من طرف حكماء الخميس 2 أكتوبر 2014 - 9:10
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
الأصول في النحو
● [ شرح الثالث : وهو المصدر ] ●
أعلم : أن المصدر يعمل عمل الفعل لأن الفعل اشتق منه وبُنيَ مثله للأزمنة الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل نقول من ذلك : عجبت من ضرب زيد عمراً إذا كان زيد فاعلاً وعجبت من ضرب زيد عمروٌ
إذا كان زيدٌ مفعولاً وإن شئت نونت المصدر وأعربت ما بعده بما يجب له لبطلان الإِضافة فاعلاً كان أو مفعولاً فقلت : عجبت من ضرب زيد بكراً ومن ضرب زيداً بكر وتدخل الألف واللام على هذا فتقول عجبت من الضرب زيداً بكرا ولا يجوز أن تخفض ( زيداً ) من أجل الألف واللام لأنهما لا يجتمعان والإِضافة كالنون والتنوين
وقال قوم : إذا قلت : أردت الضرب زيداً إنما نصبته بإضمار فعل لأن الضرب لا ينصب وهو عندي قول حسن
واعلم : أنه لا يجوز أن يتقدم الفاعل ولا المفعول الذي مع المصدر على المصدر لأنه في صلته وكذلك إن وكد ما في الصلة أو وصف لو قلت : دارك أعجب زيداً دخول عمرو فتنصب الدار بالدخول كان خطأ
وقال قوم إذا قلت : أعجبني ضرب زيداً فليس من كلام العرب أن ينونوا وإذا نونت عملت بالفاعل والمفعول ما كنت تعمل قبل التنوين قالوا : فإن أشرت إلى الفاعل نصبت فقلت : أَعجبني ضربٌ زيداً وإن شئت رفعت وأردت : أعجبني أن ضُرِبَ زيد
[ مسائل من هذا الباب ]
تقول : أعجب ركوبك الدابة زيداً فالكاف في قولك : ( ركوبك ) مخفوضة بالإِضافة وموضعها رفع والتقدير : أعجب زيداً أن ركبت الدابة فالمصدر يجر ما أضيف إليه فاعلاً كان أو مفعولاً ويجري ما بعده على الأصل وإضافته إلى الفاعل أحسن لأنه له : كقول الله تعالى ( ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) وإضافته إلى المفعول حسنة لأنه به اتصل وفيه حل وتقول : أعجبني بناء هذه الدار وترى المجلود فتقول : ما أشد جلده وما أحسن خياطة هذا الثوب فعلى هذا تقول أعجب ركوب الدابة عمرو زيداً إن أردت : أعجب أن ركب الدابة عمرو زيداً فالدابة وعمرو وركب في صلة ( أن ) وزيد منتصب ( بأعجب ) وبين خارج من الصلة فقدمه إن شئت قبل أعجب وإن شئت جعلته بين ( أعجب ) , بين الركوب وكذلك : عجبت من دق الثوب القصار ومن أكل الخبز زيدٌ ومن أشباع الخبز زيداً فإن نونت المصدر أو أدخلت فيه ألفاً ولاماً امتنعت الإِضافة فجرى كل شيء على أصله فقلت : أعجب ركوب زيد الدابة عمراً فإن شئت قلت : أعجب ركوب الدابة زيد عمراً ولا يجوز أن تقدم الدابة ولا زيداً قبل الركوب لأنهما من صلته فقد صارا منه كالياء والدال من ( زيد ) وتقول : ما أعجب شيء شيئاً إعجاب زيد ركوب الفرس عمرو ونصبت ( إعجاباً ) لأنه مصدر وتقديره : ما أعجب شيء شيئاً إعجاباً مثل إعجاب زيد ورفعت الركوب بقولك : ( أعجب ) لأن معناه : كما أعجب زيداً أن ركب الفرس عمرو وتقول : أعجب الأكل الخبز زيد عمراً كما وصفت لك وعلى هذا قوله تعالى : ( أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة ) فالتقدير : أو أن يطعم لقوله : وما أدراك فعلى هذا يجري ما ذكرت لك ولو قلت : عمراً أعجبني أن ضرب خالداً كان خطأ لأن عمراً من الصلة
ومن قال : هذا الضارب الرجل لم يقل : عجبت من الضرب الرجل لأن الضرب ليس بنعت والضارب نعت كالحسن وهو اسم الفاعل من ( ضرب ) كما أن حسناً اسم الفاعل من ( حسن ) ويحسن وهما نعتان مأخوذان من الفعل للفاعل وتقول : أعجبني اليوم ضرب زيد عمراً ( إن جعلت اليوم ) نصباً بأعجبني فهو جيد وإن نصبته بالضرب كان خطأ وذلك لأن الضرب في معنى ( أن ضرب ) وزيد وعمرو من صلته فإذا كان المصدر في معنى ( إن فعل ) أو ( أن يفعل ) فلا يجوز أن ينصب ما قبله ولا يعمل إلا فيما كان من تمامه فيؤخر بعض الإسم ولا يقدم بعض الإسم على أوله فإن لم يكن في معنى ( إن فعل ) وصلتها أعملته عمل الفعل إذا كان نكرة مثله فقدمت فيه وأخرت وذلك قولك ضرباً زيداً وإن شئت : زيداً ضرباً لأنه ليس فيه معنى ( أن ) إنما هو أمر وقولك ضرباً زيداً ينتصب بالأمر كأنك قلت : اضرب زيداً إلا أنه صار بدلاً من الفعل لما حذفته وحكى قوم أن العرب قد وضعت الأسماء في مواضع المصادر فقالوا : عجبت من طعامك طعاماً يريدون : من إطعامك وعجبت من دهنك لحيتك يريدون : من دهنك قال الشاعر :
( أظليمَ إنَّ مُصابَكُم رَجُلاً ... أَهْدَى السَّلامَ تَحِيَةً ظُلْمُ )
أراد إن أبابتكم ومنه قوله :
( وبَعْدَ عطائِكَ المئة الرِّتَاعا ... )
أراد : بعد إعطائك وقال هؤلاء القوم : إذا جاءت الأسماء فيها المدح والذم وأصلها ما لم يسم فاعله رفعت مفعولها فقلت : عجبت من جنون بالعلم فيصير كالفاعل وإنما هو مفعول
هذا مع المدح والذم ولا يقال ذلك في غير المدح والذم
●[ شرح الرابع : وهو ما كان من الأسماء التي سموا الفعل بها ]●
موضع هذه الأسماء من الكلام في الأمر والنهي فما كان فيها في معنى ما لا يتعدى من الأفعال فهو غير متعدٍ وما كان منها في معنى فعل متعدٍ تعدى وهذه الأسماء على ثلاثة أضرب : فمنها اسم مفرد واسم مضاف واسم استعمل مع حرف الجر
فالضرب الأول : قولك : هلم زيداً وعندك زيدا . ورويد زيداً وحَيَّ هل الثريد وزعم أبو الخطاب : أن بعض العرب يقول : حي هل الصلاة
ومن ذلك : تراكها ومناعها وهذه متعدية والمعنى : اتركها وامنعها وأما ما لا يتعدى فنحو : مه وصه وأيه
والضرب الثاني : وهي الأسماء المضافة ومنها أيضاً ما يتعدى وما لا يتعدى فأما المتعدي فنحو : دونك زيداً وذكر سيبويه : أن أبا الخطاب حدثه بذلك وحذرك زيداً وحذارك زيداً وأما ما لا يتعدى فمكانك وبعدك وخلفك إذا أردت تأخر وحذرته شيئاً خلفه وفرطك إذا حذرته من بين يديه شيئاً وأمرته أن يتقدم وأمامك ووراءك
والضرب الثالث : ما جاء مع أحرف الجر نحو : عليك زيداً وإليك إذا قلت : تنح
وذكر سيبويه : أن أبا الخطاب حدثه : أنه سمع من يُقال له إليك فيقول : ( إليَّ ) في هذا الحرف وحده كأنه قال له : تنح فقال : أتنحى ولا يجوز مثل هذا في أخوات إليَّ لأن هذا الباب إنما وضع في الأمر مع المخاطب وما أُضيف فيه فإنما يُضاف إلى كاف علامة المخاطب المتكلم ولا يجوز أن تقول : رويده زيداً ودونه عمراً تريد غير المخاطب
وحكي أن بعضهم قال : عليه رجلاً ليسي أي : غيري
وهذا قليل شاذ
وجميع هذه الأسماء لا تصرف تصرف الفعل
وحكي أن ناساً من العرب يقولون : هلمي وهلما وهلموا فهؤلاء جعلوه فعلاً والهاء للتنبيه ولا يجوز أن تقدم مفعولات هذه الأسماء من أجل أن ما لا يتصرف لا يتصرف عمله فأما قول الله تعالى : ( كتاب الله عليكم ) فليس هو على قوله : عليكم كتاب الله ولكنه مصدر محمول على ما قبله لأنه لما قال : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) فأعلمهم : أن هذا مكتوب مفروض فكان بدلاً من قول : كتاب الله ذلك فنصب ( كتاب الله ) وجعل عليكم تبينياً
[ مسائل من هذا الباب ]
تقول : رويدكم أنتم وعبد الله لأن المضمر في النية مرفوع ورويدكم وعبد الله وهو قبيح إذا لم تؤكده ورويدكم أنتم أنفسكم ورويدكم أجمعون ورويدكم أنتم أجمعون كل حسن وكذلك رويد إذا لم يلحق فيه الكاف تجري هذا المجرى وكذلك الأسماء التي للفعل جمعاً إلا أن هلم إذا لحقتها ( لك ) فإن شئت حملت أجمعين ونفسك على الكاف المجرورة فقلت هلم لكم أجمعين وأنفسكم ولا يجوز أن تعطف على الكاف المجرورة الإسم ألا ترى أنه يجوز : هذا لك نفسك ولكم أجمعين ولا يجوز : لك وأخيك وإن شئت حملت المعطوف والتأكيد والصفة على المضمر المرفوع في النية فقلت : هلم لكم أجمعون كأنك قلت : تعالوا أجمعون وهلم لك أنت وأخوك كأنك قلت : تعالى أنت وأخوك فإن لم تلحق ( لك ) جرى مجرى رويد ورويد يتصرف على أربع جهات يكون أمراً بمعنى : أرود أي أمهل ويكون صفة نحو : ساروا سيراً رويداً أي سهلاً وتكون حالاً تقول : ساروا رويداً أي متمهلين وتكون مصدراً نحو : رويد نفسه وذكر سيبويه : أنه حدثه به من لا يتهم : أنه سمع العرب تقول : ضعه رويداً أي وضعاً رويداً
وتلحق ( رويد ) الكاف وهي في موضع ( أفعل ) تبينياً لا ضميراً فتقول : رويدك وريدكم وإنما تلحقها لتبين المخاطب المخصوص فقط غير ضمير وذلك إذ كانت تقع لكل مخاطب على لفظ واحد
ولك أن لا تذكرها ومثلها في ذا : حيهل وحيهلك فالكاف للخطاب وليست بإسم ومثل هذا في كلامهم كثير
قال سيبويه : وقد يجوز عليك أنفسكم وأجمعين وقال : إذا قلت : عليكم زيداً فقد أضمرت فاعلاً في النية فإذا قلت : عليك أنت نفسك لم يكن إلا رفعاً
ولو قلت في : عليَّ زيداً أنا نفسي لم يكن إلا جراً وإنما جاءت الياء والكاف لتفصلا بين المأمور والأمر في المخاطبة وكذلك : حذرك بمنزلة عليك والمصدر وغيره في هذا الباب سواء ومن جعل : رويد مصدراً قال : رويدك نفسك إن حمله على الكاف وإن حمله على المضمر في النية رفع
قال : وأما قول العرب رويدك نفسك فإنهم يجعلون النفس بمنزلة عبد الله إذا أمرته به وأما حيهلك وهاءك وأخواتها فلا يكون الكاف فيها إلا للخطاب ولا موضع لها من الإِعراب لأنهن لم يجعلن مصادر
أما قولك : دونك زيداً ودونكم إذا أردت تأخر فنظيرها من الأفعال جئت يا فتى يجوز أن تخبر عن مجيئك لا غير وجائز أن تعديها فتقول : جئت زيداً وكذلك تقول : عليّ زيداً وعليّ به فإذا قلت : عليّ زيداً فمعناه أعطني زيداً وإذا قلت : عليك زيداً فمعناه : خذ زيداً ومعنى ( حيهل ) أقرب وجائز أن يقع في معنى قرب فأما قولك : أقرب فكقولك : حيهل الثريد أي : أقرب منه وآته وفتح حيهل كفتح خمسة عشر لأنهما شيئان جملاً شيئاً واحداً
فأما قول الشاعر :
( يَوم كَثيرٌ تُناديهِ وحيَّ هلُهْ ... )
فإنه جعله إسماً فصار كحضر موت ولم يأمر أحداً بشيء
وقد توصل ب ( علي ) كما وصلت ب ( هل ) هذه فمن ذلك : حيَّ على الصلاة
إنما معناه : أقربوا من الصلاة وإيتوا الصلاة
وفي ( حيهل ) ثلاث لغات : فأجودهن أن تقول : جيُّهلْ بعمر فإذا وقفت قلت : حيهلا الألف ها هنا لبيان الحركة كالهاء في قوله : كتابيه وحسابيه لأن الألف من مخرج الهاء ومثل ذلك قولك : أنا قلت ذاك فإذا وقفت قلت : أناه
ويجوز : حيهلاً بالتنوين تجعل نكرة ويجوز : حيهلا بعمر وهي أردأ اللغات
قال أبو العباس : وأما ( حي هلا ) فليست بشيء ( وهلم ) إنما هي لُمَّ أي أقرب وها للتنبيه إلا أن الألف حذفت فيها لكثرة الإستعمال وأنهما جعلا شيئاً واحداً فأما أهل الحجاز فيقولون للواحد والإثنين والمرأة وللجماعة من الرجال والنساء : هلم على لفظ واحد كما يفعلون ذلك في الأشياء التي هي أسماء للفعل وليس بفعل قال الله عز و جل : ( والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ) واستجازوا ذلك لإِخراجهم إياها عن مجرى الأفعال حيث وصلوها بحرف التنبيه كما أخرجوا خمسة عشر من الإِعراب
فأما بنو تميم : فيصرفونها فيقولون للإثنين : هلما وللأنثى هلمي كما تقول : رد وردا وردوا وارددن وردي
قال أبو بكر : وقد مضى ذكر الأسماء التي تعمل عمل الفعل بعد أن ذكرنا الأسماء المرتفعة فلم يبق اسم يرتفع إلا أن يكون تابعاً لإسم من الأسماء التي قدمنا ذكره وأن تكون مبنياً مشبهاً بالمعرب
فأما التوابع فنحو : النعت والتأكيد والبدل والعطف ونحن نذكرها بعد ذكر الأسماء المنصوبات والمجرورات وأما ما كان من الأسماء مبنياً مشبهاً للمعرب فنداء المفرد نحو قولك : يا زيد ويا حكم العاقلُ والعاقلَ ويا حكمان ويا حكمون فهذا موضعه نصب وليس بمعرب وإنما حقه أن يذكر مع ذكر المبنيات من أجل أنه مبني وينبغي أيضاً أن يذكر مع المنصوبات من أجل أن موضعه منصوب فنحن نعيده إذا ذكرنا النداء إن شاء الله
وقبل أن نذكر المنصوبات نقدم ذكر المعرفة والنكرة للإنتفاع بذلك فيها وفي المرفوعات أيضاً إن شاء الله
● [ باب المعرفة والنكرة ] ●
كل اسم عم اثنين فما زاد فهو نكرة وإنما سمي نكرة من أجل أنك لا تعرف به واحداً بعينه إذا ذكر
والنكرة تنقسم قسمين : فأحد القسمين : أن يكون الإسم في أول أحواله نكرة مثل : رجل وفرس وحجر وجمل وما أشبه ذلك
والقسم الثاني : أن يكون الإسم صار نكرة بعد أن كان معرفة وعرض ذلك في الأصل الذي وضع له غير ذلك نحو أن يُسمى إنسان بعمرو فيكون معروفاً بذلك في حيه فإن سمي باسم آخر لم نعلم إذا قال القائل : رأيت عمراً أي العمرين هو ومن أجل تنكره دخلت عليه الألف واللام إذا ثنى وجمع
وتعتبر النكرة بأن يدخل عليها ( رُبَّ ) فيصلح ذلك فيها أو ألف ولام فيصير بعد دخول الألف واللام معرفة أو تثنيها وتجمعها بلفظها من غير إدخال ألف ولام عليها فجميع هذا وما أشبهه نكرة والنكرة قبل المعرفة ألا ترى أن الإِنسان اسمه إنسان يجب له هذا الإسم بصورته قبل أن يعرف باسم وأكثر الأسماء نكرات وهذه النكرات بعضها أنكر من بعض فكلما كان أكثر عموماً فهو أنكر مما هو أخص منه فشيء أنك من قولك : حي وحي أنكر من قولك : إنسان فكلما قل ما يقع عليه الإسم فهو أقرب إلى التعريف وكلما كثر كان أنكر فاعلم
● [ ذكر المعرفة ] ●
والمعرفة خمسة أشياء : الإسم المكنى والمبهم والعلم وما فيه الألف واللام وما أُضيف إليهن
فأما المكني : فنحو قولك : هو وأنت وإياك والهاء في ( غلامه وضربته ) والكاف في غلامك وضربك والتاء في ( قمتُ ) وقمتِ وقمتَ يا هذا
فأما المبهم : فنحو : هذا وتلك وأولئك المكنيات والمبهمات موضع يستقصي ذكرها فيه إن شاء الله
وأما العلم : فنحو : زيد وعمر وعثمان
واعلم : أن اسم العلم على ثلاثة أضرب إما أن يكون منقولاً من نكرة أو مشتقاً منها أو أعجمياً أعرب
فأما المنقول : فعلى ضربين : أحدهما من الإسم والآخر من صفةٍ
أما المنقول من الإسم النكرة فنحو : حجر وأسد فكل واحد من هذين نكرة في أصله فإذا سميت به صار معرفة وأما المنقول من صفة فنحو : هاشم وقاسم وعباس وأحمر لأن هذه أصولها صفات تقول : مررت برجل هاشم ورجل قاسم وبرجل عباس
وأما الأسماء المشتقة : فنحو : عمر وعثمان فهذان مشتقان من عامر وعاثم وليسا بمنقولين لأنه ليس في أصول النكرات عثمان ولا عمر إلا أن تريد جمع عمرة فأسماء الأعلام لا تكاد تخلو من ذلك فإن جاء اسم عربي لا تدري مِمَّ نقل أو اشتق فاعلم : إن أصله ذلك وإن لم يصل إلينا علمه قياساً على كثرة ما وجدناه من ذلك
ولا أدفع أن يخترع بعض العرب في حال تسميته اسماً غير منقول من نكرة ولا مشتق منها
ولكن العام والجمهور ما ذكرت لك
وأما الأعجمية فنحو : إسماعيل وإبراهيم ويعقوب فهذه أعربت من كلام العجم
وأما ما فيه الألف واللام فإن الألف واللام يدخلان على الأسماء النكرات على ضربين : إمّا إشارة إلى واحد معهود بعينه أو إشارة إلى الجنس فأما الواحد المعهود : فأن يذكر شيء فتعود لذكره فتقول : الرجل وكذلك الدار والحمار وما أشبهه كأن قائلاً قال : كان عندي رجل من أمره ومن قصته فإن أردت أَنْ يعود إلى ذكره
قلت : ما فعل الرجل للعهد الذي كان بينك وبين المخاطب من ذكره وأما دخولها للجنس فأن تقول : أهلك الناس الدينار والدرهم لا تريد ديناراً بعينه ولا درهماً بعينه ولكن كقوله عز و جل : ( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا )
يدلك الإستثناء على أن الإِنسان في معنى الناس وأما ما أُضيف إليهن فنحو قولك : غلامك
وصاحبك وغلام ذاك وصاحب هذه وغلام زيد وصاحب عمرو وغلام الرجل
وصاحب الإِمام ونحو ذلك
[ مسائل في المعرفة والنكرة ]
تقول : هذا عبد الله فهذا اسم معرفة
وعبد الله اسم معرةف وهذا مبتدأ وعبد الله خبره فإن جئت بعد عبد الله بنكرة نصبتها على الحال فقلت : هذا عبد الله واقفاً وكذلك كل اسم علم يجري مجرى عبد الله وتقول : هذا أخوك فهذا معرفة وأخوك فهذا معرفة بالإِضافة إلى الكاف فإن جئت بنكرة قلت : هذا أخوك قائماً قال الله تعالى ( وهذا بعلي شيخا )
وأجاز أصحابنا الرفع في مثل هذه المسألة على أربعة أوجه : أحدهما : أن تجعل ( أخاك ) بدلاً من ( هذا ) وتجعل قائماً خبر ( هذا ) والآخر : أن تجعل ( أخاك ) خبراً ل ( هذا ) وتضمر ( هذا ) من الأخ كأنك قلت : هذا أخوك هذا قائم وإن شئت أضمرت ( هو ) كأنك قلت : هذا أخوك هو قائم وإن شئت كان ( أخوك ) وقائم خبراً واحداً كما تقول : هذا حلو حامض أي : قد جمع الطعمين ومثل هذا لا يجوز أن يكون ( حلو ) الخبر وحده ولا حامض الخبر وحده حتى تجمعهما وإذا قلت : هذا الرجل ولم تذكر بعد ذلك شيئاً وأردت بالألف واللام العهد فالرجل خبر عن ( هذا ) فإن جئت بعد ( الرجل ) بشيء يكون خبراً جعلت ( الرجل ) تابعاً ل ( هذا ) كالنعت لأن المبهمة توصف بالأجناس وكان ما بعده خبراً عن ( هذا ) فقلت : هذا الرجل عالم وهذه المرأة عاقلة هذا الباب جديد فترفع ( هذا ) بالإبتداء وترفع ما فيه الألف واللام بأنه صفة وتجعلهما كاسم واحد
ومنه قول النابغة الذبياني :
( تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَهَا فَعَرفتها ... لِسِتَّةِ أعوامٍ وذَا العامُ سَابعُ )
فإن أردت بالألف واللام المعهود جاز نصب ما بعده فقلت : هذه المرأة عاقلة وهذا الرجل عالماً فإذا كانت الألف واللام في اسم لا يراد به واحد من الجنس وهو كالصفة الغالبة نصبت ما بعد الإسم على الحال وذلك قولك : هذا العباس مقبلاً وإن كان الإسم ليس بعلم ولكنه واحد ليس له ثانٍ كان أيضاً الخبر منصوباً كقولك : هذا القمر منيراً وهذه الشمس طالعة وكذلك إن أردت بالإسم أن تجعله يعم الجنس كله ويكون إخبارك عن واحده كإخبارك عن جميعه كان الخبر منصوباً كقولك : هذا الأسد مهيباً وهذه العقرب مخوفة إذالم ترد عقرباً تراها ولا أسداً تشير إليه من سائر الأسد ولا يجوز : هذا أنا وهذا أنت لأنك لا تشير للإِنسان إلى نفسه ولا تشير إلى نفسك فإن أردت التمثيل أي : هذا يقوم مقامك ويغني غناءك جاز أن تقول : هذا أنت وهذا أنا والمعنى : هذا مثلك وهذا مثلي وأما قولك : هذا هو فبمنزلة قولك : هذا عبد الله إذا كان هو إنما يكون كناية عن عبد الله وما أشبهه ألا ترى أنك تكون في حديث إنسان فيسألك المخاطب عن صاحب القصة من هو فتقول : هذا هو وقال قوم : إن كلام العرب أن يجعلوا هذه الأسماء المكنية بين ( ها وذا ) وينصبون أخبارها على الحال فيقولون : ها هو ذا قائماً وها أنذا جالساً وها أنت ذا ظالماً وهذا الوجه يسميه الكوفيون التقريب وهو إذا كان الإسم ظاهراً جاء بعد ( هذا ) مرفوعاً ونصبوا الخبر معرفة كان أو نكرة فأما البصريون فلا ينصبون إلا الحال
وتقول : هذا هذا على التشبيه وهذا ذاك وهذا هذه
واعلم : أن من الأسماء مضافات إلى معارف ولكنها لا تتعرف بها لأنها لا تخص شيئاً بعينه فمن ذلك : مثلك وشبهك وغيرك تقول : مررت برجل مثلك وبرجل شبهك وبرجل غيرك فلو لم يكن نكرات ما وصف بهن نكرة وإنما نكرهن معانيهن ألا ترى أنك إذا قلت : مثلُكَ
جاز أن يكون ( مثلك ) في طولك أو لونك أو في علمك ولن يحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء لكثرتها وكذلك شبهك وأما غيرك فصار نكرة لأن كل شيء مثل الشيء عداك فهو غيرك فإن أردت بمثلك وشبهك المعروف بشبهك فهو معرفة وأما شبيهك فمعرفة ولم يستعمل كما استعمل ( شبهك ) المعروف بأنه يشبهك وتقول هذا واقفاً زيد وهذا واقفاً رجل فتنصب ( واقفاً ) على الحال وإن شئت رفعت فقلت هذا واقف رجل فتجعل ( واقفٌ ) خبر ( هذا ) ورجل بدل منه وكذلك زيد وما أشبهه وينشد هذا البيت على وجهين :
( أترضى بأَنَّا لَمْ تَجفَّ دِماؤُنَا ... وهذا عَرُوس باليَمَامَةِ خَالِدُ )
فينصب ( عروس ) ويرفع
وتقول : هذا مثلك واقف وهذا غيرك منطلق لما خبرتك به من نكرة مثلك وغيرك وقد يجوز أن تنصب فيكون النصب أحسن فيها منه في سائر النكرات
لأنها في لفظ المعارف
وإن كانت نكرات فيقول : هذا مثلك منطلقاً وهذا حسن الوجه قائماً وقد عرفتك أن ( حسن الوجه ) نكرة ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه وأفضل منك وخير منك نكرة أيضاً إلا أنه أقرب إلى المعرفة من حسن وفاضل فتقول : هذا أفضل منك قائماً فإن قلت : ( زيد هذا ) فزيد مبتدأ وهذه خبره والأحسن أن تبدأ ( بهذا ) لأن الأعرف أولى بأن يكون مبتدأ فإن قلت زيد هذا عالم جاز الرفع والنصب فالرفع على أن تجعل ( هذا ) معطوفاً على ( زيد ) عطف البيان وترفع ( عالماً ) بأنه خبر الابتداء وإن جعلت ( هذا ) خبراً لزيد نصبت ( عالمٌ ) على الحال
واعلم : أن ( ذلك ) مثل ( هذا ) تقول : إن ذلك الرجل عالم كما تقول : إن هذا الرجل عالم
وإن ذلك الرجل أخوك كما تقول : إن هذا الرجل أخوك
والكوفيون يقولون : هذا عبد الله أفضل رجل وأي رجل فيستحسنون رفع ما كان فيه مدح أو ذم ورفعه عندهم على الإستئناف وعلى ذلك يتأولون قول الشاعر :
( مَنْ يكُ ذا بَثٍّ فهذا بَتِّي ... مُقَيِّظ ( مُصَيَّف ) مُشَتِّي )
وهذه عند البصريين : من باب حلو حامض أي : قد جمع أنه مقيظ وأنه مصيف مشتي ففيه هذا الخلال
واعلم : أن من كلام العرب أسماء قد وضعتها موضع المعارف وليست كالمعارف التي ذكرناها وأعربوها وما بعدها إعراب المعارف وذلك نحو قولهم للأسد : أبو الحارث وأسامة وللثعلب : ثعالة وأبو الحصين وسَمْسَم وللذئب : دألان وأبو جعدة وللضبع : أم عامر وحضاجر وجعَار وجَيْأل وأم عَنْتَل وقَئام ويقال للضبعان قُثَم وهو الذكر منها وللغراب : ابن بَريح
قال سيبويه : فإذا قلت : هذا أبو الحارث فأنت تريد : هذا الأسد أي هذا الذي سمعت باسمه أو هو الذي عرفت أشباهه ولا تريد أن تشير إلى شيء قد عرفه بعينه قبل ذلك كمعرفته زيداً وعمراً ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الإسم وإنما منع الأسد وما أشبهه أن يكون له اسم معناه معنى زيد أن الأسد وما أشبهها ليست بأشياء ثابتة مقيمة مع الناس ألا تراهم قد اختصوا الخيل والإِبل والغنم والكلاب وما يثبت معهم بأسماء : كزيد وعمرو ومن ذلك : أبو جُخادب وهو شيء يشبه الجُنْدبُ غير أنه أعظم منه وهو ضرب من الجنادب كما أن بنات أوبر ضرب من الكمأة وهي معرفة وابن قِتْرَة ضرب من الحيات وابن آوى معرفة
ويدلك علىأنه معرفة أن آوى غير مصروف وابن عرس وسامُّ أبرص
وبعض العرب يقول : أبو بريص وحمار قبان : دويَبة كأنه قال في كل واحد من هذا الضرب هذا الذي يعرف من أحناش الأرض بصورة كذا فاختصت العرب لكل ضرب من هذه الضروب اسماً على معنى يعرفها بها فعلى هذا تقول : هذا ابن آوى مقبلاً ولا تصرف آوى لأنه معرفة ولأنه على وزن ( افعلَ ) وتنصب مقبلاً كما نصبته في قولك : هذا زيد مقبلاً وحكم جمعها حكم زيد إلا أن منها ما ينصرف وما لا ينصرف كما تكون الأسماء المعارف وغيرها
وقد زعموا : أن بعض العرب يقول : هذا ابن عرس مقبل فيرفعه على وجهين فوجه مثل : هذا زيد مقبل ووجه على أنه جعل عرساً نكرة فصار المضاف إليه نكرة وما ابن مخلص وابن لبون وابن ماءٍ فنكرة لأنها تدخلها الألف واللام
واعلم : أن في كلامهم أسماء معارف بالألف واللام وبالإِضافة غلبت على أشياء فصارت لها كالأسماء والأعلام مثل : زيد وعمرو نحو : النجم تعني الثريا وابن الصِّعَق ابن رألان وابن كُراع فإن أخرجت الألف واللام من النجم وابن الصعق تنكر
وزعم الخليل : أن الذين قالوا : الحارث والحسن والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه كأنه وصف غلب عليه ومن قال : حارث وعباس فهو يجريه مجرى زيداً
وأما السِّماك والدَّبِران والعَيُّوق وهذا النحو فإنما يلزمه الألف واللام من قبل أنه عندهم الشيء بعينه كالصفات الغالبة وإنما أُزيل عن لفظ السامك والدابر والعايك فقيل : سِمَاك ودَبَران وعَيُوق للفرق كما فصل بين العِدلْ والعديل وبناء حصين وامرأة حصان
قال سيبويه : فكل شيء جاء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة فإن كان عربياً تعرفه ولا تعرف الذي اشتق منه فإنما ذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا أو يكون الآخر لم يصل إليه علم ما وصل إلى الأول المسمى
قال : وبمنزلة هذه النجوم الأربعاء والثلاثاء يعني : أنه أُريد به الثالث والرابع فأُزيل لفظه كما فعل بالسماك
وتقول : هذان زيدان منطلقان فمنطلقان صفة للزيدين وهو نكرة وصفت به نكرة قال وتقول : هؤلاء عرفات حسنة وهذان أبانان بينين والفرق بين هذا وبين زيدين أن زيدين لم يجعلا اسماً لرجلين بأعينهما وليس هذا في الأناس ولا في الدواب إنما يكون هذا في الأماكن والجبال وما أشبه ذلك من قبل أن الأماكن لا تزول فصار أبانان وعرفات كالشيء الواحد
والذي والتي : معرفة ولا يتمان إلا بصلة ومن وما يكونان معرفة ونكرة لأن الجواب فيهما يكون بالمعرفة والنكرة وأيهم وكلهم وبعضهم معارف بالإِضافة وقد تترك الإِضافة وفيهن معناها قائم وأجمعون وما أشبهها معارف لأنك لا تنعت بها إلا معرفة ولا يدخل عليها الألف واللام
وقال الكسائي : سمعت : هو أحسن الناس هاتين يريد عينين فجعله نكرة
وهذا شاذ غير معروف
ويكون ( ذا ) في موضع الذي فتقول : ضربت هذا يقوم وليس بحاضر تريد : الذي يقوم قالوا : وقد جاء هذا في الشعر
● [ ذكر الأسماء المنصوبات ] ●
الأسماء المنصوبات تنقسم قسمة أولى على ضربين :
فالضرب الأول هو العام الكثير : كل اسم تذكره بعد أن يستغني الرافع بالمرفوع وما يتبعه في رفعه إن كان له تابع وفي الكلام دليل عليه فهو نصب
والضرب الآخر : كل اسم تذكره لفائدة بعد اسم مضاف أو فيه نون ظاهرة أو مضمرة وقد تما بالإِضافة والنون وحالت النون والإِضافة بينهما ولولاهما لصلح أن يضاف إليه فهو نصب
والضرب الأول : ينقسم على قسمين : مفعول ومشبه بمفعول
والمفعول ينقسم على خمسة أقسام : مفعول مطلق ومفعول به ومفعول فيه ومفعول له ومفعول معه
●[ شرح الأول : وهو المفعول المطلق ويعني به المصدر ]●
المصدر اسم كسائر الأسماء إلا أنه معنى غير شخص
والأفعال مشتقة منه وإنما انفصلت من المصادر بما تضمنت معاني الأزمنة الثلاثة بتصرفها
والمصدر : هو المفعول في الحقيقة لسائر المخلوقين فمعنى قولك : قام زيد وفعل زيد
قياماً سواء وإذا قلت : ضربت فإنما معناه أحدثت ضرباً وفعلت ضرباً فهو المفعول الصحيح
ألا ترى أن القائل يقول : من فعل هذا القيام فتقول : أنا فعلته ومن ضرب هذا الضرب الشديد فتقول : أنا فعلته . تريد : أنا ضربت هذا الضرب
وقولك ضربت هذا الضرب وقولك ضربت زيداً لا يصلح أن تغيره بأن تقول : فعلت زيداً لأنه ليس بمفعول لك فإنما هو مفعول لله تعالى فإذا قلت : ضربت زيداً فالفعل لك دون زيد وإنما أحللت الضرب به وهو المصدر فعلى هذا تقول : قمت قياماً وجلست جلوساً وضربت ضرباً وأعطيت إعطاءً وظننت ظناً واستخرجت استخراجاً وانقطعت انقطاعاً واحمررت احمراراً فلا يمتنع من هذا فعل منصرف البتة
ومصدر الفعل الذي يعمل فعله فيه يجيء على ضروب : فربما ذكر توكيداً نحو قولك : قمت قياماً وجلست جلوساً فليس في هذا أكثر من أنك أكدت فعلك بذكرك مصدره وضرب ثانٍ تذكره للفائدة نحو قولك : ضربت زيداً ضرباً شديداً والضرب الذي تعرف
وقمت قياماً طويلاً فقد أفدت في الضرب أنه شديد وفي القيام أنه طويل وكذلك إذا قلت : ضربت ضربتين وضربات فقد أفدت المرار وكم مرة ضربت
وقال سيبويه : تقول : قعد قِعْدةَ سوء وقعد قعدتين لما عمل في الحدث يعني المصدر عمل في المرة منه والمرتين وما يكون ضرباً منه وإن خالف اللفظ
فمن ذلك : قعد القرفُصاء واشتمل الصَمَّاء ورجع القهقري لأنه ضرب من فعله الذي أخذ منه
قال أبو العباس قولهم : القرفصاء واشتمل الصمّاء ورجع القهقري هذه حلى وتلقيبات لها وتقديرها : اشتمل الشمل التي تعرف بهذا الإسم، وكذلك أخواتها
قال : وجملة القول : إن الفعل لا ينصب شيئاً إلا وفي الفعل دليل عليه فمن ذلك المصادر لأنك إذا قلت : قام ففي ( قام ) دليل على أنه : فعل قياماً فلذلك قلت : قام زيد قياماً فعديته إلى المصدر وكذلك تعديه إلى أسماء الزمان لأن الفعل لا يكون إلا في زمان وتعديه إلى المكان لأنه فيه يقع وتعديه إلى الحال لأنه لأفعل إلا في حال واحق ذلك به المصدر لأنه مشتق من لفظه ودال عليه
واعلم : أنَّ ( أنْ ) تكون مع صلتها في معنى المصدر وكذلك ( ما ) تكون مع صلتها في معناه وذلك إذا وصلت بالفعل خاصة إلا أن صلة ( ما ) لا بد من أن تكون فيها ما يرجع إلى ( ما ) لأنها اسم وما في صلة ( أن ) لا يحتاج أن يكون معه فيه راجع لأن ( أن ) حرف والحروف لا يكنى عنها ولا تضمر فيكون في الكلام ما يرجع إليها والذي يوجب أن ( ما ) اسم وأنها ليست حرفاً ( كأنْ ) : أنها لو كانت ( كأن ) لعملت في الفعل كما عملت ( أن ) لأنا وجدنا جميع الحروف التي تدخل على الأفعال ولا تدخل على الأسماء تعمل في الأفعال فلما لم نجدها عاملة حكمنا بأنها اسم وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش وغيره من النحويين فتقول يعجبني أن يقوم زيد تريد : قيام زيد ويعجبني ما صنعت تريد : صنيعك إلا أن هذين وإن كانا قد يكونان في معنى المصادر فليس يجوز أن يقعا موقع المصدر في قولك : ضربت زيداً ضرباً لا يجوز أن تقول : ضربت زيداً أن ضربت تريد : ضرباً ولا ضربت زيداً ما ضربت تريد : معنى ( ضرباً ) وأنت مؤكد لفعلك ويجوز : ضربت ما ضربت أي : الضرب الذي ضربت كما تقول : فعلت ما فعلت أي : مثل الفعل الذي فعلت وتقول : فعلت ما فعل زيد أي : كالفعل الذي فعل زيد فإن لم ترد هذا المعنى فالكلام محال لأن فعلك لا يكون فعل غيرك
قال الله تعالى : ( وخضتم كالذي خاضوا ) والتأويل عندهم والله أعلم كالخوض الذي خاضوا
[ مسائل من هذا الباب ]
تقول : ضربته عبد الله تضمر الضرب تعني : ضربت الضرب عبد الله ولو قلت ضربت عبد الله ضرباً وضربته زيداً ما كان به بأس على أن تضمر المصدر
واعلم : أنه لا يجوز أن تعمل ضمير المصدر لا تقول : سرني ضربك عمراً وهو زيداً وأنت تريد : وضربك زيداً لأنه إنما يعمل إذا كان على لفطه الذي تشتق الأفعال منه ألا ترى أن ( ضرب ) مشتق من الضرب فإنما يعمل الضرب وما أشبهه من المصادر إذا كان ظاهراً غير مضمر وإنما يعمل لشبهه بالفعل فكما أن الفعل لا يضمر فكذلك المصدر لا يجوز أن يقع موقع الفعل وهو مضمر وإنما جاز إضمار المصدر لأنه معنى واحد ولم يجز إضمار الفعل لأنه معنى وزمان ولو أَضمر لصار اسماً
وتقول : مررت بهم جميعاً إذا عنيت أنك لم تترك منهم أحداً أو : مررت بهم كلا قال الأخفش كل وجميع ها هنا بمنزلة المصادر كأنك قلت مررت بهم عماً ومررت بهم كلاً أي : مروراً عماً وكلاً فكل وجميع ها هنا بمنزلة المصادر كأنك قلت : مررت بهم عماً ومررت بهم عماً لهم وكأنك قلت : طررتهم طراً وليس الجميع والكل بالقوم كما أن الطر والقاطبة ليس بالقوم يعني إذا قلت : مررت بهم قاطبة وطراً فكأنك قلت : جمعتهم جمعاً وكذلك في طر كأنك قلت : طررتم أي أتيت عليهم طراً
وذكر سيبويه : هذا في باب ما ينتصب لأنه حال وقع فيه الخبر وهو اسم
وقال : من ذلك : مررت بهم جميعاً وعامة وجماعة وقال : هذه أسماء متصرفة ولا يجوز أن يدخل فيها ألألف واللام
وزعم الخليل : أن قاطبة وطراً لا يتصرفان في موضع المصدر
واعلم : أن في الكلام مصادر تقع موقع الحال فتغني عنها وانتصابها انتصاب المصادر نحو قولك : أتاني زيد مشياً فقولك : مشياً قد أغنى عن ماشٍ ويمشي إلا أن التقدير : أتاني يمشي مشياً فمن ذلك : قتلته صبراً ولقيته فجأة ومفاجأة وكفاحاً ومكافحة ولقيته عياناً وكلمته مشافهة وأتيته ركضاً وعدواً وأخذت عنه سماعاً وسمعاً
قال سيبويه : وليس كل مصدر يوضع هذا الموضع ألا ترى أنه لا يحسن : أتانا سرعة ولا رجلة قال أبو العباس : ليس يمتنع من هذا الباب شيء من المصادر أن يقع موقع الحال إذا كانت قصته هذه القصة وخالف سيبويه وقد جاء بعض هذه المصادر يغني عن ذكر الحال بالألف واللام نحو : أرسلها العراك والعراك لا يجوز أن يكون حالاً ولا ينتصب انتصاب الحال وإنما انتصب عندي على تأويل : أرسلها تعترك العراك ف ( تعترك ) حال والمصدر الذي عملت فيه الحال هو العراك ودل على ( تعترك ) فأغنى عنه وكذلك : طلبته جهدك وطاقتك كأنك قلت : طلبته تجتهد جهدك وتطيق طاقتك أي : تستفرغهما في ذلك
ومذهب سيبويه أن قولهم : مررت به وحده وبهم وحدهم ومررت برجل وحده أي مفرد أقيم مقام مصدر ( يقوم ) مقام الحال وقال : ومثل ذلك في لغة أهل الحجاز : مررت بهم ثلاثتهم وأربعتهم إلى العشرة
وزعم الخليل : أنه إذا نصب فكأنه قال : مررت بهؤلاء فقط مثل وحده في معناه أي : أفرقهم
وأما بنو تميم فيجرونه على الإسم الأول ويعربونه كإعرابه توكيداً له
قال سيبويه ومثل خمستهم قول الشماخ :
( آتتني سُلَيمٌ قَضّها بقضيضِها ... )
كأنه قال : انقض آخرهم على أولهم وبعض العرب يجعل ( قضهم ) بمنزلة كلهم يجريه على الوجوه فهذا مأخوذ من الإِنقضاض فقسه على ما ذكرت لك من قبل
وزعم يونس : أن وحده بمنزلة عنده وأن خمستهم وقضهم كقولك جميعاً وكذلك طُراً وقاطبة
وجعل يونس نصب وحده كأنك قلت : مررت برجل على حياله فطرحت على فأما : ( كلهم وجميعهم وعامتهم وأنفسهم وأجمعون ) فلا يكون أبداً إلا صفة إذا أضفتهن إلى المضمرات وتقول : هو نسيج وحدِهِ لأنه اسم مضاف إليه
قال الأخفش : كل مصدر قام مقام الفعل ففيه ضمير فاعل وذلك إذا قلت : سقياً لزيد وإنما تريد : سقى الله زيداً ولو قلت : سقيا الله زيداً كان جيداً لأنك قد جئت بما يقوم مقام الفعل ولو قلت : أكلاً زيد الخبز وأنت تأمره كأن جائزاً كقوله : ( فَنَدْلاً زُريقٌ المالَ ندل الثَّعالِبِ ... )
وتقول : ضربتك ضرباً عمرو خالداً ومعناه : ضربتك ضرب عمرو خالداً فإذا قلت : ضربتك زيد خالداً فلا تقدم خالداً قبل الضرب لأنه في صلته
قال أبو بكر : وليس هذا مثل قولك : ضرباً زيداً وأنت تأمره لأن ذاك قد قام مقام الفعل فيجوز أن يقدم المفعول فتقول : زيداً ضرباً وقد مضى تفسير هذا
وتقول : ضربتك ضرب زيد عمراً وكذلك : ضربتك ضربك زيداً وضرباً أنت زيداً إذا جعلته فاعلاً وضربتك ضرباً إياك زيداً إذا جعلته مفعولاً تريد : ضرباً زيد إياك
وقال الأخفش : من رد عليك ضرباً زيد عمراً إذا كنت تأمره أدخلت عليه سقياً له فقلت له : ألست إنما تريد سقى الله زيداً فإنه قائل : نعم فتقول
فكما جاز سقاهً له حين أقمت السقي مقام ( سقا ) فكذلك تقيم الضرب مقام ( ليضرب ) وتقول : ضرب زيد ضرباً وقتل عمرو قتلاً فتعدى الفعل الذي بني للمفعول إلى المصدر ن كما تعدى الفعل الذي بني للفاعل لا فرق بينهما في ذلك فأما المفعول الذي دخل عليه حرف الجر نحو : سيرا بعبد الله فأنت في المصادر والظروف بالخيار إن شئت نصبت المصادر نصبها قبلٌ وأقمت المفعول الذي دخل عليه حرف الجر مقام الفاعل فقلت : سير بعبد الله سيراً شديداً أقمت ( بعبد الله ) مقام الفاعل ونصبت ( سيراً ) كما تنصبه إذا قلت : سار عبد الله سيراً شديداً وكذلك يجوز في أسماء الزمان والمكان أن تنصبها نصب الظروف في هذه المسألة ويجوز من أجل شغل حرف الجر بعبد الله أن تقيم المصادر والظروف معه مقام الفاعل فترفعها إلا أن الأحسن ألا ترفع إذا نعتت أو أفادت معنى سوى التوكيد وقصد الإِخبار عنها فإذا لم يكن فيها إلا التوكيد نصبت والرفع بعيد جداً تقول : سير بعبد الله سير شديد ومر بعبد الله المرور الذي علمته وإن شئت نصبت وإنما حسن الرفع لأنك قد وصفت المصدر فصار كالاسماء المفيدة فأما النصب : فعلى أنك أقمت ( بزيد ) مقام الفاعل فصار كقولك : ضرب عبد الله الضربَ الذي يعلمُ وشتم عبد الله الشتمَ الشديد وكذلك لو قلت : مر بعبد الله مروان وسير بعبد الله سير شديد لكان مفيداً . وقال الله تعالى : ( فإذا نفح في الصور نفحة واحدة ) فإن قلت : سيرَ بعبد الله سيرٌ وسيراً وذهب إلى عبد الله ذهاباً فالنصب الوجه لأن المصادر موكدة أما جواز الرفع على بعد إذا قلت : سير بعبد الله لأنه ليس في قولك : سير من الفائدة إلا ما في ( سير ) وجوازه على أنك إذا قلتَ : سير بعبد الله سيرٌ فمعناه : سيرَ بعبد الله ضرب من السير لأنه لو اختلف لكان الوجه أن تقول : سير بعبد الله سيران أي : سيرٌ سريعٌ وبطيء أو : قديمٌ وحديثٌ وهذا قولُ أبي العباس رحمه الله
واعلم : أن قولهم ضرب زيد سوطاً أن معناه : ضرب زيد ضربة بسوط فالسوط هنا قد قامَ مقامَ المصدر ولذلك لم يجز أن تقيمَ السوطَ مقامَ الفاعلِ لا يجوز أن تقول : ضُرِبَ سوطٌ زيداً كما تقول : أعطى درهم عمراً
كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة