منتدى حكماء رحماء الطبى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الحديث التاسع والثلاثون

    avatar
    حكماء
    Admin


    عدد المساهمات : 2700
    تاريخ التسجيل : 30/12/2013

    الحديث التاسع والثلاثون Empty الحديث التاسع والثلاثون

    مُساهمة من طرف حكماء الأربعاء 16 يناير 2019 - 4:22

    الحديث التاسع والثلاثون Game10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الحديث الشريف
    جامع العلوم والحكم
    الحديث التاسع والثلاثون 1410
    ● [ الحديث التاسع والثلاثون ] ●


    عَنِ ابنِ عبَّاس رضي الله عنهما ، أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : ( إنَّ الله تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ والنِّسيانَ ، وما استُكْرِهُوا عليهِ ).
    حديثٌ حسَنٌ رَواهُ ابنُ ماجهْ والبَيَهقيُّ وغيرهما .

    الشرح
    هذا الحديثُ خرَّجه ابن ماجه (1) من طريق الأوزاعي ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وخرَّجه ابنُ حبَّان في " صحيحه " (2) والدارقطني (3) ، وعندهما : عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن عُبيد بن عمير ، عن ابنِ عباس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
    وهذا إسناد صحيح في ظاهر الأمر ، ورواتُه كلهم محتجٌّ بهم في " الصحيحين " وقد خرَّجه الحاكم (4) ، وقال : صحيح على شرطهما . كذا قال ، ولكن له علة ، وقد أنكره الإمام أحمد (5) جداً ، وقال : ليس يُروى فيه إلاَّ عن الحسن ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً . وقيل لأحمد : إنَّ الوليد بن مسلم روى عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر مثله (6) ، فأنكره أيضاً (7) .
    __________
    (1) في " سننه " ( 2045 ) .
    وأخرجه : العقيلي في " الضعفاء الكبير " 4/145 ، والطبراني في " الأوسط " ( 8273 ) ، والبيهقي 6/84 و7/156 - 157 .
    (2) الحديث ( 7219 ) .
    (3) في " السنن " 4/170 - 171 .
    وأخرجه : الطحاوي في " شرح المعاني " 3/95 ، وابن حبان ( 7219 ) ، والطبراني في " الصغير " ( 752 ) ، وابن عدي في " الكامل " 3/209 و212 و213 ، والحاكم 2/198 ، والبيهقي 7/156 و10/61 .
    (4) في " المستدرك " 2/198 .
    (5) في " العلل " ، له 1/205 .
    (6) أخرجه : العقيلي في " الضعفاء الكبير " 4/145 ، والطبراني في " الأوسط " ( 8274 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 6/352 ، والبيهقي 6/84 .
    (7) انظر : العلل لأحمد بن حنبل 1/205 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وذكر لأبي حاتم الرازي حديثُ الأوزاعي ، وحديث مالك ، وقيل له : إنَّ الوليد روى أيضاً عن ابن لهيعة عن موسى بن وردان ، عن عقبة بن عامر ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مثله (1) ، فقال أبو حاتم : هذه أحاديث منكرة كأنَّها موضوعة ، وقال : لم يسمع الأوزاعيُّ هذا الحديث من عطاءٍ ، وإنَّما سمعه من رجل لم يسمه ، أتوهَّمُ أنّه عبدُ الله بن عامر ، أو إسماعيل بن مسلم ، قال : ولا يصحُّ هذا الحديث ، ولا يثبت إسنادُه (2) .
    قلت : وقد رُوي عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن عُبيد بن عُمَير مرسلاً من غير ذكر ابن عباس (3) ، وروى يحيى بنُ سليم ، عن ابن جريج ، قال : قال عطاء : بلغني أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ الله تجاوزَ لأمَّتي عَنِ الخطأ والنِّسيان ، وما استُكرهوا عليه ) (4) خرَّجه الجوزجاني ، وهذا المرسلُ أشبه .
    __________
    (1) أخرجه : الطبراني في " الأوسط " ( 8276 ) ، والبيهقي 7/357 .
    (2) انظر : العلل لابن أبي حاتم 1/431 .
    (3) أخرجه : ابن عدي في " الكامل " 3/212 .
    (4) أخرجه : ابن أبي شيبة 4/172 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقد ورد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعاً رواه مسلم بن خالد الزنجي ، عن سعيد العلاف ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( تُجُوِّزَ لأمَّتي عن ثلاث : عن الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه ) (1) خرَّجه الجوزجاني . وسعيد العلاف : هو سعيد بن أبي صالح ، قال أحمد : وهو مكيٌّ ، قيل له : كيف حالُه ؟ قالَ : لا أدري وما علمتُ أحداً روى عنه غير مسلم بن خالد (2) ، قالَ أحمد : وليس هذا مرفوعاً ، إنَّما هوَ عن ابن عباس قوله . نقل ذَلِكَ عنه مهنا ، ومسلم بن خالد ضعفوه (3) .
    وروي من وجه ثالثٍ من رواية بقية بن الوليد ، عن عليٍّ الهمداني ، عن أبي جمرة عن ابن عباس مرفوعاً ، خرَّجه حرب ، ورواية بقية عن مشايخه المجاهيل لا تُساوي شيئاً .
    ورُوي من وجه رابع خرَّجه ابن عدي (4) من طريق عبد الرحيم بن زيد العَمِّي ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وعبد الرحيم هذا ضعيف (5)
    __________
    (1) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 11274 ) .
    (2) انظر : الجرح والتعديل 4/77 ( 5443 ) .
    (3) قال ابن معين : ( ليس به بأس ) ، وقال مرة : ( ثقة ) ، وقال مرة : ( ضعيف ) ، وقال البخاري : ( منكر الحديث ) ، وقال أبو حاتم : ( لا يحتج به ) ، وضعفه أبو داود ، وقال ابن المديني : ( ليس بشيء ) ، وقال النسائي : ( ضعيف ) .
    انظر : التاريخ الكبير 7/138 ( 10435 ) ، والكامل لابن عدي 8/6 ، وميزان الاعتدال 4/102 ( 8485 ) .
    (4) في " الكامل " 6/494 .
    (5) قال عنه يحيى بن معين : ( ليس بشيء ) ، وقال مرة : ( تركوه ) ، وقال البخاري: ( تركوه ) ، وقال أبو زرعة : ( واهي ، ضعيف الحديث ) ، وقال العقيلي : ( لا يتابع عليه ولا على كثير من حديثه ) .
    انظر : التاريخ الكبير 5/368 ( 7915 ) ، والجرح والتعديل 5/402 ، والضعفاء للعقيلي 3/79 ، والكامل لابن عدي 9/493 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقد روي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وجوهٍ أُخَر ، وقد تقدَّم أنَّ الوليد بن مسلم رواه عن مالك، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعاً ، وصححه الحاكم وغرَّبه (1) ، وهو عند حُذَّاق الحفّاظ باطل على مالك ، كما أنكره الإمامُ أحمد وأبو حاتم ، وكانا يقولان عن الوليد : إنَّه كثيرُ الخطأ . ونقل أبو عبيد الآجري عن أبي داود ، قال : روى الوليدُ بن مسلم عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصلٌ ، منها : عن نافع أربعة (2). قلت : والظاهر أنَّ منها هذا الحديث ، والله أعلم .
    وخرَّجه الجوزجاني من رواية يزيد بن ربيعة سمعتُ أبا الأشعث يُحدث عن ثوبان عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ الله - عز وجل - تجاوز عن أمتي عن ثلاثة : عن الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه ) (3) . و يزيد بن ربيعة ضعيف جداً (4) .
    وخرَّج ابن أبي حاتم (5)
    __________
    (1) انظر : التلخيص الحبير 1/673 .
    (2) سؤالات أبي عبيد الآجري 2/183 ( 1543 ) ، وانظر : تهذيب الكمال 3/444
    ( 2847 ) ، وميزان الاعتدال 4/347 ، وتهذيب التهذيب 4/380 و11/136 .
    (3) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 1430 ) .
    (4) قال عنه البخاري : ( عنده مناكير ) ، قال مرة : ( حديثه مناكير ) ، وقال أبو حاتم: ( ضعيف الحديث ، منكر الحديث ، واهي الحديث ) ، وقال النسائي : ( متروك ) ، وقال السعدي : ( أحاديث يزيد بن ربيعة أباطيل ، أخاف أن تكون موضوعة ) .
    انظر : التاريخ الكبير 8/213 ، والجرح والتعديل 9/322 ، والضعفاء للعقيلي 4/376 ، والكامل لابن عدي 9/133 ، وميزان الاعتدال 4/422 .
    (5) في " التفسير " ( 3092 ) ، والطبراني كما في " نصب الراية " 2/65 .
    وأخرجه : ابن عدي في " الكامل " 4/343 عن الحسن مرسلاً .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    من رواية أبي بكر الهذلي ، عن شهر بن حوشب ، عن أمِّ الدرداء ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ الله تجاوزَ لأمَّتي عن ثلاث : عن الخطأ والنسيان والاستكراه ) . قال أبو بكر : فذكرت ذلك للحسن ، فقال : أجل ، أما تقرأ بذلك قرآنا : { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } (1) . وأبو بكر الهذلي متروك الحديث (2) .
    وخرَّجه ابن ماجه (3) ، ولكن عنده عن شهر ، عن أبي ذرٍّ الغفاري ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكر هوا عليه ) ولم يذكر كلام الحسن .
    __________
    (1) البقرة : 286 .
    (2) ذكر أبو بكر الهذلي لشعبة ، فقال : ( دعني لا أقيء ) ، وقال ابن معين : ( ليس بثقة ) ، وقال غندر : ( كان أبو بكر الهذلي كذاباً ) ، وقال البخاري : ( ليس بالحافظ عندهم ) ، وقال النسائي : ( متروك الحديث ) ، وقال أيضاً : ( ليس بثقة ) .
    انظر : الكامل لابن عدي 4/340 - 341 ، وميزان الاعتدال 4/497 .
    (3) في " سننه " ( 2043 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وأما الحديث المرسل عن الحسن ، فرواه عنه هشام بن حسّان (1) ، ورواه منصور ، وعوف عن الحسن (2) من قوله ، لم يرفعه . ورواه جعفر بن جسر بن فرقد ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن أبي بكرة مرفوعاً (3) ، وجعفر وأبوه ضعيفان (4) .
    قال محمدُ بن نصر المروزي (5) : ليس لهذا الحديث إسنادٌ يحتجُّ به حكاه البيهقي .
    وفي " صحيح مسلم " (6) عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال لما نزل قولُه تعالى { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } (7) قال الله : قد فعلتُ .
    __________
    (1) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20588 ) ، وعبد الرزاق ( 11416 ) ، وسعيد بن منصور في " السنن " ( 1145 ) .
    (2) أخرجه : سعيد بن منصور في " السنن " ( 1144 ) .
    (3) أخرجه : ابن عدي في " الكامل " 2/390 ، وأبو نعيم في " أخبار أصفهان " 1/90 - 91 و251 - 252 .
    (4) قال البخاري : ( جسر ليس بذاك عندهم ) ، وقال : ( ليس بقوي ) ، وقال ابن معين: ( جسر ليس بشيء ) ، وقال النسائي : ( جسر ضعيف ) ، وقال أبو حاتم : ( جسر ليس بالقوي كان رجلاً صالحاً ) ، وقال ابن عدي : ( لجعفر مناكير وأبيه مضعِّف ) ، وقال أيضاً : ( جسر من الضعفاء وابنه مثله ) . = = ... انظر : التاريخ الكبير 2/226، والجرح والتعديل 2/472 ، والكامل لابن عدي 2/390 و421 و425 ، وميزان الاعتدال 1/398 و404 .
    (5) في الاختلافات كما في " التلخيص الحبير " 1/672 .
    (6) 1/81 ( 126 ) ( 200 ) .
    وأخرجه : الترمذي ( 2992 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 11059 ) وفي " التفسير " ، له ( 79 ) ، والطبراني في " تفسيره " ( 5130 ) ، وابن حبان ( 5069 ) ، والواحدي في " أسباب النْزول " ( 116 ) بتحقيقي .
    (7) البقرة : 286 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وعن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أنَّها لما نزلت ، قال : نعم (1) ، وليس واحدٌ منهما مصرّحاً برفعه .
    وخرّج الدارقطني (2) من رواية ابن جُريج ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ، وما أكرهوا عليه ، إلاَّ أنْ يتكلَّموا به أو يعملوا ) ، وهو لفظ غريب . وقد خرَّجه النسائي (3) ولم يذكر الإكراه . وكذا رواه ابنُ عُيينة عن مِسعَرٍ ، عن قتادة ، عن زُرارة بن أوفى ، عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وزاد فيه : ( وما استكرهوا عليه ) خرَّجه ابن ماجه (4) . وقد أنكرت هذه الزيادة على ابن عيينة ، ولم يُتابعه عليها أحد . والحديث مخرَّجٌ من رواية قتادة في " الصحيحين " والسنن والمسانيد بدونها .
    ولنرجع إلى شرح حديث ابن عباس المرفوع ، فقوله : ( إنَّ الله تجاوز لي عن أُمَّتي الخطأ والنِّسيان ) إلى آخره تقديره : إنَّ الله رفع لي عن أُمَّتي الخطأ ، أو ترك ذلك عنهم ، فإنَّ ( تجاوز ) لا يتعدّى بنفسه .
    وقوله : ( الخطأ والنسيان ، وما استُكرِهُوا عليه ) .
    __________
    (1) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 5131 ) ، وأبو عوانة 1/75 – 76 .
    (2) في " السنن " 4/171 .
    وأخرجه : البخاري 8/168 ( 6664 ) عن زرارة بن أبي أوفى ، عن أبي هريرة ، مرفوعاً ، بلفظ : ( إنَّ الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم ) فلفظ الصحيح يعل لفظ رواية الدارقطني ، وكتاب الدارقطني وإن سمي بالسنن إلا أنَّ مؤلفه قصد بيان غرائب وعلل أحاديث الأحكام ، وقد نصّ على ذلك جمع من أهل العلم ، منهم : أبو علي الصدفي وابن تيمية وابن عبد الهادي والزيلعي ، وبيان ذلك في " الجامع في العلل " يسر الله إتمامه وطبعه .
    (3) في " المجتبى " 6/156 .
    (4) في " سننه " ( 2044 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    فأما الخطأ والنسيان ، فقد صرَّح القرآن بالتَّجاوُزِ عنهما قال الله تعالى : { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } (1) ، وقال : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } (2) .
    وفي " الصحيحين " (3) عن عمرو بن العاص سمع النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إذا حكمَ الحاكمُ ، فاجتهد ، ثم أصابَ ، فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ ، فله أجر ).
    وقال الحسن : لولا ما ذَكَر الله من أمر هذين الرجلين - يعني : داود وسليمان - لرأيت أنَّ القُضاةَ قد هلكوا، فإنَّه أثنى على هذا بعلمه ، وعَذَرَ هذا باجتهاده (4) : يعني : قوله : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ } (5) الآية .
    وأما الإكراه فصرَّح القرآن أيضاً بالتجاوز عنه ، قال تعالى : { مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ } (6) ، وقال تعالى : { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } (7) الآية .
    __________
    (1) البقرة : 286 .
    (2) الأحزاب : 5 .
    (3) البخاري 9/132 ( 7352 ) ، ومسلم 5/131 ( 1716 ) ( 15 ) و132 ( 1716 ) ( 15 ) .
    وأخرجه : أحمد 4/198 و204 ، وأبو داود ( 3574 ) ، وابن ماجه ( 2314 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 5918 ) و( 5919 ) ، وابن حبان ( 5061 ) .
    (4) أخرجه : ابن حجر في " تغليق التعليق " 5/291 – 292 .
    وقد ذكره البخاري 9/84 معلقاً .
    (5) الأنبياء : 78 .
    (6) النحل : 106 .
    (7) آل عمران : 28 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ونحن نتكلم إنْ شاء الله في هذا الحديث في فصلين : أحدهما في حكم الخطأ والنسيان ، والثاني في حكم الإكراه .
    الفصل الأول : في الخطأ والنسيان
    الخطأ : هو أن يَقصِدَ بفعله شيئاً ، فيُصادف فعلُه غير ما قصده ، مثل : أنْ يقصد قتلَ كافرٍ ، فيصادف قتله مسلماً .
    والنسيان : أنْ يكون ذاكراً لشيءٍ ، فينساه عندَ الفعل ، وكلاهما معفوٌّ عنه ، بمعنى أنَّه لا إثمَ فيه ، ولكن رفعُ الإثم لا يُنافي أنْ يترتَّب على نسيانه حكم .
    كما أنَّ من نسيَ الوضوء ، وصلَّى ظانّاً أنَّه متطهِّرٌ ، فلا إثم عليه بذلك ، ثم إنْ تبيَّنَ له أنَّه كان قد صلَّى محدِثاً فإنَّ عليه الإعادة .
    ولو ترك التسميةَ على الوضوء نسياناً ، وقلنا بوجوبها ، فهل يجبُ عليه إعادةُ الوضوء ؟ فيه روايتان عن الإمام أحمد (1) .
    وكذا لو ترك التسمية على الذبيحة نسياناً ، فيه عنه روايتان (2) ، وأكثرُ الفقهاء على أنَّها تؤكل .
    ولو ترك الصلاة نسياناً ، ثم ذكر ، فإنَّ عليه القضاء ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( من نامَ عن صلاةٍ أو نسيها ، فليُصَلِّها إذا ذكرها ، لا كفَّارةَ لها إلا ذلك ) (3) ثمَّ تلا : { أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي } (4) .
    __________
    (1) انظر : المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى 1/69 - 70 .
    (2) انظر : المصدر السابق 3/10 .
    (3) أخرجه : البخاري 1/155 ( 597 ) ، ومسلم 2/142 ( 684 ) ( 314 ) ، والبيهقي 2/218 و456 من حديث أنس بن مالك مرفوعاً بهذا اللفظ .
    (4) طه : 14 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ولو صلَّى حاملاً في صلاته نجاسةً لا يُعفى عنها ، ثم علم بها بعد صلاته ، أو في أثنائها ، فأزالها فهل يُعيدُ صلاته أم لا ؟ فيه قولان ، هما روايتان عن أحمد (1) ، وقد رُوي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه خلع نعليه في صلاته وأتمَّها ، وقال : ( إنَّ جبريل أخبرني أنَّ فيهما أذى ) (2) ولم يُعد صلاته .
    ولو تكلَّم في صلاته ناسياً أنَّه في صلاة ، ففي بطلان صلاته بذلك قولان مشهوران ، هما روايتان عن أحمد (3) ، ومذهبُ الشافعي : أنَّها لا تَبطُلُ بذلك (4) .
    __________
    (1) انظر : المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى 1/153
    (2) أخرجه : أحمد 3/20 و92 ، وأبو داود ( 650 ) ، وابن خزيمة ( 1017 ) ، وابن حبان ( 2185 ) ، والحاكم 1/260 ، والبيهقي 2/402 و431 من حديث أبي سعيد الخدري ، وهو حديث صحيح .
    وروي عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعبد الله بن مسعود .
    (3) انظر : المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى 1/13.
    (4) انظر : المجموع للنووي 4/15 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ولو أكل في صومه ناسياً ، فالأكثرون على أنَّه لا يَبطُلُ صيامه ، عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( مَنْ أَكل ، أو شرب ناسياً ، فليتمَّ صومه ، فإنَّما أطمعه الله وسقاه ) (1) . وقال مالك : عليه الإعادة ؛ لأنَّه بمنزلة من ترك الصلاة ناسياً (2) ، والجمهور يقولون : قد أتى بنيَّةِ الصيام ، وإنَّما ارتكب بعض محظوراته ناسياً ، فيُعفى عنه (3) .
    __________
    (1) أخرجه : أحمد 2/395 و425 و489 و491 و493 و513 ، والبخاري 3/40 ( 1933 ) و8/170 ( 6696 ) ، ومسلم 3/160 ( 1155 ) ( 171 ) ، وأبو داود ( 2398 ) ، وابن ماجه ( 1673 ) ، والترمذي ( 721 ) و( 722 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 3275 ) من حديث أبي هريرة .
    (2) انظر : المدونة الكبرى 1/334 وما ذهب إليه المصنف من هذا التعليل غير صحيح ، بل حجتهم في ذلك أنَّ هذا الحديث خبر آحاد وقد عارض القاعدة العامة التي تقول : النسيان لا يؤثر في باب المأمورات ، أي لا يؤثر من ناحية براءة ذمة المكلف قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" 3/197 : ( أصل مالك في أنَّ خبر الواحد إذا جاء بخلاف القواعد لم يعمل به ) فما يفسد الصوم بعدمه على وجه العمد ، فإنَّه يفسده على وجه النسيان ، كما في النية ، والصيام ركنه الإمساك ، فإذا فات الركن في العبادة وجب الإتيان به ، وقد تعذر هنا ، فاقتضى الحكم بفساد صومه ، وانظر : أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء : 219-220 .
    (3) انظر : المفصل لعبد الكريم زيدان 2/72 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ولو جامع ناسياً ، فهل حكمه حكم الآكل ناسياً أم لا ؟ فيهِ قولان : أحدهما : - وهو المشهور عن أحمد – أنَّه يَبطُلُ صيامُه بذلك وعليه القضاء ، وفي الكفارة عنه روايتان (1) . والثاني : لا يبطل صومه بذلك ، كالأكل ، وهو مذهب الشافعي (2) ، وحُكي رواية عن أحمد (3) . وكذا الخلاف في الجماع في الإحرام ناسياً : هل يبطُل به النُّسُكُ أم لا ؟، ولو حلف لا يفعل شيئاً ، ففعله ناسياً ليمينه ، أو مخطئاً ظانّاً أنّه غير المحلوف عليه ، فهل يحنث في يمينه أم لا ؟ فيه ثلاثةُ أقوالٍ هي ثلاث روايات عن أحمد (4) :
    أحدها : لا يحنث بكلِّ حال ، ولو كانت اليمينُ بالطَّلاق والعتاق ، وأنكر هذه الرواية عن أحمد الخلالُ ، وقال : هي سهو من ناقلها ، وهو قولُ الشافعي في أحد قوليه ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وابن أبي شيبة ، ورُوي عن عطاء ، قال إسحاق : ويُستحلف أنَّه كان ناسياً ليمينه .
    والثاني : يحنث بكلِّ حال ، وهو قولُ جماعة مِنَ السَّلف ومالك .
    والثالث : يفرَّق بين أنْ يكونَ يمينُه بطلاقٍ أو عتاقٍ ، أو بغيرهما ، وهو المشهورُ عن أحمد ، وقول أبي عُبيدٍ ، وكذا قال الأوزاعيُّ في الطلاق ، وقال : إنَّما الحديثُ الذي جاء في العفو عن الخطأ والنسيان ما دام ناسياً ، وأقام على امرأته ، فلا إثم عليه ، فإذا ذكر ، فعليه اعتزالُ امرأته ، فإنَّ نسيانَه قد زال . وحكى إبراهيم الحربي إجماعَ التابعين على وقوع الطلاق بالناسي .
    ولو قتل مؤمناً خطأً ، فإنَّ عليه الكفَّارةَ والدِّيَة بنصِّ الكتاب ، وكذا لو أتلف مالَ غيره خطأً يظنُّه أنَّه مالُ نفسه .
    __________
    (1) انظر : التمهيد لابن عبد البر 7/181 ، والمسائل الفقهية من كتاب الروايتين والواجهين 1/260 .
    (2) انظر : التمهيد لابن عبد البر 7/179 ، والمجموع 6/228 .
    (3) انظر : المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى 1/291
    (4) انظر : المغني لابن قدامة 11/175 – 176 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وكذا قال الجمهورُ في المُحرِم يقتل الصَّيدَ خطأً ، أو ناسياً لإحرامه أنَّ عليه جزاءه (1) ، ومنهم من قال : لا جزاءَ عليه إلاَّ أنْ يكونَ متعمداً لقتله تمسُّكاً بظاهر (2) قوله - عز وجل - : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } (3) الآية ، وهو رواية عن أحمد ، وأجاب الجمهورُ عن الآية بأنَّه رتَّب على قتله متعمداً الجزاء وانتقامَ الله تعالى ، ومجموعُهما يختصُّ بالعامد ، وإذا انتفى العمدُ ، انتفى الانتقامُ ، وبقي الجزاءُ ثابتاً بدليل آخر .
    والأظهر - والله أعلم - أنَّ الناسي والمخطئ إنَّما عُفي عنهما بمعنى رفع الإثم
    عنهما ؛ لأنَّ الإثم مرتَّبٌ على المقاصد والنيَّات ، والناسي والمخطئ لا قصدَ لهما ، فلا إثم عليهما ، وأمَّا رفعُ الأحكام عنهما ، فليس مراداً منْ هذه النصوص ، فيحتاج في ثبوتها ونفيها إلى دليلٍ آخر .
    الفصل الثاني : في حكم المكره
    وهو نوعان :
    أحدهما : من لا اختيارَ له بالكلِّيَّة ، ولا قُدرةَ له على الامتناع ، كمن حُمِلَ كَرْهاً وأدخل إلى مكانٍ حلف على الامتناع من دخوله ، أو حُمِل كَرْهاً ، وضُرب به غيرُه حتّى مات ذلك الغيرُ ، ولا قُدرة له على الامتناع ، أو أُضْجعت ، ثم زُنِي بها من غيرِ قُدرةٍ لها على الامتناع ، فهذا لا إثم عليه بالاتفاق ، ولا يترتَّب عليه حِنْثٌ في يمينه عند جمهور العلماء . وقد حُكي عن بعض السَّلف - كالنَّخعي - فيه خلاف ، ووقع مثلُه في كلام بعض أصحاب الشَّافعي وأحمد ، والصحيح عندهم أنَّه لا يحنث بحال .
    __________
    (1) كذا قال ابن عباس والحسن ومجاهد . انظر : تفسير الطبري ( 9782 ) و( 9784 )
    و( 9790 ) .
    (2) سقطت من ( ص ) .
    (3) المائدة : 95 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وروي عن الأوزاعي في امرأة حلفت على شيء ، وأحنثها زوجُها كُرهاً أنَّ كفارَتها عليه ، وعن أحمد روايةٌ كذلك ، فيما إذا وطئ امرأتهُ مُكرهةً في صِيامها أو إحرامها أنَّ كفارتها عليه . والمشهور عنه أنَّه يفسدُ بذلك صومها وحجُّها .
    والنوع الثاني : من أُكره بضربٍ أو غيره حتَّى فعل ، فهذا الفعلُ يتعلق به التَّكليفُ ، فإنَّه يمكنه أنْ لا يفعل فهو مختارٌ للفعل ، لكن ليس غرضُه نفسَ الفعل ، بل دفع الضَّرر عنه ، فهو مختارٌ مِنْ وجه ، غيرُ مختارٍ من وجهٍ ، ولهذا اختلف الناسُ : هل هو مكلَّفٌ أم لا ؟
    واتفق العلماءُ على أنّه لو أُكرِه على قتل معصومٍ لم يُبَحْ لهُ أن يقتُله ، فإنَّه إنَّما يقتُله باختياره افتداءً لنفسه من القتل (1) ، هذا إجماعٌ مِنَ العلماء المعتدِّ بهم ، وكان في زمن الإمام أحمد يُخالِف فيهِ مَنْ لا يُعتدُّ به ، فإذا قتله في هذه الحال ، فالجمهور على أنَّهما يشتركان في وجوب القَوَدِ : المكرهِ والمكرَه ؟ لاشتراكهما في القتل ، وهو قول مالك والشافعي في المشهور وأحمد ، وقيل : يجب على المكرِه وحده ؛ لأنَّ المكرَه صارَ كالآلة ، وهو قولُ أبي حنيفة وأحدُ قولي الشَّافعيِّ ، ورُوي عن زفرَ كالأوَّل ، ورُوي عنه أنَّه يجبُ على المكرَه لمباشرته ، وليس هو كالآلة ؛ لأنَّه آثمٌ بالاتِّفاق ، وقال أبو يوسف : لا قَودَ على واحدٍ منهما ، وخرَّجه بعضُ أصحابنا وجهاً لنا من الرِّواية لا توجب فيها قتل الجماعة بالواحد ، وأولى (2) .
    __________
    (1) قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي : ( انعقد الإجماع على أنَّ المكره على القتل مأمور باجتناب القتل والدفع عن نفسه ، وإنَّه يأثم إنْ قتل من أكره على قتله ) . فتح الباري 12/390 ، وقال عبد بن حميد : ( لا يعذر من أكره على قتل غيره لكونه يؤثر نفسه على نفس غيره ) . فتح الباري 12/395 .
    (2) انظر : تفسير الطبري 1/385 - 386 ، والمبسوط للسرخسي 24/72 – 73 و88 – 89 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ولو أكره بالضَّرب ونحوه على إتلاف مالِ الغير المعصوم ، فهل يُباحُ له ذلك ؟ فيهِ وجهان لأصحابنا : فإنْ قلنا : يُباحُ لهُ ذَلِكَ ، فضمنه المالك ، رجع بما ضمنه على المكره ، وإنْ قلنا : لا يُباح له ذلك ، فالضمانُ عليهما معاً كالقود . وقيل : على المكره المباشر وحدَه وهو ضعيف .
    ولو أُكره على شرب الخمر أو غيره من الأفعال المحرّمة ، ففي إباحته بالإكراه قولان:
    أحدُهما : يُباحُ له ذلك استدلالاً بقوله تعالى : { وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (1) ، وهذه نزلت في عبد الله بن أبيِّ بن سلول ، كانت له أمتانِ يُكرههما على الزنى ، وهما يأبيان ذلك(2) ، وهذا قول الجمهور كالشافعي ، وأبي حنيفة ، وهو المشهورُ عن أحمد ، ورُوي نحوه عن الحسن ، ومكحولٍ ، ومسروقٍ ، وعن عمر بن الخطاب ما يدلُّ عليه .
    وأهلُ هذه المقالة اختلفوا في إكراه الرَّجُلِ على الزِّنى ، فمنهم من قال : يصحُّ إكراهُه عليه ، ولا إثمَ عليه ، وهو قولُ الشافعي ، وابن عقيلٍ من أصحابنا ، ومنهم من قال : لا يصحُّ إكراهه عليه ، وعليه الإثمُ والحدُّ ، وهو قول أبي حنيفة ومنصوصُ أحمد ، ورُوي عن الحسن .
    والقولُ الثاني : إنَّ التقية إنَّما تكون في الأقوال ، ولا تقية في الأفعال ، ولا إكراهَ عليها ، رُوي ذلك عن ابنِ عباس ، وأبي العالية ، وأبي الشَّعثاء ، والربيع بن أنس ، والضَّحَّاك (3) ، وهو روايةٌ عن أحمد ، ورُوي عن سُحنون أيضاً .
    وعلى هذا لو شرب الخمرَ ، أو سرق مكرهاً ، حُدَّ .
    __________
    (1) النور : 33 .
    (2) انظر : تفسير الطبري ( 19749 ) و(19752 ) .
    (3) انظر : تفسير الطبري ( 5371 ) و( 5374 ) و( 5375 ) و( 5376 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وعلى الأول لو شرب الخمر مكرهاً ، ثم طلَّق أو أعتق ، فهل يكون حكمُه حكمَ المختارِ لشُربِها أم لا ؟ بل يكونُ طلاقُه وعِتاقه لغواً ؟ فيه لأصحابنا وجهان (1) ، ورُوي عن الحسن فيمن قيل له : اسجُد لصنمٍ وإلاَّ قتلناك ، قال : إنْ كان الصَّنمُ تجاهَ القبلة ، فليسجُد ، ويجعل نيَّته لله ، وإنْ كان إلى غير القبلة ، فلا يفعل وإنْ قتلوه ، قال ابنُ حبيب المالكي : وهذا قولٌ حسنٌ ، قال ابن عطية : وما يمنعه أنْ يجعلَ نيته لله ، وإن كان لغير القبلة (2) ، وفي كتاب الله : { فَأَيْنَمَا تُولُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ } (3) ، وفي الشرع إباحةُ التنفُّل للمسافر إلى غير القبلة ؟
    وأما الإكراه على الأقوال ، فاتَّفق العلماء على صحته ، وأنَّ من أُكره على قولٍ محرَّم إكراهاً معتبراً أنَّ لهُ أنْ يفتديَ نفسه به ، ولا إثمَ عليهِ ، وقد دلَّ عليهِ قولُ الله تعالى : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ } (4) . وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعمار : ( إنْ عادوا فَعُدْ ) (5) . وكان المشركون قد عذَّبوه حتَّى يوافقهُم على ما يُريدونه من الكفر ، ففعل .
    وأما ما روي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه وصَّى طائفةً من أصحابه ، وقال : ( لا تُشركوا بالله وإن قُطِّعتُم وحُرِّقتم ) (6)
    __________
    (1) انظر : المغني لابن قدامة 8/256 – 257 .
    (2) انظر : المحلى لابن حزم 9/130 .
    (3) البقرة : 115 .
    (4) النحل : 106 .
    (5) أخرجه : عبد الرزاق في " تفسيره " ( 1509 ) ، وابن سعد في " الطبقات " 3/189 ، والطبري في " تفسيره " ( 16563 ) وطبعة التركي 14/374 ، والحاكم 2/357 ، وأبو نعيم في " الحلية " 1/140 ، وهو مرسل .
    (6) أخرجه : البخاري في " الأدب المفرد " ( 18 ) ، وابن ماجه ( 4034 ) عن أبي الدرداء .
    وعن عبادة بن الصامت عند المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 920 ) ، واللالكائي في " أصول الاعتقاد " 2/822 .
    وعن معاذ بن جبل عند أحمد 5/238 ، والطبراني في " الكبير " 20/( 156 ) وفي " مسند الشاميين " ، له ( 2204 ) وأسانيدها كلها ضعيفة .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ، فالمرادُ الشِّركُ بالقُلوب ، كما قال تعالى : { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا } (1) ، وقال تعالى : { وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ } (2) .
    وسائر الأقوال يُتصوَّر عليها الإكراه ، فإذا أكره بغيرِ حقٍّ على قولٍ من الأقوال ، لم يترتب عليه حكمٌ مِنَ الأحكام ، وكانَ لغواً ، فإنَّ كلامَ المكرَه صدرَ منه وهو غيرُ راضٍ به ، فلذلك عُفيَ عنه ، ولم يُؤاخَذْ به في أحكام الدُّنيا والآخرة . وبهذا فارق النَّاسي والجاهل ، وسواء في ذلك العقود : كالبيع ، والنكاح ، أو الفسوخ : كالخُلع والطَّلاق والعتاق ، وكذلك الأيمان والنُّذور ، وهذا قولُ جمهور العلماء ، وهو قولُ مالك والشافعي وأحمد .
    وفرَّق أبو حنيفة بين ما يقبل الفسخ عندَه ، ويثبت فيه الخيارُ كالبيع ونحوه ، فقال : لا يلزمُ مع الإكراه ، وما ليس كذلك ، كالنِّكاح والطلاق والعتاق والأيمان ، فألزم بها مع الإكراه (3) .
    ولو حلف : لا يفعلُ شيئاً ، ففعله مكرهاً ، فعلى قول أبي حنيفة يَحنَثُ (4) ، وأمَّا على قول الجمهور ، ففيه قولان :
    أحدُهما : لا يحنَثُ ، كما لا يَحنَثُ إذا فُعِلَ به ذلك كرهاً ، ولم يقدر على الامتناع كما سبق ، وهذا قولُ الأكثرين منهم .
    والثاني : يَحنَثُ هاهنا ؛ لأنَّه فعله باختياره بخلافِ ما إذا حُمِلَ ، ولم يُمكنه الامتناعُ ، وهو رواية عن أحمد وقول للشافعي ، ومن أصحابه - وهو القفَّال - من فرَّق بين اليمين بالطَّلاق والعَتاق وغيرهما كما قلنا نحن في النَّاسي ، وخرَّجه بعض أصحابنا وجهاً لنا .
    __________
    (1) لقمان : 15 .
    (2) النحل : 106 .
    (3) انظر : المبسوط 24/135 باب الخيار في الإكراه
    (4) انظر : المبسوط 24/105 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ولو أُكره على أداءِ ماله بغيرِ حقٍّ ، فباع عقارَه ليؤدِّي ثمنه ، فهل يصِحُّ الشِّراءُ منه أم لا ؟ فيهِ روايتان عن أحمد ، وعنه رواية ثالثة : إنْ باعه بثمن المثل ، اشتُري منه ، وإنْ باعه بدُونه ، لم يشتر منه ، ومتى رضي المكرَهُ بما أُكْرِهَ عليهِ لحُدوثِ رغبةٍ لهُ فيهِ بعدَ الإكراه ، والإكراه قائمٌ ، صحَّ ما صدرَ منه من العقود وغيرها بهذا القصد . هذا هو المشهورُ عند أصحابنا ، وفيه وجهٌ آخر : أنَّه لا يَصِحُّ أيضاً ، وفيه بُعد .
    وأما الإكراه بحقٍّ ، فهو غيرُ مانعٍ مِنْ لُزوم ما أكره عليه ، فلو أُكره الحربيُّ على الإسلام فأسلم ، صحَّ إسلامه ، وكذا لو أكرهَ الحاكم أحداً على بيع ماله ليوفي دينه ، أو أُكره المؤلي بعد مدَّة الإيلاء وامتناعه مِنَ الفيئة على الطلاق ، ولو حلف لا يُوفِّي دينَه ، فأكرهه الحاكمُ على وفائه ، فإنَّه يَحنَثُ بذلك ؛ لأنَّه فعل ما حلف عليه حقيقةً على وجهٍ لا يُعذَرُ فيه . ذكره أصحابنا بخلاف ما إذا امتنع من الوفاء ، فأدَّى عنه الحاكمُ ، فإنَّه لا يحنَثُ ؛ لأنَّه لم يُوجَدْ منه فعلُ المحلوف عليه .
    ● [ تم شرح الحديث ] ●

    الحديث التاسع والثلاثون Fasel10

    جامع العلوم والحكم
    لإبن رجب الحنبلي
    منتدى ميراث الرسول . البوابة
    الحديث التاسع والثلاثون E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:22