بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم مكتبة الثقافة الأدبية جمهرة أشعار العرب ● [ أي الشعراء أشعر ] ●
قال: ثم اختلف الناس في الشعراء: أيهم أشعر وأذكى؟ فقال قوم: إمرؤ القيس. ورووا في ذلك أنه خرج وفدٌ من جهينة يريدون النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما قدموا عليه سألهم عن مسيرهم، فقالوا: يا رسول الله، لولا بيتان قالهما امرؤ القيس. لهلكنا! قال: وما ذلك؟ قالوا: خرجنا نريدك، حتى إذا كنا ببعض الطريق، إذا برجل على ناقة له مقبلٍ إلينا، فنظر إليه بعض القوم، فأعجبه سير الناقة، فتمثل ببيتين لامريء القيس وهما قوله: الطويل ولمّا رَأَتْ أنّ الشّريعَةَ وِرْدُها ... وأَنَّ البَيَاضَ من فَرائصِها دامي تَيَمَّمتِ العَينَ التي جَنبَ ضارِجٍ ... يُفيءُ عليها الظِلُّ عرْمَضُها الطامي وقد كان ماؤنا نفد، فاستدللنا على العين بهذين البيتين فوردناها. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: أما إني لو أدركته لنفعته، وكأني أنظر إلى صفرته وبياض إبطيه وحموشة ساقيه، في يده لواء الشعراء يتدهدى بهم في النار. قال: وذكر المفضل أن لبيد بن ربيعة مر بجلس بني نهد بالكوفة، وبيده عصا له يتوكأ عليها بعد ما كبر. فبعثوا خلفه غلاماً يسأله: من أشعر الناس؟ فقال: ذو القروح بن حجر الذي يقول: وبُدّلْتُ قَرْحاً دامياً بَعْدَ صِحَّة ... فيا لَكِ نُعْمَى قد تَبَدّلْتِ أَبْؤُسَا يعني امرأ القيس، فرجع إليهم الغلام وأخبرهم، قالوا: إرجع فاسأله: ثم من؟ فرجع فسأله: ثم من؟ قال: ثم ابن العنيزتين، يعني طرفة. قال: ثم من؟ قال: صاحب المحجن، يعني نفسه.
● [ شياطين الشعراء ] ●
قال ابن المروزي: حدثني أبي قال: خرجت على بعير لي صعبٍ، يمر بي لا يملكني من أمر نفسي شيئاً، حتى مر على جماعة ظباءٍ في سفح جبل على قلته رجلٌ عليه أطمارٌ له، فلما رأتني الظباء هربت، فقال: ما أردت إلى ما صنعت؟ إنكم لتعرضون بمن لو شاء قدعكم عن ذلك، قال: فدخلني عليه من الغيظ ما لم أقدر أن أحمله، فقلت: إن تفعل بي ذلك لا أرضى لك، فضحك، ثم قال: إمض عافاك الله لبالك، قال: فجعلت أردد البعير في مراعي الظباء لأغضبه، فنهض وهو يقول: إنك لجليد القلب! ثم أتاني فصاح ببعيري صيحةً ضرب بجرانه الأرض، ووثبت عنه إلى الأرض، وعلمت أنه جان، فقلت: أيها الشيخ! إنك لأسوأ مني صنيعاً. فقال: بل أنت أظلم وألأم، بدأت بالظلم ثم لؤمت في تركك المضي، فقلت: أجل! عرفت خطئي. قال: فاذكر الله فقد رعناك، وبذكر الله تطمئن القلوب، فذكرت الله تعالى، ثم قلت دهشاً: أتروي من أشعار العرب شيئاً؟ فقال: نعم! أروي وأقول قولاً فائقاً مبرزاً. فقلت: فأرني من قولك ما أحببت، فأنشأ يقول: البسيط طافَ الخيالُ علَينا لَيلةَ الوادي، ... من آلِ سَلمى ولم يُلمِمْ بميْعادِ أنّى اهتَديتَ إلى مَن طالَ لَيلُهُمُ ... في سَبسبٍ ذاتِ دَكْدَاكٍ وأعقادِ يُكَلِّفُونَ فَلاها كلَّ يَعْمَلَةٍ ... مثلَ المَهاةِ، إذا ما حَثَّها الحادي أَبلِغْ أبا كَرَبٍ عنّي وأُسْرَتَهُ ... قولاً سَيَذهَبُ غَوراً بعدَ إنجادِ لا أعرِفَنَّكَ بَعْدَ اليَومِ تَندُبُني ... وفي حَياتيَ ما زَوَّدْتَني زادي أمَّا حِمامُكَ يوماً أنتَ مُدرِكُهُ ... لا حاضرٌ مُفلِتٌ منهُ، ولا بادِ فلما فرغ من إنشاده قلت: لهذا الشعر أشهر في معد بن عدنان من ولد الفرس الأبلق في الدهم العراب هذا لعبيد بن الأبرص الأسدي، فقال: ومن عبيد لولا هبيد! فقلت: ومن هبيد؟ فأنشأ يقول: المتقارب أنا ابنُ الصّلادِمِ أُدعى الهبيدَ، ... حبَوتُ القَوافيَ قَرْمَيْ أسَدْ عَبيداً حَبَوتُ بمأْثُورَةٍ، ... وأَنْطَقْتُ بِشراً على غَيرِ كَدّ ولاقَى بمُدرِكَ رَهطُ الكُمَيتِ ... مَلاذاً عَزيزاً ومَجداً وَجَدّ مَنحاناهُمُ الشِّعرَ عن قُدرَةٍ ... فهَل تَشْكُرُ اليَومَ هذا مَعَدّ فقلت: أما عن نفسك فقد أخبرتني، فأخبرني عن مدرك، فقال: هو مدرك بن واغم، صاحب الكميت، وهو ابن عمي، وكان الصلادم وواغم من أشعر الجن، ثم قال: لو أنك أصبت من لبنٍ عندنا؟ فقلت: هات، أريد آلأنس به، فذهب فأتاني بعسٍّ فيه لبن ظبي، فكرهته لزهومته فقلت: إليك، ومججت ما كان في فمي منه، فأخذه ثم قال: إمض راشداً مصاحباً! فوليت منصرفاً فصاح بي من خلفي: أما إنك لو كرعت في بطنك العس لأصبحت أشعر قومك. قال أبي: فندمت أن لا أكون كرعت عسه في جوفي على ما كان من زهومته، وأنشأت أقول في طريقي، الطويل أسِفتُ على عُسِّ الهَبيدِ وشُربِهِ، ... لَقَدْ حَرَمَتْنيهِ صُرُوفُ المَقادِرِ ولو أنَّني إذْ ذاك كنتُ شَرِبتُهُ ... لأصْبَحتُ في قَوميْ لَهم خيرَ شاعرِ وعنه قال: قال مظعون بن مظعون بن مظعون الأعرابي: لما حدثني أبي بهذا الحديث عن نفسه لهجت به، وتعرضت لما كان أبي يتعرض له من ذلك، وأحببت، إذ علمت أن لشعراء العرب شياطين تنطق به على ألسنتها، أن أعرف ذلك، ورجوت أن ألقى هاذراً أو مدركاً اللذين ذكر الهبيد لأبي، وكنت أخرج في الفيافي ليلاً ونهاراً، تعرضاً لذلك، ولم أكن ألقى راكباً إلا ذاكرته شيئاً مما أنا فيه، فلا يزال الرجل يخبرني بما استدل على ما سمعت حتى جمعت من ذلك علماً حسناً، ثم كبرت سني وضعفت ولزمت زرود، فكنت إذا ورد علي الرجل سألته عن ذلك، فوالله إني ليلةً من ذلك لبقناء خيمةٍ لي إذ ورد علي رجلٌ من أهل الشام، فسلم ثم قال: هل من مبيتٍ؟ فقلت: أنزل بالرحب والسعة! قال: فنزل، فعقل بعيره ثم أتيته بعشاءٍ فتعشينا جميعاً، ثم صف قدميه يصلي حتى ذهبت هدأةٌ من الليل، وأنا وابناي أرويهما شعر النابغة، إذ أنفتل من صلاته، ثم أقبل بوجهه إلي فقال: ذكرتني بهذا الشعر أمراً أحدثك به، أصابني في طريقي هذا منذ ثلاث ليال. فأمرت ابني فأنصتا ثم قلت له: قل، فقال: بيننا أنا أسير في طريقي ببلقعةٍ من الأرض لا أنيس بها إذ رفعت لي نارٌ فدفعت إليها، فإذا بخيمةٍ، وإذ بفنائها شيخٌ كبير، ومعه صبيةٌ صغارٌ، فسلمت ثم أنخت راحلتي آنساً به تلك الساعة، فقلت: هل من مبيتٍ؟ قال: نعم في الرحب والسعة! ثم ألقى إلي طنفسة رحلٍ، فقعدت عليها، ثم قال: ممن الرجل؟ فقلت: حميريٌّ شامي، قال: نعم أهل الشرف القديم. ثم تحدثنا طويلاً إلى أن قلت: أتروي من أشعار العرب شيئاً؟ قال: نعم، سل عن أيها شئت! قلت: فأنشدني للنابغة! قال: أتحب أن أنشدك من شعري أنا؟ قلت: نعم! فاندفع ينشد لمرىء القيس والنابغة وعبيد ثم اندفع ينشد للأعشى، فقلت: لقد سمعت بهذا الشعر منذ زمانٍ طويلٍ. قال: للأعشى؟ قلت: نعم! قال: فأنا صاحبه. قلت: فما اسمك؟ قال: مسحلٌ السكران بن جندل، فعرفت أنه من الجن فبت ليلةً ألله بها عليمٌ ثم قلت له: من أشعر العرب؟ قال: إرو قول لافظ بن لاحظ وهيابٍ وهبيدٍ وهاذر بن ماهر، قلت: هذه أسماء لا أعرفها. قال: أجل! أما لافظٌ فصاحب امرىء القيس، وأما هبيد فصاحب عبيد بن الأبرص وبشر، وأما هاذرٌ فصاحب زياد الذبياني، وهو الذي استنبغه. ثم أسفر لي الصبح، فمضيت وتركته. قال الزرودي: فحسن لي حديث الشامي حديث أبي. وذكر مطرف الكناني عن ابن دأبٍ قال: حدثني رجلٌ من أهل زرود ثقةٌ عن أبيه عن جده قال: خرجت في طلب لقاحٍ لي على فحلٍ كأنه فدن يمر بي يسبق الريح حتى دفعت إلى خيمةٍ، وإذا بفنائها شيخٌ كبيرٌ، فسلمت فلم يرد علي، فقال: من أين وإلى أين؟ فاستحمقته إذ بخل برد السلام، وأسرع إلى أمامي، فقال: أما من ههنا فنعم؛ وأما إلى ههنا، فوالله ما أراك تبهج بذلك، إلا أن يسهل عليك مداراة من ترد عليه! قلت: وكيف ذلك أيها الشيخ؟ قال: لأن الشكل غير شكلك، والزي غير زيك، فضرب قلبي أنه من الجن، وقلت: أتروي من أشعار العرب شيئاً؟ قال: نعم! وأقول، قلت: فأنشدني، كالمستهزىء به، فأنشدني قول امرىء القيس: الطويل قفا نَبكِ من ذِكرَى حَبيبٍ ومَنزِلِ ... بسِقطِ اللّوَى بينَ الدَّخولِ فحَومَلِ فلما فرغ قلت: لو ان امرأ القيس ينشر لردعك عن هذا الكلام! فقال: ماذا تقول؟ قلت: لامرىء القيس، قال: لست أول من كفر نعمةً أسداها! قلت: ألا تستحي أيها الشيخ، ألمثل امرىء القيس يقال هذا؟ قال: أنا والله منحته ما أعجبك منه! قلت: فما اسمك؟ قال: لافظ بن لاحظ. فقلت: إسمان منكران. قال: أجل! فاستحمقت نفسي له بعدما استحمقته لها، وأنست به لطول محاورتي إياه؛ وقد عرفت أنه من الجن، فقلت له: من أشعر العرب؟ فأنشأ يقول: الكامل ذهَبَ ابنُ حُجرٍ بالقَريضِ وَقَوْلِه ... وَلَقَدْ أَجادَ فَما يُعابُ زيادُ للَّهِ هاذِرٌ إذْ يَجُودُ بقَولِهِ، ... إنَّ ابنَ ماهرَ بَعْدَها لَجَوادُ قلت: من هاذر؟ قال: صاحب زياد الذبياني، وهو أشعر الجن وأضنهم بشعره، فالعجب منه كيف سلسل لأخي ذبيان به، ولقد علم بنيةً لي قصيدةً له من فيه إلى أذنها ثم صرخ بها: أخرجي فدىً لك من ولدت حواء! فقلت له: ما أنصفت أيها الشيخ، فقال: ما قلت بأساً؛ ثم رجعت إلى نفسي، فعرفت ما أراد، فسكت ثم أنشدتني الجارية: الوافر نأَتْ بسُعادَ عَنك نوىً شَطونُ ... فَبانَتْ والفُؤادُ بها حَزينُ حتى أتت على قوله منها: كذلكَ كانَ نُوحٌ لا يَخُونُ قال: لو كان رأي قوم نوحٍ فيه كرأي هاذر ما أصابهم الغرق! فحفظت البيتين ثم نهض بي الفحل، فعدت إلى لقاحي. وحدثنا سنيد عن حزام بن أرطاة عن أبي عبيد قال: حدثني أبو بكر المزني عن شيخٍ من أهل البصرة قال: خرجت على جملٍ لي حتى إذا كنت ببعض الطريق في ليلةٍ مقمرةٍ إذا شخصٌ مقبلٌ كهيئة الإنسان على ظهر ظليمٍ قد خطمه، فاستوحشت منه وحشةً شديدةً، فأقبل نحوي، وهو يقول في شدةٍ من صوته: السريع هَلْ يُبْلِغَنِّيهم إلى الصّباحْ ... هِقْلٌ كأنَّ رأسَهُ جُمَّاحْ فما زال يدنو حتى سكن روعي وأنست فقلت: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول: الطويل وما ذَرَفَتْ عَيناكِ إلاَّ لِتَضْربي ... بسَهميكِ في أَعْشارِ قلبٍ مُقَتَّلِ فعرفت أنه يريد امرأ القيس. قال: ثم ذهب وأقبل، قلت: ثم من؟ قال: الذي يقول: المتقارب وَتَبْرُدُ بَرَدَ رِداءِ العَرو ... سِ في الصّيفِ رَقْرَقْتَ فيهِ العَبيرَا وتَسخُنُ لَيلَةَ لا يَستَطيعُ ... نُباحاً بها الكَلبُ إلاّ هَريرَا يريد الأعشى، ثم ذهب وأقبل، قلت: ثم من؟ قال: الذي يقول: الرمل تَطرُدُ القُرَّ بحَرٍ صادِقٍ، ... وعَكِيكَ الصّيفِ إن جاءَ بِقُرّ يريد طرفة. العكيك: الحر. ويشيد هذه الأحاديث عندنا، في الجن وأخبارها وقولها الشعر على ألسن العرب، ما حدثنا به المفضل عن أبيه عن جده عن ابن إسحق عن مجاهد عن ابن عباس قال: وفد سواد بن قارب على عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فسلم عليه، فرد عليه السلام، فقال عمر: يا سواد! قال: لبيك يا أمير المؤمنين! قال: ما بقي من كهانتك؟ فغضب وامتلأ سحره ثم قال: يا أمير المؤمنين! ما أظنك استقبلت بهذا الكلام غيري؛ فلما رأى عمر الكراهية في وجهه قال: يا سواد! إن الذي كنا عليه من عبادة الأوثان أعظم من الكهانة، فحدثني بحديثٍ كنت أشتهي أن أسمعه منك! قال: نعم يا أمير المؤمنين! بينما أنا في إبلي بالسراة، وكان لي نجي من الجن، إذ أتاني في ليلة، وأنا كالنائم، فركضني برجله، ثم قال: قم يا سواد، فقد ظهر بتهامة نبيٌّ يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم. قلت: تنح عني، فإني ناعسٌ! فولى عني، وهو يقول: السريع عَجِبْتُ للجِنِّ وتَبْكارِها، ... وشدِّها العِيسَ بأَكْوارِها تَهوي إلى مكّةَ تَبغي الهُدَى، ... ما مُؤْمِنُو الجِنِّ كَكُفّارِها فارحَلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ ... بَينَ روابيها وأحْجارِها ثم لما كان في الليلة الثانية أتاني فقال مثل ذلك القول، فقلت: تنح عني، فإني ناعسٌ! فولى عني، وهو يقول: عَجِبتُ للجِنّ وتَطْرابها ... ورَحْلِها العيسَ بأقتابِها تَهوي إلى مكَّةَ تَبغي الهُدَى، ... ما مُؤمنو الجنِّ كَكُذّابِها فارحلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ ... لَيسَ قُدَاماها كأَذنابِها ثم أتاني في الليلة الثالثة، فقال مثل ذلك، فقلت: إني ناعسٌ، فولى عني، وهو يقول: عَجِبتُ للجنّ وإيجاسِها ... وشَدِّها العيس بأحْلاسِها تَهوي إلى مَكَّةَ تَبغي الهُدى ... ما مُؤْمنو الجنِّ كأَرْجاسِها فارْحَلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ ... واسْمُ بعَينَيكَ إلى رأْسِها قال سواد: فلما أصبحت يا أمير المؤمنين، أرسلت لناقة من إبلي، فشددت عليها، وأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، وبايعت، وأنشأت أقول: الطويل أَتاني نَجِيِّي بَعْدَ هَدْء وَرَقْدَةٍ، ... ولم يَكُ فيما قَدْ عَهِدْتُ بِكاذِبِ ثلاثَ لَيالٍ قوْلُه كلَّ لَيلَةٍ: ... أَتاكَ رسولٌ من لؤيِّ بنِ غالبِ فَشَمَّرْتُ عَنْ ذيلي الإزارَ، وَأَرْقَلَتْ ... بيَ الدِّعلبُ الوجناءُ عَبْرَ السّباسبِ فأشهَدُ أنَّ اللَّهَ لا رَبَّ غَيرَه، ... وأنَّكَ مَأْمونٌ على كلِّ غائِبِ وأنِّكَ أدنَى المُرسَليِنَ وَسيلَةً ... إلى اللَّهِ، يا ابنَ الأكرَمِينَ الأطايبِ فَمُرْني بما أَحْبَبْتَ، يا خيرَ مُرْسَلٍ ... وإنْ كان فيما قلتُ شِيْبُ الذّوائبِ وكنْ لي شفيعاً يومَ لا ذُو شَفاعَةٍ ... سِوَاكَ، بِمُغْنٍ عن سَوادِ بنِ قارِبِ وأخبرني المفضل عن أبيه عن جده قال: أخبرني العلاء بن ميمون الآمدي عن أبيه قال: ركبت بحر الخزر أريد ناجورا حتى إذا ما كنت منها غير بعيد لجج مركبنا، فاستاقته ريح الشمال شهراً في اللجة، ثم انكسر بنا، فوقعت أنا ورجلٌ من قريشٍ إلى جزيرة في البحر ليس بها أنيس، فجعلنا نطوف، ونطمع في النجاة إذ أشرفنا على هوةٍ، وإذا بشيخٍ مستندٍ إلى شجرة عظيمة، فلما رآنا تحشحش، وأناف إلينا، ففزعنا منه، ثم دنونا منه، وقلنا: السلام عليك أيها الشيخ، قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فأنسنا به، فقال: ما خطبكما؟ فأخبرناه، فضحك وقال: ما وطىء هذا الموضع أحدٌ من ولد آدم قط، فمن أنتما؟ قلنا: من العرب، قال: بأبي وأمي العرب؛ فمن أيها؟ قلت: أما أنا فرجل من خزاعة، وأما صاحبي فمن قريش. قال: بأبي قريش وأحمدها، ثم قال: يا أخا خزاعة هل تدري من القائل: الطويل كأنْ لم يَكُنْ بينَ الحَجُون إلى الصَّفَا ... أَنِيْسٌ، وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سامرُ بلى، نَحْنُ كنَّا أَهلَها، فأبادَنا ... صُرُوفُ اللّيالي والجُدُودُ العَواثِرُ قلت: نعم، ذلك الحرث بن مضاض الجرهمي. قال: ذلك مؤديها، وأنا قائلها في الحرب التي كانت بينكم، معشر خزاعة، وبين جرهم. يا أخا قريش، أولد عبد المطلب بن هاشم؟ قلت: أين يذهب بك، رحمك الله، فربا وعظم وقال: أرى زماناً قد تقارب إبانه، أفولد إبنه عبد الله؟ قلنا: وأين يذهب بك؟ إنك لتسألنا مسألة من كان في الموتى. قال: فتزايد ثم قال: فابنه محمد الهادي؟ قلت: هيهات، مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منذ أربعين سنة، قال: فشهق حتى ظننا أن نفسه قد خرجت، وانخفض حتى صار كالفرخ، وأنشأ يقول: الكامل ولَرُبَّ راجٍ حِيْلَ دونَ رَجائهِ ... وَمُؤمِّلٍ ذَهَبَتْ بِهِ الآمالُ ثم جعل ينوح ويبكي حتى بل دمعه لحيته، فبكينا لبكائه، ثم قال: ويحكما، فمن ولي الأمر بعده؟ قلنا: أبو بكر الصديق، وهو رجل من خير أصحابه، قال: ثم من؟ قلنا: عمر بن الخطاب، قال: أفمن قومه؟ قلنا: نعم. قال: أما إن العرب لا تزال بخيرٍ ما فعلت ذلك. قلنا: أيها الشيخ قد سألتنا فأخبرناك، فأخبرنا من أنت وما شأنك؟ فقال: أنا السفاح بن الرقراق الجني لم أزل مؤمناً بالله وبرسله ومصدقاً، وكنت أعرف التوراة والإنجيل، وكنت أرجو أن أرى محمداً، صلى الله عليه وسلم، فلما تفرقت الجن وأطلقت الطوالق المقيدة من وقت سليمان، عليه السلام، إختبأت نفسي في هذه الجزيرة لعبادة الله تعالى وتوحيده وانتظار نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، وآليت على نفسي أن لا أبراح ههنا حتى أسمع بخروجه، ولقد تقاصرت أعمار الآدميين، وإنما صرت فيها منذ أربعمائة سنةٍ، وعبد منافٍ إذ ذاك غلامٌ يفعةٌ ما ظننت أنه ولد له ولد، وذلك أنا نجد علم الأحداث، ولا يعلم الآجال إلا الله تعالى، والخير بيده، وأما أنتما أيها الرجلان، فبينكما وبين الآدميين من الغامر مسيرة أكثر من سنة، ولكن خذا هذا العود، فاكتفلا به كالدابة إذا نام الناس، فإنه يؤديكما إلى بلدكما، واقرئا محمداً مني السلام، فإني طامع بجوار قبره. قال: ففعلنا ما أمرنا به، فأصبحنا في مصلى آمد. وقد روي أن عبيد بن الأبرص خرج في ركبٍ فبينما هم يسيرون إذا بشجاع قد احترق جنباه من الرمضاء، فقال له بعض أصحابه: دونك الشجاع يا عبيد فاقتله! قال عبيد: هو إلى غير القتل أحوج، فأخذ إدواةً من ماءٍ، فصبها عليه، فانساب الشجاع ودخل في جحره، وسار القوم، فقضوا حوائجهم، ثم أقبلوا حتى صاروا إلى ذلك الموضع الذي فيه الشجاع، قال: فتأخر عبيد لقضاء حوائجه، فانلفت بكره، وقيل بل حسر عليه، فسار القوم، وبقي عبيد متحيراً، فإذا بهاتفٍ من عدوة الوادي، وهو يقول: الرجز يا صاحبَ البكرِ المُضِلِّ مَرْكَبَهْ ... دونَكَ هذا البكرَ مِنَّا فاركبَه ما دونَه من ذي الرّشادِ تَصحَبُه ... وبكْرُكَ الآخرُ أَيضاً تجنُبُه حتى إذا اللّيلُ تَجَلّى غَيهَبُه ... فَحُطَّ عَنْهُ رَحلَهُ وسَيّبَه إذا بَدَا الصّبحُ ولاحَ كَوكَبُه ... وقد حمدتَ عنهُ ذاكَ مَصحبَه قال: فالتفت عبيد، فإذا هو ببكره، وبكرٍ إلى جنبه، فركبه، حتى إذا صار إلى دار قومه أرسل البكر، وأنشأ يقول: البسيط يا صاحبَ البكرِ قَدْ أُنقِذْتَ من بَلَدٍ ... يَحارُ في حافَتَيها المُدلِجُ الهادِيْ هَلاَّ أَبَنْتَ لَنا بالحَقّ نَعرفُهُ، ... مَن ذا الذي جادَ بالمَعروفِ في الوادي إرجِعْ حميداً، فقَد أبلَغتَ مَأْمَنَنا ... بُوْرِكتَ من ذي سَنامٍ رائحٍ غادي فأجابه هاتف يقول: البسيط أنا الشّجاعُ الذي أَلفَيتَهُ رَمِضاً ... في رَملَةٍ ذاتِ دكداكٍ وأعقاد فَجُدْتَ بالماءِ لمَّا ضَنَّ حَامِلُهُ، ... جُوداً عليَّ ولم تَبْخَل بإنجادي هذا جَزاؤكَ منِّي لا أَمُنُّ بهِ، ... فارْجِعْ حميداً رعاكَ اللَّهُ من غادي الخَيرُ أبقَى، وإنْ طالَ الزَّمانُ به، ... والشرُّ أَخبَثُ ما أَوْعَيتَ من زادِ وذكر جماعةٌ من أهل العلم: أن الحرث بن ذي شداد الحميري كان ملكاً في الجاهلية الجهلاء، وهو أول من دخل أرض الأعاجم ودوخها، ثم إنه وضع يده، بقتل رؤساء قومه، ثم إنه خاف رجلاً منهم، فطلبه، فأعجزه، وهرب الرجل ترفعه أرضٌ وتخفضه أخرى، إذ جنه الليل، فاستضاف إلى كهفٍ في جبلٍ، فأخذته عينه، فإذا هو بآتٍ قد أتاه فقعد عند رأسه، وأنشأ يقول: المنسرح ألدّهرُ يأتيكَ بالعَجائبِ إ ... نَّ الدّهرَ فيهِ لَدَيْكَ مُعتَبَرُ بَينا تَرَى الشَّملَ فيهِ مُجتَمعاً ... فَرَّقَه من صُروفِه القَدَرُ لا تَنفَعُ المَرءَ فيهِ حيلَتُهُ، ... ممّا سيَلقى يوماًن ولا الحَذَرُ إنّي زَعيمٌ بقصّةٍ عجَبٍ ... عندي لمن يَستَزيدُها الخبَرُ تأتي بتَصديِقها اللّيالي، وال ... أيّامُ، إنَّ القضاء يُنْتَظرُ يكونُ في الإِنسِ مَرّةً رجلٌ ... ليسَ له في مُلوكِهِمْ خَطَرُ مَولِدُه في قُرى ظواهرِ هم ... دانَ بتلكَ التي إسمُها خَمَرُ يَقهَرُ أَصْحابَه على حَدَثِ ال ... سِّنِّ، ويُجْفى فيهمْ ويُحتَقَرُ حتّى إذا أَمكَنَتهُ صولَتُهُ ... وليسَ يَدري بشأْنِهِ بشَرُ أَصبحَ في هَتومٍ على وَجَلٍ، ... وَأَهلُهُ غافِلونَ ما شَعَرُوا رأَوا غُلاماً بالأمسِ عندَهمُ ... أَزْرَى لَدَيهم جَهْلاً بهِ الصِّغَرُ لم يَفقدِوهُ، لا دَرَّ دَرَّهُمُ، ... لو عَلِمُوا العلمَ فيهِ لا فتَخَرُوا حتّى إذا أدْرَكَتْهُ رَوْعَتُهُ ... بينَ ثلاثٍ، وقَلبُهُ حَذِرُ جاءتْ إليه الكُبرى بأَشقِيَةٍ ... شَتَّى، وفي بَعضِها دَمٌ كَدِرُ قال لها: ذاكَ إذَنْ أَشْرَبُهُ؟ ... قالتْ لهُ: ذَرْهُ! قال: لا أَذَرُ فَناوَلَتهُ، فَما توَرَّعَ عَنْ ... أَقْصاهُ حتّى أَهَارَهُ السّكُرُ قالتْ لَهُ: هذه مَراكِبُنا، ... فاركبْ، وشرُّ المراكبِ الحُمُرُ فنَهنَهتهُ الوُسطَى، فثارَ لها ... كأَنَّهُ اللَّيثُ هاجَهُ الذّعُر فقالَ: حَقاً صَدَقْتِ، ثمَّ سما ... فوقَ ضَميرٍ قَدْ زانَهُ الضُّمُر فَصَدَّ لما عَلاهُ مِنْ أَذَنٍ ... ومِنْ جِراحٍ مِنها بِهِ أَثَرُ ثمّ أَتَتهُ الصُغرَى تُمَرِّضُهُ، ... فوقَ الحَشايا، ودَمْعُها دِرَرُ فحالَ منها لمَضجَعٍ ضَجِراً، ... ولا تَساوى الوِطاءُ والوُعُرُ كأَنَّ إذ ذاكَ بعدَ صَرعَته، مِنْ شِدَّةِ الجُهدِ تحتَهُ الإِبَرُ فقُلنَ لمّا رأينَ صَرعَتَهُ: ... أَسعِدْ فأنتَ الذي لك الظّفَرُ في كلِّ ما وجهةٍ تَوَجَّهُها، ... وأنتَ يَشقَى بِحَربِكَ البَشَرُ وأنتَ للسَّيفِ واللّسانِ وللأب ... دانِ تَبدو كأنَّها الشّرَرُ وأنتَ أنتَ المُهْرِيقُ كلّ دَمٍ ... إذا تَرامَى بشَخصِكَ السَّفَرُ فارْشِدْ ولا تَسْكُنَنّ في خَمَرٍ ... ورِدْ ظَفاراً، فإنّها الظّفَرُ فلَستَ تَلتَذُّ عيشَةً أبداً، ... وللأَعادي عَينٌ، ولا أَثَرُ نحنُ مِنَ الجِنّ، يا أَبا كَرَبٍ ... يا تُبّعَ الخَيرِ هاجَنا الذّعُرُ فيما بلَوناهُ فيكَ من تَلَفٍ، ... عن عَمْدِ عينٍ وأنتَ مُصطبرُ ثمّ أتَى أَهلَهُ، فَأَخْبَرَهُمْ ... بِكُلِّ ما قَدْ رَأَى فما اعتَبَرُوا فسارَ عَنهمْ، من بَعْدِ تاسِعَةٍ، ... نحوَ ظَفارٍ، وشأْنُهُ الفِكَرُ فَحَلَّ فيها، والدّهرُ يَرفَعُهُ ... في عِظَمِ الشّأْنِ وهوَ يشتَهرُ حتّى أتَتهُ مِنَ المَدينَةِ تَش ... كو الظّلم شَمطاءُ قَومُها غُدُرُ أَدلَتْ إلَيهِ منهمْ ظُلامَتَها، ... ترجو بهِ ثَأْرَها، وتَنتَصرُ فأَعْمَلَ الرأيَ في الذي طَلبتْ ... تلكَ، وكلُّ بذاكَ يأْتَمِرُ فعَبّأ الجَيشَ، ثم سارَ بهِ ... مثلَ الدَّبا في البلادِ يَنتشِرُ قد ملأ الخافقينِ عَسْكَرُهُ، ... كأنهُ الليلُ حينَ يَعْتَكِرُ تأتَمُّ أَعداءَهُ كَتائِبُهُ، ... فليسَ يُبقي منهمْ، ولا يَذرُ حتّى قضىَ منهُمُ لُبانَتَهُ، ... وفازَ بالنَّصْرِ ثَمَّ مَنْ نُصِرُوا إنَّا وَجَدْنا هذا يكونُ مَعاً ... في عِلمِنا، والمَليكُ مُقتَدِرُ والحمدُ للَّهِ والبَقاءُ لَهُ، ... كلٌّ إلى ذي الجَلالِ مُفتَقِرُ ● خبر آخر: وفي مصداق ما ذكرناه من أشعار الجن، وقولهم الشعر على ألسن العرب، قول الأعشى: الطويل وما كنتُ شاحردا، ولكنْ حَسِبتُني ... إذا مِسحَلٌ يُسْدي ليَ القولَ أعلَق شَريكانِ فيما بَينَنا مِن هَوادَةٍ، ... صَفِيَّانِ إنسيٌّ وجِنٌّ موَفَّقُ يَقُولُ فلا أَعيَا بقَول يَقُولُهُ، ... كَفاني لا عَيٌّ، ولا هُوَ أخْرَقُ ● خبر آخر: ذكر أن رجلاً أتى الفرزدق فقال: إني قلت شعراً فانظره، قال: أنشد، فقال: البسيط وَمِنْهُم عمرٌو المَحْمُودُ نائِلُهُ ... كأنَّما رَأْسُهُ طِينُ الخَواتيمِ قال: فضحك الفرزدق ثم قال: يا ابن أخي! إن للشعر شيطانين يدعى أحدهما الهوبر والآخر الهوجل، فمن انفرد به الهوبر جاد شعره وصح كلامه، ومن انفرد به الهوجل فسد شعره، وإنهما قد اجتمعا لك في هذا البيت فكان معك الهوبر في أوله فأجدت، وخالطك الهوجل في آخره فأفسدت، وإن الشعر كان جملاً بازلاً عظيماً فنحر فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه، وعمرو بن كلثوم سنامه، وزهير كاهله، والأعشى والنابغة فخذيه، وطرفة ولبيد كركرته. ولم يبق إلا الذراع والبطن فتوزعناهما بيننا، فقال الجزار: يا هؤلاء! لم يبق إلا الفرث والدم، فأمروا لي به، فقلنا: هو لك، فأخذه ثم طبخه، ثم أكله ثم خريه، فشعرك هذا من خرء ذلك الجزار! فقال الفتى: فلا أقول بعده شعراً أبداً. ● فصل آخر: قيل لأبي عبيدة: هل قال الشعر أحدٌ قبل امرىء القيس؟ قال: نعم، قدم علينا رجالٌ من بادية بني جعفر بن كلاب فكنا نأتيهم، فنكتب عنهم، فقالوا: ممن ابن خدام؟ قلنا: ما سمعنا به! قالوا: بلى! قد سمعنا به ورجونا أن يكون عندكم منه علمٌ لأنكم أهل أمصارٍ، ولقد بكى في الدمن قبل امرىء القيس، وقد ذكره امرؤ القيس في شعره حيث يقول: الكامل عوجا خَليليّ الغداةَ لعَلّنا ... نَبكي الدّيارَ كما بكى ابنُ خِدامِ ● باب صفة الذين قدموا زهيرا قال الذين قدموا زهيراً على امرىء القيس: هو أشعر العرب، وإنما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في امرىء القيس إنه يقدم بلواء الشعراء إلى النار لقدمه في الشعر. وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا يقوله لقوله، عز وجل: وما علمناه الشعر وما ينبغي له. ولكن كان يعجبه. ولو كانت التقدمة بالتقدم في الشعر لقدم عليه ابن خدام الذي ذكره في شعره؛ وليس هنالك. وقول الفرزدق إن الشعر كان جملاً فنحر، فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه، فهذا مثلٌ ضربه، والسنام والكاهل أكثر نفعاً من الرأس، إذا كان منحوراً، ولو أنه ضرب المثل، وكان حياً، فأخذ رأسه لكان الرأس أفضل إذ لا بقاء للبدن إلا مع الرأس، وإنما أخذه ميتاً. ● فصل آخر: ذكره أبو عبيدة، وأخبرنا أبو عبد الرحمن الغساني عن شريك بن الأسود قال: كنا ليلةً في سمر بلال بن أبي بردة الأشعري، وهو يومئذ على البصرة، فقال: أخبروني بالسابق والمصلي من الشعراء من هما؟ قلنا: أخبرنا أنت أيها الأمير، وكان أعلم العرب بالشعر؛ فقال: السابق الذي سبق بالمدح فقال: وما يكُ من خَيرٍ أَتَوْهُ فإنّما ... تَوارَثَهُ آباءُ آبائِهِمْ قَبْلُ وأما المصلي، فهو الذي يقول: الطويل ولَستُ بمُستَبقٍ لا تَلُمّهُ ... على شعثٍ، أيّ الرّجالِ المُهَذَّبُ؟ ● فصل آخر: ذكر أبو عبيدة عن الشعبي يرفعه إلى عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في سفرٍ فبينا نحن نسير قال: ألا تزاملون؟ أنت يا فلانٌ زميل فلان، وأنت يا فلانٌ زميل فلان، وأنت يا ابن عباس زميلي؛ وكان لي محباً مقرباً، وكان كثيرٌ من الناس ينفسون علي لمكاني منه، قال: فسايرته ساعةً ثم ثنى رجله على رحله، ورفع عقيرته ينشد: وما حَمَلَتْ مِنْ ناقةٍ فوقَ رَحْلِها ... أَبَرَّ وأَوْفَى ذِمَّةً من مُحَمّدِ ثم وضع السوط على رحله، ثم قال: أستغفر الله العظيم، ثم عاد فأنشد حتى فرغ ثم قال: يا ابن عباس، ألا تنشدني لشاعر الشعراء! فقلت: يا أمير المؤمنين! ومن شاعر الشعراء؟ قال: زهير! قلت: لم صيرته شاعر الشعراء؟ قال: لأنه لا يعاظل بين الكلامين، ولا يتتبع وحشي الكلام، ولا يمدح أحداً بغير ما فيه. قال أبو عبيدة: صدق أمير المؤمنين، ولشعره ديباجةٌ إن شئت قلت شهدٌ إن مسسته ذاب، وإن شئت قلت صخرٌ لو رديت به الجبال لأزالها. وحدثني محمد بن عثمان عن أبي مسمع عن ابن دأب قال: كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، جالساً في أصحابه يتذاكرون الشعر والشعراء، فيقول بعضهم: فلانٌ اشعر، ويقول آخر، بل فلانٌ أشعر؛ فقيل: إبن عباس بالباب! فقال عمر، رضي الله عنه: قد أتى من يحدث من أشعر الناس؛ فلما سلم وجلس قال له عمر: يا ابن عباس! من أشعر الناس؟ قال: زهير يا أمير المؤمنين! قال عمر: ولم ذلك؟ قال ابن عباس: لقوله يمدح هرماً وقومه بني مرة: البسيط لو كان يَقْعُدُ فوقَ الشّمسِ من كَرمٍ ... قومٌ بأَوَّلِهم أو مَجْدِهِم قَعَدُوا قَومٌ أَبوهُمْ سِنَانٌ حينَ تَنسُبُهم، ... كابُوا وطابَ مِنَ الأولادِ مَن وَلَدُوا جِنٌّ إذا فَزِعُوا، إنسٌ إذا أَمِنُوا، ... مُرَزّؤونَ بَهاليلٌ إذا جهدُوا مُحَسَّدونَ على ما كانَ مِنْ نِعَمٍ، ... لا يَنزِعُ اللَّهُ عَنهُم ما بِهِ حُسِدُوا قال عمر: صدقت يا ابن عباس. ● فصل من أخبار زهير ذكر أبو عبيدة عن قتيبة بن شبيب بن العوام بن زهير عن آبائه الذين أدركوا بجيراً وكعباً إبني زهير قال: كان أبي من مترهبة العرب، وكان يقول: ولا أن تفندون لسجدت للذي يحيي هذه بعد موتها! قال: ثم إن زهيراً رأى قبل موته بسنةٍ في نومه كأنه رفع إلى السماء حتى كاد يمس السماء بيده، ثم انقطعت به الحبال، فدعا بنيه فقال: يا بني، رأيت كذا وكذا، وإنه سيكون بعدي أمرٌ يعلو من اتبعه ويفلح، فخذوا بحظكم منه، ثم لم يعش إلا يسيراً حتى هلك، فلم يحل الحول حتى بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وذكر عن الأصمعي قال: كفاك من الشعراء أربعة: زهير إذا طرب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا غضب، وعنترة إذا كلب. ● باب خبر الذين قدموا النابغة الذبياني قالوا: هو أوضحهم معنىً، وأبعدهم غايةً، وأكثرهم فائدةً. وأخبرنا ابن عثمان عن مطرف الكناني عن ابن دأب في حديث رفعه إلى عبد الملك بن مسلم: أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج: إنه لم يبق من لذة الدنيا شيءٌ إلا وقد أصبت منه، ولم يبق إلا مناقلة الحديث، وقبلك عامر الشعبي، فابعث به إلي يحدثني. فبعث الحجاج بالشعبي وأطراه في كتابه، فخرج الشعبي حتى صار بباب عبد الملك فقال للحاجب: إستأذن لي! فقال الحاجب: ومن أنت رحمك الله؟ قال: أنا عامر الشعبي، فنهض الحاجب وأجلسه على كرسيه، فلم يلبث الحاجب أن أدخله، قال الشعبي: فدخلت فإذا عبد الملك على كرسي، وإذا بين يديه رجلٌ أبيض الرأس واللحية على كرسي آخر، فسلمت، فرد السلام ثم أومأ بقضيبه فقعدت على يساره، ثم أقبل على رجل عنده، فقال: ويحك من أشعر الناس؟ قال: أنا يا امير المؤمنين! قال الشعبي: فأظلم ما بيني وبين عبد الملك من البيت، ولم أصبر أن قلت: من هذا يا أمير المؤمنين الذي يزعم أنه أشعر الناس؟ فعجب عبد الملك من عجلتي قبل أن يسألني، وقال: هذا الأخطل، قلت: بل أشعر منك يا أخطل الذي يقول: السريع هذا غُلامٌ حَسَنٌ وَجْهُهُ ... مُستَقبلُ الخَيرِ سريعُ التّمامْ للحَرَثِ الأكبرِ والحَرَثِ ال ... أعْرَجِ والأصغَرِ خَيرِ الأنامْ ثمّ لهندٍ ولهندٍ، وقد ... أَسْرَعَ في الخَيراتِ مِنهم إمامْ ستّةُ آباءٍ هُمُ ما هُمُ، ... أَكْرَمُ مَنْ يشرَبُ صَوبَ الغَمامْ قال: فرددتها حتى حفظها عبد الملك، فقال الأخطل: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا الشعبي! قال الأخطل: والإنجيل هذا ما استعذت بالله من شره! صدق والله: ألنابغة أشعر مني! فالتفت إلي عبد الملك فقال: ما تقول في النابغة يا شعبي؟ قال: قدمه عمر بن الخطاب في غير موضع على جميع الشعراء. ● فصل آخر: قال: خرج عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وببابه وفد غطفان، فقال: أي شعرائكم الذي يقول: الطويل حلفتُ، فلم أتركُ لنَفسِكَ ريبةً ... وليسَ وَراءَ اللَّهِ للمَرءِ مَذهبُ لَئِن كُنَتَ قد بُلّغتَ عنّي سعايةً ... لمُبلِغُكَ الواشي أغشُّ وأكذَبُ ولَستَ بمُستَبقٍ أخاً لا تَلُمّهُ ... على شَعَثٍ، أيّ الرّجالِ المُهَذَّبُ قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين، قال: فمن القائل: الطويل خَطاطيفُ حُجْنٌ في حِبالٍ مَتينَةٍ، ... تَمُدُّ بها أيدٍ إلَيكَ نَوازِعُ فإنّكَ كاللّيلِ الذي هوَ مُدْرِكي، ... وإن خَلْتَ أنّ المُنتأى عنكَ واسعُ قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين، قال: فمن القائل: الوافر إلى ابنِ مُحَرِّقٍ أعمَلتُ نَفسي ... وراحلَتي، وقد هدأتْ عُيونُ فألفَيتُ الأمانَةَ لم يَخُنْها ... كذلكَ كانَ نُوحٌ لا يَخُونُ أتَيتُكَ عارِياً خَلَقِاً ثِيابي ... على خَوفٍ تُظَنّ بيَ الظّنونُ؟ قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين! قال: فمن القائل: البسيط إلاَّ سُلَيْمَانَ، إذْ قال المَليكُ له: ... قُم في البَرِيَّةِ فاحْدُدْها عن الفَنَدِ قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين، قال: هو أشعر شعرائكم. قال الشعبي: ثم أقبل عبد الملك على الأخطل، فقال: أتحب أن يكون لك شعر أحدٍ من العرب عوضاً عن شعرك؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، إلا أن رجلاً قال شعراً فيه أبياتٌ، وكان ما علمت والله مغدف القناع، قليل السماع، قصير الذراع، وددت أني قلتها، وهو القطامي: البسيط لَيسَ الجَديدُ بهِ تبقى بَشاشَتُهُ ... إلاّ قليلاً، ولا ذو خُلّةٍ يَصِلُ والعَيشُ لا عَيشَ إلاّ ما تَقَرُّ بهِ ... عَيْنٌ، ولا حالَةٌ إلاّ سَتنتقِلُ والناس مَنْ يلقَ خيراً قائلونَ لهُ ... ما يشتهي وَلأُمِّ المُخْطيء الهَبَلُ قَدْ يُدرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ ... وقَدْ يكونُ معَ المُستعجِلِ الزُلَلُ ● فصل آخر: وذكر محمد بن عثمان عن أبي علقمة عن مفالج بن سليمان عن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن زيد عن عمر بن الخطاب عن حسان بن ثابت، رضي الله تعالى عنه، أنه حدثه، أنه وفد على النعمان بن المنذر قال: فلما دخلت بلاده لقيني رجلٌ فسألني عن وجهي وما أقدمني، فأخبرته، فأنزلني، فإذا هو صائغٌ، فقال: مما أنت؟ فقلت: من أهل الحجاز، قال: كن خزرجياً! قلت: أنا خزرجي، قال: كن نجارياً! قلت: أنا نجاري! قال: كن حساناً! قلت: أنا حسان، قال: كنت أحب لقاءك، وأنا واصفٌ لك أمر هذا الرجل وما ينبغي لك أن تعمل به في أمره. إنك إذا لقيت حاجبه وانتسبت وأعلمته مقدمك أقام شهراً لا يرد عليك شيئاً، ثم يلقاك، فيقول: من أنت؟ وما أقدمك؟ ثم يمكث شهراً لا يرد عليك شيئاً، ثم يستأذن لك، فإذا دخلت على النعمان، فستجد عنده أناساً، فيستنشدونك؛ فلا تنشدهم حتى يأمرك، فإذا أمرك، فأنشده، فيستزيدك من عنده، فلا تزده حتى يستزيدك، هو، فإذا فعلت، هذا، فانتظر ثوابه وما عنده، فإن هذا ينبغي لك أن تعرفه من أمره. قال حسان: فقدمت إلى الحاجب، فإذا الأمر على ما وصف لي، ثم دخلت على النعمان، ففعلت ما أمرني به الصائغ، فأنشدته شعري ثم خرجت من عنده، فأقمت أختلف إليه، فأجازني وأكرمني، وجعلت أخبر صاحبي بما صنع، فيقول: إنه لا يزال هكذا حتى يأتيه أبو أمامة، يعني النابغة، فإذا قدم، فلا حظ فيه لأحدٍ من الشعراء. قال: فأقمت كذلك إلى أن دخلت عليه ليلةً، فدعا بالعشاء، فأتي بطبيخٍ، فأكل منه بعض جلسائه، فامتلأ، فضحك بطالٌ كان يكون بباب النعمان، فغضب وقال: أبجليسي تضحك؟ أحرقوا صليفيه بالشمعة! فأحرق صليفاه. قال حسان: فوالله إني لجالسٌ عنده، إذا بصوتٍ خلف قبته، وكان يوماً ترد فيه النعم السود، ولم يكن للعرب نعم سود إلا للنعمان، فأقبل النابغة فاستأذن، فقدم، وهو يقول: السريع أنامَ أَمْ يَسمعُ رَبُّ القُبَّه، ... يا أَوْهَبَ النّاسِ لِعيسٍ صُلْبَه ضَرَّابةٍ بالمِشفَرِ الأذبَّه، ... ذاتِ تَجافٍ في يَدَيها حَدْبَه قال: أبو أمامة، أدخلوه! فأنشده قصيدته التي يقول فيها: الطويل وَلَسْتَ بِمُسْتَبقٍ أَخاً لا تَلُمّهُ ... على شعَثٍ، أيُّ الرّجال المهذَّبُ فأمر له بمائة ناقةٍ فيها رعاؤها ومطافيلها وكلابها من السود. قال حسان: فخرجت من عنده لا أدري أكنت له أحسد على شعره، أم على ما نال من جزيل عطائه، فرجعت إلى صاحبي، فقال: انصرف، فلا شيء لك عنده سوى ما أخذت. وعنه في حديث رفعه إلى الوليد بن روح الجمحي قال: مكث النابغة دهراً لا يقول الشعر، ثم أمر بثيابه، فغسلت، وعصب حاجبيه على جبهته، فلما نظر إلى الناس أنشأ يقول: مجزوء الكامل أَلَمرءُ يأْمُلُ أنْ يَعي ... شَ، وطولُ عَيْشٍ قَدْ يَضرّهْ تَفنى بَشاشَتُهُ، ويَبْ ... قَى بعدَ حُلوِ العَيشِ مُرّهْ وتَصَرَّمُ الأيّامُ، حتى ... لا يَرى شيئاً يَسرّهْ كم شامتٍ بي إنْ هَلَكْ ... تُ، وقائِلٍ للَّهِ دَرَّهْ ● فصل آخر عنه: قال: لما قال النابغة: الكامل أَمِنْ آلِ مَيَّةَ رائحٌ أَو مُغتَدي ... عَجْلانَ، ذا زادٍ، وغيرَ مَزَوَّدِ وقوله في البيت الثاني: زَعَمَ البَوارحُ أنّ رحلَتَنا غَداً، ... وبذاكَ خَرّرَنا الغرابُ الأسودُ هابوه أن يقولوا له لحنت، أو أكفأت، فعمدوا إلى قينته، فقالوا: غنيه! فلما غنته بالخفض والرفع فطن وقال: وبذاكَ تَنعابُ الغُرابِ الأسوَدِ وكان بدء غضب النعمان عليه أن النعمان قال: يا زياد! صف لي المتجردة، ولا تغادر منها شيئاً، وكانت زوجة النعمان، وكانت أحسن نساء زمانها، وكان النعمان قصيراً، دميماً، أبرش، وكان ممن يجالسه ويسير معه رجلٌ آخر يقال له: المنخل، كان جميلاً، وكان النابغة عفيفاً، فقال له النعمان: صف لي المتجردة، فوصفها في الشعر الذي يقول فيه: لو أَنَّها عَرَضَتْ لأَشْمَطَ راهبٍ، ... يدعو الإلَهَ، صَرورَةٍ، مُتَعَبِّدِ لَصَبَا لَبَهجتِها وطِيْبِ حَديثها، ... ولَخَالَهُ رُشْداً، وإنْ لم يَرشُدِ تَسعُ البلادُ إذا أتَيتُك زائراً، ... فإذا هجَرتُك ضاقَ عنّي مَقعدي ثم وصف جميع محاسنها، فلما بلغ إلى المعنى قال: وإذا لَمَسْتَ لَمَسْتَ أَجْثَمَ جاثِماً ... مُتَحَيِّزاً بمكانِهِ مِلءَ اليَدِ وإذا طَعَنتَ طَعَنتَ في مُسْتَهدِفٍ ... ناتيْ المَجَسَّةِ بالعَبيرِ مُقَرمَدِ وإذا نزعتَ نزعْتَ عن مُستَحصِفٍ ... نَزْعَ الحَزَوَّرِ بالرّشاءِ المُحْصَدِ وتكادُ تَنزعُ جِلدَهُ عَن مَلّةٍ ... فيها لوافحُ كالحَريقِ الموقَدِ قال: فلما سمع ذلك المنخل، وكان يغار عليها، قال: أيد الله الملك، ما يقول هذا إلا من جرب ورأى؛ فوقع ذلك في نفس النعمان وكان له أبوابٌ يقال له عصام، وكان صديقاً للنابغة، فأخبره الخبر، فهرب إلى ملوك غسان، وهم آل جفنة الذين يقول فيهم حسان بن ثابت: الكامل للَّهِ دَرّ عصابَةٍ نادَمتُهُم ... يوماً بِجِلّقَ في الزّمانِ الأوّلِ أبناءُ جَفْنَةَ حولَ قبرِ أَبيهِمُ ... عمرو بْنُ ماريةَ الكريمِ المُفضلِ بيضُ الوُجوهِ كريمةٌ أحسابُهمْ ... شُمُّ الأنوفِ مِنَ الطّرازِ الأوّلِ يُغْشَونَ حتى ما تهرُّ كلابُهُمْ ... لا يَسألونَ عن السّوادِ المُقبلِ فأقام النابغة عندهم حتى صح للنعمان براءته، فأرسل إليه، ورضي عنه، ولعصام يقول النابغة: الرجز نفسُ عِصامٍ سَوَّدَتْ عِصامَا ... وَعَلمَتْهُ الكَرَّ، والإقدامَا وجَعَلَتْهُ مَلِكاً هُمامَا وله فيه أيضاً: الوافر أَلمْ أُقْسِمْ عَلَيكَ لتُخبِرَنّي: ... أَمَحْمولٌ على النّعشِ الهُمامُ فإنّي لا أَلُومُ على دُخولٍ، ... ولكنْ ما وراءَكَ يا عِصامُ؟ فإن يَهلِكْ أبو قابوسَ يَهلِكْ ... رَبيعُ النّاسِ، والشَّهْرُ الحَرامُ ونأخُذْ بعدَهُ بِذُنابِ عَيشٍ ... أَجَبِّ الظّهرِ، لَيسَ لهُ سَنامُ تَمَخّضَتِ المَنُونُ له بيَومٍ ... أتَى، وَلِكُلِّ حامِلَةٍ تَمامُ ولَيسَ بخابىءٍ لغَدٍ طَعاماً ... حِذارَ غَدٍ، لكلِّ غَدٍ طَعامُ وكان النابغة قد أسن جداً فترك قول الشعر، فمات وهو لا يقوله.
● [ لهذا الموضوع بقية ] ●
كتاب : جمهرة أشعار العرب المؤلف : أبو زيد القرشي منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة