من طرف حكماء الجمعة 7 ديسمبر 2018 - 13:19
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الحديث الشريف
جامع العلوم والحكم
● [ الحديث العاشر ] ●
عَنْ أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلاَّ طيِّباً ، وإنَّ الله تعالى أمرَ المُؤْمِنينَ بما أمرَ به المُرسَلين ، فقال : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحا } (1) ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُم } (2) ، ثمَّ ذكَرَ الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفرَ : أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يمُدُّ يدَيهِ إلى السَّماءِ : يا رَب يا رب ، وَمَطْعَمُهُ حَرامٌ ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ(3) ، وَمَلْبَسُهُ حرامٌ ، وَغُذِّيَ بالحَرَامِ ، فأنَّى يُستَجَابُ لِذلكَ ؟ ) .
رواهُ مُسلمٌ .
الشرح
هذا الحديث خرَّجه مسلم(4) من رواية فضيل بن مرزوق، عن عديِّ بن ثابت، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، وخرّجه الترمذي(5) ، وقال : حسن غريب . وفضيل بن مرزوق(6) ثقة وسط خرَّج له مسلم دون البخاري .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الله تعالى طيب ) هذا قد جاء أيضاً من حديث سعد بن أبي وقاص ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إن الله طيِّبٌ يحبُّ الطَّيِّبَ ، نظيفٌ يحبُّ النظافة ، جواد يحبُّ الجود ) . خرَّجه الترمذي(7)
__________
(1) المؤمنون : 51 .
(2) البقرة: 172 .
(3) عبارة : ( ومشربه حرام ) سقطت من ( ص ) .
(4) في " صحيحه " 3/85 ( 1015 ) ( 65 ) .
(5) في " الجامع الكبير " ( 2989 ) .
وأخرجه : عبد الرزاق ( 8839 ) ، وعلي بن الجعد ( 2094 ) ، وأحمد 2/328 ، والدارمي ( 2720 ) ، والبخاري في " رفع اليدين " ( 91 ) ، وابن عدي في " الكامل " 1/264 ، والبيهقي 3/346 ، والبغوي ( 2028 ) من طرق عن أبي هريرة ، به .
(6) من قوله : ( عن عدي بن ثابت ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(7) في " الجامع الكبير " ( 2799 ) .
وأخرجه : الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 3/408 ، والبزار ( 1114 ) ، وأبو يعلى ( 791 ) ، وابن حبان في " المجروحين " 1/279 ، وابن عدي في " الكامل " 3/414 من طرق عن سعد بن أبي وقاص ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
، وفي إسناده مقال(1) ، والطيب هنا : معناه الطاهر(2) .
والمعنى : أنَّه تعالى مقدَّسٌ منَزَّه عن النقائص والعيوب كلها ، وهذا كما في قوله : { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُون } (3) ، والمراد : المنزهون من أدناس الفواحش وأوضَارها(4) .
وقوله : ( لا يقبل إلا طيباً ) قد ورد معناه في حديث الصدقة ، ولفظُه : ( لا يتصدَّق أحدٌ بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً … )(5) ، والمراد أنَّه تعالى لا يقبل مِن الصدقات إلا ما كان طيباً حلالاً .
وقد قيل : إنَّ المراد في هذا الحديث الذي نتكلم فيه الآن بقوله : ( لا يقبلُ الله إلا طيباً ) أعمُّ مِنْ ذلك ، وهو أنَّه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلِّها ، كالرياء والعُجب ، ولا من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً ، فإنَّ الطيب تُوصَفُ به الأعمالُ والأقوالُ والاعتقاداتُ ، فكلُّ هذه تنقسم إلى طيِّبٍ وخبيثٍ .
__________
(1) في سنده : ( خالد بن إلياس ) ، قال النسائي في " الضعفاء والمتروكون " ( 172 ) : ( مدني متروك الحديث ) ، وقال ابن حبان في " المجروحين " 1/279 : ( يروي الموضوعات عن الثقات حتى يسبق إلى القلب أنَّه الواضع لها ) .
(2) انظر : لسان العرب 8/235 .
(3) النور : 26 .
(4) في ( ص ) : ( ظاهرها وباطنها ) . والأوضار : جمع وضر وهو وسخ الدسم واللبن . انظر : لسان العرب 15/325 .
(5) أخرجه : ابن المبارك في " الزهد " ( 648 ) ، وأحمد 2/418 ، والبخاري 2/134 ( 1410 ) ، ومسلم 3/85 ( 1014 ) ( 63 ) و( 64 ) ، وابن ماجه ( 1842 ) ، والترمذي ( 661 ) ، والبغوي ( 1632 ) من طرق عن أبي هريرة ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقد قيل : إنَّه يدخل في قوله تعالى : { قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ } (1) هذا كلُّه(2) .
وقد قسَّم الله تعالى الكلام إلى طيب وخبيث ، فقال : { ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة } (3) ، { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } (4) ، وقال تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } (5) ، ووصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنَّه يحلُّ الطيبات ويحرِّمُ الخبائث .
وقد قيل : إنَّه يدخل في ذلك الأعمالُ والأقوالُ والاعتقاداتُ أيضاً ، ووصف الله تعالى المؤمنين بالطيب بقوله تعالى : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ } (6) وإنَّ الملائكة تقولُ عند الموت: اخرُجي أيتها النفس الطَّيِّبة التي كانت في الجسد الطيِّب، وإنَّ الملائكة تسلِّمُ عليهم عندَ دُخول الجنة، ويقولون لهم: طبتم فادخلوها خالدين(7)، وقد ورد في الحديث أنَّ المؤمن إذا زار أخاً له في الله تقول له الملائكة : ( طِبْتَ ، وطابَ ممشاك ، وتبوَّأْتَ من الجنة منْزلاً )(8) .
__________
(1) المائدة : 100 .
(2) عبارة : ( هذا كله ) سقطت من ( ص ) .
(3) إبراهيم : 24 .
(4) إبراهيم : 26 .
(5) فاطر : 10 .
(6) النحل : 32 .
(7) عبارة : ( فادخلوها خالدين ) لم ترد في ( ج ) .
(8) أخرجه : ابن المبارك في " مسنده " ( 3 ) ، وفي " الزهد " ، له ( 708 ) ، وأحمد 2/326 و344 و354 ، وعبد بن حميد ( 1451 ) ، والبخاري في " الأدب المفرد " ( 345 ) ، وابن ماجه ( 1443 ) ، والترمذي ( 2008 ) ، وابن حبان ( 2961 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 9026 ) وفي " الآداب " ، له ( 219 ) ، والبغوي ( 3472 ) و( 3473 ) من طريق أبي سنان عيسى بن سنان ، عن عثمان بن أبي سودة ، عن أبي هريرة ، به ، وإسناده ضعيف لضعف أبي سنان عيسى بن سنان .
● [ الصفحة التالية ] ●
فالمؤمن كله طيِّبٌ قلبُه ولسانُه وجسدُه بما سكن في قلبه من الإيمان ، وظهر على لسانه من الذكر ، وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة التي هي ثمرة الإيمان ، وداخلة في اسمه ، فهذه الطيباتِ(1) كلُّها يقبلها الله - عز وجل - .
ومن أعظم ما يحصل به طيبةُ الأعمَال للمؤمن طيبُ مطعمه ، وأنْ يكون من حلال ، فبذلك يزكو عملُه .
وفي هذا الحديث إشارةٌ إلى أنَّه لا يقبل العملُ ولا يزكو إلاَّ بأكل الحلال ، وإنَّ أكل الحرام يفسد العمل ، ويمنع قبولَه ، فإنَّه قال بعد تقريره : ( إنَّ الله لا يقبلُ إلاَّ طيباً ) إنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً } (2) ، وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } (3) .
والمراد بهذا أنَّ الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال ، وبالعمل الصالح ، فما دام الأكل حلالاً ، فالعملُ صالح مقبولٌ ، فإذا كان الأكلُ غير حلالٍ ، فكيف يكون العمل مقبولاً ؟
وما ذكره بعد ذَلِكَ من الدعاء ، وأنَّه كيف يتقبل مع الحرام ، فهوَ مثالٌ لاستبعاد قَبُولِ الأعمال مع التغذية بالحرام . وقد خرَّج الطبراني بإسناد فيهِ نظر عن ابن عباس(4)
__________
(1) زاد بعدها في ( ص ) : ( التي هي الإيمان والعمل الصالح ) .
(2) المؤمنون : 51 .
(3) البقرة : 172 .
(4) في " المعجم الأوسط " ( 6495 ) .
وعزاه الهيثمي في " المجمع " 10/294 إلى " المعجم الصغير " والصواب " المعجم الأوسط " ، وقال : ( وفيه من لم أعرفهم ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
، قالَ : تُليَتْ هذه الآية عندَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً } (1) ، فقام سعدُ بنُ أبي وقاص ، فقال : يا رسول الله ، ادع الله أنْ يجعلني مستجابَ الدعوة ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( يا سعد(2) ، أطِبْ مطعَمَك تكن مستجاب الدَّعوة ، والذي نفس محمد بيده إنَّ العبد ليقذف اللُّقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عمل أربعين يوماً، وأيُّما عبدٍ نبت لحمُه من سُحْتٍ فالنارُ أولى به ).
وفي " مسند الإمام أحمد " (3) بإسناد فيه نظر أيضاً عن ابن عمر قال : ( من اشترى ثوباً بعشرة دراهم في ثمنه درهمٌ حرام، لم يقبلِ الله له صلاة ما كان عليه ) ، ثم أدخل أصبعيه في أذنيه فقال : صُمَّتا إنْ لم أكن سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ويُروى من حديث عليٍّ - رضي الله عنه - مرفوعاً معناه أيضاً، خرَّجه البزار وغيره بإسنادٍ ضعيف جداً(4).
__________
(1) البقرة : 168 .
(2) يا سعد ) لم ترد في ( ص ) .
(3) في المسند 2/98 .
وأخرجه : عبد بن حميد ( 849 ) ، وابن حبان في " المجروحين " 2/40 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 6114 ) ، والخطيب في " تاريخه " 14/21 وإسناده ضعيف جداً ، فهو مسلسل بالعلل ، وقال الحافظ العراقي : ( سنده ضعيف جداً ) فيض القدير 6/84 .
(4) في " مسنده " ( 819 ) ، وإسناده ضعيف جداً ، فيه النضر بن منصور ، قال البخاري: ( منكر الحديث ) . وعقبة بن علقمة أبو الجنوب ، قال أبو حاتم : ( ضعيف الحديث ) . انظر : الجرح والتعديل 6/402 ( 1743 ) ، ومجمع الزوائد 10/292 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج الطبراني بإسنادٍ فيه ضعفٌ من حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا خرج الرجلُ حاجاً بنفقةٍ طيبةٍ ، ووضع رجله في الغَرْزِ(1) ، فنادى : لبَّيْكَ اللهمَّ لبَّيكَ ، ناداه منادٍ من السَّماء : لبَّيْكَ وسَعْدَيك زادُك حلالٌ ، وراحلتك حلالٌ(2) ، وحجك مبرورٌ غير مأزورٍ ، وإذا خرج الرجلُ بالنفقة الخبيثة ، فوضع رجله في الغَرْزِ ، فنادى : لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيك ، ناداه منادٍ من السَّماء : لا لبَّيْكَ ولا سَعْدَيك ، زادُك حرام ، ونفقتُك حرام ، وحجُّكَ غيرُ مبرورٍ ) (3). ويُروى من حديث عمر نحوه بإسناد ضعيف أيضاً(4) .
وروى أبو يحيى القتات(5) ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : لا يقبل الله صلاة امريءٍ في جوفه حرام .
__________
(1) في ( ص ) : ( في المزدلفة ) .
(2) عبارة : ( وراحلتك حلال ) سقطت من ( ص ) .
(3) في " المعجم الأوسط " ( 5228 ) ، وإسناده ضعيف جداً ، سليمان بن داود اليمامي ، قال أبو حاتم : ( هو ضعيف الحديث ، منكر الحديث ، ما أعلم له حديثاً صحيحاً ) . انظر : الجرح والتعديل 4/108 ( 487 ) .
(4) أخرجه : ابن عدي في " الكامل " 3/585 ، وفي إسناده أبو الغصن الدجين بن ثابت ، قال النسائي في " الضعفاء والمتروكون " ( 179 ) : ( ليس بثقة ) .
(5) وهو ضعيف .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقد اختلفَ العلماءُ في حجِّ من حجَّ بمالٍ حرام ، ومن صلَّى في ثوب حرام ، هل يسقط عنه فرضُ الصلاة والحج بذلك ، وفيه عن الإمام أحمد روايتان ، وهذه الأحاديث المذكورة تدلُّ على أنَّه لا يتقبل العملُ مع مباشرة الحرام ، لكن القبول قد يُراد به الرضا بالعمل ، ومدحُ فاعله ، والثناءُ عليه بين الملائكة والمباهاةُ به ، وقد يُراد به حصولُ الثواب والأجر عليه ، وقد يراد به سقوط الفرض به من الذمة ، فإنْ كان المراد هاهنا القبولَ بالمعنى الأوَّل أو الثاني لم يمنع ذلك من سقوط الفرض به من الذمة(1) ، كما ورد أنَّه لا تقبل صلاة الآبق ، ولا المرأة التي زوجها عليها ساخطٌ ، ولا من أتى كاهناً ، ولا من شرب الخمر أربعين يوماً ، والمراد - والله أعلم - نفي القبول بالمعنى الأوَّل أو الثاني ، وهو المراد - والله أعلم - من قوله - عز وجل - : { إنَّما يَتقبَّلُ الله من المتَّقين } (2) . ولهذا كانت هذه الآية يشتدُّ منها خوفُ السَّلف على نفوسهم ، فخافوا أنْ لا يكونوا من المتَّقين الذين يُتقبل منهم .
وسُئل أحمد عن معنى ( المتقين ) فيها ، فقال : يتقي الأشياء ، فلا يقع فيما لا يَحِلُّ له.
__________
(1) من قوله : ( فإن كان المراد هاهنا ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(2) المائدة : 27 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقال أبو عبد الله الناجي(1) الزاهد رحمه الله : خمسُ خصال بها تمامُ العمل : الإيمان بمعرفة الله - عز وجل - (2)، ومعرفةُ الحقِّ ، وإخلاصُ العمل للهِ ، والعمل على السُّنَّةِ ، وأكلُ الحلالِ، فإن فُقدَتْ واحدةٌ، لم يرتفع العملُ ، وذلك أنَّك إذا عرَفت الله - عز وجل - ، ولم تَعرف الحقَّ ، لم تنتفع ، وإذا عرفتَ الحقَّ ، ولم تَعْرِفِ الله ، لم تنتفع ، وإنْ عرفتَ الله ، وعرفت الحقَّ ، ولم تُخْلِصِ العمل ، لم تنتفع ، وإنْ عرفت الله ، وعرفت الحقَّ (3)، وأخلصت العمل ، ولم يكن على السُّنة ، لم تنتفع ، وإنْ تمَّتِ الأربع ، ولم يكن الأكلُ من حلال لم تنتفع(4) .
وقال وُهيب بن الورد(5) : لو قمتَ مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال أو حرام(6) .
وأما الصدقة بالمال الحرام ، فغيرُ مقبولةٍ كما في " صحيح مسلم " (7) عن ابن عمر ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يقبلُ الله صلاةً بغير طهورٍ ، ولا صدقةً من غلولٍ ) .
__________
(1) وهو : سعيد بن بريد الزاهد . انظر : الجرح والتعديل 4/8 ( 26 ) .
(2) في ( ص ) : ( الإيمان بالله - عز وجل - ) .
(3) من قوله : ( لم تنتفع ، وإذا عرفت ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(4) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 9/310 .
(5) وهو ابن أبي الورد القرشي ، أبو عثمان ، ويقال : أبو أمية المكي ، مولى بني مخزوم ، أخو عبد الجبار بن الورد ، واسمه عبد الوهاب ، ووهيب لقب غلب عليه . انظر : تهذيب الكمال 7/505 ( 7366 ) .
(6) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/154 .
(7) الصحيح 1/140 ( 224 ) .
وأخرجه : الطيالسي ( 1874 )، وأحمد 2/19 و20 و39 و51 و57 و73، وابن ماجه ( 272 )، والترمذي ( 1 )، وابن الجارود ( 65 )، وابن خزيمة ( 8 )، والطحاوي في "شرح المشكل" ( 3299 ) ، وابن حبان ( 3366 ) ، والبيهقي 4/191 من طرق عن ابن عمر، به.
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال(1) : ( ما تصدَّق أحدٌ بصدقة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطَّيِّبَ- إلا أخذها الرحمان بيمينه )(2)، وذكر الحديث .
وفي " مسند الإمام أحمد " (3) عن ابن مسعود ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يكتسب عبدٌ مالاً من حرام ، فيُنفِقَ منه ، فَيُباركَ له فيه ، ولا يتصدَّقُ به ، فيتقبلَ منه، ولا يتركه خلفَ ظهره إلا كان زادَه إلى النار، إنَّ الله لا يمحو السيِّىء بالسيِّئ ، ولكن يمحو السَّيىءَ بالحسن ، إنَّ الخبيثَ لا يمحو الخبيثَ ) .
__________
(1) من قوله : ( لا يقبل الله صلاة ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(2) أخرجه : الحميدي ( 1154 ) ، وأحمد 2/538 ، والدارمي ( 1682 ) ، والبخاري 9/154 ( 7430 ) ، ومسلم 3/85 ( 1014 ) ( 64 ) والنسائي 5/57 وفي " الكبرى " ، له ( 2304 ) و( 7734 ) و( 7735 ) و( 7759 ) وفي " التفسير " ، له ( 419 ) ، وابن خزيمة ( 2425 ) و( 2426 ) و( 2427 ) ، وابن حبان ( 3316 ) و( 3319 ) ، والبغوي ( 1631 ) من طرق عن أبي هريرة ، به .
(3) في " مسنده " 1/387 .
وأخرجه : البزار ( 2026 ) ، والشاشي ( 877 ) ، والحاكم 2/447 ، وأبو نعيم في "الحلية" 4/165 و166 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 607 ) و( 5524 )، والبغوي ( 2030 ) من طرق عن عبد الله بن مسعود ، به ، وإسناده ضعيف ورفعه منكر ، الصواب فيه الوقف وعلته الصباح بن محمد ضعيف وقد خولف.
وأخرجه : ابن المبارك في " الزهد " ( 1134 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 8990 ) وأبو نعيم في " الحلية " 4/165 عن عبد الله بن مسعود ، موقوفاً .
● [ الصفحة التالية ] ●
ويُروى من حديث دراج، عن ابن حُجيرة، عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من كسب مالاً حراماً ، فتصدق به ، لم يكن له فيه أجرٌ ، وكان إصرُه عليه ) . خرَّجه ابنُ حبان في " صحيحه " (1) ، ورواه بعضهم موقوفاً على أبي هريرة .
ومن مراسيل القاسم بن مُخَيْمِرَة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أصاب مالاً مِنْ مأثم ، فوَصَلَ به رحمه ، أو تصدّق به ، أو أنفقه في سبيل الله ، جمع الله ذلك جميعاً ، ثم قذف به في نار جهنم ) (2) .
ورُوي عن أبي الدرداء ، ويزيد بن مَيْسَرَة أنَّهما جعلا مثلَ من أصاب مالاً من غير حلِّه ، فتصدَّق به مثلَ من أخذ مال يتيم ، وكسَا بهِ أرملةً(3) .
وسُئِلَ ابنُ عباس عمَّن كان على عمل ، فكان يَظلِمُ ويأخُذُ الحرام ، ثم تابَ ، فهو يحجُّ ويعتِق ويتصدَّق منه ، فقال : إنَّ الخبيث لا يُكَفِّرُ الخبيثَ ، وكذا قال ابن مسعود : إنَّ الخبيثَ لا يُكفِّر الخبيث ، ولكن الطَّيِّبَ يُكفِّرُ الخبيث(4) ، وقال الحسنُ : أيها المتصدِّق على المسكين يرحمُه ، ارحم من قد ظَلَمْتَ .
واعلم أنَّ الصدقة بالمال الحرام تقع على وجهين :
__________
(1) الصحيح ( 3216 ) و( 3367 ) .
وأخرجه أيضاً : ابن الجارود ( 336 ) ، والحاكم 1/548 ، والبيهقي 4/84 من طرق عن أبي هريرة ، به .
(2) أخرجه : ابن المبارك في " الزهد " ( 625 ) ، وأبو داود في " المراسيل " ( 131 ) .
(3) أخرجه : أحمد في " الزهد " ( 737 ) .
(4) أخرجه : البزار ( 1977 ) ، والطبراني في " المعجم الأوسط " ( 7728 ) من طرق عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً ، وهو ضعيف .
● [ الصفحة التالية ] ●
أحدهما : أنْ يتصدَّقَ به الخائنُ أو الغاصبُ ونحوهما عن نفسه ، فهذا هو المراد من هذه الأحاديث أنه لا يُتُقبَّلُ منه ، بمعنى : أنَّه لا يُؤجَرُ عليه ، بل يأثمُ بتصرفه في مال غيره بغير إذنه ، ولا يحصلُ للمالك بذلك أجرٌ ؛ لعدم قصده ونيته ، كذا قاله جماعةٌ من العلماء ، منهم : ابنُ عقيلٍ من أصحابنا ، وفي كتاب عبد الرزاق من رواية زيد بن الأخنس الخزاعي : أنَّه سأل سعيد بنَ المسيب قال : وجدت لقطةً ، أفأتصدق بها ؟ قالَ : لا تُؤجر أنت ولا صاحبُها(1) .
ولعلَّ مرادَه إذا تَصدَّقَ بها قبلَ تعريفها الواجب . ولو أخذ السلطانُ ، أو بعضُ نوابه من بيت المال ما لا يستحقه ، فتصدق منه أو أعتق ، أو بنى به مسجداً أو غيره مما ينتفع به الناسُ، فالمنقولُ عن ابنِ عمر أنَّه كالغاصبِ إذا تصدق بما غصبه، كذلك قالَ لعبد الله بن عامر أميرِ البصرة ، وكان الناس قد اجتمعُوا عنده في حال موته وهم يُثنون عليهِ ببرِّه وإحسانه، وابن عمر ساكتٌ، فطلب منه أنْ يتكلَّم، فروى له حديث : ( لا يقبلُ الله صدقة من غُلولٍ )(2)، ثم قال له(3): وكنت على البصرة.
وقال أسدُ بنُ موسى في " كتاب الورع " : حدثنا الفضيلُ بن عياض ، عن
منصور ، عن تميم بن سلمة قال : قال ابنُ عامر(4) لعبد الله بن عمر : أرأيتَ هذا العقاب التي نُسَهِّلُها ، والعيون التي نُفَجِّرُها ، ألنا فيها أجرٌ ؟ فقال ابن عمر : أما علمتَ أنَّ خبيثاً لا يُكَفِّرُ خبيثاً قط ؟(5)
__________
(1) أخرجه : عبد الرزاق ( 18622 ) .
(2) تقدم تخريجه .
(3) قال له ) سقطت من ( ص ) .
(4) تحرف في ( ص ) إلى : ( ابن عباس ) .
(5) أخرجه : أحمد في " الزهد " ( 1063 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
حدثنا عبدُ الرحمان بنُ زياد ، عن أبي مليح ، عن ميمون بن مِهران قال : قال ابنُ عمر لابنِ عامر وقد سأله عن العتق : مَثَلُكَ مثلُ رجلٍ سرق إبلَ حاجٍّ ، ثم جاهد بها(1) في سبيل الله ، فانظر هل يقبل منه ؟
وقد كان طائفة من أهل التشديد في الورع(2) ، كطاووسٍ ووهيب بن الورد(3) يَتَوقَّوْنَ الانتفاع بما أحدثه مثلُ هؤلاء الملوك ، وأما الإمام أحمد – رحمه الله – فإنَّه رخَّصَ فيما فعلوه من المنافع العامة ، كالمساجد والقناطر والمصانع ، فإنَّ هذه ينفق عليها من مال الفيء ، اللهم إلاَّ أنْ يتيقَّن أنَّهم فعلوا شيئاً من ذلك بمالٍ حرام كالمُكوس والغصوب ونحوها ، فحينئذ يتوقَّى الانتفاع بما عمل بالمال الحرام ، ولعلَّ ابنَ عمر إنَّما أنكر عليهم أخذَهُم لأموال بيت المال لأنفسهم ، ودعواهم أنَّ ما فعلوه منها بعد ذلك ، فهو صدقة منهم ، فإنَّ هذا شبيهٌ بالغصوب ، وعلى مثل هذا يُحمل إنكار من أنكر من العلماء على الملوك بنيان المساجد .
__________
(1) في ( ص ) : ( فتصدق بها ) .
(2) عبارة : ( في الورع ) لم ترد في ( ص ) .
(3) في ( ص ) : ( ووهب بن المنبه ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
قال أبو الفرج بنُ الجوزي : رأيت بعضَ المتقدمين سُئلَ عمن كسب حلالاً وحراماً من السلاطين والأمراء ، ثم بنى الأربطة والمساجد : هل له ثواب ؟ فأفتى بما يُوجِبُ طيب قلب المنفق ، وأنَّ لهُ في إيقاف ما لا يملكه نوع سمسرة ؛ لأنَّه لا يعرف أعيان المغصوبين ، فيرد عليهم . قالَ : فقلتُ واعجباً من متصدِّرين للفتوى لا يعرفونَ أصولَ الشريعة ، ينبغي أنْ ينظر في حال هذا المنفق أوَّلاً ، فإنْ كانَ سلطاناً ، فما يخرج من بيت المال ، قد عرفت وجوهُ مصارفِه ، فكيف يمنع مستحقيه ، ويشغله بما لا يفيد من بناء مدرسة أو رباط؟ وإنْ كان مِن الأُمراء ونوَّابِ السلاطين، فيجب أنْ يردَّ ما يجب ردُّه إلى بيت المال ، وإنْ كان حراماً أو غصباً ، فكلُّ تصرف فيه حرام ، والواجب ردُّه على من أخذ منه أو ورثته ، فإن لم يعرف ردَّ إلى بيت المال(1) يصرف في المصالح أو في الصدقة ، ولم يحظ آخذه بغير الإثم . انتهى .
وإنَّما كلامُه في السلاطين الذين عهدهم في وقته الذين يمنعون المستحقين من الفيء حقوقهم ، ويتصرَّفونَ فيه لأنفسهم تصرف المُلاَّكِ ببناء ما ينسبونه إليهم من مدارسَ وأربطةٍ ونحوها مما قد لا يحتاج إليه ، ويخص به قوماً دون قوم ، فأما لو فرض إمامٌ عادلٌ يعطي الناس حقوقهم من الفيء ، ثم يبني لهم منه ما يحتاجون إليه من مسجدٍ ، أو مدرسة ، أو مارستان ، ونحوِ ذلك كان ذلك جائزاً ، ولو كان بعضُ من يأخذ المال لنفسه من بيت المال بنى بما أخذه بناء محتاجاً إليه في حال ، يجوز البناء فيه من بيتِ المال ، لكنَّه نسبه إلى نفسه ، فقد يتخرَّجُ على الخلاف في الغاصب إذا ردَّ المالَ إلى المغصوب منه على وجه الصدقة والهبة هل يبرأ بذلك أم
لا ؟ وهذا كلُّه إذا بني على قدر الحاجة من غير سرفٍ ولا زخرفةٍ .
__________
(1) من قوله : ( وإن كان حراماً أو غصباً ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقد أمر عمرُ بنُ عبد العزيز بترميم مسجد البصرة من مال بيت المال ، ونهاهم أنْ يتجاوزوا ما تصدَّع منه ، وقال : إني لم أجد للبنيان في مال الله حقاً ، ورُوي عنه أنَّه قال : لا حاجة للمسلمين فيما أضرَّ ببيت مالهم .
واعلم أنَّ من العلماء من جعل تصرُّفَ الغاصب ونحوه في مال غيره موقوفاً على إجازة مالكه ، فإنْ أجاز تصرُّفه فيه جاز ، وقد حكى بعضُ أصحابنا روايةً عن أحمد أنَّ من أخرج زكاته من مالٍ مغصوبٍ ، ثم أجازه لهُ المالك ، جاز وسقطت عنه الزكاة ، وكذلك خرَّج ابن أبي موسى روايةً عن أحمد : أنَّه إذا أعتق عبدَ غيره عن نفسه ملتزماً ضمانه في ماله ، ثم أجازه المالك جاز ، ونفذ عتقه ، وهو خلافُ نصِّ أحمد ، وحكي عن الحنفية أنَّه لو غصب شاة ، فذبحها لمتعته وقرانه ، ثم أجازه المالك أجزأت عنه .
الوجه الثاني من تصرفات الغاصب في المال المغصوب : أنْ يتصدَّق به عن صاحبه إذا عجز عن ردِّه إليه أو إلى ورثته ، فهذا جائزٌ(1) عند أكثر العلماء ، منهم : مالكٌ ، وأبو حنيفة ، وأحمد وغيرهم . قال ابنُ عبد البر : ذهب الزُّهري ومالك والثوري ، والأوزاعي ، والليث إلى أنَّ الغالَّ إذا تفرَّق أهلُ العسكر ولم يَصِلْ إليهم أنَّه يدفع إلى الإمام خمسه ، ويتصدق بالباقي ، روي ذلك عن عُبادة بن الصامت ومعاوية ، والحسن البصري ، وهو يشبه مذهب ابن مسعود وابن عباس ؛ لأنَّهما كانا يريان أنْ يتصدَّق بالمال الذي لا يعرف صاحبه ، قال : وقد أجمعوا في اللقطة على جواز الصدقة بها بعد التعريف وانقطاع صاحبها ، وجعلوه إذا جاء مخيراً بين الأجر والضمان ، وكذلك الغصوب . انتهى(2) .
__________
(1) سقطت من ( ص ) .
(2) التمهيد 1/295 . ( طبعة دار إحياء التراث العربي ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وروي عن مالك بن دينار ، قال : سألتُ عطاء بن أبي رباح عمن عنده مالٌ
حرام ، ولا يعرف أربابه ، ويريدُ الخروج منه ؟ قال : يتصدق به ولا أقول : إنَّ ذلك يُجزئ عنه . قال مالك : كان هذا القول من عطاء أحبَّ إليَّ من وزنه ذهباً .
وقال سفيان فيمن اشترى من قوم شيئاً مغصوباً : يردُّه إليهم ، فإنْ لم يقدر
عليهم ، تصدَّق به كلَّه ، ولا يأخذ رأس ماله ، وكذا قال فيمن باع شيئاً ممن تكره معاملته لشبهة ماله ، قال : يتصدَّقُ بالثمن ، وخالفه ابنُ المبارك ، وقال : يتصدق بالرِّبح خاصَّةً ، وقال أحمد : يتصدَّق بالربح .
وكذا قال فيمن ورث مالاً من أبيه ، وكان أبوه يبيعُ ممَّن تكره معاملته : أنَّه يتصدَّق منه بمقدار الرِّبح ، ويأخذ الباقي (1). وقد رُوي عن طائفةٍ من الصَّحابة نحوُ ذلك : منهم : عمرُ بنُ الخطاب ، وعبدُ الله بنُ يزيد الأنصاري .
والمشهور عن الشافعي رحمه الله في الأموال الحرام : أنَّها تُحفظ ، ولا يُتصَدَّقُ بها حتى يظهر مستحقُّها .
وكان الفضيلُ بنُ عياض يرى : أنَّ من عنده مالٌ حرامٌ لا يعرف أربابه ، أنَّه يُتلفه ، ويُلقيه في البحر ، ولا يتصدَّق به ، وقال : لا يتقرَّب إلى الله إلاَّ بالطيب .
والصحيح الصدقةُ به ؛ لأنَّ إتلاف المال وإضاعته منهيٌّ عنه ، وإرصاده أبداً تعريض له للإتلاف ، واستيلاء الظلمة عليه ، والصدقة به ليست عن مكتسبه حتى يكون تقرُّباً منه بالخبيث ، وإنَّما هي صدقةٌ عن مالكه ، ليكون نفعُه له في الآخرة حيث يتعذَّرُ عليه الانتفاعُ به في الدنيا .
وقوله : ( ثم ذكر الرجل يُطيلُ السفرَ أشعثَ أغبرَ ، يمدُّ يديه إلى السَّماء : يا رب ، يا رب ، ومطعمُه حرام ، ومشربه حرامٌ ، وملبسه حرام ، وغُذِّي بالحرام ، فأنَّى يُستجاب لذلك ؟! )(2) .
__________
(1) من قوله : ( وقال أحمد : يتصدق بالربح ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(2) تقدم تخريجه .
● [ الصفحة التالية ] ●
هذا الكلام أشار فيه - صلى الله عليه وسلم - إلى آداب الدعاء، وإلى الأسباب التي تقتضي إجابَته ، وإلى ما يمنع من إجابته ، فذكر من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء أربعة :
أحدهما : إطالةُ السفر ، والسفر بمجرَّده يقتضي إجابةَ الدعاء ، كما في حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( ثلاثُ دعواتٍ مستجابات لا شك فيهن : دعوةُ المظلومِ ، ودعوةُ المسافر ، ودعوةُ الوالد لولده ) (1) ، خرَّجه أبو داود وابن ماجه والترمذي ، وعنده : ( دعوة الوالد على ولده ) .
وروي مثله عن ابن مسعود من قوله .
ومتى طال السفر ، كان أقربَ إلى إجابةِ الدُّعاء ؛ لأنَّه مَظنِّةُ حصول انكسار النفس بطول الغُربة عن الأوطان ، وتحمُّل المشاق ، والانكسارُ من أعظم أسباب إجابة الدعاء .
والثاني : حصولُ التبذُّل في اللِّباس والهيئة بالشعث والإغبرار ، وهو - أيضاً - من المقتضيات لإجابة الدُّعاء ، كما في الحديث المشهور عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( ربَّ أشعث أغبرَ ذي طِمرين ، مدفوع بالأبواب ، لو أقسم على الله لأبرَّه )(2)
__________
(1) أخرجه : أبو داود ( 1531 ) ، وابن ماجه ( 3862 ) ، والترمذي ( 1905 ) و(3448) .
وأخرجه : الطيالسي ( 2517 ) ، وأحمد 2/258 و348 و434 و478 و517 و523 ، وعبد بن حميد ( 1421 ) ، والبخاري في " الأدب المفرد " ( 32 ) ( 481 ) ، والعقيلي في "الضعفاء" 1/72 ، وابن حبان ( 2699 ) ، والطبراني في " المعجم الأوسط " ( 24 ) ، والبغوي ( 1394 ) ، قال الترمذي : ( هذا حديث حسن ) ، على أنَّ في إسناده مقالاً ، ولعله قال ذلك لما للحديث من شواهد .
وأخرجه : أحمد 4/154 من طريق عقبة بن عامر الجهني ، به .
(2) أخرجه : عبد بن حميد ( 1236 ) ، والطبراني في " المعجم الأوسط " ( 8650 ) بهذا اللفظ من حديث أنس بن مالك ، به .
وأخرجه : مسلم 8/36 ( 2622 ) ( 138 ) و8/154 ( 2854 ) ( 48 ) من حديث أبي هريرة ، به ، ولم يذكر : ( ذي طمرين ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
. ولما خرج النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للاستسقاء ، خرج متبذِّلاً متواضعاً متضرِّعاً (1) . وكان مُطَرِّفُ بنُ عبد الله قد حُبِسَ له ابنُ أخٍ ، فلبس خُلْقان ثيابه ، وأخذ عكازاً بيده ، فقيل له : ما هذا ؟ قالَ : أستكين لربي ، لعلَّه أنْ يشفِّعني في ابن أخي(2) .
الثالث : مدُّ يديه إلى السَّماء، وهو من آداب الدُّعاء التي يُرجى بسببها إجابته، وفي حديث سلمانَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الله تعالى حييٌّ كريمٌ ، يستحيي إذا رفع الرجلُ إليه يديه أنْ يردَّهما صِفراً خائبتين ) ، خرَّجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه . وروي نحوه من حديث أنس وجابر وغيرهما(3)
__________
(1) أخرجه : أحمد 1/230 و269 و355 ، وأبو داود ( 1165 ) وابن ماجه ( 1266 ) ، والترمذي ( 558 ) و( 559 ) ، والنسائي 3/156 و163 وفي " الكبرى " ، له ( 1807 ) و( 1808 ) و( 1811 ) و( 1826 ) ، وابن خزيمة ( 1405 ) و( 1408 ) و( 1419 ) ، وابن حبان ( 2862 ) ، والطبراني في " المعجم الكبير " ( 10818 ) و( 10819 ) ، والحاكم 1/326 ، والبيهقي 3/347 ، وقال الترمذي : ( حسن صحيح ) .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 2/198 ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " 61/238 .
(3) أخرجه : أحمد 5/438 ، وأبو داود ( 1488 ) ، والترمذي ( 3556 ) ، وابن ماجه ( 3865 ) .
وأخرجه : ابن حبان ( 876 ) و( 880 ) ، والطبراني في " المعجم الكبير " ( 6148 ) وفي " الدعاء " ، له ( 202 ) ، وابن عدي 2/562 ، والحاكم 1/497 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 1110 ) ، والبيهقي 2/211 ، والخطيب في " تاريخه " 8/317 ، والبغوي ( 1385 ) من طرق عن سلمان الفارسي ، به ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) .
وأخرجه : أحمد في " الزهد " ( 821 ) ، وهناد في " الزهد " ( 1361 ) من طرق عن سلمان الفارسي ، موقوفاً .
وأخرجه : معمر في "جامعه " ( 19648 ) ، وعبد الرزاق ( 3250 ) ، والحاكم 1/497-498 ، والبغوي ( 1386 ) من حديث أنس بن مالك ، به .
وأخرجه : أبو يعلى ( 1867 ) من حديث جابر بن عبد الله ، به .
وأخرجه : ابن عدي 2/431 من حديث ابن عمر ، به .