حكماء- Admin
- عدد المساهمات : 2700
تاريخ التسجيل : 30/12/2013
من طرف حكماء الأربعاء 16 يناير 2019 - 3:49
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الحديث الشريف
جامع العلوم والحكم
● [ الحديث الحادي والثلاثون ] ●
عَنْ سهلِ بنِ سعْدٍ السَّاعِديِّ قال : جاءَ رجُلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ : يا رَسولَ الله دُلَّني عَلى عَمَلٍ إذا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي الله ، وأحَبَّنِي النَّاسُ ، فقال : ( ازهَدْ فِي الدُّنيا يُحِبَّكَ الله ، وازهَدْ فيمَا في أيدي النَّاسِ يُحبَّكَ النَّاسُ ).
حديثٌ حسنٌ رَواهُ ابنُ ماجه (1) وغيرُهُ بأسانِيدَ حَسَنةٍ .
__________
(1) في " سننه " ( 4102 ) .
وأخرجه : العقيلي في " الضعفاء " 2/11 ، والطبراني في " الكبير " ( 5972 ) ، وابن عدي في " الكامل " 3/458 ، والحاكم 4/313 ، وأبو نعيم في " الحلية " 3/252 - 253 و7/36 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 643 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 10523 ) من حديث سهل بن سعد الساعدي ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
الشرح
هذا الحديث خرَّجه ابن ماجه من رواية خالد بن عمرو القرشي ، عن سفيان الثوري ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، وقد ذكر الشيخ - رحمه الله - أنَّ إسناده حسن ، وفي ذلك نظر ، فإنَّ خالد بن عمرو القرشي الأموي قال فيه الإمامُ أحمد : منكرُ الحديث ، وقال مرة : ليس بثقة ، يروي أحاديث بواطيل ، وقال ابن معين : ليس حديثه بشيءٍ ، وقال مرة : كان كذاباً يكذب ، حدَّث عن شعبة أحاديثَ موضوعة ، وقال البخاري وأبو زرعة : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم : متروكُ الحديث ضعيف (1)(2) ، ونسبه صالح بنُ محمد ، وابنُ عدي إلى وضع الحديث(3) ، وتناقض ابنُ حبان في أمره ، فذكره في كتاب "الثقات" (4)، وذكره في كتاب " الضعفاء " (5) ، وقال : كان ينفردُ عَنِ الثِّقاتِ بالموضوعات ، لا يحلُّ الاحتجاج بخبره ، وخرَّج العقيلي (6) حديثه هذا وقال : ليس له أصل من حديث سفيان الثوري ، قال : وقد تابع خالداً عليه محمَّد بن كثيرٍ الصَّنعانيُّ ، ولعله أخذه عنه ودلسه ؛ لأنَّ المشهور به خالد هذا .
قال أبو بكر الخطيب : وتابعه أيضا أبو قتادة الحرَّاني ومِهرانُ بن أبي عمر الرازي ، فرووه عن الثَّوريِّ قال : وأشهرُها حديثُ ابن كثير . كذا قال ، وهذا يخالفُ قولَ العقيلي : إنَّ أشهرَها حديثُ خالد بن عمرو ، وهذا أصحُّ ، ومحمد بن كثير الصنعاني هو المصيصي ، ضعفه أحمد (7) . وأبو قتادة ومهران تُكُلِّمَ فيهما أيضاً ، لكن محمد بن كثير خيرٌ منهما ، فإنَّه ثقةٌ عندَ كثير مِنَ الحفَّاظ .
وقد تعجب ابنُ عدي من حديثه هذا ، وقال : ما أدري ما أقول فيه (8) .
__________
(1) سقطت من ( ص ) .
(2) انظر : الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/343 .
(3) انظر : تهذيب الكمال 2/360 – 361 ( 1622 ) .
(4) الثقات 8/223 .
(5) انظر : المجروحين 1/283 .
(6) في " الضعفاء " 2/11 .
(7) انظر : الضعفاء 4/128 .
(8) انظر : الكامل في الضعفاء 3/459 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وذكر ابنُ أبي حاتم (1) أنَّه سأل أباه عن حديث محمد بن كثير ، عن سفيان الثوري ، فذكر هذا الحديث ، فقال : هذا حديثٌ باطلٌ ، يعني : بهذا الإسناد ، يُشير إلى أنَّه لا أصلَ له عن محمد بن كثير ، عن سفيان .
وقال ابن مشيش : سألتُ أحمد عن حديث سهل بن سعد ، فذكر هذا الحديث ، فقال أحمد : لا إله إلا الله - تعجباً منه - من يروي هذا ؟ قلت : خالد ابن عمرو ، فقال : وقعنا في خالد بن عمرو ، ثم سكت ، ومراده الإنكار على من ذكر له شيئاً من حديث خالد هذا ، فإنَّه لا يُشتغل به .
وخرَّجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " المواعظ " (2) له عن خالد بن عمرو ، ثم قال : كنت منكراً لهذا الحديث ، فحدثني هذا الشيخُ عن وكيع : أنَّه سأله عنه ، ولولا مقالته هذه لتركته . وخرَّج ابن عدي (3) هذا الحديث(4) في ترجمة خالد بن عمرو ، وذكر رواية محمد بن كثير له أيضاً ، وقال : هذا الحديث عن الثوري منكر ، قال : ورواه زافر - يعني : ابن سلمان - عن محمد بن عيينة أخي سفيان ، عن أبي حازم ، عن ابن عمر . انتهى ، وزافر ومحمد بن عيينة ، كلاهما ضعيف .
__________
(1) في " العلل " 2/372 عقيب ( 1815 ) .
(2) المواعظ ( 131 ) .
(3) في " الكامل " 3/458 – 459 .
(4) عبارة : ( هذا الحديث ) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقد روي هذا الحديث من وجه آخر مرسلٍ(1) : خرجه أبو سليمان بن زبر الدِّمشقي في " مسند إبراهيم بن أدهم " (2) من جمعه من رواية معاوية بن حفص ، عن إبراهيم بن أدهم ، عن منصور ، عن ربعي بن حِراش ، قال : جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسولَ الله ، دلَّني على عمل يحبَّني الله عليه ، ويحبني الناس عليه ، فقال : ( أما العملُ الذي يحبُّك الله عليه ، فالزُّهدُ في الدُّنيا ، وأمَّا العملُ الذي يحبُّك الناس عليه ، فانظر هذا الحطام ، فانبذه إليهم ) .
وخرَّجه ابن أبي الدُّنيا في كتاب " ذم الدُّنيا " من رواية عليِّ بن بكار ، عن إبراهيم بن أدهم ، قال : جاء رجل إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فذكره ، ولم يذكر في إسناده منصوراً ولا ربعياً ، وقال في حديثه : ( فانبذ إليهم ما في يديك من الحُطام ) .
وقدِ اشتمل هذا الحديثُ على وصيتين عظيمتين :
إحداهما : الزُّهدُ في الدُّنيا ، وأنَّه مقتضٍ لمحبة الله - عز وجل - لعبده .
والثانية : الزُّهد فيما في أيدي الناس ، وأنَّه مقتضٍ لِمحبَّة النَّاس .
__________
(1) والمرسل أحد أنواع الضعيف .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/41 من طريق إبراهيم بن أدهم ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أنس ، به ؛ لكنَّ وصله خطأ ، قال أبو نعيم عقب الحديث : ( ذكر أنس في هذا الحديث وهم من عمر أو أبي أحمد ، فقد رواه الأثبات عن الحسن بن الربيع فلم يجاوزوا فيه مجاهداً ) ، ثم ساقه مرسلاً من طريق مجاهد .
● [ الصفحة التالية ] ●
فأمَّا الزُّهد في الدُّنيا ، فقد كثُر في القُرآن الإشارة إلى مدحه ، وإلى ذمّ الرغبة في الدُّنيا ، قال تعالى : { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } (1) ، وقال تعالى : { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنيا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ } (2) ، وقال تعالى في قصة قارون : { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ } إلى قوله : { تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (3) ، وقال تعالى : { وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنيا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنيا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ } (4) ، وقال : { قُلْ مَتَاعُ الدُّنيا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } (5) .
وقال حاكياً عن مؤمن آل فرعون أنَّه قال لقومه : { يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنيا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ } (6).
وقد ذمَّ الله مَنْ كان يُريد الدُّنيا بعمله وسعيه ونيَّته ، وقد سبق ذكرُ ذلك في الكلام على حديث : ( الأعمال بالنيات ) (7) .
__________
(1) الأعلى : 16 – 17 .
(2) الأنفال : 67 .
(3) القصص : 79 – 83 .
(4) الرعد : 26 .
(5) النساء : 77 .
(6) غافر : 38 – 39 .
(7) سبق تخريجه . انظر : الحديث الأول .
● [ الصفحة التالية ] ●
والأحاديث في ذمِّ الدُّنيا وحقارتها عند الله كثيرةٌ جداً ، ففي " صحيح مسلم " (1) عن جابر : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بالسُّوقِ والنَّاسُ كَنَفَيْهِ (2) ، فمرَّ بجديٍّ أسكَّ (3) ميِّتٍ ، فتناوله ، فأخذ بأذنه ، فقال : ( أيُّكم يُحبُّ أنَّ هذا له بدرهم ؟ ) فقالوا : ما نحبُّ أنَّه لنا بشيء ، وما نصنع به ؟ قال : ( أتحبُّون أنَّه لكم ؟ ) قالوا : والله لو كان حياً كان عيباً فيه ؛ لأنَّه أسكُّ ، فكيف وهو ميت ؟ فقال : ( والله للدُّنيا أهونُ على الله من هذا عليكم ) .
وفيه أيضاً (4) عن المستورد الفهري ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ما الدُّنيا في الآخرة إلاَّ كما يَجْعَلُ أحدُكم أصبَعَهُ في اليمِّ ، فلينظر بماذا ترجع ) .
وخرَّج الترمذي (5) من حديث سهل بن سعد ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لو كانتِ الدُّنيا تعدِلُ عندَ الله جناح بعوضةٍ ، ما سقى كافراً منها شربةً ) وصححه (6) .
__________
(1) الصحيح 8/210 – 211 ( 2957 ) ( 2 ) .
وأخرجه : أحمد 3/365 ، والبخاري في " الأدب المفرد " ( 962 ) ، وأبو داود ( 186 ) ، والبيهقي 1/139 عن جابر بن عبد الله ، به .
(2) الكَنفَ بالتحريك الجانِب والناحِية .
انظر : النهاية 4/205 ، وشرح النووي لصحيح مسلم 9/261 .
(3) أسكَّ : أي : صغير الأُذنين . انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 9/261 .
(4) مسلم في " صحيحه " 8/156 ( 2858 ) ( 55 ) .
وأخرجه : ابن المبارك في " الزهد " ( 496 ) ، وأحمد 4/228 – 229 و229 ، وابن ماجه ( 4108 ) ، والترمذي ( 2323 ) ، وابن حبان ( 4330 ) من حديث المستورد بن شَدَّاد الفهري ، به .
(5) في " جامعه " ( 2320 ) من حديث سهل بن سعد ، به .
(6) انظر : جامع الترمذي عقيب ( 2320 ) ، على أنَّ في إسناده عبد الحميد بن سليمان ضعيف ، وقد تابعه من هو مثله فلعل الترمذي صححه لشواهده ، والله أعلم .
● [ الصفحة التالية ] ●
ومعنى الزهد في الشيء : الإعراضُ عنه لاستقلاله ، واحتقاره ، وارتفاع الهمَّةِ
عنه ، يقال : شيء زهيد ، أي : قليل حقير (1) .
وقد تكلَّم السَّلفُ ومَنْ بعدَهم في تفسير الزُّهد في الدُّنيا ، وتنوَّعت عباراتهم عنه ، وورد في ذلك حديثٌ مرفوع خرَّجه الترمذي (2) وابن ماجه (3) من رواية عمرو بن واقدٍ ، عن يونس بن حلبس ، عن أبي إدريس الخولانيِّ ، عن أبي ذرٍّ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( الزَّهادةُ في الدُّنيا ليست بتحريم الحلال ، ولا إضاعة المال ، ولكن الزهادة في الدُّنيا أنْ لا تكونَ بما في يديك أوثقَ ممَّا في يد الله ، وأنْ تكون في ثواب المصيبة إذا أنتَ أُصبتَ بها أَرغبَ فيها لو أنَّها بقيت لك ) . وقال الترمذي : غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه ، وعمرو بن واقد منكر الحديث (4) .
قلت : الصحيح وقفه ، كما رواه الإمام أحمد في كتاب " الزهد " (5) ، حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي ، حدثنا خالدُ بنُ صبيح ، حدثنا يونس بن حلبس قال : قال أبو مسلم الخولاني : ليس الزهادةُ في الدُّنيا بتحريم الحلال ، ولا إضاعة المال ، إنَّما الزهادة في الدُّنيا أنْ تكونَ بما في يد الله أوثق مما في يديك ، وإذا أُصِبْتَ بمصيبةٍ ، كنت أشدَّ رجاءً لأجرها وذُخرها مِن إيَّاها لو بقيت لك .
وخرَّجه ابن أبي الدُّنيا من راوية محمد بن مهاجر ، عن يونس بن ميسرة ، قال : ليس الزَّهادة في الدُّنيا بتحريم الحلال ، ولا بإضاعة المال ، ولكن الزهادة في الدُّنيا أنْ تكونَ بما في يد الله أوثق منك بما في يدك ، وأنْ يكونَ حالك في المصيبة وحالُك إذا لم تُصب بها سواءً ، وأنْ يكون مادحُك وذامُّك في الحقِّ سواء .
__________
(1) انظر : لسان العرب 6/97 ( زهد ) .
(2) في " جامعه " ( 2340 ) من حديث أبي ذر ، به .
(3) السنن ( 4100 ) من حديث أبي ذر ، به .
(4) في " جامعه " عقيب ( 2340 ) .
(5) الزهد ( 96 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
ففسر الزهد في الدُّنيا بثلاثة أشياء كُلُّها من أعمال القلوب ، لا من أعمال الجوارح ، ولهذا كان أبو سليمان يقول : لا تَشْهَدْ لأحدٍ بالزُّهد ، فإنَّ الزُّهد في القلب .
أحدها : أنْ يكونَ العبدُ بما في يد الله أوثقَ منه بما في يد نفسه ، وهذا ينشأ مِنْ صحَّة اليقين وقوَّته ، فإنَّ الله ضَمِن أرزاقَ عباده ، وتكفَّل بها ، كما قال : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا } (1) ، وقال : { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } (2) ، وقال : { فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ } (3) .
قال الحسن : إنَّ مِنْ ضعف يقينك أنْ تكونَ بما في يدك أوثقَ منك بما في يد الله - عز وجل - .
وروي عن ابن مسعود قال : إنَّ أرجى ما أكون للرزق إذا قالوا : ليس في البيت دقيق . وقال مسروقٌ : إنَّ أحسن ما أكون ظناً حين يقول الخادم : ليس في البيت قفيزٌ من قمحٍ ولا درهمٌ (4) . وقال الإمامُ أحمد : أسرُّ أيامي إليَّ يوم أُصْبِحُ وليس عندي شيء (5) .
وقيل لأبي حازم الزاهد : ما مالُك ؟ قال : لي مالان لا أخشى معهما الفقر : الثِّقةُ بالله ، واليأسُ ممَّا في أيدي الناس (6) .
وقيل له : أما تخافُ الفقر ؟ فقال : أنا أخاف الفقر ومولاي له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ؟!
ودُفع إلى عليِّ بنِ الموفق ورقة ، فقرأها فإذا فيها : يا عليّ بن الموفق أتخاف الفقرَ وأنا ربك ؟
__________
(1) هود : 6 .
(2) الذاريات : 22 .
(3) العنكبوت : 17
(4) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 34871 ) ، والدينوري في " المجالسة " ( 2744 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 2/97 .
(5) انظر : صفة الصفوة 2/345 .
(6) أخرجه : الدينوري في " المجالسة " ( 963 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 3/231 – 232 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقال الفضيلُ بن عياض (1) : أصلُ الزُّهد الرِّضا عَنِ الله - عز وجل - . وقال : القنوع هو الزهد ، وهو الغنى .
فمن حقق اليقين ، وثق بالله في أموره كلها ، ورضي بتدبيره له ، وانقطع عن التعلُّق بالمخلوقين رجاءً وخوفاً ، ومنعه ذلك مِنْ طلب الدُّنيا بالأسباب المكروهة ، ومن كان كذلك ، كان زاهداً في الدُّنيا حقيقة ، وكان من أغنى الناس ، وإنْ لم يكن له شيء من الدُّنيا كما قال عمَّار : كفى بالموت واعظاً ، وكفى باليقين غنى ، وكفى بالعبادة شغلاً (2) .
وقال ابن مسعود : اليقينُ : أنْ لا ترضي النَّاسَ بسخطِ اللهِ ، ولا تحمد أحداً على رزق الله ، ولا تلم أحداً على ما لم يؤتِكَ الله ، فإنَّ الرِّزقَ لا يسوقُه حرصُ حريصٍ ، ولا يردُّه كراهة كارهٍ ، فإنَّ الله تبارك وتعالى - بقسطه وعلمه وحكمه - جعل الرَّوحَ والفرحَ في اليقين والرضا ، وجعل الهمَّ والحزن في الشكِّ والسخطِ (3) .
وفي حديث مرسل أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهذا الدُّعاء : ( اللهمَّ إنِّي أسألك إيماناً يُباشر قلبي ، ويقيناً(4) صادقاً(5) حتى أعلم أنَّه لا يمنعني رزقاً قسمته لي ، ورضِّني من المعيشة بما قسمت لي ) (6) .
__________
(1) أخرجه : الدينوري في " المجالسة " ( 960 ) و( 3045 ) ، وأبو عبد الرحمان السّلمي في
" طبقات الصوفية " : 10 .
(2) أخرجه : البيهقي في " شُعب الإيمان " ( 10556 ) عن عمار بن ياسر ، مرفوعاً .
(3) أخرجه : ابن أبي الدنيا في " اليقين " : 118 ، والبيهقي في " شُعب الإيمان " ( 209 ) .
(4) في ( ص ) : ( ولساناً ) .
(5) صادقاً ) سقطت من ( ص ) .
(6) أخرجه : ابن أبي الدنيا في " اليقين " : 112 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وكان عطاء الخراساني لا يقومُ من مجلسه حتى يقولَ : اللهمَّ هب لنا يقيناً منك حتى تُهوِّن علينا مصائبَ الدُّنيا ، وحتى نعلمَ أنَّه لا يُصيبنا إلا ما كتبتَ علينا ، ولا يُصيبنا مِنْ هذا الرِّزقِ إلاَّ ما قسمتَ لنا (1) .
روينا من حديث ابن عباس مرفوعاً ، قال : ( من سرَّه أنْ يكون أغنى الناسِ ، فليكن بما في يدِ الله أوثق منه بما في يده ) (2) .
والثاني : أنْ يكونَ العبدُ إذا أُصيبَ بمصيبةٍ في دُنياه مِنْ ذهابِ مالٍ ، أو ولدٍ ، أو غير ذلك ، أرغبَ في ثواب ذلك ممَّا ذهبَ منه مِنَ الدُّنيا أنْ يبقي له ، وهذا أيضاً ينشأُ مِنْ كمالِ اليقين .
وقد روي عن ابن عمر : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعائه : ( اللهُمَّ اقسم لنا مِنْ خشيتك ما تحولُ به بيننا وبين معاصِيكَ ، ومِنْ طاعتك ما تبلِّغُنا به جنَّتك ، ومِنَ اليقين ما تهوِّنُ به علينا مصائبَ الدُّنيا ) (3) وهو من علامات الزُّهد في الدُّنيا ، وقلَّةِ الرَّغبة فيها ، كما قال عليٌّ - رضي الله عنه - : من زهد في الدُّنيا ، هانت عليه المصيباتُ .
__________
(1) أخرجه : ابن أبي الدنيا في " اليقين " : 108 .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 3/218 – 219 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 367 ) و( 368 ) من حديث عبد الله بن عباس ، به . وهو جزء من حديث طويل .
(3) أخرجه : الترمذي ( 3502 ) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " ( 402 ) ، والحاكم 1/528 ، والبغوي ( 1374 ) من حديث عبد الله بن عمر ، به ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
والثالث : أنْ يستوي عندَ العبد حامدُه وذامُّه في الحقِّ ، وهذا من علامات الزُّهد في الدُّنيا ، واحتقارها ، وقلَّةِ الرَّغبة فيها ، فإنَّ من عظُمتِ الدُّنيا عنده أحبَّ المدحَ وكرِهَ الذَّمَّ ، فربما حمله ذلك على تركِ كثيرٍ مِنَ الحق خشيةَ الذَّمِّ ، وعلى فعلِ كثيرٍ مِنَ الباطلِ رجاءَ المدح ، فمن استوى عنده حامدُه وذامُّه في الحقِّ ، دلَّ على سُقوط منزلة المخلوقين من قلبه ، وامتلائه مِنْ محبَّة الحقِّ ، وما فيه رضا مولاه ، كما قال ابن مسعود : اليقين أنْ لا تُرضي النَّاسَ بسخط الله (1) . وقد مدح الله الذين يُجاهدون في سبيل الله ، ولا يخافون لومة لائم .
وقد روي عن السَّلف عبارات أخرُ في تفسير الزُّهد في الدُّنيا ، وكلها تَرجِعُ إلى ما تقدَّم ، كقول الحسن : الزاهد الذي إذا رأى أحداً قال : هو أفضل مني ، وهذا يرجع إلى أنَّ الزاهد حقيقةً هو الزَّاهدُ في مدح نفسه وتعظيمها ، ولهذا يقال : الزهد في الرِّياسة أشدُّ منه في الذهب والفضة (2) ، فمن أخرج مِنْ قلبه حبَّ الرياسة في الدُّنيا ، والتَّرفُّع فيها على الناس ، فهو الزاهد حقاً ، وهذا هو الذي يستوي عنده حامدُه وذامُّه في الحقِّ ، وكقول وهيب بن الورد : الزهد في الدُّنيا أنْ لا تأسى على ما فات منها ، ولا تفرح بما آتاك منها (3) ، قال ابن السماك : هذا هو الزاهد المبرز في زهده .
وهذا يرجع إلى أنَّه يستوي عند العبد إدبارها وإقبالها وزيادتها ونقصُها ، وهو مثلُ استواءِ المصيبة وعدمها كما سبق .
وسئل بعضُهم - أظنُّه الإمام أحمد - عمَّن معه مالٌ : هل يكون زاهداً ؟ قال : إنْ كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصه ، أو كما قال .
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/238 من قول يوسف بن أسباط .
(3) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/140 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وسئل الزهري عن الزاهد فقال : من لم يغلب الحرامُ صبرَه ، ولم يشغل الحلالُ شكره (1) ، وهذا قريبٌ ممَّا قبله ، فإنَّ معناه أنَّ الزاهد في الدُّنيا إذا قدر منها على حرام ، صبر عنه ، فلم يأخذه ، وإذا حصل له منها حلالٌ ، لم يشغَلْهُ عَنِ الشُّكر ، بل قام بشكرِ الله عليه .
قال أحمد بن أبي الحواري : قلتُ لسفيان بن عيينة : مَنِ الزَّاهد في الدُّنيا ؟ قال : من إذا أنعم عليه شكر(2)، وإذا ابتُلي صبر . فقلت : يا أبا محمد قد أنعم عليه فشكر ، وابتلي فصبر ، وحبس النِّعمةَ (3) ، كيف يكون زاهداً ؟! فقال : اسكت ، من لم تمنعه النَّعماءُ مِنَ الشُّكر ، ولا البلوى من الصَّبر ، فذلك الزاهد (4) .
وقال ربيعة : رأس الزهادة جمعُ الأشياء بحقها ، ووضعُها في حقِّها (5) .
وقال سفيان الثوري : الزهد في الدُّنيا قِصَرُ الأمل ، ليس بأكل الغليظ ، ولا بلبس العباء (6) ، وقال : كان من دعائهم : اللهم زهِّدنا في الدُّنيا ، ووسِّع علينا منها ، ولا تزوِها عنا ، فترغِّبنا فيها . وكذا قال الإمام أحمد : الزُّهد في الدُّنيا : قِصَرُ الأمل ، وقال مرة : قِصَرُ الأملِ واليأسُ مما في أيدي الناس .
__________
(1) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 7/287 .
(2) من قوله : ( لم يشغله عن الشكر … ) سقطت من ( ص ) .
(3) سقطت من ( ص ) .
(4) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 7/273 .
(5) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 3/259 .
(6) أخرجه : وكيع في " الزهد " 1/222 ( 6 ) ، والدينوري في " المجالسة " ( 2848 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 6/386 .
● [ الصفحة التالية ] ●
ووجه هذا أنَّ قِصَرَ الأملِ يُوجِبُ محبَّةَ لقاء الله بالخروج من الدُّنيا ، وطول الأمل يقتضي محبَّةَ البقاءِ فيها ، فمن قصُرَ أملُه ، فقد كره البقاء في الدُّنيا ، وهذا نهاية الزُّهد فيها ، والإعراض عنها ، واستدل ابنُ عيينة لهذا القول بقوله تعالى: { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إلى قوله: { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ } (1).
وروى ابن أبي الدُّنيا بإسناده عن الضَّحَّاك بن مزاحم قال : أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ ، فقال : يا رسول الله ، مَنْ أزهدُ النَّاسِ ؟ فقال : ( من لم ينسَ القبرَ والبِلى ، وترك أفضلَ(2) زينة الدُّنيا ، وآثرَ ما يبقى على ما يفنى ، ولم يعدَّ غداً مِنْ أيَّامه وعدَّ نفسه من الموتى ) (3) وهذا مرسل .
وقد قسَّم كثيرٌ مِنَ السَّلفِ الزُّهدَ أقساماً : فمنهم من قال : أفضل الزُّهدِ : الزُّهدُ في الشِّركِ ، وفي عبادةِ ما عُبِدَ من دُونِ الله ، ثمَّ الزُّهدُ في الحرام كلِّه من المعاصي ، ثمَّ الزُّهدُ في الحلال ، وهو أقلُّ أقسام الزهد ، فالقسمان الأولان من هذا الزهد ، كلاهما واجبٌ ، والثَّالث : ليس بواجبٍ ، فإنَّ أعظمَ الواجبات : الزُّهد في الشِّركِ ، ثم في المعاصي كلِّها (4) . وكان بكرٌ المزنيُّ يدعو لإخوانه : زهَّدنا الله وإياكم زُهْدَ مَنْ أمكنه الحرام والذنوب في الخلوات ، فعلم أنَّ الله يراه فتركه .
وقال ابنُ المبارك : قال سلام بن أبي مطيع : الزُّهد على ثلاثة وجوه :
__________
(1) البقرة : 94 – 96 .
(2) سقطت من ( ص ) .
(3) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 34318 ) من طريق الضَّحاك بن مزاحم ، مرسلاً فهو ضعيف لإرساله .
(4) انظر : الفوائد لابن القَيَّم : 146 .
● [ الصفحة التالية ] ●
واحد : أنْ يُخْلِصَ العمل لله - عز وجل - والقول ، ولا يُراد بشيء منه الدُّنيا .
والثاني : تركُ ما لا يصلُحُ ، والعمل بما يصلح .
والثالث : الحلال أنْ يزهدَ فيه وهو تطوُّعٌ ، وهو أدناها (1) .
وهذا قريب مما قبله ، إلاَّ أنَّه جعل الدَّرجةَ الأُولى مِنَ الزُّهدِ الزُّهدَ في الرياء المنافي للإخلاص في القول والعمل ، وهو الشِّركُ الأصغر ، والحاملُ عليه محبَّةُ المدح في الدُّنيا ، والتقدُّم عند أهلها ، وهو مِنْ نوعِ محبَّةِ العلوِّ فيها والرياسة .
وقال إبراهيم بن أدهم : الزهد ثلاثة أصناف : فزهدٌ فرضٌ ، وزهدٌ فضلٌ ، وزهدٌ سلامةٌ ، فالزهد الفرض : الزهد في الحرام ، والزهد الفضل : الزهد في الحلال ، والزهدُ السلامةُ : الزُّهد في الشبهات (2) .
وقدِ اختلفَ الناسُ : هل يستحقُّ اسمَ الزاهد مَنْ زَهِدَ في الحرام خاصَّةً ، ولم يزهد في فضول المباحات أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : أنَّه يستحقُّ اسمَ الزهد بذلك ، وقد سبق ذلك عَنِ الزُّهري وابن عيينة وغيرهما .
والثاني : لا يستحقُّ اسم الزهد بدون الزهد في فضول المباح ، وهو قولُ طائفة من العارفين وغيرهم ، حتى قال بعضهم : لا زُهْدَ اليوم لفقد المباح المحض ، وهو قول يوسف بن أسباط (3) وغيره ، وفي ذلك نظر . وكان يونس بن عبيد يقول : وما قدر الدُّنيا حتى يُمدَح من زهد فيها ؟
__________
(1) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 6/188 .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/26 و10/137 .
(3) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/238 بنحوه .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقال أبو سليمان الداراني : اختلفوا علينا في الزُّهد بالعراق ، فمنهم من قال : الزُّهد في ترك لقاءِ النَّاسِ ، ومنهم من قال : في ترك الشَّهواتِ ، ومنهم من قال : في ترك الشِّبَعِ ، وكلامهم قريبٌ بعضُه مِن بعضٍ ، قال : وأنا أذهبُ إلى أنَّ الزُّهدَ في ترك ما يشغلُك عن الله - عز وجل - (1) ، وهذا الذي قاله أبو سليمان حسن ، وهو يجمعُ جميعَ معاني الزُّهد وأقسامه وأنواعه .
واعلم أنَّ الذمَّ الوارد في الكتاب والسُّنَّة للدُّنيا ليس هو راجعاً إلى زمانها الذي هو اللَّيل والنَّهار ، المتعاقبان إلى يوم القيامة ، فإنَّ الله جعلهما خِلفَةً لمن أراد أنْ يذَّكَّرَ أو أراد شكوراً . ويُروى عن عيسى - عليه السلام - أنَّه قال : إنَّ هذا الليل والنهار خزانتان ، فانظُروا ما تضعُون فيهما ، وكان يقول : اعملوا اللَّيل لما خلق له ، والنَّهار لما خلق له .
وقال مجاهد : ما مِنْ يوم إلاَّ يقول : ابنَ آدم قد دخلتُ عليك اليوم ، ولن أرجعَ إليك بعدَ اليوم ، فانظُر ماذا تعمل فيَّ ، فإذا انقضى ، طوي ، ثم يُخْتَمُ عليه ، فلا يُفَكُّ حتّى يكون الله هو الذي يفضّه يومَ القيامة ، ولا ليلة إلا تقول كذلك (2) ، وقد أنشد بعضُ السَّلف :
إنَّما الدُّنيا إلى الجنَّـ . ـةِ والنَّار طريق
واللَّيالي متجر الإنـ . ـسان والأيَّام سُوق
__________
(1) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 9/258 .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 3/292 بنحوه .
● [ الصفحة التالية ] ●
وليس الذمُّ راجعاً إلى مكان الدُّنيا الذي هو الأرض التي جعلها الله لبني آدم مِهاداً وسكناً ، ولا إلى ما أودعه الله فيها من الجبال والبحار والأنهار والمعادن ، ولا إلى ما أنبته فيها من الشَّجر والزرع ، ولا إلى ما بثَّ فيها من الحيوانات وغير ذلك ، فإنَّ ذلك كُلَّه مِنْ نعمة الله على عباده بما لهم فيه من المنافع ، ولهم به من الاعتبار والاستدلال على وحدانيَّة صانعه وقُدرته وعَظَمَتهِ ، وإنَّما الذَّمُّ راجعٌ إلى أفعال بني آدم الواقعة في الدُّنيا ؛ لأنَّ غالبها واقعٌ على غير الوجه الذي تُحمَدُ عاقبتُه ، بل يقعُ على ما تضرُّ عاقبتُه ، أو لا تنفع ، كما قال - عز وجل - : { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ } (1) .
وانقسم بنو آدم في الدُّنيا إلى قسمين :
أحدهما : من أنكر أنْ يكون للعباد بعد الدُّنيا دارٌ للثَّواب والعقاب ، وهؤلاء هم الَّذين قال الله فيهم : { إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنيا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (2) ، وهؤلاء همُّهمُ التمتُّع بالدُّنيا ، واغتنامُ لَذَّاتها قبل الموت ، كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ } (3) . ومن هؤلاء من كان يأمرُ بالزُّهد في الدُّنيا ؛ لأنَّه يرى أنَّ الاستكثار منها يُوجِبُ الهمَّ والغمَّ ، ويقول : كلَّما كثُرَ التعلُّقُ بها ، تألَّمت النَّفسُ بمفارقتها عند الموت ، فكان هذا غايةَ زُهدهم في الدُّنيا .
__________
(1) الحديد : 20 .
(2) يونس : 7 – 8 .
(3) محمد : 12 .
● [ الصفحة التالية ] ●
والقسم الثاني : من يُقرُّ بدارٍ بعد الموت للثَّواب والعقاب ، وهم المنتسبون إلى شرائع المرسلين ، وهم منقسمون إلى ثلاثة أقسام : ظالم لنفسه ، ومقتصد ، وسابق بالخيرات بإذن الله .
فالظالم لنفسه: هم الأكثرون منهم ، وأكثرهم وقف مع زهرةِ الدُّنيا وزينتِها ، فأخذها مِن غير وجهها ، واستعملها في غيرِ وجهها ، وصارت الدُّنيا أكبرَ همِّه ، لها يغضب(1) ، وبها يرضى، ولها يُوالي ، وعليها يُعادي ، وهؤلاء هم أهلُ اللَّهو واللَّعب والزِّينة والتَّفاخر والتَّكاثر ، وكلُّهم لم يعرفِ المقصودَ من الدُّنيا(2) ، ولا أنَّها منزلُ سفرٍ يتزوَّدُ منها لِمَا بعدَها مِنْ دارِ الإقامة ، وإنْ كان أحدُهم يُؤمِنُ بذلك إيماناً مجمَلاً ، فهو لا يعرفه مفصَّلاً ، ولا ذاقَ ما ذاقَهُ أهلُ المعرفة بالله في الدُّنيا ممَّا هو أنموذَجُ ما ادُّخر لهم في الآخرة .
والمقتصد منهم أخذَ الدُّنيا مِنْ وجوهها المباحَةِ ، وأدَّى واجباتها ، وأمسك لنفسه الزَّائِدَ على الواجب ، يتوسَّعُ به في التمتُّع بشهواتِ الدُّنيا(3) ، وهؤلاءِ قدِ اختُلف في دخولهم في اسم الزَّهادَةِ في الدُّنيا كما سبق ذكره ، ولا عقاب عليهم في ذلك ، إلاَّ أنَّه ينقصُ من درجاتهم من الآخرة بقدر توسُّعهم في الدُّنيا . قال ابن عمر : لا يصيبُ عبدٌ مِنَ الدُّنيا شيئاً إلاَّ نقص من درجاته عند الله، وإنْ كان عليه كريماً ، خرَّجه ابنُ أبي الدُّنيا (4) بإسنادٍ جيد . وروي مرفوعاً من حديث عائشة بإسناد فيه نظر .
__________
(1) عبارة : ( لها يغضب ) سقطت من (ص ) .
(2) عبارة : ( من الدنيا ) سقطت من ( ص ) .
(3) من قوله : ( على الواجب … ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(4) كما في " الترغيب والترهيب " ( 4709 ) وعزاه إلى ابن أبي الدنيا .
وأخرجه : هناد في " الزهد " ( 557 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 1/306 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وروى الإمام أحمدُ في كتاب " الزهد " بإسناده : أنَّ رجلاً دخل على معاوية ، فكساه ، فخرج فمرَّ على أبي مسعود الأنصاري ورجلٍ آخر من الصَّحابة ، فقال أحدهما له : خذها مِنْ حسناتِك ، وقال الآخر : من طيِّباتك .
وبإسناده عن عمر قال : لولا أنْ تنقص حسناتي لخالطتكم في لين عَيشِكُم ، ولكنَّي سمعت الله عيَّرَ قوماً، فقال : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنيا } (1) (2).
وقال الفضيل بن عياض : إنْ شئت استَقِلَّ مِنَ الدُّنيا ، وإنْ شئت استكثر منها فإنَّما تأخُذُ مِن كيسك .
ويشهد لهذا أنَّ الله - عز وجل - حرَّم على عباده أشياءَ مِنْ فضول شهواتِ الدُّنيا وزينتها وبهجتها ، حيث لم يكونوا محتاجين إليه ، وادَّخره لهم عنده في الآخرة ، وقد وقعت الإشارة إلى هذا بقوله - عز وجل - : { وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرحمان لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ } إلى قوله : { وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنيا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } (3) .
__________
(1) الأحقاف : 20 .
(2) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 24196 ) بنحوه .
(3) الزخرف : 33 - 35 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وصحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال : ( مَنْ لبس الحَريرَ في الدُّنيا ، لم يلبسه في الآخرة ) (1) ، و ( من شرب الخمر في الدُّنيا لم يشربها في الآخرة ) (2) . وقال : ( لا تلبَسوا الحريرَ ولا الدِّيباجَ ، ولا تشربوا في آنية الذَّهبِ والفِضَّةِ ، ولا تأكُلُوا في صحافها ، فإنَّها لهم في الدُّنيا ، ولكم في الآخرة ) (3) .
قال وهب : إنَّ الله - عز وجل - قال لموسى - عليه السلام - : إنِّي لأذودُ أوليائي عن نعيم الدُّنيا ورخائها كما يذودُ الرَّاعي الشفيقُ إبِلَه عن مبارك العُرَّةِ ، وما ذلك لهوانهم عليَّ ، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالماً موفراً لم تَكْلَمْه الدُّنيا (4) .
__________
(1) أخرجه : البخاري 7/193 ( 5832 ) ، ومسلم 6/142 – 143 ( 2073 ) ( 21 ) من حديث أنس بن مالك ، به .
(2) أخرجه : البخاري 7/135 ( 5575 ) ، ومسلم 6/100 ( 2003 ) ( 73 ) ، وأبو داود ( 3679 ) ، وابن حبان ( 5366 ) ، والبيهقي 8/293 ، والبغوي ( 3013 ) من حديث عبد الله بن عمر ، به .
(3) أخرجه : الحميدي ( 440 ) ، والبخاري 7/99 ( 5426 ) ، ومسلم 6/136 – 137
( 2067 ) ( 4 ) و( 5 ) ، وابن ماجه ( 3414 ) و( 3590 ) ، والترمذي ( 1878 ) ، والنسائي 8/198 – 199 ، وابن حبان ( 5339 ) من حديث حذيفة ، به .
(4) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 1/11 – 12 من طرق عن ابن عباس ، بنحوه .
● [ الصفحة التالية ] ●
ويشهد لهذا ما خرَّجه الترمذي عن قتادة بن النُّعمان ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ الله إذا أحبَّ عبداً حماه عَنِ الدُّنيا ، كما يَظَلُّ أحدُكُمْ يحمي سقيمَه الماءَ ) (1) ، وخرَّجه الحاكم (2) ، ولفظه : ( إنَّ الله ليحمي عبدَه الدُّنيا وهو يحبُّه ، كما تحمُونَ مريضَكم الطَّعام والشراب ، تخافون عليه ) .
وفي " صحيح مسلم " (3) عن عبد الله بن عمرو ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( الدُّنيا سجنُ المؤمن ، وجنَّة الكافر ) .
وأمَّا السَّابقُ بالخيرات بإذن الله ، فهمُ الَّذينَ فهِمُوا المرادَ مِنَ الدُّنيا ، وعَمِلُوا بمقتضى ذلك ، فعلموا أنَّ الله إنَّما أسكنَ عبادَه في هذه الدَّارِ ، ليبلوهم أيُّهم أحسنُ عملاً ، كما قال : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } (4) ، وقال : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } (5) .
__________
(1) أخرجه : الترمذي ( 2036 ) ، وابن حبان ( 669 ) ، والطبراني في " الكبير " 19/( 17 ) من حديث قتادة ، به ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) .
(2) في " المستدرك " 4/207 و309 من حديث قتادة بن النعمان ، به .
(3) الصحيح 8/210 ( 2956 ) ( 1 ) .
وأخرجه : أحمد 2/323 و485 ، وابن ماجه ( 4113 ) ، وابن حبان ( 687 ) و( 688 ) من حديث أبي هريرة ، به .
وهنا قد وهم ابن رجب فنسب الحديث في " صحيح مسلم " إلى : ( عبد الله بن عمرو ) ، بينما هو من رواية أبي هريرة .
أما رواية عبد الله بن عمرو فقد أخرجها : أحمد 2/197 ، والحاكم 4/315 ، وأبو نعيم في " الحلية " 8/177 و185 .
(4) هود : 7 .
(5) الملك : 2 .
● [ الصفحة التالية ] ●
قال بعض السَّلف : أيهم أزهد في الدُّنيا ، وأرغبُ في الآخرة ، وجعل ما في الدُّنيا مِنَ البهجة والنُّضرة مِحنَةً ، لينظر من يقف منهم معه ، ويَركَن إليه ، ومن ليس كذلك ، كما قال تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } (1) ثم بين انقطاعه ونفاده ، فقال : { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } (2) ، فلمَّا فهِموا أنَّ هذا هو المقصود مِنَ الدُّنيا ، جعلوا همَّهم التزوُّدَ منها للآخرة التي هي دارُ القرار ، واكتفوا مِنَ الدُّنيا بما يكتفي به المسافرُ في سفره ، كما كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( ما لي وللدُّنيا ، إنَّما مثلي ومثل الدُّنيا كراكبٍ قالَ في ظلِّ شجرةٍ ، ثم راح وتركها ) (3) .
__________
(1) الكهف : 7 .
(2) الكهف : 8 .
(3) أخرجه : أحمد 1/391 و441 ، وابن ماجه ( 4109 ) ، والترمذي ( 2377 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 9307 ) ، والحاكم 4/310 ، وأبو نعيم في " الحلية " 2/102 و4/234 من حديث عبد الله بن مسعود ، به ، وقال الترمذي : ( حسن صحيح ) .
وللحديث طرق أخرى .
● [ الصفحة التالية ] ●
ووصَّى - صلى الله عليه وسلم - جماعةً من الصحابة أنْ يكون بلاغُ أحدِهم مِنَ الدُّنيا كزادِ الراكب ، منهم : سلمان (1) ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وأبو ذرٍّ ، وعائشة (2) ، ووصَّى ابنَ عمرَ أنْ يكونَ في الدُّنيا كأنَّه(3) غريبٌ أو عابرُ سبيل ، وأنْ يَعُدَّ نفسه من أهل القبور (4) .
وأهل هذه الدرجة على قسمين : منهم من يقتصرُ من الدُّنيا على قدر ما يسدُّ الرَّمق فقط ، وهو حالُ كثيرٍ من الزُّهَّادِ . ومنهم من يفسح لنفسه أحياناً في تناول بعض شهواتِها المباحةِ ؛ لتقوى النَّفسُ بذلك ، وتنشَط للعملِ ، كما روي عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه قال : ( حُبِّبَ إليَّ من دنياكمُ النِّساءُ والطِّيبُ ، وجُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصَّلاة ) خرَّجه الإمام أحمد (5) والنَّسائي (6) من حديث أنس .
__________
(1) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20632 ) ، ووكيع في " الزهد " ( 67 ) ، وأحمد 5/438 ، وابن حبان ( 706 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 6069 ) و( 6160 ) و( 6182 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 1/195 و196 و197 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 728 ) من حديث سلمان ، وهو حديث صحيح .
(2) أخرجه : الترمذي ( 1780 ) من حديث عائشة ، وإسناده ضعيف جداً .
(3) عبارة : ( في الدنيا كأنَّه ) سقطت من ( ص ) .
(4) أخرجه : أحمد 2/24 و41 ، والبخاري 8/110 ( 6416 ) ، وابن ماجه ( 4114 ) ، والترمذي ( 2333 )، وابن حبان ( 698 )، والبيهقي 3/369 من حديث عبد الله بن عمر ، به . والروايات مطولة ومختصرة .
(5) في " مسنده " 3/128 و199 و285 من حديث أنس بن مالك ، به .
(6) في " المجتبى " 7/61 و62 ، وهو حديث صحيح .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج الإمام أحمد (1) من حديث عائشة ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحبُّ من الدُّنيا النِّساء والطِّيب والطعام ، فأصاب من النِّساءِ والطِّيبِ ، ولم يُصب من الطَّعامِ.
وقال وهب : مكتوبٌ في حكمة آل داود - عليه السلام - : ينبغي للعاقل أنْ لا يَغْفُل عن أربع ساعاتٍ : ساعةٍ يُحاسِبُ فيها نفسه ، وساعةٍ يُناجي فيها ربَّه ، وساعةٍ يلقى فيها إخوانه الذين يُخبرونه بعيُوبه ، ويُصدقونه عن نفسه ، وساعةٍ يُخلي بين نفسه وبين لذَّاتها فيما يحلُّ ويجمل ، فإنَّ في هذه السَّاعة عوناً على تلك الساعات ، وفضلَ بُلغة واستجماماً للقلوب ، يعني : ترويحاً لها (2) .
ومتى نوى المؤمن بتناول شهواته المباحة التقوِّي على الطاعة كانت شهواتُه له طاعة يُثابُ عليها ، كما قال معاذ بن جبل : إنِّي لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي (3) ، يعني : أنَّه ينوي بنومه التَّقوِّي على القيام في آخر الليل ، فيحتسِبُ ثوابَ نومهِ كما يحتسب ثواب قيامه . وكان بعضهم إذا تناول شيئاً من شهواته المباحة واسى منها إخوانَه ، كما روي عن ابن المبارك أنَّه كان إذا اشتهى شيئاً لم يأكلْه حتّى يشتهيه بعضُ أصحابه ، فيأكله معهم ، وكان إذا اشتهى شيئاً ، دعا ضيفاً له ليأكل معه .
وكان يذكر عن الأوزاعي أنَّه قال : ثلاثة لا حسابَ عليهم في مطعمهم :
المتسحِّر ، والصائم حين يفطر ، وطعام الضيف (4) .
__________
(1) في " مسنده " 6/72 من طريق أبي إسحاق ، عن رجل حدَّثه ، عن عائشة ، به ، وإسناده ضعيف لإبهام الراوي عن عائشة .
(2) أخرجه : ابن المبارك في " الزهد " ( 313 ) ، وهناد في " الزهد " ( 1226 ) ، والبيهقي في " شُعب الإيمان " ( 4677 ) و( 4678 ) .
(3) أخرجه : عبد الرزاق ( 5959 ) ، وأحمد 4/409 عن معاذ بن جبل ، به .
وهو جزء من حديث طويل .
(4) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 6/72 من طريق يونس بن يزيد ، عن الأوزاعي ، عن حَسَّان .