من طرف حكماء الثلاثاء 30 سبتمبر 2014 - 14:25
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
الفن الرابع: وجوه المعالجات بحسب الأمراض الكلية
سبع فصول فى القيء
● [ الفصل التاسع والفصل العاشر ] ●
أبعد الناس استحقاقاً لأن يقيئه الطبيب، إمّا بسبب الطبيعة كُل ضَيق الصدر رديءِ النفس مهيأ لنفث الدم، وجميع رقيقي الرقاب والمتهيئين لأورام تحدث في حلقومهم، وأما الضعاف المِعدِ والسمان جداً، فإنهم إنما يليق بهم الإسهال، والقضاف أخلق بالقيء لصفراويتهم، وإما بسبب العادة، وكل من تعسّر عليه القيء أو لم يعتده إذا قيئوا بالمقيئات القوية، لم تلبث عروقهم أن تتصدع في أعضاء النفس فيقعون في السل. ومن اْشكل أمره جرّب بالمقيئات الخفيفة، فإن سهل عليه جسر بعد ذلك على استعمال القوية عليه كالخريق ونحوه، فإن كان واحد ممن لا يحب أن يقيأ ولا بُد من تقيئه، فهيئه أولاً وعوِّده وليِّن أغذيته ودسمها وحلّها وروِّحه عن الرياضات، ثم استعمله واسقه الدسومات والأدهان بشراب وأطعمه قبل القذف أغذية جيدة، خصوصاً إن كان صعب القيء، فإنه ربما لم يتقيأ وغلب الطبيعة، فأن ينحل بالجيد خير من أن ينحل بالرديء، فإذا تقيأ بعد طعام أكله للقيء ، فليدافع الأكل إلى أن يشتدّ الجوع ويسكن عطشه بمثل شراب التفاح دون الجلاّب والسكنجبين فإنهما يغنيان. وغذاؤه الملائم له أيضاً فروج كردناج وثلاثة أقداح بعده، ومن قذف حامضاً ولم يكن له بمثله عهد، وكان في نبضه يسير حمى، فليؤخر الغذاء إلى نصف النهار، وليشرب قبله ماء ورد حاراً. ومن عرض له قيء السوداء فليضع على معدته إسفنجة مشربة خلأً حاراً مسخّناً. والأجود أن يكون طعام القيء مختلفاً، فإن الواحد بما اشتملت عليه المعدة ضانة بروده وبعد القيء المفرط ينتفع بالعصافير والنواهض بعد أن لا يؤكل عظام أطرافها، فإنها ثقيلة بطيئة في المعدة، وأدخله الحمام وأما في حال شرب المقيء، فيجب أن يحضروا ويرتاضوا ويتعبوا، ثم يقيئوا وذلك في انتصاف النهار. ويجب عند التقيئة أن يغطي عينيه برفاده، ثم يشدٌ ويعصب بطنه بقماط ليِّن شدُّا معتدلاً. والأشياء المهيئة للقيء هي الجرجير والفجل والطرنج والفودنج الجبلي الطري والبصل والكرّاث وماء الشعير بثفله مع العسل وحسو الباقلا بحلاوة والشراب الحلو واللوز بعسل، وما يشبه ذلك من الخبز الفطير المعمول في الدهن والبطيخ والقثاء وبزورهما، أو شيء من أصولهما منقوعاً في الماء مدقوقاً مع حلاوة والشورباج الفجلي. ومن شرب شراباً مسكراً للقيء ولا يتقيأ على قليله، فليشرب كثيراً. والفقاع إذا شرب بالعسل بعد الحمام، قيّأ وأسهل، ومن أراد أن يتقيأ، فلا يجب أن يستعمل في ذلك القرب المضغ الشديد، فإذا سقى الإنسان مقيئاً قوياً مثل الخربق، فيجب إن يسقى على الريق إن لم يكن مانع، وبعد ساعتين من النهار وبعد إخراج الثفل من المعي، فإن تقيأ بالريشة، وإلا حرك يسيراً، وإلا أدخل الحمام. والريشة التي يتقيأ بها يجب أن تمسح بمثل دهن الحناء، فإن عرض تقطيع وكرب، سقي ماء حاراً أو زيتاً، فإما أن يتقيأ، وإما أن يسهّل. ومما يعين على ذلك تسخين المعدة والأطراف، فإن ذلك يحدث الغثيان، وإذا أسرع الدواء المقيء وأخذ في العمل بسرعة، فيجب أن يسكن المتقيء ويتنشق الروائح الطيبة ويغمز أطرافه ويسقى شيئاً من الخل ويتناول بعده التفاح والسفرجل مع قليل مصطكى.
واعلم أن الحركة تجعل القيء أكثر، والسكون يجعله أقل، والصيف أولى زمان يستعمل فيه القيء، فإن احتاج إليه من لا يواتي القيء سجيته، فالصيف أولى وقت يرخص له فيه في ذلك، وأبعد غايات القيء. أما على سبيل التنقية الأولى فالمعدة وحدها دون المعي. وأما على سبيل التنقية الثانية، فمن الرأس وسائر البدن. وأما الجذب والقلع فمن الأسافل. وأنت تعرف القيء النافع من غير النافع بما يتبعه من الخص والشهوة الجيدة والنبض والتنفس الجيدين، وكذلك حال سائر القوى، ويكون ابتداؤه غثياناً. وأكثر يؤذي معه لذع شديد في المعدة وحرقة أن كان الدواء قوياً مثل الخربق، وما يتّخذ منه، ثم يبتدىء بسيلان لعاب، ثم يتبعه قيء بلغم كثير دفعات، ثم يتبعه في شيء سيال صاف ويكون اللذع والوجع ثابتاً من غير أن يتعدى إلى أعراض أخرى غير الغثيان وكربه، وربما استطلق البطن، ثم يأخذ في الساعة الرابعة يسكن ويميل إلى الراحة. وأما الرديء فإنه لا يحبب القيء ويعظم الكرب ويحدث تمدد أو جحوظ عين وشدة حمرة فيهما شديدة وعرق كثير وانقطاع صوت. ومن عرض له هذا ولم يتداركه صار إلى الموت. وتداركه بالحقنة وسقي العسل والماء الفاتر والأدهان الترياقية كدهن السوسن ويجتهد حتى يقيء فإنه إن قاء لم يختنق، وافزع أيضاً إلى حقنة معدة عندك. وأولى ما يستعمل فيه القيء الأمراض المزمنة العسيرة كالاستسقاء والصرع والمالنخوليا والجذام والنقرس وعرق النسا. والقيء مع منافعه قد يجلب أمراضاً مثل ما يجلب الطرش، ولا يجب أن يوصل به الفصد، بل يؤخر ثلاثة أيام، ولا سيما إذا كان في فم المعدة خلط وكثيراً ما عسر القيء لرقة الخلط، فينبغي حينئذ أن يثخن بتناول سويق حب الرمان. واعلم أن القيام بعد القيء دليل على اندفاع تخمة إلى أسفل، والقذف بعد القيام دليل على أنه من أعراض القيام. وأفضل الأوقات للقيء صيفاً بسبب وجع هو نصف النهار. والقيء نافع للجسد رديء للبصر وينبغي أن لا تقيأ الحبلى، فإن فضول حيضها لا يندفع بذلك القيء، والتعب يوقعها في اضطراب، فيجب أن يسكن، وأما ساتر من يعتريه القيء فيجب أن يعان.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الحادي عشر : فيما يفعله من تقيأ ] ●
فإذا فرغ المتقيء من قيه غسل فمه ووجهه بعد القيء بخل ممزوج بماء ليذهب الثقل الذي ربما يعرض للرأس، وشرب شيئاً من المصطكى بماء التفاح، ويمتنع من،الآكل وعن شرب الماء، ويلزم الراحة، ويدهن شراسيفه، ويدخل الحمام، ويغسل بعجلة، ويخرج، فإن كان لا بد من إطعامه، فشيء لذيذ جيّد الجوهرسريع الهضم.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني عشر : منافع القيء ] ●
إن أبقراط يأمر باستعمال القيء في الشهر يومين متواليين، ليتدارك الثاني ما قصر وتعسر في الأول، ويخرج ما يتحلب إلى المعدة. وأبقراط يضمن معه حفظ الصحة. والإكثار من هذا رديء. ومثل هذا القيء يستفرغ البلغم والمرة وينقي المعدة، فإنها ليس لها ما ينقيها مثل ما للأمعاء من المرار التي تنصبّ إليها، وينقيها ويذهب الثقل العارض في الرأس، ويجلو البصر ويدفع التخمة وينفع من ينصبّ إلى معدته مرار يفسد طعامه، فإذا تقدمه القيء ورد طعامه على نقاء، ويذهب نفور المعدة عن الدسومة، وسقوط شهوتها الصحيحة واشتهاءها الحريف والحامض والعفص، وينفع من ترهل البدن ومن القروح الكائنة في الكلي والمثانة، وهو علاج قوي للجذام ولرداءة اللون وللصرع المعدي ولليرقان ولانتصاب النفس والرعشة والفالج، وهو من العلاجات الجيّدة لأصحاب القوباء.
ويجب أن يستعمل في الشهر مرة أو مرتين على الامتلاء من غير أن يحفظ دور معلوم وعدد أيام معلومة. وأشد موافقة القيء لمن مزاجه الأوّل مراري قصيف.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث عشر : مضارالقيء المفرط ] ●
القيء المفرط يضر المعدة ويضعفها ويجعلها عرضة لتوجه المواد إليها، ويضر بالصدر والبصر والأسنان وبأْوجاع الرأس المزمنة، إلا ما كان منه بمشاركة المعدة، ويضر في صداع الرأس الذي ليس بسبب الأعضاء السفلى.
والإفراط منه يضر بالكبد والرئة والعين، وربما صدع بعض العروق. ومن الناس من يحب أن يمتلىء يسرعة، ثم لا يحتمله فيفزع إلى القيء، وهذا الصنيع مما يؤدي إلى أمراض رديئة مزمنة، فيجب أن يمتنع عن الامتلاء ويعدل طعامه وشرابه.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع عشر: تدارك أحوال تعرض للمتقيء ] ●
أما امتناع القيء، فقد قلنا فيه ما وجب، وأما التمدد والوجع اللذان يعرضان تحت الشراسيف، فينفع منهما التكميد بالماء الحار والادهان المليّنة والمحاجم بالنار، وأما اللذع الشديد الباقي في المعدة فيدفعه شرب المرقة الدسمة السريعة الهضم وتمريخ الموضع بمثل دهن البنفسج مخلوطاً بدهن الخيري مع قليل شمع، وأما الفواق إذا عرض معه ودام، فليسكنه بالتعطيش وتجريع الماء الحار قليلاً قليلاً، وأما قيء الدم فقد قلنا فيه في باب مضار القيء، وأما الكزاز والأمراض الباردة والسبات وانقطاع الصوت العارضة بعده، فينفع فيها شد الأطراف وربطها وتكميد المعدة بزيت قد طبخ فيه السذاب وقثاء الحمار ويسقى عسلاً وماء حاراً والمسبوت يستعمل ذلك ويصبّ في أذنه.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس عشر: تدبير من أفرط عليه القيء ] ●
ينوّم ويجلب له النوم بكل حيلة، وليربط أطرافه كربطها في حبس الإسهال، ولتعالج معدته بالأضمدة المقوية والقابضة، فإن أفرط القيء واندفع إلى أن يستفرغ الدم، فامنعه بسقي اللبن ممزوجاً به الخمر أربع قوطولات ، فإنه يوهن عادية الدواء المقيء ويمنعْ الدم ويلين الطبيعة، فإن أردت أن تنقي نواحي الصدر والمعدة من الدم مع ذلك لئلا ينعقد فيها، فاسقه سكنجبيناً مبرداً بالثلج قليلاً قليلاً، وقد ينفع من ذلك شرب عصارة بقلة الحمقاء مع الطين الأرمني وإذا جرع منه من أفرط عليه دواء قيأه. ويجب أن تطلب الأدوية المقيئة على طبقاتها، وكيف يجب أن يسقى كل واحد منها والخربق خاصة من الأقراباذين ومن الأدوية المفردة.
●[ يتم متابعة : وجوه المعالجات بحسب الأمراض الكلية ]●
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة