حكماء- Admin
- عدد المساهمات : 2700
تاريخ التسجيل : 30/12/2013
من طرف حكماء الإثنين 3 يناير 2022 - 11:19
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الإسلامية
إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان
الحمد لله الحكيم الكريم العلي العظيم السميع العليم الرءوف الرحيم الذي اسبغ على عباده النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه ان رحمته تغلب عضبه فهو ارحم بعباده من الوالدة بولدها كما هو اشد فرحا بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الارض المهلكة اذا وجدها واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له رب العالمين وارحم الراحمين الذي تعرف الى خلقه بصفاته واسمائه وتحبب اليهم باحسانه والائه واشهد ان محمدا عبده ورسوله الذي ختم به النبيين وارسله رحمة للعالمين وبعثه بالحنيفية السمحة والدين المهيمن على كل دين فوضع به الاصار والاغلال واغنى بشريعته عن طرق المكر والاحتيال وفتح لمن اعتصم بها طريقا واضحا ومنهجا وجعل لمن تمسك بها من كل ما ضاق عليه فرجا ومخرجا فعند رسول الله السعة والرحمة وعند غيره الشدة والنقمة فما جاءه مكروب الا وجد عنده تفريج كربته ولا لهفان الا وجد عنده اغاثة لهفته فما فرق بين زوجين الا عن وطر واختيار ولا شتت شمل محبين الا عن ارادة منهما وايثار ولم يخرب ديار المحبين بغلظ اللسان ولم يفرق بينهم بما جرى عليه من غير قصد الانسان بل رفع المؤاخذة بالكلام الذي لم يقصده بل جرى على لسانه بحكم الخطا والنسيان او الاكراه والسبق على طريق الاتفاق فقال فيما رواه عنه اهل السنن من حديث عائشة ام المؤمنين : لا طلاق ولا عتاق في إغلاق رواه الامام احمد وابو داود وابن ماجه والحاكم في صحيحه وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه قال ابو داود في غلاق ثم قال : والغلاق اظنه الغضب وقال حنبل : سمعت ابا عبدالله - يعني احمد بن حنبل - يقول : هو الغضب ذكره الخلال ابو بكر عبد العزيز ولفظ احمد : يعني الغضب
قال ابو بكر سالت ابا محمد وابن دريد وابا عبد الله وابا طاهر النحويين عن قوله لا طلاق ولا عتاق في اغلاق قالوا : يريد الاكراه لانه اذا اكره انغلق عليه رايه ويدخل في هذا المعنى المبرسم مكرر والمجنون فقلت لبعضهم والغضب ايضا فقال : ويدخل فيه الغضب لان الاغلاق احدهما الاكراه والاخر ما دخل عليه مما ينغلق به رايه عليه وهذا مقتضى تبويب البخاري فإنه قال في صحيحه : باب الطلاق في الاغلاق والكره والسكران والمجنون يفرق بين الطلاق وفي الاغلاق وبين هذه الوجوه وهو ايضا مقتضى كلام الشافعي فانه يسمي نذر اللجاج والغضب يمين الغلق ونذر الغلق، هذا اللفظ يريد به نذر الغظب وهو قوله غير واحد من ائمة اللغة
والقول بموجبه وهو مقتضى الكتاب والسنة واقوال الصحابة والتابعين وائمة الفقهاء ومقتضى القياس الصحيح والاعتبار واصول الشريعة
اما الكتاب فمن وجوده : احدها قوله تعالى : لا يؤاخذهم الله باللغو في ايمانكم و لكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال ابن جرير في تفسيره حدثنا ابن وكيع ثنا مالك بن اسماعيل عن خالد عن عطاء بن رستم عن ابن عباس قال : لغو اليمين ان تحلف وانت عضبان حدثنا ابن حمبد ثنا يحيى بن واضح ثنا ابو حمزة عن عطاء عن طاووس قال : كل يمين حلف عليها رجل وهو غضبان فلا كفارة عليه فيها لقوله لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم وهذا احد الاقوال في مذهب مالك ان لغو اليمين هو اليمين في الغضب وهذا اختيار اجل المالكية وافضلهم على الاطلاق وهو : القاضي اسماعيل بن اسحق فانه ذهب الى ان الغضبان لا تنعقد يمينه ولا تنافي بين هذا القول وبين قول ابن عباس وعائشة ان لغو اليمين هو قول الرجل لا والله وبلى والله وقول عائشة وغيرها ايضا : انه يمين الرجل على الشئ يعتقده كما حلف عليه فيتبين بخلافه فان الجميع من لغو اليمين والذي فسر لغو اليمين بانها يمين الغضب يقول بان النوعين الآخرين من اللغو وهذا هو الصحيح فإن الله سبحانه جعل لغو اليمين مقابلا لكسب القلب ومعلوم ان الغضبان والحالف على الشئ يظنه كما حلف عليه والقائل : لا والله وبلى والله من غير عقد اليمين لم يكسب قلبه عقد اليمين ولا قصدها والله سبحانه قد رفع المؤاخذة بلفظ جرى على اللسان لم يكسبه القلب ولا يقصده فلا تجوز المؤاخذة بما رفع الله المؤاحذة به بل قد يقال : لغو الغضبان اظهر من لغو القسمين الاخرين : لما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى
● [ فصل ] ●
الوجه الثاني من دلالة الكتاب قوله سبحانه ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي اليهم اجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون وفي تفسير ابن ابي نجيح عن مجاهد : هو قول الانسان لولده وماله اذا عضب عليهم اللهم لا تبارك فيه والعنه فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب في الخير لاهلكهم
انتهض الغضب مانعا من انعقاد سبب الدعاء الذي تاثيره في الاجابة اسرع من تاثير الاسباب في احكامها فان الله سبحانه يجيب دعاء الصبي والسفيه والمبرسم ومن لا يصح طلاقه ولا عقوده فاذا كان الغضب قد منع كون الدعاء سببا لان الغضبان لم يقصده بقلبه فان عاقلا لا يختار اهلاك نفسه واهله وذهاب ماله وقطع يده ورجله وغير ذلك بما يدعو به فاقتضت رحمة العزيز العليم ان لا يؤاخذه بذلك ولا يجيب دعاءه لانه عن غير قصد منه بل الحامل له عليه الغضب الذي هو من الشيطان
فإن قيل ان هذا ينتقض عليكم بالحديث الذي رواه ابو داود عن جابر بن عبدالله عن النبي انه قال : لا تدعوا على اولادكم ولا على اموالكم ولا تدعوا على خدمكم لاتوافقوا من الله ساعة لا يسال فيها شيئا الا اعطاه
قيل : لا تنافي بين الاية والحديث . فان الاية اقتضت الفرق بين دعاء المختار و دعاء الغضبان الذي لا يختار ما دعا به والحديث دل على : ان لله سبحانه اوقاتا لا يرد فيها داعيا ولا يسال فيها شيئا الا اعطاه
فنهى الامة ان يدعوا احدهم على نفسه او اهله او ماله خشية ان يوافق تلك الساعة فيجاب له ولا ريب ان الدعاء بالشر كثيرا مايجلب الدعاء بالخير والانسان يدعو على غيره ظلما وعدوانا مع ذلك فقد يستجاب له لكن اجابة دعاء الخير من صفة الرحمة وإجابة ضده من صفة الغضب والرحمة تغلب الغضب والمقصود ان الغضب مؤثر في عدم انعقاد السبب في الجملة
ومن هذا قوله تعالى : ويدعو الانسان بالشر دعاءه بالخير وكان الانسان عجولا
وهو الرجل يدعو على نفسه واهله بالشر في حال الغضب
● [ فصل ] ●
الوجه الثالث قوله تعالى: ولما رجع موسى الى قومه غضبان اسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي اعجلتم امر ربكم والقى الالواح واخذ براس اخيه يجره اليه قال ابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين
ووجه الاستدلال بالآية : ان موسى صلوات الله عليه لم يكن ليلقي الواحا كتبها الله تعالى فيها كلامه من على راسه الى الارض فيكسرها اختيارا منه لذلك ولا كان فيه مصلحة لبني اسرائيل ولذلك جره بلحيته وراسه وهو اخوه وانما حمله على ذلك الغضب فعذره الله سبحانه به ولم يعتب عليه بما فعل اذ كان مصدره الغضب الخارج عن قدرة العبد واختياره فالمتولد عنه غير منسوب الى اختياره ورضاه به
يوضحه الوجه الرابع وهو قوله ولما سكت موسى الغضب اخذ الالواح
فعدل سبحانه عن قوله سكن الى قوله سكت تنزيلا للغضب منزلة السلطان الآمر الناهي الذي يقول لصاحبه : افعل لا تفعل فهو مستجيب لداعي الغضب الناطق فيه المتكلم على لسانه فهو اولى بان يعذر من المكره الذي لم يتسلط عليه غضب يأمره وينهاه كما سياتي تقريره بعد هذا ان شاء الله واذا كان الغضب هو الناطق على لسانه الامر الناهي له لم يكن ما جرى على لسانه في هذا الحال منسوبا الى اختياره ورضاه فلا يتم عليه اثره
الوجه الخامس قوله تعالى واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله في ثلاثة مواضع من القران
وما يتكلم به الفضبان في حال شدة غضبه من طلاق و أو شتم ونحوه هو من : نزغات الشيطان فإنه يلجئه الى ان يقول ما لم يكن مختارا
لقوله : فإذا سرى عنه علم ان ذلك من القاء الشيطان على لسانه مما لم يكن يرضاه واختياره
● والغضب من الشيطان واثره منه
كما في الصحيح ان رجلين استبا عند النبي حتى احمر وجه احدهما وانتفخت اوداجه فقال النبي اني لاعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم وفي السنن ان النبي قال ان الغضب من الشيطان وان الشيطان من النار وانما تطفأ النار بالماء فاذا غضب احدكم فليتوضا واذا كان هذا السبب واثره من الجاء الشيطان لم يكن من اختيار العبد فلا يترتب عليه حكمه
● [ فصل ] ●
فاما دلالة السنة فمن وجوه
احدهما حديث عائشة المتقدم وهو قوله لا طلاق ولا عتاق في اغلاق . وقد اختلف في الاغلاق فقال اهل الحجاز : هو الاكراه . وقال اهل العراق : هو الغضب وقالت طائفة : هو جمع الثلاث بكلمة واحدة
حكى الاقوال الثلاثة صاحب كتاب مطالع الانوار وكان الذي فسره بجمع الثلاث اخذه من التغليق وهو ان المطلق غلق طلاقه كما يغلق صاحب الدين ما عليه وهو من غلق الباب فكأنه اغلق على نفسه باب الرحمة بجمعه الثلاث فلم يجعل له الشارع ذلك ولم يملكه اياه رحمة به انما ملكه طلاقا يملك فيه الرجعة بعد الدخول وحجر عليه في وقته ووضعه وقدره
فلم يملكه اياه في وقت الحيض ولا في وقت طهر جامعها فيه ولم يملكه ان يبينها بغير عوض بعد الدخول
فيكون قد غير صفة الكلام وهذا عند الجمهور فلو قال لها : انت طالق طلقة لا رجعة لي فيها او طلقة بائنة لغا ذلك وثبتت له الرجعة وكذلك لم يملكه جمع الثلاث في
مرة واحدة بل حجر عليه في هذا وهذا وكان ذلك من حجة من لم يوقع الطلاق المحرم و لا الثلاث بكلمة واحدة لانه طلاق محجور على صاحبه شرعا وحجر الشارع يمنع نفوذ التصرف وصحته كما يمنع نفوذ التصرف في العقود المالية فهذه حجة من اكثر من ثلاثين حجة ذكروها على كلام وقع الطلاق المحجور على المطلق فيه
والمقصود هاهنا ان هؤلاء فسروا الاغلاق بجمع الثلاث لكونه اغلق على نفسه باب الرحمة الذي لم يغلقه الله عليه الا في المرة الثالثة واما الآخرون فقالوا : الاغلاق مأخوذ من اغلاق الباب وهو ارتاجه واطباقه فالأمر المغلق ضد الامر المنفرج والذي اغلق عليه الامر ضد الذي فرج له وفتح عليه فالمكره مكرر الذي اكره على امر ان لم يفعله والا حصل له من الضرر ما اكره عليه قد اغلق عليه باب القصد والارادة لما اكره عليه فالاغلاق في حقه بمعنى اغلاق ابواب القصد والارادة له فلم يكن قلبه منفتحا لارادة القول والفعل الذي اكره عليه ولا لاختيارهما فليس مطلق الارادة والاختيار بحيث ان شاء طلق وان شاء لم يطلق وان شاء تكلم وان شاء لم يتكلم بل اغلق عليه باب الارادة الا للذي قد اكره عليه
ولهذا قال النبي لايقل احدكم اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني ان شئت ولكن ليعزم المسالة فان الله لا مكره له فبين النبي ان الله لا يفعل الا اذا شاء بخلاف المكره الذي يفعل ما لا يشاؤه فانه لا يقال يفعل ما يشاء الا اذا كان مطلق الدواعي وهو المختار واما من الزم بفعل معين فلا ولهذا يقال المكره غير مختار ويجعل قسيم المختار لا قسما منه ومن سماه مختارا فانه يعني ان له ارادة واختيارا بالقصد الثاني فانه يريد الخلاص من الشر ولا خلاص له الا بفعل ما اكره عليه فصار مريدا له بالقصد الثاني لا بالقصد الاول
والغضبان الذي يمنعه الغضب من معرفة ما يقول وقصده فهذا من اعظم الاغلاق وهو في هذا الحال بمنزلة المبرسم والمجنون والسكران بل اسوا حالا من السكران لان السكران لا يقتل نفسه ولا يلقي ولده من علو والغضبان يفعل ذلك وهذا لا يتوجه فيه نزاع انه لا يقع طلاقه والحديث يتناول هذا القسم قطعا
● وحينئذ فنقول الغضب ثلاثة اقسام :
● احدها ان يحصل للانسان مبادئه واوائله بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه ويعلم ما يقول وما يقصده فهذا لا اشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده ولا سيما اذا وقع منه ذلك بعد تردده فكره
● القسم الثاني ان يبلغ به الغضب نهايته بحيث ينغلق عليه باب العلم والارادة فلا يعلم ما يقول ولا يريده فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه كما تقدم والغضب غول العقل فاذا اغتال الغضب عقله حتى لم يعلم ما يقول فلا ريب انه لا ينفذ شىء من اقواله في هذه الحالة فإن اقوال المكلف انما مع علم القائل بصدورها منه ومعناها وارادته للتكلم بها
فالاول يخرج النائم والمجنون والمبرسم والسكران وهذا الغضبان والثاني يخرج من تكلم باللفظ وهو لا يعلم معناه البتة فإنه لا يلزم مقتضاه والثالث يخرج من تكلم به مكرها وان كان عالما بمعناه
● القسم الثالث من توسط في الغضب بين المرتبتين فتعدى مبادئه ولم ينته الى اخره بحيث صار كالمجنون فهذا موضع الخلاف ومحل النظر والادلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده التي يعتبر فيها الاختيار والرضا وهو فرع من الاغلاق كما فسره به الائمة وقد ذكرنا دلالة الكتاب على ذلك من وجوه
واما دلالة السنة فمن وجوه احدهما حديث عائشة وقد تقدم ذكر وجه دلالته . الثاني ما رواه احمد والحاكم في مستدركه من حديث عمران بن حصين قال : قال رسول الله : لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين وهو حديث صحيح وله طرق
وجه الاستدلال به انه الغي وجوب الوفاء بالنذر اذا كان في حال بالغضب مع ان الله سبحانه وتعالى اثنى على الموفين بالنذور وامر النبي الناذر لطاعة الله بالوفاء بنذره
وقال من نذر ان يطيع الله فليطعمه ومن نذر ان يعصيه فلا يعصه
فاذا كان النذر الذي اثنى الله من اوفى به وامر رسوله بالوفاء بما كان منه طاعة قد اثر الغضب في انعقاده لكون الغضبان لم يقصده وانما حمله على بيانه الغضب فالطلاق بطريق الاولى و الأحرى
فإن قيل : فكيف رتب عليه كفارة اليمين قيل ترتب الكفارة عليه لا يدل على ترتب موجبه ومقتضاه عليه والكفارة لا تستلزم التكليف ولهذا تجب في مال الصبي والمجنون اذا قتلا صيدا او غيره وتجب على قاتل الصيد ناسيا او مخطئا وتجب على من وطئ في نهار رمضان ناسيا عند الاكثرين فلا يلزم من ترتب الكفارة اعتبار كلام الغضبان وهذا هو الذي يسميه الشافعي نذر الغلق ومنصوصه عدم وجوب الوفاء به اذا حلف به بل يخير بينه وبين الكفارة
وحكى له قول آخر بتعين الكفارة عينا
وقول اخر بعين الوفاء به اذا حنث كما يلزمه الطلاق والعتاق وهذا قول مالك واشهر الروايتين عن ابي حنيفة
الثالث ماثبت في الصحيح عنه انه قال : لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان
ولولا ان الغضب يؤثر في قصده وعلمه لم ينهه عن الحكم حال الغضب وقد اختلف الفقهاء في صحة حكم الحاكم في حال غضبه على ثلاثة اقوال سنذكرها بعد ان شاء الله
● [ فصل ] ●
وأما اثار الصحابة فمن وجوه
أحدها ماذكره البخاري في صحيحه عن ابن عباس انه قال الطلاق عن وطر والعتق ما ينبغي به وجه الله فحصر الطلاق فيما كان عن وطر وهو الغرض المقصود والغضبان لا وطر له وهذا في الطلاق عن ابن عباس نظير قوله وقول اصحابه لغو اليمين ان تحلف وانت غضبان
الوجه الثاني ان الزهري روى عن ابان بن عثمان عن عثمان انه رد طلاق السكران ولا يعرف له مخالف من الصحابة وهذا هو الصحيح وهو الذي رجع اليه الامام احمد اخيرا قال في رواية ابي طالب والذي لا يأمر بالطلاق فإنما اتى خصلة واحدة والذي يامر الطلاق قد اتى خصلتين حرمها عليه واحلها لغيره فهذا خير من هذا وانا اتقي جميعها وقال في رواية عبدالله الميموني قد كنت اقول : ان طلاق السكران يجوز حتى تبينته فغلب علي انه لا يجوز طلاقه لان لو اقر لم يلزمه ولو باع لم يجز بيعه قال : والزمه الجناية وما كان من غير ذلك فلا يلزمه
قال ابو بكر : وبهذا اقول وقال في رواية ابي الحرث : ارفع شئ في حديث الزهري عن ابان بن عثمان عن عثمان : ليس لمجنون ولا سكران طلاق وهو اختيار الطحاوي وابي الحسن الكرخي وامام الحرمين وشيخ الإسلام ابن تيمية واحد قولي الشافعي
واذا كان هؤلاء لا يوقعون طلاق السكران لانه غير قاصد للطلاق فمعلوم ان الغضبان كثيرا ما يكون اسوا حالا من السكران
والسكر نوعان : سكر طرب وسكر غضب وقد يكون هذا اشد وقد يكون الآخر اشد فاذا اشتد به الغضب حتى صار كالسكران كان اولى بعدم وقوع الطلاق منه لانه يعذر ما لا يعذر السكران ويبلغ به الغضب اشد ما يبلغ به السكران كما يشاهد من حال السكران الغضبان
كتاب : إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان
المؤلف : محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية
منتدى ميراث الرسول - البوابة