بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الباب الأول
ما جاء في أوله ألف أصلية أو مجتلبة
المجموعة الخامسة
المثل المضروب
استراح من لا عقل له
تفسير هذا المثل
والمثل لعمرو بن العاص، قاله لولده في كلام يقول فيه: وال عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من وال ظلوم، ووال ظلوم خير من فتنة تدوم، عثرة الرجل عظم يجبر، وعثرة اللسان لا تبقي ولا تذر، وقال: استراح من لا عقل له؛ معناه أن العاقل كثير الهموم والتفكر في الأمور، ولا يكاد يتهنأ بشيء، والأحمق لا يفكر في شيء فيهتم..وإلى هذا المعنى ذهب القائل:
الصعو يصفر آمناً ولأجله * حبس الهزار لأنه يترنم
لو كنت أجهل ما علمت لسرني * جهلي كما قد ساءني ما أعلم
وقال المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله * وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وقلت:
أواصل الهم في ضيق وفـي سـعة * كأن بـيني وبين الهم أرحاما
إن الذي عظمت في الناس همته * رأى السرور جوىً والوفر إعداما
وقيل للحسن: ما لنا نراك واجماً! فقال: غمي مكتسب من عقلي، ولو كنت جاهلاً لكنت في دعة من عيشي. ويقولون: هم الدنيا على العاقل.
وقيل: معنى المثل استراح الصبي الذي لا عقل له، فهو لا يفكر في شيء من مستقبل العيش.
ورأى الحسن صبياناً يلعبون، فقال: مذ فارقناكم لم نر يوماً طيباً. وقال الشاعر في معنى الأول:
ألف الهموم وساده وتجنبت * كسلان يصبح في المنام ثقيلا
وقال امرؤ القيس:
وهل يعمن إلا سعـيد مخلد * قليل الهموم ما يبيت بأوجال
قيل: أراد الصبي. والمخلد: المقرط. والخلدة: القرط. وفي القرآن: (ولدان مخلدون)، قالوا: مقرطون، ولو أراد الخلود لم يخص الولدان، وقيل: أراد الأحمق. والمخلد: الذي شاخ وبقي سواد شعره، يقال: رجل مخلد، إذا كبر ولم يشب، وجعله أسود الشعر لأنه لا يهتم بالشيء أصلاً؛ لأن الشيب مما يهم الأحمق والعاقل جميعاً، فإذا بقي سواد شعره كان أقل لهمه.
المثل المضروب
إذا قطعن علماً بدا علم
تفسير هذا المثل
معناه إذا فرغنا من أمر متعب جاء أمر آخر مثله. والعلم ها هنا: الطربال المنصوب في الطريق يهتدى به، ومن هذا سمي آيات الأنبياء عليهم السلام أعلاماً للاستدلال بها، والعلم: الجبل أيضاً، وفي القرآن: (وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام) يعني الجبال، قالت الخنساء:
كأنه علم في رأسه نار
ومن الأول قولهم: هذه أعلام الشيء، أي دلائله، ومنه قوله تعالى: ( وإنه لعلم للساعة ).
المثل المضروب
أسمحت قرونته وقرينته
تفسير هذا المثل
أي نفسه، وأسمحت أي أطاعت وانقادت، يقول: تابعته نفسه على الأمر، وقد يقال: أصحبت قرونته، بمعنى أسمحت، والإسماح: الانقياد، والسماح والسماحة: الجود، وقد سمح، وهو سمح، ولا يقال: سامح، وهو الأصل، وأصحبت الرجل، إذا تبعته منقاداً له، وأصحبته، إذا حفظته، وفي القرآن: ( ولا هم منا يصحبون )، وقال الشاعر:
وصاحبي من دواعي الشر مصطحب
أي محفوظ.
المثل المضروب
أصيد القنفذ أم لقطة
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للأمر لا يدرى من أي الصنفين هو، واللقطة: ما التقطته فاحتجت إلى تعريفه، ومن أمثالهم في القنفذ قولهم: بات بليلة أنقد إذا لم ينم ليلته، وبات يسري. والأنقد: القنفذ؛ لأن القنفذ لا ينام الليل، قال الشاعر:
كقنفذ الرمل لا تخفى مدارجه * خب إذا نام ليل الناس لم ينم
ويشبه به النمام لخبثه، واضطرا به في ليله، قال عبدة بن الطبيب:
قوم إذا دمس الظلام عليهم * حدجوا قنافذ بالنميمة تمزع
المثل المضروب
أبعد الوهي ترقعين وأنت مبصرة
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يأتي الخطأ على بصيرة، وتمثل به علي رضي الله عنه. أخبرنا أبو القاسم، عن العقدي، عن ابن جعفر، عن المدائني، عن جماعة ذكرهم قالوا: قال عمرو بن العاص لمعاوية في بعض أيام صفين: ألا أدعو علياً إلى المبارزة، قال: لا تفعل، فإنه ما بارزه أحد إلا قتله، فبرز له رجل يقال له عروة من أهل دمشق فقال: يا أبا حسن، قد كره معاوية وعمرو مبارزتك فهلم، فقال لقنبر: دونكه، فبرز له قنبر فقتله، فقال علي: أما إنه لقد أصبح من النادمين.
وبارز عبد الرحمن بن محرز الكندي رجلاً من أهل الشام، فقتله عبد الرحمن، ونزل فسلبه، وإذا المقتول حبشي، فقال: إنا لله، لمن عرضت نفسي، وحلف لا يبارز أحداً حتى يعرفه. وقتل قيس بن جلان الكندي رجلاً من عك، فقال:
لقد علمت عك بصفين أننا * إذا التقت الخيلان قطعتها شزرا
ونحمل رايات الحقوق بحقها * فنوردها بيضاً ونصدرها حمرا
فقال عنمة بن زهير الأنصاري لعلي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، سمعت عمرو بن العاص يقول:
أضربـكـم ولا أرى أبـا حـسـن * كفى بهذا حزناً من الحزن
فقال علي: لقد ترك مكاني وهو يعرفه، ولكنه كما قال الأول: أبعد الوهي ترقعين وأنت مبصرة
المثل المضروب
إن تنفري فقد رأيت نفرا
تفسير هذا المثل
معناه: إن تفزعي فقد رأيت ما يفزعك. والنفر هاهنا: النفور، يقال: نفر عن الشيء نفاراً ونفوراً، فأما النفر فأكثر ما يستعمل في قولهم: نفر الجرح نفراً، إذا ترامي إلى فساد. ونفر الرجل نفراً، إذا خرج في وجه، وفي القرآن: ( ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض )
ومثله قولهم: أعرضت القرفة
وهو أن يقال لك: من سرقك، فتقول: رجل من أهل خراسان، أو من أهل العراق، والقرفة من قولهم: قرفته بكذا، إذا رميته به وقذفته، وأكثر ما يكون القذف في الزنا، والقرف في السرقة. ويقال: فلان قرفتي، أي الذي أتهمه أنه سرقني، وقرفت الشيء واقترفته أيضاً، إذا كسبته. وفي القرآن: ( بما كانوا يقترفون ) أي يكتسبون، وقرفت القرحة، إذا قشرت جلدها من وجهها، وقرف كل شيء قشره.
المثل المضروب
أعذر من أنذر
تفسير هذا المثل
أي أقام العذر من خوف قبل الفعل. ويقال: أعذر الرجل، إذا بلغ أقصى العذر، وعذر إذا قصر، وإذا اعتذر ولم يأت بعذر. وفي القرآن: ( وجاء المعذرون من الأعراب ). وقولهم: من عذيري من فلان، أي من يعذرني منه، والعذير: مصدر بمنزلة النكير؛ فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لن يهلك الناس حتى يعذروا " فإنه من قولهم: أعذر الرجل، إذا كثرت ذنوبه وعيوبه. وقيل: حتى يعذروا من يعذبهم، أي يقيموا له عذراً، وأما قولهم: تعذر علي الأمر فمعناه ضاق علي، وسميت العذراء عذراء لضيقها ويقال: اعتذر الرجل؛ إذا أتى بعذر، واعتذر؛ إذا لم يأت بعذر. ومنه قوله تعالى: ( قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم )،
وأما قول لبيد: ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
فمعناها: فقد أتى بعذر.
المثل المضروب
آثراً ما، أول صوك وبوك
تفسير هذا المثل
يقال: افعل ذاك أول صوك وبوك، أي أول كل شيء. وافعله آثراً ما، وأثراً ما، وآثر ذي أثير؛ كل ذلك إذا أمر بتقديم العمل على غيره، وأنشدوا:
وقالوا ما تشاء فقلت ألهو * إلى الإصباح آثر ذي أثير
قال المفضل: افعله آثراً ما، أي افعله مؤثراً له على غيره. وقال الأصمعي: أي افعله عازماً عليه، وقيل: افعله إيثاراً له على غيره، وينصب على المصدر.
قال أبو بكر: يقال: ما به صوك ولا بوك، أي ما به حركة، فكأن معنى قولهم: افعله أول صوك وبوك أي قبل أن يتحرك غيرك له، ويسبقك إليه.
المثل المضروب
التقى الثريان
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً لاتفاق الأخوين في التحاب. والثرى: الندى، وذلك أن المطر إذا كثر رسخ في الأرض، حتى يلتقي نداه وندى بطن الأرض، فشبه سرعة اتفاق المتفقين على المودة بعد تباينهما بالماء ينزل من السماء، فيلتقي مع ما تحت الأرض.
وقريب من هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ".
وأخذ ذلك أبو نواس فقال:
إن القلوب لأجناد مجندة * لله في الأرض بالأهواء تأتلف
فما تعارف منها فهو معترف * وما تناكر منها فهو مختلف
وخالف ذلك ابن الرومي فقال:
قالوا القلوب تجازي قلت ويحكم * هذا المحال فكفوا لا تغروني
على الخبير سقطتم ها أنا رجل * أحببت في الناس قوماً لم يحبوني
المثل المضروب
أعلم بها من غص بها
تفسير هذا المثل
أي من ولي الأمر ومارسه كان أعلم به ممن بعد عنه وفارقه. والفرس تقول: المائح أعلم بمقدار الماء في البئر من الماتح، والمائح الذي ينزل البئر إذا قل الماء، فيملأ الدلو، وهو أصل قولهم: ماحه، إذا أعطاه، واستماحه، إذا طلب منه. والماتح: المستقي من رأس البئر على بكرة؛ متح متحاً، والنازع: الذي يستقي من غير بكرة، وقد نزع نزعاً.
المثل المضروب
أسري عليه بليل
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للأمر قد تقدم فيه، وسبق إلى إبرامه، والعامة تقول: أمر عمل بليل، ومثله قول عنترة:
إن كنت أزمعت الفراق فإنما * زمت ركابكم بـليل مظلم
وقال آخر:
زحـرت بـهـا لــيلةً كـــلـــهـــا * فجئت بها مؤيداً خنفقيقا
والمؤيد والخنفقيق اسمان من أسماء الداهية، ومنه قوله تعالى: ( بيت طائفة منهم غير الذي تقول ) وكل أمر تفكر فيه ليلاً حتى أبرم فقد بيت، وإنما خص الليل، لأن البال بالليل أخلى، والفكر أجمع. ونحوه قوله تعالى: ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً ) أي هي أبلغ في القيام للصلاة، وأبين في القراءة. وناشئة الليل: ساعاته، وكل ما حدث فقد نشأ.
المثل المضروب
أمر دون عبيدة الوذم
تفسير هذا المثل
وأوله:
ولقد هممت بذاك إذ حبست * وأمر دون عبيدة الوذم
يضرب مثلاً للرجل يقطع الأمر دونه، وهو مما يهجى به، قال جرير:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم * ولا يستأذنون وهم شهود
والوذم: سيور تشد بها أطراف العراقي، والجمع الأوذام، وذم دلوك توذيماً، فكل سير قددته مستطيلاً فهو وذم، وكذلك اللحم. وقال علي رضي الله عنه: لأنفضنكم نفض الجزار الوذام التربة، فقلبه أصحاب الحديث، فقالوا: التراب الوذمة.
المثل المضروب
أنكحنا الفرا فسنرى
تفسير هذا المثل
يراد فعلنا الفعل وننظر عاقبته. ونحوه قول الله تعالى: ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون )، أي فينظر أولياءه، كما قال: ( إن الذين يؤذون الله ورسوله )، معناه: يؤذون أولياءه؛ فإن الله تعالى لا يلحقه الأذى. والفرأ: الحمار الوحشي، والجمع فراء. ومنه قولهم: كل الصيد في جوف الفرا وسنفسره. وتلخيص معنى المثل: أنا جمعنا بين الحمار والأتان ننظر ما ينتج هذا الجمع، و يضرب مثلاً للأمر يجتمعون على المشورة فيه، ثم ينظر عما ذا يصدرون منه.
المثل المضروب
أنف في السماء واست في الماء
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للمتكبر الصغير الشأن، ومنه قول الراجز وهو الأعشى:
أنوفهم ملفخر في أسلوب * وشعر الأستاه بالجبوب
الأسلوب: الطريقة، يقال: أخذ في أساليب من القول، أي في طرق منه، والجبوب يعني الأرض. وخرجت خارجة بخراسان فقيل لقتيبة بن مسلم: لو وجهت إليهم وكيع بن أبي سود، قال: وكيع رجل عظيم، في أنفه خنزوانة، وفي رأسه نعرة، وإنما أنفه في أسلوب، ومن عظم كبره اشتد عجبه، ومن أعجب برأيه لم يشاور كفيئاً، ولم يؤامر نصيحاً، ومن تفرد بالنظر لم يكمل له الصواب، ومن تبجح بالانفراد، وفخر بالاستبداد كان من الصواب بعيداً، ومن الخذلان قريباً، والخطأ مع الجماعة خير من الصواب مع الفرقة وإن كانت الجماعة تخطئ والفرقة تصيب، ومن تكبر على عدوه حقره، وإذا حقره تهاون بأمره، ومن تهاون بخصمه، ووثق بفضل قوته، قل احتراسه، ومن قل احتراسه كثر عثاره، وما رأيت عظيم الكبر صاحب حرب إلا كان منكوبا، ولا والله حتى يكون عدوه عنده، وخصمه فيما يغلب عليه أسمع من فرس، وأبصر من عقاب، وأهدى من قطاة، وأحذر من عقعق، وأشد إقداماً من الأسد، وأوثب من الفهد، وأحقد من جمل، وأروغ من ثعلب، وأغدر من ذئب، وأسخى من لافظة، وأشح من ظبي، وأجمع من ذرة، وأحرس من كلب، وأصبر من ضب، فإن النفس تسمح من العناية على قدر الحجة، وتتحفظ على قدر الخوف، وتطلب على قدر الطمع، وتطمع على قدر السبب.
المثل المضروب
أودى درم
تفسير هذا المثل
قال أبو بكر: يضرب مثلاً للرجل يقتل، ولا يطلب بثأره. ودر رجل من بني شيبان، قتل ولم يثأر به. وقال غيره: يراد به هلك الأمر وتفاوت. ودرم: رجل بعث رائداً ففقد. وقال آخرون: هو درم بن دب ابن مرة بن ذهل بن شيبان، وكان النعمان يطلبه، فظفر به أصحابه، فأرادوا حمله إليه فمات في أيديهم، فلما رآهم سألهم عنه، فقالوا: "أودى درم"، أي هلك، فذهبت مثلا في كل شيء يهلك ويذهب، قال الأعشى:
ولم يود من أنت تسعى له * كما قيل في الحرب أودى درم
وأصله من قولهم: رجل أدرم، وامرأة درماء؛ إذا لم يكن لعظامه حجم، والدرمان: تقارب الخطو، درم فهو دارم.
المثل المضروب
أحمق بلغ
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للرجل يدرك حاجته على حمقه، ونحوه قول الشاعر:
قد يرزق الأحمق المأفون في دعة * ويحرم الأحوذي الأرحب الباع
كذا السوام تصيب الأرض ممرعة * والأسد منزلها في غير إمراع
وقالوا: فد يكل الحسام، ويقطع الكهام، وقد تنبو الرقاق، وتكبو العتاق، ولا تجري الأقسام على قدر الأفهام، ولا الأرزاق على مبلغ الأخلاق.
وقيل في قريب من هذا المعنى: " رب حظ أدركه غير طالبه "، ودر أحرزه غير حالبه. وقيل في المعنى الأول: العجب لما يجري به القدر؛ من التوسيع على العجزة، والتضييق على الحزمة، والسبب الذي يدرك به العاجز طلبته هو الذي يحول بين الحزم وحاجته.
المثل المضروب
أخوك أم الذئب
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للشيء ترتاب به في ظلمة ولا تستبينه ، تقول: أتاني فلان حين تقول: أخوك أم الذئب. وفي مثل آخر هو في معنى هذا المثل " أبك أم بالذئب ".
والمثل لتأبط شراً، وذلك أنه خرج والشنفرى في ثلاثين رجلاً من فهم غازين، حتى وردوا بلاد بني أسد، فسمعوا صوت يعر وهو أن تأخذ التيس فتربطه على شجرة، وتحفر دونه زبيةً، فتغطيها، فيصيح، فيسمع الذئب صياحه، فإذا جاء إليه وقع في الزبية فصبروا حتى وقع الذئب في الزبية، وجاء غلام يرميه فخرجوا عليه، فاقتحم الزبية مع الذئب، فجعلوا يرمونه بالحجارة والنبل، وجعل تأبط شراً يقول: أبك أم بالذئب، حتى قتلوه، وإذا هو ابن الأفطس، فهربوا، وطلبهم الأفطس حتى واقعهم، فلم يقدر منهم على شيء، فقال الشنفرى:
خرجنا من الوادي الذي عـند مشعل * وبين الجبا هيهات أنشأت سربتي
أمشي على الأرض التي لم تضرني * لأنـكي قوماً أو أصادف حمتي
أمـشـي عـلى أين الغزاة وبعدها * يقـربني منها رواحى وغـدوتي
المثل المضروب
أنكحيني وانظري
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يكون له منظر، ولا مخبر له، وهو كقولهم: ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل. وفي هذا المذهب قول حسان:
لا بأس بالقوم من طول ومن عرض * جسم البغال وأحلام العصافير
فأخذه ابن الرومي فقال:
طول وعرض بلا عقل ولا أدب * فليس يحسن إلا وهو مصلـوب
وقال:
جمال أخي النهى كرم وخير * وليس جماله عرض وطـول
المثل المضروب
إذا رأيت الريح عاصفاً فتطامن
تفسير هذا المثل
أي إذا رأيت الأمر غالباً لك فاخضع له. وقال أبو الطمحان:
بنـي إذا ما سامك الـضيم قاهر * مقيت فبعض الذل أوقى وأحرز
ولا تحم من بعـض الأمور تعـززاً * فقد يورث الذل الطويل التعـزز
ومثله قول صاحب كليلة: لا يرد العدو القوي بمثل الخضوع له، ومثله مثل الريح العاصف، يسلم منها للعشب للينه لها؛ وانثنائه معها، وتتقصف فيها الشجر العظام لانتصابه لها. وقلت في هذا المعنى:
إن كنت تسلم من شعب الزمان ولا * أعطى السلامة منها كلما شغبا
فالعاصفات إذا مـرت عـلـى شجـر * حطمنه وتركـن الـلـيف والعشبا
المثل المضروب
الأخذ سريط والقضاء ضريط
تفسير هذا المثل
يقول: إن الذي يأخذ بالدين يأخذ بسرعة وسهولة، وإذا جاء صاحب الدين يقتضيه ضرط به وسخر منه، والسريط: من السرط، وهو سرعة البلع. سرطت الشيء، إذا بلعته، ومنه سمي الفالوذ سرطراطا، لسرعة مروره في الحلق. ومثله قولهم: الأخذ سلجان، والقضاء ليان الليان: المطل، لواه يلويه لياً ولياناً، إذا مطله، وفي الحديث: لي الواجد ظلم والواجد: الغني، والوجد: الغنى، وفي القرآن: ( من وجدكم )، وقال ذو الرمة:
تطيلين ليلي وأنت مليئة * وأحسن يا ذات الوشاح التقاضيا
والسلجان: سرعة الابتلاع أيضاً، سلج اللقمة سلجاً وسلجاناً؛ إذا بلعها بسرعة، ويروى: الأخذ سريطى والقضاء ضريطى
المثل المضروب
أخوك من آساك
أعط أخاك من عقنقل الضب
تفسير هذا المثل
اللغة العالية آساك، وواساك قليلة. وعقنقل الضب: مصراته. يقول: آسه في القليل فضلاً عن الكثير، وقال الأول:
وليس يتم الحلـم للمرء راضياً * إذا كان عند السخط لا يتحلم
كما لا يتم الجود للمرء موسراً * إذا كان عند العسر لا يتكرم
وقال غيره:
ليس جود الجواد من فضل مال * إنما الجود للمقـل المواسي
وقلت:
من لــم يواســـك فـــي قـــلـيل * لم يواســـك فـــي الكثير
والـحـق يلـــزم فـــي الـكثي * ر وليس يسقط في اليسير
المثل المضروب
الله أعلم ما حطها من رأس يسوم
اطلع عليهم ذو عينين
تفسير هذا المثل
يراد أن الله أعلم بالنيات. وأصله أن رجلاً نذر شاةً، يذبحها ويتصدق بلحمها، فمر بيسوم وهو جبل فرأى راعياً، فقال له: أتبيع شاةً من غنمك، قال: نعم، فاشتراها منه، وأمره بذبحها عنه وولى، فذبحها الراعي عن نفسه، فذكر ذلك للرجل، فقال: الله أعلم ما حطها من رأس يسوم. وذكر بعضهم أن الألف في قولنا: الله زيادة، ومجراه مجرى الألف في قولنا: الرجل والدار، وقال غيره: هي بدل من الهمزة في الإله، واستدل على ذلك بقول الناس: يا ألله، ولا يقولون: يا الرجل ويا الدار، وقال أصحاب القول الأول: أصله لاه وأنشدوا:
كحلفة من أبـي ربـاح * يسمعها لاهه الكبار
وقالوا: الألف واللام فيه للتعريف، على معنى الاستحقاق والتسليم، كما يقال: فلان الخطيب، وفلان الشاعر، أي هو مستحق لهذا الاسم، وقال سيبويه: الألف واللام فيه للتعريف، بمنزلة الألف واللام في الناس، وأصل الناس أناس لأن الناس قد يكون نكرة فيفارقه الألف واللام، والله لا يجوز فيه ذلك.
أما المثل الثانى فنعناه : أنه اطلع عليهم مطلع، ورآهم راء. وهكذا ورد المثل.
المثل المضروب
أرخ يديك واسترخ، إن الزناد من مرخ
تفسير هذا المثل
أي خفض عليك في الطلب، فإن صاحبك كريم، وإذا كانت الزناد من مرخ اكتفي بالقليل من القدح، والمرخ: شجر يقال له بالفارسية سمن، يكثر ناره، ومثله العفار، وفي مثل: في كل شجرة نار، واستمجد المرخ والعفار أي عظم نارهما. وأصل المجد الكبر والعظم.
المثل المضروب
أحبب حبيبك هوناً ما. عسى أن يكون بغيضك يوماً ما
وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما
تفسير هذا المثل
المثل لأمير المؤمنين علي رضى الله عنه. وهوناً: أي قصداً غير إفراط.
أخبرنا أبو أحمد، عن الجوهري، عن عمرو بن فلان، عن عبد الله بن عمرو، عن زيد بن أنيسة، عن محمد بن عبيد الله الأنصاري، عن أبيه، قال: سمعت علياً رضى الله عنه يقول مراراً: اللهم إني أبرأ إليك من قتلة عثمان، وإني أرجو أن يصيبني وعثمان قول الله: ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين )
وقال النمر بن تولب:
وأحبب حبيبك حباً رويداً * لئلا يعولك أن تصرما
وأبغض بغيضك بغضاً رويداً * إذا أنت حاولت أن تحكما
ومن جيد ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم: لا تكن مكثراً، ثم تكون مقلاً، فيعرف سرفك في الإكثار، وجفاؤك في الإقلال. ومنه قول عمر رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا.
المثل المضروب
اترك الشر كما يتركك
تفسير هذا المثل
يراد: إنما يصيب الشر من يتعرض له. والمثل للقمان بن عاد قاله لابنه اترك الشر كما يتركك، أي كيما يتركك، وكما لغة في كيما، قال الشاعر:
أنخ فاصطبغ قرصاً إذا اعتادك الهوى * بزيت كما يكفيك فقد الحبائب
أي كيما يكفيك.
قال الشيخ أبو هلال رحمه الله: وقد يصيب الشر من يعتزله ولا يتعرض له: قال الشاعر:
فإن الحرب يجنبها أناس * ويصلى حرها قـوم بـراء
ونحوه قول الحارث بن عباد:
لم أكن من جناتها علم الله * وإني بحرها اليوم صالي
وقد مر من قبل.
المثل المضروب
ألقى عليه بعاعه
تفسير هذا المثل
وله موضعان، يقال: ألقى عليه بعاعه، أي ألقى عليه نفسه من حبه. وألقى عليه بعاعه، أي ثقله. والبعاع: المتاع والثقل وبعاع السحاب ثقله بالمطر. قال امرؤ القيس:
وألقى بصحراء الغبيط بعاعه * نزول اليماني ذي العياب المخول
والمخول: الذي له خول. ومثله: ألقى عليه شراشره، إذا أحبه، وله موضعان أيضاً. يقال: ألقى عليه شراشره، إذا أحبه، والشراشر: البدن وما تذبذب من الثياب، يقول: ألقى عليه بدنه من حبه له. والشراشر أيضاً: النفس. وألقى عليه شراشره، أي ثقله. وقال بلعاء بن قيس:
وقد يكره الإنسان ما فيه رشده * ونلقى على غير الصواب شراشره
والشرشرة أيضاً: أن نحك سكيناً على حجر حتى يخشن حده.
المثل المضروب
أراه عبر عينه
تفسير هذا المثل
العبر والعبر سواء، أي أراه ما أسخن به عينه. ويقولون في الدعاء على الرجل: لأمه العبر! واستعبر الرجل، إذا بكى، وهي العبرة، أي البكاء، والعابر: الثاكل، قال:
يقول لي النهدي إنك مردفي * وكيف رداف الفل أمك عابر
ويقولون للباكي: دماً لا دمعاً، ولا رقأت دمعته. ويقال: أرقأ الله به الدم، أي ساق إلى قومه جيشاً يطلبون بقتيل فيقتل، فيرقأ به دم غيره، ويقولون في الدعاء على الرجل: أرانيه الله أغر محجلاً، أي محلوق الرأس مقيداً. والحجل: القيد، وأطفأ الله ناره، أي أعمى عينيه، كذا قال ثعلب. ورأيته حاملاً جنبه، أي مجروحاً، ولا ترك الله له شامتةً والشوامت: القوائم وخلع الله نعليه: جعله مقعداً.
المثل المضروب
أباد غضراءهم
تفسير هذا المثل
أي خيرهم وغضارتهم، وأصل الغضراء: طين علك، يقال: أنبط بئره في عضراء طيبة، ويمكن أن يقال: إن اشتقاق الغضارة من ذلك، ويجوز أن يكون من غضارة العيش.
وقيل: أباد الله خضراءهم، أي سوادهم ومعظمهم؛ والعرب تسمي السواد خضرة، ولهذا قيل: سواد العراق، للماء والشجر فيها، وذلك أنه يرى من البعد أسود، ومن ثم قيل: كتيبة خضراء، لما يعلوها من صدأ الحديد. وقيل لجماعة الناس: السواد والدهماء، لأنها ترى من البعد سوداء.
المثل المضروب
أعلاها ذا فوق، إن شئت فارجع في فوق
تفسير هذا المثل
أي هو أعلى القوم سهماً، وأرفعهم أمراً، وذو الفوق هو السهم، وفوقه الموضع الذي يوضع في الوتر، أي أعلاها سهماً.
ويقولون: إن شئت فارجع في فوق، أي ارجع إلى الأمر الأول من المصالحة والمؤاخاة، وأنشد ثعلب:
هل أنت قائلة خيراً وتاركة * شراً وراجعة إن شئت في فوق
المثل المضروب
أرني غياً أزد فيه
تفسير هذا المثل
مثل للرجل يشتهي الشر. ومن أمثالهم في الغي قول القطامي:
يطيعون الـغـواة وكـان شـراً * لمؤتمر الغواية أن يطاعا
وقول المرقش:
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
وقول المحدث:
ما الماء منحدراً من رأس رابية * يوماً بأسرع من غاو إلى غـاو
المثل المضروب
أوجر ما أنا من سملقة
تفسير هذا المثل
أوجر أي خائف، وما صلة، يقال: إني منه لأوجل ولأوجر، أي وجل، وسملقة: لقب رجل كان يغضب إذا دعي به، فدعي به عند بعض الملوك، فغضب وقال: أوجر ما أنا من سملقة أي كنت أخاف أن أدعى بذلك عنده، فأهون عليه، وقد وقعت فيما خفت. و يضرب مثلاً للشيء يخاف ناحيته، والسملق: الفلاة الواسعة، كذا وجدته عن بعض العلماء. وقال مؤرج السدوسي: سملقة هو قتادة بن التوءم، وكان عند النعمان بن المنذر، فقال نعمان بن سيحان: أبيت اللعن، إنه يدعى سملقة فيغضب، فأمر النعمان فنودي: يا سملقة، فقال لابن سيحان: انت أخبرته? فحلف إنه لم يفعل، فأنشأ قتادة يقول:
جزى الله نعمان بن سـيحان سعـيه * جزاء مغل باللسان وباليد
فقصرك منه أن ينوء بحلفة * كما قيل للمخنوق هل أنت مفتد
المثل المضروب
ارض من العشب بالخوصة
البكري أخوك فلا تأمنهالبكري أخوك فلا تأمنه
تفسير هذا المثل
أي ارض من الأمر بالقليل. وهو مثل في القناعة، ومن أمثالهم في ذلك: بؤسى لمن لم يرض بالكفاف.
إن القنوع الغني لا كثرة المال
والقنوع يستعمل في موضع القناعة، وليس بالجيد، فإنما القنوع السؤال.
وقال آخر:
والعيش لا عيش إلا ما قنعت به * قد يكثر المال والإنسان مـفـتـقـر
أما المثل الثانى فيراد به التحذير من الرجل القريب.
المثل المضروب
الأمور وصلات
تفسير هذا المثل
أي يستعان ببعضها على بعض، وليس هذا من قولهم: الأمر قد يغزى به الأمر وجعله بعضهم مثله، وإنما معنى هذا: أن الأمر ربما بعثك على الأمر فتفعله ولم تكن تريده، والمثل الآخر: والأمر قد يغزى به الأمر أي قد يفعل ويراد غيره، ومن أمثالهم في الأمر قولهم: الأمر يبدو لك في التدبر، والأمر يحدث بعده الأمر، والأمر تحقده وقد ينمي، و أمر الله يطرق كل ليلة، والأمر يأتيك لم يخطر على بال.
المثل المضروب
إحدى بنات طبق
تفسير هذا المثل
يعنى به الداهية، وأصله الحية. والمثل للقمان بن عاد؛ أخبرنا أبو أحمد، قال: أخبرنا أبو بكر بن دريد، قال: أخبرنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبي، عن عوانة، قال: كان لقمان بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح لما أعطي ما أعطي من العمر، وهلكت العماليق، فخرج معهم، وهو ظاعنون، حتى أشرفوا على ثنية، فقالت امرأة لزوجها: يا فلان، احمل لي هذا الكرز، فإن فيه متاعاً لي، ففعل، فلما توسط الثنية وجد بللاً على عنقه، فقذف بالكرز، وقال: يا هنتاه، عليك كرزك، فخرج رجل يسعى في عرض الجبل، فقال له لقمان: إحدى بنات طبق، شرك على رأسك، قال أبو بكر: سألت أبا حاتم عن بنت طبق، فقال: هي السلحفاة، بضم السين وفتح اللام وسكون الحاء، وتقول العرب: إنها تبيض بيضةً تنقف عن أسود، فقال: يا لقمان، ما جزاؤها، قال: تدفن حية في كرزها، فدفنت. قال أبو حاتم: وأظن أصل رجم المحصنة من هذا. والله أعلم. ومعناه أن هذه المرأة بمنزلة الحية.
المثل المضروب
أو مرناً ما أخرى
تفسير هذا المثل
يراد به: أو يكون الأمر على خلاف ذلك. وهو مثل أن يقول لك الرجل: لأغيظنك أنا، وقد يقال: أو مرساً ما أخرى.
ولعله من قولهم: مرن على الشيء، إذا استمر عليه، فيكون معناه: أو تستمر على أمر آخر، ومرن الثوب، إذا لان، والمرن: الأديم المدلوك الملين. والمرس أيضاً: الرجل الشديد المراس. والمرس: الحبل.
مُختصر كتاب جمهرة الأمثال لأبو هلال العسكري
استراح من لا عقل له
تفسير هذا المثل
والمثل لعمرو بن العاص، قاله لولده في كلام يقول فيه: وال عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من وال ظلوم، ووال ظلوم خير من فتنة تدوم، عثرة الرجل عظم يجبر، وعثرة اللسان لا تبقي ولا تذر، وقال: استراح من لا عقل له؛ معناه أن العاقل كثير الهموم والتفكر في الأمور، ولا يكاد يتهنأ بشيء، والأحمق لا يفكر في شيء فيهتم..وإلى هذا المعنى ذهب القائل:
الصعو يصفر آمناً ولأجله * حبس الهزار لأنه يترنم
لو كنت أجهل ما علمت لسرني * جهلي كما قد ساءني ما أعلم
وقال المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله * وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وقلت:
أواصل الهم في ضيق وفـي سـعة * كأن بـيني وبين الهم أرحاما
إن الذي عظمت في الناس همته * رأى السرور جوىً والوفر إعداما
وقيل للحسن: ما لنا نراك واجماً! فقال: غمي مكتسب من عقلي، ولو كنت جاهلاً لكنت في دعة من عيشي. ويقولون: هم الدنيا على العاقل.
وقيل: معنى المثل استراح الصبي الذي لا عقل له، فهو لا يفكر في شيء من مستقبل العيش.
ورأى الحسن صبياناً يلعبون، فقال: مذ فارقناكم لم نر يوماً طيباً. وقال الشاعر في معنى الأول:
ألف الهموم وساده وتجنبت * كسلان يصبح في المنام ثقيلا
وقال امرؤ القيس:
وهل يعمن إلا سعـيد مخلد * قليل الهموم ما يبيت بأوجال
قيل: أراد الصبي. والمخلد: المقرط. والخلدة: القرط. وفي القرآن: (ولدان مخلدون)، قالوا: مقرطون، ولو أراد الخلود لم يخص الولدان، وقيل: أراد الأحمق. والمخلد: الذي شاخ وبقي سواد شعره، يقال: رجل مخلد، إذا كبر ولم يشب، وجعله أسود الشعر لأنه لا يهتم بالشيء أصلاً؛ لأن الشيب مما يهم الأحمق والعاقل جميعاً، فإذا بقي سواد شعره كان أقل لهمه.
المثل المضروب
إذا قطعن علماً بدا علم
تفسير هذا المثل
معناه إذا فرغنا من أمر متعب جاء أمر آخر مثله. والعلم ها هنا: الطربال المنصوب في الطريق يهتدى به، ومن هذا سمي آيات الأنبياء عليهم السلام أعلاماً للاستدلال بها، والعلم: الجبل أيضاً، وفي القرآن: (وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام) يعني الجبال، قالت الخنساء:
كأنه علم في رأسه نار
ومن الأول قولهم: هذه أعلام الشيء، أي دلائله، ومنه قوله تعالى: ( وإنه لعلم للساعة ).
المثل المضروب
أسمحت قرونته وقرينته
تفسير هذا المثل
أي نفسه، وأسمحت أي أطاعت وانقادت، يقول: تابعته نفسه على الأمر، وقد يقال: أصحبت قرونته، بمعنى أسمحت، والإسماح: الانقياد، والسماح والسماحة: الجود، وقد سمح، وهو سمح، ولا يقال: سامح، وهو الأصل، وأصحبت الرجل، إذا تبعته منقاداً له، وأصحبته، إذا حفظته، وفي القرآن: ( ولا هم منا يصحبون )، وقال الشاعر:
وصاحبي من دواعي الشر مصطحب
أي محفوظ.
المثل المضروب
أصيد القنفذ أم لقطة
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للأمر لا يدرى من أي الصنفين هو، واللقطة: ما التقطته فاحتجت إلى تعريفه، ومن أمثالهم في القنفذ قولهم: بات بليلة أنقد إذا لم ينم ليلته، وبات يسري. والأنقد: القنفذ؛ لأن القنفذ لا ينام الليل، قال الشاعر:
كقنفذ الرمل لا تخفى مدارجه * خب إذا نام ليل الناس لم ينم
ويشبه به النمام لخبثه، واضطرا به في ليله، قال عبدة بن الطبيب:
قوم إذا دمس الظلام عليهم * حدجوا قنافذ بالنميمة تمزع
المثل المضروب
أبعد الوهي ترقعين وأنت مبصرة
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يأتي الخطأ على بصيرة، وتمثل به علي رضي الله عنه. أخبرنا أبو القاسم، عن العقدي، عن ابن جعفر، عن المدائني، عن جماعة ذكرهم قالوا: قال عمرو بن العاص لمعاوية في بعض أيام صفين: ألا أدعو علياً إلى المبارزة، قال: لا تفعل، فإنه ما بارزه أحد إلا قتله، فبرز له رجل يقال له عروة من أهل دمشق فقال: يا أبا حسن، قد كره معاوية وعمرو مبارزتك فهلم، فقال لقنبر: دونكه، فبرز له قنبر فقتله، فقال علي: أما إنه لقد أصبح من النادمين.
وبارز عبد الرحمن بن محرز الكندي رجلاً من أهل الشام، فقتله عبد الرحمن، ونزل فسلبه، وإذا المقتول حبشي، فقال: إنا لله، لمن عرضت نفسي، وحلف لا يبارز أحداً حتى يعرفه. وقتل قيس بن جلان الكندي رجلاً من عك، فقال:
لقد علمت عك بصفين أننا * إذا التقت الخيلان قطعتها شزرا
ونحمل رايات الحقوق بحقها * فنوردها بيضاً ونصدرها حمرا
فقال عنمة بن زهير الأنصاري لعلي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، سمعت عمرو بن العاص يقول:
أضربـكـم ولا أرى أبـا حـسـن * كفى بهذا حزناً من الحزن
فقال علي: لقد ترك مكاني وهو يعرفه، ولكنه كما قال الأول: أبعد الوهي ترقعين وأنت مبصرة
المثل المضروب
إن تنفري فقد رأيت نفرا
تفسير هذا المثل
معناه: إن تفزعي فقد رأيت ما يفزعك. والنفر هاهنا: النفور، يقال: نفر عن الشيء نفاراً ونفوراً، فأما النفر فأكثر ما يستعمل في قولهم: نفر الجرح نفراً، إذا ترامي إلى فساد. ونفر الرجل نفراً، إذا خرج في وجه، وفي القرآن: ( ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض )
ومثله قولهم: أعرضت القرفة
وهو أن يقال لك: من سرقك، فتقول: رجل من أهل خراسان، أو من أهل العراق، والقرفة من قولهم: قرفته بكذا، إذا رميته به وقذفته، وأكثر ما يكون القذف في الزنا، والقرف في السرقة. ويقال: فلان قرفتي، أي الذي أتهمه أنه سرقني، وقرفت الشيء واقترفته أيضاً، إذا كسبته. وفي القرآن: ( بما كانوا يقترفون ) أي يكتسبون، وقرفت القرحة، إذا قشرت جلدها من وجهها، وقرف كل شيء قشره.
المثل المضروب
أعذر من أنذر
تفسير هذا المثل
أي أقام العذر من خوف قبل الفعل. ويقال: أعذر الرجل، إذا بلغ أقصى العذر، وعذر إذا قصر، وإذا اعتذر ولم يأت بعذر. وفي القرآن: ( وجاء المعذرون من الأعراب ). وقولهم: من عذيري من فلان، أي من يعذرني منه، والعذير: مصدر بمنزلة النكير؛ فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لن يهلك الناس حتى يعذروا " فإنه من قولهم: أعذر الرجل، إذا كثرت ذنوبه وعيوبه. وقيل: حتى يعذروا من يعذبهم، أي يقيموا له عذراً، وأما قولهم: تعذر علي الأمر فمعناه ضاق علي، وسميت العذراء عذراء لضيقها ويقال: اعتذر الرجل؛ إذا أتى بعذر، واعتذر؛ إذا لم يأت بعذر. ومنه قوله تعالى: ( قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم )،
وأما قول لبيد: ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
فمعناها: فقد أتى بعذر.
المثل المضروب
آثراً ما، أول صوك وبوك
تفسير هذا المثل
يقال: افعل ذاك أول صوك وبوك، أي أول كل شيء. وافعله آثراً ما، وأثراً ما، وآثر ذي أثير؛ كل ذلك إذا أمر بتقديم العمل على غيره، وأنشدوا:
وقالوا ما تشاء فقلت ألهو * إلى الإصباح آثر ذي أثير
قال المفضل: افعله آثراً ما، أي افعله مؤثراً له على غيره. وقال الأصمعي: أي افعله عازماً عليه، وقيل: افعله إيثاراً له على غيره، وينصب على المصدر.
قال أبو بكر: يقال: ما به صوك ولا بوك، أي ما به حركة، فكأن معنى قولهم: افعله أول صوك وبوك أي قبل أن يتحرك غيرك له، ويسبقك إليه.
المثل المضروب
التقى الثريان
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً لاتفاق الأخوين في التحاب. والثرى: الندى، وذلك أن المطر إذا كثر رسخ في الأرض، حتى يلتقي نداه وندى بطن الأرض، فشبه سرعة اتفاق المتفقين على المودة بعد تباينهما بالماء ينزل من السماء، فيلتقي مع ما تحت الأرض.
وقريب من هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ".
وأخذ ذلك أبو نواس فقال:
إن القلوب لأجناد مجندة * لله في الأرض بالأهواء تأتلف
فما تعارف منها فهو معترف * وما تناكر منها فهو مختلف
وخالف ذلك ابن الرومي فقال:
قالوا القلوب تجازي قلت ويحكم * هذا المحال فكفوا لا تغروني
على الخبير سقطتم ها أنا رجل * أحببت في الناس قوماً لم يحبوني
المثل المضروب
أعلم بها من غص بها
تفسير هذا المثل
أي من ولي الأمر ومارسه كان أعلم به ممن بعد عنه وفارقه. والفرس تقول: المائح أعلم بمقدار الماء في البئر من الماتح، والمائح الذي ينزل البئر إذا قل الماء، فيملأ الدلو، وهو أصل قولهم: ماحه، إذا أعطاه، واستماحه، إذا طلب منه. والماتح: المستقي من رأس البئر على بكرة؛ متح متحاً، والنازع: الذي يستقي من غير بكرة، وقد نزع نزعاً.
المثل المضروب
أسري عليه بليل
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للأمر قد تقدم فيه، وسبق إلى إبرامه، والعامة تقول: أمر عمل بليل، ومثله قول عنترة:
إن كنت أزمعت الفراق فإنما * زمت ركابكم بـليل مظلم
وقال آخر:
زحـرت بـهـا لــيلةً كـــلـــهـــا * فجئت بها مؤيداً خنفقيقا
والمؤيد والخنفقيق اسمان من أسماء الداهية، ومنه قوله تعالى: ( بيت طائفة منهم غير الذي تقول ) وكل أمر تفكر فيه ليلاً حتى أبرم فقد بيت، وإنما خص الليل، لأن البال بالليل أخلى، والفكر أجمع. ونحوه قوله تعالى: ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً ) أي هي أبلغ في القيام للصلاة، وأبين في القراءة. وناشئة الليل: ساعاته، وكل ما حدث فقد نشأ.
المثل المضروب
أمر دون عبيدة الوذم
تفسير هذا المثل
وأوله:
ولقد هممت بذاك إذ حبست * وأمر دون عبيدة الوذم
يضرب مثلاً للرجل يقطع الأمر دونه، وهو مما يهجى به، قال جرير:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم * ولا يستأذنون وهم شهود
والوذم: سيور تشد بها أطراف العراقي، والجمع الأوذام، وذم دلوك توذيماً، فكل سير قددته مستطيلاً فهو وذم، وكذلك اللحم. وقال علي رضي الله عنه: لأنفضنكم نفض الجزار الوذام التربة، فقلبه أصحاب الحديث، فقالوا: التراب الوذمة.
المثل المضروب
أنكحنا الفرا فسنرى
تفسير هذا المثل
يراد فعلنا الفعل وننظر عاقبته. ونحوه قول الله تعالى: ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون )، أي فينظر أولياءه، كما قال: ( إن الذين يؤذون الله ورسوله )، معناه: يؤذون أولياءه؛ فإن الله تعالى لا يلحقه الأذى. والفرأ: الحمار الوحشي، والجمع فراء. ومنه قولهم: كل الصيد في جوف الفرا وسنفسره. وتلخيص معنى المثل: أنا جمعنا بين الحمار والأتان ننظر ما ينتج هذا الجمع، و يضرب مثلاً للأمر يجتمعون على المشورة فيه، ثم ينظر عما ذا يصدرون منه.
المثل المضروب
أنف في السماء واست في الماء
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للمتكبر الصغير الشأن، ومنه قول الراجز وهو الأعشى:
أنوفهم ملفخر في أسلوب * وشعر الأستاه بالجبوب
الأسلوب: الطريقة، يقال: أخذ في أساليب من القول، أي في طرق منه، والجبوب يعني الأرض. وخرجت خارجة بخراسان فقيل لقتيبة بن مسلم: لو وجهت إليهم وكيع بن أبي سود، قال: وكيع رجل عظيم، في أنفه خنزوانة، وفي رأسه نعرة، وإنما أنفه في أسلوب، ومن عظم كبره اشتد عجبه، ومن أعجب برأيه لم يشاور كفيئاً، ولم يؤامر نصيحاً، ومن تفرد بالنظر لم يكمل له الصواب، ومن تبجح بالانفراد، وفخر بالاستبداد كان من الصواب بعيداً، ومن الخذلان قريباً، والخطأ مع الجماعة خير من الصواب مع الفرقة وإن كانت الجماعة تخطئ والفرقة تصيب، ومن تكبر على عدوه حقره، وإذا حقره تهاون بأمره، ومن تهاون بخصمه، ووثق بفضل قوته، قل احتراسه، ومن قل احتراسه كثر عثاره، وما رأيت عظيم الكبر صاحب حرب إلا كان منكوبا، ولا والله حتى يكون عدوه عنده، وخصمه فيما يغلب عليه أسمع من فرس، وأبصر من عقاب، وأهدى من قطاة، وأحذر من عقعق، وأشد إقداماً من الأسد، وأوثب من الفهد، وأحقد من جمل، وأروغ من ثعلب، وأغدر من ذئب، وأسخى من لافظة، وأشح من ظبي، وأجمع من ذرة، وأحرس من كلب، وأصبر من ضب، فإن النفس تسمح من العناية على قدر الحجة، وتتحفظ على قدر الخوف، وتطلب على قدر الطمع، وتطمع على قدر السبب.
المثل المضروب
أودى درم
تفسير هذا المثل
قال أبو بكر: يضرب مثلاً للرجل يقتل، ولا يطلب بثأره. ودر رجل من بني شيبان، قتل ولم يثأر به. وقال غيره: يراد به هلك الأمر وتفاوت. ودرم: رجل بعث رائداً ففقد. وقال آخرون: هو درم بن دب ابن مرة بن ذهل بن شيبان، وكان النعمان يطلبه، فظفر به أصحابه، فأرادوا حمله إليه فمات في أيديهم، فلما رآهم سألهم عنه، فقالوا: "أودى درم"، أي هلك، فذهبت مثلا في كل شيء يهلك ويذهب، قال الأعشى:
ولم يود من أنت تسعى له * كما قيل في الحرب أودى درم
وأصله من قولهم: رجل أدرم، وامرأة درماء؛ إذا لم يكن لعظامه حجم، والدرمان: تقارب الخطو، درم فهو دارم.
المثل المضروب
أحمق بلغ
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للرجل يدرك حاجته على حمقه، ونحوه قول الشاعر:
قد يرزق الأحمق المأفون في دعة * ويحرم الأحوذي الأرحب الباع
كذا السوام تصيب الأرض ممرعة * والأسد منزلها في غير إمراع
وقالوا: فد يكل الحسام، ويقطع الكهام، وقد تنبو الرقاق، وتكبو العتاق، ولا تجري الأقسام على قدر الأفهام، ولا الأرزاق على مبلغ الأخلاق.
وقيل في قريب من هذا المعنى: " رب حظ أدركه غير طالبه "، ودر أحرزه غير حالبه. وقيل في المعنى الأول: العجب لما يجري به القدر؛ من التوسيع على العجزة، والتضييق على الحزمة، والسبب الذي يدرك به العاجز طلبته هو الذي يحول بين الحزم وحاجته.
المثل المضروب
أخوك أم الذئب
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للشيء ترتاب به في ظلمة ولا تستبينه ، تقول: أتاني فلان حين تقول: أخوك أم الذئب. وفي مثل آخر هو في معنى هذا المثل " أبك أم بالذئب ".
والمثل لتأبط شراً، وذلك أنه خرج والشنفرى في ثلاثين رجلاً من فهم غازين، حتى وردوا بلاد بني أسد، فسمعوا صوت يعر وهو أن تأخذ التيس فتربطه على شجرة، وتحفر دونه زبيةً، فتغطيها، فيصيح، فيسمع الذئب صياحه، فإذا جاء إليه وقع في الزبية فصبروا حتى وقع الذئب في الزبية، وجاء غلام يرميه فخرجوا عليه، فاقتحم الزبية مع الذئب، فجعلوا يرمونه بالحجارة والنبل، وجعل تأبط شراً يقول: أبك أم بالذئب، حتى قتلوه، وإذا هو ابن الأفطس، فهربوا، وطلبهم الأفطس حتى واقعهم، فلم يقدر منهم على شيء، فقال الشنفرى:
خرجنا من الوادي الذي عـند مشعل * وبين الجبا هيهات أنشأت سربتي
أمشي على الأرض التي لم تضرني * لأنـكي قوماً أو أصادف حمتي
أمـشـي عـلى أين الغزاة وبعدها * يقـربني منها رواحى وغـدوتي
المثل المضروب
أنكحيني وانظري
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يكون له منظر، ولا مخبر له، وهو كقولهم: ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل. وفي هذا المذهب قول حسان:
لا بأس بالقوم من طول ومن عرض * جسم البغال وأحلام العصافير
فأخذه ابن الرومي فقال:
طول وعرض بلا عقل ولا أدب * فليس يحسن إلا وهو مصلـوب
وقال:
جمال أخي النهى كرم وخير * وليس جماله عرض وطـول
المثل المضروب
إذا رأيت الريح عاصفاً فتطامن
تفسير هذا المثل
أي إذا رأيت الأمر غالباً لك فاخضع له. وقال أبو الطمحان:
بنـي إذا ما سامك الـضيم قاهر * مقيت فبعض الذل أوقى وأحرز
ولا تحم من بعـض الأمور تعـززاً * فقد يورث الذل الطويل التعـزز
ومثله قول صاحب كليلة: لا يرد العدو القوي بمثل الخضوع له، ومثله مثل الريح العاصف، يسلم منها للعشب للينه لها؛ وانثنائه معها، وتتقصف فيها الشجر العظام لانتصابه لها. وقلت في هذا المعنى:
إن كنت تسلم من شعب الزمان ولا * أعطى السلامة منها كلما شغبا
فالعاصفات إذا مـرت عـلـى شجـر * حطمنه وتركـن الـلـيف والعشبا
المثل المضروب
الأخذ سريط والقضاء ضريط
تفسير هذا المثل
يقول: إن الذي يأخذ بالدين يأخذ بسرعة وسهولة، وإذا جاء صاحب الدين يقتضيه ضرط به وسخر منه، والسريط: من السرط، وهو سرعة البلع. سرطت الشيء، إذا بلعته، ومنه سمي الفالوذ سرطراطا، لسرعة مروره في الحلق. ومثله قولهم: الأخذ سلجان، والقضاء ليان الليان: المطل، لواه يلويه لياً ولياناً، إذا مطله، وفي الحديث: لي الواجد ظلم والواجد: الغني، والوجد: الغنى، وفي القرآن: ( من وجدكم )، وقال ذو الرمة:
تطيلين ليلي وأنت مليئة * وأحسن يا ذات الوشاح التقاضيا
والسلجان: سرعة الابتلاع أيضاً، سلج اللقمة سلجاً وسلجاناً؛ إذا بلعها بسرعة، ويروى: الأخذ سريطى والقضاء ضريطى
المثل المضروب
أخوك من آساك
أعط أخاك من عقنقل الضب
تفسير هذا المثل
اللغة العالية آساك، وواساك قليلة. وعقنقل الضب: مصراته. يقول: آسه في القليل فضلاً عن الكثير، وقال الأول:
وليس يتم الحلـم للمرء راضياً * إذا كان عند السخط لا يتحلم
كما لا يتم الجود للمرء موسراً * إذا كان عند العسر لا يتكرم
وقال غيره:
ليس جود الجواد من فضل مال * إنما الجود للمقـل المواسي
وقلت:
من لــم يواســـك فـــي قـــلـيل * لم يواســـك فـــي الكثير
والـحـق يلـــزم فـــي الـكثي * ر وليس يسقط في اليسير
المثل المضروب
الله أعلم ما حطها من رأس يسوم
اطلع عليهم ذو عينين
تفسير هذا المثل
يراد أن الله أعلم بالنيات. وأصله أن رجلاً نذر شاةً، يذبحها ويتصدق بلحمها، فمر بيسوم وهو جبل فرأى راعياً، فقال له: أتبيع شاةً من غنمك، قال: نعم، فاشتراها منه، وأمره بذبحها عنه وولى، فذبحها الراعي عن نفسه، فذكر ذلك للرجل، فقال: الله أعلم ما حطها من رأس يسوم. وذكر بعضهم أن الألف في قولنا: الله زيادة، ومجراه مجرى الألف في قولنا: الرجل والدار، وقال غيره: هي بدل من الهمزة في الإله، واستدل على ذلك بقول الناس: يا ألله، ولا يقولون: يا الرجل ويا الدار، وقال أصحاب القول الأول: أصله لاه وأنشدوا:
كحلفة من أبـي ربـاح * يسمعها لاهه الكبار
وقالوا: الألف واللام فيه للتعريف، على معنى الاستحقاق والتسليم، كما يقال: فلان الخطيب، وفلان الشاعر، أي هو مستحق لهذا الاسم، وقال سيبويه: الألف واللام فيه للتعريف، بمنزلة الألف واللام في الناس، وأصل الناس أناس لأن الناس قد يكون نكرة فيفارقه الألف واللام، والله لا يجوز فيه ذلك.
أما المثل الثانى فنعناه : أنه اطلع عليهم مطلع، ورآهم راء. وهكذا ورد المثل.
المثل المضروب
أرخ يديك واسترخ، إن الزناد من مرخ
تفسير هذا المثل
أي خفض عليك في الطلب، فإن صاحبك كريم، وإذا كانت الزناد من مرخ اكتفي بالقليل من القدح، والمرخ: شجر يقال له بالفارسية سمن، يكثر ناره، ومثله العفار، وفي مثل: في كل شجرة نار، واستمجد المرخ والعفار أي عظم نارهما. وأصل المجد الكبر والعظم.
المثل المضروب
أحبب حبيبك هوناً ما. عسى أن يكون بغيضك يوماً ما
وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما
تفسير هذا المثل
المثل لأمير المؤمنين علي رضى الله عنه. وهوناً: أي قصداً غير إفراط.
أخبرنا أبو أحمد، عن الجوهري، عن عمرو بن فلان، عن عبد الله بن عمرو، عن زيد بن أنيسة، عن محمد بن عبيد الله الأنصاري، عن أبيه، قال: سمعت علياً رضى الله عنه يقول مراراً: اللهم إني أبرأ إليك من قتلة عثمان، وإني أرجو أن يصيبني وعثمان قول الله: ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين )
وقال النمر بن تولب:
وأحبب حبيبك حباً رويداً * لئلا يعولك أن تصرما
وأبغض بغيضك بغضاً رويداً * إذا أنت حاولت أن تحكما
ومن جيد ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم: لا تكن مكثراً، ثم تكون مقلاً، فيعرف سرفك في الإكثار، وجفاؤك في الإقلال. ومنه قول عمر رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا.
المثل المضروب
اترك الشر كما يتركك
تفسير هذا المثل
يراد: إنما يصيب الشر من يتعرض له. والمثل للقمان بن عاد قاله لابنه اترك الشر كما يتركك، أي كيما يتركك، وكما لغة في كيما، قال الشاعر:
أنخ فاصطبغ قرصاً إذا اعتادك الهوى * بزيت كما يكفيك فقد الحبائب
أي كيما يكفيك.
قال الشيخ أبو هلال رحمه الله: وقد يصيب الشر من يعتزله ولا يتعرض له: قال الشاعر:
فإن الحرب يجنبها أناس * ويصلى حرها قـوم بـراء
ونحوه قول الحارث بن عباد:
لم أكن من جناتها علم الله * وإني بحرها اليوم صالي
وقد مر من قبل.
المثل المضروب
ألقى عليه بعاعه
تفسير هذا المثل
وله موضعان، يقال: ألقى عليه بعاعه، أي ألقى عليه نفسه من حبه. وألقى عليه بعاعه، أي ثقله. والبعاع: المتاع والثقل وبعاع السحاب ثقله بالمطر. قال امرؤ القيس:
وألقى بصحراء الغبيط بعاعه * نزول اليماني ذي العياب المخول
والمخول: الذي له خول. ومثله: ألقى عليه شراشره، إذا أحبه، وله موضعان أيضاً. يقال: ألقى عليه شراشره، إذا أحبه، والشراشر: البدن وما تذبذب من الثياب، يقول: ألقى عليه بدنه من حبه له. والشراشر أيضاً: النفس. وألقى عليه شراشره، أي ثقله. وقال بلعاء بن قيس:
وقد يكره الإنسان ما فيه رشده * ونلقى على غير الصواب شراشره
والشرشرة أيضاً: أن نحك سكيناً على حجر حتى يخشن حده.
المثل المضروب
أراه عبر عينه
تفسير هذا المثل
العبر والعبر سواء، أي أراه ما أسخن به عينه. ويقولون في الدعاء على الرجل: لأمه العبر! واستعبر الرجل، إذا بكى، وهي العبرة، أي البكاء، والعابر: الثاكل، قال:
يقول لي النهدي إنك مردفي * وكيف رداف الفل أمك عابر
ويقولون للباكي: دماً لا دمعاً، ولا رقأت دمعته. ويقال: أرقأ الله به الدم، أي ساق إلى قومه جيشاً يطلبون بقتيل فيقتل، فيرقأ به دم غيره، ويقولون في الدعاء على الرجل: أرانيه الله أغر محجلاً، أي محلوق الرأس مقيداً. والحجل: القيد، وأطفأ الله ناره، أي أعمى عينيه، كذا قال ثعلب. ورأيته حاملاً جنبه، أي مجروحاً، ولا ترك الله له شامتةً والشوامت: القوائم وخلع الله نعليه: جعله مقعداً.
المثل المضروب
أباد غضراءهم
تفسير هذا المثل
أي خيرهم وغضارتهم، وأصل الغضراء: طين علك، يقال: أنبط بئره في عضراء طيبة، ويمكن أن يقال: إن اشتقاق الغضارة من ذلك، ويجوز أن يكون من غضارة العيش.
وقيل: أباد الله خضراءهم، أي سوادهم ومعظمهم؛ والعرب تسمي السواد خضرة، ولهذا قيل: سواد العراق، للماء والشجر فيها، وذلك أنه يرى من البعد أسود، ومن ثم قيل: كتيبة خضراء، لما يعلوها من صدأ الحديد. وقيل لجماعة الناس: السواد والدهماء، لأنها ترى من البعد سوداء.
المثل المضروب
أعلاها ذا فوق، إن شئت فارجع في فوق
تفسير هذا المثل
أي هو أعلى القوم سهماً، وأرفعهم أمراً، وذو الفوق هو السهم، وفوقه الموضع الذي يوضع في الوتر، أي أعلاها سهماً.
ويقولون: إن شئت فارجع في فوق، أي ارجع إلى الأمر الأول من المصالحة والمؤاخاة، وأنشد ثعلب:
هل أنت قائلة خيراً وتاركة * شراً وراجعة إن شئت في فوق
المثل المضروب
أرني غياً أزد فيه
تفسير هذا المثل
مثل للرجل يشتهي الشر. ومن أمثالهم في الغي قول القطامي:
يطيعون الـغـواة وكـان شـراً * لمؤتمر الغواية أن يطاعا
وقول المرقش:
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
وقول المحدث:
ما الماء منحدراً من رأس رابية * يوماً بأسرع من غاو إلى غـاو
المثل المضروب
أوجر ما أنا من سملقة
تفسير هذا المثل
أوجر أي خائف، وما صلة، يقال: إني منه لأوجل ولأوجر، أي وجل، وسملقة: لقب رجل كان يغضب إذا دعي به، فدعي به عند بعض الملوك، فغضب وقال: أوجر ما أنا من سملقة أي كنت أخاف أن أدعى بذلك عنده، فأهون عليه، وقد وقعت فيما خفت. و يضرب مثلاً للشيء يخاف ناحيته، والسملق: الفلاة الواسعة، كذا وجدته عن بعض العلماء. وقال مؤرج السدوسي: سملقة هو قتادة بن التوءم، وكان عند النعمان بن المنذر، فقال نعمان بن سيحان: أبيت اللعن، إنه يدعى سملقة فيغضب، فأمر النعمان فنودي: يا سملقة، فقال لابن سيحان: انت أخبرته? فحلف إنه لم يفعل، فأنشأ قتادة يقول:
جزى الله نعمان بن سـيحان سعـيه * جزاء مغل باللسان وباليد
فقصرك منه أن ينوء بحلفة * كما قيل للمخنوق هل أنت مفتد
المثل المضروب
ارض من العشب بالخوصة
البكري أخوك فلا تأمنهالبكري أخوك فلا تأمنه
تفسير هذا المثل
أي ارض من الأمر بالقليل. وهو مثل في القناعة، ومن أمثالهم في ذلك: بؤسى لمن لم يرض بالكفاف.
إن القنوع الغني لا كثرة المال
والقنوع يستعمل في موضع القناعة، وليس بالجيد، فإنما القنوع السؤال.
وقال آخر:
والعيش لا عيش إلا ما قنعت به * قد يكثر المال والإنسان مـفـتـقـر
أما المثل الثانى فيراد به التحذير من الرجل القريب.
المثل المضروب
الأمور وصلات
تفسير هذا المثل
أي يستعان ببعضها على بعض، وليس هذا من قولهم: الأمر قد يغزى به الأمر وجعله بعضهم مثله، وإنما معنى هذا: أن الأمر ربما بعثك على الأمر فتفعله ولم تكن تريده، والمثل الآخر: والأمر قد يغزى به الأمر أي قد يفعل ويراد غيره، ومن أمثالهم في الأمر قولهم: الأمر يبدو لك في التدبر، والأمر يحدث بعده الأمر، والأمر تحقده وقد ينمي، و أمر الله يطرق كل ليلة، والأمر يأتيك لم يخطر على بال.
المثل المضروب
إحدى بنات طبق
تفسير هذا المثل
يعنى به الداهية، وأصله الحية. والمثل للقمان بن عاد؛ أخبرنا أبو أحمد، قال: أخبرنا أبو بكر بن دريد، قال: أخبرنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبي، عن عوانة، قال: كان لقمان بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح لما أعطي ما أعطي من العمر، وهلكت العماليق، فخرج معهم، وهو ظاعنون، حتى أشرفوا على ثنية، فقالت امرأة لزوجها: يا فلان، احمل لي هذا الكرز، فإن فيه متاعاً لي، ففعل، فلما توسط الثنية وجد بللاً على عنقه، فقذف بالكرز، وقال: يا هنتاه، عليك كرزك، فخرج رجل يسعى في عرض الجبل، فقال له لقمان: إحدى بنات طبق، شرك على رأسك، قال أبو بكر: سألت أبا حاتم عن بنت طبق، فقال: هي السلحفاة، بضم السين وفتح اللام وسكون الحاء، وتقول العرب: إنها تبيض بيضةً تنقف عن أسود، فقال: يا لقمان، ما جزاؤها، قال: تدفن حية في كرزها، فدفنت. قال أبو حاتم: وأظن أصل رجم المحصنة من هذا. والله أعلم. ومعناه أن هذه المرأة بمنزلة الحية.
المثل المضروب
أو مرناً ما أخرى
تفسير هذا المثل
يراد به: أو يكون الأمر على خلاف ذلك. وهو مثل أن يقول لك الرجل: لأغيظنك أنا، وقد يقال: أو مرساً ما أخرى.
ولعله من قولهم: مرن على الشيء، إذا استمر عليه، فيكون معناه: أو تستمر على أمر آخر، ومرن الثوب، إذا لان، والمرن: الأديم المدلوك الملين. والمرس أيضاً: الرجل الشديد المراس. والمرس: الحبل.
مُختصر كتاب جمهرة الأمثال لأبو هلال العسكري