منتدى حكماء رحماء الطبى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    حكم طلاق الغضبان [ 2 ]

    avatar
    حكماء
    Admin


    عدد المساهمات : 2700
    تاريخ التسجيل : 30/12/2013

    حكم طلاق الغضبان [ 2 ] Empty حكم طلاق الغضبان [ 2 ]

    مُساهمة من طرف حكماء الثلاثاء 4 يناير 2022 - 8:48

    حكم طلاق الغضبان [ 2 ] Eslam_11

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة الإسلامية
    إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان
    حكم طلاق الغضبان [ 2 ] 1410
    ● [ فصل ] ●

    واما الاعتبار واصول الشريعة فمن وجوه :
    الاول : ان المؤاخده انما ترتبت على الاقوال لكونها ادلة على ما في القلب من كسبه وارداته
    كما قال تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم
    فجعل سبب المؤاخذة كسب القلب وكسبه هو ارادته وقصده ومن جرى على لسانه الكلام من غير قصد واختيار بل لشدة غضب وسكر او غير ذلك لم يكن من كسب قلبه
    ولهذا لم يؤاخذ الله سبحانه الذي اشتد فرحه بوجود راحلته بعد الاباس منها فلما وجدها اخطا من شدة الفرح وقال : اللهم انت عبدي وانا ربك فجرى هذا اللفظ على لسانه من غير قصد فلم يؤاخذه كما يجري الغلط في القران على لسان القارىء
    ولكن قد يقال هذا قصد الصواب فاخطا فلم يؤاخذ اذا كان قصده ضد ما تكلم به بخلاف الغضبان اذا طلق فانه قاصد للطلاق
    قيل لا كلام في الغضبان العالم بما يقول القاصد المختار لحكمه دفعا لمكروه
    البقاء مع الزوجة وانما الكلام في الذي اشتد غضبه حتى الجاه الشيطان الى التكلم بما لم يكن مختارا للتكلم به كما يلجئه الى فعل ما لم يكن لولا الغضب يفعله
    يوضحه الوجه الثاني وهو : ان الارادة فيه هو محمول عليها ملجأ اليه كالمكره بل المكره احسن حالا منه فان له قصدا وارادة حقيقة لكن هو محمول عليه وهذا ليس له قصد في الحقيقة فاذا لم يقع طلاق المكره فطلاق هذا اولى بعدم الوقوع
    يوضحه الوجه الثالث وهو : ان الامر الحامل المكره على التكلم بالطلاق يشبه الحامل للغضبان على التكلم به فان المتكلم مكرها انما يقصد الاستراحة من توقع ما اكره به ان لم يباشر به او من حصوله ان كان قد باشره بشئ منه فيتكلم بالطلاق قاصدا لراحته من الم ما اكره به وهكذا الغضبان فإنه اذا اشتد به الغضب يألم بحمله فيقول ما يقول ويفعل ما يفعل ليدفع عن نفسه حرارة الغضب فيستريح بذلك وكذلك يلطم وجهه ويصيح صياحا قويا ويشق ثيابه ويلقي ما في يده دفعا لالم الغضب والقاء لحمه منه وكذلك يدعو على نفسه واحب الناس اليه فهو يتكلم بصيغة الطلب والاستدعاء والدعاء وهو غير طالب لذلك في الحقيقة فكذلك يتكلم بصيغة الانشاء وهو غير قاصد لمعناها ولهذا يأمر الملوك وغيرهم عند الغضب بامور يعلم خواصهم انهم تكلموا بها دفعا لحرارة الغضب وانهم لا يريدون مقتضاها فلا يمتثله خواصهم بل يؤخرونه فيحمدونهم على ذلك اذا سكن غضبهم وكذلك الرجل وقت شدة الغضب يقوم ليبطش بولده او صديقه فيحول غيره بينه وبين ذلك فيحمدهم بعد ذلك كما يحمد السكران والمحموم ونحوهما من يحول بينه وبين ما يهم بفعله في تلك الحالة
    الوجه الرابع : ان العاقل لا يستدعي الغضب ولا يريده بل هو اكره شئ اليه
    وهو كما قال النبي : جمرة في قلب ابن ادم اما رأيتم من احمرار عينيه وانتفاخ اوداجه والعاقل لا يقصد القاء الجمرة في قلبه فهو ناشئ فيه بغير اختياره واذا كان هو السبب الحامل على المتكلم بالطلاق وغيره لم يكن ذلك ايضا مضافا الى اختياره وارادته وهذا كما ان ارادة السبب ارادة للمسبب فكراهة السبب وبغضه كراهة للمسبب
    يوضحه الوجه الخامس وهو : انك تقول للغضبان اذا اشتد غضبه ففعل ما لم يكن يفعله او تكلم بما لم يكن يتكلم به قبل الغضب : هل اردت ذلك او قصدته ؟ فيحلف انه ما اراده ولا قصده ولا كان له باختيار ويحلف انه وقع بغير اختيار ولا تنكر هذا فانك تجده من نفسك وتحقيق الامر ان له فيه ارادة هو : محمول عليها حملة عليها الغضب فهي : كارادة المكره بل المكره ادخل في الارادة كما تقدم وهذا يدل على ان الغضبان اولى بعدم الوقوع من المكره
    يوضحه الوجه السادس وهو : ان الخوف في قلب المكره كالغضب في قلب الغضبان لكن المكره مقهور بغيره من خارج والغضبان مقهور بغضبه الداخل فيه وقهر الاكراه يبطل حكم الاقوال التي اكره عليها ويجعلها بمنزلة كلام النائم والمجنون دون حكم الافعال فانه يقتل اذا قتل ويضمن اذا تلف فكذلك قهر الغضب يبطل حكم اقوال الغضبان دون أفعاله حتى لو قتل في هذه الحالة قتل أو أتنلف شيئا ضمنه هذا كله في الغضبان الذي يكره ما قاله حقيقة فاما من هو مريد له على تقدير عدم غضبه لاقتضاء السبب ذلك فليس من هذا الباب كمن زنت امراته فغضب فطلقها لانه لا يرى المقام مع زانية فلم يقصد بالطلاق اطفاء نار الغضب بل التخلص من المقام مع زانية فهذا يقع طلاقة فتأمل هذا الفرق فانه حرف المسالة ونكتتها وهذا بخلاف من خاصمته امرأته وهو يعلم من نفسه ارادة المقام معها على الخصومة وسوء الخلق ولكن حملة الغضب على ان شفي نفسه بالتكلم بالطلاق كسرا لها واطفاء لنار غضبه
    يوضحه الوجه السابع وهو : ان الغضبان يفعل امورا من شق الثياب واتلاف المال وغير ذلك مما لو اكره حتى يتكلم بالطلاق لم ينفذ طلاقه ولغت اقواله فاذا فعل هو هذه الامور علم ان الذي الجأه اليها اعظم من الاكراه فإن المكره لو اكره بها لم يفعلها وهذا قد فعلها ان المقتضي لفعلها فيه اولى من اقتضاء الاكراه لفعلها والمكره لو فعل به ذلك كان مكرها فالغضبان كذلك وهذا واضح جدا
    فإن قيل : المكره اذا تكلم بما اكره عليه دفع عنه الضرر والغضبان لا يدفع عنه بهذا القول ضررا فليس كالمكره
    قيل لا ريب انهما يفترقان في هذا الوجه ولكن لا يوجب ذلك ان يكون الغضبان مختارا مريدا لما قاله او فعله بك اكره شئ اليه وهذا امر لا يمكن دفعه
    فإن قيل : فما الحامل على ما يكره ويؤديه من غير ان يتوصل به الى ما هو احب اليه منه ؟
    قيل لما كان الغضب عدو العقل وهو له كالذئب للشاة قل ما يتمكن منه الا اغتال عقله فقد ازاله الغضب واطفا ناره وهذا مقصود صحيح في نفسه لكن لما غاب عنه عقله قصد ازالة ذلك مما فيه ضرر عليه ليخفف عن نفسه ما هو فيه من البلاء ولولا ذلك لم يفعل ما لا يفعله في الرضا ولا تكلم بما لم يكن به فهو قصد ان يستريح ويسكن ويبرد غضبه بتلك الاقوال والافعال وان لم يدفع ذلك عنه بجملته تلك الشدة فانها تخفف وتضعف فاقتضت رحمة الشارع به ان الغي اقواله في هذه الحال ان تمكن ان لا يترتب عليها اثرها وتكون كأقوال المبرسم والمجنون الهاجر ونحوهما و اما الافعال فلا يمكن الغاء اثرها فرتب عليه موجب فعله
    فإن قيل : فيلزمكم على هذا انه لوحلف في هذه الحال ان لا تنعقد يمينه
    قيل قد قال بذلك جماعة من السلف والخلف واختاره من لايرتاب في امامته وجلالته وكان يقرن بالائمة الكبار اسماعيل بن اسحاق القاضي
    فان قيل لكن المنقول عن الصحابة وجمهور التابعين والائمة الاربعة اعتبار نذر اللجاج والغضب وان تنازعوا في موجبه فاوجب مالك واهل العراق الوفاء به كنذر التبرر وخبر الليث بن سعد والشافعي واحمد بن حنبل بين فعله وبين فعله وبين كفارة اليمين ولم يقل احد منهم : انه لا ينعقد وانه لغو
    وقد ذكر الله تعالى الكفارة في الايمان كلها ولم يحصل منها يمين الغضب دون يمين الرضا
    قيل نعم هذا حق ولكن اليمين لما قصد صاحبها الحض او المنع كانت الكفارة رافعة لما حصل بها من الضرر بخلاف الطلاق والعتاق فانهما اتلاف محض لملك البضع والرقبة ولا كفارة فيهما فالضرر الحاصل بوقوعهما لا يندفع بكفارة ولا غيرها وكما انه يفرق في الاكراه بين نوع ونوع فالاكراه يبيح الاقوال عندنا وعند الجمهور وكل قول اكره عليه بغير حق فانه باطل وابو حنيفة يفرق بين نوع ونوع والاكراه على الافعال ثلاثة انواع . نوع لا يباح بالاكراه كقتل المعصوم واتلاف اطرافه ونوع يبيحه الاكراه بشرط الضمان كاتلاف مال المعصوم . ونوع مختلف فيه كالزنا والشرب والسرقة وفيه روايتان عن الامام احمد فما امكن تلافيه ابيح بالاكراه كالاقوال والاموال وما كان ضرره كضرر الاكراه لم يبح به كالقتل فانه ليس قتل المعصوم بحياة المكره اولى من العكس
    واما الافعال كالقران يدل على رفع الاثم فيها . كقوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فان الله من بعد اكراههن غفور رحيم
    الوجه الثامن : ان النبي شرع للغضبان ان يقول : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم وان يتوضا وان يتحول عن حالته فإن كان قائما فليقعد واذا كان قاعدا فليضطجع
    قال : ان الغضب من الشيطان وان الشيطان من النار وانما تطفا النار بالماء فاذا غضب احدكم فليتوضا
    وهذا يدل على انه محمول عليه من غيره وان الشيطان يغضبه ليحمله بغضبه على فعل ما يحبه الشيطان وعلى التكلم به وما يضاف الى الشيطان مما يكره العبد ولا يحبه فلا يؤاخذ به الانسان كالوسوسة والنسيان
    كما قال فتى موسى لموسى وما انسانيه الا الشيطان ان اذكره فالله تعالى لا يؤاخذ بالوسوسة ولا بالنسيان اذ هما من اثر فعل الشيطان في القلب وقد اخبر النبي ان الغضب من الشيطان فيكون اثره مضافا اليه ايضا فلا يؤاخذ به العبد كاثر النسيان فإنه لو حلف ان لايتكلم بكذا فتكلم به ناسيا لم يحنث لعدم قصده وارادته لمخالفة ما عقد يمينه عليه وان كان قاصدا للكلام فانه لم يقع منه الا بقصده وارادته وهذه حال الغضبان فانه لم يقصد حقيقة ما تكلم به وموجبه بل جرى على لسانه كما جرى كلام الناسي على لسانه بل قصد الناسي للتكلم اظهر من قصد الغضبان ولهذا يقول الناسي : قصدت ان اقول كذا وكذا والغضبان يحلف انه لم يقصد
    الوجه التاسع : ان المقصود في العقود معتبرة في عقدها كلها والغضبان ليس له قصد معتبر في حل عقدة النكاح كما ليس له قصد في قتل نفسه وولده واتلاف ماله فانه يفعل في الغضب هذا ويقول : هذا فاذا لم يكن له قصد معتبر لم يصح طلاقه
    فإن قيل : هذا ينقص عليكم بالهازل فانه يصح طلاقه وان لم يكن له فيه قصد
    قيل : الفرق بينهما : ان الهازل قصد التكلم باللفظ واراده رضا واختيار منه لم يحمل على التلفظ به وغايته ان لم يرد حكمة وموجبه وذلك الى الشارع ليس اليه فالسبب الذي اليه قد اتى به اختيارا وقصدا مع علمه به لم يحمل عليه والسبب الى المشرع ليس اليه فلا يصح اعتبار احدهما بالاخر وكيف يقاس الغضبان على المتخذ ايات الله هزؤا وهذا من افسد القياس ؟
    الوجه العاشر ان الغضب مرض من الامراض وداء من الادواء فهو في امراض القلوب نظير الحمى والوسواس والصرع في امراض الا بدان فالغضبان المغلوب في غضبه كالمريض والمحموم والمصروع المغلوب في مرضه والمبرسم المغلوب في برسامه وهذا قياس صحيح في الغضبان الذي قد اشتد به الغضب حتى لايعلم ما يقول واما اذا كان يعلم ما يقول ولكن يتكلم به حرجا وضيقا وغلقا لاقصدا للوقوع فو يشبه المبرسم والهاجر من الحمى من وجه ويشبه المكره القاصد للتكلم من وجه ويشبه المختار القاصد للطلاق من وجه فهو متردد بين هذا وهذا وهذا ولكن جهة الاختيار والقصد فيه ضعيف فإنه يعلم من نفسه انه لم يكن مختارا لما صدر منه من خراب بيته وفراق حبيبه وكونه يراه في يد غيره فان كان عاقلا لايختار هذا الا ليدفع به ما هو اكره اليه منه او ليحصل به ما هو احب اليه فاذا انتفى هذا او هذا لم يكن مختارا لذلك وهذا امر يعلمه كل انسان من نفسه فصار تردده بين المريض المغلوب والمكره المحمول على الطلاق وايهما كان فانه لاينفذ طلاقه
    فان قيل الفرق بينهما ان المريض المغلوب لا يملك نفسه في الحال والمكره وان يملك نفسه لكنه لا يملك دفع المكروه عنه واما الغضبان فإنه يملك نفسه
    كما قال النبي ليس الشديد بالصرعه ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب
    قيل : من الغضب ما يمكن صاحبه ان يملك نفسه عنده وهو الغضب في مبادئه فإدا استحكم وتمكن منه لم يملك نفسه عند ذلك وكذلك الحزن الحامل على الجزع يمكن صاحبه ان يملك نفسه في اوله فاذا استحكم وقهر لم يملك نفسه وكذلك الغضب يمكن صاحبه ان يملك نفسه في اوله فاذا تمكن واستولى سلطانه على القلب لم يملك صاحبه قلبه فهو اختياري في اوله اضطراري في نهايته كما قال القائل : ... يا عاذلي والامر في يده ... هلا عذلت وفي يدي الأمر ...
    وهكذا السكران سبب السكر مقدور له يمكنه فعله وتركه فإذا اتى بالسبب خرج الأمر عن يده ولم يملك نفسه عند السكر فاذا كان السكر الذي هو مفرط بتعاطي اسبابه ويقدر على ملك نفسه باجتنابها قد عذر الصحابة وغيرهم من الفقهاء صاحبة اذا طلق في هذه الحال مع كونه غير مغدور في تعاطي سببه فلان يعذر سكران الغضب الذي لم يفر مع شدة سكره على سكر الخمر اولى واحرى
    الوجه الحادي عشر وهو ان من الناس من اذا لم ينفذ غضبه قتله غضب غضبه ومات اومرض او اغشي عليه كما يذكر عن بعض العرب ان رجلا سبه فاراد ان يرد على الساب فامسك جليس له بيده على فمه ثم رفع يده لما ظن ان غضبه قد سكن فقال : قتلتني رددت غضبي في جوفي ومات من ساعته فاذا نفذ مثل هذا غضبه بقتل او ظلم لغيره لم يعذر بذلك السكران واما اذا نفذ بقول فانه يمكن اهدار قوله وان لا يترتب اثره عليه كما اهدر الله سبحانه دعاءه و لم يرتب اثره عليه ولم يستجبه له ولهذا ذهب بعض الفقهاء الى انه لا يجلد القذف في حال الخصومة والغضب وانما يجلد به اذا اتى به اختيارا وقصدا لقذفه وهو قول قوي جدا ويدل عليه ان الخصم لا يعذر بجرحه لخصمه وطعنه فيه حال الخصومة بقوله : هو فاجر ظالم غاشم يحلف على الكذب ونحو ذلك :
    ومن يحده في هذه الحال يفرق بين قذفه وطلاقة بان القدف حق لادمي وانتهاك لعرضه او قدحه في نفسه فيجري مجرى اتلاف نفسه وماله فلا يعذر فيه بالغضب لا سيما ولو عذر فيه بذلك لامكن كل قاذف ان يقول في حال الغضب فيسقط الحد بخلاف الطلاق فانه يمكن ان يدين فيما بينه وبين الله والحق لا يعدوه
    والمقصود انه اذا تكلم بالطلاق دواء لهذا المرض وشفاء له باخراج هذه الكلمة من صدره وتنفسه بها فمن كمال هذه الشريعة ومحاسنها وما اشتملت عليه من الرحمة والحكمة والمصلحة ان لا يؤاخذبها ويلزم بموجبها وهو لم يلتزمه
    الوجه الثاني عشر : ان قاعدة الشريعة ان العوارض النفسية لها تأثير في القول اهدارا واعتبارا واعمالا والغاء وهذا كعارض النسيان والخطأ والاكراه والسكر والجنون والخوف والحزن والغفلة والذهول ولهذا يحتمل من الواحد من هؤلاء من القول ما لا يحتمل من غيره ويعذر بما لا يعذر به غيره لعدم تجرد القصد و الارادة ووجود الحامل على القول ولهذا كان الصحابة يسال احدهم الناذر : في رضا قلت ذلك ام في غضب ؟ فان كان في غضب امره بكفارة يمين لانهم استدلوا بالغضب على ان مقصوده الحض والمنع كالحلف لا التقرب
    وقد قال تعالى ياايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون
    فجعل عارض السكر مانعا من اعتبار قراءة السكران وذكره وصلاته كما
    جعله النبي مانعا من صحة اقراره لما امر باستنكاه من اقر بين يديه بالزنا
    وجعله مانعا من تكفير من قال له ولاصحابه : هل انتم الا عبيد لابي
    وجعل الله سبحانه الغضب مانعا من إجابة الداعي على نفسه واهله
    وجعل سبحانه الاكراه مانعا من كفر المتكلم بكلمة الكفر
    وجعل الخطأ والنسيان مانعا من المؤاخذة بالقول والفعل
    وعارض الغضب قد يكون اقوى من كثير من هذه العوارض فإذا كان الواحد من هؤلاء لا يترتب على كلامه مقتضاه لعدم القصد فالغضبان الذي لم يقصد ذلك ان لم يكن اولى بالعذر منهم لم يكن دونهم
    يوضحه الوجه الثالث عشر: ان الطلاق في حال الغضب له ثلاث صور احداها ان يبلغه عن امراته امر يشتد غضبه لاجله ويظن انه حق فيطلقها لاجله ثم يتبين انها بريئة منه
    فهذا في وقوع الطلاق به وجهان اصحهما انه لا يقع طلاقه لانه انما طلقها لهذا السبب والعلة والسبب كالشرط فكانه قال ان كانت فعلت ذلك فهي طالق فاذا لم تفعله لم يوجد الشرط وقد ذكر المسالة بعينها ابو الوفاء ابن عقيل وذكر الشريف ابن ابي موسى في ارشاده فيما اذا قال انت طالق ان دخلت الدار بفتح الهمزة مرارا وهو يعرف العربية ثم تبين انها لم تدخل لم تطلق ولا يقال هو ها هنا قد صرح بالتعليل بخلاف ما اذا لم يصرح به فان هذا لا تأثير له فإنه قد أوقع الطلاق لعلة فاذا انتفت العلة تبينا انه لم يكن مريدا لوقوعه بدونها سواء صرح بالعلة او لم يصرح بها وغاية الامر ان تكون العلة بمنزلة الشرط وهو لو قال انت طلق وقال اردت ان فعلت كذا وكذا دين فيما بينه وبين الله تعالى وقد ذكر اصحاب الشافعي احمد فيما اذا كاتب عبده على عوض فاداه اليه فقال : انت حر ثم تبين ان العوض مستحق لم يعتق مع تصريحه بالحرية فالطلاق اولى بعدم الوقوع في هذه الصورة
    الصورة الثانية ان يكون قد غضب عليها لامر قد علم وقوعه منها فتكلم بكلمة الطلاق قاصدا للطلاق عالما بما يقول عقوبة لها على ذلك فهذا يقع طلاقه اذ لو يقع هذا الطلاق لم يقع اكثر الطلاق فانه غالبا يقع مع الرضا 92 مكرر
    الصورة الثالثة : ان لايقصد امرا بعينه ولكن الغضب حمله على ذلك وغير عقله ومنعه كمال التصور والقصد فكان بمنزلة الذي فيه نوع من السكر والجنون فليس هو غائب العقل بحيث لا يفهم ما يقول بالكلية ولا هو حاضر العقل بحيث يكون قصده معتبرا فهذا لا يقع به الطلاق ايضا كما لا يقع بالمبرسم والمجنون
    يوضحه الوجه الرابع عشر: ان المجنون والمبرسم والموسوس والهاجر قد يشعر احدهم بما قاله ويستحي منه وكذلك السكران ولهذا لم يشترط اكثر الفقهاء في كونه سكران ان يعدم تمييزه بالكلية
    بل قد قال الامام احمد وغيره : انه الذي يخلط في كلامه ولا يعرف رداءه من رداء غيره وفعله من فعل غيره
    والسنة الصريحة الصحيحة تدل عليه فان النبي امر ان يستنكه من اقر بالزنا مع انه حاضر العقل والذهن يتكلم بكلام مفهوم ومنتظم صحيح الحركة ومع هذا فجوز النبي ان يكون به سكر يحول بينه وبين كمال عقله وعلمه فامر باستنكاهه
    والمقصود ان هؤلاء ليسوا مسلوبي التمييز بالكلية وليسوا كالعقلاء الذين لهم قصد صحيح فان ماعرض لهم اوجب تغير العقل الذي منع صحة القصد فلم يبق احدهم يقصد قصد العقلاء الذي مراده جلب ما ينفع ودفع ما يضر فلم يتصور احدهم لوازم ما تكلم به ولا غاب عقله عن الشعورية بل هو ناقص التصور ضعيف القصد والغضبان في حال غضبه قد يكون اسوا حالا من هؤلاء واشبه بالمجانين ولهذا يقول ويفعل مالا يقوله المجنون ولا يفعله
    فإن قيل فهل يحجر عليه في هذه الحال كما يحجر على المجنون قيل لا والفرق بينهما ان هذه الحالة لا تدوم فهو كالذي يجن احيانا نادرا ثم يفيق فانه لا يحجر عليه نعم لو صدر منه تلك الحال قول عن غير قصد منه كان مثل القول الصادر عن المجنون في عدم ترتب اثره عليه ولا ريب انه قد يحصل للغضبان اغماء وغشي وهو في هذه الحالة غير مكلف قطعا كما يحصل ذلك للمريض فيزيل تكليفه حال الاغماء حتى ان بعض الفقهاء لا يوجب عليه قضاء الصلاة في هذه الحالة الحاقا بالمجنون
    كما يقوله الشافعي واحمد يوجب عليه القضاء الحاقا له بالنائم
    وابو حنيفة يفرق بين الطويل والزائد على اليوم والليلة فيحلفه بالمجنون وبين القصير الذي هو دون ذلك فيلحقه بالنوم
    وقد ينكر كثير من الناس ان الغضب يزيل العقل ويبلغ بصاحبه الى هذه الحالة فإنه لا يعرف من الغضب الا ما يجد من نفسه وهو لم يعلم غضبا انتهى الى هذه الحالة وهذا غلط فان الناس متفاوتون في الغضب تفاوتا عظيما فمنه ما هو كالنشوة ومنه ما هو كالسكر ومنه ماهو كالجنون ومنه ما هو سريع الحصول سريع الزوال وعكسه ومنه سريع الحصول بطئ الزوال وعكسه
    كما قسمه النبي صلى الله عليه وسلم الى هذه الاقسام
    وقوى الناس متفاوته تفاوتا عظيما في ملك تقواهم عند الغضب والطمع والحزن والخوف والشهوة فمنهم من يملك ذلك ويتصرف فيه ومنهم من يملكه ذلك ويتصرف فيه

    حكم طلاق الغضبان [ 2 ] Fasel10

    كتاب : إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان
    المؤلف : محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية
    منتدى ميراث الرسول - البوابة
    حكم طلاق الغضبان [ 2 ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 24 نوفمبر 2024 - 10:18