من طرف حكماء الإثنين 19 مارس 2018 - 8:30
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم اعيانها
ووفياتهم ابتداء من ظهور امر الفقارية
● { احداث سنة ثلاث ومائتين وألف } ●
ثم دخلت سنة ثلاث ومائتين وألف فكان ابتداؤها المحرم يوم الخميس وفيه زاد اجتهاد اسمعيل بك في البناء عند طرا وأنشأ هناك قلعة بحافة البحر وجعل بها مساكن ومخازن حواصل وأنشأ حيطانا وابراجا وكرانك وابنية ممتدة من القلعة الى الجبل واخرج اليها الجبخانة والذخيرة وغير ذلك
وفي تاسعه سافر عثمان كتخدا عزبان الى اسلامبول بعرضحال بطلب عسكر وأذن باقتطاع مصاريف من الخزينة
وفي رابع عشرينه سافر اسمعيل باشا باش الارنؤد بجماعته ولحقوا بالغلايين والجماعة القبليون متترسون بناحية الصول وعاملون سبعة متاريس والمراكب وصلت الى اول متراس فوجدوهم مالكين مزم الجبل فوقفوا عند اول متراس ومدافعهم تصيب المراكب ومدافع المراكب لا تصيبهم وهم متمنعون بأنفسهم إلى فوق وانخرقت المراكب عدة مرار وطلع مرة من أهل المراكب جماعة أرادوا الكبس على المتراس الاول فخرج عليهم كمين من خلف مزرعة الذرة المزروع فقتل من طائفة المغاربة جماعة وهرب الباقون ونصبت رؤوس القتلى على مزاريق ليراها اهل المراكب
وفي سادس عشرينه سافر ايضا عثمان بك الحسني وامتنع ذهاب السفار وايابهم الى الجهة القبلية وانقطع الوارد وشطح سعر الغلة وبلغ النيل غايته في الزيادة واستمر على الاراضي من غير نقص الى آخر شهر بابه القبطي وروى جميع الاراضي
وفي سابع عشرينه حضر سراج من عند القبليين وعلى يده مكاتبات بطلب صلح وعلى انهم يرجعون إلى البلاد التي عينها لهم حسن باشا ويقومون بدفع المال والغلال للميري ويطلقون السبل للمسافرين والتجار فأنهم سئموا من طول المدة ولهم مدة شهور منتظرين اللقاء مع اخصامهم فلم يخرجوا اليهم فلا يكونون سببا لقطع ارزاق الفقراء والمساكين فكتبوا لهم أجوبة للاجابة لمطلوبهم بشرط ارسال رهائن وهم عثمان بك الشرقاوي وابراهيم بك الوالي ومحمد بك الالفي ومصطفى بك الكبير ورجع الرسول بالجواب وصحبته واحد بشلي من طرف الباشا
شهر صفر
في غرته حضر جماعة مجاريح
وفي ثانيه حضر المرسال الذي توجه بالرسالة وصحبته سليمان كاشف من جماعة القبليين والبشلي وآخر من طرف اسمعيل باشا الارنؤدي وأحبروا ان الجماعة لم يرضوا بارسال رهائن ثم أرسلوا لهم على كاشف الجيزة وصحبته رضوان كتخدا باب التفكجية وتلطفوا معهم على أن يرسلوا عثمان بك الشرقاوي وأيوب بك فامتنعوا من ذلك وقالوا من جملة كلامهم لعلمكم تظنون ان طلبنا في الصلح عجزا واننا محصورون وتقولون بينكم في مصر انهم يريدون بطلب الصلح التحليل على التعدية الى البر الغربي حتى يملكوا الاتساع وإذا قصدنا ذلك أي شيء يمنعنا في أي وقت شئنا وحيث كان الامر كذلك فنحن لا نرضى الا من حد أسيوط ولا نرسل رهائن ولا نتجاوز محلنا فلما رجع الجواب بذلك في سابعه أرسل الباشا فرمانا إلى اسمعيل باشا بمحاربتهم فبرزا اليهم بعساكره وجميع العسكر التي بالمراكب وحملوا عليهم حملة واحدة وذلك يوم الجمعة ثامنه فاخلوا لهم وملكوا منهم متراسين فخرج عليهم كمين بعد أن أظهروا الهزيمة فقتل من العسكر جملة كبيرة ثم وقع الحرب بينهم يوم السبت ويوم الاحد واستمرت المدافع تضرب بينهم من الجهتين والحرب قائم بينهم سجالا وكل من الفريقين يعمل الحيل وينصب الشباك على الآخر ويكمن ليلا فيجد الرصد ولم ينفصل بينهم الحرب على شيء
وفي منتصفه شرع اسمعيل بك في عمل تفريدة على البلاد فقرروا على الاعلى عشرين ألف فضة والأوسط خمسة عشر والادنى خمسة آلاف وذلك خلاف حق الطرق وما يتبعها من الكلف وعمل ديوان ذلك في بيت علي بك الدفتردار بحضرة الوجاقلية وكتبت دفاترها وأوراقها في مدة ثلاثة أيام
واستهل شهر ربيع الاول والحال على ما هو عليه وحضر مرسوم من القبليين بطلب الصلح ويطلبون من حد اسيوط إلى فوق شرقا وغربا ولا يرسلون رهائن ووصل ساع من ثغر اسكندرية بالبشارة لاسمعيل كتخدا حسن باشا بولاية مصر وان اليرق والداقم وصل والبقجي والكتخدا وارباب المناصب وصلوا الى الثغر فردهم الريح عندما قربوا من المرساة إلى جهة قبرص فشرع عابدي باشا في نقل متاعه من القلعة ولما حضرالمرسول بطلب الصلح رضي المصرلية بذلك واعادوه بالجواب
وفي رابعه حشر احمد أغا اغات الجملية المعروف بشويكار لتقرير ذلك فعمل عابدي باشا ديوانا اجتمع فيه الامراء والمشايخ والاختيارية وتكلم احمد أغا وقال نأخذ من أسيوط الى قبلي شرقا وغربا بشرط ان ندفع ميري البلاد من المال والغلال ونطلق سراح المراكب والمسافرين بالغلال والاسباب وكذلك أنتم لا تمنعون عنا الواردين بالاحتياجات الا ما كان من آلة الحرب فلكم منعه وبعد أن يتقرر بيننا وبينكم الصلح نكتب عرض محضر منا ومنكم الى الدولة وننظر ما يكون الجواب فان حضر الجواب بالعفو لنا أو تعيين أماكن لنا لا نخالف ذلك ولا تتعدى الاوامر السلطانية بشرط أن ترسلوا لنا الفرمان الذي يأتي بعينه نطلع عليه فأجيبوا الى ذلك كله ورجع احمد اغا بالجواب صبيحة ذلك اليوم صحبة عبدالله جاويش وشهر حوالة والشيخ بدوي من طرف المشايخ وحضر في أثر ذلك مراكب غلال وانحلت الاسعار وتواجدت الغلال بالرقع وكثرت بعد انقشاعهم ثم وصلت الاخبار بان القبليين شرعوا في عمل جسر على البحر من مراكب مرصوصة ممتدة من البر الشرقي إلى البر الغربي وثبتوه وسمروه بمسامير وباطات وثقلوه بمراس واحجار مركوزة بقرار البحر وأظهروا أن ذلك لأجل التعدية ورجعت المراكب وصحبتها العسكر المحاربون واسمعيل باشا الارنؤدي وعثمان بك الحسني والقليونجية وغيرهم وأشيع تقرير الصلح وصحته
وفي عاشره أخبر بعض الناس قاضي العسكر ان بمدفن السلطان الغوري بداخل خزانة في القبة آثار النبي صلى الله عليه و سلم وهي قطعة من قميصه وقطعةعصا وميل فاحضر مباشر الوقف وطلب منه احضار تلك الآثار وعمل لها صندوقا ووضعها في داخل بقجة وضمخها بالطيب ووضعها على كرسي ورفعها على رأس بعض الاتباع وركب القاضي والنائب وصحبته بعض المتعممين مشاة بين يديه يجهرون بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم حتى وصلوا بها الى المدفن ووضعوها في داخل الصندوق ورفعوها في مكانها بالخزانة
وفي يوم الاثنين سابع عشرة حضر شهر حوالة وعبد الله جاويش وأخبروا بانهم لما وصلوا إلى الجماعة تركوهم ستة ايام حتى تمموا شغل الجسر وعدوا عليه البر الغربي ثم طلبوهم فعدوا اليهم وتكلموا معهم وقالوا لهم ان عابدي باشا قرر معنا الصلح على هذه الصورة وتكفل لنا بكامل الأمور ولكن بلغنا في هذه الايام انه معزول من الولاية وكيف يكون معزولا ونعقد معه صلحا هذا لا يكون إلا إذا حضر اليه مقرر أو تولى غيره يكون الكلام معه وكتبوا له جوابات بذلك ورجع به الجماعة المرسلون وأشيع عدم التمام فاضطربت الامور وارتفعت الغلال ثانية وغلا سعرها وشح الخبز من الاسواق
وفي يوم الاربعاء تاسع عشرة عمل الباشا ديوانا جمع فيه الامراء والمشايخ والاختيارية والقاضي فتكلم الباشا وقال انظروا يا ناس هؤلاء الجماعة ما عرفنا لهم حال ولا دينا ولا قاعدة ولا عهدا ولا عقدا أنا رأينا النصارى إذا تعاقدوا على شيء لا ينقضوه ولا يختلوا عنه بدقيقة وهؤلاء الجماعة كل يوم لهم صلح ونقض وتلاعب واننا اجبناهم الى ما طلبوا وأعطيناهم هذه المملكة العظيمة وهي من ابتداء اسيوط إلى منتهى النيل شرقا وغربا ثم انهم نكثوا ذلك وأرسلوا يحتجون بحجة باردة وإذا كنت انا معزولا فان الذي يتولى بعدي لا ينقض فعلى ولا يبطله ويقولون في جوابهم نحن عصاة وقطاع طريق وحيث اقروا على أنفسهم بذلك وجب قتالهم ام لا فقال القاضي والمشايخ يجب قتالهم بمجرد عصيانهم وخروجهم عن طاعة السلطان فقال إذا كان الامر كذلك فإني اكتب لهم مكاتبة وأقول لهم اما ان ترجعوا وتستقروا على ما وقع عليه الصلح واما أن أجهز لكم عساكر وانفق عليهم من أموالكم ولا أحد يعارضني فيما افعله وألا تركت لكم بلدتكم وسافرت منها ولو من غير أمر الدولة فقالوا جميعا نحن لا نخالف الامر فقال أضع القبض على نسائهم واولادهم ودورهم وأسكن نساءهم وحريمهم في الوكائل وأبيع تعلقاتهم وبلادهم وما تملكه نساؤهم واجمع ذلك جميعه وأنفقه على العسكر وان لم يكف ذلك تممته من مالي فقالوا سمعنا وأطعنا وكتبوا مكاتبة خطابا لهم بذلك وختم عليها الباشا والامراء وأرسلوها
وفي يوم الاحد ثالث عشرينه نزل الاغا ونادى في الأسواق بأن كل من كان عنده وديعة للامراء القبليين يردها لاربابها فان ظهر بعد ثلاثة ايام عند أحد شيء استحق العقوبة وكل ذلك تدبير اسمعيل بك
وفي يوم الثلاثاء حضر هجان وباش سراجين ابراهيم بك وأخبر ان الجماعة عزموا على الارتحال والرجوع وفك الجسر فعمل الباشا ديوانا في صبحها وذكروا المراسلة وضمن الباشا غائلتهم وضمن المشايخ غائلة اسمعيل بك وكتبوا محضرا بذلك وختموا عليه وارسلوه صحبة مصطفى كتخدا باش اختيار عزبان وتحقق رفع الجسر وورود بعض المراكب وانحلت الاسعار قليلا
واستهل شهر ربيع الثاني
فيه حضر شيخ السادات الى بيته الذي عمره بجوار المشهد الحسيني وشرع في عمل المولد واعتنى بذلك ونادوا على الناس بفتح الحوانيت بالليل ووقود القناديل من باب زويلة الى بين القصرين وأحدثوا سيارات وأشاير ومواكب واحمال قناديل ومشاعل وطبولا وزمورا واستمر ذلك خمسة عشر يوما وليلة
وفي يوم الجمعة حضر عابدي باشا باستدعاء الشيخ له فتغدى ببيت الشيخ وصلى الجمعة بالمسجد وخلع على الشيخ وعلى الخطيب ثم ركب إلى قصر العيني
وفي ذلك اليوم وصل ططرى من الديار الرومية وعلى يده مرسومات فعملوا في صبحها ديوانا بقصر العيني وقرئت المرسومات فكان مضمون احدها تقرير العابدي باشا على ولاية مصر والثاني الأمر والحث على حرب الأمراء القبليين وإبعادهم من القطر المصري والثالث بطلب الافرنجي المرهون الى الديار الرومية فلما قرىء ذلك عمل عابدي باشا شنكا ومدافع من القصر والمراكب والقلعة وانكسف بال اسمعيل كتخدا بعد ان حضر اليه المبشر بالمنصب واظهر البشر والعظمة وانفذ المبشرين ليلا الى الاعيان ولم يصبر الى طلوع النهار حتى انه ارسل الى محمد افندي البكري المبشر في خامس ساعة من الليل واعطاه مائة دينار وحضر اليه الامراء والعلماء في صبحها للتهنئة وثبت ذلك عند الخاص والعام ونقل عابدي باشا عزاله وحريمه إلى القلعة
وفي يوم الجمعة ثاني عشرة رجع مصطفى كتخدا من ناحية قبلي وبيده جوابات وأخبر أن ابراهيم بك الكبير ترفع إلى قبلي وصحبته ابراهيم بك الوالي وسليمان بك الاغا وأيوب بك وملخص الجوابات انهم طالبون من حد المنية
وفي يوم الاحد رابع عشره عمل الباشا ديوانا حضره المشايخ والامراء فلم يحصل سوى سفر الافرنجي
وفي أواخره حضر سراج باشا ابراهيم بك وبيده جوابات يطلبون من حد منفلوط فأجيبوا الى ذلك وكتبت لهم جوابات بذلك وسافر السراج المذكور
واستهل شهر جمادى الاولى
في غرته قلدوا غيطاس بك امارة الحج
وفي ثالثه وصل ططريون من البر على طريق دمياط بمكاتبات مضمونها ولاية اسمعيل كتخدا حسن باشا على مصر واخبروا ان حسن باشا دخل الى اسلامبول في ربيع الاول ونقض ما أبرمه وكيل عابدي باشا والبس قابجي كتخدا اسمعيل المذكور بحكم نيابته عنه قفطان المنصب ثالث ربيع الثاني وتعين قابجي الولاية وخرج من اسلامبول بعد خروج الططر بيومين وحضر الططر في مدة ثلاث وعشرين يوما فلما وصل الططر سر اسمعيل كتخدا سرورا عظيما وانقذ المبشرين الى بيوت الاعيان
وفيه ورد الخبر بانتقال الامراء القبليين إلى المنية وسافر رضوان بك الى الموفية وقاسم بك الى الشرقية وعلي بك الحسني الى الغربية
وفي عشرينه جمع اسمعيل بك الامراء والوجاقلية وقال لهم ايا اخواننا ان حسن باشا أرسل يطلب مني باقي الحلوان فمن كان عنده بقية فليحضر بها ويدفعها فأحضروا حسن أفندي شقبون أفندي الديوان وحسبوا الذي طرف اسمعيل بك وجماعته فبلغ ثلثمائة وخمسين كيساوطلع على طرف حسن بك واتباعه نحو اربعمائة كيس وعلى طرف علي بك الدفتردار مائة وستون كيسا وكانوا أرسلوا الى علي بك فلم يأت فقال لهم حسن بك أي شيء هذا العجب والاغراض بلاد علي بك فارسكور وبأرنبال وسرس الليانة حلوانهم قليل وزاد اللغط والكلام فقام من بينهم اسمعيل بك ونزل وركب إلى جزيرة الذهب وكذلك حسن بك خرج الى قبة العزب وعلي بك ذهب الى قصر الجلفي بالشيخ قمر واصبح علي بك وركب الى الباشا ثم رجع الى بيته ثم ان علي بك قال لا بد من تحرير حسابي وما تعاطيته وما صرفته من أيام حسن باشا الى وقتنا وما صرفته على أمير الحج تلك السنة وادعي امير الحج الذي هو محمد بك المبدول ببواقي ووقع على الجداوي فاجتمعو ببيت رضوان كتخدا تابع المجنون وحضر حسن كتخدا علي بك وكيلا عن مخدومه ومصطفى اغا الوكيل وكيلا عن اسمعيل بك وحرروا الحساب فطلع على طرف علي بك ثلاثة وعشرون كيسا وطلع له بواق في البلاد نيف واربعون كيسا
شهر جمادى الاخرة
فيه حضر فرمان من الدولة بنفي اربع اغوات وهم عريف أغا وعلي اغا وادريس اغا واسمعيل اغا فحنق لذلك جوهر اغا دار السعادة وشرع في كتابه مرافعة
وفي عاشره وصل فرمان لاسمعيل كتخدا وخوطب فيه بلفظ الوزارة
وفي يوم الاحد عمل اسمعيل باشا المذكور ديوانا في بتيه بالازبكية وحضر الامراء والمشايخ وقرأوا المكاتبة وفيها الامر بحساب عابدي باشا وبعد انفضاض الديوان امر الروزنامجي والافندية بالذهاب الى عابدي باشا وتحرير حساب الستة اشهر من أول توت الى برمهات لانها مدة اسمعيل باشا وما اخذه زيادة عن عوائده وأخذ منه الضربخانة وسلمها الى خازنداره وقطعوا راتبه من المذبح
وفي عصريتها ارسل الى الوجاقلية والاختيارية فلما حضروا قال لهم اسمعيل باشا بلغني انكم جمعتم ثمانمائة كيس فما صنعتم بها فقالوا دفعناها الى عابدي باشا وصرفها على العسكر فقال لاي شيء قالوا لقتل العدو قال والعدو قتل قالوا لا قال حينئذ إذا احتاج الحال ورجع العدو اطلب منكم كذلك قدرها قالوا ومن اين لنا ذلك قال إذا اطلبوها منه واحفظوها عندكم في باب مستحفظان لوقت الاحتياج
وفيه تواترت الاخبار باستقرار ابراهيم بك بمنفلوط وبنى له بها داراوصحبته ايوب بك واما مراد بك وبقية الصناجق فانهم ترفعوا إلى فوق
وفي يوم الاثنين حضر حسن كتخدا الجربان من الروم وكان اسمعيل بك ارسل يتشفع في حضوره بسعاية محمد اغا البارودي وعلى انه لم يكن من هذه القبيلة لانه مملوك حسن بك ابي كرش وحسن بك مملوك سليمان اغا كتخدا الجاويشية ولما حضر اخبر ان الامراء الرهائن ارسلوهم الى شنق قلعة منفيين بسبب مكاتبات وردت من الامراء القبالى الى بعض متكلمين الدولة مثل القزلار وخلافه بالسعي لهم في طلب العفو فلما حضر حسن باشا وبلغه ذلك نفاهم واسقط رواتبهم وكانوا في منزله واعزاز ولهم رواتب وجاميكة لكل شخص خمسمائة قرش في الشهر
وفي عشرينه تحرر حساب عابدي باشا فطلع لاسمعيل باشا نحو ستمائة كيس فتجاوز له عن نصفها ودفع له ثلثمائة كيس وطلع عليه لطرف الميري نحوها أخذوا بها عليه وثيقة وسامحه الامراء من حسابهم معه وهادوه وأكرموه وقدموا له تقادم وأخذ في أسباب الارتحال والسفر وبرز خيامه الى بركة الحج
وفي اواخره ورد الخبر مع السعاة بوصول الاطواخ لاسمعيل باشا واليرق والداقم الى ثغر الاسكندرية
شهر رجب الفرد الحرام استهل بيوم السبت
في ثالثه يوم الاثنين سافر عابدي باشا من البر على طريق الشام الى ديار بكر ليجمع العساكر الى قتال الموسقو وذهب من مصر بأموال عظيمة وسافر صحبته اسمعيل باشا الارنؤدي وابقى اسمعيل باشا من عسكر القليونجية والانؤدية من اختارهم لخدمته واضافهم اليه
وفي عاشره وصلت الاطواخ والداقم الى الباشا فابتهج لذلك وأمر بعمل شنك وحراقة ببركة الازبكية وحضر الامراء الى هناك ونصبوا صواري وتعاليق وعملوا حراقة ووقدة ليلتين ثم ركب الباشا في صبح يوم الجمعة وذهب الى مقام الامام الشافعي فزاره ورجع الى قبة العزب خارج باب النصر ونودى في ليلتها على الموكب فلما كان صبح يوم السبت خامس عشره خرج الامراء والوجاقلية والعساكر الرومية والمصرلية واجتمع الناس للفرجة وانتظم الموكب امامه وركب بالشعار القديم وعلى رأسه الطلخان والقفطان الاطلس وامامه السعاة والجاويشية والملازمون وخلفه النوبة التركية وركب امامه جميع الأمراء بالشعار والبيلشانات بزينتهم ونظامهم القديم المعتاد وشق القاهرة في موكب عظيم ولما طلع الى القلعة ضرب له المدافع من الابراج وكان ذلك اليوم متراكم الغيوم وسح المطر من وقت ركوبه الى وقت جلوسه بالقلعة حتى ابتلت ملابسه وملابس الامراء والعسكر وحوائجهم وهم مستبشرون بذلك وكان ذلك اليوم خامس برمودة القبطي
وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وطلع الامراء والمشايخ وطلع الجم الكثير من الفقهاء ظانين وطامعين في الخلع فلما قرىء التقرير في الديوان الداخل خلع على الشيخ العروسي والشيخ البكري والشيخ الحريري والشيخ الأمير والامراء الكبار فقط ثم ان اسمعيل بك التفت الى المشايخ الحاضرين وقال تفضلوا يا أسيادنا حصلت البركة فقاموا وخرجوا
وفي يوم الخميس عشرينه امر الباشا المحتسب بعمل تسعيرة وتنقيص الاسعار فنقضوا سعر اللحم نصفه فضة وجعلوا الضاني بستة انصاف والجاموسي بخمسة فشح وجوده بالاسواق وصاروا يبيعونه خفية بالزيادة ونزل سعر الاردب الغلة الى ثلاثة ريال ونصف بعد تسعة ونصف
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه ورد مرسوم من الدولة فعمل الباشا الديوان في ذلك وقرأوه وفيه الأمر بقراءة صحيح البخاري بالازهر والدعاء بالنصر للسلطان على الموسقو فانهم تغلبوا واستولوا على قلاع ومدن عظيمة من مدن المسلمين وكذلك يدعون له بعد الاذان في كل وقت وأمر الباشا بتقرير عشرة من المشايخ من المذاهب الثلاثة يقرأون البخاري في كل يوم ورتب لهم في كل يوم مائتين نصف فضة لكل مدرس عشرون نصفا من الضربخانة ووعدهم بتقريرها لهم على الدوام بفرمان
وفيه شرع الباشا في تبييض حيطان الجامع الازهر بالنورة والمغرة
وفي يوم الاحد حضر الشيخ العروسي والمشايخ وجلسوا في القبلة القديمة جلوسا عاما وقرأوا اجزاء من البخارى واستداموا على ذلك بقية الجمعة وقرر اسمعيل بك ايضا عشرة من الفقهاء كذلك يقرأون ايضا البخاري نظير لعشرة الاولى وحضر الصناع وشرعوا في البياض والدهان وجلاء الاعمدة وبطل ذلك الترتيب
شهر شعبان المكرم
في ثانيه نودي بأبطال التعامل بالزيوف المغشوشة والذهب الناقص وان الصيارفة يتخدون لهم مقصات يقطعون بها الدراهم الفضة المنحسة وكذلك الذهب المغشوش الخارج وإذا كان الدينار ينقص ثلاثة قراريط يكون بطالا ولا يتعامل به وانما يباع لليهود الموردين بسعر المصاغ الى دار الضرب ليعاد جديدا فلم يمتثل الناس لهذا الامر ولم يوافقوا عليه واستمروا على التعامل بذلك في المبيعات وغيرها لان غالب الذهب على هذا النقص واكثر وإذا بيع على سعر المصاغ خسروا فيه قريبا من النصف فلم يسهل بهم ذلك ومشوا على ما هم عليه مصطلحون فيما بينهم
وفي أوائله ايضا تواترت الاخبار بموت السلطان عبد الحميد حادي عشر رجب وجلوس ابن أخيه السلطان مصطفى مكانه وهو السلطان سليم خان وعمره نحو الثلاثين سنة وورد في أثر الاشاعة صحبة التجار والمسافرين دراهم وعليها اسمه وطرته ودعى له في الخطبة اول جمعة في شعبان المذكور
وفي يوم الثلاثاء تاسعه حضر علي بك الدفتردار من ناحية دجوة وسبب ذهابه اليها ان اولاد حبيب قتلوا عبد العلي بك بمنية عفيف بسبب حادثة هناك وكان ذلك العبد موصوفا بالشجاعة والفروسية فعز ذلك على علي بك فأخذ فرمانا من الباشا بركوبه على أولاد حبيب وتخريب بلدهم ونزل اليهم وصحبته باكير بك ومحمد بك المبدول وعندما علم الحبايبة بذلك وزعوا متاعهم وارتحلوا من البلد وذهبوا الى الجزيرة فلما وصل علي بك ومن معه الى دجوة لم يجدوا احدا ووجدوا دورهم خالية فأمروا بهدمها فهدموا مجالسهم ومقاعدهم وأوقدوا فيها النار وعملوا فردة على أهل البلد وما حولها من البلاد وطلبوا منهم كلفا وحق طرق وتفحصوا على ودائعهم وامانتهم وغلالهم في جيرة البلاد مثل طحلة وغيرها فأخذوها وأحاطوا بزرعهم وما وجدوه بالنواحي من بهائمهم ومواشيهم ثم تداركوا أمرهم وصالحوه بسعي الوسائط بدراهم ودفعوها ورجعوا الى وطنهم ولكن بعد خرابها وهدمها
وفيه ارسل الباشا سلحداره بخطاب للامراء القبالي يطلب منهم الغلال والمال الميري حكم الاتفاق
واستهل شهر رمضان وشوال
في رابعه وصل الى مصر أغا معين باجراء السكة والخطبة باسم السلطان سليم شاه فعمل الباشا ديوانا وقرأ المرسوم الوارد بذلك بحضرة الجمع والسبب في تأخيره لهذا الوقت الاهتمام بأمر السفر واشتغال رجال الدولة بالعزل والتولية وورد الخبر ايضا بعزل حسن باشامن رياسة البحر الى رياسة البر وتقلدا الصدارة وتولى عوضه قبطان باشا حسين الجردلي وأخبروا ايضا بقتل بستحي باشا
وفي أوائله أيضا فتحوا ميري سنة خمسة مقدمة بعجلة
وفي أواخره حضر عثمان كتخدا عزبان من الديار الرومية وبيده أوامر وفيها الحث على محاربة الامراء القبالي والخطاب للوجاقلية وباقي الامراء بان يكونوا مع اسمعيل بك بالمساعدة والاذن لهم بصرف ما يلزم صرفه من الخزينة مع تشهيل الخزينة للدولة
وفي عاشره وصل ططري وعلى يده اوامر منها حسن عيار المعاملة من الذهب والفضة وأن يكون عيار الذهب المصري تسعة عشر قيراطا ويصرف بمائة وعشرين نصفا بنقص أربعة انصاف عن الواقع في الصرف بين الناس ولاسلامبولي بمائة وأربعين وينقص عشر والفندقلي بمائتين بنقص خمسة والريال الفرانسة بمائة بنقص خمسة ايضا والمغربي بخمسةوتسعين بنقص خمسة ايضا وهو المعروف بأبي مدفع والبندقي بمائتين وعشر بنقص خمسة عشر فنزل الاغا والوالي ونادى بذلك فخسر الناس حصة من أموالهم
وفي غايته خرج أمير الحاج غيطاس بك بالمحمل وركب الحجاج
وفي منتصف شهر القعدة الموافق لعاشر مسرى القبطي أو في النيل المبارك اذرع الوفاء ونزل الباشا الى فم الخليج وكسر السد بحضرته على العادة وانقضى هذا العام بحوادثه وحصل في هذه السنة الازدلاف وتداخل العام الهلالي في الخراجي ففتحوا طلب المال الخراجي القابل قبل أوانه لضرورة الاحتياج وضيق الوار بتعطيل الجهة القبلية واستيلاء الامراء الخارجين عليها ووجه اسمعيل بك الطلب من أول السنة بباقي الحلوان الذي قرره حسن باشا ثم المال الشتوي ثم الصيفي وفي اثناء ذلك المطالبة بالفرد المتوالية المقرر على البلاد من الملتزمين ووجه على الناس قباح الرسل والمعينين من السراجين والدلاة وعسكر القليونجية فيدهمون الانسان ويدخلون عليه في بيته مثل التجريدة الخمسة والعشرة بأيديهم البنادق والاسلحة بوجوه عابسة فيشاغلهم ويلاطفهم ويلين خواطرهم بالاكرام فلا يزدادون الا قسوة وفظاظة فيعدهم على وقت آخر فيسمعونه قبيح القول ويشتطون في أجرة طريقهم وربما لم يجدوا صاحب الدار أو يكون مسافرا فيدخلون الدار وليس فيها الا النساء ويحصل منهم مالا خير فيه من الهجوم عليهن وربما نططن من الحيطان او هربن الى بيوت الجيران وسافر رضوان بك قرابة علي بك الكبير الى المنوفية وانزل بها كل بلية وعسف بالقرى عسفا عينفا قبيحا بأخذ البلص والتساوين وطلب الكلف الخارجة عن المعقول إلى ان وصل الى رشيد ثم رجع لاى مولد السيد البدوي بطندتا ثم عاد وفي كل مرة من مروره يستأنف العسف والجور وكذلك قاسم بك بالشرقية وعلي بك الحسني بالغربية وقلد اسمعيل بك مصطفى كاشف المرابط بقلعة طرا فعسف بالمسافرين الذاهبين والايبين الى جهة قبلي فلا تمر عليه سفينة صاعدة او منحدرة الا طلبها اليه وأمر باخراج ما فيها وتفتيشها بحجة أخذهم الاحتياجات للأمراء القبليين من الثياب وغيرها او ارسالهم اشياء او دراهم لبيوتهم فان وجد بالسفينة شيئا من ذلك نهب ما فيها من مال المسافرين والمتسببين وأخذه عن آخره وقبض عليهم وعلى الريس وحبسهم ونكل بهم ولا يطلقهم الا بمصلحة وان لم يجد شيئا فيه شبهة أخذ من السفينة ما اختاره وحجزهم فلا يطلقهم الا بمال يأخذه منهم وتحقق الناس فعله فصانعوه ابتداء تقية لشره وحفظا لمالهم ومتاعهم فكان الذي يريد السفر الى قبلي بتجارة او متاع يذهب اليه ببعض الوسائط ويصالحه بما يطيب به خاطره ويمر بسلام فلا يعرض له وكذلك الواصلون من قبلي يأتون طائعين إلى تحت القلعة ويطلع اليه الريس والمسافرون فيصالحونه وعلم الناس هذه القاعدة واتبعوها وارتاحوا عليها في الجملة واستعوضوا الخسارة من غلو الاثمان وكذلك فعل نساء سائر الامراء القبليين وهادينه وارشونه عن ارسالهن الى ازواجهن من الملابس والامتعة سراحتى كانوا في الاخر يرسلن اليه ما يرمن ارساله وهو يرسله بمعرفته وتأتي اجوبتهم على يده الى بيوتهن خفية واتخذ له يدا وجميلا وطوقهم منته بذلك وشاع في بلاد الارنؤد وجبال الروملي رغبة اسمعيل بك في العساكر فوفدوا عليه باشكالهم المختلفة وطباعهم المنحرفة وعدم أديانهم وانعكاس أوضاعهم فأسكن منهم طائفة بالجيزة وطائفة ببولاق وطائفة بمصر العتيقة واجرى عليهم النفقات والعلوفات وجلب له الياسيرجية المماليك فاشترى منهم عدة وافرة منهم عدة وافرة وأكثرهم عزق ومشنبون واجناس غير معهودة واستعملهم من أول وهلة في الفروسية ولم يدربهم في آداب ولا معرفة دين ولا كتاب كل ذلك حرصا على مقاومة الاعداء وتكثير الجيش وتابع ارسال الهدايا والاموال والتحف الى الدولة واحضر السروجية والصواع والعقادين فصنعوا ستة سروج للسلطان واولاده وذلك قبل موت السلطان عبد الحميد على طريقه وضع سروج المصريين بعبايات مزركشة وهي مع السرج والقصعة والقربوص مرصعة بالجواهر والبروق والذهب والركابات واللجامات والبلامات والشماريخ والسلاسل كلها من الذهب البندقي الكسر والرأس والرشمات كلها من الحرير المصنوع بالمخيش وسلوك الذهب وشماريخ المرجان والزمرد وجميع الشراريب من القصب المخيش وبها تعاليق المرجان والمعادن صناعة بديعة كلفة ثمينة أقاموا في صناعة ذلك عدة أيام ببيت محمد اغا البارودي واشترى كثيرا من الاواني والقدور الصيني الاسكي معدن وملأها بأنواع الشربات المصنوع من السكر المكرر كشراب البنفسج والورد والحماض والصندل المطيب بالمسك والعنبر وماءالورد والمربيات الهندية مثل مربي القرنفل وجوزبوا والبسباسة والزنجبيل والكابلي وأرسل ذلك مع الخزينة بالبحر صحبة عثمان كتخدا عزبان ومعها عدة خيول من الجياد واقمشة هندية وعود وعنبر وظرائف وارزوبن وأفاويه وماء الورد المكرر وغير ذلك ولم يتفق لاحد فيما تقدم من أمراء مصر أرسل مثل ذلك ولم نسمع به ولم نره في تاريخ فان نهاية ما رأينا ان الاشربة يضعونها في ظروف من الفخار التي قيمة الظرف منها خمسة انصاف او عشرة حتى الذي يأتي من اسلامبول لخصوص السلطان واما هذه فأقل ما فيها يساوي مائة دينار واكثر من ذلك
من مات في هذه السنة ممن لهم ذكر
مات في هذه السنة العلامة الماهر الحيسوب الفلكي ابو الاتقان الشيخ مصطفى الخياط صناعة ادرك الطبقة الاولى من ارباب الفن مثل رضوان افندي ويوسف الكلارجي والشيخ محمد النشيلي والكرتلي والشيخ رمضان الخوانكي والشيخ محمد الغمري والشيخ الوالد حسن الجبرتي واخذ عنهم وتلقى منهم ومهر في الحساب والتقويم وحل الأزياج والتحاويل والحل والتركيب وتحاويل السنين وتداخل التواريخ الخمسة واستخراج بعضها من بعض وتواقيعها وكبائسها وبسائطها ومواسمها ودلائل الاحكام والمناظرات ومظنات الكسوف والخسوف واستخراج اوقاتها ودقائقها مع الضبط والتحرير وصحة الحدس وعدم الخطأ واقر له اشياخه ومعاصروه بالاتقان والمعرفة وانفرد بعد اشياخه ووفد عليه طلاب الفن وتلقوا عنه وانجبوا واجلهم عصرينا وشيخنا العلامة المتقن الشيخ عثمان ابن سالم الورداني اطال الله بقاءه ونفع به ولازم المترجم المرحوم الوالد مدة مديدة وتلقى عنه وحج معه في سنة ثلاث وخمسين ومائة والف وسمعته يقول عنه الشيخ مصطفى فريد عصره في الحسابيات والشيخ محمد النشيلي في الرسميات وحسن افندي قطه مسكين في دلائل الاحكام وكان يستخرج في كل عام دستور السنة من مقومات السيارة ومواقع التواريخ وتواقيع القبط والمواسم والاهلة ويعرب السنة الشمسية لنفع العامة وينقل منها نسخا كثيرة يتناولها لخاص والعام يعلمون منها الاهلة واوائل الشهور العربية والقبطية والرومية والعبرانية والتواقيع والمواسم وتحاويل البروج وغير ذلك والتمس منه الاستاذ سيدي ابو الامداد احمد بن وفا تحريك الكواكب الثابته لغاية سنة ثمانين ومائة والف فأجابه إلى ذلك واشتغل به أشهرا حتى أتم حساب أطولها وعروضها وجهاتها ودرجات ممرها ومطالع غروبها وشروقها وتوسطها وأبعادها ومواضعها بأفق عرض مصر بغاية التحقيق والتدقيق على أصول الرصد الجديد السمرقندي وقام له الاستاذ باوده ومصرفه ولوازم عياله مدة اشتغاله بذلك واجازه على ذلك اجازة سنية
ومات سلطان الزمان السلطان عبد الحميد بن احمد خان وتولى بعده ابن أخيه السلطان سليم بن مصطفى وفقه الله تعالى آمين
● { احداث سنة اربع ومائتين والف } ●
ودخلت سنة اربع ومائتين والف
في المحرم وصلت الاخبار بأن الموسقو أغاروا على عدة قلاع ومسالك اسلامية منها جهات الاوزي وكانت تغل على اسلامبول كالصعيد على مصر وان اسلامبول واقع بها غلاء عظيم
وفي أواخره حضر واحد أغا وبيده مرسومات بسبب الامراء القبليين بانهم ان كانوا تعدوا الجهات التي صالحوا عليها حسن باشا ولم يدفعوا المال ولا الغلال فلازم من محاربتهم ومقاتلتهم وان لم يمتثلوا يخرجوا اليهم ويقاتلوهم فان السلطان اقسم بالله أنه يزيل الفريقين ولا يقبل عذرهم في التأخير فقرأوا تلك المرسومات في الديوان ثم أرسلوها مع مكاتبات صحبة واحد مصرلي وآخر من طرف الاغا القادم بها واخر من طرف الباشا
وفي أوائل ربيع الاول رجع الرسل بجوابات من الامراء القبليين ملخصها أنهم لم يتعدوا ما حددوه مع حسن باشا الا بأوامر من عابدي باشا فأنه حدد لنا من منفلوط ثم اسمعيل بك بنى حاجزا وقلاعا وأسوارا بطرا وذلك دليل وقرينة على أن ما وراء ذلك يكون لنا وانه اختص بالاقاليم البحرية وترك لنا الاقاليم القبلية ولا مزية للامراء الكائنين بمصر علينا فانه يجمعنا واياهم أصل واحد وجنس واحد وان كنا ظلمة فهم أظلم منا واما الغلال والمال فأننا أرسلنا لهم جانب غلال فلم ترجع المراكب التي ارسلناها ثانيا فيرسلوا لنا مراكب ونحن نبيعها ونرسلها وذكروا ايضا أنهم ارسلوا صالح أغا كتخدا الجاويشية سابقا إلى اسلامبول ونحن في انتظار رجوعه بالجواب فعند رجوعه يكون العمل بمقتضى ما يأتي به من المرسومات ولا نخالف أمر السلطان
وفي شهر جمادى الاولى وردت اخبار بعزل وزير الدولة وشيخ الاسلام وأغات الينكجرية ونفيهم وان حسن باشا تولى الصدارة وهو بالسفر وانه محصور بمكان يقال له اسمعيل لان الموسقو أغاروا على ما وراء اسمعيل واخذوا ما بعده من البلاد ثم انه هادن الموسقو وصالحهم على خمسة أشهر الى خروج الشتاء وأن السلطان أحضر الامراء المصرلية الرهائن المنفيين بقلعة ليميا وهم عبد الرحمن بك الابراهيمي وعثمان بك المرادي وسليمان كاشف وأما حسين بك فانه مات بليميا ولما حضروا انزلوهم في قناقات وعين لهم رواتب ويحضرهم السلطان في بعض الاحيان الى الميدان ويعملوا رماحة بالخيول وهو ينظر اليهم ويعجبه ذلك ويعطيهم انعاما وورد الخبر ايضا أن صالح أغا وصل إلى اسلامبول فصالح على الامراء القبالي وتم الامر بواسطة نعمان افندي منجم باشا ومحمود بك وأرسلوا بالاوراق الى حسن باشا فحنق لذلك ولم يمضه وانحرف علي نعمان افندي ومحمود بك وأمر بعزلهما من مناصبهما ونفيهما واخراجهما من دار السلطنة فنفى نعمان افندي الىاماسيه ومحمود بك إلى جهة قريبة من اسلامبول وشاط طبيخهم وسافر صالح اغا من اسلامبول
وفي شهر شعبان ورد الخبر بموت حسن باشا وكان موته في منتصف رجب وكأنه مات مقهورا من الموسقو
وفي ثاني عشر رمضان حصل زلزلة لطيفة في ساس ساعة من الليل
وفيه ايضا وصل ثلاثة اشخاص من الديار الرومية فأخذوا ودائع كانت لحسن باشا بمصر فتسلموها ممن كانت تحت أيديهم ورجعوا
وفي ليلة الجمعة ثالث عشر شوال قبل الفجر احترق بيت اسمعيل بك عن آخره
وفي خامس عشرينه عزل حسن كتخدا المحتسب من الحسبة وقلدوها رضوان أغا محرم من وجاق الجاويشية فأنهى حسن أغا انه كان متكفلا بجراية الجامع الأزهر فان كان المتولي يتكفل بها مثله استمر فيها والا ردوا له المنصب وهو يقوم بها للمجاورين كما كان فلما قالوا لرضوان اغا ذلك فلم يسمعه الا القيام بذلك وهي دسيسة شيطانية لا أصل فان اخبار الجامع الأزهر لها جهات بعضها معطل والناظر عليه علي بك الدفتردار وحسن اغا كتخداه يصل ويقطع من أي جهة أراد من الميري او من خلافه فدس هذه الدسيسة يريد بها تعجيز المتولي ليرجع اليه المنصب ومعلوم ان المتولي لم يتقلد ذلك الا برشوة دفعها ويلزم من نزوله عنها ضياع غرامته وجرسته بين اقرانه فما وسعه الا القيام بذلك وفردها على مظالم الحسبة التي يأخذها من السوقة ويدفعها للخباز يصنع بها خبزا للمجاورين والمنقطعين في طلب العلم ليكون قوتهم وطعامهم من الظلم والسحت المكرر وذلك نحو خمسة آلاف نصف فضة في كل يوم واشتهر ذلك وعلمه العلماء والمجاوزون وغيرهم وربما طالبوه بالمنكسر أو اعتذروا بقولهم الضرورات تبيح المحظورات
وفي ليلة السبت ثالث شهر الحجة الموافق لعاشر مسرى القبطي أو في النيل أذرعه وكسر السد بحضرة الباشا والامراء على العادة وجرى الماء في الخليج
وفيه وقعت واقعة بين عسكر القليونجية والارنؤدية بسوق السلاح وقتل بينهم جماعة من الفريقين ثم تحزبوا احزابا فكان كل من واجه حزبا من الطائفة الاخرى او انفرد ببعض منها قتلوه ووقع بينهم مالا خير فيه وداخل الناس الخوف من ذلك فيكون الانسان مارا بالطريق فلا يشعر الا وكرشه وطائفة مقبلة وبأيديهم البنادق والرصاص وهم قاصدون طائفة من أخصامهم بلغهم انهم في طريق من الطرق واستمر هذا الامر بينهم نحو خمسة ايام ثم ادرك القضية اسمعيل بك وصالحهم
وفي أواخره حضر جماعة من الأرنؤد الى بيت محمد أغا البارودي وقبضوا منه مبلغ دراهم من علوفتهم ونزلوا عند الخليج المرخم وازدحموا في المركب فانقلبت بهم وغرق منهم نحو ستة انفار وقيل تسعة وطلع من طلع في أسوأ حال
ذكر من مات في هذه السنة
مات في هذه السنة العلامة الرحلة الفهامة الفقيه المحدث المفسر المحقق المتبحر الصوفي الصالح الشيخ سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الشافعي الأزهري المعروف بالجمل ويعرف أبوه وجده بشننت ولد بمنية عجيل أحدى قرى الغربية وورد مصر ولازم الشيخ الحفني فشملته بركته وأخذ عنه طريق الخلوتية ولقنه الاسماء وأذن له واستخلفه وتفقه عليه وعلى غيره من فضلاء العصر مثل للشيخ عطية الاجهوري ولازم دروسه كثيرا واشتهر بالصلاح وعفة النفس ونوه الشيخ الحفني بشأنه وجعله اماما وخطيبا بالمسجد الملاصق لمنزله على الخليج ودرس بالاشرفيه والمشهد الحسيني في الفقه والحديث والتفسير وكثرت عليه الطلبة وضبطت من املائه وتقريراته وقرأ المواهب والشمائل وصحيح البخاري وتفسير الجلالين بالمشهد الحسيني بين المغرب والعشاء وحضره أكبر الطلبة ولم يتزوج وفي آخر امره تقشف في ملبسه ولبس كساء صوف وعمامة صوف وطيلسانا كذلك واشتهر بالزهد والصلاح ويتردد كثيرا لزيارات المشايخ والاولياء ولم يزل على حاله حتى توفي في حادي عشر القعدة من السنة
ومات الامام الفاضل العلامة الصالح المتجرد القانع الصوفي الشيخ علي ابن عمر بن احمد بن عمر بن ناجي بن فنيش العوني الميهي الشافعي الضرير نزيل طندتا ولد بالميه إحدى قرى مصر وأول من قدمها جده فنيش وكان مجذوبا من بني العونة العرب المشهورين بالبحيرة فتزوج بها وحفظ المترجم القرآن وقدم الجامع الازهر وجوده على بعض القراء واشتغل بالعلم على مشايخ عصره ونزل طندتا فتديرها ودرس العلم بالمسجد المجاور وللمقام الاحمدي وانتفع به الطلبة وآل به الآمر الى أن صار شيخ العلماء هناك وتعلم عليه غالب من بالبلد علم التجويد وهو فقيه مجود ماهر حسن التقرير جيد الحافظة يحفظ كثيرا من النقول الغريبة وفيه أنس وتواضع وتقشف وانكسار وورد مصر في المحرم من هذه السنة ثم عاد الى طندتا وتوفي في ثاني عشر ربيع الاول من السنة ولم يتعلل كثيرا ودفن بجانب قبر سيدي مرزوق من اولاد غازي في مقام مبنى عليه رحمه الله تعالى
ومات الفاضل النحرير الذي وقف الادب عند بابه ولاذت اربابه باعتابه النبيه النبيل واللوذعي الجليل قاسم بن عطاء الله المصري الاديب ولد بمصر وبها نشأ وقرأ في الفنون على بعض أهل عصره وحفظ الملحة والالفية وغيرهما واشتهر بفن الادب والتوشيح والزجل وكان يعرف اولا بالزجال ايضا لاتقانه فيه وصار وحيد عصره في هذه الفنون بحيث لا يجاريه أحد مع ما لديه من الارتجال في الشعر مع غاية الحسن وأما في فن التاريخ فاليه المنتهى مع السلاسة والتناسب وعدم التكلف فيه
ومات الخواجا المعظم والناخودة المكرم الحاج احمد أغا بن ملا مصطفى الملطيلي كان من أعيان التجار المشهورين وأرباب أهل الوجاهة المعتبرين عمدة في بابه عدة لاحبابه ومن يلوز بجنابه وينتمي لسدته وأعتابه محتشما في نفسه مبجلا بين أبناء جنسه توفي يوم الاربعاء ثاني عشرين القعدة ولم يخلف بعده مثله
ومات صاحبنا النبيه المفوه الفصيح المتكلم الكاتب المنشيء حسين ابن محمد المعروف بدرب الشمسي وهو أحد أخوة حسن افندي من بيت المجد والرياسة والشرف والفضيلة وكان من نوادر العصر في لفصاحة واستحضار المسائل الغربية والنكات والفوائد الفقهية والطبية وعنده حرص على صيد الشوارد وأدرك بمصر أوقاتا ولذات في الايام السابقة قبل أن يخرجهم علي بك من مصر في سنة اثنتين وثمانين ونفيهم الى الحجاز وبعد رجوعهم في سنة سبع وثمانين ولكن دون ذلك ولم يزل يرفل في حلل السيادة حتى تعلل نحو عشرين يوما وتوفي في شهر رمضان من السنة وصلى عليه بمصلى ايوب بك ودفن عند اسلافه وخلفه من بعده ابنه حسن جربجي الموجود الان بارك الله فيه ورحم سلفه
ومات العمدة المفضل والملاد المبجل الشيخ عبد الجواد بن محمد ابن عبد الجواد الأنصاري الجرجاوي الخير المكرم الجواد من بيت الثروة والفضل جدوده مالكية فتحنف كان من أهل المآثر في اكرام الضيوف والوافدين وله حسن توجه مع الله تعالى وأوراد وأذكار وقيام الليل يسهر غالب ليله وهو يتلو القرآن والاحزاب ووردة مصر مرارا وفي آخره انتقل اليها بعياله واشترى منزلا واسعا بحارة كتامة المعروفة الآن بالعينية وصار يتردد في دروس العلماء مع اكرامهم له ثم توجه الى الصعيد ليصلح بين جماعة من عرب العسيرات فقتلوه غيلة في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات الامير المبجل صالح فندي كاتب وجاق التفجية وهو من مماليك ابراهيم كتخدا القازدغلي نشأ من صغره في صلاح وعفة وحبب اليه القراءة وتجويد الخط فجوده على حسن افندي الضيائي والانيس وغيرهما حتى مهر فيه وأجازوه على طريقتهم واصطلاحهم واقتنى كتبا كثيرة وكان منزله مأوى ذوي الفضائل والمعارف وله اعتقاد حسن وحب في المرحوم الوالد ولا ينقطع عن زيارته في كل جمعة مرة او مرتين وكان مترهفا في مأكله وملبسه معتبرا في ذاته وجيها منور الوجه والشيبة له من اسمه نصيب وعنده حزم ومماليكه أحمد ومصطفى تمرض نحو سنة وعجز عن ركوب الخيل وصار يركب حمارا عاليا ويستند على اتباعه ولم يزل حتى توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى وأنقضت هذه السنة
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة