من طرف حكماء الثلاثاء 10 فبراير 2015 - 12:37
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
الأصول في النحو
● [ باب مسائل العطف ] ●
نقول : مررتُ بزيدٍ أنيسِكَ وصاحبِكَ فإن قلت : مررت بزيدٍ أخيك فصاحبِك والصاحب زيدٌ لم يجز وتقول : اختصم زيدٌ وعمروٌ ولا يجوز أن تقتصر في هذا الفعل وما أشبهه على اسم واحد لأنه لا يكون إلا من اثنين ولا يجوز أن يقع هنا من حروف العطف إلا الواو لا يجوز أن تقول : اختصم زيدق فعمروٌ لأنك إذا أدخلت الفاء وثم اقتصرت على الإسم الأول لأن الفاء توجب المهلة بين الأول والثاني وهذا الفعل إنما يقع من اثنين معاً وكذلك قولك جمعت زيداً وعمراً ولا يجوز أن تقول جمعت زيداً فعمراً وكذلك المال بين زيدٍ وعمروٍ ولا يجوز : بين زيدٍ فعمروٍ وتقول : زيدٌ راغبٌ فيك وعمروٌ تعطف ( عمراً ) على الإبتداء فإن عطفت على ( زيدٍ ) لم يكن بُد من أن تقول : زيدٌ وعمروٌ راغبانِ فيكَ فإن عطفت عمراً على الضمير الذي في ( راغبٍ ) قلت : ( زيدٌ راغبٌ هو وعمرو فيكَ ) فإن عطفت على ابتداء والمبتدأ لم يجز أن تقول : زيد راغبٌ وعمرو فيك لأن ( فيك ) معلقة براغب فلا يجوز أن تفصل بينهما وقد أجازوا تقديم حرف النسق في الشعر فتقول على ذاك : قامَ وزيدٌ عمروٌ وقامَ ثُمَّ زيدٌ وعمرو وتقول : زيدٌ وعمرو قاما ويجوز : زيد وعمرو قامَ فحذف ( قامَ ) من الأول اجتزاءً بالثاني وتقول : زيدٌ ثم عمرو قامَ وزيد فعمروٌ قامَ وقد أجازوا التثنية فتقول : زيدٌ فعمرو قاما وزيد ثم عمرو قاما ولا يجيزون مع ( أو ولا ) إلا التوحيد لا غير نحو : زيدٍ لا عمروٍ قامَ وزيد أو عمرو قامَ لا يجوز أن تقول : زيدٌ لا عمروٌ قاما لأنك تخلط من قام بمن لم يقم وكذلك لو قلت قَاما لجعلت القيام لهما إنما هو لأحدهما ومن أجاز : لقيتُ وزيداً عمراً لم يجز ذلك في المخفوض لا تقول : مررت وزيدٍ بعمروٍ تريد : مررت بعمروٍ وزيد لأنه قد قدم المعطوف على العامل وإنما أجازوا للضرورة أن يقدم معمولٌ فيه على معمولٍ فيه والعامل قبلهما وذا ليس كذلك وقد حلت بينه وبين ما نسقته عليه بغيره وهو الباء
وأجاز قوم : قام ثم زيد عمروٌ ولا يجيزون : إن وزيداً عمراً قائمانِ لأن ( إنَّ ) أداة
ويجيزون : ( كيف وزيدٌ عمروٌ ) ويقولون : كلُّ شيءٍ لم يكن يرفع لم يجز أن يليه الواو نحو : ( هل وزيد عمرو قائمانِ ) محال وإنما صار العطف إذا لم يكن قبله ما يرفع أقبح لأنه يصير مبتدأً وفي موضع مبتدأ وليس أحد يجيز مبتدأً : وزيدٌ عمروٌ قائمانِ يريد : عمرو وزيد قائمان وإن بمنزلة الإبتداء فلذلك قبح أيضاً فيها وتقول : زيدٌ رغبَ فيكَ وعمروٌ وزيد فيكَ رغبَ وعمروٌ فإن أخرجت ( رغب ) على هذا لم يجز : أن تقول : زيدٌ فيكَ وعمروٌ رغبَ لأنك قد فصلت بين المبتدأ وخبره بالمعطوف وقدمت ما هو متصل بالفعل وفرقت بينهما بالمعطوف أيضاً وتقول : أنت غير قائمٍ ولا قاعدٍ تريد : وغير قاعد لما في ( غير ) من معنى النفي وتقول : أنت غير القائم ولا القاعد تريد : غير القاعد كما قال الله عز و جل : ( غير المعضوبِ عليهم ولا الضالينَ ) ولم يجىء هذا في المعرفة لا يستعملون ( لا ) مع المعرفة العلم في مذهب ( غير ) لا يجوز : أنت غيرُ زيدٍ ولا عمروٍ تقول : زيدٌ قام أمس ولم يقعدْ ولا يجوز : زيد قامَ ويقعدُ وإنما جاز مع ( لم ) لأنها مع عملت فيه في معنى الماضي ولا يجوز أن تنسق على ( لن ولم ) بلا مع الأفعال لا تقول : لم يقم عبد الله لا يقعد وكذلك : لن يقوم عبد الله لا يقعدُ يا هذا لأن ( لا ) إنما تجيء في العطف لتنفي عن الثاني ما وجب للأول وتقول : ضربتُ عمراً وأخاهُ وزيدٌ ضربتُ عمراً ثم أخاه وزيدٌ ضربت عمراً أو أخاهُ وقوم لا يجيزون من هذه الحروف إلا الواو فقط ويقولون : لأن الواو بمعنى الإجتماع فلا يجيزون ذلك مع ثم وأو لأن مع ( ثم وأو ) عندهم فعلاً مضمراً فإن قلت : ( زيدٌ ضربت عمراً وضربتُ أخاهُ ) لم يجز : لأن الفعل الأول والجملة الأولى قد تمت ولا وصلةٌ لها بزيد وعطفت بفعل آخر هو المتصل لسببه وليس لأخيه في ( ضربتُ ) الأولى وصلةٌ فإن أردت بقولك : وضربتُ إعادة للفعل الأول على التأكيد جازَ ومن أجاز العطف على عاملين قال : زيدٌ في الدار والبيت أخوهُ وأمرتُ لعبد الله بدرهمٍ وأخيه بدينارٍ لأن ديناراً ليس إلى جانب ما عملت فيه الباء وحرف النسق مع الأخِ ولا يجوز أيضاً أمرتُ لعبد الله بدرهمٍ ودينارٍ أخيهِ لأن أخاهُ ليس إلى جانب ما عملت فيه اللام وحرف النسق مع دينارٍ وتقول : ضربتُ زيدٌ وعمراً ويجوز أن ترفع عمراً وهو مضروب فتقول : ضربتُ زيداً وعمرٌ تريد : وعمرو كذلك وإنما يجوز هذا إذا علم المحذوف ولم يلبس وتقول : هذان ضاربٌ زيداً وتاركهُ لأن الفعل لا يصلح هنا لو قلت : هذانِ يضربُ زيداً ويتركهُ لم يجز وإنما جاز هذا في ( فاعلٍ ) لأنه اسم فإذا قلت : هذانِ زيدٌ وعمروٌ لم يجز إلا بالواو لأن الواو تقوم مقام التثنية والجمع
واعلم : أنه لا يجوز عطف الظاهر على المكني المتصل المرفوع حتى تؤكده نحو : قمتُ أنا وزيدٌ وقامَ هُو وعمروٌ قال الله عز و جل : ( اذهبْ أنت وربك فقاتلا ) فإن فصلت بين الضمير وبين المعطوف بشيءٍ حسنَ نحو : ما قمتُ ولا عمروٌ ويجوز أن تعطف بغير تأكيد ولا يجوز عطفُ الظاهر على المكنى المخفوض نحو : مررت به وعمروٍ إلا أن يضطر الشاعر وتقول : أقْبَل إن قيلَ لك الحقُّ والباطل إذا أمرت بالحقِّ : أردت : أقْبَل الحقَّ إن قيلَ لك هُو والباطلُ
قد ذكرنا جميع هذه الأسماء المرفوعة والمنصوبة والمجرورة وما يتبعها في إعرابها وكنت قلت في أول الكتاب أن الأسماء تنقسم قسمين : معربٍ ومبنيٍ فإن المعرب ينقسم قسمين : منصرفٍ وغير منصرفٍ وقد وجب أن يذكر من الأسماء ما ينصرفُ وما لا ينصرف ثم نتبعهُ المبنياتِ
● [ ذكر ما ينصرف من الأسماء وما لا ينصرف ] ●
اعلم : أن معنى قولهم اسم منصرف أنه يراد بذلك إعرابه بالحركات الثلاث والتنوين والذي لا ينصرف لا يدخله جرٌ ولا تنوينٌ لأنه مضارعٌ عندهم للفعل والفعل لا جرَّ فيه ولا تنوين وجر ما لا ينصرف كنصبه كما أن نصب الفعل كجزمه والجر في الأسماء نظير الجزم في الفعل لأن الجر يخص الأسماء والجزم يخص الأفعال وإنما منع ما لا ينصرف الصرف لشبهه بالفعل كما أعرب من الأفعال ما أشبه الإسم فجميعُ ما لا ينصرف إذا أُدخلت عليه الألف واللام أو أُضيف جُرَّ في موضع الجَرِّ وإنما فُعل به ذلك لأنه دخل عليه ما لا يدخل على الأفعال وما يؤمن معه التنوين ألا ترى أن الألف واللام لا يدخلان على الفعل وكذلك الأفعال لا تضاف إلى شيءٍ وأن التنوين لا يجتمع مع الألف واللام والإِضافة وأصول الأسماء كلها الصرف وإنما في بعضها ترك الصرف وللشاعر إذا اضطر أن يصرف جميع ما لا ينصرف ونحن نذكر ما لا ينصرف منها ليعلم ما عداها منصرفٌ
[ الأسباب التي تمنع الصرف تسعة ]
متى كان في الإسم اثنان منها أو تكرر واحد في شيء منها منع الصرف وذلك وزن الفعل الذي يغلب على الفعل والصفة والتأنيث الذي يكون لغير فرق والألف والنون المضارعة لألفي التأنيث والتعريف والعدل والجمع والعجمة وبناء الإسم مع الإسم كالشيء الواحد
الأول : وزن الفعل
فما جاء من الأسماء على أفعل أو يفعلُ أو تَفعل أو نَفعل أو فَعل ويفعلُ وانضم معه سبب من الأسباب التي ذكرنا لم ينصرف فأفعل نحو أحمرَ وأصفرَ وأخضرَ لا ينصرف لأنه على وزن أَذَهَبُ وأعلمُ وهي صفات فقد اجتمع فيها علتان وأحمدُ اسم رجل لا ينصرف لأنه على وزن أذْهبُ فهو معرفةٌ ففيه علتان فإنْ نكرته صرفته تقول : مررتُ بأحمدَ يا هذا وبأحمدٍ آخر وأعصرُ اسم رجلٍ لا ينصرف لأنه مثل أقَتل وكذلك إن سميته بتنضب وترتب وتألبَ فأما تولبُ إذا سميت به فمصروف لأنه مثل جعفر فإن سميت على هذا رجلاً بيضربَ قلت : هذا يضربُ قد جاءَ ومررت بيضربَ ورأيت يضرب وكذلك : تضربُ ونضربْ واضربُ وإن سميته بفَعَلَ قلت : هذا ضَربَ قَد جاءَ ورأيتُ ضربَ وإن سميته بضربَ صرفته لأنه مثل حَجرٍ وجَملٍ وليس بناؤه بناء يخص الأفعال ولا هي أولى به من الأسماء بل الأسماء والأفعال فيه مشتركة وهو كثير فيهما جميعاً وإن سميتَ رجلاً بنرجس لم تصرفهُ لأنه على مثال نَصربُ وليس في الأسماء شيء على مثال فَعْلِلَ ولو كان فيها فَعْلِلٌ لصرفنا نرجسَ إذا سمينا به
أما نهشل اسم رجل فمصروفٌ لأنه على مثال ( جعَفْرَ ) وليس هو تفعلُ إنما هو فَعْلَلٌ ولكن لو سميت رجلاً بتذهبُ لتركت صرفه فقلت : هذا تذهبُ ورأيتُ تذهبَ ومررتُ بتذهبَ وجميع هذه إذا نكرتها صرفتها تقول : مرتُ بتغلبَ وتغلبٍ آخر لأنه قد زالت إحدى العلتين
وهي التعريف فإن سميت بقام عمروُ حكيت فقلت : هذا قامَ عمروٌ ورأيت قامَ عمرو وكذلك كل جملة يسمى بها نحو : تأبَّط شراً تقول هذا تأبَّط شراً وكذلك إذا سميته ( بقاما ) قلت : هذا قاما ورأيت قاما ومررت بقاما وهذا قاموا ورأيتُ قاموا ومررت بقاموا وإن سميت ( بقام ) وفي قام ضمير الفاعل حكيته فقلت : هذا قام قد جاء ومررتُ بقام يا هذا تدعه على لفظه لأنك لم تنقله من فعل إلى اسم إنما سميت بالفعل مع الفاعل جميعاً رجلاً فوجب أن تحكيه فأما إن سميت ( بقام ) ولا ضمير فيه فهو مصروفٌ لأنه مثل بابٍ ودارٍ وقد نقلته من الفعل إلى الإسم ولو كان فعلاً لكان معه فاعلٌ ظاهر أو مضمرٌ وكذلك لو سميت بقولك : زيدٌ أخوكَ لقلت هذا زيد أخوكَ قد جاءَ ورأيت أخوكَ ومررت بزيدٌ أخوكَ تحكي الكلام كما كان فإن سميت رجلاً ( بضربتُ ) ولا ضمير فيه قلت : هذا ضَربه فتقف عليه بهاءٍ لأن الأسماء المؤنثة من هذا الضرب إذا وقفت عليها أبدلت التاء هاءً تقول : هذا سلمةُ قد جاءَ فإذا وقفت قلت : سلمهْ وكذلك ( ضربتُ ) إذا سميت بها خرجت عن لفظ الأفعال ولزمها ما يلزم الأسماء وليست التاء في ( ضربت ) اسماً ولو كانت اسماً لحكى وقد ذكرنا فيما تقدم أن هذه التاء إنما تدخل في فعل المؤنث لتفرق بينه وبين فعل المذكر وإذا سميت ( بضربتُ ) وفيها ضمير الفاعلة حكيت فقلت : هذا ضربتُ قد جاءَ ورأيت ضربتُ ومررت بضربت لأن فيه ضميراً ولو أظهرت لقلت ضَرَبَت هِي وكل اسم صار علماً لشيءٍ وهو على مثال الأفعال في أوله زياداتها لا تصرفه فإن سميت بأضرب أو أقبل قطعت الألف ولم تصرفه فقلت : هذا أضرب قد جاء وأذهب وأقبل قد جاء لأن ألف الوصل إنما حقها الدخول على الأفعال وعلى الأسماء الجارية على تلك الأفعال نحو : استضرب استضراباً وانطلق انطلاقاً فأما الأسماء التي ليست بمصادر جاريةٍ على أفعالها فألف الوصل غير داخلة عليها وإنما دخلت في أسماء قليلة نحو : ابنٍ وامرىءٍ واستٍ وليس هذا بابُها وإن سميت رجلاً ( بتضاربَ ) صرفته لأنه ليس على مثال الفعل فتقول : هذا تضاربُ قد جاءَ ومررت بتضاربٍ فإن صغرته وهو معرفة قلت : تُضَيرِبُ فلم تصرفه لأنه قد ساوى تصغير ( تَضرِب ) وأنت لو سميت رجلاً ( بتضربَ ) ثم صغرته وأنت تريد المعرفة لم تصرفه
وأفعل منك لا يصرف نحو : أفضل منك وأظرفَ منكَ لأنه على وزن الفعل وهو صفة فإن زال وزن الفعل انصرف ألا ترى أن العرب تقول : هو خيرٌ منك وشرٌ منكَ لما زال بناء ( أَفعلَ ) صرفوه فإن سميت بأفعلَ مفرداً أو معها ( منكَ ) لم تصرفها على حال وأما أجمعُ وأكتعُ فلا ينصرفان لأنهما على وزن الفعل وهما معرفتان لأنهما لا يوصف بهما إلا معرفة فإن ذكرتهما صرفتهما وإن سميت رجلاً ضربوا فيمن قال : أكلوني البراغيثُ قلت : هذا ضربونَ قد جاءَ من قبل أن هذه الواو ليست بضمير فلما صار اسماً صار مثل ( مسلمونَ ) والإسم لا يجمع بواو ولا نونٍ معها ومن قال مسلمين قالت : ضَربينَ وكذلك لو سميت ( بضَربا ) قلت : ضربانِ قد جاءَ فيمن قال : أكلوني البراغيثُ ومن قال : مسلمينَ وعشرينَ لم يقل في مسلمات ملسمينَ لأن ذاك لما صار اسماً لواحدٍ شبه بعشرينَ ويبرينَ
الثاني : الصفة التي تتصرف
وذلك نحو : أفعلَ الذي لَهُ فَعْلاءُ نحو أحمرَ وحمراءَ وأصفرَ وصفراءَ وأعمى وعمياءَ وأحمرُ لا ينصرف لأنه على وزن الفعل وهو صفةٌ وحمراءُ لا تتصرفُ لأن فيها ألف التأنيث وهي مع ذلك صفة ولو كان ألف التأنيث وحدها في غير صفةٍ لم تنصرف ونحن نذكر ذلك في باب التأنيث والصفة لا تكون معرفة إلا بالألف واللام وكل بناء دخلته الألف واللام فهو منصرفٌ ومتى صارت الصفة اسماً فقد زال عنها الصفة فأما قائمةٌ وقاعدةٌ وما أشبه ذلك إذا وصفت بها فهو منصرفٌ لأن هذه الهاء إنما دخلت فرقاً بين المذكر والمؤنث وهي غير لازمةٍ فهي مثل التاء في الفعل إذا قلت : ضربتُ وضربتَ وإنما يعتد بالتأنيث الذي لم يذكر للفرق وأجازوا مثنىً وثلاثَ ورباعَ غير مصروفٍ وذكر سيبويه أنه نكرةٌ وهو معدولٌ فقد اجتمع فيه علتان وإذا حقرت ثُناء وأحادَ صرفته لأنك تقول أحُيَدٌ وثُنيٌ فيصير مثل حُمَيرٍ فيخرج إلى مثال ما ينصرف
الثالث التأنيث
والمؤنث على ضربين : ضرب بعلامةٍ وضرب بغير علامة فأما المؤنث الذي بالعلامة فالعلامةُ للتأنيث علامتان : الهاءُ والألفُ فالأسماء التي لا تنصرف مما فيها علامة فنحو : حَمْدَة اسم امرأة وطلحةَ اسم رجل لا ينصرفان لأنهما معرفتان وفيهما علامة التأنيث فإن نكرتهما صرفتهما تقول : مررت بحمدَة وحَمْدةٍ أخرى وبطلحةَ وطلحةٍ آخرَ وكل اسم معرفة فيه هاء التأنيث فهو غير مصروف فأما ألف التأنيث فتجيء على ضربين : ألف مفردة نحو بُشرى وخبلَى وسكرى وألف قبلها ألف زائدة نحو : صحراء وحمراءَ وخُنْفَساءَ وكل اسم فيه ألف التأنيث ممدودةً أو مقصورة فهو غير مصروف معرفة كان أو نكرة فإن قال قائل فما العلتان اللتان أوجبتا ترك صرف بُشرى وإنما فيه ألف للتأنيث فقط قيل : هذه التي تدخلها الألف يبنى الإسم لها وهي لازمة وليست كالهاء التي تدخل بعد التذكير فصارت للملازمة والبناء كأنه تأنيث آخر وتضارع هذه الألفُ الألفَ التي تجيء زائدةً للإِلحاق إذا سميت بما يكون فيه وذلك نحو : ألف ذِفْرَى وعَلْقَى فيمن قال : عَلْقاةٌ وحَبنَطى فإن سميت بشيءٍ منها لم تصرفه لأنها ألفٌ زائدةٌ كما إن ألف التأنيث زائدة وقد امتنع دخول الهاء عليها في المعرفة وأشبهت ألف التأنيث لذلك
وحق كل ألف تجيء زائدةً رابعةً فما زاد أن يحكم عليها بالتأنيث حتى تقوم الحجة بأنها ملحقة لأن بابها إذا جاءت زائدةً رابعةً فما زاد فللتأنيث لكثرة ذلك واتساعه والإِلحاق يحتاج إلى دليل لقلته والدليل الذي تعلم به الألف الملحقة أن تنون وتدخل عليها هاءٌ نحو من جعل عَلقىً ملحقةً فنون وألحق الهاء فقال : عَلقاةٌ ولهذا موضع يبين فيه وإنما شبهت ألفُ حبَنَطْىَ بألف التأنيث كما يثبت الألف والنون في عثمان بالألف والنون في غَضبْانَ لما تعرف عثمان وصار لا يدخله التأنيث فإن صغرت عَلْقَى اسم رجل صرفته وإن سميت رجلاً بمعزَى لم تصرفه وإن صغرته لم تصرفه أيضاً لأنه اسمٌ لمؤنثٍ فأما من ذكر معزى فهو يصرفه وتَترى فيها لغتان كعَلْقَى فأما أرَطْى ومعْزى فليس فيه إلا لغة واحدة الإِلحاق والتنوين فإن سميت بهما لم تصرفهما كما ذكرت لك وإن سميت بعِلبَاء صرفته لأنه ملحقٌ بسرداحُ تقول عُليبى كما تقول : سُرَيْديحٌ ولو كانت للتأنيث لقلت عُلَبياءٌ
وأما التأنيث بغير علامةٍ فنحو : زينب وسعادَ لا ينصرفان لأنهما اسمان لمؤنث وإن سميت امرأة باسمٍ على أربعة أحرف أصلية أو فيها زائدةٌ فما زاد لم يصرف لأن الحرف الرابع بمنزلة الهاء لأن الهاء لا تكون إلا رابعةً فصاعداً إلا في اسم منقوص نحو : ثُبَةٍ وكذلك إن سميت مذكراً باسم مؤنث لا علامة فيه ولم تصرفه نحو رجل سميته بعناق وسعادَ وقالوا : إنّ أسماءَ اسم رجلٍ إنما لم يصرف وهو جمع اسم على أفعال وحق هذا الجمع الصرفُ لأنه من أسماء النساء فلما سمي به الرجلُ لم يصرف ولو قال قائل : إنما هو فعلاءُ أرادوا أسماء وأبدلوا الواوَ همزةً كما قال في وسادةٍ إسادةٍ لكان مذهباً فإن سميت مؤنثا باسم ثلاثي متحرك الأوسط فهو غير مصروف نحو : امرأة سميتَها بقدَمٍ فإن كان الثلاثي ساكن الأوسط نحو : هنْدٍ ودَعْدٍ وجُمْلِ فمن العرب من يصرف لخفة الإسمِ وأنه أقل ما تكون عليه الأسماء من العدد والحركة ومنهم من يلزم القياس فلا يصرف فإن سميت امرأة باسم مذكرٍ وإن كان ساكن الأوسط لم تصرفه نحو زيدٍ وعمروٍ لأن هذه من الأخف وهو المذكر إلى الأثقل وهو المؤنث فهذا مذهب أصحابنا وهو في هذا الموضع نظير رجلٍ سميته بسعادَ وزينبَ وجيَأَلَ فلم تصرفه لأنها أسماءٌ اختص بها المؤنث وهو على أربعةِ أحرف والرابع كحرف التأنيث وإن سموا رجلاً بقَدَمٍ وخَشلٍ صرفوه وحقروهُ فقالوا : قُدَيمٌ
الرابع : الألف والنون اللتان يضارعان ألفي التأنيث
اعلم : أنهما لا يضارعان ألفي التأنيث إلا إذا كانتا زائدتين زيدا معاً كما زيدت ألفا التأنيث معاً وإذا كانتا لا يدخل عليهما حرف تأنيث كما لا يدخل على ألفي التأنيث تأنيثٌ وذلك نحو : سكرانَ وغضبانَ لأنك لا تقول : سكَرانة ولا غضبانةٌ إنما تقول : غَضْبَى وسَكَرى فلما امتنع دخول حرف التأنيث عليهما ضارعا التأنيث وكذلك كل اسمٍ معرفةٍ في آخره ألفٌ ونونٌ زائدتان زيدا معاً فهو غير مصروفٍ وذلك نحو : عثمانَ اسم رجلٍ لا تصرفه لأنه معرفة وفي آخره ألفٌ ونونٌ وهما في موضع لا يدخل عليهما التأنيث لأن التسمية قد حظرت ذلك فهذا مثل حَبَنْطَى وذِفْرى إذا سميت بهما لما حظرت التسمية دخول الهاء اشبهت الألفُ ألفَ التأنيث فلم تصرف في المعرفة وصرف في النكرة وكذلك عثمان غير مصروف في المعرفة فإن نكرته صرفته لأنه في نكرته كعطشانَ الذي له عطشى وكذلك إذا سميته بِعُريانَ وسرحانَ وضُبعانَ لم تصرفه فإن نكرته صرفته وإن حقرت سرحان اسم رجلٍ صرفته فقلت : سُريحينٌ لأنه ملحقٌ بسرداحَ في نكرته ولكنك إن حقرت عثمانَ فقلت : عُثيمانُ لم تصرفه وتركت الألف والنون على حالهما كما فعلت بألفي التأنيث إذا قلت : حُمَيراءُ فعثمانُ مخالفٌ كسرحانَ كأنه إنما بني هذا البناء في حال معرفته وهذا يبين في التصغير وإن سميت بطحَان من الطحنِ وسمانَ من السمنِ وتبانَ من التبن صرفت جميع ذلك وإن سميت بدهقانَ من الدهقِ لم تصرفه وإن سميته من التدهقن صرفته
وكذلك شيطان إن كان من التشيطنِ صرفته وإن كان من شَيَّطَ لم تصرفه وقال سيبويه : سألتُ الخليل عن رُمّانَ فقال : لا أصرفه وأحمله على الأكثر إذا لم يكن له معنى يعرف يعني أنه إذا سمي لم يصرفه في المعرفة لأنه لا يدري من أي شيءٍ اشتقاقه فحمله على الأكثر والأكثر زيادة الألف والنون قال : وسألته عن سَعْدانَ ومَرْجانَ فقال : لا أشكُّ في أن هذه النونَ زائدةٌ لأنه ليس في الكلام مثل : سِرداحَ ولا فَعْلالٍ إلا مضعفاً ولو جاء شيء على مثال جَنْجَانَ لكانت النون عندنا بمنزلة نون مُرّان إلا أن يجيء أمرٌ يبين أو يكثر في كلامهم فيدعوا صرفه قال أبو العباس : صُرف جَنْجانُ لأن المضاعف من نفس الحرف بمنزلة خَضْخَاضٍ ونحوه فأما عَوْغَاء فيختلف فيها فمنهم من يجعلها كخَضْخاضٍ فيصرف ومنهم من يجعلها بمنزلة عوراءُ فلا يصرف
الخامس : التعريف
متى ما اجتمع مع التعريف التأنيث أو وزن الفعل أو العجمة أو العدل أو الألف والنون لم يصرف فالتأنيث نحو : طلحةَ وحَمْزة وزينبَ اجتمع في هذه الأسماء أنها مؤنثات وأنها معارفٌ والألف والنون مثل عثمان والعدل مثل عُمَر وسَحَر ووزن الفعل مثل أحَمَد ويشكَر والعجمة نحو : إبراهيم وإسماعيل ويعقوبَ فجميع هذه لا تصرف لإجتماع العلتين فيها فإن سميت بيعقوب وأنتَ تريد ذكر القبح صرفته لأنه مثل يربوعَ فأما الصفة والجمع فإنهما لا يجتمعان مع التعريف بالتسمية لأن الصفة إذا سمي بها زال عنها معنى الصفة والجمع لا يكون معرفة أبداً إلا بالألف واللام فإن سميت بالجمع الذي لا ينصرف رجلاً نحو : مساجد لم تصرفه وقلت : هذا مساجدُ قد جاءَ إنما لم يصرف لأنه معرفة وإنه مثالٌ لا يكون في الواحد فأشبه الأعجمي المعرفة فإن صغرته صرفته فقلت : مُسَيجِدٌ لأنه قد عاد البناء إلى ما يكون في الواحد مثله وصار مثل مُييسِرٍ وقال سيبويه : سَراويلُ واحدٌ أعرب وهو أعجمي وأشبه من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرةٍ فهو مصروفٌ في النكرة
وإن سميت به لم تصرفه وإن حقرته اسم رجلٍ لم تصرفه لأنه مؤنث مثل عَنَاق وعَنَاق إذا سميت به مذكراً لم تصرفه وأما شراحيلٌ فمصروفٌ في التحقير لأنه لا يكون إلا جمعاً وهو عربيٌّ وقال الأخفش : الجمعُ الذي لا ينصرفُ إذا سميتَ بِه إنْ نكّرتهُ بعد ذل لك لم تصرفه أيضاً
السادس : العدل
ومعنى العَدْلِ أن يشتق من الإسم النكرة الشائع اسمٌ ويغير بناؤه إما لإِزالة معنى إلى معنى وإما لأن يسمى به فأما الذي عُدل لإِزالة معنى إلى معنى فمثنى وثلاث ورباع وآحادَ فهذا عُدِلَ لفظه ومعناه عُدِلَ عن معنى اثنين إلى معنى اثنين اثنين وعن لفظ اثنين إلى لفظ مثنى وكذلك أحاد عُدِلَ عن لفظ واحد إلى لفظ أحاد وعن معنى واحد إلى معنى واحد واحد وسيبويه يذكر أنه لم ينصرف لأنه معدول وأنه صفةٌ ولو قال قائلٌ : إنه لم ينصرف لأنه عُدل في اللفظ والمعنى جميعاً وجعل ذلك لكان قولاً : فأما ما عُدل في حال لتعريف فنحو : عُمَرَ وزُفرَ وقثم عُدلنَ عن عامرٍ وزافرٍ وقاَئَمَ أما قولهم : يا فسقُ فإنما أرادوا : يا فاسقُ وقد ذكر في باب النداء وسحرُ إذا أردت سحر ليلتك فهو معدول عن الألف واللام فهو لا يصرف تقول : لقيتُهُ سَحَر ياهذا فاجتمع فيه التعريف والعدل عن الألف واللام فإن أردت سحراً من الأسحار صرفته وإن ذكرته بالألف واللام أيضاً صرفته فأما ما عُدِلَ للمؤنث فحقه عند أهل الحجاز البناء لأنه عُدل مما لا ينصرف فلم يكن بعد ترك الصرف إلا البناء
ويجيء على ( فَعالِ ) مكسور اللام نحو : حَذامِ وقَطامِ وكذلك في النداء نحو : يا فساقِ ويا غَدارِ ويا لكاعِ ويا خباثِ فهذا اسم الخبيث واللكعاء والفاسقة وفَعالِ في المؤنث نظيرُ فَعَلٍ في المذكر وقد جاء هذا البناء اسماً للمصدر فقالوا : فَجارِ يريدونَ : فَجْرةَ وبَدادِ يريدون : بدداً ولا مَساسِ يريدون : المسَّ ويجيء اسماً للفعل نحو : مَناعَها أي امنَعْهَا وحَذارِ اسم احذر ومما عُدل عن الأربعة : قَرْقَارِ يريدون : قَرقِرْ وعرعَارِ وهي لعبة ونظيرها من الثلاثة : خراجِ أي أخرجوا وهي لعبة أيضاً وجميع ما ذكر إذا سمي به امرأة فبنو تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسمٍ لا ينصرفُ فأما ما كان آخره راء فإن بني تميم وأهل الحجاز يتفقون على الحجازية وذلك : سَفارِ وهو اسم ماءٍ وحضارِ اسم كوكبٍ قال سيبويه : يجوزُ الرفع والنصب قال الأعشى :
( ومَرَّ دهرٌ عَلى وبَارِ ... فهَلكتْ جَهْرَةً وَبارُ )
وجمع هذا إذا سمي به المذكر لم ينصرف لأن هذا بناءٌ بني للتأنيث وحرك بالكسر لذلك لأن الكسرة من الياء والياءُ يؤنثُ بها وهو متصرف في النكرة ومنهم من يصرف رقاش وعَلابِ إذا سمي به كأنهُ سمي بصباح وإذا كان اسماً على فعال لا يدري ما أصله بالقياس صرفه لأنه لم يعلم له علةٌ توجبُ إخراجُه عن أصله وأصل الأسماء الصرف وكل ( فَعال ) جائزٌ متى كانت من ( فَعَل أو فعُلَ أو فعِلَ ولا يجوز من أفعْلتُ ) لأنه لم يسمع من بنات الأربعة إلا قَرْقَار وعَرْعَارِ وفَعالِ إذا كان أمراً نصب بعده وليس يطرد ( فَعالِ ) إلا في النداء وفي الأمر
السابع : الجمع الذي لا ينصرف
وهو الذي ينتهي إليه الجموع ولا يجوز أن يجمع وإنما مُنع الصرف لأنه جمعُ جمعِ لا جمع بعده ألا ترى أن أكلبُاً جمع كَلْبٍ فإن جمع أَكلُباً قلت : أكالبُ فهذا قد جمع مرتين فكل ما كان من هذا النوع من الجموع التي تشبه التصغير وثالثهُ ألفٌ زائدةٌ كما أن ثالث التصغير ياءٌ زائدة وما بعده مكسور كما أن ما بعد ثالث التصغير مكسور فهو غير منصرف وذلك نحو : دراهم ودنانير فدراهم في الجمع نظير دُريهم في التصغير ودنانير نظير دُنينير فليس بين هذا الجمع وبين التصغير إلا ضمة الأول في التصغير وفتحةً في الجمع وإن ثالث التصغير ياءٌ وثالثُ هذا ألفٌ فهذا الجمع الذي لا ينصرف
فإن أدخلت الهاء على هذا الجمع انصرف وذلك نحو : صياقلةٍ لأن الهاء قد شبهته بالواحد فصار كمدائني لما نسبت إلى مدائن انصرف وكان قبل التسمية لا ينصرف الإِعراب على الباء كما وقع على ياء النسب فإن كان هذا الجمع فيما لامهُ ياء
مثل جَوارٍ نونت في الجر والرفع لأن هذه الياء تحذف في الوقت في الجر والرفع فعوضت النون من ذلك وإذا وقعت موضع النصب بنيت الياء ولم تصرف وقلت : رأيت جواري يا هذا
وقال أبو العباس رحمه الله : قال أبو عثمان : كان يونس وعيسى وأبو زيد والكسائي ينظرون إلى جوار وبابه أجمع فكل ما كان نظيره من غير المعتل مصروفاً صرفوه وإلا لم يصرفوه وفتحوه في موضع الجر كما يفعلون بغير المعتل يسكنونه في الرفع خاصةً وهو قول أهل بغداد والصرف الذي نحن عليه في الجر والرفع هو قول الخليل وأبي عمرو بن العلاء وابن أبي اسحاق وجميع البصريين قال أبو بكر : فأما الياء في ( ثمانٍ ) فهي ( ياءُ نسبٍ ) وكان الأصل ثمني مثل يمني فحذفت إحدى اليائين وأبدلت منها الألف كما فُعَل ذلك بيمني حين قالوا : يَمانٍ يا هذا وقد جعل بعض الشعراء ثماني لا ينصرف
قال الشاعر :
( يَحْدو ثَماني مولعاً بلقاحِها ... )
وأما بخاتي فلا ينصرف لأن الياء لغير النسب وهي التي كانت في بُختية وكذلك كُرسي وكَراسي وقُمْري وقَماري
الثامن : العجمة
الأسماء الأعجمية الأعلام غير مصروفة إذا كانت العرب إنما أعربتها في حال تعريفها نحو : إسحاق وإبراهيم ويعقوب لأن العرب لم تنطق بهذه إلا معارف ولم تنقلها من تنكير إلى تعريف فأما ما أعربته العرب من النكرات من كلام العجم وأدخلت عليه الألف واللام فقد أجروه مجرى ما أصل بنائه له وذلك نحو : ديباجٍ وإبريسم ونيروزَ وفِرْنِد وزنجبيلَ وشهريزَ وآجر فهذا كله قد أعربته العرب في نكرته وأدخلت عليه الألف واللام فقالوا : الديباج والشهريزُ والنيروزُ والفِرنِدُ فجميع هذا إذا سميت به مذكراً صرفته لأن حكمه حكم العربي فإن كان الإسم العلمُ ثلاثياً صرفوه لخفته نحو : نُوحٍ ولُوطٍ ينصرفانِ على كل حالٍ
التاسع : الإسمان اللذان يجعلان اسماً واحداً
والأول منهما مفتوح والثاني بمنزلة ما لا ينصرف في المعرفة ويتصرف في النكرة وهو مشبه بما فيه الهاء لأن ما قبله مفتوحٌ كما أن ما قبل الياء مفتوح وهو مضموم إلى ما قبله كما ضمت الهاء إلى ما قبلها وذلك نحو : حضرموت وبعلبكَ ورامُ هُرمز ومارسَرْجِس ومنهم من يضيف ويصرف ومنهم من يضيف ولا يصرف ويجعل
كَرِبَ في ( معدي كرب ) مؤنثاً ومنهم من يقول : معد يكرَب يجعله اسماً واحداً إلا أنهم لا يفتحون الياء ويتركونها ساكنةً يجعلونها بمنزلة الياء في دردبيس وكذلك إذا أضافوا يقولون : رأيت معدي كرب يلزمون الياء الإسكان استثقالاً للحركةِ فيها
[ مسائل من هذا الباب ]
قال أبو العباس : قال سيبويه تصرفُ رجلاً سميته قيل أوردَ اللتين تقديرهما فُعِل فقيل له : لم صرفتهما وفعِلَ لا ينصرف في المعرفة لأنه مثال لا تكون عليه الأسماء فقال : لما سكنت عيناهما ذهب ذلك البناءُ وصارا بمنزلة فُعْلٍ وفَعْلٍ قيل له : فكيف تزعم أنك إذا قلت لَقَضْوُ الرجلُ ثم أسكنت على قول من قال في عَضُدٍ عَضْدٌ قلت : لَقَضْو الرجل ولم ترد الياء وإن كانت الضمة قد ذهبت لأنك زعمت تنويها وأنك لم تبنها على ( فعلٍ ) ولكنك أسكنتها من ( فَعْلٍ ) فذلك البناء في نيتك وكذلك تقول في ( ضوءٍ ) كما ترى إذا خففت الهمزة ( ضَوٌ ) فأثبت واواً طرفاً وقبلها حركةٌ ومثل هذا لا يكون في الكلام فقلت : إنما جاز هذا لأن حركتها إنما هي حركة الهمز لأنها الأصل فهي في النية واشباه هذا كثير فَلمَ لَم تترك الصرف في قيل وَردَّ اللتين هُما فَعلَ لأن الإِسكان عارض والحركات في النية قال : فالجواب في ذلك أنه حين قال لَقَضْوَ الرجلُ فأسكن الضاد إنما سكنها من شيءٍ مستعمل يتكلم به فالإِسكان فيه عارضٌ لأن قولهم المستعمل إنما هو لَقَضُوَ ثم يسكنون وكذلك الهمزة المخففة إنما المستعمل إثباتها ثم تخفف استثقالاً فيقولون : ضَوٌ وقَضْو استخفافاً وأما قيلَ وَردَّ فلا يستعملُ الأصلُ منهما البتة لا يقال : قَولَ ثم يخففُ ولا رَدُدَ فهذا يجري مجرى ما لا أصل له إلا ما يستعمل ولذلك قالوا في تصغير سماءٍ سُمَيةٌ لأن هذه الياء لا يستعمل إلا حذفها فلذلك دخلت الهاء وصارت بمنزلة ما أصله الثلاثة وقياس هذا القول أنك إذا سميت رجلاً : ( ضَرَبَ ) ثم أسكنت فقلت ضَرْب لم تصرفه لأن الأصل يستعمل وإن أسكنت فقلت ( ضَرْبُ ) التي هي فَعْلٌ ثم سميت بها مسكنة وجب أن تصرف لأن الأصل لم يقع في الإسم قط وأنه لم يُسمَ به إلا مسكناً والدليل على ذلك أنهم إذا سموا رجلاً جيأَلَ ثم خففوا الهمزة قالوا : جمل ولم يصرفوه وقال : سُئل التوزي وروي عن أبي عبيدة أنه يقال للفرس الذكرِ لُكَعُ والأنثى لُكَعةُ فهل ينصرف لُكَع على هذا القول فالجواب في ذلك : أن لُكَعاً هذه تنصرف في المعرفة لأنه ليس ذلك المعدول الذي يقالُ للمؤنث منه ( لكاعِ ) ولكنه بمنزلة : حُطَمٍ وإن كان حَطْمٌ صفةً لأنه اسم ذكره من باب صُرَدٍ ونَغْرٍ فلم يؤخذ من مثال عامرٍ فيعدلُ في حالة التعريف إلى عُمَر ونحوه وقال : الأسماء الأعجمية التي أعربتها العرب لا يجيءُ شيءٌ منها على هيئته وأنت إذا تفقدت ذلك وجدته في إبراهيم وإسحاق ويعقوبُ وكذلك فرعونُ وهامانُ و ما أشبهها لأنها في كلام العجم بغير هذه الألفاظ فمن ذلك أن إبراهيم بلغة اليهود منقوص الياء ذاهب الميم وأن سارة لما أعربها نقصت نقصاً كبيراً وكذلك إسحق والأسماء العربية ليس فيها تغييرٌ ويبين ذلك أن الإشتقاق فيها غير موجودٍ ولا يكون في العربية نعتٌ إلا باشتقاقٍ من لفظه أو من معناه ولو قال قائل : هل يجوز أن يصرف إسحاق كنت مشتركاً إن كان مصدر إسحاق السفرُ إسحاقاً تريد : أبَعَدَه إبعاداً فهو مصروفٌ لأنه لم يغير والسحيقُ : البعيدُ قال الله عز و جل : ( أو تهوي به الريحُ في مكانٍ سحيقٍ ) وإن سميته إسحاق اسم النبي تصرفه لأنه قد غير عن جهته فوقع في كلام العرب غير معروف المذهب وكذلك يعقوب الذي لم يغير وإنما هو اسم طائر معروف قال الشاعر :
( عَالٍ يُقَصّرُ دونَهُ اليعقوبُ ... )
فإذا سمينا بهذا صرفناه وإن سميناه يعقوب اسم النبي لم تصرفه لأنه قد غير عن جهته فوقع غير معروف المذهب وإنما جاء في القرآن في مواضع من صرف عاد وثمود وسبأ فالقول فيها : أنها أسماء عربية وأن القوم عرب في أنفسهم فقولُه عز و جل : ( وعادا وثمودا وأصحاب الرس ) وإنما هم آباء القبائل كقولك : جاءتني تميم وعامر إنما هو قبيلة تميم وقبيلة عامر فحذف قبيلة كقولك : واسأل القرية فأما عاد فمنصرف اسم رجل على كل حال لأن كل عجمي لا علامة للتأنيث فيه على ثلاثة أحرف فهو مصروف وأما ثمودُ فهو فعول من الثَّمَدِ وهو الماء القليل فمن صرفه جعله أباً للحي والحي نفسه وأما سبأ فهو جد بني قحطان والقول فيه كالقول في ثمود وعاد والأغلب فيه أنه الأب والأكثر في القراءة : ( لقد كان لسبأ في مسكنهم آية ) و ( وجئتك من سباءٍ ببنأ يقين ) وتقول : هو اسم امرأة وهي أمهم وليس هذا بالبعيد قال النابغة الجعدي :
( مِنْ سبأَ الحاضرينَ مأَرب إذْ ... يبنونَ من دونِ سيلهِ العَرِما )
مأرب : موضع والعرمُ : هذا الذي يسمى السكر والسكر فهو من قولك : سميته سكراً
والسِّكْرُ : اسم الموضع وتقول : كل أفعل يكون وصفاً وكل أفعل يكون اسماً وكل أفعل أردت به الفعل نصب أبداً لأنَّ ( كل ) لا يليها اسم علم إلا أن تريد كل أجزائه فأما إذا وليها اسم مفرد يقوم مقام الجمع فلا يكون إلا نكرة وقد بنيتُ ذا فيما تقدم وتقول : أفعل إذا كان وصفاً فقصته كذا فتترك صرفه كما تترك صرف أفعل إذا كان معرفة وإنما صار معرفة لأنك إذا أردت هذا البناء فقط وهذا الوزن فصار مثل زيد الذي يدل على شيء بعينه ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول الأفعل وإذا كان كذا فقضيته كذا لأنه لا ثاني له
فإن قلت : هذا رجلُ أفعلٌ فلا تصرفه لأنه موضع حكاية حكيت بها رجلاً أحمر كقولك : كلُّ أفعلَ زيدٌ نصب أبداً إذا مثلت به الفعل خاصة وتقولُ : هذا رجل فعلان فتصرف لأنه قد يكون هذا البناء منصرفاً إذا لم يكن له فعلى فإن قلتُ فعلان إذا كان من قصته كذا فجئت به اسما لا يشركه غيره لم تصرف وتقول : كل فَعْلَى أو فِعْلَى كانت ألفها لغير التأنيث انصرفت وإن كانت الألف جاءت للتأنيث لم تنصرف لأن ما فيه ألف التأنيث لا ينصرف في معرفة ولا نكرة وقال الأخفش : لو سميت رجلاً بخمسة عشر لقلت : هذا خمسةَ عشرَ قد جاء وهذا خمسةَ عشر آخرَ ومررت بخمسة عشر مقبلاً وتقول : بلال اباذ : ومثل ذلك مائة دينار يعني إذا جعلت مائة مع دينار اسماً واحداً قال أبو بكر : وما استعملته العرب مضافاً وعرف ذلك في كلامها فلا يجوز عندي أن يجعل المضاف والمضاف إليه بمنزلة خمسة عشر من قبل أنهم قد فرقوا بين مائة دينار وخمسة عشر لأن خمسة عشر عددان فجعلا اسماً واحداً للمعنى وهما بمنزلة عشرة لإختلاط العدد بعضه ببعض ومائة دينار ليس كذلك لأن ديناراً هو مفسر المعدود والذي ذهب إليه الأخفش : أن مائة دينار إضافته غير إضافة حقيقية لأنه مميز وليس كإضافة صاحب دينار ولا إضافة عبد الله واعلم أن من أضاف معدي كرب وحضر موت يقول : هذا رامهرمز يا فتى فترفع ( رام ) ولا تصرف هرمز لأنه أعجمي معرفة
واعلم : أنه لا يصلح أن يجعل مثل : مدائن محاريب ولا مثل : مساجد محاريب ولا مثل : جلاجل سلاسل اسماً واحداً مثل حضرموت لأنه لم يجيء شيء من هذه الأمثلة اسمان يكون منهما اسماً واحداً فإن جاء فالقياس فيه أن يجعل كحضرموت وأن ينصرف في النكرة وقال الأخفش : إنما صرفته لأني قد حولته إلى باب ما ينصرف في النكرة وخرج من حد البناء الذي لا ينصرف لأني إنما كنت لا أصرفه لأنه على مثال لا يجيء في الواحد مثله وأنت الآن لا يمنعك البناء
ألا ترى أنك حين أدخلت في الجمع الهاء صرفته في النكرة نحو : صياقلة وجحاجحة لما دخل في غير بابه قال : فإن قلت : ما بالي إذا سميت رجلاً بمساجد لم أصرفه في النكرة قلت على بناء منعه من الصرف ولم يزل لذلك البناء حيث سميت به وإذا سميته بمساجد محاريب وجعلته اسماً واحداً فقد صغته غير الذي كان وبنيته بناء آخر وكذلك لو سميت رجلاً بواحد حمراء وواحدة بشرى أو رجل بيضاء وأنت تريد أن تجعله اسماً واحداً مثل حضرموت انصرف في النكرة لأن الألف ليست للتأنيث في هذه الحال ألا ترى أنك لو رخّمته حذفت الإسم الآخر ولم تكن تحذف الهاء وينبغي في القياس إن بنيته أن تهمز فتقول واحدة حمران ورجل بيضان لأن الألف ليست للتأنيث عنده في هذه الحال ولو أسميت امرأة ببنت وأخت لوجب أن يجريهما مجرى من أجرى جملاً وهنداً لأن هذه التاء بدل من واو وأخت في التقدير كقفل وبنت كَعِدْلٍ ولو كانت التاء تاء التأنيث لكان ما قبلها مفتوحاً وكانت في الوقف هاء وقوم لا يجرونها في المعرفة فإن سميت رجلاً بهنة وقد كانت في هَنْتٍ ياء هذا قلت : هِنَه يا فتى فلم تصرف وصارت هاء في الوقف وتقول : ما في يدك إلا ثلاثة إذا أردت المعرفة والعدد فقط لأنه اسم لا ثاني له وهذا كما عرفتك في ( أفعل ) البناء الذي تريد به المعرفة فإذا أردت ثلاثة من الدراهم وغير ذلك تنكر وصرفته فأما إذا قلت : ثلاثة أكثر من اثنين وأقل من أربعة تريد هذا العدد فهو معرفة غير مصروف ولا يجوز : رُب ثلاثة أكثر من اثنين ولو سميت امرأة بغلام زيدٍ لصرفت زيداً لأن الإسم إنما هو غلام زيدٍ جميعاً والمقصود هو الأول كما كان قبل التسمية وكذلك : ذات عرق لأن الإسم ( ذات ) دون عرق وكذلك أم بكر وعمرو تجر بكراً وعمراً وكذلك أم أناس وقوم لا يصرفون أم أناس لأنه ليس بابن لها معروف فصار اسماً وينشدون :
( وإلى ابن أُمِّ أُناسَ تَعمدُ ناقتي ... )
واعلم : أن أسماء البلدان والمواضع ما جاء منها لا ينصرف فإنما يراد به أنه اسم للبلدة والبقعة وما أشبه ذلك وما جاء منها مصروفاً فإنما يراد به البلد والمكان ووقع هذا في المواضع لأن تأنيثه ليس بحقيقي وإنما المؤنث في الحقيقة هو الذي له فرج من الحيوان فمن ذلك : واسط وهو اسم قصر ودابق وهو نهر وهجر ذكر ومنى ذكر والشام ذكر والعراق ذكر وأما ما يذكر ويؤنث فنحو : مصر واضاخ وقباء وحراء وحجر وحنين وبدر ماء وحمص وجور وماه : لا ينصرف لأن المؤنث من الثلاثة الأحرف الخفيفة إن كان أعجمياً لم ينصرف لأن العجمة قد زادته ثقلاً وإنما صرفته ومن صرفه فلأنه معرفة مؤنث فقط لخفته في الوزن : فعادل في خفة أحد الثقلين فلما حدث ثقل ثالث قاوم الخفة وتقولُ : قرأت هوداً إذا أردت سورة هود فحذفت سورة وإن جعلته اسماً للسورة لم تصرف لأنك سميت مؤنثا بمذكر وإن سميت امرأة بأم صبيان لم تصرف ( صبيان ) لأنك لو سميت به وحده لم تصرفه لأن الألف والنون فيه زائدتان وقد صار معرفة وهو وإن كان لم تتقدم التسمية به فتحكمه حكم ذلك وإن سميت رجلاً بملح وربح صرفتهما كما تصرف رجلاً سميته بهند كأنك قد نقلته من الأثقل إلى الأخف وهو على ثلاثة أحرف وقد بيَّنا هذا فيما تقدم وكذلك إذا سميت رجلاً بخمس وست فاصرفه وإن سميت رجلاً بطالق وطامث فالقياس صرفه لأنك قد نقلته عن الصفة وهو في الأصل مذكر وصفت به مؤنثاً وحَمّارُ جمع حَمَّارةِ القيظ مصروف إذا أردت الجمع الذي بينه وبين واحدة الهاء
قال أبو العباس : سألت أبا عثمان عنه فصرفه فقلت : : لم صرفته هلاّ كان بمنزلة دوابٍ قال : لأن الأصل الباء الأولى في دواب الحركة والراء في ( حمارٍ ) ساكنة على أصلها تجري مجرى الواحد لأنه ليس بين الجمع والواحد إلا الهاء بمنزلة تمرةٍ وتمرٍ وأما إذا أردت جمع التكسير فهو غير مصروف لأن التقدير حمار وكذلك في جبنة جبّان يا هذا وإن سميت رجلاً بأفضل وأعلم بغير منك لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة فإن سميته بأفعل منك كله لم تصرفه على حال لأنك تحتاج إلى أن تحكي ما كان عليه وإذا سميت بأجمع وأكتع لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة وهما قبل التسمية إذا كانا تأكيداً لا ينصرفان لأنهما يوصف بهما المعرفة
فأما أسماء الأحياء فمعد وقريش وثقيف وكل شيء لا يجوز لك أن تقول فيه من بني فلان وإذا قالوا : هذه ثقيف فإنما أرادوا جماعة ثقيفٍ
وقد يكون تميم اسماً للحي فإن جعلت قريش وأخواتها أسماء للقبائل جاز وتقولُ : هؤلاء ثقيف بن قسي فتجعله اسم الحي وابن صفة فما جعلته اسماً للقبيلة لم تصرفه وأما مجوس ويهود فلم تقع إلا اسماً للقبيلة ولو سميت رجلاً بمجوس لم تصرفه وأما قولهم : اليهود والمجوس فإنما أرادوا المجوسيين واليهوديين ولكنهم حذفوا يائي الإِضافة كما قالوا : زنجيٌ وزنجٌ ونصارى نكرة وهو جمع نصران ونصرانةٍ كندمان وندامى ولكن لم يستعمل نصران إلا بياء النسب
وقال أبو العباس : إذا سميت رجلاً بنساء صرفته في المعرفة والنكرة لأن نساء اسم للجماعة وليس لها تأنيث لفظ وإنما تأنيثها من جهة الجماعة فهي بمنزلة قولك كلاب إذا قلت : بني كلاب لأن تأنيث كلاب إنما هو تأنيث جماعة وإنما أنثت كل جماعة كانت لغير الآدميين لأنهم قد نقصوا عن الآدميين فالحيوان الذي لا يعقل والموات متفقان في جمع التكسير وإنما خص من يعقل بجمع السلامة لأن له أسماء أعلاما يعرف بها وكان جمع السلامة يؤدي الإسم المعروف وبعده علامة الجمع فكان به أولى ولو أنك لا تخص الموات وما لا يعقل بالواو والنون وخصصت ما يعقل بالتكسير لكان السؤال واحدا وإنما قصدنا أن نفضله بمنزلة ليست لغيره وإنما قلت : هي الرجال لأن الرجال جماعة فكان هذا التأنيث تأنيث الجماعة وهو مشارك للموات في هذا الموضع إذا وافقه في جمع التكسير
والتأنيث تأنيثان : تأنيث حقيقي فهو لازم وتأنيث غير حقيقي فهو غير لازم فللتأنيث اللازم مثل امرأة وما أشبه ذلك والتأنيث الذي هو غير لازم مثل دار وذراع فإنما هذا تأنيث لفظ فلهذا كان تذكير أفعال المؤنث في غير الآداميين أحسن منه في الآداميين قال محمد بن يزيد : ناظرت ثعلباً في هذا بحضرة محمد بن عبد الله فلم يفهمه فقلت له : أخبرني عن قولنا : دار أليس هو مؤنث اللفظ قال : نعم قلت : فإذا قلنا : منزل هل زال معنى الدار أفلا ترى التأنيث إنما هو اللفظ فلما زال اللفظ زال ذلك المعنى وكذلك قولنا : ساعد وذراع ورمح وقناة أفتراه في نفسه مؤنثاً مذكراً في حال فقال له محمد بن عبد الله هذا بين جداً وليس كذلك ما كان تأنيثه لازماً ألا ترى أنا لو سمينا امرأة بجعفر أو بزيد لصغرنا زبيدة فلما كان مؤنث الحقيقة لم يغير عن تأنيثه تعليقنا عليه أسماء مذكرة في اللفظ وإنما قلت : قالت النساء بمنزلة جاءت الإِبل والكلاب وما أشبه ذلك وليس تأنيث النساء تأنيثاً حقيقياً وإنما هو اسم للجماعة تقولُ : قال النساء إذا أردت الجمع وقالت النساء إذا أردت معنى الجماعة لأن قولك النساء وما أشبهه إنما هو اسم حملته للجمع وكذلك قوله عز و جل : ( قالت الأعراب آمنا ) إنما أنث لأنه أراد الجماعة وتقول : في أسماء السور هذه هود إذا أردت سورة هود وإن جعلت هودا اسم السورة لم تصرفه لأنها بمنزلة امرأة سميتها بعمر وكذا حكم نوح ونون وإذا جعلت اقتربت اسماً قطعت الألف نحو : اصبع وإن سميت بحاميم لم ينصرف لأنه أعجمي نحو : هابيل وإنما جعلته أعجمياً لأنه ليس من أسماء العرب وكذلك : طس وحسن وإن أردت الحكاية تركته وقفاً وقد قرأ بعضهم : ( يس والقرآن ) و ( ق والقرآن ) جعله أعجمياً ونصب ( باذكر ) وأما صاد فلا تجعله أعجمياً لأن هذا البناء والوزن في كلامهم فإن جعلت اسماً للسورة لم تصرفه ويجوز أن يكون ( يس ) و ( ص ) مبنيين على الفتح لإلتقاء الساكنين فإن جعلت ( طسم ) اسماً واحداً حركت الميم بالفتح فصار مثل دراب جرد وبعل بك وإن حكيت تركت السواكن على حالها قال سيبويه : فأما : ( كهيعص ) و ( ألم ) فلا تكونان إلا حكاية وإنما أفرد باباً للحكاية إن شاء الله
وقال سيبويه : أبو جاد وهَوَّار وحُطّيٌ كعمرو وهي أسماء عربية وأما كَلَمَنْ وسَعْفَص وقُريشيات فأنهن أعجمية لا ينصرفن ولكنهن يقعن مواقع عمرو فيما ذكرنا إلاّ أن قريشيات بمنزلة عرفات وأذرعات
كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة