منتدى حكماء رحماء الطبى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ضفحة رقم [ 9 ] من كتاب الأصول في النحو

    avatar
    حكماء
    Admin


    عدد المساهمات : 2700
    تاريخ التسجيل : 30/12/2013

    ضفحة رقم [ 9 ] من كتاب الأصول في النحو Empty ضفحة رقم [ 9 ] من كتاب الأصول في النحو

    مُساهمة من طرف حكماء الإثنين 9 فبراير 2015 - 11:54

    ضفحة رقم [ 9 ] من كتاب الأصول في النحو Nahw10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة الأدبية
    الأصول في النحو
    ضفحة رقم [ 9 ] من كتاب الأصول في النحو 1410
    ● [ ذكر المواضع التي تقع فيها إن وأن ] ●

    المفتوحة والمكسورة والتأويل والمعنى مختلف
    تقول : إمّا أنه ذاهب وإمّا أنه منطلق
    فتفتح وتكسر قال سيبويه : وسألت الخليل عن ذاك فقال : إذا فتحت فإنك تجعله كقولك : حقاً أنه منطلق وإذا كسرت فكأنه قال : إلا أنه ذاهب
    وتقول أمَا والله إنه ذاهب كأنك قلت : قد علمت والله إنه ذاهب
    وأمَا والله أنه ذاهب كقولك : إلا أنه والله ذاهب
    قال : وسألته عن قوله تعالى : ( وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) ما يمنعه أن يكون كقولك : ما يدريك أنه يفعل فقال : لا يحسن ذا في هذا الموضع إنما قال : وما يشعركم ثم ابتدأ فأوجب فقال : إنها إذا جاءت لا يؤمنون قال : ولو كان : ( وما يشعركم أنها ) كان ذلك عذراً لهم وأهل المدينة يقرأون : أنَّها فقال الخليل : هي بمنزلة قول العرب : إئت السوق أنك تشتري لنا شيئاً أي : لعلك
    فكأنه قال : لعلها إذا جاءت لا يؤمنون
    وتقول : إن لك هذا على وأنك لا تؤذي فكأنه قال : وإن لك أنك لا تؤذي وإن شاء ابتدأ
    وقد قرئ هذا الحرف على وجهين : ( وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى )
    وتقول : إذا أردت أن تخبر ما يعني المتكلم أي : إني نَجْدٌ إذا ابتدأت كما تقول : أنا نَجْدٌ وإذا شئت قلت أي : أني نَجْدٌ
    كأنك قلت : أي : لأني نَجْدٌ
    وتقول : ذاك وإن لك عندي ما أحببت قال الله تعالى : ( ذلكم فذوقوه وإن للكافرين عذاب النار )
    كأنه قال : يعلى الأمر ذلك وإن لك
    قال سيبويه : ولو جاءت مبتدأة لجاز
    قال : وسالت الخليل عن قوله : ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون )
    فقال : إنما هو على حذف اللام قال : ولو قرأها قارئ : ( وإِنَّ ) كان جيداً
    وتقول : لبيك إنَّ الحمد والنعمة لك وإن شئت قلت : أنَّ الحمد قال أبن الأطنابة :
    ( أَبْلِغِ الحارِثَ بنَ ظَالم الموعِدِ ... والناذرَ النذورِ عليّا )
    ( إنما تَقْتُلُ النِّيامَ ولا تقتُل ... يقظانَ ذا سلاحٍ كميا )
    وإن شئتَ قلت : إنما تقتل النيامَ على الإبتداء زعم ذلك الخليل
    وقال الخليل : في قوله ( ألم يعلموا أَنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم ) قال : ولو قال : فإن كانت عربية جيدة
    وتقول : أول ما أقول إني أحمد الله كأنك قلت : أول ما أقول الحمدُ لله
    و ( إن ) في موضعه فإن أردت أن تحكي قلت : أول ما أقول : إني أحمد الله وتقول : مررت فإذا إنه عبد وإذا أنه عبد تريد : مررت فإذا العبودية به واللؤم وقد عرفت أمورك حتى إنك أحمق كأنه قال : حتى حمقكم وهذا قول الخليل
    [ مسائل في فتح ألف ( أن ) وكسرها ]

    تقول : قد علمت أنك إذا فعلت ذاك أنك سوف تغبط ويجوز أن تكسر تريد معنى الفاء وتقول : أحقاً أنك ذاهب والحق نك ذاهب وأكبر ظنك أنك ذاهب وأجهد رأيك أنك ذاهب وكذلك هما إذا كانا خيراً غير استفهام حملوه على : أفي حقٍ أنك ذاهب قال العبدي :
    ( أَحَقَّاً أن جِيرَتَنا أستَقَلُّوا ... فنِيَّتُنا ونِيَّتُهُم فَرِيقٌ )
    قال : فريق ولم يقل فريقان كما يقال للجماعة : هم صديق
    وقال تعال : ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) ولم يقل : قعيدان والرفع في جميع هذا قويّ إن شئت قلت : أحق أنك ذاهب وأكبر ظني أنك ذاهب تجعل الآخر هو الأول
    قال أبو العباس : سألت أبا عثمان لِمَ لا تقول : يوم الجمعة أنك منطلق قال : هذا يجيزه قوم وهم قليل على التقديم والتأخير يجيزون : أنك منطلق يوم الجمعة وإنما كان الوجه : يوم الجمعة أنك منطلق لأنهم يريدون : في يوم الجمعة انطلاقك قلت : فلِمَ أجازوا : أما يوم الجمعة فإنك منطلق قال : لأن ما بعد الفاء مبتدأ ونصب ( يومَ الجمعة ) بالمعنى الذي أحدثته أما كأنه قال : مهما يكن من شيء يوم الجمعة فإنك منطلق وهو نحو قولك : زيد في الدار ( اليوم ) نصبت اليوم بمعنى الإستقرار في قولك : في الدار قلت : أتجيز كيف إنك صانع على قولك : كيف أنت صانع قال : من أجازه في يوم الجمعة أجازه ها هنا
    قال أبو العباس : لا يجوز هذا في ( كيف ) لأن كيف لا ناصب لها قال : قال أبو عثمان : قرأ سعيد بن جبير : ( إلا أنهم ليأكلون الطعام ) ففتح إن وجعل اللام زائدة كما زيدت في قوله :
    ( أُم الحُلَيسِ لعجوزٌ شهربهْ ... )
    وتقول : قد علمت أن زيداً لينطلقن فتفتح لأن هذه لام القسم وليست لام ( إن ) التي في قولك : قد علمت إن زيداً ليقوم لأن هذه لام الإبتداء والأولى لام اليمين فليست من ( إن ) في شيء
    قال أبو عثمان : في قوله تعالى : ( إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) إن ( مِثْلَ ) و ( ما ) جُعِلا اسماً واحداً مثل : خمسة عشر وإن كانت ما زائدة وأنشد :
    ( وتَدَاعى مَنخرَاهُ بِدَم ... مثلَ ما أثمرَ حُماضُ الجبَل )
    قال سيبويه والنحويون يقولون : إنما بناه يعني مثل لأنه أضافه إلى غير متمكن وهو قوله : إنكم وإن شاء أعربَ ( مثلاً ) لأنها كانت معربة قبل الإِضافة فترفع فتقول : مثل ما أنكم كما تقول في ( يومئذ ) من النباء والإِعراب فتعربه كما كان قبل الإِضافة ويبينه
    لما أضافه إليه من أجل أنه غير متمكن وأن الأول كان مبهماً
    فإنما حصر بالثاني
    وكذلك :
    ( عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ على الصِّبا ... )
    وكذلك :
    ( لم يَمْنَعِ الشّربَ منها غَيْرَ أَنْ نَطَقَتْ ... حَمَامَةٌ في غُصُونٍ ذَاتِ أَوْقَالِ )
    وكل المبهمات كذلك ولا يدخل في هذا : ضربني غلام خمسة عشر رجلاً لأن الغلام مخصوص معلوم غير مبهم بمنزلة وحين ونحو ذلك وأبو عمرو يختار أن يكون نصب : ( مثل ما أنكم تنطقون ) على أنه حال للنكرة ( لحقٌ ) ولا اختلاف في جوازه على ما قال
    وتقول : إن زيداً إنه منطلق
    كأنك قلت : إن زيداً هو منطلق
    والمكسورة والمفتوحة مجازهما واحد قال الله تعالى : ( ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) وقال عبد الله وهب الفزاري الأسدي جاهلي :
    ( زَعَمَتْ هُنَيْدَةُ أنها صَرَمَتْ ... حَبْلي وَوَصْلُ الغَانِيَاتِ غُرُورُ )
    ( إني وحالِك إنَّني لمشيّعٌ ... صُلْبُ القَناةِ بصرحكن جَدَير )
    قال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن شد ما أنك ذاهب بمنزلة : حقاً أنك ذاهب فقال : هذا بمنزلة حقاً إنك ذاهب كما تقول : أما إنك ذاهب بمنزلة : حقاً إنك وكما كانت ( لو ) بمنزلة ( لولا ) ولا يبدأ بعدها من الأسماء سوى ( إن ) نحو : لو أنك ذاهب ولولا يبتدأ بعدها الأسماء ولو بمنزلة ( لولا ) وإن لم يجز فيها ما يجوز فيها وإن شئت جعلت : شد ما كنِعْمَ ما كأنك قلت : نعم العملُ أنك تقول الحق قال : وسألته عن قوله
    كما أنَّه لا يعلم ذلك فتجاوزَ الله عنه وذلك حق كما أنك ها هنا فزعم أنَّ العاملة في ( أنَّ ) الكاف وما لغوٌ إلا أن ( ما ) لا تحذف من ها هنا كراهية أن يجيء لفظها مثل لفظ ( كأن ) التي للتشبيه كما ألزموا النون ( لأفعلن ) واللام في قولهم : إن كان ليفعل : كراهية أن يلتبس اللفظان ويدلك على أن الكاف هي العاملة قولهم : هذا حق مثل ما أنك هنا ففتحوا ( أن ) وبعض العرب يرفع ( مثل ) حدثنا به يونس فما أيضاً لَغْو لأنك تقول :
    مثل ما أنك ها هنا ولو جاءت ( ما ) مسقطة من الكاف في الشعر جاز
    قال النابغة الجعدي :
    ( قُرُومٌ تَسَامَى عِنْدَ بَابِ دِفَاعِه ... كَأَنْ يُؤْخَذَ المرءُ الكريمُ فيقتلا )
    يريد : كما أنه يؤخذ المرء قال أبو عثمان : أنا لا أنشده إلا ( كأن ) يؤخذ المرء
    فأَنصُب يؤخذ لأنها ( أن ) التي تنصب الأفعال دخلت عليها كاف التشبيه ألا ترى أنه نسق عليه ( يقتل ) فنصبه لذلك
    قال سبيويه : سألته يعني الخليل هل يجوز : إنه لحق كما أنك ها هنا على حد قولك : كما أنت ها هنا فقال : لا لأن أن لا يبتدأ بها في كل موضع ألا ترى أنك لا تقول : يوم الجمعة أنك ذاهب ولا : كيف أنك صانع ( فكما ) بتلك المنزلة قال : وسألتُ الخليل عن قوله : أحقاً أنه لذاهب فقال : لا يجوز كما لا يجوز يوم الجمعة أنه لذاهب
    وقال : يجوز في الشعر : أشهد أَنهُ ذاهب يشبهه بقوله والله أنه ذاهب لأن معناه معنى اليمين كما أنه إذا قال : أشهد أَنتَ ذاهب ولم يذكر اللام لم يكن إلا ابتداء وهو قبيح ضعيف إلا باللام ومثل ذلك في الضعف : علمت أن زيداً ذاهب كما أنه ضعيف : قد علمت عمرو خير منك ولكنه على إرادة اللام كما قال تعالى : ( قد أفلح من زكاها ) . . وهو على اليمين وكان في هذا حسن حين طال الكلام يعني أن التأويل : ( والشمس وضحاها ) لقد أفلح
    قال أبو العباس رحمه الله والبغداديون يقولون : والله إن زيداً منطلق فيفتحون ( إن ) وهو عندي القياس لأنه قسم فكأنه قال : أحلف بالله على ذاك أشهد أنك منطلق
    قال : والقول عندي في قوله تعالى : ( لا جرم أن لهم النار ) والله أعلم أن ( لا ) زائدة للتوكيد وجرم فعل ماض فكأنه قال والله أعلم : جرم أن لهم النار وزيادة ( لا ) في هذا الموضع كزيادتها في قوله تعالى : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ) وإنما تقول : لا يستوي عبد الله وزيد وكقوله تعالى : ( لا أقسم بهذا البلد ) ونحوه من الفواتح
    وتقول : أما جهد رأيي فإنك راحل وأما يوم الجمعة فإنك سائر لأن معنى ( أما ) مهما يكن من شيء فإنك سائر يوم الجمعة فما بعد الفاء يقع مبتدأ ألا ترى أنك تقول : أما زيداً فضربت على التقديم لأن المعنى : مهما يكن من شيء فزيداً ضربت وفضربت
    قال أبو العباس : فيلزم سيبويه أن يقول على هذا : أما زيداً فإنك ضارب
    قال سيبويه وإذا قلت : أما حقاً فإنك قائم وأما أكبر ظني فإنك منطلق فعلى الفعل لا على الظرف لأنك لم تضطر إلى أن تجعلها ظرفاً إذا كانت ( أما ) إنما وضعت على التقديم لما بعد الفاء فصار التقدير : مهما يكن من شيء فإنك ذاهب حقاً وفيما قال نظر وشغب : ولا يجوز عندي على هذا أن يقول : أما هنداً فإن عمراً ضارب لأن تقدير الإسم الذي يلي ( أما ) أن يلي الفاء ملاصقاً لهما
    فما جاز أن يلاصق الفاء جاز أن يلي ( أما ) وما لم يجز أن يلاصقها لم يجز أن يلي ( أما ) فلا يجوز أن تقول : مهما يكن من شيء فإن هنداً عمراً ضارب فتنصب هنداً بضارب ويجوز أن تقول : مهما يكن من شيء فإن أكبر ظني عمراً ذاهب فيكون : أكبر ظني ظرفاً ( لذاهب ) وهذا إنما أجازه مع إما لأنهم وضعوها في أول أحوالها على التقديم والتأخير صار حكمها حكم ما لا تأخير فيه ولو كان موضع يجوز أن يقدم فيه ولا يقدم لم يجز أن يعمل ما بعد ( أن ) في ما قبلها وعلى ذلك ففيه نظر كثير والأقيس في قولك : أما حقاً فإنك قائم : أن تعمل معنى ( أما ) في ( حقاً ) كأنك قلت : مهما يكن من شيء حقاً فإنك قائم وأحسبه قول المازني
    وتقول : أيقول : إنَّ عمراً منطلق إذا أردت معنى : أتظن كأنك قلت : أتظن أن عمراً منطلق فإن أردت الحكاية قلت : أتقول : إنَّ وتقول : ظننت زيداً أنه منطلق لأن المعنى : ظننت زيداً هو منطلق ولا يجوز فيه الفتح لأنه يصير معناه : ظننت زيداً الإنطلاق ولو قلت : ظننت أمرك أنك منطلق جاز كأنك قلت : ظننت أمرك الإنطلاق والأخفش يقول : إذا حسن في موضع ( إن ) وما عملت فيه ( ذاك ) فافتحها نحو قولك : بلغني أنه ظريف لأنك تقول : بلغني ذاك قال : وما لم يحسن فيه ( ذاك ) فاكسرها قال : وتقول : أما أنه منطلق لأنه لا يحسن ها هنا أما ذاك ثم أجازه بعد على معنى : حقاً أنه منطلق وقال : لأن أما في المعنى : ( حقاً ) لأنها تأكيد فكأنه ذكر حقاً فجعلها ظرفاً قال : وقد قال ناس : حقاً إنك ذاهب على قولهم : إنك منطلق حقاً فتنصب ( حقاً ) على المصدر كأنه قال : أحِقُّ ذاك حقاً قال : وهذا قبيح وهو من كلام العرب
    ● [ ذكر المستثنى ] ●

    وهو ذكر ما يكون المنصوب فيه في اللفظ غير المرفوع والمنصوب بعض المرفوع
    المستثنى يشبه المفعول إذا أتى به بعد استغناء الفعل بالفاعل وبعد تمام الكلام
    تقول : جاءني القوم إلا زيداً فجاءني القوم : كلام تام وهو فعل وفاعل فلو جاز أن تذكر ( زيداً ) بعد هذا الكلام بغير حرف الإستثناء ما كان إلا نصباً
    لكن لا معنى لذلك إلا بتوسط شيء آخر فلما توسطت ( إلا ) حدث معنى الإستثناء ووصل الفعل إلى ما بعد إلا فالمستثنى بعض المستثنى منهم ألا ترى أن زيداً من القوم فهو بعضهم فتقول على ذلك : ضربت القومَ إلا زيداً ومررت بالقومِ إلا زيداً فكأنك قلت في جميع ذلك : أستثني زيداً فكل ما أستثنيه ( بإلا ) بعد كلام موجب فهو منصوبٌ وألا تخرج الثاني مما دخل فيه الأول فهي تشبه حرف النفي فإذا قلت : قام القوم إلا زيداً فالمعنى : قام القوم لا زيد إلا أن الفرق بين الإستثناء والعطف أن الإستثناء لا يكون إلا بعضاً من كلّ والمعطوف يكون غير الأول ويجوز أيضاً في المعطوف أن تعطف على واحد نحو قولك : قام زيد لا عمرو ولا يجوز أن تقول في الإستثناء : قام زيد إلا عمرو
    لا يكون المستثنى إلا بعضاً من كل وشيئاً من أشياء و ( لا ) إنما تأتي لتنفي عن الثاني ما وجب للأول و ( إلا ) تخرج الثاني مما دخل فيه الأول موجباً كان أو منفياً ومعناها الإستثناء والإسم المستثنى منه مع ما تستثنيه منه بمنزلة اسم مضاف ألا ترى أنك إذا قلت : جاءني قومك إلا قليلاً منهم فهو بمنزلة قولك : جاءني أكثر قومك فكأنه اسم مضاف لا يتم إلا بالإِضافة فإن فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيما بعدها لأنك إنما تنصب المستثنى إذا كان اسماً من الأسماء وهو بعضها فأما إذا فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيما بعد إلا وزال ما كنت تستثني منه وذلك نحو قولك : ما قام إلا زيد وما قعد إلا بكر فزيد مرتفع بقام وبكر مرتفع بقعد وكذلك : ما ضربت إلا زيداً وما مررت إلا بعمرو ولما فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيه
    فإذا قلت : ما قام أحد إلا زيد فإنما رفعت لأنك قدرت إبدال زيد من ( أحد )
    فكأنك قلت : ما قام إلا زيد وكذلك البدل من المنصوب والمخفوض تقول : ما ضربت إلا أحداً إلا زيداً وما مررت بأحد إلا زيد فالمبدل منه بمنزلة ما ليس في الكلام وهذا يبين في باب البدل فإن لم تقدر البدل وجعلت قولك : ما قام أحد كلاماً تاماً لا ينوي فيه الإِبدال من ( أحد ) نصبت فقلت : ما قام أحد إلا زيداً
    والقياس عندي إذا قال قائل : قام القوم إلا أباك فنفيت هذا الكلام أن تقول : ما قام القوم إلا أباك لأن حق حرف النفي أن ينفي الكلام الموجب بحاله وهيئته فأما إن كان لم يقصد إلى نفي هذا الكلام الموجب بتمامه وبني كلامه على البدل قال : ما قام القوم إلا أبوك فإن قدمت المستثنى لم يكن إلا النصب نحو قولك : ما لي إلا أباك صديق وما فيها إلا زيداً أحداً لأنه قد بطل البدل فلم يتقدم ما يبدل فيه لأن البدل كالنعت إنما يجري على ما قبله فإن أوقعت استثناء بعد استثناء قلت : ما قام أحد إلا زيد إلا عمراً
    فتنصب عمراً لأنه لا يجوز أن يكون لفعل واحد فاعلان مختلفان يرتفعان به بغير حرف عطف فهذا مما يبصرك أن النصب واجب بعد استغناء الرافع بالمرفوع
    ولك أن تقول : ما أتاني أحد إلا زيد إلا عمراً وإلا زيداً إلا عمرو فتنصب أيهما شئت وترفع الآخر
    وتقول : ما أتاني إلا عمراً إلا بشراً أحد
    فإن استثنيت بعد الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين نحو : أعطيتُ زيداً درهماً قلت : أعطيتُ الناس الدراهم إلا زيداً ولا يجوز أن تقول : إلا عمراً الدنانير لأن حرف الإستثناء إنما تستثني به واحداً فإن قلت : ما أعطيتُ أحداً درهماً إلا عمراً دانقاً وأردت الإستثناء أيضاً لم يجز فإن أردت البدل جاز فأبدلت عمراً من أحد ودانقاً من قولك : درهماً فكأنك قلت : ما أعطيت إلا عمراً دانقاً
    واعلم : أنهم قد يحذفون المستثنى استخفافاً نحو قولهم : ليس إلا وليس غير كأنه قال : ليس إلا ذاك وليس غير ذلك
    واعلم : أيضاً : أنهم ربما يحملون في هذا الباب الإسم على الموضع وذلك قولهم : ما أتاني من أحد إلا زيد وما رأيت من أحد إلا زيداً لأنه يقبح أن تقول : ما أتاني إلا من زيد
    فإذا قلت لا أحد فيها إلا عبد الله فلا بد من إجرائه على الموضع ورفعه لأن أحداً مبني مع ( لا ) وسنذكره في بابه إن شاء الله
    ولا يجوز أن يعمل ما بعد ( إلا ) فيما قبلها لا يجوز ما أنا زيداً إلا ضارب تريد ما أنا إلا ضاربٌ زيداً وقد جاءت ألفاظ قامت مقام ( إلا ) وأصل الإستثناء ( لا لا ) ونحن نفرد لها باباً إن شاء الله
    ولا يجوز أن تستثني النكرة من النكرات في الموجب لا تقول : جاءني قوم إلا رجلاً لأن هذا لا فائدة من استثنائه فإن نَعَتَّه أو خَصَصْتَه جاز وهذا امتناعه من جهة الفائدة فمتى وقعت الفائدة جاز .
    ● [ باب ما جاء من الكلم في معنى إلا ] ●

    أعلم : أنه قد جاء من الأسماء والأفعال والحروف ما فيه إلا : أما الأول من ذلك : فما جاء من الأسماء نحو : غير وسوى وقوم يحكون : سوى وسواء ويضمون إليها : بيد بمعنى : غير وحكم ( غير ) إذا أوقعتها موقع إلا أن تعربها بالإِعراب الذي يجب للإسم الواقع بعد إلا تقول : أتاني القوم غير زيد لأنك كنت تقول : أتاني القوم إلا زيداً وتقول : ما جاءني أحد غير زيد لأنك كنت تقول أتاني القوم إلا زيدا وتقول ما جاءني أحد غير لأنك كنت تقول : ما جاءني أحد إلا زيد وما رأيت أحداً غير زيد كما تقول : ما رأيت أحداً إلا زيداً وما مررت بأحد غير زيد كما تقول : ما مررت بأحد إلا زيد فتعرب ( غيراً ) بإعراب زيد في هذه المسائل بعد إلا وكل موضع جاز فيه الإستثناء بإلا جاز بغير ولا يجوز أن تكون غير بمنزلة الإسم الذي تبتدأ بعد إلا في قولك : ما مررت بأحد إلا زيد خير منه لا يجوز أن تقول ما مررت بأحد غير زيد خير منه وأنت تريد ذلك المعنى وإنما أدخلوا فيها معنى الإستثناء في كل موضع يصلح أن يكون صفة وكذلك ( إلا ) أقاموها مقام غير إذا كانت صفة كما أقاموا غير مقام إلا إذا كانت استثناء وأصل غير في هذا الباب أن تكون صفة والإستثناء عارض فيها وأصل ( إلا ) الإستثناء والصفة عارضة فيها شبهت بغير لما شبهت غير بها فتقول على هذا إذا جعلت غير صفة : جاءني القوم غير زيد ومررت بالقوم غير أخويك ورأيت القوم غير أصحابك تجري غير مجرى ( مثل ) في الإِعراب والصفة وكذلك إن جعلت إلا بمعنى غير قلت : جاءني القوم إلا زيد ومررت بالقوم إلا زيد ورأيت القوم إلا زيداً تنصبه نصب غير إلى الصفة لا على الإستثناء
    وزعم الخليل ويونس : أنه يجوز : ما أتاني غير زيد وعمرو فيجريه على موضع غير لا على ما بعد غير والوجه الجر وذلك أن : غير زيد في موضع إلا زيد وفي معناه حملوه على الموضع ألا ترى أنك تقول : ما أتاني غير زيد وإلا عمرو ولا يقبح : كأنك قلت : ما أتاني إلا زيد وإلا عمرو
    واعلم : أن إلا لا يجوز أن تكون صفة إلا في الموضع الذي يجوز أن تكون في استثناء وذلك أن تكون بعد جماعة أو واحد في معنى الجماعة إما نكرة وإما ما فيه الألف واللام على غير معهود لأن هذا هو الموضع الذي تجتمع فيه هي وغير فضارعتها لذلك ولم تكن بمنزلتها في غير هذا الموضع لأنهما لا يجتمعان فيه كما أن غير لا تدخل في الإستثناء إلا في الموضع الذي ضارعت فيه إلا ألا ترى أنك تقول : مررت برجل غيرك ولا تقع إلا في مكانها لا يجوز أن تقول : جاءني رجل إلا زيد تريد غير زيد على الوصف والإستثناء ها هنا محال ولكن تقول : ما يحسن بالرجل إلا زيد أن يفعل كذا لأن الرجل : جنس ومعناها بالرجل الذي هو غير زيد كما قال لبيد :
    ( إنما يُجزَى الفتى غَيرُ الجَمَل ... )
    وكذلك : مررت بالقوم إلا زيد كما قال :
    ( أُنيخَتْ فألقَتْ بَلْدَةً فَوْقَ بَلْدَةٍ ... قَلِيل بها الأَصْوَات إلا بُغَامُها )
    وذكر سيبويه قولهم : أتاني القوم سواك وحكى عن الخليل أن هذا كقولك : أتاني القوم مكانك إلا أن في سواك معنى الإستثناء وسواء تنصب في هذا كله لأنها تجري مجرى الظروف وتخفض ما بعدها
    وأما الثاني : فما جاء في الأفعال في موضع الإستثناء وهي : لا يكون وليس وعدا وخلا فإذا جاءت وفيها معنى الإستثناء ففيها إضمار وذلك قولك : أتاني القوم لس زيداً وأتوني لا يكون عمراً وما أتاني أحد لا يكون زيداً كأنه قال : ليس بعضهم زيداً
    وترك ( بعضاً ) استغناءً بعلم المخاطب والخليل يجيز في ليس ولا يكون أن تجعلهما صفتني وذلك قولك : ما أتاني أحد ليس زيداً وما أتاني رجل لا يكون عمراً فيدلك على أنه صفة أن بعضهم يقول : ما أتاني امرأة لا تكون فلانة وما أتتني امرأة ليست فلانة
    وأما ( عدا ) و ( خلا ) فلا يكونان صفة ولكن فيهما إضمار كما كان في ( ليس )
    ولا ( يكون ) وذلك قولُك : ما أتاني أحد خلا زيداً وأتاني القوم عدا عمراً فإن أدخلت ( ما ) على عدا وخلا وقلت : أتاني القومُ ما عدا زيداً وأني ما خلا زيداً ( فما ) هنا اسم وخلا وعدا صلة له قال ولا توصل إلا بفعل
    قال سيبويه : وإذا قلت : أتوين إلا أن يكون زيد فالرفع جيد بالغ وهو كثير في كلامهم و ( أن يكون ) في موضع اسم مستثنى والدليل على أن ( أن يكون ) هنا ليس فيها معنى الإستثناء أن ليس وخلا وعدا لا يقَعْنَ هنا، ومثل الرفع قوله تعالى : ( إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) وبعضهم ينصب على وجه النصب في لا يكون
    وأما الثالث : فما جاء من الحروف في معنى ( إلا ) قال سيبويه : من ذلك ( حاشا ) وذكر أنه حرف يجر ما بعده كما تجرُّ ( حتى ) ما بعدها وفيه معنى الإستثناء قال : وبعضُ العرب يقول : ما أتاني القوم خلا عبدِ الله فيجعل خلا بمنزلة حاشا فإذا قلت : ما خلا فليس فيه إلا النصب لأن ( ما ) اسم ولا يكون صلتها إلا الفعل وهي ( ما ) التي في قولك : أفعل ما فعلت
    وحكى أبو عثمان المازني عن أبي زيد : قال : سمعتُ أعرابياً يقول : اللهم أغفر لي ولمن سَمِعَ حاشا الشيطان وأبا الأصبع نصب ب ( حاشا )
    قال أبو العباس : إنما حاشا بمنزلة خلا ولأن خلا إذا أردت به الفعل إنما معناه جاوزه من قولك : خلا يخلو وكذلك حاشا يحاشي وكذلك قولك : أنت أحب الناس إليّ ولا أُحاشي أحداُ أي : ولا أستثني أحداً وتصييرها فعلاً بمنزلة خلا في الإستثناء قول أبي عمر الجرمي وأنشد قول النابغة :
    ( وَلاَ أَرَى فَاعِلاً في النَّاسِ يُشبِهُهُ ... ولا أُحَاشِي مِنَ الأَقْوَامِ مِنْ أَحَدِ )
    والبغداديون أيضاً يجيزون النصب والجر ب ( حاشا )
    واعلم : أن من الإستثناء ما يكون منقطعاً من الأول وليس ببعض له وهذا الذي يكون ( إلا ) فيه بمعنى لكن
    ونحن نفرد له باباً يلي هذا الباب إن شاء الله
    ● [ باب الإستثناء المنقطع من الأول ] ●

    إلا في تأويل ( لكن ) إذا كان الإستثناء منقطعاً عند البصريين
    ومعنى سوى عند الكوفيين والإختيار فيه النصب في كل وجه
    وربما ارتفع ما قبل إلا وهي لغة بني تميم وإنما ضارعت إلا ( لكن ) لأن ( لكن ) للإستدراك بعد النفي فأنت توجب بها للثاني ما نفيت عن الأول فمن ها هنا تشابها تقول : ما قام أحدٌ إلا زيد فزيد قد قام ويفرق بينهما : أنّ لكن لا يجوز أن تدخل بعد واجب إلا لترك قصة إلى قصة تامة نحو قولك : جاءني عبد الله لكن زيد لم يجيء ولو قلت : مررت بعبد الله لكن عمرو لم يجز وليس منهاج الإستثناء المنقطع منهاج الإستثناء الصحيح لأن الإستثناء الصحيح إنما هو أن يقع جمع يوهم أن كل جنسه داخل فيه ويكون واحد منه أو أكثر من ذلك لم يدخل فيما دخل فيه السائر بمستثنيه منه ليعرف أنه لم يدخل فيهم نحو : جاءني القوم إلا زيداً فإن قال : ما جاءني زيد إلا عمراً فلا يجوز إلا على معنى لكن
    واعلم : أن إلا في كل موضع على معناها في الإستثناء وأنها لا بد من أن تخرج بعضاً من كل فإذا كان الإستثناء منقطعاً فلا بد من أن يكون الكلام الذي قبل إلا قد دل على ما يُستَثْنى منه فتفقد هذا فإنه يدقّ فمن ذلك قوله تعالى : ( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) فالعاصم الفاعل من رحم ليس بعاصم ولكنه دلّ على العصمة والنجاة
    فكأنه قال والله أعلم : لكن من رحم يُعصم أو معصوم ومن ذلك قوله تعالى : ( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس ) وهذا الضرب في القرآن كثير
    ومن ذلك من الكلام : لا تكونن من فلان في شيء إلا سلاماً بسلام وما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضرَّ ( فما نفع ) مع الفعل بمنزلة اسم
    ولولا ( ما ) لم يجز الفعل هنا بعد إلا وإنما حسن هذا الكلام لأنه لما قال : ما زاد دل على قوله هو على حاله فكأنه قال : هو على حاله إلا ما نقص وكذلك دل بقوله : ما نفع ما هو على أمره إلا ما ضرَّ وقال الشاعر :
    ( نَجَا سَالِم والنَّفْسُ مِنْهُ بِشِدْقهِ ... ولم يَنْج إلا جَفْنَ سيفٍ ومئزَرا )
    فقوله : نجا ولم ينج كقولك : أفلت ولم يفلت أي : لم يفلت إفلاتاً صحيحاً كقولك : تكلمت ولم أتكلم ثم قال : إلا جفن سيف ومئزراً كأنه قال : لكن جفن سيف ومئزراً وقال الآخر :
    ( وما بالربَّعِ من أحدِ ... )
    ثم قال : إلا أَوَ آرِيَّ
    فهذا كأنه كما قال : من أحد اجتزأ بالبعض من الكل فكأنه قال : ما بالربع من شيء واكتفى بأحد لأنه من الإستثناء فساغ ذلك له لأنه لم يلبس
    وأما قول الشاعر :
    ( مَنْ كَانَ أَسْرَعَ في تَفَرٌّقِ فَالِجٍ ... فَلَبُونُه جربت مَعَا وأغَدَّتِ )
    ( إلا كَنَاشِرَةِ الَّذِي ضيَّعَتُمُ ... كالغُصْنِ في غُلوائِهِ المتنبّتِ )
    وقال الآخر :
    ( كَلاَّ وَبَيْتِ الله حتى يُنْزِلوا ... مِنْ رأسِ شاهقةٍ إلينا الأسْوَدا )
    ثم قال :
    ( إلا كَخَارِجَةِ المكلّفِ نفسَه ... وابنى قبيصة أن أَغِيبَ ويُشْهدا )
    فإن الكاف زائدة كزيادتها في قول الله تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )
    وكقول رؤبة :
    ( لواحقُ الأقرابِ فيها كالمقَق ... )
    والمقق : الطول وإنما المعنى : فيها طول كما يقال : فلان كذا الهيئة أي : ذو الهيئة
    [ مسائل من باب الإستثناء ]

    تقول : ما مررتُ بأحدٍ يقول ذاك إلا زيد
    وما رايت أحداً يقول ذاك إلا زيداً هذا وجه الكلام وإن حَملْتَه على الإِضمار الذي في الفعل أعني : المضمر في ( يقول ) فقلت : ما رأيت أحدا يقول ذاك إلا زيدٌ فعربي
    قال عديُّ بن زيد :
    ( في لَيْلَةٍ لا نَرَى بها أحَدَاً ... يَحْكِي علينا إلا كَواكِبُها )
    وإنما تكلَّموا بذلك لأن ( تقول ) في المعنى منفي إذ كان وصفاً لمنفي أو خبراً كما قالوا : قد عَرَفْتُ زيداً أبو من هو لأن معناه معنى المستفهم عنه
    ويجوز : ما أظنُّ أحداً فيها إلا زيدٌ لا أحدٌ منهم اتخذت عنده يداً إلا زيد رفعت زيداً في المسألة الأولى على البدل من المضمر في فيها المرفوع وخفضته في الثانية على البدل من الهاء المخفوضة
    في ( عنده ) وتقول : ما ضربت أحداً يقول ذاك إلا زيداً لا يكون في ذلك إلا النصب لأن القول غير منفي هنا وإنما أخبرت : أنك ضربت ممن يقول ذاك زيداً والمعنى في الأول أنك أردت أنه ليس يقول ذاك إلا زيدا لا يكون في ذلك إلا النصب لأن القول غير منفي هنا وإنما أخبرت أنك ضربت ممن يقول ذاك زيدا والمعنى في الأول أنك أردت أنه ليس يقول ذاك إلا زيد
    ولكنك قلت : رأيت أو ظننت ونحوهما لتجعل ذلك فيما رأيت وفيما ظننت ولو جعلت : رأيت من رؤية العين كان بمنزلة ( ضربت )
    قال الخليل : ألا ترى أنك تقول : ما رأيته يقول ذلك إلا زيد وما أظنُّه يقوله إلا عمرو فهذا يدلك على أنك إنما أنتحيت على القول وتقول : قل رجل يقول ذاك إلا زيد وليس ( زيد ) بدلاً من الرجل في ( قل )
    قال سيبويه : لكن ( قل رجل ) في موضع ( أقل رجل ) ومعناه كمعناه وأقل رجل مبتدأ مبني عليه
    والمستثنى بدل منه لأنه يدخله في شيء يخرج منه من سواه وكذلك أقل من وقل من إذا جعلت من بمزلة رجل قال حدثنا بذلك يونس عن العرب
    يجعلونه نكرة يعني من قال أبو العباس : إذا قلت : قل رجل يقول ذاك إلا زيد فهذا نفي
    كثر رجل يقول ذاك إلا زيد وليست هذه قل التي تريد بها قل الشيء وإنما تريد ما يقول ذاك إلا زيد
    والدليل على أن رجل في معنى رجال أنك لو قلت : قل زيد إلا زيد لم يجز لأنك لا تستثني واحداً من واحد هو هو وقولك : إلا زيداً يدلُّ على معنى أقل رجل فهو بدل من قولك : قل رجل
    وتقول : ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به من قبل ( أن بشيء ) في موضع رفع في لغة بني تميم فلما قبح أن يحمله على الباء صار كأنه بدل من اسم مرفوع وبشيء في لغة أهل الحجاز في موضع اسم منصوب ولكنك إذا قلت : ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به استوت اللغتان وصارت ( ما ) على أقيس الوجهين وهي لغة تميم
    وتقول : لا أحد فيها إلا عبد الله تحمل عبد الله على موضع ( لا ) دون لفظه وكذلك تقول : ما أتاني من أحد إلا عبد الله ألا ترى أنك تقول : ما أتاني من أحد لا عبدُ الله ولا زيدٌ من قبل أنه خطأ أن تحمل المعرفة على ( من ) في هذا الموضع كما تقول : لا أحدَ فيها إلا زيدٌ , لا عمروٌ لأن المعرفة لا تحمل على ( لا )
    وتقول : ما فيها إلا زيد وما علمت أن فيها إلا زيداً ولا يجوز : ما إلا زيد فيها ولا ما علمت أن إلا زيداً فيها وإنما حسن لما قدمت وفصلت بين أن وإلا لطول الكلام كأشياء تجوز في الكلام إذا طال وتحسن
    ولا يجوز أن تقول : ما علمت أن إلا زيدا فيها من أجل أنك لم تفصل بين ( أن ) وإلا كما فصَلْت في قولك ما علمت أن فيها إلا زيداً
    قال سيبويه : وتقول إن أحداً لا يقول ذاك وهو خبيث ضعيف فمن أجاز هذا قال : إن أحداً لا يقول هذا إلا زيداً حمله على ( إن ) وتقول : لا أحد رأيته إلا زيد وإن بنيت جعلت ( رأيته ) خبراً لأحد أو صفة
    وتقول ما فيهم أحد إلا قد قال ذاك إلا زيداً كأنه قال : قد قالوا ذاك إلا زيداً
    وتقول : ما أتاني إلا أنهم قالوا كذا و ( أن ) في موضع اسم مرفوع قال الشاعر :
    ( لم يَمْنَعِ الشَّربَ منها غَيْرَ أن هَتَفت حَمَامَةٌ في غُصُونٍ ذَاتِ أَوْقَالِ )
    وناس يقولون : غير أن نطقت وقد مضى تفسيره
    وتقول : ما أتاني زيد إلا عمرو إذا أردت بذكرك زيداً : بعض من نَفَيْتَ توكيداً للنفي فهي بمنزلة ما لم تذكره ولا يجوز أن تقول : ما زيد إلا قام فإن قلت : ما زيد إلا يقوم كان جيداً وذلك أن الموضع موضع خبر والخبر اسم فلو كان : ما زيداً إلا يقوم كان جيداً لمضارعة يفعل الأسماء . ولم يقولوا : أكثر من ذلك
    قال أبو العباس رحمه الله : والتقدير : ما زيد شيئاً إلا ذا فلا يجوز أن يقع بعد إلا شيء إلا اسم في معنى شيء الذي هو حدُّ زيد لأنه واحد من شيء لأنه شيء في معنى جماعة وتقدره : ما زيد شيئاً من الأشياء إلا قائم فلا يجوز أن يقع قعد ( إلا ) إلا اسم أو مضارع له ومن ها هنا وجب أن تقول ما زيد إلا الجبن آكل وإلا الخبر آكله هو وفيمن قال زيداً ضربته : قال : ما زيد إلا الخبز آكله ولا يجوز : ما الخبز إلا زيد آكل
    لا يجوز أن تعمل الفعل الذي بعد إلا في الإسم الذي قبلها بوجه من الوجوه لأن الإستثناء إنما يجيء بعد مضي الإبتداء لأن المعنى : ما الخبز شيئاً إلا زيد آكله فإن حذفت الهاء من ( آكله ) أضمرتها ورفعت الخبز
    لا يجوز إلا ذلك . فإن قلت : ما زيد إلا قد قام فهو أمثل ولو لم يجزه مجيز كان قاصداً فيه إلى مثل ترك إجازة ما قبله لأن ( قد ) إنما أكدت وصارت جواباً لتوقع خبر والفعل الماضي على حاله ومن أجازه فعلى وجه أن ( قد ) لما زادت ضارع الفعل بالزيادة التي قبله الأفعال المضارعة والأسماء لأن الأفعال المضارعة يدخلها السين وسوف والأسماء يدخلها الألف واللام فتقول : ما زيد إلا قد قام ألا ترى أن ( قد ) إذا لحقت الفعل الماضي صلح أن يكون حالاً نحو : جاء زيد قد ركب دابة ولولا ( قد ) كان قبيحاً فإن قيل : ألست تقول : ما جاءني زيد إلا تكلم بجميل فقد وقع الفعل الماضي بعد إلا قيل : إنما جاز وجاد لأنه ليس قبله أسم يكون خبراً له وإنما معناه : كلما جاءني زيد تكلم ( بجميل ) فإن قال : فأنت قد تقول : ما تأتيني إلا قلت حسناً وما تحدثني إلى صدقت فمن أين وقع الماضي بعد إلا والذي قبله مضارع قيل : فالمضارع الذي قبله في معنى الماضي لأنه حكاية الحال، ألا ترى أن معناه : كلما حدثتني صدقتني وكلما جئتني قلت : حقاً ولو قلت : ما زيد إلا أنا ضارب لأضمرت الهاء في ( ضارب ) لأن زيداً لا سبيل لضارب عليه لأن تقديره : ما زيد شيئاً إلا أنا ضاربه فإن كانت ما الحجازية فهي الرافعة لزيد وإن كانت التميمية فإنما جاء الفعل بعد أن عمل الإبتداء فصار بمنزلة قولك كان زيد ضربت في أنه لا بد من الهاء في ( ضربت ) وتقول : ما كان أخاكل إلا زيد وما ضرب أباك إلا زيد لأن الفعل فارغ لما بعده فتقديره ما كان أحد أخاك إلا عمرو وما كان أخوك أحداً إلا زيداً فما بعد ( إلا ) من فاعل أو مفعول مستثنياً من اسم في النية أو خبر ولا يجوز : ما منطلقاً إلا كان زيد من حيث استحال ما زيداً إلا ضرب عمرو وتقول ما كان زيد قائماً إلا أبوه وما زيد قائماً إلا أبوه لأن ( ما ) في قائم منفي في المعنى والأب هو الفاعل كما تقول : ما قام إلا زيد
    فإن قلت : ما زيد قائماً أحد إلا أبوه كان جيداً لأن الإستثناء معلق بما قبله غير منفصل منه ونظير ذلك : زيد ما قام أحد إلا أبوه وزيد ما كان أحد قائماً إلا أبوه
    وتقول : ما أظنُّ أحداً قائماً إلا أبوك والنصب في الأب أجود على البدل من ( أحد ) ولو قلت : ما زيد قائماً أحد إليه إلا أبوه كان أجود حتى يكون الإستثناء فضلة
    ويقول : إن أخويك ليسا منطلقاً إلا أبوهما كما تقول : إن أخويك ليسا منطلقة جاريتهما وكذلك : إن أخويك ليسا منطلقاً أحد إلا أبوهما كما تقول : مررت برجالٍ ليسوا إلا منطلقاً آباؤهم
    قال أبو العباس رحمه الله : يزعم البغداديون : أن قولهم : إلا في الإستثناء إنما هي إن ولا ولكنهم خففوا إن لكثرة الإستعمال ويقولون
    إذا قلنا : ما جاءني أحد إلا زيد
    فإنما رفعنا زيداً ( بلا ) وإن نصبنا فبإن
    ونحن في ذلك مخيرون في هذا لأنه قد اجتمع عاملان ( إن ولا ) فنحن نعمل أيهما شئنا وكذلك يقولوا جاءني القوم إلا زيداً ولا يعرفون ما نقول نحن أن رفعه على الوصف في معنى غير فيلزمهم أن يقولون : ما جاءني إلا زيداً إذا أعملوا ( إن ) وهم لا يقولون به فسألناهم : لِمَ ذلك فقالوا : لأن أحدً مضمرة قلت ذاك أجدر أن يجوز النصب كما يجوز إذا أظهرت أحداً فلم يكن في ذاك وما يتولد فيه من المسائل حجة وهذا فاسد من كل وجه ذكرنا إياه يجعل له حظاً فيما يلتفت إليه ويجب على قولهم أن تنصب النكرات في الإستثناء بلا تنوين لأن : لا تنصب النكرات بلا تنوين قال سيبويه : إذا قلت لو كان معنا زيد رجل إلا زيد لغلبنا الدليل على أنه وصف أنك لو قلت : لو كان معنا إلا زيد لهلكنا وأنت تريد الإستثناء لكنت قد أحلت ونظير ذلك قوله : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ومثل ذلك قوله : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ) ومثله قول لبيد : :
    ( وإذا جُوزِيتَ قَرْضَاً فَأْجْزهِ ... إنّما يَجْزِي الفَتَى غَيْرُ الجَمَل )
    قال أبو العباس رحمه الله : لو كان معنا إلا زيداً لغلبنا أجود كلام وأحسنه والدليل على جودته أنه بمنزلة النفي نحو قولك : ما جاءني أحد إلا زيد وما جاءني إلا زيد أنك لو قلت : لو كان معنا أحد إلا زيد لهلكنا فزيد معك كما قال تعالى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) والله تعالى فيهما
    وتقول : لو كان لنا إلا زيداً أحد لهلكنا كما تقول : ما جاءني إلا زيداً أحد والدليل على جودة الإستثناء أيضاً أنه لا يجوز أن يكون إلا وما بعدها وصفاً إلا في موضع لو كان فيه استثناء لجاز
    ألا ترى أنك تقول : ما جاءني أحد إلا زيد على الوصف إن شئت وكذلك : جاءني القوم إلا زيد على ذلك ولو قلت : جاءني رجلاً إلا زيد تريد : غير زيد على الوصف لم يجز لأن الإستثناء هنا محال وتقول : ما أكل أحد إلا الخبز إلا إلا زيداً لأن معنى : ما أكل أحد إلا الخبز أنه قد أكل الخبز كل إنسان فكأنك قلت أكل الخبز كل إنسان فكأنك قلت أكل الخبز كل إنسان إلا زيداً وكذلك ما مسلوب أحد إلا ثوباً إلا زيداً لأنك أردت : كل إنسان سلب ثوباً إلا زيداً وتقول : ما ضربت أحداً إلا قائماً فتنصب ( قائماً ) على الحال وكذلك : ما مررت بأحد إلا ( قائماً ) وما جاءَني أحد إلا راكباً فإن قلت : ما مررت بأحد إلا قائماً إلا زيداً نصبت : زيداً ولم يجز أن تبدله من ( أحد ) لأن المعنى : مررت بكل أحد قائم وإن شئت : قائماً إلا زيداً وتقول : ما مر بي البعير إلا إبلك وذهب الدنانير إلا دنانيرك وفي كتاب الله تعالى : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات )
    قال الأخفش : لو قلت : أين إلا زيداً قومك وكيف إلا زيداً قومك
    لجاز لأن هذا بمنزلة أها هنا إلا زيداً قومك ويجيز ضرب إلا زيد قومك أصحابنا على أن يستثنى زيداً من الفاعلين
    وقال : لو استثنيته من المفعولين لم يحسن لأنك لم تجيء للمفعولين بذكر في أول الكلام و ( ضرب ) هو من ذكر الفاعلين لأن الفعل ( لهم )
    واعلم : أنه لا يجوز أن تجمع بين حرفين من هذه الحروف إلا ويكون الثاني اسماً مثل قولك : قام القوم إلا خلا زيداً هذا لا يجوز أن تجمع بين إلا وخلا فإن قلت : إلا ما خلا زيداً وإلا ما عدا جاز ولا يجوز إلا حاش زيداً والكسائي : يجيزه إذا خفض ( بحاشا ) والبغداديون يجيزون في : ما عندي إلا أباك أحداً الرفع والنصب في ( أبيك ) يجيزون : ما عندي إلا أبوك أحد
    وقد مضى ذكر هذا وما يجوز فيه وما لا يجوز
    وإذا قلت : ما قام القوم إلا زيد وهل قام القوم إلا زيد فالرفع عند البصريين على البدل وعند الكوفيين على العطف ويقولون : إذا اجتمعت ( إلا وغيرا ) فاجعل إحداهما تتبع ما قبلها وإحداهما استثناء فيقولون : ما جاءني أحد إلا زيد غير عمرو ترفع زيداً وتنصب ( غير ) وهذا عندنا إنما انتصب الثاني لأنه لا يجوز أن يرفع بالفعل فاعلان وقد مضى تفسير ذلك وإذا نَسَقْتَ جاز رفعهما جميعاً فقلت : ما جاءني أحد إلا زيد وغير عمرو قال الشاعر :
    ( مَا بِالمِدِينَةِ دَارٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ ... دَار الخليفةِ إلا دَارَ مَرْوَانَا )
    ترفع ( غير ) وتنصب دارَ مروان ولك أن تنصبهما جميعاً على قولك : ما جاءني أحد إلا زيداً ورفعهما جميعاً لا يجوز إلا على أن تجعل ( غير ) نعتاً فيصير الكلام كأنك قلت : ما بالمدينة دار كبيرة إلا دار مروان
    ولا يجوز أن يقع بعد إلا شيئان مختلفان على غير جهة البدل لا يجوز : ما أكل إلا عبد الله طعامَكَ
    ولا ما أكل إلا طعامك عبد الله وقد مضى تفسير هذا فإن جعلت ( إلا ) بمعنى غير فقد أجازه قوم
    وإذا قال القائل : الذي له عندي مائة دِرهم إلا درهَمَين فقد أقر بثمانية وتسعينَ وإذا قال : الذي له عندي مائة إلا درهمان فقد أقر بمئة لأن المعنى : له عندي مائة غير درهمين
    وكذلك لو قال : له عليَّ مائة غير ألف
    كان له مائة ألا ترى أنه لو قال : له عليَّ مائة مثل درهمين جاز أن يكون المعنى : أن المائة درهمان
    وكذلك لو قال : له عليَّ مئة مثل ألف كان عليه ألف ( فغير ) نقيض مثل وإذا قلت : ما له عندي إلا درهمين فأردت أن تقر بما بعد ( إلا ) رفعته لأنك إذا قلت : ما له عندي مئة إلا درهمان فإنما رفعت درهمان بأن جعلته بدلاً من ( مئة ) فكأنك قلت : ما له عندي إلا درهمان وإذا نصبت فقلت : ما له عندي مئة إلا درهمين فما أقررت بشيء لأن ( عندي ) لم ترفع شيئاً فيثبت له عندك فكأنك قلت : ما له عندي ثمانية وتسعون
    كذلك إذا قلت ما لك عليّ عشرون إلا درهماً فإذا قلت : ما لك عشرون إلا خمسة فأنت تريد : ما لك إلا خمسة وتقو ل : لك عليّ عشرة إلا خمسة ما خلا درهماً فالذي له ستة
    وكل استثناء فهو مما يليه والأول : حط والثاني : زيادة وكذلك جميع العدد فالدرهم مستثنى من الخمسة فصار المستثنى أربعة
    ولا ينسق على حروف الإستثناء ( بلا ) لا تقول : قام القوم ليس زيداً ولا عمراً ولا : قام القوم غير زيد ولا عمرو والنفي في جميع العربية ينسق عليه ( بلا ) إلا في الإستثناء وقال بعضهم : ( لا سيما ) يجيء شبيهاً بالإستثناء وحكي : ولا سيما يوم ويوماً من رفع جعله في صلة ( ما ) ومن خفض خفض بشيء
    ها هنا وجعل ( ما ) زائدة للتوكيد والسي
    والمثل ومن نصب جعله ظرفاً وحكي عن الأحمر : أنه كان يجيز : ما قام صغير وما خلا أخاك كبير وإنما قاسه على قول الشاعر :
    ( وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بها طُورِي ... ولا خلا الجن بها إنسي )
    وليس كما ظن لأن إنسي مرتفع ( بها ) على مذهبهم ولو قلت : ما أتاني إلا زيد إلا أبو عبد الله إذا كان أبو عبد الله زيداً كان جيداً
    ● [ التمييز ] ●

    قال أبو بكر : قد كنا قلنا عند إفتتاحنا ذكرنا الأسماء المنصوبات أنها تنقسم قسمة أولى على ضربين، وأن الضرب الأول : هو العام الكثير
    وقد ذكرناه بجميع أقسامه وبقي الضرب الآخر وهو ( إلا ) ونحن ذاكرون إن شاء الله الضرب الآخر من الأسماء المنصوبة من القسمة الأولى
    هذا الضرب كل اسم نذكره لفائدة بعد اسم مضاف أو فيه نون ظاهرة أو مضمرة قد تما بالإِضافة والنون وحالت النون بينهما أو الإِضافة ولولاها لصلح أن يضاف إليه والفرق بين هذا الضرب من التمييز وبين التمييز الذي قبله أن المنصوب هنا ينتصب عند تمام الإسم وذلك ينتصب عند تمام الكلام وهذا الضرب أكثر ما يكون في نوعين يميزان المقادير والأعداد وقد نصبوا أشياء نصب الأسماء بعد المقادير
    ● [ باب تمييز المقادير ] ●

    المقدرات بالمقادير على ثلاثة أضرب : ممسوح ومكيل وموزون
    أما ما كان منها على معنى المساحة فقولهم : ما في السماء قدر راحة سحاباً جعل قدر الراحة شيئا معلوماً نحو : ما يمسح به ما في الأرض وكل ما كان في هذا المعنى فهذا حكمه
    وأما ما كان على معنى الكيل فقولهم : عندي قفيزان براً وما أشبه ذلك
    وأما ما كان على معنى الوزن فقولهم : عندي منوان سمناً وعندي رطل زيتاً
    فالتمييز إنما هو فيما يحتمل أن يكون أنواعاً ألا ترى أنك إذا قلت : عندي مناً ورطل وأنت تريد : مقدار مناً ومقدار رطل لا الرطل والمن اللذين يوزن بهما جاز أن يكون ذلك المقدار من كل شيء يوزن من الذهب والفضة والسمن والزيت وجميع الموزونات وكذلك الذراع يجوز أن يكون مقدار الذراع من الأرضين والثياب ومن كل ما يمسح وكذلك القفيز والمكيل يصلح أن يكال به الحنطة والشعير والتراب وكل ما يكال
    فأما قولهم : لي مثله رجلاً فمشبه بذلك لأن المثل مقدار فذلك الأصل ولكنهم يتسعون في الكلام فيقولون : لي مثله رجلاً وهم يريدون : في شجاعته وغنائه أو غير ذلك
    فإذا قلت : لي مثله زيداً فذلك على بابه إنما يريد : مثل شيء في وزنه وقدره والهاء في مثله حالت بين مثل وبين زيد أن تضيفه إليه وكذلك النون في ( منوان ) فنصبته كما نصبت المفعول لما حال الفاعل بينه وبين الفعل بينه وبين الفعل
    ولولا المضاف والنون لأضفته إليه لأن كل إسم يلي إسماً ليس بخبر له ولا صفة ولا بدل منه فحقه الإِضافة وسيتضح لك ذلك في باب الخفض إن شاء الله
    ومثل ذلك : عليه شعر كلبين ديناً فالشعر مقدار وكذلك : لي ملء الدار خيراً منك ولي ملء الدار أمثالك لأن خيراً منك وأمثالك نكرتان وإن شئت قلت لي ملء الدار رجلاً وأنت تريد : رجالاً وكل مميز مفسر في المقادير والأعداد وغيرها
    ( فمن ) تحسن فيه إذا رددته إلى الجنس تقول : لي مثله من الرجال وما في السماء قدر راحة من السحاب ولله دره من الرجال وعندي عشرون من الدراهم ومنه ما تدخل فيه ( من ) وتقره على إفراده كقولك : لله دره من رجل
    قال أبو العباس رحمه الله : أما قولهم : حسبك بزيد رجلاً وأكرم به فارساً وحسبك يزيدٍ من رجل وأكرم به من فارس ولله دره من شاعر وأنت لا تقول : عشرون من درهم ولا هو أفره من عبد فالفصل بينهما : أن الأول كان يلتبس فيه التمييز بالحال فأدخلت ( من ) لتخلصه للتمييز ألا ترى أنك لو قلت : أكرم به فارساً وحسبك به خطيباً لجاز أن تعني في هذه الحال وكذلك إذا قلت : كم ضربت رجلاً وكم ضربت من رجل
    جاز ذلك لأن ( كم ) قد يتراخى عنها مميزها
    وإذا قلت : كم ضربت لم يدر السامع أردت : كم مرةً ضربت رجلاً واحداً أم : كم ضربت من رجل فدخول ( من ) قد أزال الشك
    ويجوز أن تقول : عندي رطل زيت وخمسة أثواب على البدل لأنه جائز أن تقول : عندي زيت رطل وأثواب خمسة فتوخوها على هذا المعنى وجائز الرفع في : لي مثله رجل، تريد : رجل مثله فأما الذي ينتصب إنتصاب الإسم بعد المقادير فقولك : ويحه رجلاً ولله دره رجلاً وحسبك به رجلاً
    قال العباس بن مرداس :
    ( ومرةّ يحميهم إذا ما تبدَّدوا ... ويطعنهم شزراً فأبرحتَ فارسا )
    قال سيبويه : كأنه قال : فكفى بك فارساً وإنما يريد : كفيت فارساً ودخلت هذه الباء توكيداً ومن ذلك قول الأعشى :
    ( فأَبْرَحْتَ رَبّاً وَأْبرَحْتَ جَارَاً ... )
    ومثله : أكرم به رجلاً
    وإذا كان في الأول ذكر منه حسن أن تدخل ( من ) توكيداً لذلك الذكر تقول : ويحه من رجل ولله در زيد من فارس وحسبك به من شجاع ولا يجوز : عشرون من درهم ولا هو أفرههم من عبد لأنه لم يذكره في الأول ومعنى قولهم : ذكر منه أن رجلاً هو الهاء في ويحه
    وفارس هو زيد والدرهم ليس هو العشرون والعبد ليس هو زيد ولا الأفره لأن الأفره خبر زيد

    ضفحة رقم [ 9 ] من كتاب الأصول في النحو Fasel10

    كتاب : الأصول في النحو
    المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
    منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة
    ضفحة رقم [ 9 ] من كتاب الأصول في النحو E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 4 نوفمبر 2024 - 17:04