بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الفقه الإسلامي
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي . المجلد الثانى
● [ كتاب اللقطة ] ●
ليس أخذ اللقطة بواجب عند مالك إلا أن يخاف ذهابها وتلفها ان تركها فإن كان كذلك أو كانت شيئا له بال أخذه ولم يتركه وان كان شيئا يسيرا فليتركه ومن التقط لقطة على الحرز لها ثم ردها إلى موضعها بعد أخذه لها فهو ضامن وان التقطها وهو يظنها لقوم يراهم أمامه فلحقهم فلم يتعرفها أحد منهم فهو مخير منهم فهو مخير بين امساكها وتعريفها وبين امساكها وتعريفها وبين ردها إلى الموضع الذى وجدها فيه ولا ضمان عليه وقد روي عنه ان كان يعرف رب اللقطة فحسن أن يأخذها وليس بواجب عليه وان لم يعرف ربها فله تركها وان كانت دنانير أو دراهم أو شيئا ذا بال فأخذها أحب إليه من تركها ومن التقط شيئا غير الحيوان ذهبا أو فضة أو ثوبا أو غير ذلك من العروض كلها والطعام الذى له بقاء وسائر الأموال غير الحيوان ولو درهما واحدا فإنه يلزمه تعريف ذلك سنة كاملة على أبواب المساجد والجوامع بالموضع الذى وجدها وبقربه ويشهرها فإن لم يعرفها أحد بعد انقضاء السنة فهو مخير بين تركها عنده باقية حتة يأتى ربها وبين الصدقة بها وبين أكلها إن كان محتاجا إليها فإن جاء صاحبها وعرف علاماتها عفاصها وهو الخرقة ووكاءها وهو الخيط ونحو ذلك من اماراتها واستحقها أخذها ان وجدها والا كان مخيرا بين أن يجيز الصدقة بها وبين أن يضمنه اياها كما لو أهلكها وقد قيل ان الدرهم والدرهمين ونحو ذلك يعرف أياما ويعرف الدينار شهرا ونحوه وهذا عندى لا وجه له لأن السنة الواردة بتعريف اللقطة لم تفرق بين القليل والكثير من ذلك إذا كان مما له بقاء لا يلحقه تغير ولا فساد والله اعلم وتدفع اللقطة إلى متعرفها ان عرف عفاصها ووكاءها وان لم يعرف عدد دنانيرها ودراهمها ولا صفة سكتها ومن عرفها ثم حبسها على ربها فتلفت لم يكن عليه ضمانها ولو تنازعها رجلان فوصف أحدهما الدنانير والدراهم وذكر وزنها وعددها ووصف الآخر العفاص والوكاء والعدد والوزن وتداعياهما رفعا إلى الحاكم حتى يحلفهما ويقسمهما بينهما وان دفع الملتقط إلى من عرف عفاصها ووكاءها ثم جاء آخر يصفها فلا ضمان عليه لأنه قد دفعها بعد اجتهاده كما أمره ومن التقط طعاما لا بقاء له ولم يتعرفه أحد بحضرة وجوده فليس عليه ان يعرفه منتظرا لربه ولا يمسكه حتى يفسد ولكن هو مخير في الصدقة به أو أكله إن كان فقيرا محتاجا إليه فإن تعرفه ربه بعد ذلك ضمنه ان كان أكله وان كان تصدق به فربه مخير بين الأجر والضمان كسائر اللقطة وان تلف عنده فلا ضمان عليه وقد قيل انه لا ضمان عليه في شيء من الطعام الذي يسرع الفساد إليه كالشاة في الفلاة والاول أصح وأما التافه النزر اليسير الحقير مثل التمرة والفتاتة والزبيبة فيؤكل ذلك ولا تبعة فيه ولو باع ماله بال وثمن من الطعام الذى لا بقاء له ووقف ثمنه لعل صاحبه يتعرفه كان حسنا ولا أحب لغني أكل شيء من اللقطة فإن أكله بعد الحول فلا حرج قال مالك وصاحبها أن استحقها بعد ذلك مخير على ما تقدم ذكره وأما الطعام الذي لا يسرع إليه الفساد ويحتمل الادخار من الحبوب كلها ويابس الفاكهة فسبيله سبيل غيره من اللقطة فإن حبسه بعد السنة زمانا فخشي عليه فيه التغيير وذهاب المنفعة فأكله أو تصدق به لخوف دخول الفساد والتلف عليه ثم تعرفه ربه فحكمه إذا آلت حاله غلى ما ذكرت لك حكم الطعام الذى لا بقاء له ويتعجل فساده ومن التقط شاة فى فلاة من الأرض حيث يخاف عليها السباع فلا تعريف عليه فيها عند مالك وهو مخير بين الصدقة بها أو أكلها أو تصدق بها ثم جاء ربها فلا ضمان عليه فيها عند مالك في المشهور عنه وقد قال بعض أصحابه انه يضمنها ان أكلها وهو قول جماعة من أهل العلم وقد روي ذلك أيضا عن مالك ولو وجدها لحما قد ذبحها واجدها أخذ اللحم ان شاء ولو باعها ملتقطها نفذ البيع ولم يكن لربها نقضه وحسبه أخذ الثمن لأن ملتقطها قد احتاط واجتهد فيها وبيعه لها أحوط من أكلها ولو التقط الشاة بقرب القرى ضمها إلى أقرب القرى وعرفها فإن لم يتعرفها أحد دفعها إلى من يثق به فيحبسها لربها وبرىء منها وان شاء حبسها هو لربها وان تصدق بها عند اليأس من ربها مسكين كان حسنا والبقرة ان خيف عليها التلف من السبع أو عدم الكلاء فهي بمنزلة الشاة وان لم يخف ذلك عليها فهي بمنزلة البعير والبعير إذا وجد في الفلاة بموضع يرد فيه الماء ويأكل الكلاء والشجر فهو مخير في أخذه أو تركه فإن أخذه عرفه فإن لم يجد له طالبا رده إلى الموضع الذى وجده فيه ولو رفعه إلى الحاكم فباعه أو باعه هو بنفسه وحبس على ربه ثمنه كان وجها حسنا معمولا به وتعريف الضالة من الحيوان كله على قدر الاجتهاد ليس في ذلك عن مالك حد كحد اللقطة وواجدها إذا عرفها واجتهد في ذلك ولم تعرف تصدق بها ان شاء على أنه يضمنها وليس عليه رفع أمرها إلى الحاكم غلا أن لا يكون عدلا ويخاف عاقبة أمرها وما أنفقه الملتقط على اللقطة والضالة مما لا غنى لها عنه فهو على مستحقها والملتقط مصدق فيما ادعاه من النفقة إذا جاء بما يشبه فإن اتهم حلف وسواء انفق بإذن حاكم أو بغير إذنه وعلى ربها أن يؤدي إليه جميع ما أنفق إلا أن يشاء أن يسلم إليه ذلك الشيء الملتقط بما أنفق فلا يكون عليه غير ذلك تجاوزت النفقة قيمته أم لا وليس على من وجد آبقا أن يأخذه فإن كان لجار أو لمن يعرفه فحسن أن يجوزه له وليس ذلك بواجب عليه ومن وجد آبقا دفعه إلى الحاكم فعرفه سنة وأنفق عليه من بيت المال أو من مال نفسه فإن لم يستحقه أحد باعه وأخذ ما أنفق عليه فإن فضل شيء حفظه لربه حتة يستحقه السنة قبل بيع الحاكم لم يكن عليه من النفقة أكثر من قيمته وبيع الحاكم فيه نافد بعد السنة لا يرده ربه فإن ادعى ربه انه كان قد اعتقه أو دبره قبل اباقه لم يقبل قوله ولم ينقض بيع الحاكم فيه إلا أن يأتى ببينة على ما ذكر فينقض البيع ومن أرسل آبقا بعدما أخذه فهو ضامن لقيمته ومن لم ينصب نفسه لأخذ الاباق والضوال فلا أجرة له من عرف بذلك أعطى أجرة مثله على قدر نصبه وما يستحق في حفظه وكذلك الذين يجمعون ما يلفظ البحر ان نصبوا أنفسهم لذلك والا فلا أجرة لهم ومثل ما يلفظ البحر شأن اللقطة لا يدفع الا بما تدفع له اللقطة ويرفع ذلك إلى الحاكم يتولى النظر فيه لربه وإذا التقط الصبي أو المجنون اللقطة فاستهلكها قبل السنة ضمنها في ماله ويضمنها العبد في رقبته يسلمه بها سيده أو يفتكه فإن استهلكها بعد السنة فهي في ذمته ان أعتق أتبع بها
● ● ● [ كتاب الغصب ] ● ● ●
باب القول في الغاصب
باب القول في الغاصب
باب القول في الغاصب ووجه تضمينه ما غصبه مما يوجد بعينه زائدا أو ناقصا عنده أو لا يوجد
الغاصب وأن كان في الظلم كالسارق فإنه لا قطع عليه ولا على المختلس كما أنه لا قطع على الخائن وأن كان ظالما وهذه أصول قد تعبدنا الله بها وعلينا التسليم لامره وعلى من عرف بالغصب العقوبة والمبالغة في أدبه على قدر ما يعرف من ظلمه وتعديه مع أخذ الحق منه صاغرا لأهله ويؤخذ منه ان وجد بعينه فيرد إلى ربه وان ذهب وتلف عنده فالمغصوبات إذا تلفت عند مالك على وجهين أحدهما يجب رد مثله في صفته ومبلغه والآخر فيه قيمته يوم غصبه لا يوم تلفه عنده ولاأكثر القيمتين وذلك في الوجهين جميعا إذا عدم عين الشيء المغصوب فأما إذا وجد فصاحبه أولى به على كل حال زاد أو نقص حالت سوقه أو لم تحل لأنه ملكه وماله وليس على الغاصب ضمان ما نقصت السوق الشيء المغصوب حيوانا كان أو غيره إذا وجده بعينه فإن نقصه عيب دخله وفساد عرض له فله حكم ياتي ذكره بعد إن شاء الله تعالى وان وجده بعينه قد نقصت قيمته عما كانت عليه يوم الغصب لعيب حدث به عند الغاصب وأراد أخذه وأخذ ما نقصه العيب فليس ذلك له وهو مخير بين أخذه ولا أرش له فيما حدث به ونقصه وبين تركه وأخذ قيمته يوم غصبه والأعيان التي يجب رد مثلها عند فقدها كل مكيل أو موزون أو معدود من الطعام كله والأدام وكذلك الذهب والفضة مضروبا كان أو مسبوكا وكذلك كل مكيل أو موزون من غير الطعام كالنوى والعصفر والحديد والرصاص والقطن وما شاكل ذلك كله ولا يؤخذ منه في شيء من هذا كله قيمته إلا أن يوجد مثله فإن لم يوجد مثله انصرف الى قيمته يوم غصبه وفي الموزون مما لا يؤكل ولا يشرب اختلاف من قول مالك وأصحابه وتحصيل مذهبه ما ذكرت لك ومن غصب شيئا يقضى فيه بالمثل وكان غصبه له في وقت يوجد مثله ولم يخاصم فيه المغصوب منه ولا استحقه حتى خرج ابانه وعدم مثله فهو بالخيار بين أن ينتظر وجود مثله فيأخذه وبين أن يضمن الغاصب قيمته يوم غصبه وأما العروض كلها سوى ما تقدم وصفه فعلى مغتصب شيء منها إن أفسده افسادا يسيرا رد ما نقصه الافساد وأن أفسده افسادا يذهب جل منافعه أو جماله أو استهلاكه بأسره فهو ضامن لقيمته كاملة يوم اغتصبه لا ينظر إلى زيادة السلعة في نفسها ولا في سوقها وإنما له قيمتها يوم غصبت إذا فاتت لا أقل ولا أكثر عند مالك وأصحابه فإذا ضمنها كانت له دون ربها بما أدى وسواء كان الفساد كثيرا أو قليلا كان بفعله او بغير فعله كالعبد تذهب عينه أو الدابة تعجف أو تعطب فربها في ذلك مخير بين أخذها على ما وجدها عليه وبين أخذ قيمتها يوم اغتصبت وليس له أخذها وأخذ ما نقصها الفساد وهذا هو المشهور من مذهب مالك وقال بعض أصحابه وهو محمد بن مسلمة انه إذا افسد الغاصب ما اغتصب افسادا كثيرا كرجل ذبح لرجل بعيرا فربه مخير بين أخذه لحما وما نقصه الذبح وبين تضمينه الغاصب قيمته حيا وإذا أفسده افسادا يسيرا رده وما نقصه دون تخيير وقال بهذا جماعة من اهل العلم أيضا فإن أتلف السلعة متلف في يد الغاصب فعليه قيمتها يوم أتلفها وتكون القيمة لربها إلا ان تكون أقل من ثمنها يوم غصبت فيكون على الغاصب تمام ذلك ان شاء ربها وان شاء ضمن الغاصب قيمتها يوم الغصب وكانت قيمتها للغاصب على المتلف وليس على الغاصب إلا قيمة ما تلف عنده من الأشياء كلها يوم غصبها سواء أتلفها هو أو تلفت من السماء الا أن يجدها ربها بحالها لم تتغير عند الغاصب بحال فإن كان ذلك فليس له غيرها ولو كان المغصوب عبدا فأعتقه الغاصب رد عتقه ولو مات العبد بيد الغاصب أو قتل عمدا فقتل أو جنى جناية فأقيد بها فتلفت نفسه ضمن الغاصب في هذا كله قيمته يوم غصبه لا يوم هلك فيه العبد ولو قتل العبد عند الغاصب قاتل كان سيده بالخيار بين تضمين الغاصب قيمته يوم غصبه فإن أخذ من الغاصب قيمته يوم غصبه كان للغاصب على القاتل قيمته يوم قتله ولو قتله الغاصب فلسيده قيمته يوم غصبه إن شاء وان شاء يوم قتله الخيار في ذلك إليه ولو كانت أمة فغصبها ووطئها حد فإن أحبلها كان ولدها لسيدها رقيقا وكان عليه ما نقصها الوطء ان كانت بكرا فإن مات من ولدها أحد لم يكن على الغاصب فيه شيء ولو ملك الغاصب منهم أحدا لم يثبت نسبه منه أبدا لأنه زان فإن ماتت الأمة وبقي ولدها وأراد المغصوب منه أخذ الولد وقيمة أمهم لم يكن له ذلك عند مالك وإنما له أخذ ما وجد من الولد دون قيمة أمهم أو قيمة أمهم دونهم ويكونون للغاصب إذا أعطى قيمة أمهم ولو زوجها الغاصب فأولدها الزوج ثم استحقها ربها فسخ نكاحها وثبت نسب ولدها من زوجها وكانوا رقيقا مع أمهم لسيدهم وغرم الزوج صداق مثلها لسيدها ورجع على الغاصب بما أخذ منه من صداقها ولو تزوجها على أنها حرة كان ولدها أحرارا وكان عليه قيمتهم للسيد مع صداق المثل ولو غصب نخلا صغارا فكبر او صبيا فشب أو دابة عجفاء فسمنت كان لرب ذلك أخذه كما وجده ولا شيء عليه من نفقة ولا مؤنة ولا غذاء ولو غصبت نخل او كرم فأثمرت وأطعم الكرم أو دارا فسكنها الغاصب أو عبدا فاغتله أو غنما فاحتلبها أو حزها فعليه قيمة ما اغتل من ذلك كله أو مثله أن كان له مثل وإن كانت دابة فركبها أو عبدا فاستخدمه لم يكن عليه قيمة الركوب ولا قيمة الخدمة فإن أخد للدابة كراء وللعبد أجرة رد ذلك كله معهما ومن غصب دارا أو حيوانا أو غير ذلك فاستغله فعليه رد غلته على ربه واختلف قول مالك في غاصب الدار يسكنها والأرض يزرعها فقال مرة ليس عليه في سكناها ولا في زراعتها كراء وقال بذلك جماعة من أصحابه وقال مرة أخرى عليه كراء ما سكن وما زرع كما لو اكراها وقبض الكراء وقال به بعض أصحابه وهو القياس وبه آخذ وتحصيل مذهبه ان من غصب سكنى دار فسكنها لزمه كراؤها ولو غصب رقبتها لم يلزمه كراؤها إذا لم يسكنها ولم يأخذ لها كراء فإن كان الغاصب بعد انتفاعه بخراج العبد واجارة الدواب وبخراج الأرض وثمار الشجر ولبن الغنم وصوفها قد هلكت عنده أصول ذلك فعليه قيمة الأصول والثمار التي باع بها ما باع من الفروع وقيم ما أكل واتنفع به منها إلا ما قدمت لك عن مالك في الاستخدام العبد وركوب الدواب وقد قال ابن القاسم انه ليس له أخذ الغلات إذا اخذ قيمة الامهات عند الفوات قياسا على قول مالك في أخذ الولد عند فقد الأم أو أخذ قيمة الأم دون الولد ليس له غير ذلك عنده والصحيح ما قدمت لك وعليه جمهور أهل المدينة وغيرها من اصحاب مالك وغيرهم
● [ باب جامع الحكم فيما يحدثه الغاصب ] ●
من غصب حليا من فضة واستهلكه رجع عليه ربه بقيمته مصوغا من الذهب والاشياء كلها حاشى الفضة وكذلك ان كان الحلي ذهبا رجع عليه بقيمته مصوغا من الفضة والاشياء كلها حاشى الذهب وان كان الغاصب معسرا يوم حكم عليه بقيمة ذلك اتبع به دينا ولا يدخل في ذلك النظرة في الصرف الا ترى انه يأخذ قيمة الذهب فضة وقيمة الفضة ذهبا بعد طول الزمان للغصب ولو أفسد الغاصب الحلي بكسر أو هشم غير مفسد ضمن قيمة ما نقصه فعله مما شاء من الذهب والفضة والعروض كلها معجلا أو مؤجلا وسواء كان الحلي في المسألة ذهبا أو فضة ولو كانت دنانير أو دراهم فاذهب الغاصب نقوشها لم يجز لربها أن يأخذها ويأخذ قيمتها التي نقصها الحدث وإنما له دنانير مثل دنانيره او دراهم مثل دراهمه ولو غصب دنانير أو دراهم فخلطها بمثلها لم يكن ربها له شريكا وكان عليه لربها أن يأتيه بمثل عيون دنانيره أو دراهمه في وزنها ومن غصب خشبة فبنى عليها أو دعم بها أو بنى حولها او خرقة فرقع ثوبه بها كان لربها أخذها وان أضر ذلك بالغاصب في هدم بنائه وخرق ثوبه الا أن يشاء ربها أخذ قيمتها يوم الغصب فيكون ذلك له وكذلك حكمه لو وجد عند المشتري ذلك من الغاصب بخلاف ما تقدم وقد قيل ان هذا حكم من أدخل الخشبة في بنائه وكان نزعها لا يضر بالباني في هدم بنائه وأما إذا كان نزع الخشبة يهدم البنيان وكان لذلك مال فليس لربها إلا أخذ قيمتها يوم الغصب فإن أراد الغاصب رد الخشبة بعينها وهدم بنيانها كان ذلك له ولم يكن لرب الخشبة اخذه بالقيمة فلو عمل من الخشبة أبوابا أو غصب ترابا فعمل منها طوبا أو طينا وبنى به كان لمستحق ذلك قيمته يوم الغصب لا غير لما دخله من التغيير وقال عبدالملك لربها أخذها وليس شق الخشبة وقطعها فوتا لها ومن غصب غزلا فنسجه ثوبا فعليه قيمة الغزل لربه وقد قيل عليه رد مثله ولو غصب جلدا فقطعه نعالا أو خفافا ضمن قيمته ومن غصب حنطة فزرعها لزمه رد مثلها والزرع له دون ربها ومن غصب بيضة فحضنها فأفرخت فعليه بيضة مثلها والفرخ له وقد قيل إن الفرخ لرب البيضة وعليه لرب الدجاجة كراء مثلها ان كان لذلك كراء ولو غصب فضة فضربها دراهم كان عليه وزن ما اغتصب منها ولو غصب دراهم او دنانير فوجدها ربها بعينها وأراد أخذها فأبى الغاصب أن يردها وأراد أن يرد مثلها كان ذلك له عند ابن القاسم وخالفه أشهب وغيره فقال لصاحبها أن يأخذ دراهمه أو دنانيره بعينها ولو غصب ثوبا فخاطه بعد قطعه لم يكن لربه الا قيمته يوم غصبه ولو غصب براحا وبناه كان له ولربه قلع بنيانه الا ان يختار ان يعطيه قيمة بنيانه منقوضا مقلوعا وقيمة غرسه إن كان غرسه ولا شيء للغاصب فيما لا منفعة له فيه من تحصيص او تزويق ولا يعطى لشيء من ذلك قيمة هذا مخالف لما ينفقه الغاصب على الدواب والرقيق لأن هذا يمكن أخذه وذلك مستهلك وهو أتلفه عن نفسه ولما لم يكن على المستخدم للعبيد وراكب الدواب أجرة فكذلك ليس له قيمة مؤنة ولا نفقة وان كان بنيانه كله مثل التزويق والطلي بالجص فلا شي له فيه لانه لو أخذه لم ينتفع به ولو زرع الغاصب الأرض كان لربها قلع زرعها إن كان في أوان الزراعة وان فات وقت الانتفاع بالأرض للزراعة كان لربها كراء مثلها لا غير ويعاقب الغاصب قال ابن عبد الحكم وقيل ان له قلع الزرع في كلتا الحالتين وقال والأول أحب الينا وقال طائفة من أهل المدينة يعطيه مكيلة بذره ونفقته في الزراعة ويأخذ الزرع ومن استعار عبدا في عمل يعمله بغير اذن سيده فعطبه لزمه ضمانه وان سلم كان لسيده عليه أجرة مثله ان ابتغاه ومن غصب ثوبا فلبسه ضمن ما نقصه لبسه وان ابلاه اللباس فربه بالخيار بين أخذه وما نقصه اللباس وبين تركه وأخذ قيمته كلها وقد قيل ليس له الا ما نقصه لبسه فقط وقيل انه يغرم له كراء الثوب ومدة لباسه لأنه لا يوقف على مقدار ما ينقصه اللباس ومن غصب ثوبا فصبغه صبغا ينقص كان لربه أخذه ناقصا أو تركه وأخذ قيمته يوم غصبه فإن كان صبغ يزيده في ثمنه كان ربه مخيرا بين أن يدفع الى الغاصب ما زاد في ثمنه وبين تركه وأخذ قيمته فإن أبى ربه أن يأخذه ويعطي زيادة الصبغ وأبى الغاصب أن يعطي قيمته بيع الثوب ودفع الى ربه قيمته غير مصبوغ من ثمنه وكان الفضل لغاصبه في صبغه
● [ باب استحقاق الغصوب بيد من لم يغصبها ] ●
فلو باع الغاصب ما غصب ووجده ربه بيد المبتاع بحاله لم يدخله تغيير لم يكن له أخذ قيمته من الغاصب وإنما له أحد وجهين اما أن يأخذه بعينه ويرجع المبتاع على الغاصب بثمنه وأما أن يجيز بيع الغاصب ويأخذ منه الثمن فإن وجده بيد المبتاع قد حال وتغير كان مخيرا ثلاث خيارات بين أخذه كما هو وبين إجازة البيع وأخذ الثمن وبين أخذ قيمته من الغاصب يوم غصبه فإن اغتل المبتاع شيئا مما ابتاعه من الغاصب فرضي رب الغلات والمنافع فهي له بالضمان فلو كانت أمة فباعها الغاصب وأعتقها المبتاع واختار ربها أخذها كان ذلك له وردت رقيقا فإن كان المبتاع قد وطئها فأحبلها ثم استحقها ربها بيده كان له ثلاث خيارات ان شاء أخذها وأخذ قيمة ولدها من مشتريها يوم الحكم لا يوم سقطوا وإن شاء تركها في يده وأخذ قيمتها من الغاصب يوم غصبها وان شاء أجاز البيع وأخذ الثمن من الغاصب هذا كله تحصيل مذهب مالك وقد قال مالك ليس لربها إذا وجدها بيد مبتاع أولدها الا أخذ قيمتها وقيمة ولدها ولا يأخذها وبهذا قال محمد بن مسلمة وقد روي عن مالك فيها أنه ليس له الا أخذ قيمتها يوم غصبها وتطيب هي وولدها لمبتاعها إذا أخذ ربها قيمتها يوم غصبها ولو استحقت الجارية بيد المبتاع وقد حدث بها عيب من غير جناية كان ربها أيضا مخيرا بين أن يأخذها كما هي أو يجيز البيع ويأخذ ثمنها أو يتركها ويرجع على الغاصب بقيمتها يوم غصبها وإذا لم يكن لربها أن يأخذ من الغاصب ما نقصها العيب الحادث عنده إذا كان من غير فعله فأحرى أن لا يكون له ذلك على المشتري بموت أو غيره مما ليس فيه عمل ولا سبب انقطعت تباعة ربها عنه ورجع على غاصبها بما شاء من أخذ الثمن أو قيمتها يوم الغصب ولو كان عبدا فقتله المشتري أو دابة فعقرها أو ثوبا فلبسه وأبلاه أو طعاما فأكله ثم استحقه ربه رجع على المشتري بقيمته يوم استهلكه ورجع المشتري على البائع منه بما أخذ منه من الثمن فإن كان ما أخذه من المشتري دون قيمته يوم غصبه رجع بفضل ذلك على الغاصب
● [ باب جامع الغصوب ] ●
ومن غصب حرا نفسه فاستخدمه فعليه أجرة مثله وكذلك هو إن اغتصب خدمة عبد أو صنعة يده وهو مقر بالرقبة لسيده كان عليه أجرة مثله وكذلك إن غصب دارا فسكنها وهو مقر بالرقبة لربها كان عليه كراؤها فإن انهدمت من غير فعله لم يكن عليه شيء الا كراء ما سكن ولو هدمها ضمنها ومن اكترى دابة أو دارا أو أرضا أو سفينة فغصب ذلك منه سلطان أو من لا يستطيع أن يستعري عليه فالمصيبة من ربه وإن كان ممن ينفذ عليه حكم ولم يطالبه فالمصيبة منه دون ربه ومن استهلك كلب صيد أو ماشية أو سائر الجوارح التي يصاد بها وينتفع كان عليه قيمتها وكذلك من قتل ام ولد كان عليه قيمتها على تلك الحال ولو استهلك زرعا لم يبد صلاحه كان عليه قيمته على الرجاء والخوف وما اختلف فيه الغاصب والمغصوب منه في جنس الشيء المغصوب منه او مبلغ كيله أو وزنه أو صفته فالبينة في ذلك كله على ربه والا حلف الغاصب على ما ذكره ولو حلف الغاصب على صفة فضمن قيمتها ورد ما اخذ وكذلك ان صح انه غطاه ليغرم قيمته ويحول بين ربه وبينه وان كان بخلاف هذين الشرطين فهي للغاصب ولربها ما قبض من ثمنها أو قيمتها
● [ باب حكم ما أفسدت المواشي وصول الفحل ] ●
ما أفسدت المواشي بالليل من الزرع والكروم والثمار وسائر الحرث والغراسات فضمان ذلك كله إذا أفسدته ليلا كان على اربابها وما أفسدت بالنهار فلا ضمان عليهم فيه وسواء أرسلها أربابها بالنهار للرعي أو انفلتت فأفسدت زرعا أو غيره لا ضمان على صاحبها في شيء من ذلك إلا ان يكون معها فإن كان معها وهو يقدر على منعها فلم يفعل فهو ضامن وأما الليل فسواء انفلتت أو أرسلت مع القدرة على منعها فإن على صاحبها في ذلك ضمان ما أفسدت وأتلفت وعلى أرباب الزرع حفظها نهارا وسواء كان الزرع محظرا عليه أو مكشوفا عنه يضمن أرباب المواشي قيمة كل ما أفسدت على الرجاء والخوف عليه فإن انفلتت الدابة بالليل فوطئت رجل رجل لم يضمن ربها شيئا وإنما هذا في الزرع والحرث لا غير ذكر ذلك ابن عبد الحكم وغيره عن مالك وهو تحصيل مذهبه وقد قيل ان كل ما أفسدت البهائم بالليل فضمانه على أربابها من الأموال دون الدماء وقد روي ذلك عن مالك وغيره من أهل المدينة فإن كان مع الدابة راكب أو سائق أو قائد ضمن ما كان من سببه لا ما كان منها خاصة وسنزيد هذا المعنى بيانا في كتاب الجنايات ان شاء الله ولو صال جمل على رجل فخشيه على نفسه يقينا فقتله لم يضمن لربه شيئا وان لم يبين ما ذكره ضمن الجمل فإن تقدم الى رب الجمل الصائل والكلب العقور والدابة الضارية المعتادة للانفلاتات على الزرع نهي فلم ينته ضمن ما كان من ذلك في ليل او نهار
● ● ● [ كتاب الشفعة ] ● ● ●
باب ما فيه الشفعة وما لا شفعة فيه
باب ما فيه الشفعة وما لا شفعة فيه