بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الباب الأول
ما جاء في أوله ألف أصلية أو مجتلبة
المجموعة الأخيرة
المثل المضروب
أخذت الأرض زخاريها
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً لكل شيء نم وكمل، وزخاري الأرض: نبتها حين يزخر، أي يرتفع. والزخور: ارتفاع النبت وغيره، ومنه قيل: زخر البحر، إذا ارتفع موجه، وبحر زاخر.
وقولهم: أرطي إن خيرك في الرطيط
أي تذمري وطولي وصيحي، إن خيرك لا يأتي إلا بذلك. والرطيط: التذمر.
المثل المضروب
إنني لن أضيره، إنما أطوي مصيره
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يعمل عملاً عظيماً وهو يراه يسيراً. وأصله أن غلاماً من العرب أخذ نغراً، فشق بطنه، ثم أخرج مصيره، فجعل يطويه، فقيل له: ما تصنع، فقال: إني لن أضيره، إنما أطوي مصيره، والمصير: المعي.
المثل المضروب
اضطره السيل إلى العطش
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يضطره السعة إلى الضيق، ويقولون في الدعاء: رماه الله بالحرة تحت القرة، والحرة: العطش، ورجل حران، أي عطشان، والقرة: البرد.
المثل المضروب
ألصق الحس بالأس
تفسير هذا المثل
ومعناه: ألصق الشر بأصول الأعادي تذهب فروعهم بذهاب الأصل. والحس: القتل المستأصل. والأس: الأصل، وهو مثل الأس، وفي القرآن: ( إذ تحسونهم بإذنه ) أي تقتلونهم. وأحسست الشيء أحسه، إذا وجدته. وفي القرآن: ( هل تحس منهم من أحد ).
المثل المضروب
إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر
تفسير هذا المثل
المثل لابن شهاب، جاءه شاعر، فمدحه، فأمر بإعطائه، وقال: إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر ومعناه أن لسان الشاعر مما يتقى، فينبغي أن يفتدى شره بما يعطى، وقال حكيم: إعطاء الشاعر من بر الوالدين، وقال الفرزدق:
وما حملت أم امرئ في ضلوعها * أعق من الجاني عليها هجائيا
وقال حاتم لابنه: إذا رأيت الشر يتركك فاتركه. وقال هدبة العذري:
ولا أتمنى الشر والشر تاركي * ولكن متى أحمل على الشر أركب
أخبرنا أبو أحمد قال: أخبرنا الصولي، قال: أخبرنا أحمد بن أبي خيثمة، عن محمد بن بكار، عن محمد بن الحسن بن الهلالي، عن محمد بن المنكدر،
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما وقى الرجل به عرضه كتب له به صدقة، وما أنفق المؤمن نفقةً فعلى الله خلفها، إلا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية لله تعالى "،
قال محمد بن الحسن الهلالي: قلت لابن المنكدر: ما معنى وقى الرجل به عرضه، قال: أن يعطي الشاعر ذا اللسان.
المثل المضروب
أساف حتى ما يشتكي السواف
تفسير هذا المثل
السواف: ذهاب المال وهلاكه. يقال: ساف المال، إذا هلك، وأساف صاحبه، كما يقال: أجرب الرجل، إذا صارت إبله جربى، وبه سمي السيف سيفاً، لأنه يهلك الناس.
وقال حمزة الأصفهاني: السيف فارسي معرب، قال: وهو سيف. وكيف يقال ذلك وله أصل في العربية صحيح، وأصله سيف فخفف، كما قيل في ميت: ميت،
ومعنى المثل: أنه اعتاد الفقر والشدة حتى لا يبالي به كبير مبالاة، وهانت عليه وطأة النوائب لكثرة ما تعاورته؛ ومثله قول الشاعر:
وفارقت حتى لا أبالي من انتوى * ولو بان جيران على كرام
وقول الآخر:
روعت بالبين حتى ما أراع به
وقال أبو العتاهية، ويروى لغيره:
تعودت مس الصر حتى ألفته * وأسلمني طول العزاء إلى الصبر
ووسع قلبي للأذى كثرة الأذى * وإن كان أحياناً يضيق به صدري
وصيرني يأسي من الله واثقاً * بحسن صنيع الله من حيث لا أدري
المثل المضروب
اسـتـقـدمـت رحـالـتـــه
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للرجل يعجل إلى صاحبه بالشتم وسوء القول. والرحالة: شيء من الأدم مدور مبطن، يجعله الفارس تحته، وكانت للعرب بمنزلة السرج، وكانوا لا يعرفون السروج، والسرج للفرس، وإنما هو سرك. قال عنترة:
إذ لا أزال على رحالة سابح * نهد تعاوره الكماة مكلم
وإذا استقدمت رحالة الفارس فسد ركوبه، فجعل ذلك مثلاً لمن فسد قوله، ويروى: استقدمت راحلته.
المثل المضروب
أدرك أرباب النعم
تفسير هذا المثل
وأصل المثل أن نعماً طردت لبعض العرب، فاعترضها قوم يريدون ردها، فقاتلوا عليها قتالاً ضعيفاً، ثم جاء أربابها فصدقوا القتال حتى ردوها.
معناه: جاء من له بالأمر عناية، ولا يلي الأمر حق ولايته إلا المعني به، ومثله قولهم: أهل القتيل يلونه.
المثل المضروب
إنباض بغير توتير
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل ينتحل الشيء ولا يحسنه، أو يدعيه وليس له، يقول: ينبض القوس من غير أن يوترها، والإنباض: جذب القوس بالوتر لترن، قال الشماخ:
إذا أنبض الرامون عنها ترنمت * ترنم ثكلى أوجعتها الجنائز
وهو مثل قولهم: كالحادي وليس له بعير وقريب منه قول الشاعر:
وهل ينهض البازي بغير جناح
ومثله قولهم: تجشأ لقمان من غير شبع
المثل المضروب
أقصر لما أبصر
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للراجع عن الذنب. والإقصار: الكف عن الشيء مع القدرة عليه، والقصور: العجز عنه، قصرت عنه، وأنا قاصر، إذا لم تقدر عليه، وأقصرت عنه، إذا تركته وأنت قادر عليه. والمثل لأكثم بن صيفي في كلام طويل له، نورده فيما بعد.
المثل المضروب
أول الحزم المشورة
تفسير هذا المثل
وهو من جيد ما قيل في المشورة، وقال بعضهم: المستشير بين خيرين؛ صواب يصيبه، أو خطأ يشارك فيه، وهذا من أجود ما قيل فيها أيضاً. والمشورة على وزن مثوبة، ومشورة جائزة، وليس كل ما جاز جاد، وأصلها من قولهم: شرت العسل أشوره، إذا جنيته، فكأن المستشير يجني الرأي من غيره، وأصل الكلمة الإظهار، وسميت العورة شوارا، وذلك أن العورة تستر، كما قيل للزنجي: أبو البيضاء، وهذا ونظائره جاء على القلب، ونحوه المفازة، والسليم. ويجوز أن يكون المشورة مأخوذة من شرت الدابة، إذا أجريتها لتعرف أمرها، والمشوار: الموضع الذي تركبها فيه لذلك. وفي المثل: الخطبة مشوار كثير العثار.
المثل المضروب
التقى حلقتا البطان، والتقى البطان والحقب
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للأمر يبلغ الغاية في الشدة والصعوبة، وأصله أن يحوج الفارس إلى النجاء مخافة العدو فينجو، فيضطرب حزام دابته، حتى يمس الحقب، ولا يمكنه أن ينزل فيصلحه. والبطان: حزام الرجل، وأكثر ما يستعمل للقتب. والحقب: النسعة التي تشد في حقو البعير، ويشد على حقيبته، والحقيبة: الرفادة تشد في مؤخر القتب، وكل شيء شددته في مؤخر قتبك أو رحلك فقد احتقبته، ثم كثر ذلك حتى قيل لمن اكتسب خيراً أو شراً: قد احتقبه.
المثل المضروب
اعلل تحظب
تفسير هذا المثل
معناه: كل مرةً بعد مرة حتى تسمن. يضرب مثلاً للحريص يجمع ولا يشبع. يقال: حظب الرجل حظوباً، إذا امتلأ. ويروى: أعلل وهو من العلل، والعلل: الشربة الثانية.
المثل المضروب
أي الرجال المهذب
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يعرف بالإصابة في الأمور، وتكون منه السقطة وأصله من قول النابغة:
ولست بمستبق أخاً لا تلمه * على شعث أي الرجال المهذب
وقريب منه قول معقل بن خويلد، جاهلي:
يرى الشاهد الوادع المطمئن من الأمر ما لا يرى الغائب
ثم قال:
وقول عدو وأي امرئ * من الناس ليس له عائب
وقلت:
وأي حسام ليس ينبو وينثني * وأي جواد ليس يكبو ويظلع
المثل المضروب
اطرقي وميشي
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يخلط الإصابة بالخطأ. وأصله خلط الشعر بالصوف، قال رؤبة:
عاذل قد أولعت بالترقيش * إلي سراً فاطرقي وميشي
يقال: مشت الوبر بالصوف، إذا خلطتهما، ثم ضربتهما بالمطرقة، وهو العود الذي يطرق به، والمصدر: الطرق.
المثل المضروب
استغنت التفة عن الرفة
تفسير هذا المثل
التفة: السبع الذي يقال له عناق الأرض، بالتثقيل والتخفيف، والرفة: التبن، وقيل: دقاق التبن، بالتثقيل والتخفيف أيضاً، فمن خفف قال: أصله رفهة والمعنى: أن التفة سبع يقتات اللحم، فهي مستغنية عن التبن. يضرب مثلاً للرجل يستغني عن الشيء فلا يحتاج إليه أصلاً.
المثل المضروب
إن كنت بي تشد أزرك فأرخه
تفسير هذا المثل
معناه: إن كنت تعتمد علي في حاجتك حرمتها، ومثله قول الراجز:
مثل حماس وأبي كوألل * ومن يكونا حامليه يرجل
وقال غيره:
ومن تكن أنت راعيه فقد هلكا
ويقال: فلان شد أزر فلان، إذا أعانه وقواه، وفي القرآن: (اشدد به أزري)، وفيه: فآزره وأصله من الإزار.
المثل المضروب
ابدأهم بالصراخ يفروا
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يسئ إلى صاحبه، فيتخوف اللائمة من الناس، فيبدؤهم بالشكاية والتجني، ليكفوا عن لومه. والصراخ: رفع الصوت من الجزع، والصارخ: المغيث والمستغيث، وذلك أن كل واحد منهما يصرخ بصاحبه، هذا بالدعاء وذاك بالإجابة. قال سلامة بن جندل:
إنا إذا ما أتانا صارخ فزع * كانت إجابته قرع الظنابيب
يعني المستغيث، ويدل على ذلك قوله فزع وقال غيره:
وكانوا مهلكي الأبناء لولا * تداركهم بصارخة شفيق
فهذا هو المغيث، ويقال: استصرخت فلاناً فأصرخني، أي استغثته فأغاثني، ويقال: سمعت الصرخة الأولى، يعني الأذان.
المثل المضروب
احلب واشرب
تفسير هذا المثل
هكذا رواه بعضهم، قال: و يضرب مثلاً للشيء يمنع، وروي: ليس كل أوان أحلب وأشرب وهو الصحيح، و يضرب مثلاً للمنع، يقول: لست أجد كل أوان حلوبةً أحلبها وأشرب لبنها، فليس ينبغي أن أضيعها، وهو مثل قول المحدث:
فليس في كل يوم ينجح الطلب
وقال الشاعر:
يقولون إن العام أخلف نوءه * وما كل عام روضة وغدير
أما قولهم: اسر وقمر لك
فيضرب مثلاً في اغتنام الفرصة، يقول: اغتنم ضوء القمر، فسر فيه قبل أن يغيب فتخبط الظلمة.
المثل المضروب
إمعة وإمرة
تفسير هذا المثل
يقال: رجل إمعة وإمرة، إذا لم يكن له رأي يعتمد، فهو يتبع كلاً على رأيه. وأصل الإمرة من ولد الضأن؛ يقال إذا قل مال الرجل: ماله إمر ولا إمرة وإنما شبه بها الرجل الذي لا رأي له، المتبع لغيره في الرأي؛ لأنها تتبع مقدماتها في السعي، فلو سقطت إحداهن في جرف سقطت معها، وهذا معنى قول الأعرابي: وأمر مغويتهن يتبعن، وسنذكره بعد إن شاء الله تعالى. والإمر: الرجل الضعيف أيضاً. قال امرؤ القيس بن مالك الحميري:
ولست بذي رثية إمر * إذا قيد مستكرهاً أصحبا
أصحب، إذا أطاع ولم يمتنع، هذا قول بعضهم، وقال غيره: رجل إمع، وامرأة إمعة: إذا لم يكن له رأي، فهو يتبع الناس على رأيهم، ورجل إمر، ضعيف. وقال ابن مسعود: لا يكونن أحدكم إمعة، وهذا هو الصحيح عندي.
المثل المضروب
أصبح ليل
تفسير هذا المثل
يقال ذلك لليلة الشديدة، ومنه قول الشاعر:
فبات يقول أصبح ليل حتى * تجلى عن صريمته الظلام
وأصله أن امرأ القيس بن حجر تزوج امرأةً ففركته، وكان مفركاً تبغضه النساء، وكانت أمه ماتت في صغره، فأرضعه أهله بلبن كلبة، فكانت ريحه إذا عرق ريح الكلب؛ هكذا زعموا، فكرهت امرأته مكانه من ليلته، فجعلت تقول: يا خير الفتيان أصبحت، فيرفع رأسه فيرى الليل على حاله، فينام، فتقول المرأة: أصبح ليل، فلما أكثرت قال: ما تكرهين مني? قالت: أكره منك أنك خفيف العجز، ثقيل الصدر، سريع الهراقة، بطئ الإفافة، وأن ريحك إذا عرقت ريح كلب، فطلقها.
المثل المضروب
ألقى عليه يديه الأزلم الجذع
تفسير هذا المثل
أي هلك، وذهب أمره، وأنشد:
إني أرى لك أكلاً لا يقـوم بـه من الأكولة إلا الأزلم الجذع
والأزلم الجذع: الدهر، وقال ابن الزبير:
وإلا فأسلمهم إلي أدعهم * على جذع من حادث الدهر أزلما
وقال آخر:
إني أخاف عليه الأزلم الجذعا
المثل المضروب
أعطاه إياه بقوف رقبته
تفسير هذا المثل
قالوا: أي أعطاه إياه، ولم يطلب عوضاً منه. وأما قولهم: أخذ بقوف رقبته فمعناه أخذ بقفاه، وقال بعضهم: بطوف رقبته، وقال بعضهم: القوف: شعر القفا.
المثل المضروب
أطرق كرا إن النعام في القرى
تفسير هذا المثل
قال الرستمي: يضرب مثلاً للرجل يتكلم عنده فيظن أنه المراد بالكلام، فيقول المتكلم ذلك، أي اسكت فإني أريد من هو أنبل منك.
وقال غيره: يضرب مثلاً للرجل الحقير إذا تكلم في الموضع الجليل، لا يتكلم فيه أمثاله. والمعنى: اسكت يا حقير حتى يتكلم الأجلاء. والكرى: الكروان، وهو طائر صغير، فشبه به الذليل، وشبه الأجلاء بالنعام. وأطرق أي أغض، من إطراق العين، وهو خفض النظر. وقيل: كرىً وكروان، كما تقول: فتىً وفتيان. وقيل: الكروان جمع الكروان، كما تقول: ورشان في جمع ورشان.
المثل المضروب
أبى العبد أن ينام حتى يحلم بربته
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً لمن يطلب ما لا يستحق، ولا ينبغي له. وربته: مالكته.
المثل المضروب
أنا من غزية
تفسير هذا المثل
يقوله الرجل ينصح لمن لا يقبل نصيحته. وأصله قول دريد بن الصمة، أخبرنا به أبو أحمد، عن الصولي، عن محمد بن الحسن الغيائي، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، قال: أشار خالد بن صفوان التميمي على سفيان بن معاوية المهلبي ألا يحارب سلم بن قتيبة الباهلي وكان أمير البصرة من قبل مروان بن محمد، وكان أبو سلمة الخلال قد كاتب سفيان بإمارة البصرة فقال خالد لسفيان: انتظر، فإن كان الأمر لمروان فما الرأي لك محاربة عامله، وإن كان لأصحابك لجأ سلم إليك، فلم يقبل منه وحاربه، فهزم وقتل ابنه معاوية بن سفيان، فقال له خالد: أنا من غزية، قال: وما معنى هذا? قال: أردت قول دريد بن الصمة:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
فلما عصوني كنت منهم وقـد أرى * غوايتهم وأنني غير مهتد
وما أنا إلا من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشد
وغزية: قبيلة، وكان دريد أشار على أخيه عبد الله بالنجاء وترك التلبث، وهو منصرف عن غارة أغارها، فأبى فأدركه الطلب، فقتل. وشرحنا حديثه في كتاب ديوان المعاني.
المثل المضروب
اهلك والليل
تفسير هذا المثل
أي أدرك أهلك مع الليل، وهو على مذهب قولهم: استوى الماء والخشبة. وقال الجرمي: بادر أهلك قبل الليل، وقال ابن درستويه: يريد الحق أهلك، لأنه لا يجوز أن يعني بادر أهلك، إنما يبادر الليل ويسابقه.
والليل منصوب بفعل آخر، كأنه قال: وسابق الليل، أو احذر الليل، فأما قوله: قبل الليل فهو معنى الكلام، وليس تقدير الإعراب عليه، ولو كان التقدير عليه لكان الليل مجروراً، وكلن إذا سابقت الليل، ولحقت أهلك فمعناه أنك لحقتهم قبل الليل، فإن أظهرت هذا الفعل المضمر جاز، وكذلك: رأسك والجدار أي احفظ رأسك، واحذر الجدار؛ إذا كنت تحذره، فإن كنت تأمره فمعناه: انطح رأسك بالجدار.
المثل المضروب
الإيناس قبل الإبساس
تفسير هذا المثل
معناه: ينبغي أن يؤنس الرجل ويبسط، ثم يكلف ويسأل. وأصله في الناقة تداريها وتمسحها، وتبس بها، لتفاج للحلب. والإبساس: أن تقول لها: بس بس لتسكن، وقد بس بها الرجل وأبس، قال الشاعر:
فلحى الله طالب الصلح منا * ما أهاب المبس بـالدهماء
وناقة بسوس، إذا كانت تدر على الإبساس.
المثل المضروب
أخطأت استه الحفرة
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يتوخى الصواب فيجئ بالخطأ. وقريب منه قولهم: أصاب الصواب، فأخطأ الجواب وأصاب هاهنا بمعنى أراد، وفي القرآن: "رخاءً حيث أصاب".
المثل المضروب
أساء كاره ما عمل
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يكره على الأمر، فلا يبالغ فيه. والفرس تقول: إذا أكره الكلب على الصيد لم يسر الصاحب ولا الصاحبة.
وقولهم: إحدى نواده البكر
أي إحدى النساء اللواتي يندهن البكر، يضرب مثلاً للداهية النكر.
المثل المضروب
أصوص عليها صوص
تفسير هذا المثل
هو كقولهم: المركوب خير من الراكب، والأصوص: الحائل السمينة، والصوص: اللئيم الذي لا خير فيه.
وقولهم: إن سوادها قوم لي عنادها
سواد الشيء: لزومه، أي لزمته ورضته حتى تقوم.
المثل المضروب
اختلفت رءوسها فرتعت
تفسير هذا المثل
قال ثعلب: يضرب مثلاً للقوم يختلفون في الأمر، ولا تجتمع آراؤهم فيه على شيء.
وقولهم: إن الغني لطويل الذيل مياس
أي لا يستطيع صاحب المال أن يكتمه.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الأمثال المضروبة في التناهي والمبالغة
الواقع في أوائل أصولها الألف
المثل المضروب
آمن من الأرض
تفسير هذا المثل
من الأمانة؛ لأنها تؤدي ما تودع، ويقولون: أكتم من الأرض وأحفظ من الأرض وأحمل من الأرض، وأخذ مسلم بن الوليد معنى هذا المثل، فقال: ما في الأرض نديم خير من حائط، استودعه ما شئت يؤده إليك، وحدثه بما شئت يكتمه عليك، وابصق في وجهه من غير جرم لا يشمئز منك؛ يرغب في الوحدة والانفراد من الناس.
المثل المضروب
آمن من حمام مكة
وآلف من حمام مكة
تفسير هذا المثل
من الأمن والإلف، وذلك أنها لا تثار ولا تصاد؛ فهي تأمن، ويطول عهدها هناك؛ فهي تألف.
المثل المضروب
آلف من غراب عقدة
تفسير هذا المثل
وعقدة: أرض كثيرة الشجر، فلا يكاد الغراب يفارقها لخصبها. وقيل: كل أرض مخصبة عقدة، والعقدة من الكلأ: ما يكفي الإبل سنة، وعقدة الدور من ذلك، لأنها كفاية أصحابها.
المثل المضروب
آبل من حنيف الحناتم
تفسير هذا المثل
وهو رجل من تيم اللات، حاذق برعي الإبل، يقال: رجل آبل بين الإبالة؛ إذا كان بصيراً بالإبل ومعالجتها. وكان يقول: من قاظ الشرف، وتربع الحزن، وتشتى الصمان فقد أصاب المرعى. قال ابن حبيب: وكان ظمء إبله غباً بعد عشر، وأظماء الناس غب وظاهرة؛ والظاهرة: أقصر الأظماء، وهو أن ترد الإبل في كل يوم مرة، والغب: أن ترد يوماً وتغب يوماً، والثلث: أن تغب يومين وترد في اليوم الثالث، وكذلك إلى العشر، تنقص يومين يومين، والعريجاء: أن ترد كل يوم ثلاث مرات، والرغرغة والرفه: أن ترد متى شاءت، ومنه قيل: رفاهية العيش، لسعته.
المثل المضروب
آكل من حوت
تفسير هذا المثل
لبلعه الأشياء من غير مضغ، وإنما يسرع الشبع مع المضغ، ويبطئ مع البلع من غير مضغ؛ فالماضغ يشبعه القليل، والبالع لا يشبعه الكثير، هكذا سبيل الماء في الرشف والعب، قال صاحب كتاب الحيوان القديم: الحوت وجميع السمك يأكل ولا يشرب؛ وإذا حصل الماء في جوف شيء منها قتله. وأظن رؤبة سمع ذلك، فقال:
والحوت لا يرويه شيء يلهمه * يصبح ظمآن وفي البحر فمه
وقد يقال: أروى من حوت وإن كان لا يشرب؛ لأنه لا يحتاج إلى الشرب، كما يقال: أروى من ضب وهو لا يشرب أبداً.
المثل المضروب
آكل من سوس
تفسير هذا المثل
وقيل لخالد بن صفوان: كم ترزق ابنك، قال: ثلاثين في الشهر، وإنها لأسرع في مالي من السوس في الصوف في الصيف.
وكذلك قولهم: آكل من الفيل، وأكل من النار، وأكل من الفأر
المثل المضروب
آكل من لقمان
تفسير هذا المثل
وكانوا يقولون: إنه كان يتغذى جزوراً، ويتعشى جزوراً؛ وهذا من أكاذيبهم، على أنهم رووا أن هلال بن الأسعر قتل رجلاً من قومه، ففر على رجليه، حتى لقي صديقاً له من بني يربوع، فزوده وحمله على بكره، فلما أقفر جاع، فنحرها، وأكلها إلا بقية حملها على ظهره، قال: فرحت وناقتي في بطني وعلى ظهري، وذكروا أنه أو غيره نحر جزوراً، فقعد على جانب منها، وامرأته على جانب فأكلاها، ثم أراد غشيانها، فلم يقدر عليه، فقالت امرأته: كيف تدنو مني وأدنو منك وفيما بيننا جزور،
وكذلك قولهم: آكل من ضرس
المثل المضروب
آلف من كلب
تفسير هذا المثل
وذلك أن صاحب المنزل إذا رحل عنه لم يتبعه فرس، ولا بغل، ولا ديك ولا دجاجة، ولا حمامة، ولا هرة، ولا شاة، ولا عصفور، ولا شيء مما يعايش الناس إلا الكلب، فإنه يتبعه حيث يمضي، ويحميه ويؤثره على وطنه، ومسقط رأسه.
وكذلك قولهم: آلف من الحمى
وذلك أنها إذا تمادت احتمى صاحبها وتداوى، فإذا ظن أنها فارقته عادت إليه.
مُختصر كتاب جمهرة الأمثال لأبو هلال العسكري
أخذت الأرض زخاريها
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً لكل شيء نم وكمل، وزخاري الأرض: نبتها حين يزخر، أي يرتفع. والزخور: ارتفاع النبت وغيره، ومنه قيل: زخر البحر، إذا ارتفع موجه، وبحر زاخر.
وقولهم: أرطي إن خيرك في الرطيط
أي تذمري وطولي وصيحي، إن خيرك لا يأتي إلا بذلك. والرطيط: التذمر.
المثل المضروب
إنني لن أضيره، إنما أطوي مصيره
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يعمل عملاً عظيماً وهو يراه يسيراً. وأصله أن غلاماً من العرب أخذ نغراً، فشق بطنه، ثم أخرج مصيره، فجعل يطويه، فقيل له: ما تصنع، فقال: إني لن أضيره، إنما أطوي مصيره، والمصير: المعي.
المثل المضروب
اضطره السيل إلى العطش
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يضطره السعة إلى الضيق، ويقولون في الدعاء: رماه الله بالحرة تحت القرة، والحرة: العطش، ورجل حران، أي عطشان، والقرة: البرد.
المثل المضروب
ألصق الحس بالأس
تفسير هذا المثل
ومعناه: ألصق الشر بأصول الأعادي تذهب فروعهم بذهاب الأصل. والحس: القتل المستأصل. والأس: الأصل، وهو مثل الأس، وفي القرآن: ( إذ تحسونهم بإذنه ) أي تقتلونهم. وأحسست الشيء أحسه، إذا وجدته. وفي القرآن: ( هل تحس منهم من أحد ).
المثل المضروب
إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر
تفسير هذا المثل
المثل لابن شهاب، جاءه شاعر، فمدحه، فأمر بإعطائه، وقال: إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر ومعناه أن لسان الشاعر مما يتقى، فينبغي أن يفتدى شره بما يعطى، وقال حكيم: إعطاء الشاعر من بر الوالدين، وقال الفرزدق:
وما حملت أم امرئ في ضلوعها * أعق من الجاني عليها هجائيا
وقال حاتم لابنه: إذا رأيت الشر يتركك فاتركه. وقال هدبة العذري:
ولا أتمنى الشر والشر تاركي * ولكن متى أحمل على الشر أركب
أخبرنا أبو أحمد قال: أخبرنا الصولي، قال: أخبرنا أحمد بن أبي خيثمة، عن محمد بن بكار، عن محمد بن الحسن بن الهلالي، عن محمد بن المنكدر،
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما وقى الرجل به عرضه كتب له به صدقة، وما أنفق المؤمن نفقةً فعلى الله خلفها، إلا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية لله تعالى "،
قال محمد بن الحسن الهلالي: قلت لابن المنكدر: ما معنى وقى الرجل به عرضه، قال: أن يعطي الشاعر ذا اللسان.
المثل المضروب
أساف حتى ما يشتكي السواف
تفسير هذا المثل
السواف: ذهاب المال وهلاكه. يقال: ساف المال، إذا هلك، وأساف صاحبه، كما يقال: أجرب الرجل، إذا صارت إبله جربى، وبه سمي السيف سيفاً، لأنه يهلك الناس.
وقال حمزة الأصفهاني: السيف فارسي معرب، قال: وهو سيف. وكيف يقال ذلك وله أصل في العربية صحيح، وأصله سيف فخفف، كما قيل في ميت: ميت،
ومعنى المثل: أنه اعتاد الفقر والشدة حتى لا يبالي به كبير مبالاة، وهانت عليه وطأة النوائب لكثرة ما تعاورته؛ ومثله قول الشاعر:
وفارقت حتى لا أبالي من انتوى * ولو بان جيران على كرام
وقول الآخر:
روعت بالبين حتى ما أراع به
وقال أبو العتاهية، ويروى لغيره:
تعودت مس الصر حتى ألفته * وأسلمني طول العزاء إلى الصبر
ووسع قلبي للأذى كثرة الأذى * وإن كان أحياناً يضيق به صدري
وصيرني يأسي من الله واثقاً * بحسن صنيع الله من حيث لا أدري
المثل المضروب
اسـتـقـدمـت رحـالـتـــه
تفسير هذا المثل
يقال ذلك للرجل يعجل إلى صاحبه بالشتم وسوء القول. والرحالة: شيء من الأدم مدور مبطن، يجعله الفارس تحته، وكانت للعرب بمنزلة السرج، وكانوا لا يعرفون السروج، والسرج للفرس، وإنما هو سرك. قال عنترة:
إذ لا أزال على رحالة سابح * نهد تعاوره الكماة مكلم
وإذا استقدمت رحالة الفارس فسد ركوبه، فجعل ذلك مثلاً لمن فسد قوله، ويروى: استقدمت راحلته.
المثل المضروب
أدرك أرباب النعم
تفسير هذا المثل
وأصل المثل أن نعماً طردت لبعض العرب، فاعترضها قوم يريدون ردها، فقاتلوا عليها قتالاً ضعيفاً، ثم جاء أربابها فصدقوا القتال حتى ردوها.
معناه: جاء من له بالأمر عناية، ولا يلي الأمر حق ولايته إلا المعني به، ومثله قولهم: أهل القتيل يلونه.
المثل المضروب
إنباض بغير توتير
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل ينتحل الشيء ولا يحسنه، أو يدعيه وليس له، يقول: ينبض القوس من غير أن يوترها، والإنباض: جذب القوس بالوتر لترن، قال الشماخ:
إذا أنبض الرامون عنها ترنمت * ترنم ثكلى أوجعتها الجنائز
وهو مثل قولهم: كالحادي وليس له بعير وقريب منه قول الشاعر:
وهل ينهض البازي بغير جناح
ومثله قولهم: تجشأ لقمان من غير شبع
المثل المضروب
أقصر لما أبصر
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للراجع عن الذنب. والإقصار: الكف عن الشيء مع القدرة عليه، والقصور: العجز عنه، قصرت عنه، وأنا قاصر، إذا لم تقدر عليه، وأقصرت عنه، إذا تركته وأنت قادر عليه. والمثل لأكثم بن صيفي في كلام طويل له، نورده فيما بعد.
المثل المضروب
أول الحزم المشورة
تفسير هذا المثل
وهو من جيد ما قيل في المشورة، وقال بعضهم: المستشير بين خيرين؛ صواب يصيبه، أو خطأ يشارك فيه، وهذا من أجود ما قيل فيها أيضاً. والمشورة على وزن مثوبة، ومشورة جائزة، وليس كل ما جاز جاد، وأصلها من قولهم: شرت العسل أشوره، إذا جنيته، فكأن المستشير يجني الرأي من غيره، وأصل الكلمة الإظهار، وسميت العورة شوارا، وذلك أن العورة تستر، كما قيل للزنجي: أبو البيضاء، وهذا ونظائره جاء على القلب، ونحوه المفازة، والسليم. ويجوز أن يكون المشورة مأخوذة من شرت الدابة، إذا أجريتها لتعرف أمرها، والمشوار: الموضع الذي تركبها فيه لذلك. وفي المثل: الخطبة مشوار كثير العثار.
المثل المضروب
التقى حلقتا البطان، والتقى البطان والحقب
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للأمر يبلغ الغاية في الشدة والصعوبة، وأصله أن يحوج الفارس إلى النجاء مخافة العدو فينجو، فيضطرب حزام دابته، حتى يمس الحقب، ولا يمكنه أن ينزل فيصلحه. والبطان: حزام الرجل، وأكثر ما يستعمل للقتب. والحقب: النسعة التي تشد في حقو البعير، ويشد على حقيبته، والحقيبة: الرفادة تشد في مؤخر القتب، وكل شيء شددته في مؤخر قتبك أو رحلك فقد احتقبته، ثم كثر ذلك حتى قيل لمن اكتسب خيراً أو شراً: قد احتقبه.
المثل المضروب
اعلل تحظب
تفسير هذا المثل
معناه: كل مرةً بعد مرة حتى تسمن. يضرب مثلاً للحريص يجمع ولا يشبع. يقال: حظب الرجل حظوباً، إذا امتلأ. ويروى: أعلل وهو من العلل، والعلل: الشربة الثانية.
المثل المضروب
أي الرجال المهذب
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يعرف بالإصابة في الأمور، وتكون منه السقطة وأصله من قول النابغة:
ولست بمستبق أخاً لا تلمه * على شعث أي الرجال المهذب
وقريب منه قول معقل بن خويلد، جاهلي:
يرى الشاهد الوادع المطمئن من الأمر ما لا يرى الغائب
ثم قال:
وقول عدو وأي امرئ * من الناس ليس له عائب
وقلت:
وأي حسام ليس ينبو وينثني * وأي جواد ليس يكبو ويظلع
المثل المضروب
اطرقي وميشي
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يخلط الإصابة بالخطأ. وأصله خلط الشعر بالصوف، قال رؤبة:
عاذل قد أولعت بالترقيش * إلي سراً فاطرقي وميشي
يقال: مشت الوبر بالصوف، إذا خلطتهما، ثم ضربتهما بالمطرقة، وهو العود الذي يطرق به، والمصدر: الطرق.
المثل المضروب
استغنت التفة عن الرفة
تفسير هذا المثل
التفة: السبع الذي يقال له عناق الأرض، بالتثقيل والتخفيف، والرفة: التبن، وقيل: دقاق التبن، بالتثقيل والتخفيف أيضاً، فمن خفف قال: أصله رفهة والمعنى: أن التفة سبع يقتات اللحم، فهي مستغنية عن التبن. يضرب مثلاً للرجل يستغني عن الشيء فلا يحتاج إليه أصلاً.
المثل المضروب
إن كنت بي تشد أزرك فأرخه
تفسير هذا المثل
معناه: إن كنت تعتمد علي في حاجتك حرمتها، ومثله قول الراجز:
مثل حماس وأبي كوألل * ومن يكونا حامليه يرجل
وقال غيره:
ومن تكن أنت راعيه فقد هلكا
ويقال: فلان شد أزر فلان، إذا أعانه وقواه، وفي القرآن: (اشدد به أزري)، وفيه: فآزره وأصله من الإزار.
المثل المضروب
ابدأهم بالصراخ يفروا
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يسئ إلى صاحبه، فيتخوف اللائمة من الناس، فيبدؤهم بالشكاية والتجني، ليكفوا عن لومه. والصراخ: رفع الصوت من الجزع، والصارخ: المغيث والمستغيث، وذلك أن كل واحد منهما يصرخ بصاحبه، هذا بالدعاء وذاك بالإجابة. قال سلامة بن جندل:
إنا إذا ما أتانا صارخ فزع * كانت إجابته قرع الظنابيب
يعني المستغيث، ويدل على ذلك قوله فزع وقال غيره:
وكانوا مهلكي الأبناء لولا * تداركهم بصارخة شفيق
فهذا هو المغيث، ويقال: استصرخت فلاناً فأصرخني، أي استغثته فأغاثني، ويقال: سمعت الصرخة الأولى، يعني الأذان.
المثل المضروب
احلب واشرب
تفسير هذا المثل
هكذا رواه بعضهم، قال: و يضرب مثلاً للشيء يمنع، وروي: ليس كل أوان أحلب وأشرب وهو الصحيح، و يضرب مثلاً للمنع، يقول: لست أجد كل أوان حلوبةً أحلبها وأشرب لبنها، فليس ينبغي أن أضيعها، وهو مثل قول المحدث:
فليس في كل يوم ينجح الطلب
وقال الشاعر:
يقولون إن العام أخلف نوءه * وما كل عام روضة وغدير
أما قولهم: اسر وقمر لك
فيضرب مثلاً في اغتنام الفرصة، يقول: اغتنم ضوء القمر، فسر فيه قبل أن يغيب فتخبط الظلمة.
المثل المضروب
إمعة وإمرة
تفسير هذا المثل
يقال: رجل إمعة وإمرة، إذا لم يكن له رأي يعتمد، فهو يتبع كلاً على رأيه. وأصل الإمرة من ولد الضأن؛ يقال إذا قل مال الرجل: ماله إمر ولا إمرة وإنما شبه بها الرجل الذي لا رأي له، المتبع لغيره في الرأي؛ لأنها تتبع مقدماتها في السعي، فلو سقطت إحداهن في جرف سقطت معها، وهذا معنى قول الأعرابي: وأمر مغويتهن يتبعن، وسنذكره بعد إن شاء الله تعالى. والإمر: الرجل الضعيف أيضاً. قال امرؤ القيس بن مالك الحميري:
ولست بذي رثية إمر * إذا قيد مستكرهاً أصحبا
أصحب، إذا أطاع ولم يمتنع، هذا قول بعضهم، وقال غيره: رجل إمع، وامرأة إمعة: إذا لم يكن له رأي، فهو يتبع الناس على رأيهم، ورجل إمر، ضعيف. وقال ابن مسعود: لا يكونن أحدكم إمعة، وهذا هو الصحيح عندي.
المثل المضروب
أصبح ليل
تفسير هذا المثل
يقال ذلك لليلة الشديدة، ومنه قول الشاعر:
فبات يقول أصبح ليل حتى * تجلى عن صريمته الظلام
وأصله أن امرأ القيس بن حجر تزوج امرأةً ففركته، وكان مفركاً تبغضه النساء، وكانت أمه ماتت في صغره، فأرضعه أهله بلبن كلبة، فكانت ريحه إذا عرق ريح الكلب؛ هكذا زعموا، فكرهت امرأته مكانه من ليلته، فجعلت تقول: يا خير الفتيان أصبحت، فيرفع رأسه فيرى الليل على حاله، فينام، فتقول المرأة: أصبح ليل، فلما أكثرت قال: ما تكرهين مني? قالت: أكره منك أنك خفيف العجز، ثقيل الصدر، سريع الهراقة، بطئ الإفافة، وأن ريحك إذا عرقت ريح كلب، فطلقها.
المثل المضروب
ألقى عليه يديه الأزلم الجذع
تفسير هذا المثل
أي هلك، وذهب أمره، وأنشد:
إني أرى لك أكلاً لا يقـوم بـه من الأكولة إلا الأزلم الجذع
والأزلم الجذع: الدهر، وقال ابن الزبير:
وإلا فأسلمهم إلي أدعهم * على جذع من حادث الدهر أزلما
وقال آخر:
إني أخاف عليه الأزلم الجذعا
المثل المضروب
أعطاه إياه بقوف رقبته
تفسير هذا المثل
قالوا: أي أعطاه إياه، ولم يطلب عوضاً منه. وأما قولهم: أخذ بقوف رقبته فمعناه أخذ بقفاه، وقال بعضهم: بطوف رقبته، وقال بعضهم: القوف: شعر القفا.
المثل المضروب
أطرق كرا إن النعام في القرى
تفسير هذا المثل
قال الرستمي: يضرب مثلاً للرجل يتكلم عنده فيظن أنه المراد بالكلام، فيقول المتكلم ذلك، أي اسكت فإني أريد من هو أنبل منك.
وقال غيره: يضرب مثلاً للرجل الحقير إذا تكلم في الموضع الجليل، لا يتكلم فيه أمثاله. والمعنى: اسكت يا حقير حتى يتكلم الأجلاء. والكرى: الكروان، وهو طائر صغير، فشبه به الذليل، وشبه الأجلاء بالنعام. وأطرق أي أغض، من إطراق العين، وهو خفض النظر. وقيل: كرىً وكروان، كما تقول: فتىً وفتيان. وقيل: الكروان جمع الكروان، كما تقول: ورشان في جمع ورشان.
المثل المضروب
أبى العبد أن ينام حتى يحلم بربته
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً لمن يطلب ما لا يستحق، ولا ينبغي له. وربته: مالكته.
المثل المضروب
أنا من غزية
تفسير هذا المثل
يقوله الرجل ينصح لمن لا يقبل نصيحته. وأصله قول دريد بن الصمة، أخبرنا به أبو أحمد، عن الصولي، عن محمد بن الحسن الغيائي، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، قال: أشار خالد بن صفوان التميمي على سفيان بن معاوية المهلبي ألا يحارب سلم بن قتيبة الباهلي وكان أمير البصرة من قبل مروان بن محمد، وكان أبو سلمة الخلال قد كاتب سفيان بإمارة البصرة فقال خالد لسفيان: انتظر، فإن كان الأمر لمروان فما الرأي لك محاربة عامله، وإن كان لأصحابك لجأ سلم إليك، فلم يقبل منه وحاربه، فهزم وقتل ابنه معاوية بن سفيان، فقال له خالد: أنا من غزية، قال: وما معنى هذا? قال: أردت قول دريد بن الصمة:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
فلما عصوني كنت منهم وقـد أرى * غوايتهم وأنني غير مهتد
وما أنا إلا من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشد
وغزية: قبيلة، وكان دريد أشار على أخيه عبد الله بالنجاء وترك التلبث، وهو منصرف عن غارة أغارها، فأبى فأدركه الطلب، فقتل. وشرحنا حديثه في كتاب ديوان المعاني.
المثل المضروب
اهلك والليل
تفسير هذا المثل
أي أدرك أهلك مع الليل، وهو على مذهب قولهم: استوى الماء والخشبة. وقال الجرمي: بادر أهلك قبل الليل، وقال ابن درستويه: يريد الحق أهلك، لأنه لا يجوز أن يعني بادر أهلك، إنما يبادر الليل ويسابقه.
والليل منصوب بفعل آخر، كأنه قال: وسابق الليل، أو احذر الليل، فأما قوله: قبل الليل فهو معنى الكلام، وليس تقدير الإعراب عليه، ولو كان التقدير عليه لكان الليل مجروراً، وكلن إذا سابقت الليل، ولحقت أهلك فمعناه أنك لحقتهم قبل الليل، فإن أظهرت هذا الفعل المضمر جاز، وكذلك: رأسك والجدار أي احفظ رأسك، واحذر الجدار؛ إذا كنت تحذره، فإن كنت تأمره فمعناه: انطح رأسك بالجدار.
المثل المضروب
الإيناس قبل الإبساس
تفسير هذا المثل
معناه: ينبغي أن يؤنس الرجل ويبسط، ثم يكلف ويسأل. وأصله في الناقة تداريها وتمسحها، وتبس بها، لتفاج للحلب. والإبساس: أن تقول لها: بس بس لتسكن، وقد بس بها الرجل وأبس، قال الشاعر:
فلحى الله طالب الصلح منا * ما أهاب المبس بـالدهماء
وناقة بسوس، إذا كانت تدر على الإبساس.
المثل المضروب
أخطأت استه الحفرة
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يتوخى الصواب فيجئ بالخطأ. وقريب منه قولهم: أصاب الصواب، فأخطأ الجواب وأصاب هاهنا بمعنى أراد، وفي القرآن: "رخاءً حيث أصاب".
المثل المضروب
أساء كاره ما عمل
تفسير هذا المثل
يضرب مثلاً للرجل يكره على الأمر، فلا يبالغ فيه. والفرس تقول: إذا أكره الكلب على الصيد لم يسر الصاحب ولا الصاحبة.
وقولهم: إحدى نواده البكر
أي إحدى النساء اللواتي يندهن البكر، يضرب مثلاً للداهية النكر.
المثل المضروب
أصوص عليها صوص
تفسير هذا المثل
هو كقولهم: المركوب خير من الراكب، والأصوص: الحائل السمينة، والصوص: اللئيم الذي لا خير فيه.
وقولهم: إن سوادها قوم لي عنادها
سواد الشيء: لزومه، أي لزمته ورضته حتى تقوم.
المثل المضروب
اختلفت رءوسها فرتعت
تفسير هذا المثل
قال ثعلب: يضرب مثلاً للقوم يختلفون في الأمر، ولا تجتمع آراؤهم فيه على شيء.
وقولهم: إن الغني لطويل الذيل مياس
أي لا يستطيع صاحب المال أن يكتمه.
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الأمثال المضروبة في التناهي والمبالغة
الواقع في أوائل أصولها الألف
المثل المضروب
آمن من الأرض
تفسير هذا المثل
من الأمانة؛ لأنها تؤدي ما تودع، ويقولون: أكتم من الأرض وأحفظ من الأرض وأحمل من الأرض، وأخذ مسلم بن الوليد معنى هذا المثل، فقال: ما في الأرض نديم خير من حائط، استودعه ما شئت يؤده إليك، وحدثه بما شئت يكتمه عليك، وابصق في وجهه من غير جرم لا يشمئز منك؛ يرغب في الوحدة والانفراد من الناس.
المثل المضروب
آمن من حمام مكة
وآلف من حمام مكة
تفسير هذا المثل
من الأمن والإلف، وذلك أنها لا تثار ولا تصاد؛ فهي تأمن، ويطول عهدها هناك؛ فهي تألف.
المثل المضروب
آلف من غراب عقدة
تفسير هذا المثل
وعقدة: أرض كثيرة الشجر، فلا يكاد الغراب يفارقها لخصبها. وقيل: كل أرض مخصبة عقدة، والعقدة من الكلأ: ما يكفي الإبل سنة، وعقدة الدور من ذلك، لأنها كفاية أصحابها.
المثل المضروب
آبل من حنيف الحناتم
تفسير هذا المثل
وهو رجل من تيم اللات، حاذق برعي الإبل، يقال: رجل آبل بين الإبالة؛ إذا كان بصيراً بالإبل ومعالجتها. وكان يقول: من قاظ الشرف، وتربع الحزن، وتشتى الصمان فقد أصاب المرعى. قال ابن حبيب: وكان ظمء إبله غباً بعد عشر، وأظماء الناس غب وظاهرة؛ والظاهرة: أقصر الأظماء، وهو أن ترد الإبل في كل يوم مرة، والغب: أن ترد يوماً وتغب يوماً، والثلث: أن تغب يومين وترد في اليوم الثالث، وكذلك إلى العشر، تنقص يومين يومين، والعريجاء: أن ترد كل يوم ثلاث مرات، والرغرغة والرفه: أن ترد متى شاءت، ومنه قيل: رفاهية العيش، لسعته.
المثل المضروب
آكل من حوت
تفسير هذا المثل
لبلعه الأشياء من غير مضغ، وإنما يسرع الشبع مع المضغ، ويبطئ مع البلع من غير مضغ؛ فالماضغ يشبعه القليل، والبالع لا يشبعه الكثير، هكذا سبيل الماء في الرشف والعب، قال صاحب كتاب الحيوان القديم: الحوت وجميع السمك يأكل ولا يشرب؛ وإذا حصل الماء في جوف شيء منها قتله. وأظن رؤبة سمع ذلك، فقال:
والحوت لا يرويه شيء يلهمه * يصبح ظمآن وفي البحر فمه
وقد يقال: أروى من حوت وإن كان لا يشرب؛ لأنه لا يحتاج إلى الشرب، كما يقال: أروى من ضب وهو لا يشرب أبداً.
المثل المضروب
آكل من سوس
تفسير هذا المثل
وقيل لخالد بن صفوان: كم ترزق ابنك، قال: ثلاثين في الشهر، وإنها لأسرع في مالي من السوس في الصوف في الصيف.
وكذلك قولهم: آكل من الفيل، وأكل من النار، وأكل من الفأر
المثل المضروب
آكل من لقمان
تفسير هذا المثل
وكانوا يقولون: إنه كان يتغذى جزوراً، ويتعشى جزوراً؛ وهذا من أكاذيبهم، على أنهم رووا أن هلال بن الأسعر قتل رجلاً من قومه، ففر على رجليه، حتى لقي صديقاً له من بني يربوع، فزوده وحمله على بكره، فلما أقفر جاع، فنحرها، وأكلها إلا بقية حملها على ظهره، قال: فرحت وناقتي في بطني وعلى ظهري، وذكروا أنه أو غيره نحر جزوراً، فقعد على جانب منها، وامرأته على جانب فأكلاها، ثم أراد غشيانها، فلم يقدر عليه، فقالت امرأته: كيف تدنو مني وأدنو منك وفيما بيننا جزور،
وكذلك قولهم: آكل من ضرس
المثل المضروب
آلف من كلب
تفسير هذا المثل
وذلك أن صاحب المنزل إذا رحل عنه لم يتبعه فرس، ولا بغل، ولا ديك ولا دجاجة، ولا حمامة، ولا هرة، ولا شاة، ولا عصفور، ولا شيء مما يعايش الناس إلا الكلب، فإنه يتبعه حيث يمضي، ويحميه ويؤثره على وطنه، ومسقط رأسه.
وكذلك قولهم: آلف من الحمى
وذلك أنها إذا تمادت احتمى صاحبها وتداوى، فإذا ظن أنها فارقته عادت إليه.
مُختصر كتاب جمهرة الأمثال لأبو هلال العسكري