنة بحكم بصحتها في الحال وهو إذا وجد التركي والندم والعزم على الخروج من المظلمة أو يكون فيما بينه وبين الله تائبا ولا يشترط فيها صلاح العمل كذلك التوبة الحكمية بعلة أنها إحدى التوبتين. فقد ظهر من ذلك أن لنا في قبول شهادة القاذف بمجرد التوبة خمسة أقوال. والمعروف في المذهب أن التوبة من الردة ليست كغيرها كما أن المعروف الحكم بصحة التوبة في الباطن.
O متابعة المتن وإذا تاب الفاسق قبلت شهادته بمجرد توبته وعنه يعتبر معها في غير القاذف إصلاح العمل سنة. __________ وظاهر كلام بعضهم التسوية بين قبول الخبر والشهادة بمجرد التوبة وعدمه خلاف ما صرح به القاضي فتكون المسألة على وجهين. ● فرع رجل حلف بالطلاق أنه رأى شخصا يزني فهل تطلق امرأته. ينبغي أن يقال إن علم كذب نفسه طلقت باطنا وظاهرا وإن علم صدق نفسه طلقت في الحكم. قوله: "وإذا تاب الفاسق قبلت شهادته بمجرد توبته". هذا هو الراجح في المذهب لما تقدم وقوله عليه الصلاة والسلام: "التوبة تجب ما قبلها" رواه مسلم وعن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه عن النبي صلى الله عليه وسلم."التائب من الذنب كمن لا ذنب له" إسناده ثقات رواه ابن ماجة وغيره. قوله: "وعنه يعتبر معها في غير القاذف إصلاح العمل". سنة لما تقدم لأن فيها يتبين صلاحه لاختلاف الأهوية وتغير الطباع وعن الشافعي كالروايتين وقيل إن فسخ بفعل وإلا فلا يعتبر فيه إصلاح ذلك. وقيل يعتبر مضى مدة يعلم فيها حالة بذلك. وذكر القاضي في موضع أن التائب من البدعة يعتبر له مضى سنة لحديث صبيغ "أن عمر رضي الله عنه لما ضربه أمر بهجرانه حتى بلغته توبته فأمر أن لا يكلم إلا بعد سنة" رواه الإمام أحمد رضي الله عنه. وروى المروزي عن أحمد أنه قال لا يكلم التائب عن البدعة إلا بعد أن يأتي عليه سنة كما أمر عمر بن الخطاب أن لا نكلم صبيغ إلا بعد سنة وقال من علامة توبته في هذه السنة أن ينظر إليه فان كان يوالي من عاداه على بدعته ويعادي من والاه فهذه توبة صحيحة واختار القاضي في موضع أن التائب من البدعة كغيره في أنه لا يعتبر إصلاح العمل وقال عن هذا النص محمول على طريق الاختيار الإحتياط وقال وقد قال الإمام أحمد في رواية يعقوب في رجل من الشكاك أظهر التوبة فقال يتوب فيما بينه وبين الله وبجانب أهل مقالته حتى يعرف الناس أنه تائب قال وظاهر هذا أنه لم يجعل مجانبته شرطا في صحة توبته وإنما جعلها ليكون ذلك دلالة على توبته عند من عرف ذلك منه ولم يشترط معنى زائدا على ذلك وهذا اختياره في المغني قال والصحيح أن التوبة من البدعة كغيرها إلا أن تكون التوبة بفعل يشبه الإكراه كتوبة صبيغ فتعتبر له مدة تظهر أن توبته عن إخلاص لا عن إكراه. وقال الشيخ تقي الدين من تأمل كلام أحمد وجده إنما يعتبر في جميع المواضع التوبة لكن نحن لا نعلم صدقه في توبته بمجرد قوله قد تبت فلا بد من انكفافه عن ذلك الذنب وعلاماته سنة ليكون هذا دليلا لنا على صدق توبته فيما بينه وبين الله وبجانب أهل مقالته حتى يعرف الناس أنه تائب فجعل التوبة فيما بينه وبين الله صحيحه في الحال وأما عند الناس فيترك مواضع الذنب وهو مجانبة أصحاب الذنب وقول القاضي إنما أمر بذلك ليكون دليلا على توبته عند من عرف ذلك منه ضعيف لأن المجانبة لأهل المقالة المبتدعة واجبة وإنما أمر به لأن ملازمته دليل على القيام بموجب التوبة ولأنه قال حتى يعرف الناس منه ذلك وهذا يقتضي معرفة من عرف أنه قد تاب ومن لم يعرف أنه تاب ألا ترى أن المسألة أنه أظهر التوبة فحقيقة
O متابعة المتن ومن أتى شيئا من الفروع المختلف فيها كمن تزوج بلا ولي أو شرب من النبيذ مالا يسكره أو أخر زكاة أو حجا مع إمكانهما ونحوه متأولا لم ترد شهادته. __________ التوبة عن إظهار وكذلك قوله من علامة توبته موالاة من عاداه على البدعة ومعاداة من والاه عليها وقال فهذه توبة صحيحة فعلمت أنه لا بد من علامة تدلنا على صحة التوبة وإلا فلو كان مجردالتكلم بالتوبة موجبا لصحتها لم يحتج إلى علامة. ثم ذكر الشيخ تقي الدين كلامه المكتوب في القاذف وذكر ابن عقيل أن المبتدع إذا تاب هل تقبل شهادته أو يعتبر به صلاح العمل قال والقياس قبول شهادته لصحة توبته كما قدمناه في الردة والقذف لكن طرحنا القياس ههنا لأجل الإثم والأثر ثم ذكر رواية المروزي المذكورة لقول عمر لأبي بكرة "إن تبت قبلت شهادتك" وقال مالك لا أعرف هذا قال الشافعي وكيف لا يعرفه وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة وقاله عمر لأبي بكرة. قوله: "ومن أتى شيئا من الفروع المختلف فيها كمن تزوج بلا ولى أو شرب من النبيذ مالا يسكره أو أخر زكاة أو حجا مع إمكانهما ونحوه متأولا لم ترد شهادته". نص عليه الإمام أحمد في رواية صالح وغيره وأنه يحد شارب النبيذ ويصلى خلفه وتقبل شهادته وهذا هو المشهور من المذهب وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في الفروع فلم يكن بعضهم يعيب من خالفه ولا يفسقه. ونقل عنه علي بن الموفق في الصلاة خلف من يشرب النبيذ لا يصلى خلف من يشرب هذا ولا خلف من يجلس إلى من يشرب هذا. قال القاضي وهذا محمول على ما يسكر ويجوز أن يحمل على ظاهره فيخرج روايتان ويشهد لذلك ما قاله في رواية أبي الحارث في إمام يبيع كرمه ممن يتخذه خمرا لا يصلون خلفه. وقال في رواية عبد الله وإبراهيم من استطاع الحج ولم يحج لا تجوز شهادته انتهى كلام القاضي وكذا نقل أبو الحارث. قال القاضي في موضع آخر وهذا مبالغة في الفور لأنه قد أسقط عدالته في الموضع الذي يسوغ فيه الاجتهاد وقال أيضا وظاهر هذا أنه لم يسوغ الاجتهاد في تأخيره أي تأخير الحج. وذكره في المغني قولا واحتج له في المغني يقول عمر "ما هم بمسلمين". وقال ابن أبي موسى الأظهر من قول الإمام أحمد أنه لا تقبل شهادة من شرب النبيذ متأولا ولم يسكر قال في الرعاية لفسقه إذا وهذا قول مالك واختاره الشيخ تقي الدين وقال ترد شهادته لاستحقاقه الهجر والعقوبة كالمبتدع والعلة أنه موجب للحد وهذا لا يتعداه. وقال الإمام أحمد في رواية العباس بن محمد في شارب النبيذ أنا أجيز شهادته ولا أصلي خلفه إن وجدته في الجامع. ولعل "لا" زائدة. ونقل غير واحد عن الإمام أحمد فيمن ترك الوتر متعمدا ساقط العدالة. وقال في رواية سندي قيل له فترى أن يكتب عمن يبيع هذه العينة قال لا يعجبني أن يكتب عن معين وفي اللاعب بالشطرنج خلاف سيأتي. وقال الشيخ تقي الدين في المصرين على ترك الجماعة ترد شهادتهم بل يقاتلون في أحد القولين وهذا عند من لا يقول بوجوبها فأما من قال بوجوبها فإنه يقاتل تاركها ويفسق المصرين على تركها إذا قامت عليهم الحجة التي تبيح القتال والتفسيق كما يقاتل أهل البغي بعد إزالة الشبهة ورفع المظلمة. قوله في المحرر "متأولا". وكذا من قلد متأولا ويدخل في كلامه وكلام غيره من قال يقول عليه الصلاة والسلام. الماء من الماء أو أجاز بيع درهم بدرهمين نقدا. وظاهر كلامه في الرعاية أنه يفسق في هاتين الصورتين اتفاقا وذكر في المستوعب المسألة كما ذكر غيره وقال وذكر ابن أبي موسى أنه لا تقبل شهادة من يقول الماء من الماء ولا من يجوز بيع درهم بدرهمين نقدا وتعليل هذا أنه لضعف الخلاف فيهما وفي هذا نظر وأما لاعتقاد أن فيهما إجماعا بعد اختلاف وأن هذا إجماع صحيح ففيه نظر أيضا. ● فصل قال القاضي على ظهر أجزاء العدة نقلت من المجموع لأبي حفص البرمكي من خط ولده أبي إسحاق عبد الله سمعت أبي يقول لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في المشاع وأهل مكة في المتعة لكان فاسقا. قال القاضي هذا محمول على أحد وجهين إما أن يكون من أهل الاجتهاد ولم يؤده اجتهاده إلى الرخص فهذا فاسق لأنه ترك ما هو الحق عنده واتبع الباطل أو يكون عاميا فأقدم على الرخص من غير تقليد فهذا أيضا فاسق لأنه أخل بفرضه وهو التقليد فأما إن كان عاميا وقلد في ذلك لم يفسق لأنه قلد من يسوغ اجتهاده. قال الشيخ تقي الدين قد فسق العاصي المجتهد إذا عمل برخصة مختلف فيها من غير اجتهاد والعامي إذا عمل بها من غير تقليد ومع هذا فكلام الإمام أحمد إنما هو فيمن يتبع الرخص مطلقا المختلف فيها مع ضعفها وهذا فاسق لأنه يفعل الحرام قطعا انتهى كلامه.
O متابعة المتن وإن اعتقد تحريمه ردت نص عليه. __________ ولم يقل في موضع آخر مع ضعفها انتهى كلامه. وما ذكره القاضي هو ظاهر كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى وقد ذكروا فيمن صلى وترك شرطا أو ركنا ساغ فيه الخلاف من غير تأويل ولا تقليد أنه لا تصح صلاته في أصح الروايات لأن فرضه التقليد وقد تركه والثانية لا إعادة إن طال الزمن والثالثة تصح مطلقا لخفاء طرق هذه المسائل وعلى هذه الرواية يخرج عدم الفسق في مسألتنا. ويوافق كلام القاضي قول ابن عقيل لو شرب النبيذ عامي بغير تقليد لعالم فسق. ووجدت بخط القاضي تقي الدين الزريراني البغدادي الحنبلي الآخذ برخص العلماء هل يفسق أم لا فيه روايتان مثل الآخذ برخص مالك في ترك الشهادة في النكاح والقول بطهارة الكلب والخنزير في حال الحياة وكاستباحة النبيذ على قول النعمان وتزويج ابنته من الزنا على قول الشافعي ونحو ذلك مما ليس له شبهة قوية فأما ما قويت شبهته كمس الذكر في حق المتوضى ء وخروج الدم من بقيه البدن وما أشبه ذلك فلا يفسق وهذا كله في حق العالم فأما العامي فموسع عليه في ذلك انتهى كلامه. فظهر من ذلك أن من فعل مختلفا فيه بغير تأويل ولا تقليد أنه يفسق في المشهور وإن تأول أو قلد إن لم يترخص فلا يفسق وإن تتبع الرخص فهل يفسق أم لا أم يفرق بين ما قوى دليله وما ضعف أم لا يقال بهذه التفرقة في حق العالم فقط أم يفرق بين العامي والعالم مطلقا فيه أقوال. قوله: "وإن اعتقد تحريمه ردت نص عليه وقد تقدم". وقال في رواية الأثرم في المحتجم يصلي ولا يتوضأ فإن كان ممن يتدين بهذا
O متابعة المتن وقيل لا ترد أيضا. __________ فلا وضوء فيه فلا يعيدون وإن كان يعلم أنه لا يجوز يعيدون كلهم. قال القاضي فقد أبطل إمامته مع اعتقاده التحريم وإبطال الإمامة ههنا كإبطال الشهادة لأن العدالة شرط فيها وهذا هو المشهور لأنه فعل يحرم على فاعله فأشبه المتفق على تحريمه. واعتبر في المغني على هذا أن يتكرر ولم أجده في غيره. وذكر في المستوعب في الصلاة أنه يفسق ولهذا قال في الرعاية فسق على الأصح. وقوله في المحرر "وقيل لا ترد أيضا". وهو قول الشافعية لأن لفعله مساغا في الجملة فأشبه المتفق على حله. ونقض على الشافعية بنص الشافعية في المعتاد مع خلاف إبراهيم بن سعيد وعبيد الله بن الحسن وبمن طلق ثلاثا وأمسك امرأته مع خلاف الحسن. فأما اعتقاد استباحة هذا المحرم فلا يسقط الشهادة ذكره القاضي وغيره من الأصحاب محل وفاق. وقد قال عبد الله سئل أبي عن عبد الصمد بن النعمان قال نحن لا نكتب عن عبد الصمد قيل لعبد الله فلم كرهه قال كان يرى العينة. ● فصل هل يجوز أن يشهد العقد الفاسد المختلف فيه ويشهد به؟. ينبغي أن يقال يدخل في كلام الأصحاب فإن كان متأولا أو مقلدا لمتأول جاز وفي بعض المواضع خلاف سبق وإلا لم يجز. وقال الشيخ تقي الدين قال القاضي هل يجوز أن يشهد العقد الفاسد ويشهد به فإن كان ذلك في عقد متفق على فساده كعقد الربا والعقد المشروط فيه الخيار المجهول أو شرط باطل بإجماع لم يجز شهوده ولم تجز الشهادة به فأما إن كان فساده مما يسوغ الاجتهاد فيه فلا يمنع لأنه لا يقطع على فساده نص عليه في رواية أحمد بن صدقة وقد سأله فإن كانوا يشهدون على ربا قال لا يشهدون على ربا إذا علموا. وقال في رواية حرب في الرجل يدعى إلى الشهادة ويظن أنه ربا أو بيع فاسد قال إذا علم ذلك فلا يشهد. وقال في رواية بكر بن محمد عن أبيه في الرجل يفضل بعض ولده يشهد قال لا يشهد قيل له فقد شهد فقال لا تشهد للذي أشهدك ولا لولده. وكذلك نقل إسماعيل بن سعيد لا تشهد على عطية من لم يعدل فيها وكذلك نقل أبو الحارث إذا علمت أنه يريد أن يزوى ميراثه عن ورثته يصيره لبعض دون بعض لا تشهد له بشيء. قال وظاهر هذا يقتضي أنه لا يشهد وإن كان مختلفا فيه لأن تفضيل بعضهم على بعض مختلف فيه واحتج بقوله: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يشهد". ولحديث النعمان بن بشير ولحديث."لعن شاهدا الربا" قال ولأن فعل الفاسد منكر وحضور المنكر منكر. فإن قيل ما رويتموه من الأخبار في أحكام يسوغ فيها الاجتهاد وهو الشهادة في نكاح المحرم وإذا خص بعض أولاده قيل في هذا تنبيه على تحريم ذلك فيما اتفق على فساده وإذا قام الدليل على المختلف فيه خصصناه وبقي تنبيهه على ظاهره. فان قيل فالشاهد لا يلزم بشهادته وإنما ذلك إلى اجتهاد الحاكم. قيل وإن لم يلزم فلا يجوز له أن يحضر المنكر لأن حضوره منكر. فإن قيل فلله حكم في الفاسد كما له حكم في الصحيح فهو ينقل الفساد فينفذه الحاكم؟ قيل فيجب أن يحضر المؤاجر المشاهد بيع الخمر فيشهد بذلك وكذلك دور الفسق لشاهد الزنا فيشهد بذلك لأن لله فيه حكما وهو سقوط ثمن الخمر ومهر الزانية. قال الشيخ تقي الدين الشهادة عليه إعانة على حصوله والإعانة على المحرم محرمة فأما إذاغلب على ظنه أنه يشهد عليه ليبطله فذلك شيء آخر انتهى كلامه. وظاهر قول الشيخ تقي الدين كما تقدم في أول الفصل وعليه ما ذكره القاضي في نص الإمام أحمد. وكذا ما رواه أبو النصر العجلي أنه سمع أبا عبد الله يكره العينة ويكره أن يشهد الرجل على شيء منها هذا إن حملت الكراهة على التحريم وإطلاق القاضي عدم المنع يقتضى جواز الشهادة مطلقا وهو خلاف كلام الإمام أحمد. وقد يقال ما ضعف دليله وكان خلاف خبر واحد لم يشهد فيه وإلا شهد كعطية الأولاد وما في معناها. وقال القاضي سعد الدين الحارثي في شرحه العلم بالتفضيل أو التخصيص يمنع تحمل الشهادة به وأداؤها مطلقا حكاه الأصحاب ونص عليه ثم ذكر النصوص السابقة وأن الإمام أحمد قال في رواية أحمد بن سعيد وإن سأله بما استمع عند قاض يرى ذلك جائزا لم يشهد له به وعلله الحارثي بأنه جور فامتنعت الإعانة عليه وذكر أنه قول إسحاق. ونقل أبو طالب عن الإمام أحمد أنه سئل عن رجل نحل نحلة لابنه ولم يعلم الشهود أن له ابنا غيره ثم علموا بعد أن له غيره فدعاهم إلى الشهادة قال إن لم يشهدوا له أرجو ليس عليهم شيء انتهى كلامه.
● [ لكتاب الشهادات بقية ] ●
كتاب: المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل المؤلف: عبد السلام بن عبد الله ابن تيمية الحراني منتدى ميراث الرسول - البوابة