من طرف حكماء الأربعاء 24 ديسمبر 2014 - 10:46
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الثالث : الأمراض الجزئية
الفن الثاني : تابع أمراض العصب
● [ فصل في الكزاز والتمدد ] ●
التمدد مرض آلي، يمنع القوة المحركة عن قبض الأعضاء التي من شأنها أن تنقبض لآفة في العضل والعصب، وأما لفظ الكزاز، فقد يستعملونه على معان مختلفة فتارة يقولون كزاز، ويعنون به ما كان بمتدئاً من عضلات الترقوة، فيمددها إلى قدام وإلى خلف، وإما في الجهتين جميعاً. وربما قالوا كزازاً لكل تمدد، وربما قالوا كزازاً للتشنج نفسه، وربما قالوه لتشنج العنق خاصة، وربما عنوا به التمدد الذي يكون من تسخين، أو تمددين من قدام ومن خلف، وربما خصوا باسم الكزاز ما كان من التمدد بسبب برد مجمد. والتمدد بالحقيقة هو ضد التشنج، وداخل في جنس التشنّج دخول الأضداد في جنس واحد، واعتراؤهما إلى سبب واحد يقع وقوعاً متضاداً، إلا أن التشنج يكون إلى جهة واحدة، فإذا اجتمع تشنجان في جهتين متضادتين صاراً تمدداً، يعرض له التشنج من قدام وخلف جميعاً، فيعرض له من الحركتين المتضادتين في أعضاء بدنه أن يتمدد، ولما كان هذا التمدد تشنجاً مضاعفاً، وجب أن يكون أحد من التشنج البسيط، فيكون بحرانه أسرع. وقد يكون هذا المضاعف ليس من تسخين، بل من تمددين، ولا يخلو التشنج في أكثر الأمر من وجع شديد.
وأسباب الكزاز شبيهة بأسباب التشنّج من وجه، مخالفة لها من وجه. أما مشابهتها لها، فلأن الكزاز قد يكون من امتلاء، وقد يكون من يبوسة، وقد يكون لأذى يلحق الأعضاء العصبية، وقد يكون من أورام. وأما مخالفته له، فلأن التشنج في النادر يكون من الريح، والكزاز كثيراً ما يكون عن ريح ممددة، بل الكزاز الذي هو مركب من تشنجين قد يكون كثيراً من الريح إذا استولى على البدن، ويكون مع ذلك علة صعبة، وإن كان التشنج المفرد العارض في عضو واحد من الريح، فلا يكون صعباً، وذلك لأن هذا يكون لاستيلاء الريح على البدن كله، وقد كان التشنج المفرد إذا غلب معه الريح، كان هناك خطر وعلامة موت، فكيف المضاعف.
ويخالف من وجه آخر، وهو أن السبب في التشنج المادي كان يقع في موضع من العصب وقوعاً على هيئة تمنع الانبساط، لأنه يمدد الليف عرضاً أو يقبضه إلى أصله فيشنج. وأما السبب في الكزاز المادي، فإن وقوعه في الخلاف، فإنه إما أن تكون الرطربة الكازة جرت خلال الليف، ثم جمدت وبقيت على الصلابة، فيعسر رجوعها إلى الانقباض، أو تكون وقعت دفعة فملأت الليف من غير أن تختلف نسبتها من نسبة الليف، بل وقعت على امتداد الليف، فعرضت من غير أن نقصت من الطول نقصاناً، لكنها تحفظ الطول بميلها للفرج.
وأما التشنج، فإن المادة الفاعلة له مختلفة الوضع في خلل العصب، غير نافذة فيها نفوذاً متشابهاً ولا نفاذاً كثيراً، ويشبه أن يكون نفوذ مادة الكزاز الذي على هذه الصفة يشبه نفوذ مادة الاسترخاء، إلا أن تلك المادة رقيقة مرخية، وهذه جامدة صلبة لا تدع العضو أن ينعطف وينقبض.
وإما أن تكون المادة في الكزاز لم تقع في واسطة العضلة، أو الوتر، أو العصبة، ولكن في مبدئه، فحفرت العصب، أو الوتر طولاً، فهو لا يقدر على أن ينقبض. وإما أن يكون هناك ورم، وإما أن تكون المادة وقعت خلال الليف وقوعاً، إذا قبضت احتاجت إلى أن يتضاغط لها الليف ويتأذى ويوجع. وإما أن يكون السبب الموجع والمؤذي مادّة، أو غير مادة وقعت في مبادي العضل، أو الأوتار، فهي تهرب عنها طولاً، كما يقع عن نوع من الكزاز عقيب القيء العنيف والاستفراغ الكثير للأذى، لأن الأوتار والعصب تتأذّى عن المعدة.
هذا وإن كان السبب في الكزاز اليبوسة فيكون، لأن العضل لما انتقص عرضاً بانحلال الرطوبات ازداد طولاً وتقبّضت منه المنافذ فتعسّر نفوذ القوة المحرّكة فيها، فضعفت عن نقل الأعضاء إلى التقبّض، وخصوصاً إذا أعان التصلّب الحادث عن الجفاف على العصبات، وأما مثله من التشنّج اليابس فقد ينقص من الطول والعرض جميعاً على سبيل الاستواء، فلذلك كان التشنّج اليابس أردأ من الكزاز اليابس، وكما أن الاسترخاء ربما وقع للقطع، فكذلك التمدّد قد يقع للجراحة إذا عرضت فتأذّت العضل عن الانقباض. والكزاز قد يقع منه شيء عظيم بسبب قوي ومادة قوية كثيرة، وقد يقع على نحو وقوع التشنج لخدر امتلائي يسدّ مسالك الروح، فتبقى الأعضاء الممدودة لا تنقبض كما تبقى الأعضاء المقبوضة لا تمتد إلى أن تجد الروح سبيلاً ومنفذاً، فهو كثيراً ما يكون بعد النوم، لأن الروح منه أذهب إلى الباطن ولما قلنا في التشنّج، وقد يقع لأجل هيئة غير طبيعية شاقة تعرض للعضل فتقلّ قوتها أو تصير وجعة غير محتملة لتحريك، فتبقى على ذلك الشكل كمن مدد بحبل، أو رفع شيئاً ثقيلاً، أو حمل على ظهره حملاً ثقيلاً، أو نام على الأرض، فآذت الأرض عضلاته ورضّتها، أو أصابته سقطة أو ضربة راضة للعضل، أو قطع، أو حرق نار، توجعت لها فهي عاجزة عن الانقباض، وربما كان مع ذلك مادة منصبّة إليها، أو ريح. غليظة متولّدة فيها، أو صائرة إليها تمددها.
وكما أن التشنّج الخاص بأعضاء الوجه، كذلك التمدد إذا لحق الجفن، أو اللسان، أو الشفة وحدها، وقد يقع من الكزاز نوع رديء يبوسي تتقدمه حميّات لازمة مع قلق وبكاء وهذيان، ويصفر لها اللون، وييبس الفم، والشفة، ويسودّ اللسان، وتعتقل الطبيعة، ويستحصف الجلد، ويتمدد وهو رديء. وكل كزاز عن ضربة يصحبه فواق ومغص واختلاط وذهاب عقل، فهو قتال يصحب تجفيف العضل، وغليان رطوبتها، حتى يمددها طولاً، ثم يحفظ ذلك عليه بالجفاف البالغ الحافظ للهيئات. والكزاز يعرض كثيراً للصبيان، ويسهل عليهم كلما كانوا أصغر على ما قيل في التشنج، وقد يتقدم الكزاز كثيراً اختلاج البدن، وثقله، وثقل الكلام. وصلابة في العضلات، وفي ناحية القفا إلى العصعص، وعسر البلع، واحتكاك إذا حكوه لم يلتذوا به.
وإذا كان في البول، كالمدة، والقيح، وكان قشعريرة، وغشاوة في البصر، وعرق في الرأس والرقبة، دل على امتداد في الجانبين سيكون، لأن مثل هذه المادة يكثر فيها أن لا تستنقي من أسفل بالتمام، بل يصعد منها شيء فيما بين ذلك إلى الدماغ ويؤذيه ويكسر البدن، وإذا بدأ الكزاز العام، انطبق الفم واحمرّ الوجه، واشتد الوجع، وصار لا يسيغ ما تجرعه، ويكثر الطرف وتدمع العين.
وقد رأينا نحن إذ بدأ الكزاز العام بامرأة انطبق فمها، واصفر وجهها، وظهر لها اصطكاك أسنانها، ثم بعد زمان مديد اخضرّ وجهها، وكانت لا تقدر أن تفتح فاها حتى بقيت زماناً طويلاً ممتدة مستلقية، بحيث لا يمكن لها أن تنقلب، ثم بعد ذلك انحلّ عنها الكزاز وانقلبت إلى الجانبين، وتكلمت ونامت إلى الغد، فهذا ما شاهدنا من حالها وعالجناها كل مرة وكل مدة.
ثم الفرق بين التشنج والتمدد، أن التشنّج يبتدئ في العضلة بحركة، والتمدّد يكون ابتداؤه في العضلة بسكون، وقد يقع الانتقال إلى التمدد من الخوانيق، وذات الجنب، والسرسام على نحو ما كان في التشنج.
وقد يكثر في البلاد الجنوبية للامتلاء وحركة الأخلاط،. وخصوصاً في البلغميين، وقد يعرض في البلاد الشمالية لاحتقان الفضول، وخصوصاً للنساء، فإنهن أضعف عصباً.
العلامات :
أما علامات التمدّد مطلقاً، فأن لا يجيب العضو إلى الانقباض. وأما علامات الكزاز إن كان إلى قدام، فأن يكون الشخص كالمخنوق مختنق الوجه والعين، وربما خيل أنه يضحك لتمدد عضل الوجه منه، ويكون رأسه منجذباً إلى قدام بارزاً مع امتلاء العنق لا يستطيع الالتفات، وربما لم يقدر أن ببول لتمددِ عضل البطن وضعف الدافعة. وربما بال بلا إرادة، لأن عضلة المثانة منه تكون متمددة غير منقبضة، وربما بال الدم لأنفجار العروق لشدة الانضغاط، وربما عرض له الفواق.
وإن كان الكزاز إلى خلف وجدت الرأس والكتفين والعضلة منجذبة إلى خلف، ويعرض ذلك لامتداد عضل البطن إلى خلف بالمشاركة، وامتداد عضلة المقعدة، ولا يقدر أن يحبس ما في المعي المستقيم، ولا يقدر أن يستنزل ما في المعي الدقاق، ويشتركان في الاختناق، والسهر، والوجع، ومائية البول، وكثرة نفاخات فيه للريح، وفي السقوط عن الأسرّة.
وأما علامة الرطب، واليابس، والورمي، والكائن عن الأذى، فعلى ما قيل في التشنّج. وكثيراً ما يصيبهم القولنج للبرد إن كانت العلة باردة.
المعالجات :
علاجه بعينه علاج التشنّج ويستعمل ههنا من المحاجم على الأعضاء أكثر مما يستعمل في التشنج، وذلك لتسترجع الحرارة وأن يكون بشرط، خاصة على عضل العنق، والفقارات، والشراسيف، ومما يجب أن يراعى في المكزوز أنه إذا عرق بدنة بشدة الوجع، أو من العلاج، لم يترك أن يبرد عليه، فإنه يؤذيه، ولكن يجب أن ينشّف بصوفة مبلولة، وربما أجلس في زيت مسخن، فإنه قوي التحليل، ويسقى الجاوشير إلى درهم بحسب القوة، ومن الحلتيت أيضاً.
والكزاز أولى بأن يبادر إلى علاجه من التشنج، لأن الكزاز مؤذ خانق قاتل.
ومما ذكر أنه نافع جداً في علاج الكزاز والتشنج، أن تغلي سلاقة الشبث، ويطرح فيه جرو ضبع، أو جرو كلب، أو جرو ثعلب، ويطبخ حتى يتهرى، ثم يستنقع العليل فيه مرتين، وكذلك ينفعهم التمريخ شحم الحمام الوحشي، وشحم الأيل، وبشحم الأسد والدب والضبع مفردة، أو مع الأدوية. وينفعهم الحقنة بدهن السذاب مع جندبادستر، وقنطوريون، وكل الحمولات اللاذعة الحادة التي فيها بورق وشحم الحنظل وما أشبهه، فإن أحرقت بإفراط حقن بعدها بلبن الأتن، أو السمن، أو دهن الألية مفردة، أو مع شحم من المذكورة.
وأنفع الأشياء للتمدد البارد والرطب جندبادستر، فإنه يجب أن يتعاهد وإذا غذي أصحاب الكزاز، فيجب أن لا يلقموا من الطعام إلا لقماً صغاراً ضعافاً جداً، وأن يزجوا بالحسو الرقيق لأن البلع يصعب عليهم فيزيد في مناخرهم ويضطربون، فيزيد ذلك في علتهم، وقد ذكرنا أدوية يسقونها ويمسح بها أعضاؤهم ومقاعدهم في القراباذين، وكذلك المروخات النافعة لهم مثل دهن الخيار وغير ذلك مما قيل، وكذلك السعوطات والعطوسات. وخير العطوسات لهم، ميعة الموميا ببعض الأدهان. والحمّى التي تقع بالطبع خير علاج لما كان منه رطوبياً.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ فصل في اللقوة ] ●
هي علة آلية في الوجه ينجذب لها شق من الوجه إلى جهة غير طبيعية، فتتغير هيئته الطبيعية، وتزول جودة التقاء الشفتين والجفنين من شق. وسببه، إما استرخاء، وإما تشنج لعضل الأجفان والوجه. وقد عرفتهما وعرفت منابتهما. وأما الكائن عن الاسترخاء، فإنه إذا مال شق جذب معه الشقّ الثاني فأرخاه وغيّره عن هيئته إن كان قوياً، وإن كان ضعيفاً، استرخى وحده. وعند بعضهم أن الاسترخاء في الجانب السليم، وهو جذب الأعوج، وليس بمعتمد ومنهم فولس، وهذا الكائن عن الاسترخاء يكون لأسباب الاسترخاء المعدودة التي قد فرغنا من بيانها، ولا حاجة بنا أن نكرّرها. وأما الكائن عن التشنّج وهو الأكثري، فلأنه إذا تشنّج شق جذب الشق الثاني إليه، والسبب فيه هو السبب في التشنّج، وما قيل في باب التشنّج اليابس مثل الكائن في حميات حادة واستفراغات من اختلاف وقيء ورعاف وغير ذلك، فإنه قاتل رديء، وقد قال بعضهم: إن الجانب المريض في اللقوة هو الجانب الذي يرى سليماً، وأن السبب فيه، والجانب الصحيح يحاول جذبه للتسوية، وهذا غير سديد في أكثر الأمر. والتشريح وما علمته من حال عضل الوجه يعرفك فساد وقوع هذا عاماً، ولأن الحس يبطل معه لمن بطل فيه منهم من جانب اللقوة. وكثير من الناس ما يعرض له ورم في عضل الرقبة فيكون من جملة الخوانيق، فيصيبه من ذلك لقوة، ويصيبهم أيضاً فالج يمتدّ إلى اليدين لأن العصب الذي يسقى منه عضل اليدين القوة المحرّكة منبته أيضاً من فقار الرقبة، وكل لقوة امتدت ستة أشهر فبالحري أن لا يرجى صلاحها. واعلم أن اللقوة قد تنذر بفالج بل كثيراً ما تنذر بسكتة، فتأمل هل تصحبها مقدمات الصرع والسكتة، فحينئذ بادر باستفراغ قوي. وقد زعم بعضهم أن الملقو يخاف عليه الفجأة إلى أربعة أيام، فإن جاوز نجا، ويشبه أن يكون ذلك بسبب سكتة قوية كانت اللقوة تنذر بها.
العلامات :
هي أن تقع النفخة والبزقة من جانب ولا يستمسك الريح ولا يستمسك الريق من شق، وكثيراً ما يلحق معها صداع، وخاصة في التشنجية منها، ومعرفة الشق المؤف من الشقين أنه هو الذي إذا مد وأصلح باليد سهل رجوع الآخر بالطبع إلى شكله. وأما علامات اللقوة الاسترخائية فأن تكون الحركة تضعف والحواس تكدر، ويحسّ في الجلد لين، وفي العضل أيضاً، ولا يحس تمدّد، ويكون الجفن الأسفل منحدراً، وترى نصف الغشاء الذي على الحنك المحاذي لتلك العين مسترخياً أيضاً رطباً رهلاً، ويظهر ذلك بأن يغمز اللسان إلى أسفل، ويتأمل. والسبب في ذلك اتصال هذا الصفاق بالصفاق الخارج من طريق اللسان القاطع للحنك طولاً، فهو يشركه ويكون الجلد مائلاً عن نواحي الرقبة يتباعد عنها ويعسر ردة إليها. وأما علامات التشنجي، فأن لا تكون الحواس كدرة في أكثر وتكون جلدة الجبهة متمددة تمدداً تبطل معه الغضون، وعضل الوجه صلبة، ويكون تمدد هذا الشقّ إلى الرقبة، ويقلّ الريق والبزاق في أكثر، وميل الجلد إلى نواحي الرقبة أكثر قطعاً وردها عنها أعسر. وأما علامة الرطب واليابس من التشنجي فيما تعرف. ومن علامات حدوث اللقوة أن يجد الإنسان وجعاً في عظام وجهه وخدراً في جلدته وكثرة من اختلاجه.
المعالجات :
الحزم هو أن لا يحرك الملقوّ إلى السابع، وقال قوم إلى الرابع، ويغذّى أيضاً بما يلطف تلطيف ماء الحمص بزيت، ولا يجفف تجفيف العسل والفراخ، وإن كانت الطبيعة يابسة، فحرك في اليوم الثاني بحقنة شديدة اللين، كان موافقاً. والمبادرة إلى الغراغر في الابتداء ضارة، وربما جذبت القريب ولم تحلل الفج القريب. والتشنجي أولى بقويّ، فلا يستفرغ بضعيف غير كاف إلى أن ينضج مرة. والاستعجال إلى الدواء الحاد من أضر الأشياء.
وأردأ المعالجة أن تجفف المادة وتغلظها وييبس العصب، فيصعب تأثير المواء فيه، بل الصبر أولى، ويجب أن يعالج بعلاج الفالج، أو التشنج كما تعرف بحسب ما يناسب.
وأنت تعلم جميع ذلك، وقد جرب أن الملقوّ إذا سقي كل يوم وزن درهمين من أيارج هرمس شهراً متصلاً أثر أثراً قوياً. ومما جرب أن يسقى كل يوم زنجبيلاً ووجّاً معجونين بالعسل بكرة وعشية قدر جوزة، ويجب أن لا يقطع عنهم ماء العسل.
وقد ذكر بعض أطباء الهند أن من أبلغ ما يعالج به اللقوة أن يخبص العضو الألم والرأس بلحم الوحش مطبوخاً، ويشبه أن يكون أولى الوحش بهذا الأرنب والضبع والثعلب والأوعال والأيل والحمر الوحشية دون الظباء وما يجري مجراها مما لا تسخين للحمه، ويجب إن كان المريض رطباً أن يربط الشقّ بالذي فيه مبدأ العلة على الهيئة الطبيعية، فإن كان تشنّجاً بدأت بتليينه أولاً، ثم بتحليله. وعليك أن تعرق مؤخّر رأسه بالأدهان اللينة الرطبة، كدهن البنفسج، ودهن اللوز، والقرع، ولا بأس بدهن البابونج، ويستنشق بهذه الأدهان في يومه وليلته مرة بعد مرة، ويشرب الشراب الممزوج دون السكر.
وإن وجدت علامات الدم فصدت العرق الذي تحت اللسان، وحجمت على الفقرة الأولى بلا شرط، ولا شك أن المادة الفاعلة للقوة مستكنة في عبادي العصب وعضل الوجه، ولذلك يستحبّ أن تستعمل الأدوية المحمّرة على فقرات العنق، وعلى الفك أيضاً إذا كان الليف الكثير يأتي منها إلى العضل التي في الوجه، هذا إذا كان استرخائياً، وأما إن كان تشنّجياً يابساً، فإياك والأشياء الحارة من الطلاء والتكميد والأدهان والمتناولات.
وقد شاهدنا نحن من كان به لقوة تشنجية يابسة، فعالجه بعض الأطباء بالتكميد والمتناولات المحارة، فصار شق وجهه أردأ مما كان، وثقل لسانه عند المكالمة، وقد طال عليه زمان فلما داويته أنا بضد ذلك برئ من ذلك بعد مقاساة في المعالجة.
وأما عضل الجفن، فليست من تلك الجملة، وتدبيرها تنقية الجزء المقدم من الدماغ، وكذلك التكميد اليابس علىِ هذه الفقرات واللحى، ودلكها ودلك الرأس أيضاً، وخصوصاً على جوع شديد. ومما ينفع الملقو أيضاً إدامة غسل وجهه بالخل ولطخ المواضع المذكورة بالخلّ، وخصوصاً إذا طبخ فيه الملطفات. أو كان خلاً سحق فيه خردل، فهو عجيب حيث يكون الاسترخاء بخلاف التشنّجي، وأن يكب على طبيخ الشيح، والقيصوم، والحرمل، والغار، والبابونج ونحوه، ويوقد تحته بمثل الطرفاء، والأثل، وإذا لم ينفعه الأدوية، كوي العرق الذي خلف أذنه، ويجتنب الحمام إذا كان استرخائياً، ويواظب عليه كل يوم مراراً في التشنّجي، ويجب أن يكلف الغرغرة أكثر من غيرها بما أنت تعلم ذلك، وتستعمل المضوغات، وخاصة الوفي، وجوزبوا، وعاقر قرحا. ومن مضوغاتهم الهليلج الأسود، ويجب أن يمسك المضوغ في الشق الألم، ويكون في بيت مظلم. وقيل من يمشي في حوائجه، فلا بأس بذلك، ويسعط بمرارة الكركي، أو باشق، أو ذئب، أو شبوط، أو عصارة الشهدانج، أو الموزنجوش، أو السلق، أو ماء السكبينج بدهن السوسن، أو فربيون مقدار عدسة بلبن امرأة، ويعالج الرأس بما ينقيه مما ذكرنا في قانون أمراض الرأس من كل وجه. ومن العطوسات المجربة لهم الرتة، وهو الفندق الهندي، وخاصة قشره الأعلى وآذان الفار، وعصارة قثاء الحمار، والعرطنيثا، وقد يخلط ذلك بما يسخن مع التعطيس، مثل الجندبادستر، والشونيز وغيره، وأفضل ما يسعط به ماء آذان الفار، وهو المسمى أباغلس، وإذا سعط بوزن درهمين من مائه مع دانق سكبينج ونصف درهم زيت نفع، بل أبرأ في خمسة أيام، وقد يؤمرون بالنظر في المرأة الصينية ليتكلفوا دائماً تسوية الوجه. وأوفقها المرآة المشوشة في إبراء الوجه وهي الضيقة، والصبيان إذا ضربتهم اللقوة في آخر الربيع شفاهم الاطريفل الأصفر أياماً إلى سبعة، والغذاء ماء حمص.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ فصل في الرعشة وعلامات أصنافها وعلاجاتها ] ●
هي علّة آلية تحدث لعجز القوة المحركة عن تحريك العضل على الاتصال مقاومة للنقل المعاوق المداخل بتحريكه لتحريك الإرادة فتختلط حركات إرادية بحركات غير إرادية، أو ثبات إرادي بتحريكات غير إرادية، وهي آفة في القوة المحركة، كما أن الخمر آفة في الحساسة. وهذا السبب إما في القوة، وإما في الآلة، وإما فيهما جميعاً، فإن القوة إذا ضعفت لاعتراض الخوف، أو لوصول شيء مفظع هائل، كالنظر من موضع عال، أو المشي على حائط، أو مخاطبة محتشم مهيب، أو غير ذلك مما يقبض القوى النفسانية، أو غم أو حزن، أو فرح مشوش لنظام حركات القوة، عرضت الرعشة. والغضب قد يفعل ذلك لأنه يحدث اختلافاً في حركة الروح. ومن أسبابها على سبيل إيهان القوة، كثرة الجماع على الامتلاء والشبع. وأما الكائن عن الآلة، فقد يكون بأن يسترخي العصب بعض الاسترخاء ولا يبلغ به الفالج، فلا يتماسك عند التحريك كما يعرض عند الشرب الكثير، والسكر المتواتر، وكثرة شرب الماء البارد، أو شربه في غير وقته، أو بأن يقع في الأعصاب سدد لامتلاء كثير حادث عن الأسباب المعلومة من التخمة وترك الرياضة، فلا تنفذ لأجلها القوة تمام النفوذ. والمادة السادة، إما منفعلة عن المجاري متحركة فيها، تارة تطرق النفوذ، وتارة تمنع، وإما غير منفعلة البتة، وقد يكون من أن تجف الآلة جفوفاً، فلا تطاوع للعطف مطاوعة مسترسلة.
وأما المشتركة، فأن يصيب الآلة ضرر يتأذى إلى الإضرار بالقوة، كما يصيبها برد شديد من خارج، أو من لسع حيوان، أو من خلط، أو من حر شديد، كما يعترض عند الاحتراق وغيره، فيصيب معها القوة آفة، أو يصيب القوة على حدتها آفتها التي تخصها، ويصيب العضو على حدته آفة تخصه، ويتوافى الضرران معاً.
والرعشة ربما كانت في جميع الأعضاء، وربما كانت في اليدين، وربما كانت في الرأس وحده بحسب وصول الآفة إلى عضل دون عضل، وقد تكون الرعشة في اليدين دون الرجلين، إما لأن السبب ليس في أصل النخاع، بل في الشعب النافذة إلى اليدين من العصب، وإما لأن السبب في أصل النخاع، لكنه ينفضه إلى أقرب المواضع وأقرب الجوانب.
والطبيعة تحوط النخاع من أن ينفذ ذلك السبب فيه، فيبلغ أقصاه، وإما لأن الروح المحرك في أصافل البدن أقوى وأشد لحاجة تلك الأعضاء إلى مثله، فلا ينفعل عن الأسباب التي ليست بقوية جداً انفعالا شديداً، وإن انفعلت الآلة قوي على قهرها، واليد ليست كذلك. والسبب الغالب في إحداث الرعشة الثانية برد يضعف العصب والروح معاً، أو رطوبة بآلة مرخية دون إرخاء الرطوبة الفاعلة للفالج. وقد قال بقراط: من عرضت له في الحمى المحرقة رعشة، فإن اختلاط الذهن يحلها، ولم يض جالينوس هذا الفصل، وليس مما لا وجه له. واعلم أن أصعب الرعشة ما يبتدئ من اليسار. والرعشة في المشايخ لا تزول بعلاج.
العلامات :
هي الأسباب المذكورة وهي الظاهرة.
المعالجات :
يعمل ما قيل في سائر الأبواب من تفتيح السدد، وإبطاء الاسترخاء، والاستفراغ، وتقوية العصب، والترطيب إن احتيج إليه، والإنعاش إن كان لضعف عن مرض، والتسخين إن وقع لبرد مغافص، أو مشروب، والغمز والدلك والنفض إن وجب، وعلى ما بين في القانون والاستحمام بمياه الحمآت، مثل الماء النطروني، أو الزرنيخي، أو القفري، أو الكبريتي، وماء البحر نافع أيضاً.
وإن كان سببه الماء البارد، كمد بالنطرون والخردل، ومرخ بدهن القسط، وإن كان سببه شرب الخمر الكثير، استفرغ واستعمل دهن قثاء الحمار وما يجري مجراه، وأديم التمريخ بدهن القت. ولدهن الحندقوقي خاصية عجيبة في ذلك، وكذلك إن ضمد بالرطبة وحدها، وإن كان من أخلاط متشربة أو غليظة، أو رسخت العلة، فليستعمل وضع المحجمة على الفقرة الأولى، وليجلس في أبزن دهن مسخن، وفي مرق الحيوان المذكور في باب الفالج والتشنج والكزاز، وآخر الأمر يسقى جندبيدستر في شراب العسل، أو بالايارجات الكبار، ويسقى الحب المتخذ بالسذاب وسقولوقندريون، وينتفعون بدماغ الأرنب جداً، فليكلوا منه مشوياً. ومما ينفع المرعش أن يسقى ضراب العسل بماء طبخ فيه حب الخطمي وورق دامامون نصف أوقية، وكذلك يسقون عصارة الغافت مع الماء، ويستعملون علاج الاسترخاء بعينه، فإن كانت الرعشة خاصت في الرأس، فقد جرب لهم استعمال الاسطوخودوس وزن درهم، أو درهمين وحده، ومع أيارج فيقرا، إما محبباً، وإما في شراب العسل، وجرب لهم شرب حب القوقاي من درهم إلى درهم ونصف، كل عشرة أيام مرة، ويجب أن يكون الغذاء ما يسرع هضمه، والشراب يضرهم، وكذلك الماء البارد. وأسلم المياه لهم وأقلها ضرراً ماء المطر، وكذلك لكل مرض عصبي، ويتضررون بكثرة الغذاء الغليظ والرطب والفصد.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ فصل في الخَدر ] ●
لفظة الخَدر تستعمل في الكتب استعمالاً مختلفاً، فربما جعل لفظة الخدر مرادفة للفظة الرعشة، وأما نحن وكثير من الناس فنستعمله على هذا الوجه. الخدر علة آلية تحدث للحس اللمسي آفة، إما بطلاناً وإما نقصاناً مع رعشة إن كان ضعيفاً، أو استرخاء إن استحكم، لأن القوة الحسية لا تمتنع عن النفوذ إلا والحركية تمتنع كما أوضحنا مراراً، وإن كان في الأحايين قد يوجد خَدر بلا عسر حركة لاختلاف عصب الحركة والحس. وسبب الخَدر، إما من جهة القوة، فأن يضعف كما في الحميات القوية والحادة المؤدية إلى الخدر، وكما في الذي يريد أن يغشي عليه، وعند القرب من الموت، وإما من جهة الآلة، فأن يفسد مزاجها ببرد شديد من شرب دواء، أو لسع حيوان، كالعقرب المائي، أو مس الرعادة المسمى نارقا، أو شرب دواء كالأفيون، فيحدث ذلك غلظاً في الروح التي هي آلة القوة، وضعفاً، أو يفسد مزاجها بحر شديد، كمن لسعته الحية، أو بقي في حمام شديد الحر، أو في الحميات المحرقة، أو لغلظ جوهر العصب، فلا ينفذ فيه الروح نفوذاً حسناً، ولذلك ما تجد في لمس الرجل بالقياس إلى لمس اليد كالخدر، أو يكون لسدد من أخلاط غليظة، إما لحم، وإما بلغم، وإما سوداء، وقد يمكن أن يكون من الصفراء، أو لسدد من ضغط ورم، أو خراج، أو ضغط شد ورباط، أو ضغط وضع يلوي العصب، أو معصره شديداً، أو لأجل وضع ينصت إلى العضو معه دم أو خلط غيره كثير، فيسد المسالك.
وهذا أكثره عن الدم ولذلك إذا بدل وضعه فزال ورجع عنه ما انصب إليه، عاد لحس، وربما عرض ذلك من اليبس والِجفاف، فتنسد المسالك لاجتماع الليف وانطباقه، وهذا رديء.
وقد تعرض السدة للاسترخاء الكائن عن رطوبة مزاجية دون مادة، يتبع ذلك لاسترخاء انطباق المجاري. وأسباب الخَدر، قد تكون في الدماغ نفسه، فإن كان كَلّياً يعمّ البدن كله، فهو قاتل من يومه، وربما كانت في النخاع، وربما كان ابتداؤها من فقرة واحدة، وربما كان في شعبه عصب، فإن أَزْمَنَ الخدر البارد وطال، أدّى إلى الاسترخاء.
والخدر الغالب ينذر بسكتة، أو صرع، أو تشنّج، أو كزاز، أو فالج عام، وخدر كل عضو إذا دام واشتدّ، ينذر بفالج، أو تشنّج يصيبه. وخدر الوجه ينذر باللّقوة، وكثيراً ما يعقب ذات الرئة وذات الجنب والسرسام البارد خدر. واعلم أن الخدر إذا دام في عضو ولم نر له الاستفراغ، ثم أعقب دواراً فهو منذر بسكتة.
العلامات :
العلامات بعينها هي الأسباب، وكما قيل في الرعشة، ويدلّ على ذلك منها، وزيادة الخدر بزيادته ونقصانه بنقصانه، والعلاج على ما قيل في الرعشة بعينه، إلا أنه إن كان عن دم غالب، وقامت دلالة من امتلاء العروق، وانتفاخ الأوداج، وثقل البدن، ونوم، وحمرة وجه وعين، وغير ذلك، فينبغي أن يفصد فصداً بالغاً، فإنه في أكثر يزيل الخدر وحده، ومع إصلاح التدبير وتجفيف الغذاء، وإذا ظهر الخدر بعضو من الأعضاء بسبب سابق، أو باد، مثل برد أو غير ذلك نال مبدأ العصب، فيجب أن لا يقتصر على معالجة الموضع، بل يكوى، وكذلك علاج مبدأ العصب السالك إليه. ومن المعالجات النافعة للخدر، رياضة ذلك العضو ودوام تحريكه. واعلم أن القرطم الواقع في الحقن مسخن للعصب.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ فصل في الاختلاج ] ●
الاختلاج حركة عضلانية، وقد يتحرك معها ما يلتصق بها من الجلد، وهي من ريح غليظة نفّاخة، أما الدليل على أنها من ريح، فسرعة الانحلال، وأنه لا يكون إلا في الأبدان الباردة،َ والأسنان الباردة، وشرب الأشياء الباردة، ويسكنها المسخنات والنفوذ. وأما الدليل على أنها غليظة، فهو أنها لا تنحل إلا بتحريك العضو، والدليل على أنها عضلانية لحمية عصبية أن ما لانَ جداً مثل الدماغ، فإن الريح لا تحتقن فيه، وكذلك ما صلب مثل العظم، بل يعرض في الأكثر لما توسّط في الصلابة واللين. وأسباب الاختلاج قوة مبرّدة، ومادة رطبة، وقد يعرض الاختلاج من الأعراض النفسانية كثيراً، خصوصاً من الفرح، وكذلك يعرض من الغم والغضب وغير ذلك، لأن الحركة من الروح قد تحلّل المواد رياحاً. واعلم أن الاختلاج إذا عمّ البدن أنذر بسكتة، أو كزاز. وإذا دام بالمراق، أنذر بالمالنخوليا والصرع، وإذا دام بالوجه، أنذر باللقوة واختلاج ما دون الشراسيف، ربما دلّ على ورم في الحجاب، فإنه من توابعه.
علاج الاختلاج المتواتر :
يكمد بالكمادات المسخنة، فإن زال، وإلا استعملت الأدهان المحللة مبتدئاً من الأضعف إلى الأقوى، فإن زال وإلا سقي المسهل، ويدام بعد ذلك تمريخ العضو بالأدوية المسخّنة. وللجندبيدستر مع الزنبق خاصية في هذا الباب، ولا يتناول ماء الجمد، ولا الخدر الكثير، وما له نفخ وتبريد، ويقرب علاجه من علاج أخواته، فلنختم الكلام في أمراض العصب ههنا، ولنقتصر على الحسيّة والحركية والِوضعية منها. وأما الأورام وتفرقات الاتصال وغير ذلك، فلتأخر إلى الكتاب الرابع إن شاء الله.
● [ تم الفن الثاني : أمراض العصب ] ●
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الثالث : الأمراض الجزئية
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة