حكماء- Admin
- عدد المساهمات : 2700
تاريخ التسجيل : 30/12/2013
من طرف حكماء الأربعاء 16 يناير 2019 - 9:35
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الحديث الشريف
جامع العلوم والحكم
● [ الحديث الحادي والأربعون ] ●
عَنْ عبدِ الله بن عَمرو بنِ العاص رضي الله عنهما ، قال : قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يُؤمِنُ أَحدُكُم حتّى يكونَ هَواهُ تَبَعاً لِما جِئتُ بِهِ )(1)
تخريج الحديث والشرح
قال الشيخ رحمه الله : حديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ ، رَويناهُ في كِتابِ " الحُجَّة " بإسنادٍ صحيح ! .
يريد بصاحب كتاب " الحجة " الشيخ أبا الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي الفقيه الزاهد نزيل دمشق (2) ، وكتابه هذا هو كتاب " الحجة على تارك المحجة " يتضمن ذكرَ أصولِ الدين على قواعدِ أهل الحديث والسُّنة .
وقد خرَّج هذا الحديث الحافظ أبو نعيم في كتاب " الأربعين " وشرط في أوَّلها أنْ تكونَ من صحاح الأخبار وجياد الآثار مما أجمع الناقلون على عدالة ناقليه ، وخرَّجته الأئمة في مسانيدهم ، ثم خرَّجه عن الطبراني : حدثنا أبو زيد عبد الرحمان ابن حاتم المرادي ، حدثنا نُعيم بن حمادٍ ، حدثنا عبد الوهَّاب الثقفي ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عُقبة بن أوس ، عن عبد الله بن عمرٍو ، قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يُؤمِنُ أَحدكم حتّى يكونَ هواه تبعاً لما جئتُ به لا يزيغُ عنه ) . ورواه الحافظ أبو بكر بن عاصم الأصبهاني (3) عن ابنِ واره ، عن نُعيم بن حماد ، حدثنا عبدُ الوهَّاب الثقفي حدثنا بعضُ مشيختنا هشامٌ أو غيره عن ابن سيرين ، فذكره . وليس عنده ( لا يزيغ عنه ) ، قال الحافظ أبو موسى المديني : هذا الحديث مُختلفٌ فيه على نعيم ، وقيل فيه : حدثنا بعضُ مشيختنا ، حدثنا هشام أو غيره .
__________
(1) أخرجه : البيهقي في " المدخل " 1/188 ( 209 ) ، والخطيب في " تأريخه " 6/21 ، والبغوي ( 104 ) .
(2) انظر : سير أعلام النبلاء 19/136 .
(3) أخرجه : ابن أبي عاصم في " السنة " ( 15 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
قلت : تصحيحُ هذا الحديث بعيدٌ جداً من وجوه ، منها : أنَّه حديثٌ يتفرد به نُعيمُ بنُ حماد المروزي ، ونُعيم هذا وإنْ كان وثَّقه جماعةٌ مِنَ الأئمة ، وخرَّج له البخاري ، فإنَّ أئمةَ الحديث كانوا يُحسنون به الظنَّ ، لِصلابته في السُّنة ، وتشدُّده في الرَّدِّ على أهل الأهواء ، وكانوا ينسبونه إلى أنَّه يَهِمُ ، ويُشبّه عليه في بعض الأحاديث ، فلمَّا كُثرَ عثورُهم على مناكيره ، حكموا عليه بالضَّعف ، فروى صالح ابن محمد الحافظ عن ابن معين أنَّه سئل عنه فقال : ليس بشيء ولكنَّه صاحب سنة ، قال صالح : وكان يُحدِّث من حفظه ، وعنده مناكير كثيرة لا يُتابع عليها . وقال أبو داود : عند نعيم نحوُ عشرين حديثاً عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ليس لها أصل (1) ، وقال النَّسائي : ضعيف (2) . وقال مَرَّةً : ليس بثقة . وقال مرة : قد كثر تفرُّدُه عن الأئمة المعروفين في أحاديث كثيرةٍ ، فصار في حدِّ مَنْ لا يُحتجُّ به . وقال أبو زرعة الدمشقي : يَصِلُ أحاديث يُوقِفُها الناسُ (3) ، يعني : أنَّه يرفع الموقوفات ، وقال أبو عروبة الحراني : هو مظلمُ الأمر ، وقال أبو سعيد بن يونس : روى أحاديث مناكير عن الثقات ، ونسبه آخرون إلى أنّه كان يضعُ الحديثَ ، وأين كان أصحاب عبد الوهَّاب الثقفي ، وأصحاب هشام بن حَسّان ، وأصحاب ابن سيرين عن هذا الحديث حتى يتفرَّد به نعيم ؟
__________
(1) انظر : ميزان الاعتدال 4/268 .
(2) انظر : تهذيب الكمال 7/352 .
(3) انظر : تهذيب الكمال 7/351 .
● [ الصفحة التالية ] ●
ومنها : أنَّه قد اختلف على نُعيم في إسناده ، فروي عنه ، عن الثقفي ، عن هشام ، ورُوي عنه عن الثقفي ، حدَّثنا بعضُ مشيختنا هشام أو غيره ، وعلى هذه الرواية ، فيكون شيخ الثَّقفيِّ غيرَ معروف عينه ، ورُوي عنه عن الثقفي ، حدّثنا بعض مشيختنا ، حدَّثنا هشام أو غيره ، فعلى هذه الرواية ، فالثقفيُّ رواه عن شيخٍ مجهولٍ ، وشيخه رواه عن غير مُعَيَّن ، فتزدادُ الجهالةُ في إسناده .
ومنها : أنَّ في إسناده عُقبةَ بن أوس السَّدوسي البصري ، ويقال فيه : يعقوب ابن أوس أيضاً (1) ، وقد خرَّج له أبو داود والنَّسائي وابن ماجه حديثاً عن عبد الله ابن عمرو ، ويقال : عبد الله بن عمر ، وقد اضطرب في إسناده ، وقد وثقه العجلي ، وابن سعد ، وابن حبان (2) ، وقال ابنُ خزيمة : روى عنه ابن سيرين مع جلالته ، وقال ابنُ عبد البرِّ : هو مجهول .
وقال الغلابي في " تاريخه " : يزعمون أنَّه لم يسمع من عبد الله بن عمرو ، وإنَّما يقول : قال عبد الله بن عمرو ، فعلى هذا تكون رواياتُه عن عبد الله بن عمرو منقطعة ، والله أعلم .
وأما معنى الحديث ، فهو أنَّ الإنسان لا يكون مؤمناً كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعةً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأوامر والنَّواهي وغيرها ، فيحبُّ ما أمر به ، ويكره ما نهى عنه .
وقد ورد القرآن بمثل هذا في غير موضع . قال تعالى : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } (3) .
وقال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } (4) .
__________
(1) انظر : تهذيب التهذيب 7/205 .
(2) انظر : تهذيب الكمال 5/193 .
(3) النساء : 65 .
(4) الأحزاب : 36 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وذمَّ سبحانه من كره ما أحبَّه الله ، أو أحبَّ ما كرهه الله ، قال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } (1) ، وقال تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } (2) .
فالواجب على كلِّ مؤمن أنْ يُحِبَّ ما أحبَّه الله محبةً توجِبُ له الإتيان بما وجب عليه منه ، فإنْ زادت المحبَّةُ ، حتّى أتى بما ندب إليه منه ، كان ذلك فضلاً ، وأنْ يكره ما كرهه الله تعالى كراهةً توجِبُ له الكفَّ عمَّا حرَّم عليه منه ، فإنْ زادت الكراهةُ حتَّى أوجبت الكفَّ عما كرهه تنْزيهاً ، كان ذلك فضلاً . وقد ثبت في " الصحيحين " (3) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال : ( لا يؤمن أحدُكُم حتّى أكونَ أحبَّ إليه من نفسه وولده وأهله والنّاس أجمعين ) فلا يكون المؤمن مؤمناً حتى يُقدم محبة الرسول على محبة جميع الخلق ، ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرسله .
والمحبة الصحيحةُ تقتضي المتابعةَ والموافقةَ في حبِّ المحبوبات وبغضِ المكروهات ، قال - عز وجل - : { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ } (4) .
__________
(1) محمد : 9 .
(2) محمد : 28 .
(3) صحيح البخاري 1/10 ( 15 ) ، وصحيح مسلم 1/49 ( 44 ) ( 69 ) و( 70 ) عن أنس ابن مالك ، به .
وأخرجه : أحمد 3/177 و275 ، وابن ماجه ( 67 ) ، والنسائي 8/115 وفي " الكبرى " ، له ( 11744 ) .
وفي الباب عن أبي هريرة .
(4) التوبة : 24 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقال تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } (1) قال الحسن (2) : قال أصحابُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، إنّا نُحبُّ ربنا حبّاً شديداً ، فأحبَّ الله أنْ يجعل لحبه علماً ، فأنزل الله هذه الآية .
وفي " الصحيحين " (3) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجدَ حلاوةَ الإيمان : أنْ يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممَّا سواهُما ، وأنْ يُحبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا لله ، وأنْ يكره أنْ يَرجِعَ إلى الكُفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أنْ يُلقى في النار ) .
فمن أحبَّ الله ورسوله محبةً صادقة من قلبه ، أوجب له ذلك أنْ يُحبَّ بقلبه ما يُحبُّه الله ورسولُه ، ويكره ما يكرهه الله ورسوله ، ويرضى بما يرضى الله ورسوله ، ويَسخط ما يَسْخَطُهُ الله ورسوله ، وأنْ يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحبِّ والبغض ، فإنْ عمل بجوارحه شيئاً يُخالِفُ ذلك ، فإن ارتكبَ بعضَ ما يكرهه الله ورسولُه ، أو ترك بعضَ ما يُحبه الله ورسوله ، مع وجوبه والقدرة عليه ، دلَّ ذلك على نقص محبَّته الواجبة ، فعليه أنْ يتوبَ من ذلك ، ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة .
__________
(1) آل عمران : 31 .
(2) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 5385 ) وطبعة التركي 5/325 ، وابن أبي حاتم في
"تفسيره" 2/633 ( 3402 ) ، والآجري في " الشريعة " ( 254 ) ، وهو ضعيف لإرساله .
(3) صحيح البخاري 1/10 ( 16 ) ، وصحيح مسلم 1/48 ( 43 ) ( 67 ) و( 68 ) عن أنس، به.
وأخرجه : أحمد 3/103 و174 و230 و288 ، وعبد بن حميد ( 1328 ) ، والترمذي ( 2624 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
قال أبو يعقوب النَّهْرُجُوريُّ : كلُّ مَنِ ادَّعى محبة الله - عز وجل - ، ولم يوافِقِ الله في أمره ، فدعواه باطلة ، وكلُّ محبٍّ ليس يخاف الله ، فهو مغرورٌ (1) .
وقال يحيى بنُ معاذ : ليس بصادقٍ من ادّعى محبَّة الله - عز وجل - ولم يحفظ حدودَه.
وسئل رُويم عن المحبة ، فقال : الموافقة في جميع الأحوال ، وأنشد :
ولو قُلتَ لي مُتْ مِتُّ سَمعاً وطاعةً . وقُلتُ لداعِي الموتِ أهلاً ومرحبا (2)
ولبعض المتقدمين (3) :
تَعصِي الإله وأنت تَزعُمُ حُبَّه . هذا لعمري في القِياس شَنيعُ
لَو كان حُبُّك صادِقاً لأطعتَه . إنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحبُّ مُطيعُ
فجميعُ المعاصي تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله ، وقد وصف اللهُ المشركين باتِّباع الهوى في مواضع من كتابه ، وقال تعالى : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ } (4) .
وكذلك البدعُ ، إنَّما تنشأ من تقديم الهوى على الشَّرع ، ولهذا يُسمى أهلُها أهل الأهواء .
وكذلك المعاصي ، إنَّما تقعُ من تقديم الهوى على محبة الله ومحبة ما يُحبه .
__________
(1) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 10/356 .
(2) انظر : حلية الأولياء 10/301 ، وشعب الإيمان للبيهقي 1/383 ، وتأريخ بغداد 8/430 .
(3) عزاه البيهقي في " شعب الإيمان " 1/386 إلى أبي العتاهية .
(4) القصص : 50 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وكذلك حبُّ الأشخاص : الواجب فيه أنْ يكون تَبعاً لما جاء به الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - . فيجبُ على المؤمن محبةُ الله ومحبةُ من يحبه الله من الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عموماً ، ولهذا كان مِنْ علامات وجود حلاوة الإيمان أنْ يُحِبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا لله ، ويُحرمُ موالاةُ أعداءِ الله . ومن يكرهه الله عموماً ، وقد سبق ذلك في موضع آخر ، وبهذا يكونُ الدِّينُ كلُّه لله . و ( من أحبَّ لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ) (1) ، ومن كان حُبُّه وبُغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه ، كان ذلك نقصاً في إيمانه الواجب ، فيجب عليه التَّوبةُ من ذلك ، والرُّجوع إلى اتِّباع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تقديم محبة الله ورسوله ، وما فيه رضا الله ورسوله على هوى النفوس ومراداتها كلها .
قال وُهيب بنُ الورد (2) : بلغنا - والله أعلم - أنَّ موسى - عليه السلام - ، قال : يا ربِّ أوصني ؟ قال : أوصيك بي ، قالها ثلاثاً حتى قال في الآخرة : أوصيك بي أن لا يعرض لك أمرٌ إلا آثرت فيه محبتي على ما سواها ، فمن لم يفعل ذلك لم أُزكِّه ولم أرحمه .
والمعروف في استعمال الهوى عند الإطلاق : أنَّه الميلُ إلى خلاف الحقِّ ، كما في قوله - عز وجل - : { وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ } (3) ، وقال : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } (4) .
__________
(1) أخرجه : أبو داود ( 4681 ) عن أبي أمامة الباهلي ، به مرفوعاً ، وهو صحيح.
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/141 - 142 .
وأخرجه : أحمد في " الزهد " : 59 عن كعب بن علقمة .
(3) ص : 26 .
(4) النازعات : 40 - 41 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقد يُطلق الهوى بمعنى المحبة والميل مطلقاً ، فيدخل فيه الميل إلى الحقِّ وغيره ، وربما استُعمِل بمعنى محبة الحقِّ خاصة والانقياد إليه ، وسئل صفوانُ بن عسّال : هل سمعتَ منَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يذكر الهوى ، فقال : سأله أعرابيٌّ عن الرجل يُحبُّ القومَ ولم يلحق بهم ، فقال : ( المرءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ) (1) . ولمَّا نزل قوله - عز وجل - : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ } (2) ، قالت عائشة للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ما أرى ربَّك إلا يُسارعُ في هواك (3) . وقال عمر في قصة المشاورة في أسارى بدر : فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ، ولم يهوَ ما قلتُ (4) ، وهذا الحديثُ مما جاء استعمال الهوى فيهِ بمعنى المحبة المحمودة ، وقد وقع مثلُ ذلك في الآثار الإسرائيلية كثيراً ، وكلامُ مشايخ القوم وإشاراتُهم نظماً ونثراً يكثُر في هذا الاستعمال ، ومما يُناسبُ معنى الحديثِ من ذلك قولُ بعضهم :
إنَّ هواكَ الَّذي بقلبي . صَيَّرني سامعاً مُطيعا
أخذت قلبي وغَمضَ عيني . سَلَبتني النَّومَ والهُجوعا
فَذَرْ فؤادي وخُذ رُقادي . فقال : لا بل هُما جميعا
__________
(1) أخرجه : الطيالسي ( 1167 ) ، والترمذي ( 2387 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 7358 ) ، وقال الترمذي : ( حسن صحيح ) .
(2) الأحزاب : 51 .
(3) أخرجه : أحمد 6/134 و158 و261 ، والبخاري 6/147 ( 4788 ) و7/15 ( 5113 ) ، ومسلم 4/174 ( 1464 ) ( 49 ) و( 50 ) ، وابن ماجه ( 2000 ) ، والنسائي 6/54 وفي " الكبرى " ، له ( 5306 ) و( 8927 ) وفي " التفسير " ، له ( 434 ) .
(4) أخرجه : أحمد 1/30 - 31 ، وعبد بن حميد ( 31 ) ، ومسلم 5/156 - 157 ( 1763 ) ( 58 ) ، وأبو داود ( 2690 ) ، والترمذي ( 3081 ) . 41
● [ تم شرح الحديث ] ●
جامع العلوم والحكم
لإبن رجب الحنبلي
منتدى ميراث الرسول . البوابة